قادر قادري، د. أحمد رضا صاعدي
ملخص البحث:
يمكن اعتبار الخيال العلمي نوعا من الأنواع الأدبية التي أبدعه الكتاب الغربيون بعد الثورة الصناعية والنهضة العلمیة الشاملة في الغرب. في الواقع إن هذا النوع الأدبي کان استجابة لجشع الإنسان الغربي علی التقدم الأکثر وتلبیة متطلباته المتزایدة التي بدأت بالنّهضة العلمیة في أوروبا. إذن هناک صلة وثیقة بین أدب الخیال العلمي وظاهرة الاستعمار الغربي التي شهدت العالم بعد الثورة الصناعیة الغربیة؛ لأن الأدب مرآة عاکسة للمجتمعات المحیطة به. أما من ناحية أخرى ومع استقلال الشعوب المستعمَرة وتحررها من نّیر الاستعمار، أدی الأدب دورا هاما في خلق خطابات ما بعد الاستعماریة. کما یمکن الوقوف عند دراسة روایات الخیال العلمي باعتبارها نوعا أدبیا ملتزما بهذه الخطابات. إحدى روایات الخيال العلمي هي روایة” فرانكشتاين في بغداد” للكاتب العراقي أحمد السعداوي الذي قام بکتابتها أثناء احتلال العراق من قبل الأمريکان. فعلی رغم أن روایة السعداوي هي روایة الخیال العلمي ولکن ینضوی علی خطاب مناهض للاستعمار. تخبرنا النتائج أن السعداوي في روایتها، یسعی إلی توظیف عناصر الخیال العلمي في خدمة أغراضه مابعد الاستعماریة. في الحقیقة تجسد روایة فرانکشتاین في بغداد احتلال العراق وتداعیاته له سیاسیا واخلاقیا واقتصادیا وإجتماعیا في صیاغة العلم والخیال.
الکلمات المفتاحیة: أحمد السعداوي، فرانکشتاین في بغداد، روایة الخیال العلمي، أدب مابعد الاستعمار، شخصیة الوحش.
Science Fiction and Postcolonial Discourse in the Novel Frankenstein in Baghdad by Ahmed Saadawi
Abstract:
Science fiction is one of the literary genres studied by Western writers in the aftermath of the Industrial Revolution and the expansion of human understanding.In fact, this form of literature was a response to the Western man, who discovered immense ambitions and aspirations in the advancements of the modern day, and desired to rule the entire world.Thus, this genre might be linked to Western colonialism, which was the product of Western excess.However, literature has played a significant role in this regard, alongside the independence of colonial countries and the emergence of anti-colonial ideas.As a committed literary genre, science fiction plays an important role.One of these science fiction works is “Frankenstein in Baghdad,” written by Iraqi author Ahmad Saadawi during the American occupation of Iraq.As a result, despite its science fiction origins, it might have an anti-colonial message. The findings indicate that Al-Saadawi’s novel attempts to use parts of science fiction and its powers to suit post-colonial aims. In reality, in the formulation of science and imagination, Frankenstein’s novel reflects the occupation of Iraq and its ramifications and impacts on it politically, morally, economically, and socially.
Keywords :Ahmad Saadawi ,Frankenstein in Baghdad ,science fiction ,postcolonial literature ,Monster character.
1-التمهید:
إن التغیر والتبدل، هو سمة من السمات التي تمیز العصر الحدیث عن العصور الماضیة، ویعد أدب الخيال العلمي إحدی الأدوات والأنماط التي یمکن استخدامها للمرافقة مع هذه الميزة الحدیثة. وفي وصفه أیضا يقول رؤوف وصفي «إن الخيال العلمي هو أدب التغيیر»( ص47). ومن هذا المنطلق، یمکننا القول إن أدب الخیال العلمي قد أصبح الیوم أحد العلامات للعالم الحديث التي تهتم بالتغیرات والتحولات التي تحدث فیه. منذ بداية الثورة الصناعية في أوروبا والتطورات الملحوظة التي شهدتها أوروبا في مجال المعرفة والعلوم اللإنسانية وتعزيز الأسس الفكرية والتجريبية فیها، قد أصیب العالم الغربي بنوع من الغطرسة والعجرفة المتزايدة والثقة بالنفس خلال هذه الفترة. کما إدعى أنها لديه القدرة على حل العديد من ألغاز البشر العلمیة والفکریة، أو حتی یهدف إلی إتاحة كل ما هو خارج حدود العقل البشري أو غير الملموس بالنسبة للإنسان وما لا يمكن له الوصول إليه. زادت الاكتشافات بشكل رهیب لدرجة أن بعض الكتاب، إختصوا قلمهم لهذا العمل وکرسوا جلّ وقتهم فیه. هؤلاء الكتاب الذين أطلق عليهم فيما بعد كتّاب الخيال العلمي، كانوا يرسمون في بنیاتهم السردیة، ما سيحصل علیه العلم من الاکتشافات العلمیة. نظرا لطبيعة المعرفة العلمیة، فإنهم يتحدثون عن المستحيل الذي ربما قد یتحقق في المستقبل البعید أو القریب، «كاتب الخيال العلمي يمكن أن يستفيد من خياله ويبدع أشياء لم نعهد عليها بعد»( آدامز، ص170). من ناحیة أخری وبنمو السريع للعلوم والتكنولوجيا، وإصابة البلدان النامیة بنوع من الغطرسة وما ینتج عنه من التمجیدات الذاتیة، اجتازت نبوغهم العلمية والفکریة الرفیعة وتفوّقهم العلمي الذي ارتقت إلیه أوروبا، إلى سائر القضایا الثقافیة، مثل العرق والعنصریة وعلاقة الذات والآخر وما إلى ذلك، بحيث جعل أنفسهم سادة، واعتبروا الدول الأخرى عبیداً لهم. بالطبع، اشتد الاهتمام بهذا الأمر بعد نهاية الحقبة الاستعمارية العسکریة وبدایة فترة الاستعمار الجديد. اليوم إحدی الدول الاستعماریة التي تحاول استخدام کل الإمکانیات والتنقنیات في سبیل توسیع سیطرتها العالمیة، هي الدولة الأمریكية. في الحقیقة، إن الاستعمار الأمریکي الغربي، رغم بذل الجهود من قبل المنظرين والمفکرین المناهضين للاستعمار، فقد تمكن في أغلب الأحیان من الحفاظ علی وجهه الزائف عبر أنماط جدیدة من وسائل الإعلام المتنوّعة، کما قدم نفسه علی أنه هو المنقذ الوحید بطلا قادرا علی تحضیر العالم وتحویله إلی العالم المفعمة بالسلام والحریة وجعل الأرض مکاناً أفضل. ولکن یبحثون من خلال هذا الخطاب عن عبودية العالم بالمنطق الاستعماري الجدید.
من هذا المنطلق، نشأت الأیدیولوجیات والخطابات المناهضة للاستعمار، حتى يتمكن العالم الشرقي بها ومن خلال كشف النقاب عن الوجه الحقیقي للاستعمار المتعطش للغزو والاستیلاء وتقوية وحدة الهوية الوطنية من مواجهة المواقف الاستعماریة الجدیدة. کما ظهرت هذه الخطابات من خلال السنوات الأخيرة في الدراسات الأکادیمیة مابعد الاستعمارية.
إحدى المنجزات الأدبیة العراقیة التي يمكن أن تكون نوعا من روایات الخيال العلمي ذي منهج ما بعد الاستعماري، هي روایة فرانكشتاين في بغداد لأحمد السعداوي. أبدع السعداوي هذا المنجز الروائي نظرا إلی المشاكل والاضطرابات التي مر بها العراق، مستلهما مادته الخیالیة من روایة فرانکنشتاین لماري شيلي واعتمد علیها، بید أن الروائي العراقي یوظف شخصیته الخیالیة یعني الوحش بشکل جدید ومختلف عن الوحش الأصلی. في الواقع، إن الوحش في روایة السعداوي کبطل قومي، یمثل الحقائق المروعة التي تعکس المأسي الإنسانیة الناشئة عن الحرب من الخوف والعنف والرعب(Alhashmi:11 (. إذن كما يتضح من هذا السرد الروائي، وبالنظر إلی التزام كتاب الدول المستعمَرة، طیلة التاریخ الاستعماري بما خلفه الاستعمار فیها، يمكننا البحث عن آثار الخطاب المناهض للاستعمار في نسيج البنية السردية لهذه الروایة.
