خميسي ثلجاوي
ملخص البحث:
سنتولّى في هذا البحث النّظر في بعض القضايا المتعلّقة بالمعنى اللّغويّ وما يطرحه من إشكالات عميقة. ورهاننا في ذلك تسليط الضّوء على النّظريّة التراثيّة باعتبارها قد جمعت بين أشياء متغايرة استطاعت بفضلها إثارة مسائل مهمّة. غير أنّ الذي يعنينا ضمن هذه الدّراسة هو موضوع المعنى اللّغوي بين خاصّيتي التّمام والنّقصان. فالناظر في تراثنا البلاغيّ واللّغويّ يلحظ وجود اختلاف حول هاتين الخاصّيتين المذكورتين. فحضور المعنى يأخذ صورا وصيغا معيّنة سواء عبر دخوله في علاقات إعرابيّة وظيفيّة، أو وفق ما تفرضه بعض السّياقات. على هذا الأساس ارتأينا البحث في موضوع المعنى بين التّمام والنّقصان نظرا لما لاحظناه من نقص في الاهتمام بجوهر هذا الموضوع، وما نقصده تحديدا نفور الدّارسين من تحقيق قراءة عميقة توضّح مشروعيّة القول بخاصّيتي التّمام والنّقصان وإن وجدنا بعض المحاولات التي اقتصرت على جوانب معيّنة، ولم تنظر إلى الموضوع في كلياته[i]. والحال أنّ القدامى لم يتركوا واردة ولا شاردة في معالجتهم لموضوع المعنى يؤكّد تضمّن مصنّفاتهم لمعطيات تؤصّل تفكيرهم ومنهجهم. وهو ما يبدو في حاجة إلى مزيد من التّعمق والنّظر.
على هذا الأساس سنستأنس ضمن هذا المشروع البحثيّ ببعض الكتابات المختصّة ذات الإضافات الهامة. وفي هذا السّياق سنركّز خصوصا على كتابات الباحثة نور الهدى باديس، وهذا الاختيار مبرّر من جهة كون هذا الصّنف من الكتابات قد أفاد من التّراث اللّغويّ والبلاغيّ والنّقديّ ومن المناويل اللّسانية الحديثة، فضلا عن بعض المنهجيات المستخدمة في حقل العلوم الإنسانية. كما أنّه مبرّر من جهة كون هذا النّمط من الكتابات قد استطاع أن يشرح أنماط التّفكير القائلة بخاصّية التّمام والنّقصان وفق زوايا نظر مختلفة، عكس بعض الكتابات الأخرى التي اقتصرت على مسائل بعينها. فالباحثة نور الهدى باديس ضمن مشروعها البحثيّ وجدناها تراهن دوما على تشريح المسائل ومناقشة التّصوّرات والرّؤى القائلة، وكانت في ذلك مستبطنة دوما لفكرة المعنى بين التّمام والنّقصان. ولأجل هذا الأمر غدت رائدة من روّاد التّجديد في الفكر البلاغيّ خاصّة.
ينهض هذا البحث في كلّياته على جملة من التّساؤلات ستكون بمثابة الأعمدة الأساسيّة المنهجيّة في العمل، نذكر منها ما يلي:
- كيف أسّست النّظريّة التّراثيّة لفكرة المعنى اللّغوي انطلاقا من خاصّيتي التّمام والنّقصان؟
- ما هي مبرّرات القول بذلك؟
- كيف أسّست الباحثة مشروعها البحثيّ على فكرة التّمام والنّقصان؟
- أيّ نسق فكريّ يحكم مشروعها؟
- كيف نؤوّل حضور المعنى اللّغويّ بين التّمام والنّقصان انطلاقا من علمي البيان والمعاني؟
- ماذا بخصوص دلالة التّضمّن ودلالة الالتزام؟ وكيف استدلت على ذلك؟
- وهل من الممكن فعلا الحديث عن معنى لغويّ ناقص؟
- ما درجات القول بالتّمام والنّقصان ضمن مشروعها؟
الكلمات المفتاحية: تمثّلات، المعنى اللّغوي، الإيجاز، التّمام، النّقصان، تصوّر. المعرفة، الإطناب، المنطوق، المكتوب، الخطاب. البيان، مراتب المعنى.
