تجليّات لغة الذّات والآخر  في الكتابة النّسوية العمروشيّة رواية الياقوتة السّوداء، أنموذجا

د. حياة خليفاتي

ملخص البحث:

قمت بمعالجة تجليّات لغة الذّات والآخر في الكتابة النسويّة الجزائريّة وخاصّة ما كانت تصوّره كتابات إحدى الكاتبات الجزائريّات في رواياتها التي نالت قراءات عديدة لدى الغرب والعرب من النّقاد. وكانت الكاتبة طاوس عمروش من بينهنّ اللّواتي نضالن بالقلم، والكتابة الظّلم والذّل الذي تعيشه المرأة آنذاك إزاء الاستعمار، والمجتمع المحافظ على التّقاليد والعادات. وهي كتابات تزامنت مع أحداث الثّورة التحريريّة الكبرى قبلها، وبعدها تهدف إلى إبراز مكانة الذّات عن الأخر، والصّراع القائم بين الذّات والآخر دينيّا، وثقافيّا، واجتماعيّا.

الكلمات المفتاحية: الكتابة العمروشيّة-الياقوتة السّوداء-الذّات والآخر.

Manifestations of the language of the self and the other in Amroushi feminist writing -the black sapphire as an example-

Summary:

I dealt with the manifestations of the self and the other in feminist writing, especially  what was depicted in the writings of an Algerian writer in her novels, which received many readings from European and Arab critics.

The writer Tawos Amroush was among those who fought with a pen the injustice and humiliation that women experienced at the time in the face of colonialism and a conservative society of traditions and customs.

These are writings that coincided with the events of the great liberation revolution before and after it, aiming to highlight the status of the self over the other and the conflict between the self and the other religiously, culturally and socially.

Keywords: amroush writing-black sapphire_the self and the other.

مقدّمة:

    يُعدّ البحث عن موضوع الكتابة النّسوية من القضايا التي تطرحها الدّراسات الأدبيّة الحديثة عند الغرب والعرب؛ والتي تظهر آثارها في الفنون الأدبيّة شعرا ونثرا (قصّة ورواية) منذ تطوّر ونشأة هذه الأنواع من الإبداعات الأدبيّة وبخاصّة في القرون الوسطى والتي امتدّت في العصر الحديث مع ظهور المناهج النّقدية ومختلف المقاربات التي أصبحت تعالج النّصوص الأدبيّة وتحاول أن تحلّلها بتطبيق المناهج: البنيويّة والتّفكيكيّة والنّقد الثّقافيّ…الخ.

   أصبح النّقد الثّقافي من المناهج الحديثة التي يلجأ إليها الباحث في دراسة الأدب الشّعبيّ وفنون التّراث والرّوايات والحكايات الشّعبيّة. ونظرا لأهميّة هذا المنهج وللدّور الذي يقوم عليه في تحديد مكانة الأدب الشّعبي وبالأحرى الرّوايات في تكوين شخصيّة الذّات وهويّته وثقافته ولغته ودينه وكيفية انتصاره على الآخر، ارتأيت أن أعالج نموذجا من الكتابة النّسوية الجزائريّة التي تعتبر الأولى من حيث الظّهور والتي جاء عنوانها كالآتي: “تجليّات الذّات والآخر في الكتابة النّسوية العمروشيّة – رواية الياقوتة السّوداء la jacinthe noireأنموذجا -” وهي تشكّل المرحلة الأولى من حيث الإبداع النّسوي النّموذجي في عهد كان الاستعمار الفرنسيّ يمنع الجزائريين من الكتابة ومن الجنسين ذكرا كان أم أنثى. وكانت طاوس عمروش المرأة الأولى التي صنعت هذا التحدّي ضدّ الاستعمار الفرنسيّ وضدّ من يرى إلى المرأة نظرة هامشيّة ومعزولة عن الآخر تعبيرا عن عدّة هويّات وثقافات تتخذ منها المرأة شخصيّتها ومكانتها من منظور السّياق الثّقافي الاجتماعيّ والتّاريخي.

    تهدف هذه الدّراسة إلى بيان مدى ربط المسار الذّاتي بحياة طاوس عمروش مع التزامها بالكتابة باللّغة الفرنسيّة التي تعكس كتابتها عن البيئة الأدبيّة الفرنسيّة التي تخالف تماما طبيعة الكتابة في البيئة الأدبيّة التي يتقمّصها الكاتب الجزائريّ في مجتمعه. جاءت طاوس عمروش بكتابتها وفنيّتها الرّوائيّة لتبحث عن ذاتها وشخصيّتها من خلال أفكارها التي ترتبط بعادات وتقاليد أجدادها وبهويّتها وأصولها وثقافتها ولغتها.

1-التّعريف بالكاتبة طاوس عمروش وبسيرتها الذّاتية: تُرى من هي طاوس عمروش؟ وما هي علاقة السّيرة الذّاتية للكاتبة بكتابة السّير الذّاتية في الأدب النّسوي الجزائريّ؟

جاء اختياري للكتابة النّسوية العمروشيّة نسبة إلى ما أنجزته الكاتبة ماري لويز طاوس عمروش (1913-1976م) في رواياتها وأشعارها التي كانت شفاهيّة عند ظهورها ثمّ انتقلت بترجمتها كتابيّا بواسطة اللّغة الفرنسيّة دون أن تنتمي إلى المجتمع الفرنسيّ، وأصوله الذي كان مستعمرا للشّعب الجزائريّ ووطنه. وكان هذا الشّعب يرفض كلّ أنواع الاستبداد، والاضطهاد الفرنسيّ حماية للوطن ولدينه ومحافظا على العادات والتّقاليد وعلى القيم الاجتماعيّة التي فطر عليها وتمسك بها في قبيلته وعشيرته. ولعبت المرأة الجزائريّة دورا كبيرا في محاربة هذا الاستعمار بالسّلاح مثل: لالا فاطمة نسومر وغيرها من النّساء الجبليّات الشّامخات والقويّات في تلك الفترة. كما أنّ هناك من حارب هذا الاستعمار بالأدوات الأخرى كاللّسان والقلم. فأصبحت المرأة إلى جانب الرّجل شهيدة، مجاهدة ومناضلة، ومكافحة بالسّلاح والقلم، ومسبّلة بنفسها ونفيسها. وكانت طاوس عمروش من بين النّساء اللّواتي ضحّين في سبيل حريّة المرأة والوطن؛ وهي مناضلة بسلاح القلم والكلمة معا.

1-1-السّيرة الذاتية لطاوس عمروش: ماري لويس طاوس عمروشMARIE LOUISE TAOS AMROUCHE “(ولدت في 4 مارس 1913 في تونس-وتوفيت في 2 أبريل 1976 في كنيسة سان ميشال بفرنسا) كاتبة ومغنّية جزائريّة. كانت والدتها فاظمة أيت أو آث منصور (1882-9 يوليو 1967) بقرية إغيل علي في بجاية، أخت لجون عمروش المولود في عام 1906. غادروا الجزائر وأقاموا بتونس في عام 1910 وهي مغنية مشهورة في قبائل البربر”[1]. وكان لذلك أثر عظيم في حياة ماري وفي أسلوبها الأدبيّ الذي يعكس التّقاليد الشّفوية لقبائل شعب الأمازيغ ولتراث والدتها.

     ويظهر مشوارها الدّراسي عندما “تلقت ماري تيراز دراستها الابتدائيّة والثّانوية بتونس في عام 1935؛ ثمّ ذهبت إلى فرنسا وبالتّحديد بمنطقة سافراس SEVRES منذ عام 1936 للتّكوين ودراسة الأدب الغربي فلم تبق هناك إلاّ شهرين؛ لأنّها لم تتحمّل تلك المأساة والاضطهاد الذي كانت تعيشه هناك. كما ترجمت مع أخيها جون عمروش مجموعة من الأشعار القبائليّة التي روتها أمّها فاظمة آث منصور بلسانها ولغتها وهي من تأليفها وإبداعاتها. وكانت براعتها في صناعة الشّعر وكتابة الرّوايات دفعتها للمشاركة في المؤتمر المعنون بـ إحياء الموسيقى التّقليديّة القبائليّة الذي انعقد في عام 1939 بفاس المغرب. ثمّ انتقلت إلى إسبانيا حيث أنجزت بحثا تحت عنوان العلاقات بين الأغاني الشّعبية القبائليّة والأغاني الإسبانيّة فتحصلت على جائزة باسم (اسم الرّيشة) في عام 1966 بفضل تكوّنها بمدرسة في إسبانيا وهي مدرسة كازا فيلاسكاز Casa Velasquez”[2] توصلت طاوس عمروش إلى النّتيجة بأنّ هناك علاقة وطيدة بين الشّعر القبائليّ والشّعر الإسبانيّ لوجود القرابة الجغرافيّة التي تربط حدود شمال إفريقيا بحدود إسبانيا وكانت العلاقات قوية بين الأمازيغ والإسبان منذ عصور قديمة لعوامل تاريخية وتجاريّة ودينيّة واجتماعيّة؛ ممّا أدّى إلى احتكاك الأمازيغ بالإسبانيين؛ وهذا يؤثر في الجانب اللّغوي والفنّي أي الأدبيّ أيضا.

