الأستاذة ناغش عيدة
تقديم
لأسلوب الاستفهام أهمية بالغة في اللغة العربية، وتكمن أهميته في الدور الذي يؤديه في عملية التواصل بين البشر، ووظيفته التبليغية والحجاجية، وإذا كان معلوما أن التواصل لا يتمّ إلاّ استنادا إلى التخاطب، فإن الاستفهام أبرز أدوات هذا التخاطب، لأنه يجسد دورة التخاطب حيث يتوافر على مرسل ومرسل إليه ورسالة، ولما كان الاستفهام خطابا، تنوعت أغراضه، فقد يكون حقيقيا وقد يكون مجازيا وهو في كل هذا تتغير أشكاله وأغراضه، الأمر الذي جعل النحاة يدرسونه دراسة تحليلية، ولهذا كان الاستفهام موضوعا من الموضوعات النحوية المهمة، حيث إنّمن يتصفح المصادر النحوية يجدها تخصص له حيزا كبيرا في طياتها، كما يجدها تزخر بكم هائل من أقوال أوائل النحاة عن أدوات الاستفهام.
سنسعى جاهدين ـمن خلال هذا البحث، إلى النظر في خصائص أسلوب الاستفهام النحوية، وإنعام النظر في بِنية هذا الأسلوب، كما سنحاول الإجابة عن سؤال مفاده: ما جوانب الخطاب التي تهتم بها الدراسة النحوية في تناولها لأسلوب الاستفهام؟ وهل يهتمّ النحو بجميع أقطاب العملية التواصلية؟ وهل يستطيع التحليل النحوي أن يقف على مضامين نص الحديث النبوي ويكشف عما توحي به من معان؟ دون أن ننسى الإشارة إلى بلاغته في توظيفه لهذا الأسلوب لتحقيق غاياته وأهدافه، وذلك أن هذا الأسلوب، مع بلاغته ومكانته، إنْ هو إلاَّ وسيلة ذلَّله رسول الله ووظَّفه في دعوته في نشر هذا الدين، وفي إظهار محاسنه، وبيان معالمه.
وقبل التطرّق إلى أهم آليات التحليل النحوي لأدوات الاستفهام في الحديث النبوي، لابد لنا من وقفة موجزة نسعى من ورائها إلى التعريف بأهمية علم النحو.
1-أهمّية علم النحو:
كانت الغاية الأساسية من الدراسات النحوية فهم أساليب تأليف الكلام في العربية وبنائه خاصة أساليب التعبير في آي الذكر الحكيم، لكشف وإدراك أسراره، فالنحو دعامة العلوم العربية فمن يريد تعلم اللغة العربية يعتبر النحو وسيلته، فاللغوي يعتبره سلاحه، والبلاغي لا يستطيع الاستغناء عنه، وعلماء الدين يعتبرونه أداة للدخول إلى العلوم الشرعية والفقهية، ولذا وصفه اللغويون القدماء بأنّه قانون اللغة، وميزان تقويمها،[1]وهذا ما دعا أحد المستشرقين إلى القول بأنّ «علم النحو أثر من آثار العقل العربي، لما فيه من دقة في الملاحظة ونشاط في جمع ما تفرق وهو لهذا يحمل المتأمل فيه على تقديره، ويحق للعرب أن يفخروا به»[2]،ولذا يتطلب النحو جهدا وعناء، لأنه عمل ذهني وذوقي يتطلب معرفة بأساليب الكلام، ونظم الألفاظ أي نسجها في جمل مفيدة في معانيها، مختلفة في بنائها، متباينة في طرائق إسنادها.
2-تعريف الاستفهام:
الاستفهام نمط تركيبي من الجمل الإنشائية الطلبية، فهو طلب العلم عن شيء لم يكن معلوما أصلا وهو مشتق من مادة (فهم) وقد عرّفه ابن منظور بقوله: « الفهم: معرفتك الشيء بالقلب وفهمت الشيء: عقلته وعرفته، وفهمت فلانا وأفهمته وتفهّم الكلام: فهمه شيئا بعد شيء واستفهمه: سأله أن يفهمه، وقد استفهمني الشيء، فأفهمته وفهّمته تفهيما».[3]
وقال ابن قتيبة: «واستفهمته: سألته الإفهام »[4] فالاستفهام في أصل اللغة هو: طلب الفهم وكذا هو في اصطلاح النحويين«طلب الفهم » أيضا، لكنه عند السيوطي (ت911 هـ):« طلب الإفهام»[5]
وهناك من سوى بين الاستخبار والاستفهام، كابن فارس (ت395هـ) الذي يقول:«الاستخبار: طلب خبر ما ليس عند المستخبر، وهو الاستفهام»ثم يقول: «وذكر ناس أن بين الاستخبار والاستفهام أدنى فرق قالوا: وذلك أن أولى الحالين الاستخبار، لأنك تستخبر فتجاب بشيء، فربما فهمته، وربما لم تفهمه فإذا سألت ثانية، فأنت مستفهم، تقول: أفهمني ما قلته لي قالوا: والدليل على ذلك أن البارئ – جل ثناؤه – يوصف بالخبر*ولا يوصف بالفهم»[6].
ويقول في هذا أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانيني(ت442 هـ ): « وإنما يقال: استعلام واستخبار واستفهام إذا وقع ممن لا يعلم، فإن وقع ممن يعلم بما يسأل عنه قيل: تقرير وتوبيخ وتبكيت، وكل ما في القرآن بلفظة الاستفهام، فهو من هذا القسم، لأنّ الله – جل اسمه- لا يجوز أن يستفهم ولا يستخبر ولا يستعلم، ويجوز أن يوبخ ويقرر، ويبكت».[7]
ومنه، فأسلوب الاستفهام هو أحد أكثر الأساليب الإنشائية استعمالا وأهمية، ويراد به طلب الفهم أو معرفة ما هو خارج الذهن، ويكون الاستفهام بحروف معيّنة، وأسماء محدّدة، لكل منها معنى خاص، إضافة إلى المعنى الذي وضعت من أجله وهو الاستفهام.
ويخضع استعمال أدوات الاستفهام لأنظمة نحوية حدّدتها كتب النحو، والجهل بها يؤدّي حتما إلى الوقوع في الخطأ عند تركيب الجملة الاستفهامية، وبالتالي حدوث خلل في العملية التواصلية.
3-الاستفهام من منظور النحاة:
لقد كانت علاقة النحو بالبلاغة علاقة وثيقة، إذ كانت كتب النحاة القدامى تضم إلى جانب النحو البلاغة واللّغة والأدب والنقد، ومن يرجع إلى كتاب سيبويه يجد إشارات كثيرة، اندرجت فيما بعد تحت اسم البلاغة، ولم يكن النحو في عصر سيبويه مستقلاً عن مسائل علوم العربية وإنما كان جزءاً منها وكتاب سيبويه ليس كتاب نحو فقط، وإنما هو كتاب في علوم العربية، فيه اللغة وفيه النحو والصرف وفيه البلاغة والعروض، كما أن النحو نفسه لم يكن عند سيبويه وأمثاله مقصوراً على الإعراب والبناء وبيان الأوجه المختلفة للفظ من الناحية الإعرابية، وإنّما كان علماً يؤدي إلى فهم كلام العرب، وعدم اللحن فيه، ومن يتصفح كتاب سيبويه يجد فيه: (باب اللفظ والمعنى) و(باب ما يكون من اللفظ من الأعراض) و(باب الاستقامة من الكلام والإحالة) و(باب ما يحتمل من الشعر) ومن يرجع إلى أبوب الكتاب سيقف على كلام في البلاغة، ولكنه يختلف عن كلام البلاغيين الذين عرفوا المصطلحات والتقسيمات والحدود فيما بعد، ومن يرجع إلى كتب النحاة القدامى كـ (معاني القرآن للفراء) و (مجاز القرآن) لأبي عبيدة معمر بن المثنى، و(تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة وكتاب (الكامل) لأبي العباس المبرد وغيرها سيجد فيها إشارات كثيرة لمسائل دخلت فيما بعد تحت اسم البلاغة، ولهذا وحتى لا يكون هناك تكرار فيما بعد سنذكر في هذا المبحث من اشتهروا بالنحو أكثر من اشتهارهم بالبلاغة.
تناول النحاة مباحث الاستفهام وخصّوها بالعناية والاهتمام، مع بيان ما لها من أثر في علم المعاني، مثلهم مثل البلاغيين، لأنّ الدراسات اللّغوية في بداياتها لم تكن قد فُصلَت عن بعضها إلا أنّ حديث النحاة كان أكثر تفصيلا في الأدوات خاصّة في حديثهم عن الهمزة و(هل)، وذلك لأنّ الهمزة تُستعمَل في طلب التصور والتصديق دائما، أمّا بقيّة الأدوات الأخرى فإنها لا تُستعمَل إلا لطلب التصور.
ويقصد بالتصور: إدراك المفرد أي عند التردد في تبيين أحد الشيئين، أمّا طلب التصديق: فهو إدراك النسبة أي إدراك علاقة شيء بآخر، فالنسبة جملة تامّة، وإدراك الجملة يستدعي الكثير من التأمل لا يتطّلبه المفرد، والسؤال عن المفرد (التصور) يكون بتوجيه السؤال نحو طرف واحد في كل الجملة ولا يتوجه نحو الإسناد بين الفعل والفاعل، أو بين المبتدأ والخبر كما هو السؤال عن النسبة (التصديق) الذي يرغب السائل من خلاله معرفة مدى تحقق النسبة بين طرفي الجملة لذلك هو يستفهم عنها، وسمّي بالتصديق لأنه طلب تعين الثبوت والانتفاء في مقام التردد، ولهذا كان اهتمام البلاغيّين بالهمزة و(هل) يفوق اهتمامهم بالأدوات الأخرى.
وكان أول من اهتمّ بالاستفهام وأدواته سيبويه (ت180هـ)، فتحدّث عنها في مواضع جمّة في كتابه وألمّ بها إلماماً كبيراً، فهو يفرّق أولا بين أدوات الاستفهام جميعاً وبين الهمزة، فيرى أنّ أدوات الاستفهام يقبح دخولها على الاسم إذا كان بعده فعل –إلا في الضرورة- ولكن (الهمزة) يصحّ بدون قبح أن تدخل على الاسم وإن كان بعده فعل[8].
ثمّ نجده يورد تعليلا لصحة دخول (الهمزة) على الاسم، وفي نفس الوقت يعلل قبح دخول بقية أدوات الاستفهام على الاسم واختصاصها بالفعل إذا كان مذكورا في الجملة، ومعنى هذا أنّ أدوات الاستفهام تختص بالفعل، وهذا هو الأصل في استعمالها غير أنّ الجملة إذا افتقدت الفعل لم تجد هذه الأدوات شيئا تدخل عليه سوى الاسم، أمّا إذا كان أحد أجزاء الجملة فعلا التصقت به الأداة لأنها تكون في الأصل معه.
وقد حام سيبويه حول خروج الاستفهام عن وضعه واستعماله في غير الاستفهام، فتحدّث عن الاستفهام التوبيخي في ( باب ما جرى من الأسماء التي لم تؤخذ من الفعل مجرى الأسماء التي أخذت من الفعل) فيقول: «… وذلك قولك: أتميميا مرة، وقيسيا أخرى فأنت في هذه الحال تعمل في تثبيت هذا له وهو عندك في تلك الحال في تلون وتنقل وليس يسأل مسترشدًا عن أمر هو جاهل به ليفهمه إياه ويخبره عنه ولكنه وبخه بذلك…»[9].
أتى الفرّاء (ت207هـ) ليتناول بعض أشكال الاستفهام المجازي فيذكر منها: الإخبار والتعظيم والتعجب والتوبيخ،[10]فيخالف سيبويه في مسألة خروج (هل) كغيرها من أدوات الاستفهام عن الاستفهام إلى معنى آخر سواء أكان ذلك المعنى التقرير أو الأمر أو غير ذلك[11]، أمّا سيبويه فيرى بأنّ (هل) تستعمل في الاستفهام فحسب، وقد اتّفق مع الفرّاء حول باقي أدوات الاستفهام.
أمّا أبو عبيدة (ت208هـ) فكان مدركاً للتغيير في مدلول الاستفهام وخروجه عن أصل وضعه إلى أغراض بلاغية، ذكر منها الإخبار والتقرير والتوعد والنفي والتهديد والاستفهام بـ (هل) الذي أفاد معنى (قد)[12]،إلا أن أبو عبيدة لم يكن دقيقاً في إيراد المعنى المجازي للاستفهام مع وجود تداخل المعاني البلاغية للاستفهام لديه، فيصعب على القارئ أن يتبين توجيهه المجازي للشاهد.
