فاتح زيوان
تمهيد:
يزخر تراثنا العربيّ بعديد من المعجمات التي تعبر بحق عن اجتهادات علمية لا يستهان بها، وهي تقترح منهجيات في التأليف المعجمي ارتقت إلى مدارس، وصارت رصيدا ثمينا لدى المحدثين، ينهلون منها في صناعة معجمات حديثة، وهذا ما سنحاول سرده في هذه المقالة ، ببيان دلالة المصطلح “معجم” لغة واصطلاحا، وطريقة معرفة الاسم الأعجميّ، ثم ننتقل إلى عرض المنهج المتبع لدى أولئك العلماء مع إظهار المآخذ التي وقع فيها أصحابها، وفي الجزء الثاني نعرض بعض المعجمات الحديثة وخصوصياتها ومطباتها.
الدلالة اللغوية والاصطلاحية لكلمة(معجم):
جاء في لسان العرب لابن منظور(1) أن كلمة”معجم” مأخوذة من مادة (عجم)، والعُجم، والعجَم خلاف العُرب والعَرب، ويقال عجمِيٌّ، وجمعه عَجَم، وخلافه عربي، قال تعالى:”وَلَوْلاَ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًا لَقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَاْعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَ الَّذينَ لاَيُؤْمِنُونَ فِي آذاَنِهِمْ وَ قْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيْدٍ.”(فصّلت/22). وإذا قلت كتاب مُعجَّم، فإن تعجيمه، تنقيطه؛ لكي تستبين عجمته وتضح، والأعجم، كل كلام ليس بعربي، وصلاة النهار عجماء؛ لأنه لا يجهر بها بالقراءة، وقد عجم العود؛ إذا عضه ليعلم صلابته من خوره. وعليه فإن صيغتي(فَعَّلَ) بالتضعيف، و(أَفْعَلَ) بالهمز، تأتيان لتدلا على عكس ذلك، فتعجيم الكتاب تنقيطه؛ كي تستبين عجمته ويصحّ(2)، ومنه حروف المعجم: (وهي الحروف المقطعة التي يختص أكثرها بالنَّقط من بين سائر حروف الاسم ومعناه حروف الخط المعجم … وناس يجعلون المعجم بمعنى الإعجام مصدرا، مثل المخرج والمدخل أي من شأن هذه الحروف أن تعجم) (3)،قال أبو الفتح عثمان بن جني”ت392هـ”(ومن الأسماء الضامنة لمعانيها في سلب تلك المعاني لا إثباتها. ألا ترى أن تصريف (ع ج م) أين وقعت في كلامهم إنما(هو للإبهام) وضدّ البيان. من ذلك العَجَم لأنهم لا يفصحون. ثم إنهم قالوا: أعجمت الكتاب إذا بيّنته وأوضحته فهو إذا لسلب معنى الاستبهام لا إثباته ) (4). ويشرح فكرة السلب هذه ويمثل لها فيقول:(أعجمت وزنه أفعلت، وأفعلت هذه، وإن كانت في غالب أمرها إنما تأتي للإثبات والإيجاب، نحو:” أكرمت زيدا”؛ أي أوجبت له الكرامة، فقد تأتي “أفعلت” أيضا، يراد بها السلب والنفي، وذلك نحو أشكيت زيدا ، إذا أزلت له عما يشكوه.. فكذلك أيضا، قولنا: أعجمت الكتاب؛ أي أزلت عنه عجمته…ونظيره أيضا أشكلت الكتاب؛ أي أزلت إشكاله، وقالوا أيضا:”عجَّمت الكتاب”،فجاءت “فعَّلت” للسلب أيضا) (5).
ومن معنى السلب هذا ، أطلقت لفظة(معجـم) على الكتاب الذي يراعي في ترتيب مادته ترتيب
الحروف، فكأنَّ هذا الكتاب يزيل إبهام هذه المادة المرتبة على حروف المعجم، ويبينها ويوضحها بما يجمعه من مواد لغوية، وغير لغوية، منسقا لها ومرتبا إيَّاها على حروف المعجم
ولم يقتصر استخدام هذا الاصطلاح (المعجـــــم) على اللغويين فحسب، بل وظفه أيضا رجال الحديث في مختلف مصنفاتهم، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، نجد كتابا يحمل عنوان: “معجم الصحابة” لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي”ت307هـ” وكذا المعجم الكبير والأوسط والصغير في أسماء الصحـابة لأبي القاسم عبد الله، المعروف بابن بنت منيع”ت315هـ”. أضف إلى ذلك”معجم الصحابة” لأحمد بن علي الهمـذاني”ت395هـ”، وغيرها من المعجمات. وقد قصد هؤلاء بلفظة المعجم ، الترتيب على الحروف لا غير، ولم يعرف بالتحديد أول استخدام للفظة في المعجمات اللغوية، باستثناء ما ذهب إليه “السامرائي”(6) الذي رجَّح أن تكون اللفظة أطلقت في أواخر القرن الرابع الهجري، أما قبل ذلك فهو كتاب، ولعل أول معجم حملها، هو معجم “مقاييس اللغة” لابن فارس”ت395هـ” .
وأما إطلاق القـاموس على المعجـم، فهـو إطلاق متأخـر، سببه شيـوع “القاموس المحيـط” “للفيروز أباديّ”ت816هـ”،إذ أصبحت كلمة “القاموس”، تقابل في الاستعمال كلمة”المعجم”، فصار كل معجم قاموسا. وعلى إثر ذلك، يمكننا القول أن المعجم، هو قاموس، أو كتاب يحتوي على كلمـات منتقـاة من اللغة، ترتب عادة ترتيبا هجائيا، مع معلومـات دلالية ونحـوية عنها، فهو يضم أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها وتفسير معانيها، على أن تكون المواد مرتبة ترتيبا خاصا، إما على حروف الهجاء أو الموضوع، والمعجم الكامل هو الذي يضم كل كلمة في اللغة مصحوبة بشرح معناها واشتقاقها وطريقة نطقها وشواهد تبين مواضع استعمالها، وهو بحسب كل علم ، الفيزياء تخلق معجمها(مثل المعجم الموحد لمصطلحات الفيزياء العامة والنووية،حيث يحتوي على6318مصطلحا،تولت طبعه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم مكتب تنسيق التعريب،الرباط،1989)، والكيمياء لها معجمها(المعجم الموحد لمصطلحات الكيمياء، ويحتوي على4535مصطلحا، طبع من لدن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلـوم مكتب تنسيق التعريب الرباط،1992)…،واللغة تنتج المعجم اللغوي الذي تعد فيه الكلمة المادة الأساسية ومن هنا عرِّف المعجم اللغوي بأنه: (كتاب يضم بين دفتيه أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها، وتفسير معانيها على أن تكون المواد مرتبة ترتيبا خاصا، إما على حروف الهجاء أو الموضوع، والمعجم الكامل هو الذي يضم كل كلمة في اللغة مصحوبة بشرح معناها واشتقاقها وطريقة نطقها وشواهد تبيِّن مواضع استعمالها)(7).