    كانت طاوس عمروش من النّساء المشاهير في الغناء والموسيقى ووضع الشّعر، وهي من الدّعاة إلى إحياء التّراث الأمازيغي والعناية بالثّقافة واللّغة الأمازيغية لدى الباحثين والعلماء وهي من “مؤسّسات الأكاديمية الأمازيغية في عام 1966 بفرنسا”[3]. وأصبح صيتها يذيع في كلّ أنحاء العالم بفرنسا وإسبانيا وحتّى ألمانيا. ويعلو وينفرد عن أصوات النّساء المغنّيات أو الشّاعرات في تلك الحقبة الزّمنيّة. ويرى أندري BRETON الذي أُعجب كثيرا بصوتها الملحون عندما سمعها تُلقي بعض أشعارها وكان ذلك في عام 1955م فيقول: “من العجائب تلك النّغمات الموسيقيّة التي تلقيها طاوس عمروش في ذلك السّن تشبه تماما نغمات العنقاء التي تُظهر الحماسة في البداية ثمّ تخفض صوتها لتشعر النّاس بيأسها وحزنها وبكائها الذي يسقي الأشجار إلى أن يطلع الفجر”[4] كانت هذه الأصوات التي تلجأ لإلقائها في المنصة تجربة حياة الشّاعرة أو الكاتبة طاوس عمروش لحياتها الخاصّة التي تختلف تماما عن حياة أندادها من فتيات عمرها في ذلك العصر. وهي عبارة عن نصوص تمثّلها وكأنّها تمثّل تراجيديا أو دراما في مسرحيّة إغريقيّة جاءت على شكل أغاني ذات طقوس دينيّة خاصّة بهم ثمّ تطوّرت عبر العصور والأزمنة ونضجت إلى المسرحيّة التي تتم بالتّمثيل عن طريق الشّخصيّات. وهكذا شهدت طاوس عمروش في ذاتيتها تطوّرا لشخصيّتها وإبداعا في رواياتها وأشعارها وأغنياتها التي وجدت فيها ملجأ واسعا للتّعبير عن مشاعرها ومأساتها بالاعتماد على الجانب الاجتماعيّ الأنثروبولوجيّ. وتقول آسيا جبّار عن صوت طاوس عمروش: “إنّه صوت يسترجع لنا تراثنا الأمازيغي ويحافظ على وحدتنا”[5] وهو الصّوت الذي أحيا اللّغة الأمازيغيّة والتّراث والثّقافة الأمازيغية التي تظهر مكانتها في المؤسّسات التّعليميّة وبخاصّة الجامعيّة أين تدرس موضوعات أدبيّة ترتبط بالسّيرة الذّاتية لطاوس عمروش ولعائلتها وبأعمالها الأدبيّة التي طبعت في دور النّشر الفرنسيّة. وفي عام 1945، مكثت في فرنسا لتستقر حياتها وتشتغل في الإذاعة التي تبث باللّغة الفرنسية حصصا لمواضيع قبائلية. وأخيرا توفيت في عام 1976 دون أن تنهي روايتها الأخيرة المعنونة بـ الوحدة أمّي solitude ma mère.

1-2-مؤلّفات طاوس عمروش: لم يكن الأمر سهلا للمرأة أن تطبع أعمالها في عهد كان الاستعمار الفرنسيّ يمنع كلّ من يكتب عنه وعن ظلمه واستبداده؛ وبخاصّة المرأة التي حرّمت من الكتابة لا من الاستعمار فحسب، بل من عائلتها ومن أبيها أو أخيها اللّذين يريان أنّ الكتابة عند المرأة لا تجدي شيئا في مجتمعها. وكانت طاوس عمروش تعاني من هذا التّأزم والتّمزق النّفسي عندما “وقف حبيبها جون جينيو وأخوها جون عمروش وقفة سلبيّة ضدّ الكتابة ونشرها ولكنّها لم تفشل فواصلت نضالها بالقلم حتّى تمكّنت من طبع الرّوايتين الأوليين وطبعت الكتاب الثّالث بعد وفاة جون جينيو”[6]  JEAN GENIOT في الفترة التي كانت تتصارع مع أخيها وتخالفه في ذلك. ورغم كلّ هذه الظّروف التي مرّت بها إلاّ أنّها طبعت أربع روايات، وديوان شعر.

أوّلا؛ طبع رواية الياقوتة السّوداء la jacinthe noire التي كتبتها بين عامي 1935-1937، التي تناولت موضوع زرع الغربة1 لإدموند شارلو Edmond Charlot التي نشرت في عام 1947 بباريس، فرنسا/الجزائر باسم ماري لويز عمروش ومهّدها أندري جاد  ANDRE GIDEبرسالة كانت مكتوبة في عام 1942 حيث كان أخوها مديرا في مجلّة الأدب تدعى  L’Arche, revue de la maison François Maspero 1972 Paris, France Collection Domaine maghrébin (1967-1973), dirigée par Albert Memmi Joëlle LOSFELD , 1996, Paris, France Collection Littérature française (au sein du groupe Gallimard depuis 2003). وأمّا الرّواية الثّانية الموسومة بـ طريق الطّبل حول زرع الغربة 2 وفيها تمّ الجلوس على طاولة مستديرة في عام 1960 بباريس، فرنسا الذي نشر باسم مرقريت طاوسde Marguerite Taos Joëlle Losfeld 1996 Paris, France Collection Littérature française 1 Collection particulière de Laurence Bourdil. وتمّ طبع كتاب الحبّة السّحرية، قصص وأمثال وأشعار وأغاني قبائليّة الّذي نشر باسم مرقريت طاوس عمروش François Maspero 1966 Paris, France Marguerite Taos Amrouche, Collection Voix (1960-1982) Réédité/réimprimé en 1969, 1971 avec changement de la couvertures, 1979, 1981…. والذي طبع بدار النّشر La Découverte 1996 Paris, France Collection Poche / Littérature et voyage (1987 ?) Réédité en 2000 et 2007 avec légers changements de couverture titre, photo, collection) (sous. كما كتبت كتابا تحت عنوان العاشق المتخيّل L’Amant imaginaire Roman autobiographique Robert Morel 1975 Paris, France Joëlle Losfeld                    1996 Paris, France Collection Littérature française. Solitude ma mère Roman posthume La Moisson de l’exil III Joëlle Losfeld 1995 Paris, France Collection Littérature française Réédité en 2006 dans la collection Arcanes (poche) avec changement de couverture et préface de François Maspero de 1996 (Le Monde des livres)”[7] وتجمع هذه الكتب السّير الذّاتية لطاوس عمروش ولأمّها فاظمة آث منصور وابنها جون عمروش؛ والأبعاد التّاريخية والدّينية والاجتماعيّة التي تتصف بها كلّ رواية. كما اهتمّت بجمع الثّقافة الأمازيغية ذلك الموروث الفكري والتّقليديّ الثّري الذي أخذته من المجتمع القبائلي وبخاصّة من أمّها وجدّتها اللّتين نقلتا هذا التّراث الأمازيغي إلى جيل طاوس عمروش ثمّ إلى ابنتها لورانس بورديل LAURENCE BOURDIL وإلى كلّ الأجيال؛ والتي ناضلت للحفاظ على الثّقافة واللّغة الأمازيغيّة وخلّفت آثارا أدبيّا وفنّيا للجيل القادم والمعاصر. ومن بين هذه الآثار الأدبيّة كتابتها لرواية الياقوتة السّوداء التي يقتضي عرض أحداثها والشّخصيات التي تمثّلها.