وافق الفرّاء في مخالفته لسيبويه في مسألة خروج (هل) كغيرها من أدوات الاستفهام عن الاستفهام إلى معنى آخر ووافقه فيما عدا ذلك من الأدوات.
ونثر المبرّد (ت285هـ) كثيراً من مسائل الاستفهام في كتابيه (الكامل) و(المقتضب) وعرض لبعض الأغراض البلاغية فذكر منها التقرير والتوبيخ والتسوية[13]، ويقول: «وتأتي المصادر في الاستفهام على جهة التقرير وذلك قولك: أقياماً وقد قعد الناس، لم تقل هذا سائلاً ولكن قلت موبخاً منكراً لما هو عليه، ولولا دلالة الحال على ذلك لم يجز الإضمار لأن الفعل إنما يضمر إذا دلّ عليه دالّ»[14] والمتناول لكتاب المبرد يجد أنه لا يبتعد عما قال به سيبويه، بل إن جميع آرائه قالها سيبويه قبله.
أمّا ابن جنيّ (ت392هـ) فقد أورد في كتابه (الخصائص) قولاً دقيقاً عن الاستفهام فقال: «ألم تسمع إلى ما جاؤوا به من الأسماء المستفهَم بها، كيف أغنى الحرف الواحد* عن الكلام المتناهي في الأبعاد والطول فمن ذلك قولك: كم مالك؟ ألا ترى قد أغناك بذلك عن قولك: أعشرة مالك أم عشرون، أم ثلاثون أم مائة، أم ألف، فلو ذهبت تستوعب الأعداد لن تبلغ ذلك أبداً لأنه غير متناه فلما قلت: كم أغنت هذه اللفظة الواحدة عن تلك الإطالة غير المحاط بآخرها ولا المستدركة وكذلك أين…»[15].
كماأشار ابن جني إلى خروج الاستفهام عن معناه، وذكر في ذلك شواهد وله فيه إشارات قيمة منها أن الاستفهام الذي يخرج عن معناه يظل ملاحظا لهذا المعنى ناظرا إليه.
ثم يأتي علي بن عيسى الربعي (ت420هـ) ليتناول الاستفهام من حيث الفروق بين معاني أدواته فيفرق بين متى وأيان، ويرى أنّ الذي يميز الثانية عن الأولى أنّها تستعمل في مواضع التفخيم كقوله : ﴿يسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾[الذاريات12]… »[16].
أما ابن مالك (ت672هـ) فيرى في كتابه المصباح بأن الاستفهام طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن لزم ألا يكون حقيقة إلا إذا صدر من شاك مصدق بإمكان الإعلام فإن غير الشاك إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل، وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام[17].
أمّا ابن أم قاسم المرادي (ت749هـ) في كتابه الجني الداني في حروف المعاني فإنه يقتصر على ذكر الهمزة دون غيرها فيقول: « فالهمزة أعمّ وهي أصل أدوات الاستفهام لأصالتها استأثرت بأمور منها تمام التصدير بتقديمها على الفاء والواو وثمّ في نحو قوله :﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾[ البقرة: الآية 44]، وقوله : ﴿أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ﴾[غافر:21] وقوله :﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾[يونس51]، وكان الأصل في ذلك تقديم حروف العطف على الهمزة لأنها من الجمل المعطوفة ولكن راعوا أصالة الهمزة في استحقاق التصدير فقدّموها بخلاف هل وسائر أدوات الاستفهام وهذا مذهب الجمهور… »،[18]وهذا ما ذهب إليه سيبويه قبله بقرون عدّة.
أمّا ابن هشام الأنصاري (ت761هـ) فيتحدث عن أدوات الاستفهام فيقول: «وجميع أسماء الاستفهام فإنها لطلب التصور لا غير، وأعمّ من الجميع (الهمزة) فإنها مشتركة بين الطلبين…»،[19]ويعني بقوله الطلبين: التصور والتصديق.
5-أدوات الاستفهام:
للاستفهام أدوات متعددة، ومختلفة في تصنيفها أيضا، حيث تنقسم إلى حروف وأسماء وظروف نوردها على النحو التالي:
5-1-حرفا الاستفهام:
أ-الهمزة:وهي أم باب الاستفهام، ولها صدر الكلام كما لغيرها من أدوات الاستفهام و(الهمزة) في الاستفهام حرف مشترك بمعنى أنه يدخل على الأسماء والأفعال لطلب التصديق والهمزة تقدم على (الفاء) و(الواو) و(ثم) وذلك تحقيقا لأصالتها في الوقوع في صدر الجملة وهذا مذهب سيبويه فيها.[20]
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن سيبويه ذكر أن (الهمزة) تدخل على الشرط والجزاء[21] وتخرج الهمزة عن الاستفهام إلى معان ذكرها النحويون، وذلك كالإنكار والتسوية والتهكم والاستبطاء، كما أنه يجوز حذف الهمزة لوجود قرينة عليها، وقد تكون هذه القرينة معنوية كالإنكار وسياقه فعلي في الغالب والاستفهام عموما يكون في سياق فعلي، ولذلك يكون السياق قرينة معنوية على (الهمزة) المحذوفة.
ب-(هـل): وهو حرف استفهام يدخل على الأسماء والأفعال لطلب التصديق الموجب لا غير ولا يستفهم به عن مفرد، أي لا يليه الاسم في جملة فعلية، فلا يقال: هل زيد أكرمت لأنّ تقديم الاسم يشعر بحصول التصديق بنفس النسبة، وتختلف (هل) عن (الهمزة) فيما يلي:
- يطلب بـ(الهمزة) تعيين أحد أمرين وذلك بالإتيان بـ (أم) المتصلة أما (هل) فلا.
- تدخل (الهمزة) على النفي أما (هل) فلا تدخل على النفي.
- (الهمزة) ترد للإنكار والتوبيخ والتعجب، بخلاف (هل).
- (هل) يراد بالاستفهام بها النفي، نحو قولك هل يقدر على هذا غيري، أي لا يقدر.
- أنّ (الهمزة) تتصدر الجملة وتتقدم على فاء العطف، و واوه، وثم، ذلك خلافا لـ (هل).
- (الهمزة) تعاد بعد (أم) و (هل) يجوز أن تعاد كما يجوز أن لا تعاد.
- (الهمزة) تدخل على (إن) و (هل) لا تدخل لعدم اتزان اللفظ.
- (الهمزة) قد يليها اسم بعده فعل أما (هل) فإنه لا يتقدم الاسم بعدها على الفعل إلافي الشعر.
- عدم الدخول على الشرط والتوكيد لأنه موضع يختص بدخول (الهمزة).
كما أنه قد تفردت (هل) عن غيرها من الأدوات بأنها:
- تخلص المضارع للاستقبال: وبسبب دلالتها على الاستقبال لا يجوز دخولها على ما يدلعلى الاستقبال كالتسويف و« لن».
- أن تأتي بمعنى (قد) وذلك كقوله :﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾[ الإنسان الآية:1] و يقول سيبويه في ذلك « وكذلك هل تكون بمعنى قد »[22]
- · وقد تأتي أيضا بمعنى (إنّ) ومنه قوله :﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾[الفجر: الآية 5].
- وتكون بمعنى (ما) نحو قوله :﴿ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾[الرحمن: الآية60].
- وتكون للأمر كما في قوله :﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾[المائدة: الآية 91].
- وتجيء (هل) حاملة معنى التمني،[23]وهو معنى ذكره البلاغيون والمفسرونئ
- وقد تقع (هل) موقع (الهمزة) بأن:
- يؤتى بها في المعادلة عوضا عن (الهمزة) وممن جوّز هذا الاستعمال بن مالك ومثّل لذلك بقوله لجابر الأنصاري: «هَلْ تَزوَّجْتَ بكْراً أمْ ثَيِّبًا؟»[24].
- الدلالة على النفي: من خصائص (هل) أنها تستعمل للنفي حتى جاز أن يجيء بعدها (إلا) قصدا للإيجاب كقوله :﴿ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن الآية: 60] أي ما جزاء الإحسان إلاّ الإحسان، كما نستطيع أن نقول «أإلاه مع الله؟» ونقصد النفي.
5-2-ظروف الاستفهام: يعنى بظروف الاستفهام الظروف التي يسأل بها عن زمن الحدث أو مكانه، وهي على النحو التالي:
1-(أيــن):ظرف يستعمل للسؤال عن المكان وهو اسم، وقد تدخل عليه (ما) فتكون زائدة وذلك للتوكيد وفيها قال سيبويه: «أين يستفهم بها عن المكان»[25]وتكون بمنزلة (حيث) كقولك: «أين أنزل، أين أبيت؟»،[26]وهي تشبه «متى» في المواصفات فهي ظرف مبهم غير متمكن في الاسمية.*
2- (أنّـى): وهي ظرف يسأل بها عن المكان أيضا وتأتي على نوعين استفهامية وشرطية وتأتي بمعنى (من أين) مثلما وردت في قوله :﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[ آل عمران: جزء من الآية 37].
وتكون بمعنى (كيف) فتكون كناية عن الحال، ومثل ذلك ما ورد أيضا في قوله :﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾[البقرة: جزء من الآية 259].
وقد ذكر لها سيبويه أنها تأتي بمعنى (أين)[27] بينما رأى التفتزاني بأنها تأتي بمعنى (كيف) و(من أين) وبمثل ذلك قال العكبري والزجاجي والزركشي.[28]
3-(أيـان) و(متى): هما ظرفان يستفهم بهما عن الزمان المستقبل وقد ذكر سيبويه أن (أيّان) كـ (متى) ويبقى الفرق بينهما أنّ: متى يستفهم بها عن كل زمان و(أيان) يستفهم بها عن المستقبل فقط كما تستعمل (متى) للشرط.
4-(من): وهو اسم استفهام يستفهم به عن العاقل، وتأتي على أربعة أوجه: شرطية واستفهامية ونكرة موصوفة واسما موصولا، ومن تكون للاستفهام عن العاقل وتعيينه باسم أو صفة.
وفي (من) خلاف كثير بين النحاة وهذا الخلاف يكمن في المستفهم عنه، إن كان نكرة أو معرفة فإذا استفهم بها عن معرفة ففيه خلاف حيث يقول سيبويه: «اعلم أن أهل الحجاز يقولون: إذا قال الرجل: رأيت زيدا، قالوا من زيدا؟ وإذا قال مررت بزيد قالوا: من زيد؟، وإذا قالوا: هذا عبد الله قالوا: من عبد الله؟ وأمّا بنو تميم فيرفعون على كل حال وهو أقيـس القولين»[29]وذلك يعني أنّ الحجازيين يجرّون (من) على الحكاية، وهذا إجراء الاسم بعد الاسم المتقدم ذكره، وأما بنو تميم فيرفعونه وقد وافقهم سيبويه الرأي وأما إذا استفهم بـ (من) عن نكرة فعندها ينظر إلى الوقف يقول سيبويه:« ففي حالة الوقف فالرفع واوا والنصب ألفا والجر ياءا فإذا قلت: جاءني رجل قلت منو؟ وإذا قال: رأيت رجلا قلت منا ؟ وإذا قال مررت برجل قلت مني؟ وإن ثنيت ثنيتالعلاقة … ولا يكون ذلك في معرفة»[30].
وقد توصل (من) بـ (ذا) وعندها تعامل ككتلة واحدة، وأما اعتبار(من) استفهامية، و(ذا) موصولة أو زائدة فهو رأي منسوب للكوفيين[31].
5- (ما): اسم استفهام يقع على جميع الأجناس وهي بمعنى أي شيء، وهي تدل على الاستفهام كما تدل على غير الاستفهام وهي في الاستفهام تدل على غير العاقل وعلى صفات العاقل،ومثل ذلك في قوله تعالى:﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾[طه:17]، وذهب الفرّاء إلى القول بأن العرب قد استعملوا (ما) للعاقل على قلّة و لم يشع الاستعمال[32].
ويتفق النحاة على أن وقوع (ما) الاستفهامية موقع الجر يذهب الألف منها وذلك نحو (إلام) و(فيم)، و(بم)، و(لم)، ومثل ذلك في قوله :﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾[النبأ: 1].
وتوصل (ما) بـ (ذا)، وقد اختلف العلماء في أمر (ماذا) فمنهم من يرى:
- بأنها مركبة من (ما) للاستفهام و(ذا) اسم إشارة.