طريقة معرفة عجمة الاسم :
ذكر أبو منصور الجواليقي”ت540 هـ”(8) في “باب ما يعرف من المُعرَّب “بعض الوجوه التي تعرف بها عجمة الاسم كما يأتي:
*1- أن تجتمع في الاسم الجيم والقاف في مثل: المنجنيق، الحَوْق.
*2- أن تجتمع في الاسم الجيم والصاد في مثل: الصولجان/ الجص.
*3- أن يكون أوله نون بعدها راء في مثل: نرجس، نروج.
*4- أن يكون أخره زاي بعد دال في مثل: مهندز / مهندس
*5- أن يكون خماسيا ورباعيا عاريا من حروف الذلاقة:ل،ر،ن،م،ف،ب.
*6-أن يخرج عن أوزان الأسماء العربية نحو:إبريسم، فمثل هذا الوزن مفقود في أبنية الأسماء
أمثلة في الأسماء الأعجمية:
أورد ابن عباس”ت68هـ” كلمات أعجمية في القرآن الكريم، فمما نقله عنه الطبري” ت310 هـ” (9) أنه سئل عن قوله تعالى: “كَأَنَّهُمْ حُمْرٌ مُسْتَنْفرَة* فَرَّت من قَسْوَرَة” (المدثر/50/51). فلفظة”قسْورَة” بالعربية تعني:الأسد، وبالحبشية”قسورة”وبالفارسية “شار وبالنبطية ” أريا “،وقد أشار سيبويه” المتوفي180هـ” في كتابه للأسماء الأعجمية التي عرّبت في باب بعنوان “هذا باب ما أعرب من الأعجمية”، بقوله:” اعلم أنهم مما يغيرون من الحروف الأعجمية (أي الكلمات) مما ليس من حروفهم البتة ( أي كلماتهم )، فربما ألحقوه ببناء هجرع، وبهرج ألحقوه بسهْلب ودينار ألحقوه بديماس ، وقالوا: إسحاق ألحقوه بإعصار، ويعقوب فألحقوه بيربوع، وجورب ألحقوه بفوعل…. ولما أرادوا أن يعرّبوه ألحقوه ببناء كلامهم كما يلحقون الحروف بالحروف العربية…وربما غيروا الحرف الذي ليس من حروفهم ولم يغيروه عن بنائه في الفارسية، نحو:…آجُر ، وجُربز…” (10). والشيء ذاته في قولهم”رَاعنَا”، في قوله تعالى: “لاَ تَقُولُوا رَاعنَا وَقُولُوا انْظُرنَا وَاسْمَعُوا وَ للكَافريْنَ عَذَابٌ أَليْمٌ” (البقرة/104) وهي- راعنا- رديف للسبّ والشتم في العبرية/اليهود، ولفظة”هَيْت لَكَ” التي وردت في قوله تعالى،” وَغلَّقَت الأَبْوَابَ وَ قَالَتْ هَيْتَ لَكَ” (يوسف/23)، وهي تعني في القبطية “هلّم لك” ومثلها: “الصراط” و”القسطاس” و”الفردوس” ذات الأصول الرومية، ولفظة “قرآن” التي هي أرامية وأصلها “قران”…الخ.
صناعة المعجم عند اللغويين القدامى:
لقد دعت الحاجة إلى تدوين اللغة العربية في معجمات؛ وذلك لتمكين أبناء المجتمع العربي من حفظها وتعلمها، وحماية العربية من الدخيل الذي لا ترضى عنه، وصيانة ثروتها من الضياع، وكذا الإحاطة والاستزادة من كثير من المعلومات التي توضح ما يحيـط بالمادة الأساسية فيه ألا وهي الكلمة، فكانت لغـة حافلة بالمعجمات، واهتدى علماء العربية الأوائل إلى وضع معجمات في العربية بعد مرحلة جمعها وروايتها شفهيا، ثم مرحلة التدوين والكتابة في دفاتر ورسائل لغوية، خاصة في النوادر والغريب والأسماء والصفات وكان الحفاظ يشدهم في ذلك كما أسلفت ذكره،هو حفظ لغة القرآن الكريم من اللحن والعجمة والضياع، وفي هذا الصدد يقول”ابن خلدون المتوفى 808هـ”:”فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتاب والتدوين خشية الدروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث، فشمَّر كثير من أئمة اللسان لذلك وأملوا فيه الدواوين” (11)، وعدَّت صناعة المعجم العربي من أقدم الصناعات المعجمية في اللغات الحية وأغزرها كمًّا وأغناها نوعا،إذ أدرك المعجميون العـرب لجانبين مهمين في طبيعة الكلمة التي تشكل المعجم، وهما: جانب اللفظ، وجانب المعنى، واختلفوا في أسلوب تناول المادة اللغوية، وطريقة العرض، كما اختلفوا في التردد على مظانها، ومصادر روايتها، مما أفضى إلى ظهور نوعين من المعجمات اللغوية، هما: معجمات الألفاظ ومعجمات المعاني .