1-3-عرض رواية الياقوتة السّوداء la jacinthe noire: سبق وأن قلنا أنّ الرّواية كُتبت بين عامي 1935 و1937 بتونس وباللّغة الفرنسيّة ونشرت في عام 1947 بفرنسا بدار النّشر شارلو CHARLOT والتي طبعت في عام 1972. بدأت أحداث هذه الرّواية باغتراب طاوس عمروش إلى فرنسا طلبا للعلم والتّكوين في الأدب الفرنسيّ للحصول على شهادة التّكوين والدّراسة. وهي عبارة عن وصف وسرد أحداث واقعيّة لـ “حياة فتاة شابة قادمة من تونس”[8] حيث كانت عائلتها تقيم هناك هروبا من الصّراعات المزدوجة الدّيني والثّقافي والهويّتي؛ ممّا دفعها إلى التّعبير عن طبيعة المجتمع الذي تنتمي إليه والمحظورات التي يتّصف بها “أين تجتمع القوانين، والمحرّمات، والتمرّد، وكذا تدخل المرأة الجزائريّة الأدب بطريقة نرجسيّة، مهتمّة كثيرا بشخصياتها”[9] ظنّا انّها ستعيش تلك السّعادة التي كانت تحلمها عندما كانت صغيرة بين أحضان أهلها، ولكنّ القدر شاء غير ذلك  فتحوّلت حياتها إلى مأساة ومعاناة رغم تشجيعات الوالدين لها. كانت تقيم مع البنات الأجنبيّات في إيواء المدرسة الدّاخلية للبنات اللّواتي جئن من مختلف دول العالم من الغرب وإفريقيا. وكانت لا تتحمّل ذلك الظّلم والمعاناة الشّديدة التي عاشتها بنفسها إزاء العدوّ الفرنسي أو عاشتها الزّميلات الإفريقيّات في ذلك الوقت. ولم تمكث كثيرا في ذلك الإيواء بفرنسا “إلاّ شهرين فقط بدءا من شهر أكتوبر إلى غاية ديسمبر من نفس السّنة أي في عام 1934”[10]. ولم تستطع التّأقلم أبدا مع المجتمع الفرنسيّ فغادرت ذلك المكان لتعود إلى عائلتها المقيمة بتونس بماسكيلا راداس MASCULA RADES بحيث تشهد أمّها فاظمة آث منصور في كتابها قصّة حياتي على مأساة ابنتها طاوس وهي في فرنسا ثمّ بتونس. انتهت تجربة طاوس عمروش الاغترابيّة بالفشل واليأس نظرا لما كانت تعانيه من تهميش اجتماعيّ وعزلة من قبل الأشخاص الذين لا تعرفهم في ذلك الإيواء وبخاصة المعلّمة التي كانت تكوّنهم وتذلّهم في نفس الوقت، فلم تقدر الصّبر على ذلك ففكّرت في العودة إلى أهلها وهذا ما ذكرته أمّها في كتابتها قائلة: “في شهر أكتوبر، تحصلت ماري تيراز على شهادة التّعليم المتوسّط وهي لم تتأقلم مع تلك البيئة الفرنسيّة فقرّرت العودة إلى تونس موطن وجود أهلها وهي تشتاق إليهم كثيرا”[11]. وهكذا انتهت تجربة طاوس عمروش الاغترابيّة بالفشل وضحّت بدراستها من أجل الرّجوع إلى وطنها فأصبحت فريسة بين أيدي العدوّ وهي تحاول أن تفهم المقاصد الموجودة بين الاختلاف للنّوعين (الجزائري والفرنسيّ) والخلفيّات التّاريخيّة الواقعة بينهما وكذا البحث عن الأشخاص المسؤولين من هذا الفشل وأسبابه.

  ترى طاوس عمروش أنّ “مديرة المأوى الدّاخلي للمدرسة الفرنسيّة وموظفيها وكلّ من كان ضدّ شخصيّة طاوس عمروش هم المسؤولون في فشل تجربتها وضياع مستقبلها”[12]. وكانت طاوس عمروش آنذاك واعية كلّ الوعي أنّ المرأة لا يمكن أن تحقق مكانتها الاجتماعيّة والمهنيّة إلاّ إذا سلبت حريّتها أوّلا من عائلتها وثانيا من المجتمع الرّجالي الذي يرفض أن تكون المرأة حرّة ويعطي لها حقوقها وكذا الاستعمار الذي يقف موقفا معارضا لها وللشّعب الذي يحيط بها.

  وقد عانت بطلة الياقوتة السّوداء بالتّمييز العنصريّ؛ لأنّها ليست فرنسيّة الأصل وهي تختلف تماما عن فتيات فرنسا من حيث التّصرفات والسّلوك. ويتحدّث هذا الكتاب عن نضال طاوس عمروش السّياسي والثّوري ضدّ الفرنسيّين وهي تقول: “لا أستطيع أن أعيش في بيت يحرّمنا من الحريّة”[13] فكانت تحارب العدوّ بالكتابة رغم اليأس الذي كان يسودها إلاّ أنّها تمكّنت من النّجاح في الدّراسة حيث تحصلت على شهادة البكالوريا. وكانت تتمنّى أن تواصل دراستها في جامعة السّوربون بباريس حيث يساعدها أخوها في التّكوين واكتساب المعارف فلم تحقق أمنيتها فانغمست في الكتابة والرّواية.

   كانت طاوس عمروش تحبّ القراءة إلى درجة أنّها اطّلعت على معظم كتب الفلاسفة والأدبيّين الغربيّين؛ كروسو ROUSSEAU وبروستPROUST وجيدGIDE وإميل زولاEMILE ZOLA…الخ واستفادت من تجاربهم الأدبيّة والأنتروبولوجية والروائيّة.

  وكان طرد طاوس عمروش من الإيواء ردّة فعل إزاء الاستعمار الفرنسيّ الذي كانت تحاربه وكانت ترفض كلّ أنواع الظّلم قائلة: «l’idée révoltante mais subtile de me renvoyer pour le bien de mon âme ne pouvait venir à l’esprit»  “لم أكن أندم على فكرة النّضال التي أتحلّى بها بسبب طردي من المدرسة الذي قبلته بكلّ افتخار واعتزاز حفاظا على كرامتي وكرامة وطنيّ”[14] كانت معاناة طاوس عمروش قاهرة جدّا جعلتها تشعر بالإحباط النّفسي من شدّة شوقها وحنينها إلى الوطن.

2-تحليل مفهوم الذّات والآخر في رواية الياقوتة السّوداء: ترى طاوس عمروش أنّ الكتابة النّسوية هي كتابة خاصّة بالسّيرة الذّاتية وترجمتها لحياتها. وتبيّن أنّ عمليّة الكشف عن الذّات في رواياتها وبالأخص رواية الياقوتة السّوداء لها تأثير كبير في ما كتبه جون جاك روسو عن الذّات وما تكتبه الذات النّسوية. وأنّ طاوس عمروش تلتقي مع العالم روسو في مفهوم الذّات التي تظهر في الحديث عنها دون غيرها، فلا يحق لنا أن نتحدّث إلاّ عن الذّات مهما كانت الأسباب التي ترتبط بها المرأة الكاتبة. أرادت طاوس عمروش أن تضيف في الكتابة النّسوية تجربتها الشّخصيّة والأحداث التي عاشتها في حياتها عبر فترات عمرها. والسّؤال المطروح كيف يمكن تجسيد الذّات في الكتابة النّسوية عند المرأة بأحوالها: المرأة المستعمِرة، المرأة المنحطة التي تنتمي إلى طبقة اجتماعيّة نبيلة وشريفة؟ وهو سؤال يحتاج إلى استعمال عدّة مقاربات نقدية حديثة لتحليله ومناقشة مضامينه.

  وانطلاقا من قراءتنا للرّواية سنحاول تحليل العناصر التي تكوّن الذّات والآخر والأدوار التي تقوم عليها.

2-1-تحليل الذّات في رواية الياقوتة السّوداء: ما المقصود بالذّات في هذه الرّواية؟ هل يلتقي مفهوم الذّات في مفهوم الرّواية السّير الذّاتية؟ وهل هناك تداخل بينهما أم علاقة تنافر بين الإثنين؟ والإجابة عن هذه الأسئلة تقتضي منّا أوّلا أن نبحث عن المقاصد التي يعبّر عنها عنوان الرّواية والشّخصيات التي تؤدّي أدوارها داخل الرّواية وتحديد زمان أو أزمنة وأمكنة حدوث أحداث الرّواية. وتتجلّى الذّات في ما يلي:

أ-العنوان: يعدّ العنوان عنصرا مهمّا يلخص للقارئ مضمون الرّواية بكلّ اختصار قبل أن يلجأ إلى قراءة الملخص وفهم جزء منه. ونلاحظ أنّ العنوان في رواية الياقوتة السّوداء مناقضا تماما لمضمون الرّواية؛ لأنّ هذا العنوان لا يعبّر عن حقيقة الأحداث التي تسردها السّاردة في روايتها. وأطلقت اسم نوع من أنواع الورود على عنوان الرّواية لشدّة حبّها للورود والأزهار والحدائق التي كانت أمّها تعتني بها فتلجأ إلى الطّبيعة لتستوحي منها أفكارها. تأثرت طاوس عمروش برواية (باسم الوردة) لـ أمبيرتو إيكو UMBERTO ECO ورواية الورود الشّوكية لشارل بودلير CHARLE BEAUDELAIRE التي تبدو جميلة وجذّابة من حيث المظهر ومؤذية وشوكيّة في باطنها. استخدمت اللّون الأسود بالنّسبة لهذه الوردة وهي في الحقيقة لونها أحمر يوحي إلى الحبّ والآمال ولا يوحي إلى اليأس والحزن الّلذين عمّا نفسيّة الكاتبة وغمرا قلبها.