- وآخرون يروا بأن (ما) للاستفهام و(ذا) اسما موصولا.
- ويرى البعض أنّ(ما) للاستفهام و(ذا) زائدة.
- بينما يرى البعض الآخر أنّ المجموع (ماذا) اسما واحدا المعنى منه استفهام.
- وفريق يقول بأن المجموع (ماذا) اسما واحدا بمعنى الذي.
6-(كـم):يؤتى بها للكناية عن العدد المبهم، وتقع على القليل منه والكثير والدليل على اسميتها دخول حرف الجر عليها فتقول: بكم مررت؟ وقد تكون مضافا أو مضافا إليه.
وتأتي على وجهين استفهامية بمعنى أي عدد؟ وخبرية بمعنى كثير، وقد اتفق النحاة على أنها اسم وتختلف الخبرية عن الاستفهامية في خمسة أمور وهي:
- الخبرية تحتمل التصديق والتكذيب وذلك بخلاف الاستفهامية.
- لا يقتضي المتكلم في الخبرية جوابا، أما المتكلم بالاستفهامية فيقتضي جوابا، لأنها قائمة على الحوار بين السامع والمتكلم.
- تمييز (كم) الخبرية مفرد أو مجموع نحو: كم قلم اشتريت ولا يكون تمييز الاستفهامية إلا مفردا
وهذه النقطة الأخيرة من أهم نقاط الفرق بين الخبرية والاستفهامية.
- تمييز الخبرية واجب الخفض وتمييز الاستفهامية منصوب.
- الاسم المبدل من الخبرية لا يقترن بالهمزة بخلاف المبدل من الاستفهامية.
- قد تخرج (كم) الاستفهامية عن معنى الاستفهام إلى معان أخرى تفهم من السياق والتشابه بين الخبرية والاستفهامية كبير، وذلك من حيث اللفظ والتركيب وفيهما التباس كبيرة، ويذهب قطبي الطاهر إلى القول بأن دلالة (كم) على الخبر دلالة مجازية والأصل دلالتها على الاستفهام[33].
7-(كيف): ويستفهم بها عن الحال، والاستفهام بـ (كيف) إما أن يكون حقيقيا نحو: كيف زيد؟ أو مجازيا في مثل قوله :﴿كيف تكفرون بالله﴾ فإنه أخرج مخرج التعجب وهي للسؤال عن الحال، قال سيبويه « وكيف على أي حال؟»[34].
8-(أي):اسم استفهام وهي تأتي على خمسة أوجه على النحو الآتي:
- أن يأتي بمعنى الشرط وذلك نحو قوله :﴿قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾[الإسراء: جزء من الآية 110].
- ويأتي استفهاما وذلك نحو قوله :﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾[التوبة: الآية 124].
- ويأتي كذلك بمعنى الاسم الموصول نحو قوله :﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً﴾[مريم: 69].
- أن تكون دالة على معنى الكمال فتقع صفة للنكرة، نحو قولك: « زيد رجل أيّ رجل».
- أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه (أل) نحو قولك « يا أيّها الرجل أقبل ».
- وفي إعرابها خلاف بين النحويين قيل: « ترفع على الابتداء إذا لم يعمل فيها شيء وما بعدها خبرها، وقيل أيضا: تنصب بالفعل الذي بعدها نحو أيهم ضربت وكذلك إذا أفردت نحو: أيا أكرمت»[35]و(أيّ) الاستفهامية لا يعمل فيها ما قبلها من الأفعال لأن الاستفهام له صدر الكلام.
- كانت هذه لمحة موجزة عن أدوات الاستفهام، وموضوع الاستفهام موضوع واسع، قد أشبعه البلاغيون والنحويون بحثا وتقليبا، لهذا لم نطل الكلام عنه في الجانب النظري، ولكننا من خلال كتابتنا لهذا المبحث عرفنا أنّ ذكر المصطلحات البلاغية في عصر سيبويه لم يكن ذا شأن خطير إذ أنّ العلوم والفنون لم تكن قد تحددت بعد أو دخلت في دور التصنيف والتقسيم ووضع المصطلحات عنوانا على كل قسم، بل كانت متداخلة، ومن هنا نستطيع أن نقول: إن سيبويه قد أسهم إسهاما فعالا في وضع الأساس وإقامة البناء للبيان العربي إذ كان النحو عنده يشمل تأليف الجمل ونظمها وسر تركيبها، فضلا عن كونه عرض لبعض الخصائص الأسلوبية التي عني بها فيما بعد علم المعاني مثل: التقديم والتأخير، والحذف والذكر وغيرها، كما نشير في خاتمة العرض إلى أنّ:
- أكثر الأدوات حذفا في الاستفهام هي (الهمزة).
- (الهمزة) أوسع استعمالا وتصرّفا في الاستفهام من بقية الأدوات، ولذلك اختصت بأحكام لا تكون في غيرها.
- وجود استفهام نميزه دون وجود أدوات تدل عليه، فهو استفهام محذوف الأداة، يُفْهم إذا دلّت عليه قرينة كالتنغيم أو السيـاق.
- الحديث عن (الهمزة) و(هل) عند النحويين وأكثر تفصيلا من الحديث عن بقية أدوات الاستفهام.
- قصر سيبويه وابن جني غرض التقرير على همزة الاستفهام دون (هل)، خلافا لما يراه عدد قليل من العلماء، إذ قد تخرج (هل) عندهم إلى غرض التقرير.
- ولا شك أنّ ما قدّمه الدارسون القدماء يمكن أن يكون إطارا عاما يساعدنا على تفهّم الدلالة الخاصة بالسياق في كل تركيب استفهامي.
6-دراسة أنماط الجملة الاستفهامية في الحديث النبوي:
ورد أسلوب الاستفهام في الحديث النبوي بصور متعددة وأدوات مختلفة، وبنسبة كبيرة مقارنة بالأساليب الإنشائية الأخرى، ومجال التطبيق في هذا المبحث يكمن في رصد أدوات الاستفهام الواردة مع بيان الأنماط المختلفة التي وردت عليها، ونبدأ بأكثر الأدوات ورودا في الحديث النبوي وهي:
6-1- الهمـزة: هي أكثر الأدوات استعمالا في الاستفهام النبوي وأغلبها دورانا ويعود سبب ذلك إلى أنّها تستعمل للاستفهام عن مضمون الجملة أي: عن صحة نسبة المسند إلى المسند إليه، وهو ما يسمى بالتصديق، كما تستعمل لطلب التعيين وهو ما يسمى بالتصور، وهذا من خصائص (الهمزة) في حين تختص الأداة (هل) عند أكثر النحاة بالاستفهام عن مضمون الجملة فقط[36]، يضافإلى ذلك بعض المعاني المجازية تكاد تنفرد بها (الهمزة) ومنها: التسوية والتقرير ولاسيما إذا علمنا أن التقرير هو أكثر المعاني المجازية التي يخرج إليها الاستفهام في الحديث النبوي.
6-1-1- ورودها مع الجملة الفعلية:
أ-ورودها مع الفعل الماضي:وردت (الهمزة) مع الجملة الفعلية كثيرا في الاستفهام الصادر عن رسول اللهومن أمثلة ذلك ما رواه أَنسٍ أَنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ فَمَرَّ بِه رجلٌ فَقال: يا رسول اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذا، فقال له النبيُّ : « أَأَعْلمتَهُ؟»قَالَ: لا، قَالَ: «أَعْلِمْهُ» فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْببْتَنِي لَهُ[37].
كثيرا ما يتلطّف المتكلم بالمخاطب فيوجّه له الأمر بأسلوب الاستفهام، والأمر يشمل كل ما تستعمل له صيغة الأمر من تكليف، أو نصيحة، أو موعظة، أو إرشاد، أو دعاء أو التماس، أو غير ذلك، والرسول في هذا الحديث استعمل الهمزة للاستفهام بغرض إرشاد الصحابي إلى إعلام من يحب أنه يحبه، لما في ذلك من غاية نبيلة وهي نشر المودة بين أفراد المجتمع.
وأيضا عنْ أَنَسٍ قال: كَانَ ابْنٌ لأبي طلْحةَ يَشْتَكي، فخرج أبُو طَلْحة، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحةَ قال: ما فَعَلَ ابنِي؟ قَالَت أُمُّ سُلَيْم وَهِيَ أُمُّ الصَّبيِّ: هو أَسْكَنُ مَا كَانَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فرغَ قَالَتْ: وارُوا الصَّبيَّ، فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَة أَتَى رسولَ اللَّه فَأَخْبرهُ، فَقَالَ: « أَعرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قال: «اللَّهمَّ باركْ لَهُما» فَولَدتْ غُلاماً فقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ : احْمِلْهُ حتَّى تَأَتِيَ بِهِ النبيَّ وبَعثَ مَعهُ بِتمْرَات، فقال: «أَمعهُ شْيءٌ؟» قال: نعمْ تَمراتٌ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ فَمضَغَهَا ثُمَّ أَخذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فيّ الصَّبيِّ ثُمَّ حَنَّكَه وسمَّاهُ عبدَ اللَّهِ.[38]
ولا يخفى هنا أنّ أسلوب الاستفهام من سياق هذا الحديث لم يأْتِ لمجرد الاستفهام فحسـب بل خرج عنه لغرض التعجب، ولتركيب الجملة الاستفهامية دور مهم في إبراز الدلالة، حيث استفهم النبي عن الفعل لأنّه محل الاهتمام، ولأنه أراد أن يدعو لهما، ففي رواية للبخاري: قال بن عيينة: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ: فَرَأيْتُ تِسعَةَ أوْلادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَؤُوا القُرْآنَ، يَعْنِي: مِنْ أوْلادِ عَبدِ الله المَولُودِ.
وعن أُسامةَ بنِ زَيْدٍ قال: بعثَنَا رسولُ اللَّه إلى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنا الْقَوْمَ عَلى مِياهِهمْ، وَلحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنهُمْ فَلَمَّا غَشِيناهُ قال: لا إِلهِ إلاَّ اللَّه، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرْمِحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدينَةَ، بلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ فقال لي: «يا أُسامةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ ما قَالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ ؟»،قلتُ: يا رسولَ اللَّه إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذاً، فَقَالَ: «أَقًتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ؟» فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ[39].
دخلت الهمزة في هذه الحديث على الفعل، ودخولها على الفعل هو الأصل عند سيبويه حيث يقول: « وحروف الاستفهام كذلك لا يليها إلا الفعل، إلا أنهم توسعوا فابتدءوا بعدها الأسماء والأصل غير ذلك»[40] كما نلاحظ استعمال الهمزة للتقرير والإنكار، فالرسول أنكر على أسامة قتله للرجل الذي قال: (لا إله إلا الله)، كما نلاحظ تكرار أسلوب الاستفهام في هذا الحديث فالرسول يقوم بتكرار النداء أو السؤال أو العبارة، إذا تطلب المقام ذلك، بغرض ترسيخ المبادئ في العقول، لأن درجة الفهم عند المتلقين تتفاوت وبالتكرار يتمكن الجميع من الاستيعاب والعمل بما قيل لهم.
ب- ورودها مع الفعل المضارع: وردت (الهمزة) كثيرا مع الفعل المضارع في الأحاديث النبوية ومن الشواهد على ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة قال: قرأَ رسولُ اللَّه :﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾[الزلزلة: الآية 4] ثم قال: «أَتَدْرُونَ مَا أَخَبَارُهَا؟» قالوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ قال: «فَإِنَّ أَخْبَارَها أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا. تَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وكذَا في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فهَذِهِ أَخْبَارُهَا»[41].
خرج أسلوب الاستفهام في هذا الحديث من معناه الأصلي إلى غرضين بلاغيين هما التشويق والإخبار.
وأيضا من الشواهد على مجيء (الهمزة) مع الفعل المضارع ما روي عن أبي مُحمَّد سَهْلِ بن أبي حَثْمة الأَنصاري قال: انْطَلَقَ عبْدُ اللَّهِ بنُ سهْلٍ وَمُحيِّصَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصةُ إِلى عبدِ اللَّهِ بنِ سَهلٍ وهو يَتَشَحَّطُ* في دمهِ قَتيلاً فدفَنَهُ ثمَّ قَدِمَ المدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرحْمنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوِّيصةُ ابْنَا مسْعُودٍ إِلى النَّبِيِّ فَذَهَب عَبْدُ الرَّحْمنِ يَتَكَلَّمُ فقال: «كَبِّرْ كَبِّرْ» وَهُوَ أَحْدَثُ القَوْمِ، فَسَكَت فَتَكَلَّمَا، فقال: «أَتَحْلِفُونَ وَتسْتَحِقُّونَ قَاتِلكُمْ؟»[42].