In the Intricacies of Linguistic Meaning and the problems of evidence: A reading of the rhetorical project of Dr. Nour El Huda Badis
Theljaoui khemissi
Abstract:
In this research, we will look at some issues related to linguistic meaning and the deep problems that it raised. Our bet in this is to shed light on the heritage theory for it combined different things and thanks to it a lot of deep issues are raised. However, what matters to us in this study is the linguistic meaning between perfection and imperfection properties. Anyone who looks our rhetorical heritage could notice the controversy between the two mentioned properties. The meaning is present through its metaphors and certain formulas either in its entrance into functional linguistic relations or according to what some contexts impose.
Accordingly, we delve into our thought in meaning between perfection and imperfection for the lack in the interest about the essence of this topic and what we exactly mean is the aversion of learners to achieve a deep reading that clarifies the speech legitimacy about perfection and imperfection properties. There is no doubt that what predecessors perceived and presented with their theories and approaches to the issue of meaning insists that their compilations include data, which reflect their thoughts and curricula, and this what necessitates more depth and vision. According to this, we will rely in this research project on specialized writings for its addition is undoubtedly important but we will concentrate mainly on the writings of the researcher Nour El Houda and this is a justified choice as this type of writing takes advantage from the linguistic, rhetorical and critical heritage and from modern linguistic patterns apart from applied curricula in the field of human sciences. Also, this choice is justified for this type of writing is able to explain the sorts of thought that deal with the perfection and imperfection properties according to different angles in opposition to some other writings that are limited to specific issues.
In her research project, the researcher Nour El Houda always bets on explaining issues and discussing perceptions and visions and she usually keeps the idea of meaning between perfection and imperfection embedded. For this reason, she became a pioneer of innovation specifically in rhetorical thoughts. This research raises a lot of questions in its totality that will be considered as the cornerstones and the action plan; we mention the following: How does the heritage theory found the idea of linguistic meaning starting from perfection and imperfection properties? What are the justifications for saying that? How did the researcher Nour El Houda establish her research project on the idea of perfection and imperfection? What intellectual system govern its project? How does we interpret the existence of linguistic meaning between perfection and imperfection starting from scientific statement and meanings? What about the necessity between the meaning of inclusion and commitment? Is it possible to talk about an incomplete linguistic meaning? What are the degrees of saying completeness and imperfection?
Key words: representations, linguistic meaning, breakthrough, completeness, incompleteness, vision, knowledge, verbosity, enunciated, written, discourse, statement, levels of meaning, synchronization.
تمهيد:
يعتبر مشروع الباحثة نور الهدى باديس أحد أبرز المشاريع الأكاديميّة العلمية المعتنيّة بالتّجديد في الفكر البلاغيّ، اهتمّت بشكل موسع بقضيّة المنطوق والمكتوب وانتهت من خلالهما إلى نتائج مهمّة لم يسبق إليها أحد. حيث لخّصت المنعرج الحاسم في تاريخ التّأليف في البلاغة العربيّة، منوّهة بالفواعل الممهّدة لمنعرج التّحوّلات الحاصل في الأصول العميقة البانية لظاهرتي القول والكتابة وفق ما نوّه إلى ذلك شيخ البلاغيين حمّادي صمّود. فقد كانت من القلائل الذين أسّسوا بحوثهم على خاصّية التّلازم بين علمي البيان والمعاني. وجعلت ذلك منهجا للكشف عن قضايا جوهريّة غدت متحكّمة في مركزيّة اللّغة. ومن ثمّ مكّنها هذا الأمر من التّوحيد بين عوالم متغايرة والغوص في قضايا المعنى والكشف عن علاقتها بموضوع الدّلالة والتّداول. على هذا النحو سطّرت لمنهجها البحثيّ. غير أنّ الذي يعنينا على وجه الخصوص، منهجها الذي تمكنت من بفضله الخروج بموضوع المعنى اللّغويّ من جهة التّمام والنّقصان إلى مصاف التّجديد في الدّرس البلاغيّ.