1-2- أسئلة البحث:
هذه الدراسة في شکلها ومغزاها، هي معالجة نقدیة تسعی إلی إظهار ملامح مابعد الاستعماري في صیاغة العلم والخیال. لذلک نحاول في هذا البحث، إجابة عن الأسئلة التالیة:
- ما هي مكونات وتقنیات الخيال العلمي في رواية فرانكشتاين في بغداد؟
- كيف استخدم السعداوي تقنيات الخيال العلمي لأغراضه مابعد الاستعماري؟
2-مراجعة الأدب النظري
2-1-الخیال العلمي) Science fiction)
الخيال العلمي، هو من أبرز المصطلحات الشائعة في هذا العصر على نطاق واسع. ولکن رغم اتساعه الضخم في الأوساط الأدبية، ليس من السهل لنا أن نجد تعريفا محددا وشاملا يفي بالغرض؛ لأن هذا النوع الأدبي ولید ظروف خاصة به، كما يرى نهاد شريف أن هذا الأدب هو «الإبن الشرعي لعصر العلم الذي نعیشه»( ص7). في الواقع إن هذا الأدب يمكننا أن نعتبره من أهم نتائج الثورة الصّناعية والتغيرات السريعة الناتجة عنها. أي أن تحولات الثورة الصناعية لعبت دورا حيويا ومباشراً في تشكيله وتطوره.
یعد العلم والخيال من المکونات الأساسية التي یقوم علیها هذا النوع الأدبي؛ بمعنى أنه یمکن أن یکون بمثابة نقطة التقاطع والامتزاج الأدب والعلم وتلاقیهما. «تقاربت المسافة في عصرنا بین العلمي وأدبي وانهارت الحدود الثنائیة وظهرت فکرة تداخل أجناس أدبیة وغیر أدبیة. إننا نعیش في عصرنا بمجاز الأدب ومجاز العلم»( الدیوب، ص11). یبدو مهما أن نشیر إلی أن هذا المظهر الأدبي، أصله یعود إلی نقص الإنجازات البشرية من ناحية والبحث عن طرق جديدة لسد هذه الفجوات في مجال الابتکار العلمیة من ناحیة أخری؛ لأن الخیال العلمي «یعتمد علی الخیال الافتراضي المحکوم بالممکنات المشروطة أساساً بتغیر الأحوال والظروف وتحقق المزید من الإنجازات العلمیة والتقنیة»( اصطیف، ص20). في الحقیقة «التوقع والاحتمال أو ما نطلق علیه (الحلم العلمي) هو جوهر الکتابة في مجالات هذا الأدب الذي یتنبأ بما هو آت، لیحذرنا منه أو لیزید جرعة الأمل في مستقبل مشرق نقضي فیه علی مشاکلنا وعثراتنا ونحل فیه معضلاتنا حیاتنا»( الخیال العلمي،صص 13-14).
أما ميزة التي تساهم بشکل فعال في تمیيز هذا النوع الأدبي من سائر النصوص الخيالية کالخیال القوطي أو الفنتازیة أو الخرافة، هو الفضاء الواقع فیه وما یترتب علیه. من هنا إن الخیال في هذه السّردیات قد صار حقیقة ملموسة أو أداة فنیة لتعبیر عن تلک الواقع. یمکننا أن نلاحظ أنّ روایة الخیال العلمي تتخذ من الواقع الذي یحکیه النص، موقفاً انتقادیاً أو ساخرا أو محرضا علی تغییر أو کاشفا لما خفي عن مثالبه. یعني تبدأ الروایة عادةً بحدث واقعي، ولکن تنتقل شیئأ فشیأ إلی نسیج سردي یمتزج فیه الواقع بالخیال حتی یعبر عن الواقع الأفضل( العبد، صص33-34). فلهذا إن روایات الخیال العلمي، قائمة علی منهج علمي ومنطقي للوصول إلی اظهار حقیقة محددة؛ کما«من أبرز شروط الخیال العلمي، هو أن یتوافق مع النظریات العلمیة الصحیحة والدقیقة»( کیلاني، ص 141). بناء علی هذا یمکن القول «ما یمیز أدب الخیال العلمي، هو تساوقه مع النظریات العلمیه دون الاستعانة بقوی سحریة أو فوق طبیعیه، کي یتمایز عن الفانتزیا کما یقال»( غانم، ص 39). ولکن ما ینبغي ذکره، هو أن کل روایات الخیال العلمي ینطوی علی الأيديولوجية الخاصة(غاتینیو، ص 158) وکلها یحمل في ثنایاه وظائف مختلفة من الوظائف العلمیة والغیر العلمية. حسب رأي”گوینت جونز[i]“، إن العلم في الخیال العلمي له معنى ضمني ولیس له علاقة بالمعنی الموضوع في النص، کما یمکن المضمون أن یکون متعلقًا بأي شيء(آدامز، ص 174).
2-2- نظریة ما بعد الاستعمار(Postcolonial theory)
تعد نظریة ما بعد الاستعمار من أكثر المفاهيم استعمالا في عالم ما بعد الحداثة. في الواقع، إن هذه النظرية هي من أهم النظريات الأدبية والنقدية التي لا یمکن الاستغناء عنها في النظریات النقدیة الحدیثة، خاصة بعد سیادة النظریة البنيوية والمیثولوجیة البیضاء علی ثقافات الغرب والفكر العالمي، وبعد أن یعتبر الغرب نفسه مصدرا موثوقا للحقیقة والمعرفة وتعریف الشرق بظاهرة غيرالحضارية والبدائیة( صاعدی، ص188). ولذلك يمكن أن نعتبر نظریة مابعد الاستعمار منهجا مناهضا للاستعمار الجديد. فإذا نظرنا إلى مفهوم ما بعد الاستعمار علی حسب معنی المقاومة، فهو موضوع يعود تاريخه إلى بدایة تاريخ حرکة الاستعمار(دومة، ص17). بل لو فرضنا المعنی الحالي «إنه مصطلح يحاول العثور علی القاسم المشترك بين مجتمعات العالم الثالث في مواجهة الاستعمار وما ترکه من آثار علی الثقافات والمجتمعات»( ویدجي ، ص214). نظرا لهذا، یمکننا القول إن نظرية ما بعد الاستعمار قد أخذت هیکلته النقدیة من سلفه ما بعد البنيوية. فإن التقویض والتحطیم والتشكیک في حقیقة الروايات الغربية الكبرى یعد من السمات البارزة والکبیرة للتيار النقدي لما بعد الاستعمار، و هذا هو ما یجعله تحت إطار أدب ما بعد الحداثة واعیا أو لا واعیا. لأن المبادئ الفلسفیة لما بعد الحداثة في أصولها لمعرفة الکون تقوم على تشكيكها کالمعرفة المركزية التي أحاطت بالفكر الغربي. ومع ذلك يلعب نقد ما بعد الاستعمار دورا مهما في الكشف عن العلاقة الخفية بين المعرفة الغربية والسلطة. بمعنى أن نقد ما بعد الاستعمار تبنی علی تحدي الخطاب الغربي الذي حاول خلق المعرفة الحقيقية الثابتة لجعل نفسه مركزا في عالم المعنى ودفع ما هو خارج نطاق الغرب إلی الهامش وإهماله علی أنه تابع له.
2-3 – روایة الخیال العلمي وأدب ما بعد الاستعمار
إن روایة الخيال العلمي -کما ذکرنا- هي نتاج الثورة الصناعية في أوروبا. وهذا بمثابة دعم فلسفي لهذه الأيديولوجية التي تری أن نوع الخيال العلمي موافق لرغبة أصحاب الصناعیة الجدیدة البیضاء؛ حیثما کانوا فضلوا الإنسان الغربي علی غیر الغربي محاولا سیطرة علیه. مع ذلک یمکن القول، إن روایات الخیال العلمي التي کانت ولید دراسات الغرب وتنطلق منه، لم تکن غافلة عن الأیدیولوجیة الغربیة. وکل هذا یؤکّد أن هذا نوع من روایات هو أکثر من الصور النمطیة المملة والمرهقة، بل إنها خطابات رمزیة یحتوی علی موضوعات کالجنس والعرق و…( آدامز، ص 183). کما نستطیع أن نتطرق إلی هذا الموضوع من جانب آخر قائلا «الخيال العلمي لا یشیر الآن إلی نوع أدبي سردي شعبي فحسب، بل أیضاً إلی نمط من الوصف والتحلیل الثقافي یزداد ویتسع انتشاراً»( هولنجر ، ص32). لهذا تم توظیف هذا الأدب کنوع الرمزي الوطني الذي یکشف عن حقیقة الاستعمار الجديد ویعارضها «من خلال قدرته علی تمثل الغیریة (القدرة علی استیعاب الاختلاف عن الآخرین) وعلی تخیل البدائل الممکنة لتغییر الأمر الواقع والحالة الراهنة، برهن الخیال العلمي علی أنه صیغة أدبیة فعالة في هدم التفرقة العنصریة»( بوکر و توماس، ص243). في الواقع وفقاً لقول نالو هوبکینسون[ii] «وإن کان الخیال العلمي قد نشأ في الحضارة الغربیة، یقدم أدوات جدّ ثریة لکتاب حقبة ما بعد الاستعمار»( المصدر نفسه، ص256). ، بحیث یحاولون من خلاله إنشاء قوة مضادة لدیستوبیا الاستعمار ذات أبعاد ثقافية واقتصادية واجتماعية والسیاسیة. کما یظهر بشکل روایات المدن الفاضلة (اليوتوبيا)التي یقومون المواطنون فیها بتحقیق رغباتهم وآمالهم المدمرة في عملیة الاستعمار.