وعن أَبي هريرة أَن رسولَ اللَّه قال: «أَتَدْرُون من الْمُفْلِسُ؟» قالُوا: الْمُفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فقال: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ ويأْتِي وقَدْ شَتَمَ هذا، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ وهَذا مِن حسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حسناته قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرحَتْ علَيْه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ»[43].
عبر الرسول بالفعل المضارع بعد (الهمزة) لكونه يسأل عن معرفتهم في تلك الحال وهذا لكي يصحح لهم مفهوم كلمة المفلس، فأسلوب الاستفهام هنا خرج من معناه الأصلي إلى معنىً آخر وهو تحديد المفاهيم.
ت-ورودها مع الاسم: وردت الهمزة مع الجملة الاسمية في أحاديث عدة ومن ذلك ما ورد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسول اللَّهِ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْني هذا غُلاماً كَانَ لي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : « أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحلْتَهُ مِثْلَ هَذا؟» فَقَال: لا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «فأَرْجِعْهُ»[44].
في تقديم المفعول به على الفعل دلالة على ما يقصده الرسول من لفت النظر إلى ما يريده أوّلا ليتبعه بعد ذلك بالأمر وهو (فأرجعه)، والاستفهام في هذا الحديث يدخل في دائرة التقرير والإنكار، حيث ينكر الرسول على هذا الصحابي التمييز بين أبنائه في الهبات فهو استفهام إنكاري.
ث-ورودها مع حروف الجر: وردت (الهمزة) مع حروف الجر في الأحاديث النبوية ومن الشواهد على ذلك الحديث الذي رواه المُغِيرةِ بن شُعْبَةَ قال: كُنْتُ مع رسول اللَّه ذاتَ ليلَة في مسيرٍ، فقال لي: «أَمعَكَ مَاء؟» قلت: نَعَمْ، فَنَزَلَ عن راحِلتِهِ فَمَشى حتى توَارَى في سَوادِ اللَّيْلِ ثم جاءَ فَأَفْرَغْتُ علَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةٍ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَعَلَيهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فلم يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِراعَيْهِ منها حتى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعيْهِ وَمَسَحَ برأْسِه ثُمَّ أَهْوَيْت لأَنزعَ خُفَّيْهِ فقال: «دعْهمَا فإني أَدخَلْتُهُما طَاهِرَتَينِ» وَمَسَحَ عَلَيْهِما[45].
دخلت (الهمزة) هنا على حرف الجر*، وهو من باب تحقيق أصالتها في الوقوع في صدر الجملة وهو موضع إجماع عند العلماء، والاستفهام هنا يحمل دلالة إضافية وهي التلطف في الطلب، فقد كان من الممكن أن يأمر الرسول الصحابي بإحضار الماء ولكنه لم يشأ ذلك، كونه مربيا للأمة الإسلامية فلم يستغل سلطته الدينية أو حب الصحابة له ليفرض أوامره في مثل هذه الأمور.
ج- دخولها على الجملة المنفية:
1- الاستفهام بـ (أليس): دخلت همزة الاستفهام على الجملة المنفية بـ (ليس) لتفيد التقرير بما بعد النفي وهذا ما تنفرد به (الهمزة) عن (هل)، ويرى علماء اللغة أنّ (ليس) قبل دخول همزة الاستفهام عليها تعني نفي مضمون الجملة في الحال،فقد رجح ابن الحاجب أن تكون لنفي مضمون الجملة مطلقا حالا كان أو غيره، وإذا دخلت عليها همزة الاستفهام فأكثرهم يرى أنّها تفيد التقرير بعد النفي أمّا الزمخشري فيرى أنّها في الحقيقة للإنكار أي الإنكار للنفي وإنكار النفي عائد به إلى الإثبات والوجوب[46].
ومن شواهد ذلك ما رواه أبو ذر جندب بن جنادة أنَّ ناساً قالوا: يا رسُولَ اللَّهِ ذَهَب أهْلُ الدُّثُور بالأجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بَفُضُولِ أمْوَالهِمْ قال : «أوَ لَيْس قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ؟ إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدقَةً، وكُلِّ تَكبِيرةٍ صدقة وكلِّ تَحْمِيدةٍ صدقةً، وكلِّ تِهْلِيلَةٍ صَدقَةً، وأمرٌ بالمعْرُوفِ صدقةٌ، ونَهْىٌ عنِ المُنْكر صدقةٌ وفي بُضْعِ أحدِكُمْ صدقةٌ»قالوا: يا رسولَ اللَّهِ أيأتي أحدُنَا شَهْوَتَه، ويكُونُ لَه فيها أجْر؟ قال: «أرأيْتُمْ لو وضَعهَا في حرامٍ أَكَانَ عليهِ وِزْرٌ ؟ فكذلكَ إذا وضَعهَا في الحلاَلِ كانَ لَهُ أجْرٌ»[47].
وعن أَبي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الحارثِ عن النبي قال: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّمواتِ والأَرْضَ، السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْراً، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم, ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقعْدة وَذو الْحِجَّةِ، والْمُحرَّمُ، وَرجُب الذي بَيْنَ جُمادَي وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»قلْنَا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلَم فَسكَتَ حَتَّى ظنَنَّا أَنَّهُ سَيُسمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: «أَليْس ذَا الْحِجَّةِ؟»قُلْنَا: بلَى قال: «فأَيُّ بلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللَّه وَرسُولُهُ أَعلمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سيُسمِّيهِ بغَيْر اسْمِهِ، قال: «أَلَيْسَ الْبلْدةَ الحرامَ؟» قُلْنا: بلَى، قال: «فَأَيُّ يَومٍ هذَا ؟»،قُلْنَا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلمُ، فَسكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّه سيُسمِّيهِ بِغيْر اسمِهِ، قال: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْر؟»قُلْنَا: بَلَى، قال: «فإِنَّ دِماءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأَعْراضَكُمْ عَلَيْكُمْ حرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذا في شَهْرِكم هَذَا، وَسَتَلْقَوْن ربَّكُم فَيَسْأْلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فلَعلَّ بعْض من يبْلغُه أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَه مِن بَعْضِ مَنْ سَمِعه» ثُمَّ قال: «أَلا هَلْ بَلَّغْتُ أَلا هَلْ بلَّغْتُ؟» قُلْنا: نَعَمْ قال: «اللَّهُمْ اشْهدْ»[48].
وردأسلوب الاستفهام بـ (أليس) لطلب إقرار المخاطَب بما يريد المتكلم، وهذا النوعمن الاستفهام هو إنشاء لفظاً ومعنىً؛ فهو إنشاء من حيث اللفظ، لأنّه على صورة الاستفهام والاستفهام من أقسام الإنشاء، وهي إنشاء من حيث المعنى؛ لأنّ المقصود من العبارة حمل المخاطَب على الإقرار، وهذا النوع من الاستفهام يحتاج إلى جواب بـ (بلى)، وهذا ما لمسناه من خلال الحديث.
2- الاستفهام بـ (ألا): اختلف العلماء في (ألا) فجعلها ابن الحاجب مركبة من همزة الإنكار وحرف النفي وركب الحرفان لإفادة الإثبات والتحقيق فصارت بمعنى (إن)[49]، ومن شواهد ذلك في الحديث النبوي الحديث الذي رواه ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه : «أَلا أَخْبرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ تَحْرُمُ على كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ ليِّنٍ سَهْلٍ»[50].
وإذا كان معنى (ألا) التمني فإن الهمزة لا تغير من عمل (لا) وفي هذا اختلاف فالشجري يقول بالرأي السابق وذلك حسب رأيه « لأنه إذا عرض عليك النزول، فقال: ألا تنزل فقد أخبر بأنه يجب نزولك عنده وأدخله قوم في الاستفهام، لأن لفظه كلفظه ولو كان استفهاما لم يكن المخاطب به مكرما لمن خاطبه، ولا موجب عليه بذلك شكرا»[51]، ويعترض على هذا قطبي الطاهر فيقول بأنّ «المعروف أن كل إنشاء يؤول بخبر ويستلزمه، لكن الاستلزام لا يخرج الإنشاء من إنشائيته … فالخبر الذي يستلزمه الأسلوب الإنشائي ليس مقصودا ولا منظورا إليه وإنما ينظر إلى الأسلوب ذاته»[52].
وتفيد (ألا) العرض والتحضيض، فهما يجريان وفق أسلوب الاستفهام لأنهما منه، فدلالتهما على العرض والتحضيض من قبيل المعاني البلاغية التي يخرج إليها الاستفهام.
ومن الشواهد على هذا الحديث الذي رواه أبي بكرةَ نُفيْع بنِ الحارثِ قال: قال رسولُ اللَّه : «أَلا أُنَبِّئُكمْ بِأكْبَرِ الْكَبائِرِ؟» ثلاثاً، قُلنا: بلَى يا رسولَ اللَّه، قال: «الإِشْراكُ بِاللَّهِ وعُقُوقُ الْوالِديْن» وكان مُتَّكِئاً فَجلَسَ فقال: «أَلا وقوْلُ الزُّورِ وشهادُة الزُّورِ» فَما زَال يكَرِّرُهَا حتَّى قُلنَا ليْتهُ سكتْ،[53]أمّا (ألا) في قوله «أَلا وقوْلُ الزُّورِ» فهي حرف تنبيه.
وعن أَبي سعيدٍ رافعِ بنِ المُعلَّى قال: قال لي رسولُ اللَّه :« أَلا أُعَلِّمُكَ أَعْظَم سُورةٍ في الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تخْرُج مِنَ المَسْجِدَ؟»فأَخَذَ بيدِي، فَلَمَّا أَردْنَا أَنْ نَخْرُج قُلْتُ: يا رسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ: لأُعَلِّمنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ في الْقُرْآنِ؟ قال: «الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالمِينَ هِي السَّبْعُ المَثَاني وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذي أُوتِيتُهُ».[54]
لا يسأل الرسول الصحابة الإذن لكي يعلمهم ولكنّه يحثهم ويشوقهم للمعرفة لذلك استعمل الرسول هذه الأداةالاستفهامية في الاستفهام للتشويق، فالاستفهام في هذا السياق خرجعن دلالته الأصلية إلى غرض التشويق.
ومن ذلك أيضا أَنَّ رسُولَ اللَّهِ قال: «أَلا أَدُلُّكُمْ على ما يَمْحُو اللَّه بِهِ الخَطَايا، ويرْفَعُ بِهِ الدَّرجاتِ؟» قَالُوا: بلى يا رَسُول اللَّهِ، قَالَ: «إِسْباغُ الوُضُوءِ على المكَارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطَا إلى المساجِدِ وانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ، فذلِكُمُ الرِّباطُ».[55]
وأيضا عن أبي عبدِ الرحمنِ عَوف بن مالك الأَشْجَعِيِّ قالَ: كُنَّا عِنْدَ رسُولِ اللَّه تِسَعْةً أَوْ ثمانيةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَال: «أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّه؟» وكُنَّا حَدِيثي عَهْدٍ بِبيْعَةٍ، فَقُلْنا: قَدْ بايعْناكَ يا رسُولَ اللَّهِ، ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فَعَلاَم نَبَايِعُكَ؟ قال: «على أَنْ تَعْبُدُوا اللَّه ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، والصَّلَوَاتِ الخَمْس وَتِطيعُوا الله» وَأَسرَّ كلمَة خَفِيةً: «وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسِ شَيْئاً»، فَلَقَدْ رَأَيتُ بَعْضَ أُولِئكَ النَّفَر يَسْقُطُ سَوْطُ أَحدِهِمْ فَما يَسْأَلُ أَحَداً يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ،[56]أفاد الاستفهام هنا الحث والحض على المبايعة.
2-الاستفهام (أما): يرى علماء اللغة أن (أما) حرف استفتاح بمنزلة (ألا) وإذا وقعت (أن) بعد (أما) كسرت همزتها كما تكسر بعد (ألا) الاستفتاحية.
ومن ذلك قوله :«يَا فَاطمةُ أَما تَرْضِينَ أَنْ تَكُوني سيِّدَةَ نِسَاء المُؤْمِنِينَ، أوْ سَيِّدةَ نِساءِ هذهِ الأمَّةِ؟»[57].