1-منهج الباحثة في الإبانة عن المعاني:
يعدّ البحث في قضيّة المعنى من جهة التّمام والنّقصان من المواضيع الشّائكة التي شغلت اهتمام الباحثة نور الهدى باديس، فضلا عن كونه من المشاغل المهيمنة على تفكير اللّغويين والنّحاة والفقهاء والمتكلّمين. فقد استأثر هذا الموضوع اهتمام البلاغيين والمنشغلين بالنّقد قديما وحديثا، ويرجح البعض إلى أنّ هذه القضيّة ذات منشأ خلافي تمحورت بالأساس حول الجدل القائم بين علاقة اللّفظ والمعنى[ii]، فضلا عن كونها قضيّة ذات طابع استقطابيّ “يمحّضها لأن تكون من المسائل الرّؤوس في التّراث الفكريّ العربيّ بوجه عامّ والتّراث النّقديّ على وجه التّحديد”[iii]، فلا غرابة أن يتّفق معظم النّقاد العرب المعاصرين على أنّها مشكلة من المشكلات، ومنهم الباحثة نور الهدى باديس التي حوّلت مشروعها الذي أعاد التّفكير في هذا الموضوع، وجعلت شغلها الشّاغل متّصلا بفكرة الإبانة عن المعاني.
حتّى أنّ من يهتمّ بكتابات الباحثة نور الهدى يشدّه مشروعها البلاغيّ المتعمّق في التّراث والمهوس بروح التّجديد. فقد احتفت بالمنطوق والمكتوب وبموضوع البيان، وأعادت النّظر في علاقة اللّفظ بالمعنى، واهتمّت في الأثناء بالمعاني المجازيّة وحرصت على توضيح صلته بموضوع البيان إيمانا منها بكونهما محكومين بأسرار خفيّة، وقد ساعدها ذلك في توسيع اهتمامها بقضايا المجاز. ومن هذا المنطلق استطاعت الباحثة أن تفتح مشروعها البلاغيّ على قضايا علم الدّلالة العرفانيّ[iv].
وأمّا بخصوص منهجها في معالجة موضوع المعنى بشكل عامّ، فقد غدت مشدودة إلى عبد القاهر الجرجاني الذي سطّر منهجا خاصا لتحديد مراتب المعاني في تضاعيف كتبه. وقد عبّرت عن ذلك على لسانه، إذ تقول:” ثمّ إنّ ما طريقه التّأويل يتفاوت تفاوتا شديدا، فمنه ما يقترب مأخذه ويسهل الوصول إليه ويعطي المقادة طوعا حتّى أنّه يكاد يداخل الضّرب الأوّل الذي ليس من التّأويل في شيء وهو ما ذكرته لك، ومنه ما يحتاج فيه إلى قدر من التّأمّل، ومنه ما يدقّ ويغمض حتّى يحتاج في استخراجه إلى فضل رويّة ولطف فكرة”[v].
مسايرة لهذا النّهج وما يتضمّنه من تأويلات -على ما بينها من دقائق وفروق-، تمكّنت الباحثة من توسيع مجال اشتغالها بقضايا المعنى، لأنّ غرضها متّصل بمعرفة كيف تترتّب المعاني في ضوء الدّعوة الصّريحة إلى تجاوز الظّاهر[vi].
وإذا ما حاولنا أن نجد تبريرا لهذا الاهتمام البالغ بفكرة المعنى الخفيّ على حساب المعنى السّطحيّ، فإنّنا نقدّر بأنّه في أصوله العميقة مقترن بعمليّة الانتقال من “بلاغة البيان المبنيّة على الظّاهر إلى بلاغة التّدبّر والتّفكّر والتّأويل”[vii]. وهي بلاغة تجسّد بشكل صريح وبيّن الانتقال من المنطوق إلى المكتوب. وفي إطار آخر أكّدت الباحثة على لسان الجاحظ أنّ “النّفس تتلذّذ بالمفاجأة، والدّفين من الارتياح لا يستثار إلّا بالرّجفة والرّعشة”[viii]، فكلّما “استقرّت التّشبيهات وجدت التّباعد بين الشّيئين، وكلّما كان أشدّ كانت إلى النّفوس أعجب وكانت النّفوس لها أطرب”[ix]، فلا سبيل إلى ذلك “إلّا بالتّدبر والتّفكّر وإعمال العقل وإجهاد النّفس لتقف على ذلك المكنون”[x].
بمقتضى ما تقدّم استطاعت الباحثة على أنقاض هذا المنهج الذي يتوسّل التّدبر وإعمال العقل وإجهاد النّفس، التّأسيس ضمن مشروعها، لموضوع المعنى بين التّمام والنّقصان، فقد تساءلت عن كيفيّة تأدية اللّغة للمعنى؟ واعتبرت هذا التّساؤل جوهريا “في علم البلاغة لأنّه علم يرصد التّغيّرات الحاصلة في العبارة عن المعنى الواحد، وبيان ما ينجرّ عنها من فائض قيمة، به يكون الرّواج والفعل الذي تريد أن تصل إليه”[xi]. ومن هذا المنطلق كان هاجس الباحثة متّصلا بمراتب المعنى، فتحدّثت عن أصل المعنى مقابلا لما يعرف بـــ” المعاني الثّواني”[xii].