ب-الشّخصيات: يقوم تحليل الشّخصيات المذكورة في متن الرّواية على تحليل الأبعاد التّاريخيّة والاجتماعيّة والدّينية التي يجب ربطها بإحدى المقاربات الاجتماعيّة التي تهتمّ بإخضاع علاقة طاوس عمروش للمعايير الاجتماعيّة وهي: السنّ، الجنس، والهويّة والانتماء والإيديولوجيّة، وعلاقتها بالطّبقات الاجتماعيّة التي تحيط بها. وتكوّن هذه المعايير مكانة المرأة في الكتابة النّسوية مقابل هيمنة الكتابة للكاتبة مع الملكة رين RINE المهيمَن عليها. كما تشكّل رواية الياقوتة السّوداء الشّخصية الثّلاثية في السّيرة الذّاتية التي تكرّرت هذه العمليّة في كلّ الرّوايات التي ظهرت بعد الرّواية الأولى وذلك لتخدم الجانب التّاريخي لكلّ رواية وللإطناب أيضا. كانت الذّات الحقيقيّة التي تروي معاناتها هي الكاتبة طاوس عمروش البطلة والشّجاعة التي تتحدّى قوّة الاستعمار من ناحية وتتحدّى الكتابة الرّجالية من ناحية أخرى. وهي تمثّل في داخل النّص الذّات المتخيّلة المستعارة باسم ماري تيراز تلك الفتاة التي قاست في حياتها بسبب لونها وانتمائها إلى أصول إفريقية من طرف الفتيات الأجنبيّات في الإيواء المدرسيّ الذي يجمعهنّ. وكانت ماري تيراز تنقد ما تمليه عليها الذّات الحقيقيّة المدعوّة طاوس عمروش في كتابتها. وتأتي طاوس عمروش لتستعير اسم الملكة رين التي تروي عليها تلك الأحداث والتي تمثّل الشّخصية السّلبية في الرّواية؛ لأنّ حياتها وسيرتها الذّاتية تشبه تماما حياة الكاتبة الحقيقيّة للرّواية. وندرك أنّ هناك شخصيّات تؤيّد رين في مواقفها وشخصيّات معارضة لها وهي:

ج-الشّخصيات المساندات لرين وهنّ زميلات المحيط المدرسيّ: فردريك وستيينكا وجلبيرت ومارغريت وماري تيراز FREDERIQUE, STOIANKA, GILBERTE, MARGUERITTE اللّواتي أيّدن رين في مواقفها الشّخصية والقويّة اتّجاه العنصريّة والذّل والاحتقار الذي يكنّه الاستعمار والأروبيّون للأفارقة. كما كانت قصّتها “تشبه ما يمكن الرّجوع إليه في الدّراسات الأدبيّة والأساطير الميثولوجيّة وربطها بأحداث موسى عليه السّلام وقصّة أوديب Œdipe إذ تأثّرت بمسرحيّات الأدب الإغريقيّ حسب ليا ترناي LYA TOURNY”[15] كما ساعدتها كتب الفلسفة في كتابة رواياتها ككتاب “حقيقة إميل زولا la vérité d’EMILE ZOLA باستعمال الأساطير والحكايات الخرافيّة وهي تقول: Tseriel l’ogresse se tient sur le pas de la porte, fixant son regard perçant la pauvre femme toute tremblante, le monstre avance vers le métier à tisser »[16]

د-الشّخصيات المعارضة لرين هنّ: مديرة المدرسة السيّدة أناطول ANATOLE، المساعدون والموظفون التّربويّون وبعض فتيات المدرسة ومن بينهنّ المختصة الكيميائيّة الفتاة أدريان ADRIENNE.

2-2-أفق الصّراع بين الذّات والآخر في رواية الياقوتة السّوداء: وتتباين هذه الرّواية عن روايات الكاتبات التي كانت في عهدها كـ مايسة باي وجميلة ديباش إذ استطاعت طاوس عمروش أن تصوّر شخصيّة ثالثة وهي ماري تيراز لتقدّم لها دورا مهمّا في الرّواية وتأثيرا كبيرا في القارئ. ولم تستعمل الكاتبة طاوس عمروش في روايتها الضّمير أنا je لتسرد لنا أحداث المرأة المستعمرة في الكتابة الأولى وليست الشّخصية رين أيضا. وجاءت هذه الرّواية التي “سردتها ماري تيراز عن رين، الشّخصية الثّنائية للكاتبة باستعمال ضمير الغائب المؤنث هي il التي استخدمت الضّمير المتكلّم أنا je دون أن تدرك ذلك عندما كانت ماري تيراز تتحاور مع رين داخل الإيواء أو عندما لجأت ماري تيراز إلى إدخال القارئ في الحديث معها”[17] وهي لم تصرّح بنفسها أنّها المرأة المحتقرة بالذّات وبشكل صريح في النّص الرّوائيّ كونها هي التي تكتب وتروي عن ذاتيّتها. وإذا كانت طاوس عمروش قد لجأت إلى استعمال الضّمير المتكلّم أنا والضّمير الغائب المؤنث هي؛ وتعتبرها دونيز براهيمي “أساس الإبداع الفنّي لرواية الياقوتة السّوداء”[18] وفي هذه الحالة فلا يمكن لك أن ترى نفسك تمشي بالذّات رغم أنّك يمكن رؤية نفسك في المرآة التي تعكس حقيقة الشّخص مع وجود مسافة بينك وبين المرآة. وتبيّن ذلك في قولها: “ترى من تأثّر بشخصيّتي؟ وحوّلني إلى اسم رين وهو يحدّث رين. كانت عيونها تمطر دموعا وأنا أشعر أنّني فيها وفي روحها وهي تشكو إليّ بلسانها”[19] أصبحت ماري تيراز شخصيّة ثنائيّة لرين وتشكّ في وجودها وحياتها الخاصّة. وهي تسيطر على كلّ الرّواية بتوظيف الضّمير أنا وهي تهمل دور رين التي تعتبرها شخصيّة ثانويّة أو شخصيّة تقمّصت بالفعل شخصيّة ماري تيراز أو قلّدتها أو أنّ حياتها تشبه تماما حياتها. كما أنّ استعمالها للضّمير هي لتحدّثنا عن رين هو حماية نفسها وعدم التصريح مباشرة أنّها تمثلها تماما وتمثّل شخصيّة طاوس عمروش هذه الياقوتة السّوداء التي تدفعنا إلى القول إنّ رين هي السّاردة الحقيقية للرّواية والشّخصية الثّنائية للكاتبة طاوس عمروش. وغذا كانت شخصيّة ماري تيراز زميلة من زميلات طاوس عمروش في الإيواء؛ والتي عانت نفس معاناة طاوس عمروش فلم لم يكن عنوان الياقوتة السّوداء بعنوان السّيرة الذّاتية لماري تيراز دورانت de MARIE THERESE DORRENT l’autobiographie التي يمكن أن تكون فتاة تعيش بينهنّ أو فتاة خياليّة استخدمتها طاوس عمروش لتسرد بطريقة غير مباشرة السيرة الذّاتية لطاوس عمروش باستعمال الضّمير هي أو تروي عن الفتاة رين بتوظيف الضّمير أنا لتصرّح عن أحداث حياتها[20] وتدعو القارئ إلى العناية بتحليل هذه النّصوص الأدبيّة السير الذّاتية التي تتعدّد فيها الشّخصيات المركزيّة التي تلجأ إليها المرأة في كتابتها لأنّ الطّرف الآخر لم يكن يهتمّ بالكتابة حولها دفاعا عنها وحماية لكرامتها ومكانتها في المجتمع، بل كان يرفض الكتابة النّسوية وكلّ الأنماط التي تستعملها للتّعبير عن الذّات وعن اتّجاهاتها الفكريّة والحضاريّة. وهكذا كانت الكتابة النّسوية ممنوعة ومحظورة في محيطها العائليّ والاجتماعيّ معا؛ كونها ترتبط كتابتها بالظّروف التي عاشتها المرأة آنذاك والتّفكير المحافظ الذي يسود المجتمع الجزائري بالعادات والتّقاليد والدّين الإسلاميّ في الفترة التي لم تكن المرأة الجزائريّة تتمتّع بحريّاتها في التّعليم والإبداع الفنّي والعلميّ، بل كانت خادمة لبيت فيه السّلطة الأبويّة أو السّلطة الزّوجية. لم تكن هناك نساء متعلّمات أو مثقفات إلا القلّة القليلة فهي تحصى بالأصابع آنذاك. ونشير أيضا إلى الاستعمار الفرنسيّ الذي يرى إلى المرأة الجزائريّة نظرة دنيئة في حين أنّها شاركت الرّجل في الدّفاع عن الوطن؛ فهي شهيدة، مجاهدة ومناضلة.

   ونظرا للعادات والتّقاليد الاجتماعيّة التي تتصف بها المرأة آنذاك فلا يمكن لها أن تسرد حياتها بشكل مباشر أو تصف السّيرة الذّاتية، لأنّ مجتمعنا لا يسمح للمرأة أن تكتب وبخاصّة عن ذاتها وحياتها وكأنّه عيب ويمسّ بكرامة العائلات المحافظات. ولهذا يعرّف فيليب لوجان philippe le jeune السّيرة الذّاتية على أنّها: “نص نثريّ استبطانيّ يقدّمه الكاتب حياته للتّركيز على الحياة الفرديّة وبخاصّة الحديث عن تاريخ تلك الشّخصية”[21] ممّا دفع طاوس عمروش إلى الحديث  والكتابة انطلاقا من الرّسالة التي كتبتها إلى والديها وهي تصف تلك الأحداث التي قضتها في المنفى وهي تقول: “سأوضّح لكم كيف أرى نفسي مثلما كنت أنا، لأنّني عشت حياتي مع نفسيّ، فلابدّ أن أعرف نفسيّ دون أن أرى الكيفيّة التي يفكّر بها الأخرون على أنّهم يعرفونني، وأنّهم يترجمون تصرّفاتي وسلوكي التي لم يكن يعرفونها حقّ المعرفة أبدا، ولا أحدا في هذا العالم يعرفني مثلما أعرف نفسيّ. وسيأتي يوم تدركون أنّني قلت كلّ شيء”[22]. تدعو طاوس عمروش الأجيال اللاّحقة إلى قراءة رواياتها للكشف عن حقيقة طاوس عمروش الذّاتية وعن حقيقة الكتابة النّسوية في الجزائر وفي المغرب وشمال إفريقيا.