2-4-ملخص روایة فرانکشتاین في بغداد
یدور موضوع روایة فرانكشتاين في بغداد، حول أحداث التي حدثت بعد احتلال العراق من قبل الأمریكيين في إحدی أحياء بغداد القديمة تدعی البتاوين. تبدأ أحداث الروایة بوقوع انفجار إرهابي بساحة الطيران. ولکن الأحداث الرئيسية تبدأ بخلق الوحش علی أیدي هادي العتاک. في الحقیقة إن هادي العتاک، وهو تاجر الخردوات والأشیاء المستعمَلة، یکون متضایقا من عدم مبالاة الناس بجثث بعضهم بعضا،کما یتعاملون معهم کنفایات؛ لذلک هنا تخطر ببال هادي فکرة صنع کائن من بقایا الجثث المتفرقة التي قد انتشرت في الشوارع خلال الأیام الماضیة، حتی یسلمها إلی الطب العدلي وتدفن باحترام وتقدیر مثل الأموات الآخرین. ولکن عندما تغدو کاملة، یندم علی عمله ویقرر أن یقوم بتقطیع الجثة من جدید وإعادتها إلی وضعها السابق. أما حینما یصل إلی بیته، لا یجد الجثة المتفسخة التي أکملها؛ لأن روح أحد الضحايا يدعى حسيب جعفر الذي قتل في حادثة إرهابية وهي متحیرة وتبحث عن جسدها الضائع، کانت تدخلت فیها وإنها نهضت. أما هذا الکائن الذي صنعه هادي العتاک من جثث القتلى الأبرياء، فیصبح في التالي وحشا بشریا، بدأ ينتقم ويثأر لنفسه ولجمیع الضحایا التي تکون جسده من جذاذاتها. لذلک یقوم بعملیات القتل التي تنتهي إلی قتل کل الناس، سواء المذنبون والمجرمون أو الأبرياء. شخصیة الوحش، وهو الشخصية الرئيسية، فتعطی أسماء أخری من قبل شخصیات الروایة؛ علی سبیل المثال هادي العتاک حینما یسرد قصتها علی زبائن مقهی عزیز المصري، یذکرها باسم الشسمة، وهي في اللهجة العراقية تعنی شو اسمه. أو علي باهر السعیدي یختار لها اسماً آخر (فرانكشتاين)مأخوذ من روایة فرانکنشتاین المشهورة لماري شلي، أو کما سماه قوات الأمن بالمجرم إکس. کما یمکن القول، إن أسماءه المختلفة تحیل إلی هويته المجهولة.
دراسة الموضوع
أهم تقنیات الخیال العلمي في فرانكشتاين في بغداد
1-“الطابع العلمي و المنطقي“
کما قلنا سابقا، إن أدب الخیال العلمي «یختلف عن الأسطورة في أن الأول، یعتبر خطة عمل حدیثة تقوم علی نظریات العلم في حین أن الثانیة، خطة عمل قدیمة تعبّر عن عقیدة الانسان ولا تقوم علی العلم»( أمین المفتي، ص101). من هذا المنطلق، یمکن العثور أیضا في رواية فرانكنشتاين في بغداد علی المواد الخیالیة باعتبارها القضایا الممکنة والعقلیة والتجارب المقبولة. بمعنی أن عنصر الخیال فیها قد امتزج بفرضیات مطروحة تنسجم مع الواقع وهو قائم علی إدراکات ومؤشرات حسیة کاملا، كما« يمكن القول، إنها رواية تندرج ضمن ما أطلق عليه” الرواية التكنولوجية السایبربونک((cyberpunk ، وهي رواية ما بعدالحداثة يقوم فيها الأسلوب على” التخيل المركز المبني على الممكن والمتصور مع شفافية التوصيف»( حطاب ، ص42). هنا ما یؤدي دورا مهما أكثر من العناصر الأخری في إطلاق تمظهر الخیال العلمي علی روایة السعداوي، هو شخصية الوحش. کما أنه یعتمد في عملیة إبداع الوحش علی الإدراکات الحسیة والتجریبیة لکی لا یقع القارئ في فخ خیال متسما بالفانطازیة أو السحریة. إذن إنه یتشبه بالرسام الذي یرسم بأنامله تفاصیل دقیقة من کل الأحداث وتمهیدات التي تنتهی إلی خلق هذه الشخصية الرئيسية:
«ظل هادي یراقب المشهد بترکیز شدید.کان یبحث عن شيء ما، وسط مهرجان الخراب والدمار هذا. وبعد أن تأکد من مشاهدته، رما سیجارته علی الأرض وانطلق مسرعا لیلتقطه من الأرض قبل أن تدفعه المیاه القویة لخراطیم لإطفاء إلی فتحة المنهول في الرصیف. رفعه ولفه بکیس الجنفاص وطواه تحت إبطه وغادر مسرعاً»( السعداوي، ص 29).
في الحقیقة، إنه یقوم بذکر مراحل خلق شخصیة الوحش من البدایة حیثما یجول هادي عتاک بنظره في الشوارع بغیة أنف طازج لیکمل الوحش.
إن هادي عتاک یقوم بإجراء العملیة الجراحیة، الطبیة، الفیزیولوجیة والعلمیة، لکي یبدع شخصية الوحش. بمعنی علی الرغم من أنه لیس جراحا وطبیبا ماهرا وبارعا ولکنه یعمل عمل الأطباء، دون اللجوء إلى السحر والشعوذة في تكوينه؛ هکذا يصف السعداوي شخصیة عتاک، بعد أنه وجد أنفا طازجا لتکمیل جسم ناقص للوحش على النحو التالي:
«فتح هادي الکیس الجنفاصي المطوي عدة طیات، ثم أخرج ذلک الشيء الذي بحث عنه طویلا خلال الأیام الماضیة و… أخرج هادي أنفا طازجا، مازال الدم القاني المتجلد عالقاً به. ثم بید مرتجفة، وضعه في الثغرة السوداء داخل وجه الجثة، فبدا وکأنه في مکانه تماما، کأنه أنف هذه الجثة وقد عاد إلیها. سحب یده ومسح أصابعه بملابسه. المهمة انتهت الآن. آه لم تنته تماما علیه أن یخیط الأنف حتی یثبت في مکانه ولا یقع( المصدر نفسه، ص 34).
جدیر بالذکر، أن الخيال في روایات الخيال العلمي ليس شیئا جامحا وغریبا؛ بل إنه یقع في إطار قواعد محدد ومعین( قصاع ، ص 61) أو یکون مقیَّد بالعقل والمنطق. هذا ما نراه في شخصية الوحش، حینما تقوم بأعمال متسمة بصفات البشریة. بمعنی أن تصرفاتها لیست إلا ما یدعمها العقل البشري ویؤیدها الواقع. کما نراها عند مواجهتها قوات الأمن، تتعامل معهم بشکل عادي وتقاتلهم کباقي البشر في المعارک وتنتصر علیهم بعيدا عن أي عمل غير عادي ولا تصدر عنها تصرفات غریبة، ثم تلوذ بالفرار بعد ما تشعر بالخطر والحرج:
«ثم نجح أحد الضابطین الصغیرین في قطع الطریق علی المجرم الخطیر والإمساک به من ملابسه. تصارعا بالأیدي لدقائق وجیزة، وکان الضابط الصغیر یعوّل علی مقدم جماعته بسرعة ومشارکتهم له في تقیید هذا المجرم. لکن الغلبة کانت للشسمه. خنقه بکلتا یدیه و… ثم حین شاهد الشسمه اقتراب فریق المطاردة، ضرب رأس الضابط بالحائط وترکه و… و ولی الإدبار مختفیاً عن أعین المطاردین»( السعداوي، صص 147-148).