حتّى أنّها في معرض حديثها عن المعاني الثّواني كانت تعتبر أنّ الغرض منها لا يقتصر على مجرّد “التّخاطب وإنفاذ الحاجة وإنّما هي المعاني التي تزيد على شحنتها الإعلاميّة وإثبات العلاقة بين المسند والمسند إليه مثلا معنى زائدا”[xiii]، وقد حرصت من وراء ذلك كلّه على تأكيد “دوره في الرّفع من تأثير الكلام في سامعيه وقدرته على الوصول بقصد المتكلّم”[xiv] خاصّة للذي يوجّه إليه الكلام. ثمّ استتبعت ذلك بالحديث عن تفاصيل ما يحدث في اللّفظ، حتّى يغدو قادرا على إنتاج المعاني. وقد دفعها هذا الأمر إلى الذّهاب أشواطا كبيرة في الحديث عن بعض التّصنيفات المدرجة في باب البلاغة. وقد أشارت إلى علماء البلاغة الذين تحدّثوا عن ضربين من البنى، فمنها ما “تأتي على عموم ما يفترض النّظام، وبنى (أخرى) تنتهج في تعيين ذلك النّظام وإنجازه صورا خاصّة تقتضيها المعاني”[xv] المراد التّعبير عنها.
في هذا الإطار اعتبرت الباحثة أنّ علاقة المبنى بالمعنى في الحالة الطّبيعيّة هي علاقة مطابقة ومساواة، يكون فيها اللّفظ على قدر المعنى ويكون له طبقا. ومن جهة أخرى ترى أنّه إذا ما حصلت تلك الخصائص في التّركيب “أحوجت السّامع لإدراك المعنى إلى ضرب من التّفكير والتّأويل واستخلاص الغائب”[xvi]. وبهذه المنطلقات تبيّنا اهتمامها بمراتب المعاني لبنة لبنة ضمن مشروعها البلاغيّ.
2-تمام المعنى من جهة الإيجاز والحذف:
إنّ المتأمّل في بلاغة الوفرة وبلاغة النّدرة يلاحظ اهتمام الباحثة نور الهدى باديس بقضيّة المعنى الحاصل من جهة الإيجاز بالحذف، منتقدة تصوّر ابن الأثير الذي قالت في خصوصه: “إنّه اكتفى في تبرير هذا الحذف بدلالة فحوى الكلام على المحذوف، أي باعتماد سياق القول وبنيته الدّاخليّة عندما يحمل بعضه على بعض. فضلا عن كونه سكت عن دلالة الحال التي ألحّ عليها الرّمّاني”[xvii].
ولم تتوقّف الباحثة عند هذه المقارنة، بل طرحت موضوع زيادة المعنى على اللّفظ، منوّهة برأي ابن الأثير الذي عرّج على هذه المسألة بقوله: “ولا يكون إلاّ في ما زاد معناه على لفظه”[xviii]، واعتبرت أنّ هذه الطّريقة لا تخلو من غرابة لأنّ المتكلّم يسعى “إلى تخفيف البنية اللّغويّة المنجزة من العناصر اللّغويّة التي يمكن الاستغناء عنها ولا يغيّر ذلك من المعنى شيئا”[xix].