2-3-حقيقة شخصيّة ماري تيراز بين الرّواية والحقيقة التاريخيّة: وعندما نتتبّع أحداث رواية الياقوتة السّوداء، نلاحظ أنّ الكاتبة طاوس عمروش جعلت من السّاردة ماري تيراز ملكة في هذه الرّواية، بحيث أخذت تصنع قواعد الكتابة الذّاتية بنفسها ومنحت لها حريّة التّعبير بصوت تلك المرأة التي تحمل اسما غربيّا متأثرة بجون بول سارتر في كتابه (ما الأدب؟) qui est ce que la littérature ?[23] هي الإشكاليّة التي يطرحها الأدب وبخاصّة الرّواية التي تقتضي قواعد خاصّة، مقاييس وخاصيات لبناء الأدب وتأسيسه. وتختلف هذه القواعد عن القواعد التي يعتمد عليها الفنّان الذي يستخدم الأدوات التّقليدية والمألوفة أثناء سرده لرواية ما معتمدا على شخصيّة رئيسيّة وشخصيّات ثانويّة ومعارضة ومساندة. ونستشف من هنا إرادة الكاتبة إحياء الحريّة الكبرى المشتركة بغض النّظر عن قواعد السّيرة الذّاتية الكلاسيكيّة (المعتادة) خلاف السّيرة الذّاتية التي تؤسّسها طاوس عمروش والتي تمنح لها استقلاليّتها عن الجانب الفنّي الجماليّ لينتصر الواقع الذي يعتبرها حالة اجتماعيّة في إنتاجها الأدبيّ كما تشعر بحريّة التّعبير والتصرّف بنصوصها. إذا كانت طاوس عمروش قد جسدت في روايتها شخصيّة ماري تيراز فيعني أنّ هذه الأخيرة تقمّصت شخصيّة طاوس عمروش في الصّوت والصّورة؛ فهي “تشبه ما كتبه GERTRUDE STEIN عن السّيرة الذّاتية لأليس توكلاس L’autobiographie d’ALICE TOKLAS في عام 1933[24] وكانت أليس هي بالذّات موضوع السّيرة الذّاتية التي تروي حياتها الخاصّة. وأمّا في رواية الياقوتة السّوداء فقد كلّفت ماري تيراز أن تصف الملكة رين وعمّا تعرفه عنها أو تدركه قائلة: “أعرف أنّني أستطيع أن أحدّثكم عن الملكة رين، دون أن أعطي لكم صورة وافية عنها”[25] أعطت الكاتبة طاوس عمروش دور السّاردة لماري تيراز؛ التي “تحاول أن تردّ كلّ كتابة المرأة إلى خبرتها الذّاتية وأن تجعلها نوعا من السّير القصصيّة، لإخراجها من مجال الرّواية الجادّة وناهيك أيضا عن نوع أسوأ من الإضمار، لا يريد أن يصدّق أنّ باستطاعة المرأة أن تبدع وأن تكتب عن شيء لم تعشه ويسعى إلى استخدام كلّ ما تبدعه ضدّها بصورة تحدّ من خيالها، وتحكم حصار التّابو أو أطروحة المحرّمات حولها”[26] أصبح القارئ يسمع صوت ماري تيراز التي تروي حياة الملكة رين على شكل خطاب سردي جاء محمولا بتلميحات غير مباشرة لشخصيّة طاوس عمروش في كلّ الصّفحات الأولى من الرّواية. ثمّ أخذت الكاتبة طاوس عمروش تفرض مرجعيّتها على القارئ الذي يسأل عنها، وعن دورها في الرّواية. وهكذا قدّمت ماري تيراز عقدا بين النّص والقارئ ساردة لسيرة ذاتيّة متداخلة يعرفها الآخرون. وماري تيراز اسم مستوحى من الأحداث التي وقعت للملكة ماري تيراز المعروفة في تلك الفترة لحكمها للجمهوريّة التشيكيّة ولكرواتيا؛ وهي من أصول النّمسا التي تقلّدت الحكم وذات مكانة مرموقة تتصف بالبورجوازية. ورغم ذلك فقد سقطت هذه الإمبراطوريّة فعانت هذه الملكة أشدّ عناء؛ وكان هذا هو مصير الحكم الذي جعلها تنهزم يوما أمام شعبها.  وهل سيكون مصير طاوس عمروش نفسه رغم أنّها ليست حاكمة، بل هي فتاة في مقتبل عمرها مثل فتيات عصرها، بتواضعها ونسبها إلى شعب يعاني من الظّلم والحرمان؛ وربما كانت تختلف عن أندادها من الفتيات من حيث وعيها بكلّ ما يحيط بها، ودرجة اكتسابها لثقافة مجتمعها الحاضرة أو بالإرث الذي كان راسخا في ذهنها منذ طفولتها؛ كما أنّها كانت تملك ناصية القراءة للكتب والكتابة عن النّساء التي تمثّلها كامرأة جزائريّة أدّت أدوارها في الرّواية حتّى تبيّن لنا أهميّة المرأة الكاتبة والرّوائيّة في التّفكير الرّجالي والتّفكير الغربيّ والعربيّ في آن واحد. وفي هذا الصّدد تقول طاوس عمروش وهي تحدّث نفسها باسم ماري تيراز: “هناك أحداث عاشتها وأجهلها تماما، أو حدّثتْني عن البعض منها. ولكنّني أعرف روح روايتها وأبعادها بوضوح. أعرف أنّني أستطيع الحديث عن الملكة دون أن أعطي لها صورة غير وافية. أتمنّى أن تدركوا وجودها وحضورها عندي. وأريد أن أغيّر المعاملة معكم؛ فهي تقدّم لي وجهها الخاص وتصرخ بأعلى صوتها أريد أن أقدّم لكم التّعريفات عن الذّات”[27] ويبقى فرض طاوس عمروش لصوت ماري تيراز أمر مرغوب فيه وشرعيّ في الرّواية، وتفرضها على القارئ لا محالة لتجعل النّص غير مؤهّل دون صوتها (صوت طاوس). وتحذّر السّاردة ماري تيراز القارئ على أنّ أحداث النّص بإمكانها أن تنقلب إلى ضدّها. وهي تقول: “أريد الانغماس في قلب النّص وأخاف من ذلك بسبب القلق الذي يشدّني إلى حكايتي الطّويلة وأطلب منكم إن أصبتم بخيبة أمل، أن لا تؤذوها هي، بل عاقبوني أنا. وإذا اكتشفتم عدم حبّها لكم في نهاية النّص، أقول لكم بكلّ حزن وحسرة أنّكم لم تفهموها وكان بسببي”[28] استعارت طاوس عمروش اسم ماري تيراز كشخصيّة ظاهرة في قلب الرّواية حتى لا تظهر للقارئ كلّ ما يكشف عن هويّتها وجذورها ولغتها وثقافتها التي تعدّ من القضايا المسكوت عنها في تلك الفترة الزّمنية من وجود الاستعمار. تمثّل الشّخصية الثّنائيّة ماري تيراز وطاوس عمروش (الملكة رين) تكامل الأدوار بينهما بحيث أنّ المرأة الأولى تصف وتقدّم الملكة، في حين أنّ طاوس تمثّل تلك الطّالبة التّونسية التي قضت القليل في حياتها في الإيواء المدرسيّ، في الفترة التي كانت فيها الفتاة رين تصف وتلاحظ حالة تلك الحياة الطّلابية. وكانت تحلّل وتحكم وتنقد سلوك وتصرّفات النّساء اللّواتي يملن إلى ما تقوله ماري تيراز: “يا أيّتها الملكات لِم لم تصرّحن بأسرار دارنا؟ وكان ردّها: أنّها لا تريد حضور التّراجيديا التي تحيط بنا، بل كانت تدعو إلى التمسك بمحيطنا قبل فوات الأوان”[29]. وتعود أحداث هذه الرّواية إلى تلك “الأحداث المأساوية التي مسّت أمّها فاظمة آث منصور مع أسرتها ومجتمعها والاستعمار؛ ممّا دفعها إلى كتابة هذه الرّواية تحت عنوان (قصّة حياتيhistoire de ma vie) في عام 1968 (بعد وفاتها). قامت الكاتبة بوصف صراع امرأة القبائل والبحث عن مكانتها بينهم ولغتها ولغة الإمبراطوريّات المحتلّة في المجتمع القبليّ التي وقعت في القرن العشرين. وهو ذلك المجتمع القبلي الذي فرض عليها العديد من القيود، دينها الذي مارسته في السرّ؛ والذي أجيرها اللّجوء للمنفى، عادات القبيلة التي طُردت لرفضها لها. وكذا النّهوض بالثّقافة الأمازيغية وأناشيدها الفولكلوريّة؛ والتي سمحت لها بإطاقة المنفى وكسر ألمها”[30] وكانت الظّروف التي ظهرت في حياة الكاتبة طاوس عمروش جعلتها تتأثر بظروف أمّها وبالرّوايات التي كتبتها “لكون فعل الكتابة لدى النّساء يشير بوضوح إلى عمليّة التّحرّر نظرا لارتباطه بالوعي والتّجربة والمعاناة والتصوّرات والأحلام التي غطّاها الكبت والخفاء، خاصّة وأنّ الكتابة النّسائية تتدخل في رسم خريطة جديدة تخترق بها منظومة القيم والموروث بما فيها المصطلحات والمفاهيم”[31] أصبحت الكتابة وسيلة لتحرّر الذّات من العادات القديمة وإعطاء لكلّ مصطلح مفهومه الخاص في الموروث الأدبيّ المكتوب باللّغة النّسوية.