1*- معجمـات الألفـاظ: ويراد بها تلك المعجمات التي تضم أكبر قدر من مفردات اللغة مقرونة بشرح وتفسير معانيها، و لها ترتيب خاص، وأول هذه المعجمات “معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي” المتوفى175 هـ”.هذا الرجل الذي شكَّل بحق مدرسة معجمية سميت باسمه؛ أي مدرسة الخليل، ونال بحق رتبة إمام هذه المدرسـة وإمام المعجميين ، فإليه يعود الفضل في شق طريق التأليف المعجميّ، بمعية “اسحاق بن مرار أبي عمرو الشيباني الكوفي” المتوفى 213هـ”، وقوام مدرسته ترتيب المواد على الحروف بحسب مخارجها، حيث قلَّب أ،ب،ت،ث، فوضعها على قدر مخرجها من الحلق “، فرتبه: ع ح هـ خ غ، ق ك،ج ش ض، ص س ز، ط د ت ، ظ ذ ث،ر ل ن، ف ب م، و، ي،همزة . وهو ترتيب ابتدعه الخليل بدراسة ذوقية علمية(12)،معتمدا في ذلك على جهاز النطق،غير راض بالترتيب الأبجدي القديم، ذاهبا إلى أن أقصى مخرج في الحلق،هو حرف “العين”، مبتدئا بالأعمق في الجوف، منتهيا بالشفتين، ومما عرف عنه أنه كان يتذوق الحروف بلسانه، فكان يفتح فاه بالألف ثم يظهر الحرف،بأن وضع قبل كل حرف همزة وسكن الحرف،على هذا النحو،أَبْ،أتْ ،أحْ ،أعْ،أغْ.. مستفيدا من مهاراته الرياضية والموسيقية،ووجد العَيْنَ أدخَلَ الحروف في الحلق(13) ، فجعلها أول الكتاب ثم ما قرب منها الأرفع فالأرفع، حتى أتى على آخرها وهو الميم، وقد روي عن الخليل أنّه بدأ بالعين دون سواها من أصوات الحلق لأسباب تتبيّن من قوله : “لم أبدأ بالهمزة لأنّها يلحقها النقص والتغيير والحذف، ولا بالألف ؛ لأنها لا تكون في ابتداء كلمة ولا في اسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة،ولا بالهاء لأنها مهموسة خفية،لاصوت لها،فنزلت إلى الحيز الثاني، وفيه العين والحاء فوجدت العين أنصع الحرفين، فابتدأت به ليكون أحسن في التأليف…”(14)، معتمدا نظام الكميّة(15) في مادته المعجمية، إذ رأى أنّ الكلمات العربية باعتبار أصولها إما أن تكون ثنائيّة أو ثلاثيّة أو رباعيّة أو خماسيّة ؛إذ يقول:”كلام العرب مبنيّ على أربعة أصناف:على الثنائيّ والثلاثيّ والرباعيّ والخماسيّ فالثنائيّ على حرفين نحو:قد ولم…والثلاثيّ من الأفعال نحو قولك: ضرب … ومن الأسـماء نحو: عمر……والرباعيّ من الأفعال نحو: دحرج …ومن الأسماء نحو : عبقر… والخماسيّ من الأفعال نحو اسحنكك واقشعر…ومن الأسماء نحو : سفرجل…وليس للعرب بناء في الأسماء ولا في الأفعال أكثر من خمسة أحرف.فمهما وجدت زيادة على خمسة أحرف في فعل واسم،فاعلم أنها زائدة على البناء، وليست من أصل الكلمة” (16)، وقسَّم المعجم إلى كتب، وفرِّعت الكتب إلى أبواب بحسب الأبنية،وحشد الكلمات في الأبواب، وتقليب اللفظة على أوجهها المختلفة، مثل قوله في باب السين والميم مع الواو والألف والياء: سوم، ووسم، سمو، مسو، موس، ملتزما بنظام التقليبات الصوتية الستة،بناء على أن الكلمة ثلاثية فحينما عمل هذا النظام في الثلاثي وجد أنه يعطيه ست مواد :(قول) و(ولق) و (لقو) و(قلو) و(وقل) و(لوق)، وفي الرباعي، تتكون أربع وعشرون مادة،نحو قولك مثلا في “بعثر”: ( بعثر) ، (عثبر) ، ( رثعب) ، (عبثر)، (برثع)، (ثربع)، ( ربثع )، (ثربع) ، (ربعث )، (رثعب)، (بعرث)، (عبرث)، (عرثب)، (ثرعب) ، (بثرع)، (ثعرب)، (ثعبر)، (ثبرع)، (ربعث)، (برعث)، (رعثب)، (عثرب)، (ربعث) ـ (ثبعر) .
وفي الخماسي تتكون مئة وعشرون مادة، وذلك ناتج عن عملية رياضية، بضرب خمسة حروف في أربع وعشرين مادة التي تنتج عند تقليب الرباعي، علما أن بعض المواد تكون لها معان، في حين تكون الأخرى مهملة،وطريقته هذه في معالجة الألفاظ ،تدل على أنه كان مهتما بإيراد المشتقات والصيغ المختلفة ،أضف إلى ذلك أنها تنبئ عن مدى اطلاعه الواسع على مختلف الموضوعـــــات اللغــــــوية في عصره، مستفيدا من مهـــــاراته الرياضية والموسيقية،معتمدا في شروحـاته على الشواهد،نثرية أو شعرية، مستشهدا بالقرآن الكريم كما في (صعد)(17) ،و بالحديث الشريف في (منن) و(عتم) ، و(فدد)(18)، دون أن يهمل الاستشهاد بالشعر،بل هو من أكثر أنواع الشواهد عنده،موسعا مجاله،فإلى جانب استشهاده بالجاهليين أمثال:”النابغة”كما في (ذع) و (عرر)(19)،وامرئ القيس في (خلع) والمخضرمين، أمثال: الحطيئة في (قعد)،وعلي بن أبي طالب في (زعق)(20)،والإسلاميين أمثال:جرير في(عقب)(21)…،فقد استشهد للعباسيين أمثال:بشار بن برد كما في (جعب)(22)،وحفص الأموي كما في(عقل)(23) .وبذلك مدَّ عصر الاستشهاد ليشمل فصحـاء الشعراء العباسيين المعروفين بتمكنهم من اللّغـة، وقد خالف بهذا جمهور اللغويين(24) الذين حظروا الاستشهاد بشعراء هذا العصر، ووقفوا عند إبراهيم بن هرمة من الأمويين. أضف إلى ذلك ورود أشعار غير منسوبة، معتنيا باللهجات واللغات العامية عناية كبيرة،ناصا على كثير من ظواهرها.فمن اللهجات العربية التي ذكر استعمالاتها لهجة هذيل كما في (قنع)،ولهجة أهل اليمن كما في (عقل) الذي هو نقيض الجهل،وغيرهما.