والملاحظ في هذه الوضعيّة أنّها كانت قد تساءلت عن مواطن الحذف، هل هي مقترنة بالمعنى أو اللّفظ؟ كما تساءلت أيضا عن الكيفيّات التي يتمّ بها الحذف من المعنى؟ وكيف يكون التّقدير في حالة المساواة؟[xx] إنّ الألفاظ دالّة على المعاني سواء بحضورها أو غيابها، فهي منخرطة في سياقات متنوّعة تحضر في خطابات تترافد فيها مكوّنات يمكن أن يدلّ بعضها على بعض. تقول الباحثة على لسان ابن الأثير: “هذا لا ينقض ما ذهبت إليه من زيادة المعنى على اللّفظ لأنّ المعنى الزّائد ظاهر واللّفظ الدّال عليه مضمر، وإذا كان مضمرا فلا ينطق به، وإذا لم ينطق به فكأنّه من المعاني بمفهوم الخطاب”[xxi]، وكلّما حاولنا فهم هذا الطّرح، وجدناها تؤكّد أنّ المعاني الحاصلة من جهة الحذف تدور في فلك الصّمت، والصّمت مقترن موضوعه بمجال الدّلالة، كما أنّه معبّر عن وضعيّة الكلام من ناحية الإفادة العقليّة، لأنّ المعنى حاصل جهة القصد المراد تحقيقه من وراء تلك الوضعيّة. وفي هذا الموضع أشارت إلى قضيّة الإيجاز والحذف، وعوّلت في ذلك على ابن الأثير الذي أكّد حصول المعنى وتمامه من جهة الإيجاز والاختصار. والمقصود بالإيجاز هنا “هو دلالة اللّفظ على المعنى من غير أن يزيد عليه”[xxii]، وبهذا التّعريف مهّدت لفكرة أنّ تمام المعنى يمكن أن يكون “بلفظ يكفيك بعضه في الدّلالة عليه”[xxiii]. فالجزء القليل من الألفاظ يمكن أن يقود إلى حصول المعنى من جهة الحذف والإيجاز.
وترى الباحثة أنّ تمام المعنى يحصل من جهة مساواة الألفاظ للمعانيوفي ذلك تقول: “فأن تكون الألفاظ على قدر المعنى لا تزيد ولا تنقص، هو مطلب كلّ كلام، وإن شئنا مطلب كلّ كلام بليغ لا تزيد بلاغة صاحبه على تحقيق المطابقة بين اللّفظ والمعنى، أو أن تكون الألفاظ على أقدار المعاني”[xxiv].
على هذا النّحو بيّنت أيضا أنّ تمام المعنى حاصل من جهة الإيجاز والحذف، واستشهدت بابن الأثير الذي أشار بعمق إلى هذه القضيّة معتبرا أنّ العرب كانوا يعتنون في كلامهم اعتناء زائدا بظاهرة الإيجاز، وحذف فواصل كلامهم لما ابتدعوه من الأسماء المستفهم والمشروط بها، حيث أنّهم استغنوا بالحرف الواحد عن الكلام الكثير المتناهي في الطّول، من ذلك قولهم “كم مالك؟” ألا ترى أنّه قد أغناك هذا عن قولك: “أعشرة مالك أم عشرون أم ثلاثون أم مائة أم ألف، فلو ذهبت تستوعب الأعداد لم تبلغ إلى ذلك أبدا، لأنّه غير متناه، فلمّا قلت: “كم” أغنتك هذه اللّفظة الواحدة عن تلك الألفاظ التي لا يحاط بها وكذلك قولك: “أين منزلك”، فإنّ لفظة” أين؟” تغنيك عن ذكر الأماكن كلّها، وكذلك “من عندك؟” فقد أغنتك هذه اللّفظة عن ذكر النّاس كلّهم. وأمّا الشّرط ففي قولهم: “من يقم أقم معه؟” كناية عن ذكر جميع النّاس أيضا، ولو لا ذلك لاحتجت أن تقول: “إن يقم زيد أو عمرو أو جعفر أو نحو ذلك”، ثمّ تقف حسيرا مبهورا، ولم تجد إلى غرضك سبيلا”[xxv]. وبهذا التّمثيل الذي أجراه ابن الأثير تبيّنت الباحثة نور الهدى أنّه كان ينزع إلى فكرة أنّ الكلام البليغ هو الكلام الذي يسلك مسلك القصر والإيجاز، فتحصل بمقتضاه الفائدة ويخرج المعنى تامّا لا منقوصا، لأنّ “العلّة في اختيار تطويل الكلام (…) وهذا شيء مدفوع لا يجوز استعماله البتّة”[xxvi]. ومن جهة أخرى اعتبرت أنّ منجز الكلام يمكن أن “يسلك المذهب القويم، ويجتهد أن لا تزيد ألفاظه على معانيه مع الإيضاح لها والإبانة عنها، فإنّه إذا فعل ذلك خرج من عهدة الملامة، وليس عليه أن يفهم العامّة كلامه، فإنّ نور الشّمس إذا لم يره يكون ذلك نقصا في استنارته، وإنّما النّقص في بصر الأعمى، حيث لا يستطيع النّظر إليه”[xxvii]. بمعنى أنّ الذي لا يفقه جريان الكلام على الحذف والإيجاز كفاقد البصر. لأنّ المعنى حاصل من جهة التّعقّل، فضلا عن كونها تحضر كآثار تدلّ على آثار أخرى تركها وأودعها المتكلّم دلالة عقليّة في خطابه.