أ-ذكر الأماكن: يشكّل المكان المحور الذي يحدّد الحدود الجغرافيّة التي تنتمي إليها الكاتبة قبيلة، قرية، حيّا، مدينة، أو مجتمعا أكبر الذي يحدّد أيضا انتماءها ولغتها ودينها. فذكرت مناطق مثل: منطقة القبائل، إغيل أعلي القرية التي ولدت ونشات فيها، وبجاية المدينة التي تقع فيها تلك القرية، الجزائر وهو بلد انتماء الكاتبة باعتبارها المرأة الأولى التي كتبت عن الكتابة النّسوية في الجزائر والتي امتدّت كتابتها إلى الغرب. كما تحدّثت عن مدينة باريس بفرنسا والإيواء المدرسيّ الذي كان يجمعها مع فتيات الغرب. وهو المكان الذي تركت فيه كلّ ذكرياتها الأليمة التي خيّبت أملها في هذه الحياة وبعد ذلك عودتها إلى فرنسا لتحافظ عن هويّتها الذّاتية وعن كتابتها النّسوية حماية من السّلطة الذّكورية وذكرها لتونس مكان إقامة عائلتها وتنقلها بين فرنسا وتونس دلالة لعدم الاستقرار في مكان واحد.

ب-رؤية الآخر للحبّ عند الذّات في الرّواية: تتصور الذّات حبّا لا مثيل له، وهو حبّ الرّجل للمرأة قبل الزّواج بها حبّا رومانسيّا ثمّ الزّواج والحبّ يستمرّ إلى النّهاية. صرّحت حبّها لجاك إلى القديس جوليان الذي فشى سرّها فغضبت كثيرا واستدعت ماري تيراز إلى التصرّف في قولها:                                              

«Au-delà de jacques je vois dieu. Jacques n’est pas un obstacle, n’est pas une joie qui me vienne de lui sans que j’en rende grâce à dieu». Elle refuse d’aimer les gens au détriment de la religion est à part, l’amour a sa part aussi. «j’ai l’illusion d’aimer chrétiennement, mais qu’en réalité j’aime d’un amour violent, inquiétant, d’un amour qui n’est pas chrétien pour tout dire ]…[ je ne me suis pas sentie parmi mes sœurs. Je suis condamné par essence à la solitude, je ne puis participer à la joie collective. L’idée même du groupe me fait horreur. ]…[dans la pension ou je vis, on suspecte toutes mes pensées, tous mes élans et sentiments. Elle me reproche d’être trop sure de moi, de ne pas assez tâtonner, en un mot de savoir toujours trop nettement si j’ai bien ou mal fait »[32]   

ويمكن أن نلخص هذا القول في أنّ الحبّ لا يتعلق بحب الرّجل للمرأة بنوعيه الماجن والعفيف، بل يكمن في حبّ الدّين وحبّ الوطن واللّغة الأمازيغيّة.

2-4-مفهوم الآخر في رواية طاوس عمروش: سنوضّح هنا رؤية طاوس عمروش للآخر وعلاقتها بالذّات والصّراع الذي يمتثل بينها وبين الآخر ومدى تفاعل القارئ للكتابة النّسوية والاتّجاهات الفكريّة التي يتخذها أثناء القراءات التي يعرضها لنا. ومن مظاهر الاختلاف بين الذّات والآخر العودة إلى بيان استيراتيجيّة الكتابة النّسوية في مجتمع يتصف بـ:

أ-تعدّد الثّقافات: تقول طاوس عمروش عن نفسها أنّها متعدّدة أو مزدوجة الثّقافات بسبب ألامها من التمزق الذي حدث بين ثقافتين”[33] كونهما متناقضتين بين الثّقافة المحلية الأمازيغيّة والثّقافة الفرانكوفونيّة. وكانت تقول في روايتها: لغة أجدادي التي تقصد منها اللّغة الأمازيغيّة والتي ذكرتها آسيا جبّار في قولها: “إنّ صوت طاوس عمروش هو الذي يحيي تراثنا ويحافظ على وحدتنا”[34] كانت طاوس عمروش من بين النّساء المتمسكات باللّغة الأمازيغيّة وبتراثها العظيم.

ب-الاغتراب النّفسي للكاتبة: إنّ اغتراب والديّ طاوس عمروش جعلني أتـجرّد من جذور العائلة، وبخاصّة الأولاد: طاوس وجون عمروش. وكانت طاوس عمروش تحدّث بطلتها قائلة: “أصبحت أنتمي إلى الّذين افترقوا عن الوالدين، وانعزلوا بعيدا عن دين الأجداد ليتخذوا دينا آخر أو طقوسا دينيّة جديدة[35]. فأصبح فراقي لهم ثقيلا في احساسيّ ومؤلما جدا.

ج-رفض الدّين المسيحيّ: الاغتراب المكاني الذي شهدته عائلة طاوس عمروش بين تونس وفرنسا؛ [36]مما أثّر سلبا في دينها المسيحي المحظور من طرف المجتمع القبائليّ والذي استغلّه الفرنسيّون كوسيلة استخدامه في السّلطة السّياسية. وترى نفسها أنّها ضحية في الدّين الذي لم تكن ترغب ممارسته. وكانت تلوم والديها على ترسيخهما لها الدّين الكاثوليكيّ وتدعو القارئ إلى التمسك بالقيم الإنسانيّة والعالميّة الرّاسخة في كيانها الذّاتي: الصّدق، الشّفافية والصّراحة وكلّ القيم ذات الأولويّة. كما كانت ترفض ذوي الشّخصيات المتناقضة وذوي المواقف المضادّة كالخبث والخيانة للوطن. وترى أنّه يجب الفصل بين الدّين والواقع؛ لأنّ الدّين تاج التّسامح والمحبّة والقيم الأخلاقيّة والتفتّح والتحضّر.

د-الاغتراب اللّساني والثّقافيّ: تعدّ اللّغة وسيلة التّعبير عن المقاصد الّذاتية والحاجيات الاجتماعيّة التي تبحث عن فرض اللّغة الفرنسيّة في التّعليم وعن الصّراع الذي حدث بين لغة الأب ولغة الاستعمار. ويقول جاك دريداJACQUE DERRIDA: “مهما كانت أصناف الغربة فاللّغة تبقى نفسها لأنّها انتماؤك”[37] صارت اللّغة هي التي تحدّد انتماء شخص أو جماعة إلى أصول وسلالة معيّنة، وتحديد هويّتها وثقافتها ونظامها الاجتماعيّ في مجتمع تعدّدت فيه الهويّات، والثّقافات، واللّغات.