وعلى الرغم من أن قدراتها وطاقاتها الذاتیة العجیبة وخارقة للعادة، ولکن جسدها قد تکوّن من أعضاء بشریة، کما أن لحمه مع مرور الوقت وبعد كل صراع یتعرض لتعفن والتفسخ محتاجا إلى عملية جراحیة و زرع أعضاء جديدة بدلا من أعضاء تالفة ومختلة لاستمرار حیاتها:
«أخرج المجانین الثلاثة الکثیر من الرصاص من جسدي وأسهم الساحر والسفسطائي بمحاولة خیاطة الأجزاء الممزقة. لکن قطعة ما من لحم الکتف رفضت أن تستقر في مکانها، کانت ذائبة تماماً وکأنها من لحم جثة قدیمة مضی علی هلاکها عدة أیام»( المصدر نفسه، ص 162)
یبدو جلیا، أن هذه الشخصية لا تموت بسهولة، بید أن بقاؤها وخلودها یتناسب مع القوانین العلمیة والمنطقیة إلی حدما، کما عند تعرض جسمها لرصاصات قوات الأمن، یصاب بالإصابة والجرح، وهذا ما یجعل القارئ أن یتقرب إلی عالم الواقع أکثر من الخیال؛ لأن الشخصية عندما تلحق بأعضائها خسارة فادحة وأصیبت بجروح في ساقها ویدیها من خلال ما هو مُشار إلیه في المقطع السابق، يقوم أصدقاؤها بعملیة الجراحة وزرع أعضاء جديدة لها کما نری في المشهد الآخر:
«قام المجنون الأکبر بنزع الأجزاء التالفة في جسدي، ثم تولی المجنونان الکبیر والصغیر خیاطة الأجزاء الجدیدة» ) المصدر نفسه، ص 166(.
2-السایبربونک وعالم مابعد الإنسان
إحدی القضایا المهمة التي یتناولها أدب الخيال العلمي، هو موضوع السیبربونک والعالم الذي یعرف فیه بعالم ما بعد الإنساني. في الحقیقة إنه یتحدث عن المستقبل ویرسم عالما متصفا بالتقدم والتطور العلمي للبشرية، بل عن العالم الذي لایوجد فيه مکان للهویة الإنسانية. في الواقع، في السایبربونک «لا تثیر المجتمعات المستقبلیة، التساؤل عن هویة الکائن البشري فحسب ولکنها تطرح بالمثل قضیة أن “ما بعد الإنسان” هو نتیجة حتمیة لتقوض الحدود المتعارف علیها بین الإنسان والآلة») بوکر و توماس، ص215).
یبدو أن السعداوي یتمتع بفضاء سایبري لروایة فرانکشتاین لماري شلي، کما خَلقُ شخصيته الوحش والأحداث والتفاصیل التي وقعت بعدها، هو تعبیر عن نتائج هائلة ومدمرة لتقدم التكنولوجيا والتقنیات والعلوم الغربية، بل فرانكشتاين يجسد جزءا قبيحا وسلبیا من الحضارة الغربیة الآمریکیة، بمعنی لقد وصلت تکنولوجیاتها وتقنيتها الراقیة والمتقدمة إلى العراق بشكل أسلحة حربیة حربیة مدمرة والوحش وسايبورغ (11 (Juhi Jani:. فيمكننا لمس أسوأ أشكالها في المشهد الذي ذهب فيه هادي العتاک إلی المشرحة، وواجه جثة صديقه الحمیم ناعم عبدکي:
«ذهب هادي إلی المشرحة، لتسلم جثته وهناک أصیب بصدمة کبیرة، حین شاهد کیف اختلطت جثث ضحایا التفجیر مع بعض. قال الموظف في المشرحة لهادي؛ اجمع لک واحداً وتسلّمه، خذ هذه الرِّجل وتلک الید وهکذا») المصدر نفسه، ص265(.
فإن العمليات الإرهابية في العراق، هي نتیجة تجاوز حدود الشریعة واساءة الاستعمال منها، کما نراها کیف تسبب قتل آلاف الناس وکیف تنتهي إلی تهدیم البیوت وتقویض المتاجر في لحظة واحدة فقط. وبهذا یصور السعداوي العالم الذي تم تسمیته بعالم ما بعد الإنساني من قبل بعض المحللین. إنه یشیر إلی العالم الذي تزعزعت فیه مکانة الإنسان وکرامته وانحط فیه الأخلاق الإنساني. من هذا یتکون جسد الوحش من لحوم الجثث التي تهدد كرامتها الإنسانية في النظام الرأسمالي العالمي الذي يُنظر إليه على أنه ديستوبيا . في الواقع إن “ما هو اسمه”، هو رمز المجتمع الذي ازیلت فیه القیم الإنسانية، کما قد وقع على هامش الإمبراطورية العالمية التي يتم الحفاظ على مرکزیتها من خلال العنف والإرهاب Fahmy) Alkhayat:64 .(بالتأکید إن السعداوي لا یرید أن يتحدث عن بشر آلیة تماماً، بل إنه قصد تمثیل الفضائات الآلية في المستقبل، التي تحل فيها تصرفات وعلاقات خشنة وقاسیة، محل ما یخصه الإنسان من علاقات ممتلئة بالمشاعر والاحساسات. بحيث أن الناس يقتل بعضهم بعضا بسهولة ويتعاملون مع جثثهم وأجسادهم کنفایة، كما يوصف هذا المشهد هکذا:
«أنا عملتها جثة کاملة حتی لا تتحول إلی نفایات؛ حتی تحترم مثل الأموات الآخرین وتدفن یا عالم») المصدر نفسه، ص 34).
یمکننا القول، إن السعداوي یتبع صورة الدیستوبیا یسود فیها العنف، کما لابد لأي شخص من تمسک به للبقاء والأمن. بمعنی أن الناس لاحیلة لهم إلا أن یتشبثوا بحیاتهم عبر المکافحة. لذلک الأمن لم یکتسب إلا بللاأمن، والحیاة تبقی من خلال الموت، کما الشسمة یجسد المجتمع الذي یحرص علی العدل والحریة المنتهکة عقب احتلال الآمریکي، ولکن في نهایة الأمر یکف عن حقوقه الإنسانیة الطبیعیة محاربا لحیاته فقط. الحیاة التي یتجاهل الإنسان فیها مسئولیته الأخلاقیة تجاه الآخرین ویتحول حبه الآخرین إلی حبه الذاتي ولا یری سوی نفسه.
أهم عناصر مابعد الاستعمار في روایة فرانکشتاین في بغداد
1-الآخر(other)
رغم أن هذا المصطلح له نطاق دلالي واسع جدا، إلا أنه یحیلنا -على المستوي العام- إلى العلاقة الثنائية بين ذات (موضوع) وشخص أو شيء مختلف وممیز عنه أطلق علیه “الآخر”( شاهمیری، ص 110). یمکن أن نعتبر مناقشة الجدل القائم بین الأنا والآخر، جذرا وبناء لکل المقابلات الثنائیة والمفاهیم والعلاقات المزدوجة في فترة ما بعد الاستعمار، کما تعرف هذه الثنائیة بین الأنا والآخر في نقد ما بعد الاستعمار بمصطلحات أخرى مثل المركز والهامش، الغالب والمغلوب، العلیا والمهمش، والصراع الشرقي والغربي(المصدر نفسه، ص 111). في الواقع، کان یتم تمثیل الآخر الشرقي من قبل المستشرقین في نصوصهم، لکي یتعثروا عبر تمثیله کالمهمش والمتخلف علی مشروعیة الهیمنة والسلطة علیه،کما یمکننا اعتبار عملیة تشویه الصورة الشرقية والدول العربية الإسلامية علی وجه الخصوص من الأولویات التي کان یتبعها الغرب منذ البدایة،کما إن الاستعمار الأمریکي التزم بها أیضا بعد حادثة11 سبتمبر وقام بتشویه الشرق وتمثیله باعتباره مهدا للإرهاب. وتحت هذه الذریعة والأيديولوجية التي أطلقت عليها الإدارة الأمريكية «الحرب على الإرهاب»، تم تطویق العراق واحتلاله من ناحیة الأمریکیین. لهذا تعد التصورات وتمثیلات الأمریکیة من الإرهاب والإرهابيين، إستراتجیة وموجة جدیدة لسیاسات الولایات المتحدة. مع أن الشرق یتمثل في الآخر الذي یعرف بالإرهاب، ولکن في الخطاب المضاد، تتقلب هذه العلاقات الثنائیة؛ بمعنی أن الأمریکان، هم الآخر الذي یهدد حیاة الشرقیین.
من هذا المنطلق إن الكاتب العراقي أحمد السعداوي عالج في روایته قضية الآخر التي هي من أهم القضایا في نظریة ما بعد الکولونیالیة عبر تمثیل الأمریکیین وتصویرهم بأنهم هم الأجانب الذین قد تدخلوا في الوطن العربي وداسوا بقدمیهم ما فيها من القيم. إذن من أهم التقنیات الروائیة التي تم إستخدامها لصناعة الآخر في روایة فرانکشتاین في بغداد، هي خلق شخصية الخيال العلمي بوصفها موجودا غیرمألوف وغریبا عند الشخصیات الأخری وأیضا عند قراء الروایة؛ کما یقوم السعداوي بتوظیفها لترسیم کینونة المستعمِرین باعتبارهم آخرین غرباء في بلد العراق. في روایة فرانكشتاين في بغداد، أن الشسمة هي الشخصیة الخيالية ترمز إلى قوة الاستعمار. في الحقیقة، إن الکاتب العراقي قد وظف إمكانيات وتقنیات الخیال العلمي خدمة لأغراضه مابعد الاستعمارية؛ بحیث أنه یجسد الآمریکیین المحتلين بالشسمة الخیالیة التي تکون مختلفة عن شخصیات أخری. بمعنی أنه یعرف هذه الشخصیة علی أنها تمثیل للمستعمِرین الأمریکیین بوصفها آخرین، بل یمثلها المجرم الرئیسي في العراق دون أن یسمح لها بدفاع عن نفسها إلا في إحدی المشاهد:
«هذا لیس کل شيء… الأسوأ هو السمعة السیئة التي یبثها المغرضون ضدي. إنهم یتهمون بالأجرام ولا یفهمون أني أنا العدالة الوحیدة في هذا البلاد»( السعداوي، ص157) .