ولم تسلم مادة المعجم من كثير من المآخذ من لدن العلماء،من جملتها أنه أهمل مواد كثيرة، استدركها عليه المتأخرون،وأنه فسر أشياء على غير وجوهها الصحيحة، وكذا إشارته إلى استعمال ألفاظ،لم تكن من كلام العرب، بل هي مولّدة أو محدثة، وأنه حشر المهموز إلى جانب المعلول، ولم يميز بين ما يعتل
بالواو عما يعتل بالياء… ونجد صاحب(العين) يقدّم الاسم على الفعل والمزيد على المجرد، وقد عيب على هذا النظام صعوبة البحث ، ومشقة الاهتداء إلى اللفظ المراد ؛ بسبب قيامه على المخارج والأبنية والتقليبات،وهذا ما لمسه بعض المعجميين القدماء أنفسهم،فهذا ابن دريد”ت332هـ”يقول في مقدمته عن الخليل وكتاب (العين)”…وقد ألَّف أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفرهودي رضوان الله عليه كتاب العين فأتعب من تصدّى لغايته وعنى من سما إلى نهايته، فالمنصف له بالغالب معترف، والمعابد متكلف، وكل من بعده له تبع.” (25)،ثمّ نراه يلتمس العذر للخليل بقوله أيضاً:”..ولكنه رحمه الله ألَّف كتابه مشاكلا لثقـوب فهمه ، وذكـاء فطنته ، وَحِدَّةِ أذهانِ أهل دهره”(26).إلى غير ذلك من المآخذ.وعلى الرغم من هذه الهنَّات التي مسَّت الكتاب إلا أن ذلك لم يثن بعض رواد التأليف المعجميّ من الاهتمام به،والسير على نهجه،فقد التزمه الأزهري(أبو منصور محمد بن أحمد–282هـ- 370هـ) في كتابه” تهذيب اللغة”، والصاحب بن عباد “ت 385هـ” في معجمه”المحيـط”وأبي علي القالي(إسماعيل بن القاسم البغدادي”356هـ”) في معجمه:”البارع”، ثم انتشرت مبادئ مدرسة ثانية،وهي المدرسة الألفبائية(سميت بهذا الاسم لأنها تعتمد على الترتيب المعروف:أ ب ت ث ج ح خ د ذ …)،إذ يعود الفضل في ابتداع هذا النظام(الألفبائي) إلى أبي عمروالشيبانيّ”ت206هـ” في كتابه”الجيم”الذي علَّق عليه أبو الطيب اللَّغـويّ”ت351هـ”، قائلا: “وأما كتاب الجيم فلا رواية له لأن أبا عمرو بخل به على الناس فلم يقرأه عليه أحد” (27)، وأخذ به ابن دريد”ت321هـ” في”الجمهرة” وفي مقاييس اللغة، ومجمل اللغة،لابن فارس(أحمد بن زكريا- ت395هـ-) وفي أساس البلاغة للزمخشريّ “ت 538 هـ” وغيرها، ولم يكن هؤلاء الرواد مقلدين،ذلك أنهم يتبعوا الخليل في كل حيثيات وتفاصيل منهجه،بل خالفوه في بعض منهجه ، وأضافوا إلى طريقته أشياء جديدة ، فعد هذا الجديد ثمرة تطور التأليف المعجمي الملحوظ، ولعل من أوجه الخلاف بين رائد هذه المدرسة وأتباعها أن الخليل جعل كل كتاب في معجمه قائما على حرف من حروف الهجاء،مقسما إياه إلى أربعة أبواب ،الثنائي المضاعف،والثلاثي الصحيح،واللفيف،جاعلا الباب الرابع للرباعي والخماسي. والشيء نفسه ما صنعه القاليّ،غير أنه أفرد لكل من الرباعيّ والخماسيّ بابا، وعزل ما كان ثلاثيا معتلا بحرف عن اللفيف،وسماه الثلاثي المعتل والأزهريّ خالف الخليل في المهموز وأحرف العلة، بإفراده المهموز دون تفرقة،وعزله عن المعتل، ولكنه لم يوفق.
أما ابن دريد(أبو بكر محمد بن الحسن الأزدي البصري”223 هـ- 321هـ”)فقد توخى منهج الخليل في وضع معجمه،الموسوم بـ”الجمهرة”؛ معللا تسميته، بقوله:”هذا كتاب جمهرة الكلام واللغة ومعرفة جمل منها تؤدي الناظر فيها إلى معظمها إن شاء الله…وإنما أعرناه هذا الاسم لأنّا اخترنا له الجمهور من كلام العرب وأرجأنا الوحشيّ المستنكر والله المرشد للصواب”(28)مهملا ترتيب الخليل للحروف،متخذا ترتيب النصر بن عاصم الليثي”ت89هـ”أساسا لوضع أبواب الكتاب وفصوله(29) ولذلك كان باب الهمزة في مقدمة الأبواب،ثم يجئ باب الباء،فالتاء فالثاء…الخ،في حين بقيت طريقة التقليبات الصوتية، وتفسير المستعمل من الألفاظ على حالها كما سنها الخليل بن أحمد الفراهيدي،فإذا أراد الباحث التماس حرف تنائي في الجمهرة مثلا عليه أن يبدأ بالهمزة ،والباء ،ثم الهمزة والتاء إلى آخر الحروف،في حين في الثلاثي،يبدأ بالسالم،وما زيد بحرف فموضعه مع المعتل في آخر الثلاثي .وأمّا الخماسي فبوَّب له ابن دريد أبوابا خاصة، وألحق به السداسي في آخر الكتاب، وتميز هذا الكتاب بالإشارة إلى عدد من الألفاظ اليمانية ولغة جنوب الجزيرة،والنوادر والغريب، ولعل ذلك يرجع إلى كون ابن دريد أزديا يمانيا ، لكنه لم يسلم من النقد، فقد ذهب أحد خصومه بعد أن فرغ من قراءته للمعجم إلى إنكار كتاب الجمهرة بحجة أنه نسخة من كتاب العين،إلا أنه قد غيَّره (30) .
والظاهر هو أن ترتيب هذه المعجمات ، جاء وفق أوائل الكلمات ، غير أنها هي الأخرى لم تخلُ من بعض المآخذ، أهمها، صعوبة الطريقة التي تناولت بها المفردات،الشيء الذي أدى إلى صعوبة الاستفادة منها، مما دفع ببعض علماء العربية إلى التفكير في وضع طريقة جديدة ،سهلة المأخذ للمادة اللغوية،وتكلل عن ذلك ظهور مدرسة معجمية ثالثة،تمثلت في صحاح الجوهريّ”ت398هـ”،ولسان العرب لابن منظور”ت711هـ”،والقاموس المحيط للفيروز أباديّ”ت817هـ”وتاج العروس للزَّبيدي “ت1205هـ”، فالجوهريّ وضع كتابه على ثمانية وعشرين بابا؛أي على عدد الحروف،وجعل لكل باب فصلا؛أي على عدد الحروف أيضا،بحيث جعل الباب قافية الكلمة، وجعل الفصل صدر الكلمة،وراعى بينهما الحرف الحشو مرتبا أيضا من حرف الألف حتى الياء،وبذلك وضع مفردات اللغة:”أما بعد فإني قد أودعت هذا الكتـاب ما صحَّ عندي من هذه اللغة التي شرَّف الله تعالى منزلتها وجعل علم الدين والدنيا منوطا بمعرفتها على ترتيب لم أسبق إليه وتهذيب،لم أغلب عليه في ثمانية وعشرين باباً وكلّ باب منها ثمانية وعشرون فصلا على عدد حروف المعجم وترتيبها إلا أن يهمل من الأبواب جنس من الفصول”(31)،فهو بحق إمام مجدد،فقد استطاع بمنهجه هذا تقريب اللغة إلى الباحثين،فعديد من المعجمات والكتب اللغوية مرتبة الترتيب الذي وضعه الجوهري،مما يدل على عظم مدرسته،إذا ينبني على ترتيب حروف المعجم باعتبار آخر الكلمة،بدلا من أولها،ثم النظر إلى ترتيب حروف الهجاء عند ترتيب الفصول،فالأول سماه”بابا”،والثاني”فصلا”،فكلمة”بسط” يبحث عنها في باب الطاء؛لأنها آخر حرف فيها،وتقع في فصل الباء؛ لأنها مبدوءة بها.ولم يقف إمام هذه المدرسة عند الحرف الأخير،بل نظر إلى الحرف الأول، ثم تجاوز ذلك إلى الحرف الثاني في الثلاثي، والحرف الثالث في الرباعي،والحرف الرابع في الخماسي،حتى يكون الترتيب دقيقا.