وردت (أما) في هذا السياق بمعنى التحقيق والتثبيت، فالسائل في هذا المقام وهو الرسول لا يريد جوابا بل يريد أن يخبر فاطمة (رضي الله عنها)أنّها من أهل الجنة كما يريد أن ينتزع منها إقرارا برغبتها في ذلك واعترافا.
ومن ذلك أيضا الحديث الذي رواه عمرو بن العاص قال: فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإسلامَ في قَلْبِي أتَيْتُ النبيَّ فقُلْتُ: ابسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعُك، فَبَسَطَ يَمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي، فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قلتُ: أردتُ أنْ أشْتَرِطَ فَقَالَ «تَشْتَرِط مَاذا؟» قُلْتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي، فقال :«أمَا عَلِمْتَ أن الإسلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأن الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا، وَأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟»[58].
هذا النوع من الاستفهام الوارد في الحديث من الاستفهام التقريري، وهو إنشاء من حيث اللفظ خبر من حيث المعنى، إنشاء من حيث اللفظ لأن صيغة الاستفهام من أقسام الإنشاء وخبر من حيث المعنى لأنّ معناه تثبيت الخبر وتحقيقه، فقوله (أما علمت؟) يقصد بها (قد علمت).
3-الاستفهام ﺒـ (أرأيت): ورد فعل (رأيت) مع الهمزة كثيرا في الأحاديث النبوية ويرى علماء اللغة أن (أرأيت) تكون للاستفهام بمعنى (أخبرني) وتكون للتعجب، وتكون للتنبيه أيضا.
وذهب الزركشي إلى أن الفعل (رأى) إذا دخلت عليه همزة الاستفهام امتنع أن يكون من رؤية البصر والقلب وصار بمعنى أخبرني، ومنهم من ذهب إلى أن (أرأيت) اسم فعل أمر واشترطوا أن يعقبه استفهام ظاهرا كان أم مقدرا[59].
ومن ذلَك ما روي عنْ أَبي هُرَيْرةٍ قَال: سمِعْتُ رسُول اللَّه يَقُولُ: «أَرأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِباب أَحَدِكم يغْتَسِلُ مِنْه كُلَّ يَوْمٍ خَمْس مرَّاتٍ، هلْ يبْقى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ؟» قالُوا: لا يبْقَى مِنْ درنِهِ شَيْء، قَال: «فذلكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يمْحُو اللَّه بهِنَّ الخطَايا»[60].الظاهر أنّ الاستفهام في هذا الحديث للتنبيه والتقرير، فالاستفهام الوارد في هذا الحديث كان لتقرير الحجة.
4- ورود الهمزة مع حرف العطف: وردت (الهمزة) مع حرف العطف في الحديث الذي رواه أبو فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله ومن أهل الصفة* قال: كنت أبيت مع رسول الله فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: «سَلْنِي» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: «أَوَ غَير ذَلِك؟» قلت هو ذاك قال: «فَأَعِنّي عَلى نَفسِك بكُثرةِ السُّجُودِ».[61]
الأصل تقديم حرف العطف على الهمزة كما تقدم على غيرها من أدوات الاستفهام نحو قوله : ]وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[[آل عمران: الآية 101]ولكن في هذا الحديث خصت الهمزة بتقديمها على حرف العطف وذلك لأصالتها.
مما سبق نلاحظ أنّ الهمزة قد دخلت على الاسم والفعل والحرف، وقد تصدّرت الجملة في جميع مواضعها.
6-2-الاستفهامﺑـ(مـا): كثر استعمال (ما) الاستفهامية في الأحاديث النبوية وقد وردت مع الجملة الفعلية والجملة الاسمية على السواء.
أ- ورود (ما) مع الجملة الفعلية:وردت (ما) مع الجملة الفعلية ومع الفعل الماضي لتفيد الإنكار ومن الشواهد على ذلك الحديث الذي رواه أَبو العباس سهلِ بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ أَنّ رسولَ اللَّه قال: «يَا أَبَا بَكْرٍمامنعَك أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ حِينَ أَشرْتُ إِلَيْكَ؟»فقال أَبُو بكْر: مَا كَانَ ينبَغِي لابْنِ أَبي قُحافَةَ أَنْ يُصلِّيَ بِالنَّاسِ بَيْنَ يَدَيْ رسولِ اللَّه [62].
فقد أنكر الرسول على أبي بكر حين امتنع عن الصلاة بالناس وقد أشار له بأن يصلي، فقال له: (ما منعك؟) وفي نفس الحديث وردت بصيغة (مالكم) لتفيد الإنكار والتوبيخ والتعجب من عمل الصحابة حين بدؤوا بالتصفيق أثناء الصلاة.
وعن أَنس أَن أَعرابياً قال لرسول اللَّه : مَتَى السَّاعَةُ؟ فقال رسولُ اللَّه : «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قال: حُب اللَّهِ ورسولِهِ قال: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»[63].
وعنْ ابن عباسٍ قال: قال النبي لِجِبْرِيلَ: « مَا يمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورنَا؟» فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾[مريم: الآية 64][64].
ب- ورود (ما)في الجملة الاسمية: وقد يرد استعمالها مع الجملة الاسمية فيليها الاسم كثيرا وسبب ذلك كونها للاستفهام عن حقيقة الشيء وماهيته ومن شواهد ذلكما ورد عن أَبي العباسِ سهلِ بنِ سعدٍ الساعِدِيِّ قال: مرَّ رجُلٌ على النَبيِّ فقالَ لرجُلٍ عِنْدهُ جالسٍ: «ما رَأَيُكَ فِي هَذَا؟» فقال: رَجُلٌ مِنْ أَشْرافِ النَّاسِ، هذا وَاللَّهِ حَريٌّ إِنْ خَطَب أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَع أَنْيُشَفَّعَ فَسَكَتَ رسول اللَّه ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخرُ، فقال له رسولُ اللَّه :«مَا رأُيُكَ فِي هَذَا ؟» فقال: يا رسولَ اللَّه هذا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هذَا حريٌّ إِنْ خطَب أَنْ لا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَع أَنْ لا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمع لِقَوْلِهِ فقال رسول اللَّه :« هَذَا خَيْرٌ منْ مِلءِ الأَرْضِ مِثْلَ هذَا»[65].
استعمل الرسول استفهاما يبدو في ظاهره استشكال واسترشاد ولكن الغرض منه التوجيه والإرشاد وتصحيح المفاهيم، وأيضا وردت بتركيب (ما هذا) لتفيد الإنكار والتعجب ومن شواهدها ما رواه أَنسٍ قال: دَخَلَ النَّبِيُّ الْمسْجِدَ فَإِذَا حبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فقالَ: «ما هَذَا الْحبْلُ؟» قالُوا: هَذا حبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَترَتْ تَعَلَقَتْ بِهِ. فقال النَّبِيُّ : «حُلّوهُ، لِيُصَلِّ أَحدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذا فَترَ فَلْيرْقُدْ»[66].
والسؤال هنا ليس لمعرفة ماهية الحبل وإنما السؤال لإنكار جعل الحبل في المسجد ويتضح ذلك في قوله: « حُلّوهُ لِيُصَلِّ أَحدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذا فَترَ فَلْيرْقُد».
وعن عبدِ اللَّه بنِ عمرو بنِ العاصِ قال: مَرَّ عَلَيْنَا رسولُ اللَّه وَنحنُ نُعالجُ خُصًّا لَنَا فقال: «ماهذا؟»فَقُلْنَا: قَدْ وَهِي فَنَحْنُ نُصْلِحُه، فقال: « ما أَرَى الأَمْرَ إِلاَّ أَعْجَلَ مِنْ ذلكَ».[67]
كما وردت (ما) مع اسم الإشارة (ذاك) فكانت بهذه الصيغة (ما ذاك) ومن شواهد ذلك الحديث الذي رويعَن أبي هُريرة أَنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسولَ اللَّه فقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجاتِ العُلَى والنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقَال: «ومَا ذَاكَ؟» فَقَالُوا: يُصَلُّونَ كمَا نُصَلِّي ويَصُومُونَ كمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ ولا نَتَصَدَّقُ، ويَعتِقُونَ ولا نَعتقُ، فقال رسول اللَّه : «أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيئاً تُدرِكُونَ بِهِ مَنْ سبَقَكُمْ، وتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُم إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثلَ ما صَنَعْتُم؟» قالوا: بَلَى يا رسولَ اللَّه، قَالَ: « تُسبحُونَ، وتحمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ دُبُر كُلِّ صَلاة ثَلاثاً وثَلاثِينَ مَرَّةً » فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلى رسولِ اللَّه فَقَالُوا: سمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَموَالِ بِمَا فَعلْنَا فَفَعَلوا مِثْلَهُ ؟ فَقَالَ رسولُ اللَّه : « ذلك فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يشَاءُ»[68].
وعن أَبِي ربْعِيٍّ حنْظَلةَ بنِ الرَّبيع الأُسيدِيِّ الْكَاتِب أَحدِ كُتَّابِ رسول اللَّه قال: قُلْتُ نافَقَ حنْظَلةُ يا رسول اللَّه، فقالَ رسولُ اللَّه : «ومَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يا رسولَ اللَّه نُكونُ عِنْدكَ تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ والْجنَةِ كَأَنَّا رأْيَ العَيْنِ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسنَا الأَزوَاج والأوْلاَدَ والضَّيْعاتِ نَسِينَا كَثِيرا ًفقال رسولُ اللَّه : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ أن لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْر لصَافَحتْكُمُ الملائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم وفي طُرُقِكُم، وَلَكِنْ يا حنْظَلَةُ ساعةً وساعةً»[69].
الاستفهام الوارد في هذا الحديث استفهام حقيقي، لأن الرسول يستفهم الصحابي الجليل لمعرفة ما يقصده من قوله: (نافق حنظلة) وهذا ينطبق على الحديث الذي سبقه إذ يستفهم الرسول الصحابة عن المراد من قولهم: (ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجاتِ العُلَى والنَّعِيمِ المُقِيمِ).
6-3-الاستفهام ﺒـ (ماذا):وردت ماذا في الحديث الذي رواه عمرو بن العاص قال: أتيت النبي فقلت له: ابسط يمينك لأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي، فقال: «مالك يا عمرو؟» قلت: أردت أن أشترط قال: « تشترط ماذا؟»[70].
نلاحظ مجيء (ماذا) على حسب رأي الكوفيين وهو الرأي القائل بأنّ (ماذا) لا تجب لها الصدارة في الكلام فيجوز أن يعمل فيها ما قبلها من العوامل.
6-4-الاستفهام بـ (ما الـذي):وردت هذه الأداة في الحديث الذي رواه ابْن عَبَّاسٍ قال: قال رسولُ اللَّه : «عُرضَت عليَّ الأمَمُ فَرَأيْت النَّبِيَّ وَمعَه الرُّهيْطُ والنَّبِيَّ ومَعهُ الرَّجُل وَالرَّجُلانِ وَالنَّبِيَّ وليْسَ مَعهُ أحدٌ إذ رُفِعَ لِى سوادٌ عظيمٌ فظننتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فَقِيلَ لِى: هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فإذا سواد عظيم فقيل لى انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي: هَذه أُمَّتُكَ ومعَهُمْ سبْعُونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ» ثُمَّ نَهَض فَدَخَلَ منْزِلَهُ فَخَاض النَّاسُ في أُولَئِكَ الَّذينَ يدْخُلُون الْجنَّةَ بِغَيْرِ حسابٍ وَلا عذابٍ. فَقَالَ بعْضهُمْ: فَلَعَلَّهُمْ الَّذينَ صَحِبُوا رسول اللَّه ، وقَال بعْضهُم: فَلعَلَّهُمْ الَّذينَ وُلِدُوا في الإسْلامِ، فَلَمْ يُشْرِكُوا باللَّه شيئاً وذَكَروا أشْياء فَخرجَ عَلَيْهمْ رسول اللَّه فَقَالَ:« مَا الَّذي تَخُوضونَ فِيهِ؟»فَأخْبَرُوهُ فَقَالَ: «هُمْ الَّذِينَ لا يرقُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطيَّرُون وَعَلَى ربِّهمْ يتَوكَّلُونَ» فقَامَ عُكَّاشةُ بنُ مُحْصِن فَقَالَ: ادْعُ اللَّه أنْ يجْعَلَني مِنْهُمْ. فَقَالَ: «أنْت مِنْهُمْ» ثُمَّ قَام رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ اللَّه أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فقال: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ»[71].