من الملاحظات الهامة في النصوص الاستعمارية وأيضا ما بعد الاستعماریة، هي أن الذات هو یقوم بتمثیل وتصنیع الآخر.کما نری في روایتنا، کیف شخصیة الوحش یتم تمثیلها من قبل المجلات والجرائد المحلیة العراقیة، وکیف السعداوي یسعی إلی تشکیک في صورة الأمریکیین وتقویضها عبر طرق مختلفة:
«لن ینفع معها کلام صحفي مغمور في مجلة بین سیل من المجلات والجرائد والمطبوعات التي تنشر یومیا أشیاء، تجرمه وتتهمه بکل ما حصل ویحصل في العراق من کوارث»( المصدر نفسه، ص 209).
أما فرانكشتاين فکأنه یشتکي دائما من اعتباره الآخر الذي یتصف بالمجرم الحقیقي في العراق. غیر أن هذا المجرم یرفض حکم الناس، بل یتمنی أو ینتظر أن یقبله الناس کجزء لا یتجزأ من أنفسهم وذاتهم والذي یهتم بإنقاذهم من الظلم وإقامة العدل بینهم:
«حوّلوني إلی مجرم وسفاح و… هذا ظلم کبیر، بل أن الواجب الأخلاقي والإنساني یدعو إلی نصرتي والوقوف في صفي لإحقاق العدالة في هذا العالم المخرّب تماماً…»( المصدر نفسه، ص 157)
إذن على الرغم من أن فرانكشتاين يدافع عن نفسه بتعریفه المنقذ، إلا أنه لا ينجح في الوصول إلی غایته أبدا، بحيث یعرف نهایتاً بالمجرم الرئیسي.
2 – مفارقة الهویة(The paradox of identity)
إن قضیة الهویة هي من القضایا الهامة التي تهتم بها في دراسات ما بعد الاستعماریة اهتماما کثیراً. ولکن قد تمت دراسات الهویة في مستویات مختلفة کأزمة الهویة التي یعیشها کل البلدان مابعد الإستعماریة إلی حد ما. إن أزمة الهویة «یرتبط لدی الفرد بعدم قدرته علی إیجاد تصور واضح له بخصوص مدرکاته حول ذاته وما یتوقع منه، أو من خلال عجزه عن وضع أو ضبط تصور واضح بخصوص المعاییر والمرجعیات التي یستند علیها سلوکه، وهي الحالة التي تمیز الجماعات أو المجتمعات التي تتعرض للتحولات والتغیرات بصفة مستمرة أو متتالیة»( نصر الدين ، ص5). والأزمة والتشرذم وفقدان الهویة في المستعمَرات، هي إحدی النتائج الثقافیة الباهظة التي خلفها الاستعمار الغربي بشکل واعي أو لاواعي في المجتمعات الشرقیة، لکي یقدر علی تعزیز سیطرته علیها. أما في الروایة، تنعکس أزمة الهویة في روح شخصية عراقية تدعی حسيب محمد جعفر. إنه کان حارس فندق السدیر الذي قتل أثناء عملیة انتحاریة في أحد شوارع العراق بعد الغزو الأمریکي، ولکن روحه أصابتها الحیرة الشدیدة بعد موته عندما یفقد جسده کعلامة هویته :
«عاد ونزل إلی بوابة الفندق وتأمل الحفرة الکبیرة التي صنعها الانتحاري بسیارته الملغمة. نظر في أرجاء المکان کلها. تعرف علی بسطالة المحترق، ولم یعثر علی جثته. نظر إلی الشوارع کلها، إلی ساحة الفردوس وذهب إلی ساحة التحریر… لم یعثر علی شيء یدله علی باب الخروج من حیرته…»( أحمد السعداوي ، ص 46).
في الحقیقة، يمكن اعتبار روح حسيب جعفر الشاردة التي تبحث في شوارع عن جسدها الذي أصبح مفقودا لکي تدخل فیه وتنجو بنفسها من التحیر، رمزا للهویة العراقیة التي تشتت نتیجة للاحتلال الآمریکي واُصیبت بالانکسار والأزمة، کما لا تستطیع حصول علی هویة منسجمة. ولکنها في النهایة تواجه جسدا غیر جسدها الذي فقده من قبل. من هذا تدخلت في جسد المیت الذي صنع بید شخصیة هادي العتاک مرکبا من الجثث والأشلاء البشریة والضحایا التي قتلت خلال تفجیرات وصراعات ناتجة عن خطط الاحتلال الآمریکیة:
«شاهد شخصا عاریاً نائماً وسط بیت في البتاویین؛ اقترب منه وتأکد من أنه شخص میت. لم یکن شخصا محددا. تأمل هیئته الغریبة والبشعة… مس بیده الهیولانیة هذا الجسد الشاحب ورأی نفسه تغطس معها. غرقت ذراعه کلها ثم رأسه وبقیة جسده وأحس بثقل وهمود یعتریه. تلبس الجثة کلها…»( المصدر نفسه، ص 48).
لو تأملنا جیدا، لوجدنا أن السعداوي یرید من خلال هذا المشهد، الکشف عن الأيديولوجية الأمریکیة العالمیة التي تبنی علی هوية سياسية موحدة حدیثة وشاملة، کما قصدها الآمریکیون بعد احتلال العراق. في الواقع «لقد احتلت الولایات المتحدة وحلفاؤها العراق في نیسان 2003 بقصد تحقیق جملة من الأهداف، في مقدمتها إنهاء النظام السیاسي السابق، وإنشاء نظام سیاسي جدید. الأمر الذي شارکتها فیه القوی السیاسیة العراقیة بنسب مختلفة وتوقیتات متباینة»( عباس مراد ، ص89). من هذا المنطلق، إن الشسمة بنفسها تذعن بهذا الموضوع:
«أنا ولأني مکوّن من جذاذات بشریة تعود إلی مکونات وأعراق وقبائل وأجناس وخلفیات إجتماعیة متباینة، أمثل هذه الخلطة المستحیلة التي لم تتحقق سابقا، أنا المواطن العراقي»( السعداوي، ص 161).
ما ینبغي التنبه إلیه، هو أن شخصية الوحش تخرج من اللاهویة وتشرذم الهویة إلی الهویة المنسجمة والثابتة، عندما یتم إطلاق تسمیة دانیال علیها لأول مرة من قبل شخصیة ایلیشو، وهي المرأة العجوز المسيحية التي یمکننا اتخاذها رمزا للغرب المسیحي. في الحقیقة، هذا العمل من جانب، یحیلنا إلی الهوية وإنشائها من قبل الغرب ومن جانب آخر، یدل علی السيادة المطلقة للغرب؛ لأن اسم دانيال الذي أطلقته إليشو على شخصية الوحش، کما أوتي ذکره في الكتاب المقدس یعني حکم الله المطلق ولکن هنا یمکننا اعتباره سلطة الأمریکان والغرب( 10:Abdalkafor (. لذلك اتخاذ لفظ دانیال یمکن أن یدل علی الهوية السياسية الحدیثة المطروحة في العراق منتمیة إلی الغرب :
«-انهض یا دانیال…انهض یا دنیّة…تعال یا ولدي. فنهض من مکانه فوراً…أشعلت العجوز بندائها هذه الترکیبة العجیبة التي تکونت من الجثة المجمعة من بقایا جثث متفرقة وروح حارس الفندق التي فقدت جسدها. أخرجته العجوز من المجهول بالاسم الذي منحته له: دانیال») السعداوي ، ص 63).
حتی نری أن السعدواي لم یقف علی هذا الحد؛ بل إنه من خلال التقنیات اللغویة وباختیار لقب الشسمة للوحش یؤکد علی هذه الأزمة والمفارقة الهویة الحالیة للعراق؛ لأن الشسمة هي کلمة محلیة عراقیة مشیرا بذلک إلی شيء مجهول وغیر مألوف. في الواقع، يسمي السعداوي وحشه بالشسمة التي تعني حرفياً “ما اسمه” وبهذه التسمية یتطرق إلی أزمة لهوية العراقية( 56:Alhashmi (.