3- تمام المعنى حاصل من جهة حذف الابتداء:
من المعلوم أنّ الألفاظ محكومة بالتّحوّل، كتحوّلها من حالة إعرابيّة إلى أخرى، كتقدّمها على غيرها وتحلّ مكانها. فكذلك الحذف إذ يجسّم هو الآخر مظهرا من التّحول يتمثّل في إسقاط مكوّن في الجملة وفق شروط بعينها، وذلك على سبيل الاتّساع في الكلام على حدّ تعبير سيبويه[xxviii]. ففي الحذف انفلات من تضييق المعايير وضغط القاعدة، لأنّ” السّعة نقيض الضّيق” وفق ما يذهب ابن منظور[xxix]. حيث يمكن للمتكلّم أن يفارق أصل الكلام على سبيل التّجوّز والاتّساع[xxx]. وقد بيّن سيبويه من خلال “باب استعمال الفعل في اللّفظ لا في المعنى سبب اتّساعهم في الكلام والإيجاز”[xxxi].
ومن هذه المنطلقات بيّنت الباحثة نور الهدى باديس أنّ هذا الصّنف من الكلام، منه ما يكون سبيلا إلى الكشف عن الحذف في الجملة وفق اتّجاهين متقاطعين: اتّجاه الاختصار لفظا واتّجاه التّوسّع معنًى. وأشارت إلى تحوّل اللّفظ من الذّكر إلى الحذف انطلاقا من بنية تركيبيّة قد تكون مجسّدة للأصل، ومن خلالها لا يمكن تبيّن اللّفظ المختصر إلّا من خلال المختصر منه، حتّى يتاح تقدير العنصر المحذوف تقديرا دقيقا، وبذلك تحصل إعادة البناء للمعنى حتّى وإن طُوي ذكر اللّفظ على صعيد الإنجاز[xxxii].
حتى أنّ المتأمل في المدوّنة التّراثيّة يفهم عمق هذه المسألة، حتى أنّ فخر الدّين الرّازي مثلا اعتبر أنّ المعنى قد يحصل تامًا من جهة الحذف للمبتدإ مثلا، وفي هذا السّياق وجدناه يذكر في “نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز”، بعض الأحكام الخاصّة بحذف المبتدأ، وقد عوّل في ذلك على أبيات كثيرة، وحكم في الأثناء بحسن الحذف، ولكنّه لم يقدّم تبريرات من شأنها أن توضّح علل ذلك. فقد ذهب مباشرة إلى الإقرار بتمام المعنى وحسنه تجاه عمليّة حذف المبتدأ، معتبرا أنّ “السّبب يتمثّل في أنّه قد بلغ في استحقاق الوصف بما جعل وصفا له إلى حيث يعلم بالضّرورة أنّ ذلك الوصف ليس إلّا له، سواء كان في نفسه كذلك أو بحسب دعوى الشّاعر عن طريق المبالغة”[xxxiii].
كما استطاع فخر الدّين الرّازي أن يعطي بهذا الوصف مشروعيّة النّائب عن المبتدأ، في الإبانة عن المعنى علما بالضّرورة أنّ “ذلك الوصف ليس إلّا له” (المبتدأ) سواء في ذاته أو من منطلق المبالغة. وإذا ما حضر هذا الأخير فقد يحصل فساد في المعنى وتنتفي بذلك المبالغة. وكأنّنا بالرّازي يعطي مشروعيّة لقيام المعنى وحصوله على وجه المجاز والمبالغة لا على حقيقة الشّيء وحضوره. يقول في هذا الغرض: “وإذا كان كذلك كان ذكره يبطل المبالغة”[xxxiv]. فهو يستحسن الحالات التي تقتضي حذف المبتدأ، أمّا في الحالات التي قد يحصل فيها حذف المبتدأ، فإنّه يحسن اكتمال المعنى وتمامه. ففي الحالات التي تفرض حذف المبتدأ قد تكون مستحسنة” لأنّه “ما من اسم حذف في الحال التي ينبغي أن يحذف، إلّا وحذفه أحسن من ذكره”، فحصول المعنى وتمامه لا يمكن أن يعطّل حركيّته، وهو أمر أثبته أيضا الجرجاني[xxxv].