خاتمة: تعدّ رواية الياقوتة السّوداء من حيث بنية ومظهر العنوان المستوحى من المسميّات الطّبيعية للنّبات أو الورد الذي يفترض أن يبعث للشّخصية طاوس عمروش الآمال في الحياة. ويظهر العكس في هذه الرّواية التي تبعث منها اليأس والإحباط النّفسي في السيرة الذّاتية التي تتّصف بها؛ ممّا دفعتها هذه الظّروف أن تطلق لروايتها عنوان الوردة السّوداء التي تدلّ على مبالغة الكاتبة في إطلاق هذا العنوان من شدّة يأسها والنّظرة السّوداوية إلى هذه الحياة التي ترى أنّها تشبه لعبة الشّطرنج التي تربحها أو تخسرها فتسعدك وتجلبك إليها بماديّاتها ومتعتك لها ولكنّها تخلّف لك أضرارا وألما في داخلك فلا تنساها طيلة وجودك فيها. وهي تشبه الحكايات الشّعبية التي عرضها أصحاب الأساطير والخرافات في الأدب اليونانيّ أو الأدب الأوروبيّ الحديث كحكايات لافونتان Les fables de la fontaine التي تصوّر لنا الصّراعات الموجودة بين الحيوانات والتي تنطبق على الإنسان على شكل عبر وحكم. كما تشبه هذه الكتابة ما كتبه شارل بودلير في روايته المعنونة الورود الشّوكية les fleurs du mal وغيرها من الرّوايات التي تشبه رواية الياقوتة السّوداء التي حلّلناها من حيث رؤية الذّات والآخر لها والتي تقتضي أن نضع لها مجموعة من النّتائج أهمّها:

-خلوّ أسلوب رواية الياقوتة السّوداء من الجمال الفنّي المألوف في الفنون الأدبيّة التي عهدناها في الدّراسات الأدبيّة القديمة؛ والتي تتميّز عن النّمطية الأدبيّة الحديثة التي تقوم على مناهج نقديّة ومقاربات ثقافيّة حديثة؛

-ربط النّص الأدبيّ والكتابة النّسوية بالأدوات والوسائل اللاّزمة التي تخدم النّص الرّوائي الذي يبتعد عن هفوات اللّغة وتحريفاتها؛

-استعانة الكتابة النّسوية بالذّات وبالسّيرة الذّاتية كوسيلة لإظهار شخصيّة المرأة المناضلة والمجاهدة والكاتبة التي تكتب على المسكوت عنه؛

-نجاح الكاتبة النّسوية طاوس عمروش في عرض روايتها الأولى الفريدة من نوعها التي نشرتها في عام 1947؛ والتي وصفتها من خلال تجربتها في الحياة؛

-مصير المرأة الجزائريّة في الكتابة النّسوية التي فقدت آمالها الدّراسي في عهد الاستعمار؛

-تأثرها بالسّيرة الذّاتية التي أسّستها أمّها فاظمة آث منصور في روايتها قصّة حياتي؛

-بحث طاوس عمروش عن هويتها وثقافتها الأمازيغيّة والموروث الشّفاهي الذي نقلته أمّها عن طريق الفن الأدبيّ ودعوتها إلى حماية كلّ هذه القيم الاجتماعيّة؛

-دور الاغتراب بأنواعه في تكوين شخصيّة الذّات وفي تطوير فنّ الكتابة النّسوية؛

-تعدّد الموضوعات التي عالجتها الكاتبة لتعدّد الثّقافات واللّغات، العنصريّة، الاستعمار، الخبث والحيل، الذّكاء…الخ

-تأثّر الكاتبة بقراءتها للكتب الغربيّة الأدبيّة والفلسفيّة والأنتروبولوجيّة والاجتماعيّة كإميل زولا وجون بول سارتر؛

– وجود اختلاف بين الكتابة النّسوية التي تكتب عن ذاتها أو عن غيرها من النّساء وبين الكاتبة التي تروي عن سيرتها الذّاتية بشكل صريح؛

-اختفاء الشّخصية الحقيقيّة في الرّواية التي تكوّن الشّخصية المركزيّة باستعمال شخصيّتين ثنائيتين وهما: ماري تيراز ورين. وتُعدّ شخصيّة رين ذات الجنس الأسود المحتقرة من طرف الفتيات الشّقراء بالإيواء المدرسيّ واللّواتي يحاولن السّيطرة عليها وعلى أفكارها، ولكنّهن لم يستطعن القضاء على شخصيّتها مهما كانت الظّروف.

-تعدّد الأبعاد والأدوار التي يقوم بها ممثلو رواية الياقوتة السّوداء بتوظيف الأدوات السّردية التي تشكّل نواة التّحليل الدّيناميكي للرّواية السّير الذّاتية؛ وهي الأولى من حيث الكتابة في تاريخ الكتابة النّسوية المغاربيّة؛

-اعتبار راوي وسارد روايات السّير ذاتية ساردا خياليّا بانتقال الضّمير المتكلّم أنا الموظف في رواية الياقوتة السّوداء من الكاتبة إلى شخصيّة أخرى تلفت انتباه القارئ الذي لا يميّز بين كاتب وسارد الرّواية. لا يميّز القارئ بين مُخبر وناقل أحداث الرّواية وبين من كتبها ومن عانى في حياته. ونتساءل: هل نحن حقا أمام ما يسمّى السّيرة الذّاتية؟ أم هي مجرّد رواية فقط؟ أم أنّها رواية خياليّة أو رواية شفاهيّة؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة، نقول إنّ رواية الياقوتة السّوداء هي رواية شفاهيّة نقلتها وسجّلتها أنامل المرأة الرّقيقة والحسّاسة بالكتابة المقيّدة باللّغة الفرنسيّة؛ لغة الآخر، باستعمال آليات الكتابة الأدبيّة الفرنسيّة ولكن بمضمون يبرز لنا مدى معاناة المرأة في مجتمع تقليديّ محافظ على العادات والتّقاليد والدّين ومجتمع يرفض كلّ ما تكتبه المرأة عن نفسها وأخواتها وما كان الاستعمار الفرنسي لا يبيح الكتابة النّسوية التي تُظهر حقائق الأحداث التّاريخية التي شهدها الشّعب الجزائريّ.

-تطوّر مفهوم عنوان الياقوتة السّوداء التي نجحت في استعمال الضّمير المتكلّم أنا؛ وتكرّر مثل هذا العنوان المستعار في مجمل الرّوايات التي ظهرت بعدها مباشرة؛ كرواية الوحدة أمّي solitude ma mère التي استعارت اسم أنطوانت ANTOINETTE أو المحبوبة غير المحظوظةou la mal aimée . كما تجلّى ذلك في رواية العاشق الوهميّ   l’amant imaginaireباستعمال اسم الذّكرى الوحشيّة حيث تأثرت طاوس عمروش بالياقوتة السّوداء للقيمة الأدبيّة التي تتصف بها الرّواية رغم الانتقادات التي وجّهت لها فينبغي أن يعتني الباحثون بدراسة وتحليل الرّوايات من منظور النّقد الثّقافي والنّظريات التي تخدم النّص السّرديّ.

(د. حياة خليفاتي جامعة مولود معمريّ، تيزي-وزّو)

الهوامش:


[1]-Anthologie des écrivains maghrébins d’expression française, sous la direction de A. Memmi, Paris, Présence africaine 1965, 2e édition, p. 275-281.

[2]– J. DEJEUX. Littérature maghrébine de langue française, Sherbrooke, A.Naaman, Québec, 1973, p 428-429.

-[3]كمال دريسي مؤلف كتاب Marguerite Taos Amrouche Editلمقال “في ذكرى غياب الطّاوس عمروش” نشر في النّصر يوم 31 – 03 – 2014 المنزّل من الموقع https://www.djazairess.com/annasr/ بتاريخ 23/01/2020 على السّاعة 23سا و17د.

[4]– ANDRE BRETON citédans AKILA KIZZI, l’accord im/possible, écriture, prise de parole, engagement et identités multiples chez Marie Louise Taos AMROUCHE , thèse de doctorat dirigée par Nadia SETTI, soutenue le 21 novembre 2016 à l’université VINCENNES SAINT DENIS, PARIS8, p11.

[5]DJEBAR, ASSIA (1995), Le blanc de l’Algérie (1936-2015) récit, Paris, A. Michel, p 279.

[6]TASSADIT YACINE, Femmes et écriture Taos Amrouche, précurseure du féminisme nord-africain. Dans revue Tumultes 2011/2 (n° 37), pages 147 à 164.

7-SOLENE DERRIEN, l’édition des littératures  d’écrivains Algériennes et Franco-Algériennes de langue française (1950-2016), contextes et discours éditoriaux, représentations et post colonialisme. Mémoire présenté pour l’obtention de master2 professionnel sous la direction de FANNY MAZONE. Université TOULOUSE JEAN JEAURES, département documentation archives, médiatiques et édition, 06/09/2016, p208.

8-JEAN DEJEUX, la littérature algérienne contemporaine, P U F, 2 édition, 1979, P59, 60.

9-سمراء جبايلي، الصّوت النّسوي في الأدب الجزائريّ المكتوب باللّغة الفرنسيّة-رواية السّيرة الذّاتية مليكة مقدّم أنموذجا-، بحث مقدّم لنيل شهادة الماجستير في الأدب الجزائريّ العالميّ باللّسان الفرنسيّ تحت إشراف الأستاذ الدّكتور معمّر حجيج. الجزائر: 20141-2015، جامعة الحاج لخضر باتنة، ص 35.

10-FADHMA AIT MANSOUR AMROUCHE, histoire de ma vie, éditions la Découverte 2005 (1968 MASPERO) PARIS, p190, 191.

11-FADHMA AIT MANSOUR AMROUCHE, histoire de ma vie, p190, 191.

12-FADHMA AIT MANSOUR AMROUCHE, histoire de ma vie, p190, 191.

13- TAOS AMROUCHE, jacinthe noir, édition MASPERO 1972, 1947 CHARLOT, 1996 LOSFELD, PARIS, p 281.

14-IDEM, p281.

15 – LYA TOURNY, chemins de l’exil. PARIS: 2003, p 186.

16- M’HAMED ELALAOUI ELABDLLAOUI « poésie et roman avec MARGUERITTE TAOS AMROUCHE » in l’Afrique littéraire et artistique, N°22 , mars 1972, p17.