3-التقلید والهجنة (and hybrids Imitation )
مع أن نقد ما بعد الاستعمار له أبعاد مختلفة وواسعة، ولکن يمكن اعتباره نقدا ثقافي وفقا للأهداف والمبادئ الاستعمارية الجديدة. في الواقع، إن نقد مابعد الکولونیالي قام علی الآثار الثقافية التي ترکتها المستعمِر في بلاد المستعمَرات. انطلاقا من هذا، إن المستعمِرين رکزوا علی تغيير هويات المستعمَرات وفق منهج الاستعماري الحدیث، حتی یتمكنوا من الاستمرار في الحکم والسلطة عليهم. من هذا حاولوا فرض ثقافتهم وما یسمی بالقیم الغربیة علی مستعمَراتهم، لکي یصبحوا مماثلین لهم في سلوکهم وخلقهم تماما أو یسلکوا مسلکهم الغربي مصابا بالاغتراب الذاتي. لكن الحصیلة النهائیة ليست سوى تشابه باهت وغير كامل مع المستعمِر. هذا ما یدل علی مفهوم تقليد ما بعد الاستعماري وأیضا الهجنة. في الواقع، إن قضیة التقليد والهجنة کلاهما من القضایا الهامة التي تهتم بهما دراسات مابعد الاستعمار اهتماما کثیرا. من اللافت للنظر، إن الفضاء الثقافي السائد علی روایة السعداوي، هو فضاء ممزوج بالثقافات المختلفة، كما یتجسّد في عناصر الروایة ولاسیّما في شخصياتها. أحیانا یمکن القول، إن النزعة والإتجاه إلی الغرب وثقافته أو الانفصال عن الذات والاعتماد علی الغیر تؤدي إلی اختلاط شدید ثقافي؛ إذن اصطبغت ثقافات ما بعد الاستعمار بصبغة الامتزاج والهجنة؛ بحيث يصعب انفکاکها ووضعها في قالبین منفصلین(تایسن ، ص531). أما في الروایة، شخصیة الشسمة هي من أهم العناصر التي قد تبلورت فیها الهجنة أو الهویة الثنائیة والمتناقضة. في الحقیقة، إنها تعکس فضاء العراق سیاسیا، الذي قد امتزجت فیه الديمقراطية اللیبرالیة الغربية بجوهر الاستبدادیة الشرقیة التقلیدیة. وبتعبیر أوضح، الشسمه یجسد الفضاء الأوسط الذي تتمظهر فيه الديمقراطية البرجوازیة کلأيديولوجية الغربیة التي تعطی فئات الشعب العراقي بمختلف قومیاته ومذاهبه کلها الحرية والمساواة وتستدعاهم للمشاركة في السلطة السیاسیة -رغم تعرضها لانتقادات شدیدة- وأیضا جوهر الاستبداد الشرق العربي والعنف أو انحصار السلطة السیاسیة؛ لأن الثقافة السیاسیة في العراق تحتوی کما هي معروفة عند الجمیع علی قواعد سلوک استبدادي(المصدر نفسه، ص30). نستطیع القول، إن السعداوي یذهب بنا من خلال شخصیة الشسمة إلی الفضاء السیاسي الحدیث المتوتر الذي یتجه من ناحية إلی خلق التوازن السیاسي بین کل طبقات مجتمع العراق، حتى تتمكن من المشارکة في القوة والسلطة في ظل الحرية والسلام والطمأنینة، ومن ناحية أخرى یغلب علیه میل ورغبة إلی الانتقام والاستبداد والعنف والقتل من أجل السيطرة بعضهم على بعض آخر.كما تشیر شخصیة فرانكشتاين بشکل ضمني إلی هذه الهویة السیاسیة تدعی الدیمقراطیة الغربیة وفق لما سبق حینما یقوم بتعریف نفسها:
«أنا ولأني مکوّن من جذاذات بشریة تعود إلی مکونات وأعراق وقبائل وأجناس وخلفیات إجتماعیة متباینة، أمثل هذه الخلطة المستحیلة التي لم تتحقق سابقا، أنا المواطن العراقي»( السعداوي ، ص161).
على الرغم من أن جسد فرانكشتاين الذي یتکون من الأشلاء البشریة المنتمیة إلی الشعب العراقي کله، یدل علی المساواة السیاسیة والمشاركة الجماعية في هيكل السلطة، ولكن كما قيل لم تكن لها نتيجة سوى المزيد من الاختلافات، لأنه «أظن أن العراقیین صاروا یدرکون معنا، أن الأمر لیس بهذه السهولة في مجتمع تزداد فیه نسبة غیر المتعلمین، وتزداد فیه درجة لاستبداد فکرا أو ممارسة»( خضیر عباس ، ص 33). السعداوي يصف هذا الفضاء المزدوج المتمثل في الشسمة على النحو التالي:
«الشسمة مصنوع من بقایا أجساد لضحایا، مضافاً إلیها روح ضحیة واسم ضحیة أخری. إنه خلاصة ضحایا یطلبون الثأر لموتهم حتی یرتاحوا وهو مخلوق للانتقام والثأر لهم»( السعداوي، ص144).
من هذا، إن السعداوي یکشف عن الهوية السیاسیة التي قد جلبها الاستبداد و المنوقراطية إلی العراق باعتبارها نسخة باهتة من تلک الهویة السیاسیة الموحدة التي فقدت بعد إجرائها في العراق صبغتها الغربیة، بل وقعت بين الفضائين الغربي والشرقي.کما نری هویة المهجنة للوحش، عندما یعرّف نفسه ویعتبر شخصیة هادي العتاک الذي یکون رمزا للهوية العراقية والامرأة المسيحية العجوز التي تدعى إیليشو، وهي أيضا يمكن أن تكون رمزا للهوية الغربية، والديها. وهذا یحیلنا إلی هویة فرانکشتاین المزدوجة:
«هل هذا العتاک المسکین والدي حقاً؟ إنه مجرد ممر ومعبر لإرادة والدي في السماء کما تحب أن تصف والدتي إیلیشو المسکینة»( المصدر نفسه، ص 156).
4-تفکیک خطاب الاستعمار
إن الخطاب في أدب ما بعد الاستعمار، مرتبط باسم ميشل فوكو «الخطاب بحسب ما نظر له فوکو، منظومة من المقولات یمکن أن یُدرک العالم داخل حدوده وهو منظومة تمکن الجماعات المهیمنة في المجتمع من تشکیل مجال الحقیقة من خلال فرض معارف وقول معرفیة وقیم معینة علی الجماعات الخاضعة لسیادتها»( أشکروفت وآخرون ، ص 101). في الحقیقة، أصحاب الخطاب یفتقرون إلی عنصري الرضي والقوة، لکي یتمکنوا من الحصول علی هذه السلطة والسیادة المنشودة مضمرةً في الخطاب الذي یعرف بالأيديولوجية. لذلك يمكن القول، إن المستعمِر طیلة التاريخ الاستعماري قد حمل معه الخطاب دائما؛ ولكن مع استبدال الاستعمار المباشر والعسكري بالإستعمار غير المباشر أو الثقافي، اكتسبت الخطابات أهمیة خاصة بل تسلحت بمناهج أكثر تعقيدا وغموضا، کما أدت دورا هاما في تقدم الاستعمار الحدیث. أما هذا الخطاب، هو ما يسمى الیوم بالخطاب الاستشراقي الذي صار فیه المستعمِر یعرّف بوصفها المرکز، ویدفع المستعمَر وما یکون خارج المرکز إلی الهامش ویقف عند الحافة( المصدر نفسه، ص 93). لکي یکتسب المرکز، مشروعیة الهيمنة والسيطرة علی العالم الشرقي. من هذا، إن الولايات المتحدة القوة العظمی الاستعماریة، فتبحث من خلال خطابها الأمریکي القائم علی تشکیل الحضارة والنظام العالمي وفق المنهج الأمریکي، عن السیطرة والسلطة علی کل العالم. وبهذه الذریعة المخادعة تم احتلال العراق، کما نلاحظ أن السعداوي یتطرق إلی ترسیم الوجه الحقيقي لأمریكا وأهدافها الاستعماریة في العراق. إنه في خطابه المضاد للاستعمار، یعتمد علی شخصيته الخيال العلمي، أي فرانکشتاین باعتبارها رمزا للقوة الأمریکیة، لفضح الاستعمار وخطابه الذي منحت لأمریکیین ذریعة لاحتلال العراق وبسط هیمنتهم علی العالم. إنهم إدعو بأن مهمتهم ورسالتهم الوحيدة في العراق هي مکافحة الإرهاب، وبعدها یترکونه علی الفور. لکن رغم إدعاء الأمریكيين، إن السعداوي فیکشف عن حضورهم الثابت في العراق،کما شخصية فرانکشتاین مع أنها جعلت نهایة حیاتها مرهونة بتنفیذ مهمتها المحددة في العراق، ولکنها لا تزال تناضل من أجل استمرار حياته:
«من الذي یقول إن مهمته الاستثنائیة تنتهي بهذه الطریقة؟ علیه أن یستمر بالوجود، ریثما یفک لغز الخطوات القادمة، ولأنه قاتل استثنائي لا یموت بالوسائل التقلیدیة، فعلیه أن یستثمر هذه الإمکانیة الممیزة، خدمة للأبریاء وخدمة للحق والحقیقة والعدالة»( السعداوي ، ص 234).