ومن جهة أخرى بيّنت الباحثة أنّ فخر الدّين الرّازي قد طرح موضوع المعنى من خلال الإشارة إلى تشكّل الدّلالة في إطار التّأكيد على معنى الحذف لكلّ من المبتدأ والخبر، نظرا لما يطرحانه من إشكالات عميقة تجعل المعنى في حالة إرجاء. وقد نفذ إلى هذا المشكل انطلاقا من تناوله لنماذج من الآيات القرآنيّة، ففي باب حذف الخبر وجدناه يذكر قوله تعالى: “طاعة وقول معروف” (محمد47/21)، أي طاعة وقول معروف أمثل، فصيغة ” أمثل” تعدّ خبرا محذوفا إذا ما حملنا القول” طاعة وقول معروف على معنى الابتداء[xxxvi].
كما بيّنت الباحثة أنّ تمام المعنى قد يحصل من جهة حذف المضاف، والمضاف إليه، وقد يحصل من جهة حذف اسم الفاعل واسم المفعول، وكذلك من جهة حذف الفعل والحال[xxxvii]، فتأويل العنصر المحذوف من المقال موقوف على استحضار ملابسات المقام، وقد يكون سبيلا قويما إلى تحديد المحذوف من الأقوال وذلك بتخيّر المعادل اللّفظيّ لمقام كلّ جملة طرأ عليها حذف في أحد عناصرها وهو أمر أقرّه سيبويه في الكتاب من خلال بقوله: “واستغناء (…) بما جرى من الذّكر”[xxxviii]. وهو ما يؤكّد أنّ الظّاهر من الكلام دالّ على المضمر، وسواء امتنع ظهور اللّفظ في الاستعمال أم جاز، “فإنّ المعوّل في الحالين هو البنية التّامّة التي يرجع فيها المحذوف إلى سلسلة الكلام”[xxxix].
تجاه هذه الوضعيّات المتعلّقة بفعل الحذف الحاصل في أجزاء الكلام، تغدو الألفاظ المذكورة آثار تقصّ للوصول إلى ما هو محذوف في إطار عملية تناوب وظيفيّ بين شيء مضمر وشيء آخر نائبا عنه. وهو أمر أثبته سيبويه في إطار حديثه عن الفعل المضمر والمفعول الأوّل الذي “صار بدلا من اللّفظ بالفعل”[xl].
بناء على ما تقدّم بيّنت الباحثة نور الهدى مزيّة الحذف في الاختصار، وأشارت إلى أنّ اللّفظ حين يكون قليلا، فإنّ المعنى يمكن أن يكون كثيرا، فما لم ينجم عن شغور محلاّت التّركيب أي خلل في المعنى، فيمكنه أن يحصل تامّا. وبيّنت في الأثناء أنّ هذا اللّون من الحذف، يفتح “نفس السّامع والمتلقي على مذاهب التّأويل الممكنة”[xli]، لأنّ المعاني قد لا تفهم من ظواهر ألفاظها وإن غدت على مستوى ظاهر اللّفظ مستحيلة عقلا ومنطقا “فلا مندوحة إذن من العودة إلى أصل الكلام لاكتشاف المحذوف لفظا ليتاح الوقوف على المقدّر معنى”[xlii].