ومن أشهر أتباع هذه المدرسة الإمام الصغاني في معجماته المشهورات:”التكملة والذيل والصلة”، و”مجمع البحرين”، و” العباب”، وابن منظور في “اللسان”، و الفيروز أبادي في”القاموس المحيط”،وقد حاول هذا الأخير منافسة الجوهري،وإظهار عجزه وقلة بضاعته، غير أنَّه لم يتمكن من ابتكار أسلوب جديد، بل اتبع الجوهري في النظام والترتيب والمنهـج، و سارت على نهج ” الترتيب الألفبائي”بعض المعجمات المعاصرة، منها”معجم الوسيط،الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
وهكذا ظلّ أصحاب معجمات الألفاظ، يعتمدون في جمع مادتهم المعجميّة على الرّواية النقليّة عن السابقين حتى رأينا ذلك واضحاً جلياً عند المتأخرين منهم خاصة كصاحب(المقاييس) وصاحب (اللسان) وصاحب( التّاج)،فقد ذكر الأول أنّه اعتمد في جمع مادته المعجمية على خمسة كتب،هي., كتاب العين للخليل ، وإصلاح المنطق لابن السّكيّت ، والجمهرة لابن در يد ، وغريب الحديث ، ومصنّف الحديث لأبى عبيد ، حيث يقول في مقدمته:”فهذه الكتب معتمدنا فيما استنبطناه من مقاييس اللغة وما بعد هذه الكتب فمحمول عليها وراجع إليها”(32).
ويفصح ابن منظور في (اللسان) عَلى أنّه نقل معجمه عن سابقيه كتهذيب اللغة للأزهري، والمحكم لابن سيده ، والصحاح للجوهري ، والحواشي لابن بريّ ،والنهاية لابن الأثير، وفي ذلك يقول:”وقد نقلت: من كلّ أصل مضمونه ،ولم أبدل منه شيئاً بل أديت الأمانة وما تصرفت فيها بكلام غبر ما فيها فليعتدّ من ينقل عن كتابي هذا أنَّه إنَّما ينقل عن هذه الأصول الخمسة،وليَعن عن الاهتداء بنجومها فقد غابت لمَّا أطلَعتُ شمسَه”(33).
ويذكر الزَّبيديّ صاحب ( التاج ) أنّه جمع مادته المعجميّة مما يقرب من مائة وعشرين كتابا من بينهاالمعجمات: كالجمهرة والتهذيب والمحكم والصحاح والمجمل ولسان العرب، والتكملة وأساس البلاغة وغيرها ، موضحاً في مقدمته أنّ عمله اقتصر في كتابه (تاج العروس) على جمع ما تفرّق في هذه الكتب، إذ يقول :”وجمعت منها في هذا الشرح ما تفرّق وقرنت بين ما غرّب منها وبين ما شرّق وأنا مع ذلك لا أَدعي فيه دعوى فأقول شافهت أو سمعت أو شَدَدْت أو رحلت وليس لي في هذا الشرح فضيلةٌ سوى أنني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب”(34).
وصفوة القول: هو أن علماءنا الأوائل أثروا اللغة العربية بكثير من المصنفات المعجمية ،مستفيدين من بعضهم ، وكان يشدهم في ذلك التنافس العلمي، و تقديم نتاج ذي أهمية علمية.
2*- معجمات المعاني: – مدرسة أبي عبيد:
وهي التي تنسب إلى أحد أئمة اللغة والأدب(أبي عبيد القاسم بن سلام”ت 224هـ”)، وقواعـدها
بناء المعجم على المعاني والموضوعات،وذلك بعقد أبواب وفصول للمسميات التي تتشابه في المعنى أو تتقارب،وكانت طريقة أبي عبيد من أولى المراحل التي بدأ فيها التأليف اللغوي ولكن بدأ كتبا صغيرة،كل كتاب يؤلَّف في موضوع،مثل كتاب الخيل،وكتاب اللبن،وكتاب العسل،وكتاب الحشرات،ولعل أشهر معجم له،هو معجم”الغريب المصنف”الذي قال فيه القفطي، متحدثا عن أبي عبيد،قائلا:”وقد سبق إلى أكثر مصنفاته،فمن ذلك(الغريب المصنف) وهو من أجل كتبه في اللغة، فإنهاحتذى فيه كتاب النضر بن شميل المازني الذي يسميه كتاب(الصفات)،وبدأ فيه بخلق الإنسان، ثم بخلق الفرس،ثم بالإبل،فذكر صنفا بعد صنف،حتى أتى على جميع ذلك…”(35).
وذكر القفطي أيضا أن أبا عبيد قال متحدثا عن كتابه الغريب المصنف:”مكثت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة،أتلقف مافيه من أفواه الرجال،فإذا سمعت حرفا عرفت له موقعا في الكتاب بت تلك الليلة فرحا”(36)،وقد قسم أبو عبيد معجمه على ما يقرب من ثلاثين كتابا، تمثل الموضوعات الرئيسة،مثل: “كتاب النساء”،و”كتاب خلق الإنسان”الذي يحتوي على باب تسمية خلق الإنسان ونعوته،وباب نعوت خلق الإنسان،وباب نعوت دمع العين،وباب أسماء النفس..،وما يلاحظ على كتابه خلق الإنسان،هو أن تتابع الأبواب فيه لم يكن وفق أساس موضوعي معين،وإنما جاء بها كيفمااتفق، وهذا ما يوجد في جميع كتب الغريب المصنف،إذ لا منهج في ترتيب الأبواب،وهو يصدق أيضا على جميع معجمات المعاني التي سارت على نظامه. أضف إلى ذلك أن كتابه يفتقد إلى مقدمة يبسط فيها المؤلف الكلام على المنهج والمصادر وطبيعة المادة ،أضف إلى ذلك الاختصار الشديد في تفسير الألفاظ،والقلة المفرطة في الشواهد مع عدم تنوعها،على أنه-كتابه الغريب المصنف-من الجانب الآخر اختص بحسنات أهمها أنه يعد تطورا في معجمات المعاني(37) .