17-M’HAMED ELALAOUI ELABDLLAOUI « poésie et roman avec MARGUERITTE TAOS AMROUCHE » in l’Afrique littéraire et artistique, N°22 , mars 1972, p17.

18-ADA RIBSTEIN (2005-2006), en marge d’un genre : jacinthe noire de TAOS AMROUCHE jeux et enjeux de l’énonciation autobiographique, mémoire de master1 de lettres modernes en littérature comparée et francophonie, sous la direction de CHARLES BONN, p7.

19-DENISE BRAHIMI, TAOS AMROUCHE romancière? éditions JOELLE LOSFELD, p14.

20-TAOS AMROUCHE(1995), la jacinthe noire. PARIS : édition MASPERO, édition CHARLOT (1947), p189.

21- ADA RIBSTEIN (2005-2006), en marge d’un genre : jacinthe noire de TAOS AMROUCHE jeux et enjeux de l’énonciation autobiographique, p25.

22-LE JEUNE PHILIPPE (1975), le pacte autobiographique, PARIS :édition le SEUIL, p14.

23- DENISE BRAHIMI (1995) TAOS AMROUCHE romancière, p11.

24-JEAN PAUL SARTRE (1975) qu’est ce que la littérature ? PARIS: éditions GALLIMARD, p47.

25-STEIN GERTRUDE (1973), l’autobiographie d’ALICE TOKLAS dans : ADA RIBSTEIN (2005-2006), en marge d’un genre: jacinthe noire de TAOS AMROUCHE jeux et enjeux de l’énonciation autobiographique, mémoire de master1 de lettres modernes en littérature comparée et francophonie, sous la direction de CHARLES BONN, p 25.

26- TAOS AMROUCHE (1972), la jacinthe noire, p 11.

27-شيرين أبو النّجا، عاطفة الاختلاف، قراءة في كتابات نسويّة. القاهرة: 1998، الهيئة المصريّة العامّة، ص 17.

28 – TAOS AMROUCHE (1972), la jacinthe noire, p 11.

29 -IDEM, p12.

30- DENISE BRAHIMI (1995) TAOS AMROUCHE romancière, p14.

31-IDEM, p12.                                                                                         

32-عبد النّور إدريس، النّقد الأدبي النّسائي والنّوع الاجتماعيّ (الجندر) تمثلات الجسد الأنثويّ في الكتابة النّسائيّة، ط1. المغرب: 2015، منشورات دفاتر الاختلاف، ص 29.  

33-TAOS AMROUCHE, la jacinthe noire, p261.

34- DENISE BRAHIMI, TAOS AMROUCHE romancière, P72.

35-ASSIA DJEBAR (1999), les voix qui m’assiègent. PARIS: édition ALBIN MICHEL, p47.

36- TAOS AMROUCHE (1996), rue des tambourins. PARIS: éditions LOSFELD, ]la table ronde [ p105.

37 – DENISE BRAHIMI, TAOS AMROUCHE romancière, p137.

38-JACQUES DERRIDA(1996), le monolinguisme de l’autre. PARIS : éditions GALILEE, p103.

قائمة المصادر والمراجع:

أ-باللّغة العربيّة:

· عبد النّور إدريس، النّقد الأدبي النّسائي والنّوع الاجتماعيّ (الجندر) تمثلات الجسد الأنثويّ في الكتابة النّسائيّة، ط1. المغرب: منشورات دفاتر الاختلاف، 2015.  

· سمراء جبايلي، الصّوت النّسوي في الأدب الجزائريّ المكتوب باللّغة الفرنسيّة-رواية السّيرة الذّاتية مليكة مقدّم أنموذجا-، بحث مقدّم لنيل شهادة الماجستير في الأدب الجزائريّ العالميّ باللّسان الفرنسيّ تحت إشراف الأستاذ الدّكتور معمّر حجيج. الجزائر: جامعة الحاج لخضر باتنة، 2014-2015.

· شيرين أبو النّجا، عاطفة الاختلاف، قراءة في كتابات نسويّة. القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة، 1998.

· كمال دريسي مؤلف كتاب   Marguerite Taos Amrouche Editلمقال “في ذكرى غياب الطّاوس عمروش” نشر في النّصر يوم 31 – 03 – 2014 المنزّل من الموقع https://www.djazairess.com/annasr/ بتاريخ 23/01/2020 على السّاعة 23سا و17د.

List of sources and references:

· Abdenour IDRIS, nnaqd laadabi annisaaii wa nnaw3 lijtimaa3i (algender) tamathulet aljasad alunthawi fi lkitaaba nnisaaiya, edition N°1, manchuraat dafaatir alikhtilaaf, 2015.  

· ADA RIBSTEIN (2005-2006), en marge d’un genre : jacinthe noire de TAOS AMROUCHE jeux et enjeux de l’énonciation autobiographique, mémoire de master1 de lettres modernes en littérature comparée et francophonie, sous la direction de CHARLES BONN.

· AKILA KIZZI, l’accord im/possible : écriture, prise de parole, engagement et identités multiples chez MARIE-LOUISE TAOES AMROUCHE , thèse dirigée par NADIA SETTI, présenté et soutenue le 21 novembre 2016, école doctorale pratiques et théorie du sens, université PARIS 8.

· ALBERT MEMMI, Anthologie des écrivains maghrébins d’expression française, sous la direction de A. Memmi, Paris, Présence africaine 1965, 2e édition.

·-ANDRE BRETON citédans AKILA KIZZI, l’accord im/possible, écriture, prise de parole, engagement et identités multiples chez Marie Louise Taos AMROUCHE , thèse de doctorat dirigée par Nadia SETTI, soutenue le 21 novembre 2016 à l’université VINCENNES SAINT DENIS, PARIS8.

· ASSIA DJEBAR (1995), Le blanc de l’Algérie (1936-2015) récit, Paris, A. Michel.

6- __________________ (1999), les voix qui m’assiègent. PARIS : édition ALBIN MICHEL.

· Chirine ABU NNAJAA, 3atifatu likhtilaaf, qiraa fi kitaabaat niswiya. Alqahira : Alhayaa almisriya al3amma, 1988.

· DENISE BRAHIMI (1995) TAOS AMROUCHE romancière, éditions JOELLE LOSFELD.

· FADHMA AIT MANSOUR AMROUCHE, histoire de ma vie, éditions la Découverte 2005 (1968 MASPERO) PARIS.

· JACQUES DERRIDA(1996), le monolinguisme de l’autre. PARIS: éditions GALILEE.

· JEAN DEJEUX(1979), la littérature algérienne contemporaine, P U F, 2 édition.

·   __________________ (1973), Littérature maghrébine de langue française, Sherbrooke, A.Naaman, Québec

· JEAN PAUL SARTRE (1975) qu’est ce que la littérature ? PARIS : éditions GALLIMARD.

· Kamel DRIISII moualif kitaab marguerite taos amrouche el maqaal fi « dhikraa ghiyaab ttawous amrouche » nuchira fi nnasr yawl 31-03-2014 almounazzal min almawqi3 https://www.djazairess.com/annasr bitaarikh 23/01/2020 3ala ssa3a 23h17mn.

· LYA TOURNY(2003), chemins de l’exil. PARIS.

· M’HAMED ELALAOUI ELABDLLAOUI « poésie et roman avec MARGUERITTE TAOS AMROUCHE » in l’Afrique littéraire et artistique, N°22, mars 1972.

· Samuraa DJEBAYLII, assawt anniswi fi aladab aljazairii almaktub bi llugha alfiransiya-riwayaat assayra adhdhaatiya malika MQADDAM unmudhajan-, bahth muqaddam linayli chahaadat almagister fi aladab al3alamii bi llissaan alfiransii tahta ichraaf alustaadh adduktuur m3ammar Hajiij. ALGERIA : university alhadj lakhdhar BATNA, 2014-2015.

· SOLENE DERRIEN, l’édition des littératures d’écrivains Algériennes et Franco-Algériennes de langue française (1950-2016), contextes et discours éditoriaux, représentations et post colonialisme. Mémoire présenté pour l’obtention de master2 professionnel sous la direction de FANNY MAZONE. Université TOULOUSE JEAN JEAURES, département documentation archives, médiatiques et édition, 06/09/2016.

· STEIN GERTRUDE (1973), l’autobiographie d’ALICE TOKLAS dans : ADA -RIBSTEIN (2005-2006), en marge d’un genre : jacinthe noire de TAOS AMROUCHE jeux et enjeux de l’énonciation autobiographique, mémoire de master1 de lettres modernes en littérature comparée et francophonie, sous la direction de CHARLES BONN.

· TAOS AMROUCHE, jacinthe noire, édition MASPERO 1972, 1947 CHARLOT, 1996 LOSFELD, PARIS.

·  __________________ (1996), rue des tambourins. PARIS : éditions LOSFELD, ]la table ronde [.

· TASSADIT YACINE (2011) « Femmes et écriture Taos Amrouche, précurseure du féminisme nord-africain ». Dans revue Tumultes 2011/2 (n° 37).