وردت الأداة (ما الـذي) بدلالتها الأصلية في هذا السياق، فالرسول استفهم الصحابة عن فحوى حديثهم لأنه لم يكن حاضرا والقرينة ما ورد في الحديث من قول الراوي: (ثُمَّ نَهَض فَدَخَلَ منْزِلَهُ فَخَاض النَّاسُ في أُولَئِكَ الَّذينَ يدْخُلُون الْجنَّةَ بِغَيْرِ حسابٍ وَلا عذابٍ).
6-5-الاستفهام ﺒ(مالـ):وهذا النوع من الاستفهام نجده ضمن الحديث الذي رواه أَبو العباس سهل بن سَعد الساعِدِيّ أنَّ رَسُول الله بَلَغَهُ أنَّ بَني عَمرو بن عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَرٌّ، فَخَرَجَ رسولُ الله يُصْلِحُ بَينَهُمْ في أُنَاس مَعَهُ، فَحُبِسَ* رَسُول الله وَحَانَتِ الصَّلاة فَجَاءَ بِلالٌ إِلَى أَبي بكر فَقَالَ: يَا أَبا بَكْر إنَّ رَسُول الله قَدْ حُبِسَ وَحَانَتِ الصَّلاةُ فَهَلْ لَكَ أنْ تَؤُمَّ النَّاس؟ قَالَ: نَعَمْ إنْ شِئْتَ فَأقَامَ بِلالٌ، وتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ، وَجَاءَ رَسُول الله يَمشي في الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ في التَّصْفيقِ، وَكَانَ أَبُو بكرٍ لاَ يَلْتَفِتُ في صلاته فَلَمَّا أكْثَرَ النَّاسُ في التَّصْفيقِ الْتَفَتَ، فإِذَا رَسُول الله فَأَشَارَ إِلَيْه رسولُ الله فَرَفَعَ أَبُو بَكْر يَدَهُ فَحَمِدَ اللهَ وَرَجَعَ القَهْقَرَى وَرَاءهُ حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ فَتَقَدَّمَ رَسُول الله فَصَلَّى للنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «يا أيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ في الصَّلاةِ أخَذْتُمْ في التَّصفيق؟ إِنَّمَا التَّصفيق للنِّساء مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ في صَلاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ الله فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُهُ أحدٌ حِينَ يقُولُ: سُبْحَانَ الله إلاَّ الْتَفَتَ. يَا أَبَا بَكْر مَا مَنَعَكَ أنْ تُصَلِّي بالنَّاسِ حِينَ أشَرْتُ إلَيْكَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ يَنْبَغي لابْنِ أَبي قُحَافَةَ أنْ يُصَلِّي بالنَّاسِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول الله [72].
خرجت الأداة الاستفهامية (مالـ) عن دلالتها الأصلية إلى غرض بلاغي هو الإنكار، فقد أنكر الرسول على الصحابة التصفيق أثناء الصلاة والدليل أنه لم ينتظر الإجابة منهم بل مباشرة أرشدهم إلى الصواب.
6-6-الاستفهام ﺒ (ما بال):وهي بمعنى ما شأن وما حال[73]،وقد تفيد معنى الإنكار ومن شواهد ذلك قوله: «مَا بالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلِى السَّماءِ في صَلاتِهِمْ؟» فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ في ذلك حَتَّى قَالَ: «لَيَنْتَهُنَّعَنْ ذلك أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصارُهُمْ؟»[74].
تضمن استفهام النبي معنى الإنكار لهؤلاء المصلين الذي يرفعون أبصارهم إلى السماء، فالاستفهام هنا للأمر بالانتهاء.
6-7-الاستفهام ﺑ (هـل):الأصل في (هل) دخولها على الجملة الفعلية، فإن دخلت على الاسم فإن ذلك يكون لنكتة بيانية وغرض بلاغي فالجملة الاسمية كما نعلم تدل على الثبات والدوام كما أنها غير مقيدة والفعلية ليست كذلك. أكثر ما وردت (هل) في الأحاديث النبوية الواردة في المدونة كان مع الجملة الفعلية، كما وردت مع شبه الجملة ومن شواهد ذلك الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاصقَالَ: أقبلَ رَجُلٌ إِلَى نَبيِّ اللهفَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ وَالجِهَادِ أَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى. قَالَ: «فَهَلْ لَكَ مِنْ وَالِدَيْكَ أحَدٌ حَيٌّ؟»قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلاهُمَا قَالَ:«فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى؟»قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:«فارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا».
جاءت الأداة (هل) في هذا الحديث بدلالتها الأصلية فاستفهام الرسول كان بغرض التثبت حول ما إذا كان للصحابي أحد من والديه حيّ قبل أن يوجهه إلى قيمة من القيم التي أتى بها الدين الإسلامي وهي الإحسان إلى الوالدين، أما الاستفهام الثاني الوارد ضمن نفس الحديث فقد ورد بالهمزة وذلك بغرض التقرير.
ترد (هل) مع الماضي لتفيد معنى التحقيق والتقرير بمعنى أنها تفيد معنى التحقيق الذي تفيده (قد) حين دخولها على الماضي، ومن شواهدها في الحديث النبوي ما رواه أَنسٍ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النبيِّ فقال: يا رسولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حدّاً، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، وَحَضَرتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ رسول اللَّه فَلَمَّا قَضَى الصَّلاة قال: يا رسول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حدًّا، فأَقِمْ فيَّ كتَابَ اللَّهِ قال: «هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلاَةَ ؟» قال: نَعم، قال: «قد غُفِرَ لَكَ»[75].
نجد في هذا الحديث أنّ الرسول قد علمبأن الصحابي قد حضر الصلاة معه، إلا أنّه أراد باستفهامه هذا حمل الصحابي على الإقرار بذلك و(هل) هنا لم ينسلخ عنها معنى الاستفهام حين أفادت التحقيق والتقرير، ونستنتج من هذا أنّ الاستفهام التقريري قد يكون بغير الهمزة.
إذا دخلت (هل) على المضارع فإنها تخلصه للاستقبال فهي كالسين وسوف، فإذا دخلت على الفعل المضارع يجب أن يكون هذا الفعل للاستقبال، فإذا لم يكن كذلك وكان للحال أو معناه ماضيا فلا يجوز أن تدخل عليه (هل)، وإذا دخلت (هل) على الماضي أو على الجملة الاسمية فلا تغير شيئا أي لا تجعلهما للاستقبال، و(هل) يكثر أن يأتي بعدها الفعل، لذلك ذهب النحويون إلى أن (هل) في أصلها (قد) وخرجوا عليه قوله: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾[الإنسان:1]قيل معناه: قد أتى على الإنسان.
ومن شواهد دخول (هل) على الفعل المضارع الحديث الذي روي عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قال: كُنتُ رِدْفَ النبيِّ على حِمارٍ فقال: «يَا مُعَاذُ هَل تَدري مَا حَقُّ اللَّه عَلى عِبَادِهِ، ومَا حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللَّه؟»قلت: اللَهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعْبُدُوه، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَحقَّ العِبادِ عَلى اللَّهِ أَنْ لا يعذب مَنْ لا يُشِركُ بِهِ شَيْئاً»، فقلت: يا رسولُ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: « لا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا»[76].
وأيضا الحديث الذي رواه أبو هريرة قال: كنا مع رسول اللَّه إِذ سَمِعَ وَجْبَةً فقال: «هَلْ تَدْرُونَ ما هذا؟» قُلْنَا: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: «هذا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفاً فَهُوَ يهْوِي في النَّار ِالآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلى قَعْرِهَا، فَسَمِعْتُمْ وجْبَتَهَا»[77]في هذا الحديث استعمل الرسول أداة الاستفهام بغرض الإخبار، وهو يدخل ضمن طريق الإعلام غير المباشر.
وعن أبي هريرة قالَ: أَتَى النبيَّ رَجُلٌ أَعمى فقال: يا رسولَ اللَّهِ لَيْس لي قَائِدٌ يقُودُني إِلي المَسْجِدِ، فَسأَلَ رسولَ اللَّهِ أَن يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَليِّ في بيْتِهِ، فَرَخَّص لَهُ، فَلَمَّا وَلىَّ دَعَاهُ فقال له: «هلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟»قال: نَعَمْ، قال: « فَأَجِبْ»[78].
ومنه، فإنّ (هل) تخلص المضارع للاستقبال، أمّا الماضي فتبقيه على ما هو عليه، فالمعاني التي تعطيها هذه الأداة أرحب وأغزر من أن تحدد ويُحاط بها.
6-8-الاستفهامﺑ(كيف):ويستفهم بها عن الحال، يقال: كيف أنت؟ فتقول: صحيح، أو آكل، أو شارب، أو نائم، أو ما شابه ذلك، ﻔـ (كيف) تحيط بالأحوال كلها، وردت في مواضع عدّة في المدونة دخلت فيها على الجملة الفعلية والاسمية ومنها:
أ- دخولها على الجملة الفعلية ومن الشواهد على ذلك الحديث الذي رواه أبو سعيدٍ الخُدْرِيِّ قال: قال رسول اللَّه : «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ » فَكَأَنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلى أَصْحَابِ رسول اللَّه فقالَ لَهُمْ: «قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوكِيلُ»[79].
دخلت(كيف) على الفعل المضارع لتعطي المعنى دلالة الاستمرارعلى الحال دون الثبات عليه، فالاستفهام عن الحال هنا جاء للتعجب، إذ كيف ينعم الرسول والأمر كما ذكر؟ فالاستفهام في هذا السياق خرج إلى غرضين هما التعجب والاستبعاد.
ب-كمادخلت (كيف) على الجملة الاسمية وذلك في الحديث الذي رواه ابن عمر قال: كُنَّا جُلُوساً مَعَ رسولِ اللَّه إِذْ جاءَ رَجُلٌ مِن الأَنْصارِ فسلَّم علَيهِ، ثُمَّ أَدبرَ الأَنْصَارِيُّ فقال رسول اللَّه : «يَا أَخَا الأَنْصَارِ، كَيْفَ أَخِي سعْدُ بنُ عُبادةَ ؟» فقال: صَالحٌ، فقال رسول اللَّه : «مَنْ يعُودُهُ مِنْكُمْ ؟» فَقام وقُمْنا مَعَهُ، ونَحْنُ بضْعَةَ عشَر ما علَينَا نِعالٌ وَلا خِفَـافٌ وَلا قَلانِسُ، ولا قُمُصٌ نمشي في تلكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ، فاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِه حتَّى دنَا رسولُ اللّهِ وَأَصْحابُهُ الَّذِين مَعهُ[80]، وردت (كيف) في هذا الحديث بدلالتها الأصلية وهي السؤال عن الحال.
ت-كما وردت (كيف) وقد وليها حرف تحقيق فيخرج بذلك الاستفهام بها عن دلالته الأصلية إلى غرض الإنكار والاستبعاد وذلك في الحديث الذي رواه أبو سِرْوَعَةَ عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأبي إِهاب بنِ عَزِيزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فقالت: إِنِّي قَد أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالتي قَدْ تَزَوَّجَ بها فقال لَها عُقبةُ: ما أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرضَعْتِني وَلاَ أَخْبَرتِني، فَرَكَبَ إِلى رسُولِ اللَّهِ بالمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ فقال رسُولُ اللَّهِ : « كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟» ففَارقَهَا عُقْبَةُ ونكَحَتْ هي زَوْجاً غيرَه[81].
6-9-الاستفهامﺑ (مَنْ): تعتبرمن الأدوات التي يستفهم بها عن المفرد، ومن العلماء من يرى أن (من) و(ما) من أصل واحد وقال ابن قتيبة: « (ما) و(من) أصلهما واحد، فجعلت (من) للناس و(ما) لغير الناس يقال من مرّ بك من القوم ؟ وما مر بك من الإبل»[82].
وردت(مَنْ) في المدونة في أكثر من شاهد، وكانت داخلة فيها على الجملة الاسمية والفعلية وقد تنوعت أنماطها على النحو التالي:
أ-وردت (مَنْ)وقد وليها فعل ومن شواهد ذلك في الحديث النبوي قوله :«مَنْ تَكَفَّلَ لي أَن لا يسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً، وَأَتَكَفَّلُ له بالجَنَّة ؟» فقلتُ: أَنا، فَكَانَ لاَ يسْأَلُ أَحَداً شَيْئا[83].