وقد اتخذه من جاء بعده أساسا في منهجه،ومصدرا في مادته ، كما فعل “ابن سيدة ” “في المخصص”حيث نهج سبيله،وجمع مادة كتابه من جملة من كتب اللغة،أشار إلى بعضها في المقدمة من الكتاب فقال:”وكتابنا هذا قد احتوى على جميع هذه الفنون،كل فن منها فيه مستوعب تام،محتو لما انتهى إلينا من الألفاظ المقولة عليه،عام”(38).
ومحصول القول أن المدارس المعجمية أربعة: المدرسة الصوتية والتي تمثلت بمعجم العين والمدرسة الألفبائة، ويمثلها الجمهرة لا ريد، والمقاييس والمجمل لابن فارس، ومدرسة ثالثة تمثلت في صحاح الجوهري ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزأبادي ، وتاج العروس للزبيدي.أما المدرسة الرابعة فهي المدرسة البلاغية التي تمثلت بأساس البلاغـة للزمخشري الذي نهج في ترتتيب معجمه نهجا خاصا جديدا، فرتب مواد العربية فيه حسب أوائلها: أولا وثانيا وثالثا.
صناعة المعجم عند اللغويين المحدثين:
اهتم الدارسون العرب المحدثون بأهمية بالمعجمات، وذلك في ظل تدفق النظريات اللسانية وما عجت به من مصطلحات غربية، فحاولوا نقلها إلى اللغة العربية،لتمكين الدارس العربي من الاطلاع وفهم تلك المعارف الوافدة إليه ،ومن أجل تيسير تلك المهمة،قام اللغويون العرب بوضع معجمات ،شملت عديد من المجالات العلمية،بمافيها مجال اللغويات،فكثرت المحاولات الفردية،منها على سبيل المثال لا الحصر محاولة الحمزاوي الرائدة،في معجمه الموسوم بـ”معجم لغوي أعجمي”،وهناك أيضا “محيط المحيط” للبستاني(المعلم بطرس)،وكذا “معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا”1872 – 1953 ” كما صنفا كل من “مجدي وهبة وكامل المهندس” معجم المصطلحات العربيّة في اللغة والأدب،ومعجم مصطلحات علم اللغة الحديث عربي- إنجليزي و إنجليزي– عربي،من تأليف باكلا وآخرون،1983ومعجم اللسانية فرنسي/عربي مع مسرد ألفبائيّ بالألفاظ العربية لبسام بركة(1985)
ولم تقتصر الجهود المعجمية عند العرب على الأفراد فحسب، بل أسهمت المجامع العلمية اللغوية في تلك الجهود، حيث يشيد أعضاء المجامع بمختلف الجهـود التي تبذل في سبيل إعداد مشروعات معجمية،حيث تولت المنظمة العربية للتربية والثقافة على عاتقها،من خلال مكتب تنسيق التعريب بالرباط،طبع عديد من الكتب التي تناولت قضية التعريب،والمعجم بخاصة ولعل أهمها “المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات”الذي شارك في تأليفه كثير من الباحثين العرب من مختلف الأقطار العربية ، نسلط الضوء على تلك المعجمات، بالنقد والتحليل البنّاء.
1*- المصطلحات اللغوية الحديثة في اللغة العربيَّة معجم عربيّ أعجميّ وأعجميّ عربيّ:
لاشك أن محاولة الحمزاوي تندرج ضمن المساهمات الفردية في صناعة المعجم المتخصص، من خلال كتابه هذا، والذي قام فيه باستقراء المصطلحات اللغوية الحديثة التي لم يسبق استعمالها من قبل في العربية ، والمصطلحات القديمة التي استخدمت استخداما حديثا للتعبير عن مفهوم لغوي حديث وأحصى صاحب الكتاب من المصطلحات اللّسانية “1200”مصطلحا،احتواها جميعا معجمه،معتمدا في استقرائه هذا على مؤلفات وتراجم عدَّدها في مقدمة المعجم، في قوله:” لقد ركزنا عملنا هذا على الكتب اللغوية العربية المؤلفة والمترجمة التي تناولت بالدرس المسائل اللغـوية على ضوء علم اللغة الحديث.فاهتممت بمظاهر مختلفة منها ما هو نظري بحث…،ومنها ما هو تطبيقي، يسعى إلى تطبيق تلك النظريات اللغوية على العربية لأهداف تعليمية وبيداغوجية…” (39) ،ثم ينتقل بعد ذلك إلى سرد المؤلفات والمقالات التي اتخذها مرجعا معينا له في إنجاز معجمه،مرتبا إياها ترتيبا زمنيا، وهي:
1- مناهج البحث في اللغة لتمام حسان…..(= تح)
2- معاني الماضي والمضارع في القرآن الكريم لحامد عبد القادر……(= حق)
3- الأحرفية ليوسف السودا………..(= يس)
4- الأصوات اللغوية لإبراهيم أنيس………………( = بن)
وغيرها من المراجع(40)،مستعينا في عمله بمرجعين اثنين استعانة جزئية وهما:”النحو العربي ( نحو الجمل)” و”نحو المعاني” لعبد القادر المهيري، وعبد الوهاب بكير.
ويحوي المعجم المصطلـح العربيّ مرتَّبا ترتيبا ألفبائيًّا يقـابله المصطلح الإنجليزيّ والفرنسيّ، ويلي المصطلح العربي تعريفه، والمصدر الذي استقى التعريف منه ، من المراجع العربية التي اعتمد عليها، متخذا المصطلح الفرنسي أساسا لهذا المعجم ،ملحقا به المصطلح الإنجليزي في غالب الأحيان، وعند وجود خلاف في ذلك،في مثل:phonetics laboratoy ،يلجأ إلى إثبات المصطلح الإنجليزيّ في أبجديته دون مقابله العربي ،ملحقا إياه بالمصطلح الفرنسيّ، المتخذ أساسا لهذا المعجم الأعجميّ مشيرا إلى ذلك بـ : phonétique de- laboratoire ، مقسما عمله(41) إلى ما يأتي:
أ. مدخل عام يضبط أقسام هذا العمل، ويوضح هدفه ويبين منهجه.
ب. المعجم العربي الأعجمي(الإنجليزي الفرنسي)…وهو يحوي المصطلح العربي مرتبا ترتيبا ألفبائيا وتاريخيا حسب الإمكان يقابله في غالب الأحيان المصطلح الإنجليزي والفرنسي،ويلي المصطلح العربي تعريفه ومصدره الذي استقى منه.
ج. المعجم الأعجمي العربي ، وهو يحوي المصطلح الأعجمي مرتبا ترتيبا أبجديا بالفرنسية والإنجليزية- إن أمكن ذلك- يقابله المصطلح أو المصطلحات العربية مع ذكر مرجعه حسب الترتيب التاريخي.