شخصية فرانكشتاين تبین في الروایة بصراحة، أن رسالتها الرئیسیة، هي بسط العدالة والثأر بالظالمين والمجرمین الذین قتلوا الأبرياء، إلا أنها مع مرور الزمن تنحرف عن مهمتها النبیلة(Teggart: 10). بحیث أنها یقوم بنفسها بقتل الأبریاء. في الواقع، إن السعداوي یرید أن یقول «سقطت کذلک الإنسانیة التي إدعتها قوات التحالف، حرصا علی أرواح المدنیین الأبریاء»( فرجاني، ص 15).
«بدأت عیني الیسری تغیم من جدید، وشعرت بأنها النهایة وأنها ستذوب علی وجهي مثل عجین مختمر. لذا رفعت المسدس بیدي وصوبته باتجاه هذا العجوز البريء. إنه بريء بکل تأکید، ولیس مثل اؤلئک الذین یحملهم المجانین الثلاثة إليّ من أجل صیانة وترمیم جسدي»( السعداوي، صص176-177).
إن أمریکان تمكنوا من خلال الحركات المتطرفة التي قد بدأت بالظهور في بعض البلدان الإسلامیة، من جعل الشرق خطرا للعالم بحكمه الموطن الأصلي لظهور الأرهاب، ومن هذا استغلوا هذه الفرصة، وقاموا بارتكاب جرائم ضد الانسانیة في العراق،كما نرى ذلك في الروایة، فإن القتل والفوضویة والبلبلة کلها وصلت إلى الذروة تزامناً مع ظهور الوحش؛ ولکن رغم أن الوحش، هو المجرم الحقیقي الذي کان سبب الکوارث والمشاکل في العراق، أما في الواقع ومن خلال فبركة الأخبار الإعلامية، فاتهموا هادي العتاک بالجريمة وعرّفوه بالمجرم الحقيقي باعتباره الهویة الشرقیة:
«کان المتهم قد اعترف بکل الجرائم المنسوبة إلیه ومنها قیادته لعصابة قتل وتقطیع أشلاء الضحایا وتوزیعها علی الأزقة في أحیاء بغداد من أجل إشاعة الرعب والخوف وتخطیطه لعملیة تفجیر فندق السدیر نوفوتیل بسیارة نفایات مفخخة، قادها انتحاري من أتباعه، وقتله لعدد من الضباط الأجانب من المتعاقدین الأمنیین.. »( المصدر نفسه، ص 347).
الخاتمة:
يمكن ختاما أن نخلص للنتائج الآتية:
1- إن روایة فرانکشتاین في بغداد، هي روایة تتجلی فیها عناصر العلم والخیال. أما من أهمها هي شخصية الوحش التي تکون نتیجة ابداع السعداوي ولیس في حدود الواقع، ولکن خلقها وإنشاؤها في الروایة علی عکس شخصیات فانطازیة، لم یکن إعجازیا وخارقا للعادة، بل إن السعداوي یخضع لعملية علمية ومنطقیة، لخلقها وبقائها معتمدا علی فضاء الروایة لماري شلي. في الحقیقة، إن منشئ الوحش یعني هادي العتاک لم یکن عالم تجریبيا ولا جراحا، أما یعمل عملا تجریبیا؛ لأنه عندما یبادر بخلقه، یجمع الأشلاء البشریة، ثم یقوم بإلصاقها وترکیبها من خلال خیاطها باعتبارها عملية طبية.
-هناک موضوع آخر في الروایة بوصفها موضوع الخیال العلمي کموضوع الدیستوبیا وما یعکسه من عوالم مابعد الإنسانیة التي تکشف عن نتائج سلبیة ناشئة عن العلم بشکل غیر المناسب کالأسلحة المدمرة و… وهذا ما نراه في روایة السعداوي کالعملیات الإرهابیة التي تسبب قتل آلاف الأبریاء في طرفة عینٍ. بمعنى آخر، إن الفضاء الذي یصوره السعداوي للعراق ومستقبله، فهو الفضاء الذي ألغى فيها العنف والثأر اللانساني، القوانین والنظام الإنساني بحیث أن المواطنين العراقيين یتصارعون علی البقاء وحده.
2- من جانب آخر، فلم یتوقف الباحث عند حد الخیال العلمي فحسب، بل ینظر إلی روایة السعداوي من منظور دراسات ما بعد الاستعمار. بمعنی أن السعداوي یتمتع بنوع الخیال العلمي وصولا إلی حقیقة الاستعمار وتقویض وتشکیک في خطابه الاستعماري. ولکن هنا ما ینبغی التنبه إلیه، هو أن السعداوي في خطابه یعتمد علی شخصیة الوحش بوصفها شخصیة الخیال العلمي. أما من أهم عناصر مابعد الاستعمار في روایة فرانکشتاین، فیمکن الإشارة إلی قضیة “الآخر”. في الحقیقة، إن خطاب السعداوي یقوم علی ثنائیة الأنا والآخر التي یصبح الاستعمار الغربي الأمریکي فیها الآخر بالنسبة للأنا العراقي.کمانری شخصیة الوحش التي ترمز إلی الاستعمار وخطابه، تکون موجودة غریبة عند العراقیین. فضلاً عن ذلک أیضا نری الروایة تهتم بقضية الهوية. في الواقع، على الرغم أن خطاب الأمریكيين قام علی تشکیل الهویة المنسجمة في العراق، ولکن نجد الأزمة والتشظی والانشطار فیها بشکل متزاید عقب الاحتلال الأمریکي. من هذا، إن شخصیة الشسمه التي تعرف نفسها، المواطن الحقیقي الذي یحتوی علی کل طوائف العراق والهویات المختلفة، ولکن لها دور کبیر في الافتراق وتشتت بین العراقیین. أیضا وجد الباحث قضیة الهجنة في الروایة باعتبارها مکونة من مکونات مابعد الاستعمار.کما نراها ممثلة أیضا في شخصیة الشسمة. في الحقیقة إن شخصیة الشسمه تدل علی فضاء التهجین أو “فضاء الثالث” بین الهویات السیاسیة المختلفة، کالهویة الحدیثة الغربیة بوصفها الدیموقراطیة التي تحاول مشارکة الناس جمیعا في القوة والسلطة، والهویة العراقیة قد اتسمت بالاستبداد والأنانیة في القدرة.
قادر قادري (طالب مرحلة الدکتوراه،کلّیة اللغات، قسم الّلغة العربیة وآدابها، جامعة إصفهان، إیران.)
د. أحمد رضا صاعدي (أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية، كلية اللغات الأجنبیة، جامعة إصفهان، إيران)
المصادر العربیة:
– اصطیف، عبد النبي. “الخيال العلمي بين الأدب والتاريخ: أنموذج من الأدب الأمريكي المعاصر.” مجلة علمية ثقافية شهرية تصدر عن وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، العدد 1، 2008.
-أشكروفت، بيل، وآخرون. دراسات ما بعد الكولونيالية: المفاهيم الرئيسية. ترجمة أحمد الروبي وآخرون، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2010.
-الديوب، سمر. “أدب الخيال العلمي بين الأدبية والعلمية.” جيل الدراسات الأدبية والفكرية، العدد 18، 2016، صص9 – 24.
– دومة، خيري محمد عبد الحميد. عدوي رحيل: موسم الهجرة إلى الشمال ونظرية ما بعد الاستعمار. دار أزمنة، عمان، 2010.
– السعداوي، أحمد. فرانكشتاين في بغداد. منشورات الجمل، بغداد، 2013.
– العبد، محمد. “الخيال العلمي استراتيجية سردية.” مجلة النقد الأدبي، العدد 71، 2007.
-عباس، عطوان خضير. “العراق والتغيير الديمقراطي: مفاهيم الديمقراطية والهوية العراقية” ، نشریة الحكمة، بغداد، العدد 39، 2005،. صص 28-34.
– غانم، زهير. “خيال أدب: الخيال العلمي العربي.” مجلة علمية ثقافية شهرية تصدر عن وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، العدد 1، 2008.
-فرجاني، نادر. “احتلال العراق بين إدعاءات التحرير ومطامع الاستعمار”، نشریة المستقبل العربي، العدد 293، 2003، صص 11- 21.
– كيلاني، م. لينا. “الخيال العلمي.” مجلة علمية ثقافية شهرية تصدر عن وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، العدد 1، 2008.