ب-كما وردت (مَنْ) الاستفهامية في مواضع كثيرة وقد وليها اسم فطلب بها تعيين العاقل ومن شواهد ذلك حديث ابنِ عبَّاسٍ أَنَّ النبي لَقِيَ رَكْباً بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: «مَنِ القَوْمُ ؟» قَالُوا: المسلِمُونَ قَالُوا: منْ أَنتَ؟ قَالَ: «رسولُ اللَّهِ» فَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِياً فَقَالتْ: ألهَذا حجٌّ؟ قَالَ: « نَعَمْ ولكِ أَجرٌ»[84]،استعمل الرسول(مَنْ) مع الجملة الاسمية لأنّ السؤال عن العاقل بـ (مَنْ) يقتضي جوابا ثابتا لا متغيرا.
ج- كما وردت أيضا مع اسم الإشارة في حديث الرسول : «من هذه؟»حين سأل عائشة (رضي اللَّه عنْهُا) عن امرأة كانت عندها[85]،ومن شواهد ذلك أيضا حديث جابر قال: أتَيتُ النبي فَدَقَقْتُ الباب فقال: «مَنْ هذا؟» فقلت: أنا، فقال:« أنا، أنا؟» كأنهُ كَرهَهَا[86].
6-10-الاستفهامﺑ(أيـن):يستفهم بها عن المكان، وقد وردت أكثر من مرة في الأحاديث الواردة في المدونـة وجاءت على أنماط مختلفة منها:
أ- وردت متبوعة باسم الفاعل ومن شواهدها في الحديث النبويما روته عائشة(رضي اللَّه عنْهُا)قالت: سمِع رسول اللَّه صَوْتَ خُصُومٍ بالْبَابِ عَالِيةٍ أَصْواتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شيءٍ، وَهُوَ يَقُولُ: واللَّهِ لا أَفعَلُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رسولُ اللَّه فقال: « أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّه لا يَفْعَلُ المَعْرُوفَ ؟»فقال: أَنَا يَا رسولَ اللَّهِ فَلهُ أَيُّ ذلِكَ أَحَبَّ.[87]
كما وردت (أين) أيضا متبوعة باسم الفاعل في الحديث الذي رواه أبو هريرةَ قال: بَيْنَمَا النَّبِيُّ في مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَومَ، جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رسولُ اللهِ يُحَدِّثُ فَقالَ بَعْضُ القَومِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إذَا قَضَى حَدِيثَهُ قالَ: «أيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟»قال: هَا أنا يَا رسُولَ اللهِ. قال: «إذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» قال: كَيفَ إضَاعَتُهَا؟ قال: «إذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ».[88]
دخلت (أين) على اسم الفاعل (السائل) وهذا من باب إبراز اهتمام النبي بالسائل عن الساعة فقد كان بإمكانه أن يأمر الصحابة بإبلاغ السائل بما أراد أن يبلغه إيّـاه لكنّه حريص على تعليم الصحابة والذي يدل عليه ظاهر أسلوب الاستفهام في هذا الحديث أنّه للإنكار، وهنا خرج أسلوب الاستفهام بهذه الأداة إلى غرض مجازي غير الدلالة الأصلية لها وهي الاستفهام عن المكان.
ب- وردت (أين) في محل جر بحرف جر ومن شواهد على ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة أن الرسول دَخَلَ بيته فَاسْتَأذَنَ، فَأَذِنَ لِه فَدَخَلْ، فَوَجَدَ لَبَنَاً في قَدَحٍ، فَقَالَ :«مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ ؟»قَالُوا: أهْدَاهُ لَكَ فُلانٌ – أَو فُلانَة[89].
نرى في هذا الحديث أنّ (أين) قد خالفت الأصل في استخدامها بأن تكون منصوبة على الظرفية حيث وردت مسبوقة بحرف جر وهي بالتالي في محل جرٍ به.
ت- وردت (أين) وقد وليها فعل مضارع في الحديث الذي رواه عِتْبَانَ بن مالك أنّه طلب من رسول الله أن يصلي في بيته مكانا يتخذه مصلّى فغدا إليه رسول الله فاستأذن فأذن له فلم يجلس رسول الله حتى قال: « أَيْنَ تـُحبُّ أَنْ أُصَلّيَ مِنْ بَيْتِك؟»فأشار له الصحابي إلى المكان الذي أحَبَّ أن يجعله مصلى.
وردت (أين) في هذا الحديث بدلالتها الأصلية وهي تعيين المكان مع وجود فائدة في هذا الحديث وهي أنّ الرسول يعلمنا الاستئذان، فقد استأذن قبل دخوله البيت ثم سأل الصحابي عن المكان الذي ينوي أن يجعل منه مصلّى دون أن يفرض رأيه عليه.
6-11-الاستفهام ﺑ(أيّ): يؤتى بـ (أيّ) لتمييز أحد المتشاركين في أمر يعمهما، وهي سؤال عن بعض من كل بقصد التعيين، وتكون لمن يعقل ولما لا يعقل، وإذا وليها أفعل التفضيل كانت لتمييز أحد المتشاركين في أمر يعمهما وقد وردت في الحديث النبوي مضافة إلى ضمير ومن شواهد ذلك الحديث الذي روى فيه جابر أَنَّ النبي كَانَ يَجْمَعُ بيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ يَعْني في القَبْرِ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُما أَكْثَرُ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ؟» فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ[90].
ومن خصائص (أيّ) ورودها بلفظ واحد للمذكر والمؤنث وهذا هو الأبلغ والأفصح، ومن أمثلة ذلك في القرآن قوله :﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[ لقمان: جزء من الآية 34 ].
6-12-الاستفهامﺒـ (متى): وهي من الظروف المبهمة غير المتمكنة، وذلك لأنها لا تضاف ولا تصرف غيرها و(متى) لا تكون نكرة، والمقصود بها السؤال عن الزمان، ولذلك فإنه لا يجوز أن تجيب من سألك متى لقيت فلانا؟ بقولك: شهرا، لأنّ الشهر لا يكون توقيتا ولأن اللقاء لا يكون إلا في بعض شهر وإنما سألك لتؤقت له.
وردت متى في الحديث النبوي مرة واحدة حين سأل عن وقت دخول الكلب إلى البيت أثناء انتظاره لجبريل فَقالَ: « مَتَى دَخَلَ هذا الْكَلْبُ ؟»[91].
وردت (متى) في هذا الحديث بدلالتها الأصلية وهي الاستفهام عن الزمان ماضيا كان أم مستقبلا.
6-13-الاستفهام ﺑ(أنّى):وردت (أنّى) في موضع واحد في الأحاديث النبوية وقد دخلت على الجملة الفعلية بمعنى (كيف) وذلك في قوله : «يَا أَيُّهَا النَّاس إِنَّ الله تَعَالَى طَيّب لا يَقْبلُ إلاَّ طَيِّباَ وإِنَّ الله تَعَالَى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[المؤمنون: الآية 51] وقال : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾[البقرة: الآية 172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعث أغبر يمد يَدَهُ إِلىَ السَّمَاءِ:ياربيارب ومَطْعَمَهُ حَرَام ومَشْرَبَهُ حَرَامْ ومَلْبَسَهُ حَرَام وُغُذِّيَ بِالحْـرَام فَأَنَّى يُسْتَجَاب لِذَلِك؟»[92].
وافقت أنّى في ورودها ضمن هذا الحديث ما ذهب إليه الزجاجي في أنها تأتي بمعنى (كيف)[93] وهنا اسْتُعمِل أسلوب الاستفهام للدلالة على استبعاد المستفهم عنه والتشكيك في حدوثه.
6-14-الاستفهام محذوف الأداة: يُعدُّ أسلوب الاستفهام مجالا خصبا لظاهرة الحذف وقد يكون الحذف في الأداة أو المستفهم عنه أو بحذف أسلوب الاستفهام بأكمله، وقد كثر هذا الحذف في الأحاديث الواردة في المدونة ومن أمثلة هذا الحذف نذكر:
أ- حذف همزة الاستفهام: لقد ذهب النحاة إلى أن الهمزة أصل أدوات الاستفهام وأم بابه ولذلك يجوز حذفها من الجملة ويبقى معنى الاستفهام قائما، اعتمادا على وجود قرينة لفظية دالة عليها وهي (أم)المعادلة لهاومع عدم وجود (أم) في الكلام أجاز بعض النحويين حذف همزة الاستفهام اعتمادا على قرينة معنى الكلام وسياقه،واعتمادا على قرينة صوتية هي نغمة الاستفهام التي ينطق بها المستفهم جملة الاستفهام.
ومن شواهد ذلك في الحديث الشريف الحديث الذي رواه أنسأنّ رسول الله قال له: «أرسلك أبو طلحة؟» فقال أنس : نعم[94].
الملاحظ وجود حذف لهمزة الاستفهام في هذا الحديث دون وجود قرينة أم المعادلة وإنما القرينة هي السياق الذي ورد فيه أسلوب الاستفهام.
ومن الشواهد على ذلك في الأحاديث النبوية ما رواه أَنسٍ أنّ النبي قال للرهْطِ الثَلاثةُ الذين جاءوا إِلَى بُيُوتِ أَزْواجِه يسْأَلُونَ عنْ عِبَادَته: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كذا وكذَا؟ أَما واللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للَّهِ وَأَتْقَاكُم له لكِني أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّي وَأَرْقُد، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فمنْ رغِب عن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّى»[95]والتقدير: ( أأنتم الذين قلتم كذا وكذا؟).
وعن أَبِي محمد عبدِ اللَّهِ بن عمرو بنِ العاص قال: أُخْبرَ النَّبِيُّ أنِّي أَقُول: وَاللَّهِ لأَصومَنَّ النَّهَارَ، ولأَقُومنَّ اللَّيْلَ ما عشْتُ، فَقَالَ رسُول اللَّه :«أَنْتَ الَّذِي تَقُول ذلك؟»[96]. والتقدير في الاستفهام هنا: ( أأنت الذي قلت هذا؟).
وعن جابر قال:أَراد بنُو سَلَمَه أَن ينْتَقِلوا قُرْبَ المَسْجِدِ فبلَغَ ذلك رسولَ اللَّه فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّه قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُربَ الْمَسْجِدِ؟»، فَقَالُوا: نَعَمْ يا رسولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلكَ فَقالَ: «بَنِي سلمه ديارَكُمْ تكْتبْ آثَارُكُمْ، دِياركُم تُكْتَبْ آثارُكُمْ ».[97]
ب- حذف المستفهم عنه:يحذف المستفهم عنه في بعض جمل الاستفهام لدلالة السياق عليه نحو ما ورد في الحديث النبوي الذي رواهأَبو سِرْوَعَةَ عُقبَةَ بنِ الحارِثِ أنَّهُ تَزَوَّجَ ابنَةً لأبي إهَابِ بن عزيزٍ فَأتَتْهُ امْرَأةٌ فَقَالَتْ: إنّي قَدْ أرضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أعْلَمُ أنَّك أرضَعْتِنِي وَلاَ أخْبَرْتِني فَرَكِبَ إِلَى رسول الله بِالمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ: فَقَالَ رسول الله : «كَيْفَ؟ وَقَد قِيلَ»فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجاً غَيْرَهُ[98].
والتقدير: كيف اجتماعك بها بعد ما قيل؟.
ج- حذف أسلوب الاستفهام:قد يحذف الأسلوب الاستفهامي كاملا اعتمادا على فهم السامع، ومن شواهد ذلك في الحديث النبوي ما ورد عن جابر أَنّ بنُو سَلِمَة* أَرادوا أن ينْتَقِلوا قُرْبَ المَسْجِدِ فبلَغَ ذلك رسولَ اللَّه فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّه قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُربَ الْمَسْجِدِ؟»فَقَالُوا: نَعَمْ يا رسولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلكَ فَقالَ: «بَنِي سَلِمةَ ديارَكُم تكْتبْ آثَارُكُمْ، دِياركُم تُكْتَبْ آثارُكُمْ»[99].
فالرسول لم يسأل بنو سلمة مباشرة وقد كان يمكن أن يقول: (أحقا أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟) والقرينة على هذا جوابهم بنعم.
في خلاصة هذا الفصل نستطيع القول إنّ هدف الدراسة النحوية هو رصد مختلف العلاقات التي تربط بين أجزاء الكلام فتجعله صحيحا مستقيما، مؤديا للمعنى المراد منه، فالدراسة النحوية مثلما رأينا من خلال تحليل نماذج من الأحاديث النبوية ما هي إلا وصف للعلاقات الإسنادية التي تتحكم في مختلف أنواع الجمل وما يلحق هذه العلاقات من تغيرات، إذ تعتبر العلاقات الإسنادية بمثابة الهيكل الذي ينبني عليه الكلام ويستقيم به المعنى اللغوي، فغاية التركيب النحوي هو السلامة اللغوية وذلك بواسطة التأليف والنظم بين الكلمات.