د. دراسة تحليلية نقدية للمصطلحات المستقرأة لاستنتاج بعض الملاحظات المستعملة في المؤلفات المستقرأة…الخ.
ويلاحظ على هذا المعجم أن صاحبه حاول تغطية كثير من المسائل اللغوية،لكن لم يكن الحظ حليفه في اختياره للمراجع،أو المؤلفات في وضع معجمه ،حيث إنها لاتمثل جميع ما صدر في العالم العربي،أضف إلى ذلك انعدام التأريخ للمصطلحات ،عكس ما نجده في المعجمات الغربية،التي تتميز بوفرة المعلومات، والحفر في أصول المصطلح..
ومما يلاحظ عليه أيضا أن فائدته قلَّت؛ لأنَّ صاحبه اعتمد على مؤلفات متأخرة بعشر سنوات هامة من تاريخ اللسانيات،مع العلم أن البحث العلمي يقفز كل يوم قفزات:”ويقدم تصورات جديدة تجعل أي بحث أو عمل مسحي في الألسنية متخلفا خلال بضع سنوات”(42).
2*- معجم اللسانية فرنسي/عربي مع مسرد ألفبائي بالألفاظ العربيّة(لبسام بركة1985):
يحتوي المعجم على مجموعة من المصطلحات اللسانية،وما يقابله في العربية،وهو من الحجم المتوسط،حيث أمدنا صاحب المعجم بكشف طويل للمصادر والمراجع العربية والأجنبية،لكنه يفتقر إلى مقدمة توضح المنهجية التي اتبعها بركة في نقل المصطلح الفرنسي.
3-المعجم الموحد لمصطلحـات اللسانيات(إنجليزي – فرنسي- عربي)،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،تونس،1989 : قام بعض الباحثين العرب من مختلف الدول العربية بوضع معجم موحد للمصطلحات اللسانية،منهم العلامة الحاج صالح عبد الرحمن وتولت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بطبعه،وهذا المعجم على الرغم من أهميته وفائدته في انتقاء المصطلح الموحد،غير أنه لا يخلو من بعض المآخذ في رأينا،فبعد قراءاتنا للمعجم الذي احتوى على كثير من المصطلحات اللسانية في اللغتين :الإنجليزية والفرنسية وما يقابله في العربية،بدا لنا أن المعجم يفتقر إلى تعريفات بالمصطلحات،والتأريخ لها،عكس ما نجده في المعجمات الغربية والموسوعات المعجمية،التي تتميز بسعة المعرفة والفائدة العلمية،انظر على سبيل المثال “موسوعة 2006 Encarta”التي تشمل مختلف التخصصات ولا ننسى أن المجمعيين العرب قد دعوا إلى وضع معجـم تاريخي للغة العربية، يتولى التأريخ لظهور الكلمات والمصطلحات،ويتتبع ما طرأ على دلالاتها من تطور وعلى تلفظها من تغير،كما هو الشأن عند الأوروبيين.
4– معجم علم اللغة النظري،من إعداد محمد علي الخولي، وقد صدر1983،وقاموس اللسانيات للمسدي عبد السلام،الصادر عام 1984 :اكتفى كل منهما بذكر المصطلح الأجنبي ومايقابله في اللغة العربية،من غير التعمق في تعريفه،ولذا فهما يمثلان اجتهادا شخصيا فالمسدي على سبيل المثال على الرغم من أنه جاء بعدد كبير من المصطلحات لم يسبق ذكرها في المعجمات المماثلة،إلا أن قاموسه يفتقر إلى مقدمة توضّح المنهج الذي سار عليه في معالجة المصطلح اللّساني.
5- معجم مصطلحات علم اللّغة الحديث عربي- إنجليزي-وإنجليزي-عربي (باكلا وآخرون 1983): تبنى مشروع المعجم معهد اللغة العربية بجامعة الرياض(43)، حيث اعتمد فيه صاحبه الترتيب الألفبائي في المداخل،مكتفيا بتقديم المقابل العربي،من غير تقديم تعريفات لها، وكان الأجدر به إثراء الكتاب بالتعريفات التي لامحالة ستضفي وتسهم في إفادة القارئ والمتعلم على السواء. ومن أهم معايير المعجم(44):- الاقتصار على مقابل واحد لكل معنى من معاني المصطلح. تعريب المصطلح الإنجليزي في غياب مقابل عربي دقيق ومناسب مع شرح موجز لذلك المصطلح.
6-معجم المصطلحات اللّغوية والصوتية(حمّاش1982):قام الحمزاوي(1986)بعرض هذا المعجم ورأى أنه يتميّز(45)بما يأتي:تضمن النص الإنجليزي الكلمة في المدخل مردفة بنطقها الصوتي بالإنجليزية .
أ. تضمن النص العربي إحالة المصطلح المترجم أو المعرَّب إلى المجال اللّغوي الذي ينتسب إليه(النحو، والصرف، والأصوات،والنحو التوليدي…)
ب. وفرة مصطلحاته التي أثْرت المعجم اللّساني العربي بقدر كبير من المفردات والتعابير غير المسبوقة في المعجمات الحديثة.
معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا”1872- 1953″،بيروت،دار الحياة،1958:
بإيعاز من المجمع العلمي العربي بدمشق،قام الشيخ أحمد رضا بتأليف معجمه الموســوم بـ” متن اللغـة “،حيث استهل ترتيبه على أصل المــادة المجـردة من المزيدات مهتديا إلى طريقة فذَّة لمعرفة التصحيف،أفادته في معرفة الأصل الفصيح(46) من الكلمات العامية غير أن هذه المحاولة لم تف بغرض العربية .