– المفتي، علا أمين أمين. “قصص الخيال العلمي للأطفال.” أدب الأطفال، جامعة عين الشمس، العدد 14، 2017.
-مراد، علي عباس. “إشكالية الهوية في العراق: الأصول والحلول.” نشریة المستقبل العربي، العدد 390، 2011، صص 80-96.
– نصر الدين، جابر. مشكلات الشباب في المجتمع الجزائري بين أزمة الهوية واللامعيارية: نظرة شخصية نفسية اجتماعية. جامعة بسكرة، الجزائر، 2011.
– هولنجر، فيرونيكا. “الخيال العلمي وما بعد الحداثة.” ترجمة علاء الدين محمود، مجلة النقد الأدبي، العدد 71، 2007.
– وصفي، رؤوف. “أدب الخيال العلمي.” الآداب، السنة 31، العدد 10 و11، 1983، صص 45-49.
– ويدجي، رشيد. “إدوارد سعيد ونظرية الخطاب ما بعد الاستعمار”. المعرفة، العدد 607، 1435 هـ، صص212 – 223.
– حطاب، طانية. “تمظهرات التجريب في رواية ‘فرانكشتاين في بغداد’ لأحمد سعداوي.” مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية، العدد 68، 2021.
-بوكر، م. كيث، وآن ماري توماس. المرجع في روايات الخيال العلمي، مترجم: عاطف يوسف محمود، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2010.
– غاتينيو، جان. أدب الخيال العلمي، مترجم: ميشيل خوري، ترجمة دار الطلاس، دمشق، 1990.
– شريف، نهاد. “الخيال العلمي: أكثر ألوان الأدب إثارة.” مجلة علمية ثقافية شهرية تصدر عن وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، العدد 1، 2008.
المصادر الفارسية:
-تایسن، لیس. نظریه های نقد ادبی معاصر، مترجم: مازیار حسین زاده، فاطمه حسینی، تهران: نشر نگاه امروز/ حکایت قلم نوین. 1392ش.
-شاهميری، آزاده. نظريه و نقد پسااستعماری. انتشارات علم، تهران، 1389 ش.
-صاعدی، احمد رضا. “تحليل گفتمان پسااستعماری در رمان شرفة الهذيان اثر ابراهيم نصرالله.” نشریه ادبیات پايداری، سال 7، شماره 13، 1394 ش.
-قصاع، محمد. “ادبيات علمی تخيلی در دوران بيست سال اخير.” ادبيات داستانی، شماره 51، 1378 ش. صص 146-153.
-آدامز، رابرت. “تعريف ژانر علمی تخيلی.” مترجم: زهرا نوحی. فارابی، شماره 53، 1383 ش،169-192.
المصادر الإنجلزیة:
1-Abdalkafor, Ola. “Frankenstein and Frankenstein in Baghdad: The Sovereign, Homo Sacer and Violence.” University of Essex, vol. 13, no. 3, 2018, pp.
2-Alhashmi, Rawad. “The Grotesque in Frankenstein in Baghdad:Between Humanity and Monstrosity.” International Journal of Language and Literary Studies, vol. 2, no. 1, 2020, pp.
3-Alkhayat, Marwa Essam Eldin Fahmy. “Gothic Politics in Ahmed Saadawi’s Frankenstein in Baghdad.” Arab Studies Quarterly, 2013, pp.
4-Jani, Bushra Juhi. “Violence as the Abject in Iraqi Literature: Ahmed Saadawi’s Frankenstein in Baghdad and Mary Shelley’s Frankenstein.” International Journal of Humanities and Cultural Studies, vol. 1, no. 4, 2015, pp.
5-Teggart, Hope. “Frankenstein in Baghdad: A Novel Way of Understanding the Iraq War and Its Aftermath.” International ResearchScape Journal, vol. 6, article 1, 2019, pp.
Arabic Sources:
– Astayf, Abdel Nabi. “Science Fiction Between Literature and History: A Model from Contemporary American Literature.” A monthly scientific cultural magazine issued by the Ministry of Culture in the Syrian Arab Republic, no. 1, 2008.
– Ashcroft, Bill, et al. *Postcolonial Studies: The Key Concepts*. Translated by Ahmed Al-Ruby et al., National Center for Translation, Cairo, 1st ed., 2010.
– Al-Deyoub, Samar. “Science Fiction Literature Between Literariness and Scientificity.” *Jil Al-Dirasat Al-Adabiyya wa Al-Fikriyya*, no. 18, 2016, pp. 9–24.
– Douma, Khairy Mohamed Abdel Hamid. *Enemy of Departure: Season of Migration to the North and Postcolonial Theory*. Azmina Publishing House, Amman, 2010.
– Al-Sa’dawi, Ahmed. *Frankenstein in Baghdad*. Jamal Publications, Baghdad, 2013.
– Al-Abd, Mohamed. “Science Fiction as a Narrative Strategy.” *Majallat Al-Naqd Al-Adabi*, no. 71, 2007.
– Abbas, Atwan Khudair. “Iraq and Democratic Change: Concepts of Democracy and Iraqi Identity.” *Al-Hikma* bulletin, Baghdad, no. 39, 2005, pp. 28–34.
– Ghanem, Zuhair. “Literary Imagination: Arab Science Fiction.” A monthly scientific cultural magazine issued by the Ministry of Culture in the Syrian Arab Republic, no. 1, 2008.
– Farjani, Nader. “The Occupation of Iraq Between Claims of Liberation and Colonial Ambitions.” *Al-Mustaqbal Al-Arabi* bulletin, no. 293, 2003, pp. 11–21.
– Kaylani, M. Lina. “Science Fiction.” A monthly scientific cultural magazine issued by the Ministry of Culture in the Syrian Arab Republic, no. 1, 2008.
– Al-Mufti, Ola Amin Amin. “Science Fiction Stories for Children.” *Adab Al-Atfal*, Ain Shams University, no. 14, 2017.
– Murad, Ali Abbas. “The Identity Dilemma in Iraq: Origins and Solutions.” *Al-Mustaqbal Al-Arabi* bulletin, no. 390, 2011, pp. 80–96.
– Nasr al-Din, Jaber. *Youth Problems in Algerian Society Between Identity Crisis and Anomie: A Socio-Psychological Perspective*. University of Biskra, Algeria, 2011.
– Hollinger, Veronica. “Science Fiction and Postmodernism.” Translated by Alaa al-Din Mahmoud, *Majallat Al-Naqd Al-Adabi*, no. 71, 2007.
– Wasfi, Raouf. “Science Fiction Literature.” *Al-Adab*, year 31, nos. 10–11, 1983, pp. 45–49.
– Wajdi, Rashid. “Edward Said and the Theory of Postcolonial Discourse.” *Al-Ma’rifa*, no. 607, 1435 AH, pp. 212–223.
– Hattab, Tanya. “Manifestations of Experimentation in Ahmed Saadawi’s Novel *Frankenstein in Baghdad*.” *Majallat Jil Al-Dirasat Al-Adabiyya wa Al-Fikriyya*, no. 68, 2021.
– Booker, M. Keith, and Anne-Marie Thomas. *The Science Fiction Handbook*. Translated by Atef Youssef Mahmoud, National Center for Translation, Cairo, 1st ed., 2010.
– Gattegno, Jean. *Science Fiction Literature*. Translated by Michel Khoury, Talas Publishing House, Damascus, 1990.
– Sharif, Nihad. “Science Fiction: The Most Exciting Genre of Literature.” A monthly scientific cultural magazine issued by the Ministry of Culture in the Syrian Arab Republic, no. 1, 2008.
Persian Sources:
– Tyson, Lois. *Contemporary Literary Criticism Theories*. Translated by Maziar Hosseinzadeh and Fatemeh Hosseini, Tehran: Negah-e Emrooz Publishing / Hekayat-e Qalam-e Novin, 2013 (1392 SH).
– Shahmiri, Azadeh. *Postcolonial Theory and Criticism*. Elm Publishing, Tehran, 2010 (1389 SH).
– Sa’edi, Ahmad Reza. “Analysis of Postcolonial Discourse in the Novel *Balcony of Delirium* by Ibrahim Nasrallah.” *Journal of Resistance Literature*, vol. 7, no. 13, 2015 (1394 SH).
– Asgarian, Abbasgholi, et al. “Discourse Analysis of American and Iranian Actors’ Perspectives on the Concept of Terrorism.” *Quarterly Journal of Political Research in the Islamic World*, vol. 5, no. 2, 2015 (1394 SH), pp. 145–183.
– Qassa’, Mohammad. “Science Fiction Literature in the Last Twenty Years.” *Fictional Literature*, no. 51, 1999 (1378 SH), pp. 146–153.
– Adams, Robert. “Defining the Science Fiction Genre.” Translated by Zahra Nouhi. *Farabi*, no. 53, 2004 (1383 SH), pp. 169–192.