وقد تبيّن لنا من خلال استقصائنا للأنماط التي وردت عليها أدوات الاستفهام في الأحاديث الواردة في المدوّنة:
- إنّ عناية المتكلم بمعانيه تدفعه إلى أن يتخذ طريقة مناسبة في صياغة عباراته، فهناك أساليب تسهم في إضفاء الدلالة المحدّدة المطلوب إيصالها إلى المتلقي، فالاختلاف في الأساليب لا يكون بطريقة عشوائية، حيث أن كل أسلوب من الأساليب الواردة في الأحاديث تستعمل في مكانها المناسب الذي لا يفضله فيه غيره.
- كثرة ورود الجملة الفعلية مع أدوات الاستفهام أكثر من الجملة الاسمية ولعلّ ذلك راجع إلى كون دلالة الفعل التجدد والاستمرار، على عكس الاسم الدّال على الثبوت، فأكثر استفهامات الرسول eهي عن أفعال وقعت أو تقع، فهي تتكرر وتتجدد في حياة البشر جميعا على مرّ الزّمان، والرسولeمعلم للبشرية جمعاء وليس لجيل الصحابة فقط.
- عدم ورود (كم) في الاستفهام الصادر عن الرسول في الأحاديث النبوية الواردة في المدونة كما لم ترد أيضا أداة الاستفهام (ألم).
- حذف أداة الاستفهام أرحب مما ذكره النحويون، فلقد ذكر بعض النحاة أنّه لا يحذف من أدوات الاستفهام إلا الهمزة، شريطة وجود قرينة لفظية، هي (أم) المعادلة للهمزة المحذوفة إلا أنّ الأمر أوسع من ذلك، فهناك الكثير من الأحاديث التي ورد فيها لاستفهام محذوف الأداة وقد خلا من (أم).
قمنا في هذا الفصل بدراسة نحوية لأسلوب الاستفهام، وحاولنا من خلاله الوصول إلى الإجابة عن سؤال مهم وهو: ما الجانب الذي نال اهتمام أكثر في هذه الدراسة النحوية لأسلوب الاستفهام؟ فوجدنا أن النحو يهتم بالمتكلم والمخاطَب والرسالة، فالمتكلم يختار الأداة الاستفهامية المناسبة للسياق الذي ترد فيه لإيصال التركيب اللغوي سليما نحويا إلى المخاطَب فيستطيع هذا الأخير فهم الرسالة دون لبس أو غموض، ويكون ذلك أيضا بمراعاة ما يلي الأداة الاستفهامية، إذ أن هناك فرق شاسع بين المعنى الذي يصل إلى المخاطَب في حالة ما إذا جاءت بعد الأداة الاستفهامية جملة اسمية والمعنى إذا أتت بعدها جملة فعلية وكذلك هناك اختلاف في التعبير بالفعل الماضي بعد أداة الاستفهام، عن التعبير بالفعل المضارع بعدها.
الهوامش
[1]– محمود فجال، الحديث النبوي في النحو العربي، ط2. الرياض: 1417 هـ- 1997م، أضواء السلف، ص26.
[2]أحمد مختار عمر، البحث اللغوي عند العرب، ط7. مصر: 1997م، عالم الكتب للنشر، ص 120.
[3]– أبو الفضل جمال الدين ابن مكرم ابن منظور، لسان العرب، تح: أمين محمد عبد الوهاب ومحمد صادق العبيدي، ط3. بيروت: د ت، دار إحياء التراث العربي، مادة (فهم).
[4]– ابن قتيبة الكوفي الدينوري، أدب الكاتب، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، ط4. مصر: 1382 هـ- 1963م مطبعة السعادة، ص 360.
[5]– جلال الدين السيوطي، الاتقان في علوم القرآن، ط1. مصر: 1979م، المطبعة الأزهرية، ج1، ص 294.
* ( الخُبر): بضم الخاء: وهو العلم بالشيء
[6]– أحمد ابن زكريا ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تح: محمد الشويمي، د ط. بيروت: 1383هـ- 1964م، مؤسسة بدران للطباعة والنشر، ص181.
[7]– أبو الفتح عثمان ابن جني، اللّمع في العربية، تح: حامد المؤمن، د ط. بغداد: د ت، مطبعة العاني، ص355.
[8]– عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه، الكتاب، تح: عبد السلام محمد هارون، ط3. القاهرة: 1408هـ-1988م مكتبة الخانجي، ج1، ص52.
[9]– عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه، الكتاب، تح: عبد السلام محمد هارون، ط3. القاهرة: 1408هـ-1988م، مكتبة الخانجي، ج1، ص 172.
[10]– يحي بن زياد الفرّاء، معاني القرآن، تح: عبد الفتاح شلبي، د ط. مصر: د ت، الدار المصرية للتأليف والترجمة، ج2، ص229.
[11]– يحي بن زياد الفرّاء، معاني القرآن، ج9، ص202.
[12]– أبو عبيدة معمر بن المثنى، مجاز القرآن، تح: محمد فؤاد سركين، د ط، القاهرة: د ت، مكتبة الخانجي، ج1 ص ص31، 63.
[13]– محمد بن يزيد المبرد، الكامل، تح: محمد أحمد الدالي، ط3. بيروت: 1418هـ- 1997م، مؤسسة الرسالة ج1 ص277.
[14]– محمد بن يزيد المبرد، المقتضب، تح: محمد عبد الخالق عظيمة، د ط. بيروت: 1963م، ج3، عالم الكتب ص138.
*– قد يدل معنى الحرف في هذا السياق على معنى (كلمة) لأنّ المثال المقدّم وهو(كم مالك) جاء فيها الاستفهام باسم لا بحرف.
[15]– أبو الفتح عثمان ابن جنيّ، الخصائص، تح: محمد علي النجار، ط2. لبنان: د ت، دار الهدى، بيروت، ج1، ص83.
[16]– يوسف بن محمد بن علي السكاكي، مفتاح العلوم، تح: عبد الحميد هنداوي، د ط، بيروت: 1420هـ- 2000م، دار الكتب العلمية، ص313.
[17]– عبد الرحمن حسن الميداني، البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها، ط1. بيروت: 1412هـ- 1996 م، دار القلم دمشق والدار الشامية، ص 182.
[18]– الحسن بن قاسم المرادي، الجني الدانـي في حروف المعاني، تح: فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل،ط2. بيروت: 1983م،منشورات دار الأفاق، ص3.
[19]– جمال الدين ابن هشام الأنصاري، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تح: مازن المبارك ومحمد علي حمـد الله، ط5. بيروت: 1979م، دار الفكر، ج1، ص423.
– سيبويه، الكتاب، ج3، ص187.[20]
[21]– المصدر نفسه، ج3، ص81.
[22]– سيبويه، الكتاب، ج3، ص189.
[23]– ينظر: عبد العزيز عتيق، علم المعاني، د ط. بيروت: 1970م، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، ص107.
[24]– جمال الدين ابن مالك، شواهد التوضيح والتصحيح، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، د ط. القاهرة: د ت، مكتبة دار العروبة، ص209.
[25]– سيبويه، الكتاب، ج1، ص220.
[26]– أبو القاسم الزجاجي، حروف المعاني، تح: علي الحمد، ط1. بيروت: 1984م، مؤسسة الرسالة، ص 34.
*– هذا رأي سيبويه وذلك بقوله: «شبهت بالأصوات، وبما ليس باسم، ولا ظرف » الكتاب ج3، ص285.
[27]– سيبويه، الكتاب، ج2، ص 312.
[28]– الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ط3. بيروت: 1980، دار الفكر للطباعة والنشر، ج4، ص 250.
[29]– سيبويه، الكتاب، ج2، ص 413.
[30]– المصدر نفسه، ج2، ص 408.
[31]– ابن هشام، مغني اللبيب، ص 432.
[32]– الفراء، معاني القرآن، ج1، ص 102.
[33]– قطبي الطاهر، الاستفهام النحوي، د ط. الجزائر: 1992م، ديوان المطبوعات الجامعية، ص 105.
[34]– سيبويه، الكتاب، ج4، ص 233.
[35]– ابن هشام، مغني اللبيب، ص107.
[36]– قيس إسماعيل الأوسي، أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين، د ط. بغداد: 1988م، بيت الحكمة للنشر والتوزيع
ص118.
[37]– رياض الصالحين، ص120.
[38]– المصدر نفسه، ص27.
[39]– أبو زكريا محي الدين يحي بن شرف النووي، رياض الصالحين، خرّج أحاديثه: أبو عبد الرحمن عادل بن سعد، د ط. الجزائر: د ت، دار الرشيد للكتاب باب الواد ، ص123.
[40]– سيبويه، الكتاب، ج1، ص99.
[41]– رياض الصالحين، ص126.
*-يتشحّط: أي يتخبط فيه، ويضطرب، ويتمرغ.
[42]– رياض الصالحين، ص112.
[43]– المصدر نفسه ، ص80.
[44]– نفسه، ص423.
[45]– رياض الصالحين، ص205.
* – «أمعك ماء؟» (مع) ظرف وليس حرف جر، ينظر في كتاب مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري.
[46]– عبد الله محمد سعيد، أساليب الطلب في الحديث النبوي، دراسة بيانية في الموطأ، د ط. القاهرة: د ت، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ص79.
[47]– رياض الصالحين، ص45.
[48]– رياض الصالحين، ص68.
[49]– قطبي الطاهر، الاستفهام النحوي، د ط. الجزائر: 1992م، ديوان المطبوعات الجامعية، ص 17.
[50]– رياض الصالحين، ص186.
[51]– قطبي الطاهر، الاستفهام النحوي، ص ص17-18.
[52]– قطبي الطاهر، الاستفهام النحوي،ص18.
[53]– رياض الصالحين، ص108.
[54]– المصدر نفسه، ص269.
[55]– نفسه، ص273.
[56]– رياض الصالحين، ص162.
[57]– المصدر نفسه، ص197.
[58]– نفسه، ص205.
[59]– ابن هشام، مغني اللبيب، ص240
[60]– رياض الصالحين، ص275.
*– أهل الصفة: هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منْزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة.
[61]– رياض الصالحين، ص45.
[62]– رياض الصالحين، ص87.
[63]– المصدر نفسه، ص 116.
[64]– نفسه، ص 116.
[65]– نفسه، ص87.
[66]– رياض الصالحين، ص56.
[67]– المصدر نفسه، ص 147.
[68]– نفسه، ص171.
[69]– نفسه، ص59.
[70]– رياض الصالحين، ص205.
[71]– المصدر نفسه، ص37.
*– معنى حُبِس: أمسكوه ليضيِّفوه.
[72]– رياض الصالحين، ص87.
[73]– عبد الله محمد سعيد، أساليب الطلب في الحديث النبوي، ص89.
[74]– رياض الصالحين، ص 419.
[75]– رياض الصالحين، ص135.
[76]-رياض الصالحين، ص133.
[77]– المصدر نفسه، ص133.
[78]– نفسه، ص270.
[79]– رياض الصالحين، ص128.
[80]– المصدر نفسه، ص151.
[81]– نفسه، ص176.
[82]– قطبي الطاهر، الاستفهام النحوي، ص 78.
[83]– رياض الصالحين، ص156.
[84]– المصدر نفسه، ص316.
[85]– نفسه، ص240.
[86]– نفسه، ص240.
[87]– نفسه، ص86.
[88] – رياض الصالحين، ص439.
[89]– المصدر نفسه، ص153.
[90]– رياض الصالحين، ص113.
[91]– المصدر نفسه، ص406.
[92]– نفسه، ص 442.
[93]– أبو القاسم الزجاجي، حروف المعاني، تح: علي الحمد، ط1. 1984م، مؤسسة الرسالة، ص 34.
[94]-رياض الصالحين، ص157.
[95]– المصدر نفسه، ص55.
[96]– نفسه، ص57.
[97]– نفسه، ص 53.
[98]– رياض الصالحين، ص176.
*– بَنُو سَلِمَةَ: قبيلة معروفة مِنَ الأنصار، وَآثَارُهُمْ: خطاهُم.
[99]– رياض الصالحين، ص53.
(ناغش عيدة، أستاذة مؤقتة بجامعة امحمد بوﭬرة بومرداس)