الخاتمة: وخلاصة القول:إذا كان التَّأليف المعجميّ من الميادين اللغوية التي برع فيها علماء العربية الأوائل، وأبدعوا فيها، فتكلل عن تلك الجهـود وضع معجمات ضخمة، ذات فائدة جمة، وظلت معينا للباحث في دراساته؛لما تميزت به من تنوع وتطور في النسج والتأليف ،كما ساهمت في إثراءالعربيّة فإنَّ هذا كله ساعد الدارسين العرب المحدثين في إتمام ما انتهى إليه أسلافهم،على الرغم من المآخذ التي علقت بما صنَّفوه من معجمات،أضف إلى ذلك أنَّ ما قام به القدماء كفيل بأن يدعونا إلى توخي المنهج الدقيق في وضع المعجم ، ومحاولة البحث عن شتى السبل لتذليل كل معـوقات التأليف المعجميّ حديثا، وتفادي الهنات والنقائص التي لوحظت على مختلف المعجمات؛بالاستعانة بما توصل إليه العلم الحديث من وسـائل تقنية حديثة،والدفع بالبحث العلمي المعاصر إلى إعادة ربط حاضره بماضيه في أفق تطوير مادة المعجمات ومسايرة التطور الموازي لها في مجال المعلوماتيّة واللسانيات، والصوتيات وعلم الدلالة، والدعوة إلى وضع معجمـات خاصة بكل علم على حده، من ذلك على سبيل المثال: وضع معجم خاص بعلم الصوتيات،بحيث يقرن كل مصطلح من مصطلحـات المعجـم بتعريفات دقيقة، وترتيب دقيق،ونتفادى كل الثغرات التي علقت بغيرها من المعجمات،والعمل بتوصيات المجامع والهيئات العلمية،بحيث لا تبقى حبرا على ورق،وفي مقدمها، ضرورة تبني فكرة اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية بالقاهرة،الداعية إلى إنشاء مؤسسة مستقلة تتولى إعداد المعجم التاريخي للغة العربية، يتناول مدلول الكلمة، والتغيرات التي لحقت بأصوات اللغة وأبنيتها الصرفية وتراكيبها النحوية، وكذا التطور الدلالي الذي أصابها،أسوة باللغات العالمية كالإنجليزية والفرنسية- ذلك أن صناعة المعجم تمر بمراحـل لا ينبغي تجـاوزها ، أولاها:مرحلة ما قبل الإنجاز:وفيها نحدد نوع المعجم/لغوي أو موسوعي، وكذا تحديد الهدف المنشود،وثانيها مرحلة الإنجاز:وتتألف من فريق متخصص في العلوم بعامة ومن لسانيين وأمناء تحرير ورئيس تحرير معجميّ مصطلحيّ ومرحلة ما بعد الإنجاز، وفيها تشكل لجان تخصصية، تتولى التدقيق فيه- وسيشكل المعجم التاريخي للغة العربية قفزة نوعية في صناعة المعجم العربي الحديث.
الهوامش الإحالات:
(1)- ابن منظور، لسان العرب، تحقيق عامر أحمد حيدر، مراجعة عبد المنعم خليل ابراهيم،مج1 ،منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية،ط1 ،بيروت،2003 ، مادة(عجم).
(2)- كتاب العين، ترتيب وتحقيق عبد الحميد هنداوي،منشورات محمد علي بيضون،دار الكتب العلمية ،ط1 ،مج3،بيروت،2003 ، مادة (عجم).
(3)- الجوهري ،الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار،مطابع دار الكتاب العربي،القاهرة ،مج5 ، 1981 ، 1982 .
(4)- الخصائص،تحقيق محمد علي النّجار،الهيئة المصرية العامة للكتاب،ج3 ،ط4،مصر ،ص77، 78.
(5)- ابن جني، سر صناعة الإعراب، تحقيق مصطفى السقا، مكتبة البابي الحلبي،ج1،القاهرة،1954 ،ص،39.
(6)محمد حسين آل ياسين، الدراسات اللغوية عند العرب حتى نهاية القرن الثالث الهجري، منشورات دار مكتبة الحياة،بيروت،ص222
(7)- مقدمة الصحاح،أحمد عبد الغفور عطار،ص38 .
(8)- الجواليقي، نقلا عن كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في اللسانيات الحديثة، ط3 ، 2001 ، ص 310 .
(9)- ينظر، زكي حسام الدين ، أصول تراثية في اللسانيات الحديثة، ص 307.
(10)- الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة المصرية،1977 ، ج3 ، ص ص 303 -304.
(11)- المقدمة ، دار الجيل ، بيروت ، ص484.
(12)- رشيد عبد الرحمن العبيدي، العربية والبحث اللغوي المعاصر، منشورات المجمع العلمي،بغداد،2004،ص114 .
(13)-مقدمة العين،مج1،تعليق الناسخ،ص34.
(14)- مقدمة العين،مج1،ص45.
(15)- محمد بن سعيد الثبيني ، معالجة المادة العجمية في المعاجم اللفظية القديمة.
(16)- مقدمة العين،مج1،ص35.
(17)- العين،مج2 ، ص394.
(18)- العين،مج 3، ص ص 95 ،307.
(19)- العين، مج3،ص126.
(20)- العين، مج2، ص183.
(21)- العين، مج3،ص194.
(22)- العين، مج1،ص243.
(23)- العين ، مج3 ، ص 203 .
(24)- نقلا عن محمد حسين آل ياسين، المرجع نفسه ،ص 253.
(25)- الجمهرة ، ج1،ص3. .
(26)- ابن دريد ، جمهرة اللغة ، تحقيق كرنكو،طبعة حيدر آباد الدكن،ج1 ،1344 هـ ، ص3 من المقدمة.
(27)- أبو الطيب اللغوي، مراتب النحويين، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، القاهرة ،ص45.
(28)- الجمهرة ، ج1،ص4.
(29)- رشيد عبد الرحمن العبيدي ، المرجع السابق نفسه ، ص ص116 ،117.
(30)- ينظر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها ، ج1 ، ص33 .
(31)- الصحاح ، ج1 ، ص3 من المقدمة.
(32)- مقدمة معجم مقاييس اللغة لابن فارس، ج1،ص 292.
(33)- مقدمة لسان العرب، مج1 ن ص8.
(34)- مقدمة تاج العروس ، ج1 ، ص 5.
(35)- نقلا عن محمد آل ياسين، المرجع نفسه ، ص 292 .
(36)- محمد آل ياسين ، المرجع السابق ، ص 301 .
(37)- المرجع نفسه ، ص 293 .
(38)- المخصص ، ج1 ، ص 13 .
(39)- محمد رشاد الحمزاوي ، المصطلحات اللغوية الحديثة في اللغة العربية/معجم عربي أعجمي وأعجمي عربي، ص 14 .
(40)- لمزيد من التفصيل، ينظر، معجم المصطلحات اللغوية، ص ص 14 ، 15.
(41)- المرجع نفسه ، ص 18.
(42)- أحمد مختار عمر،المصطلح الألسني العربي وضبط المنهجية، مجلة عالم الفكر،ص578 .
(43)- محمد حلمي هلّيل،دراسة تقويمية لحصيلة المصطلح اللساني في الوطن العربي، تقدم اللّسانيات الأقطار العربية ،وقائع ندوة جهوية ،دار الغرب الإسلامي،ط1 ،1991 ،ص295 .
(44)- محمد حلمي هلّيل، المرجع نفسه ،ص 293.
(45)- الحمزاوي ، المرجع نفسه ،ص289.
(46)-فايز ترحيتي، الشيخ عبد الله العلايلي والتجديد في الفكر العربي المعاصر، منشورات عويدات، ط1،بيروت، 1985،ص103
( فاتح زيوان- جامعة العربي التبسي- كلية الآداب واللغات –دولة الجزائر)