4-المعاني المجازيّة بين التّمام والنّقصان:
تذهب الباحثة نور الهدى باديس إلى التنويه بأسرار المعاني المجازيّة، معتبرة إياها أنّها تسلك في اللّغة مسالك صعبة وعسيرة تحتاج إلى “جهد في التّنقيب للوقوف على أسرار الجمال وخفايا الحسّ”[xliii]. فضلا عن كونها (المعاني المجازيّة)، “تغادر المظهر والمعرض وما انتقش على السّطح وما تدركه العين إلى ما هو مغمور مضمر سبيل الفوز به الغوص عليه وإدراكه بالفكر والرّويّة”[xliv]، فكلّما توغّلت أكثر في أعماق هذه المعاني وقفت على أسرار خلودها، ووجدتها تعبّر عن بلاغة المضمر المنفلت، التي تعرف “ببلاغة المتخفّي، بلاغة الموحى به” بلاغة ما لا يسلّمك نفسه من أوّل قراءة ولا تستطيع ترويضها والفوز بها إلاّ بترويض النّفس على اللّطائف وسياستها على الغوص على المكنون المدفون في أهداف اللّغة ومحاورها”[xlv]. فمسالك المعاني المجازيّة مسالك وعرة لأنّنا “لسنا في ذكر تقويم اللّسان والتحرّز من اللّحن وزيغ الإعراب فنعتدّ بمثل الصّواب. وإنّما نحن في أمور تدرك بالفكر اللّطيفة ودقائق يرجع إليها بثاقب الفهم، فليس درك صواب دركا في ما نحن فيه حتّى يشرف موضعه ويصعب الوصول إليه وكذلك لا يكون ترك خطإ تركا حتى يحتاج في التّحفّظ منه إلى لطف وفضل رويّة وقوّة ذهن وشدّة تيقّظ. وهذا باب ينبغي أن تراعيه وأن تعتني به حتّى إذا وازنت بين كلام وكلام دريت كيف تصنع فضممت إلى كلّ شكل وقابلته بما هو نظير له وميّزت ما الصّنعة منه في لفظه ممّا هي منه في نظمه”[xlvi].
على أنقاض هذا التّصوّر العميق الذي أقامه الجرجاني، تحضر المعاني المجازيّة خفيّة مضمرة مبنيّة على معنى التّجوّز وحشيّة “لا تسلّم نفسها من أوّل مرّة”[xlvii]، تأخذ مسالك متفرّعة منها ما يكون بالزّيادة ومنها ما يكون بالنّقصان، فالمعاني المجازيّة قد تكون مدركة من جهة المقاصد الممكنة للمتكلّم، وإن عدّت في الجوهر حالات من العدول عن أصل اللّفظ وأثرا لم يعد أسيرا للأصل، بل سيظلّ مرتبطا بقصد محكوم بفكرة التّجوّز[xlviii].
أ-المجاز الذي يكون بالنّقصان:
ترى الباحثة نور الهدى باديس، أنّ للمجاز دورا في تأكيد المعاني البلاغيّة، فكثيرا ما تتوسّع في تحديد الطّريق، وتسلك مسالك التّعقّل، ولأجل ذلك فقد يأتي المعنى المجازيّ ناقصا، فـــ”الكلمة مثلما توصف بالمجاز لنقلها عن معناها، فقد توصف به لنقلها عن حكم كان لها إلى كمّ ليس حقيقة فيه، مثاله: إنّ المضاف إليه يكتسي إعراب المضاف في نحو قوله تعالى: “واسأل القرية” (يوسف/12/82) وقوله تعالى: “واختار موسى قومه سبعين رجلا” (الأعراف/7/155). فإنّ الأصل واسأل أهل القرية، وكذلك “واختار من قومه، فالحكم يجب للقرية في الأصل هو الجرّ والنّصب فيها مجاز”[xlix]. ومن جهة أخرى قد يكون الرّفض قاطعا بأن يكون وجه المجاز مجرّد حذف، لأنّ الحذف إذا تجرّد عن تغيّر حكم من أحكام ما بقي بعد الحذف، لم يسمّ مجازا”[l]، فالحذف بما هو “تقليل ونقص واختزال”، فإنّه من جهة أخرى” تقليل اللّفظ وتكثير المعنى”[li]. في هذا الإطار أشارت نور الهدى إلى أنّ البلغاء أطنبوا في هذا الجانب، و”ذكروا الإمكانات المختلفة التي يظهر بها في الكلام، فتحدّثوا عن الحذف الذي يصيب جزءا من الجملة والحذف الذي يصيب الجملة وحذف ما هو أكثر من الجملة”[lii]، وبهذا الرّأي تبدو متّفقة تماما مع ما أقرّه فخر الدّين الرّازي الذي وجدناه يقول: “ألا ترى أنّهم يقولون: زيد منطلق وعمرو، فيحذف الخبر ثمّ لا يوصف جملة الكلام من أجل ذلك بأنّه مجاز، لأنّه لم يودِ إلى تغيير حكم فيما بقي من الكلام. وأيضا فالمجاز إذا كان معناه أن يجوز الشّيء موضعه وأصله، فالحذف بمجرّده لا يستحق الوصف بذلك، لأنّ ترك الكلمة وإسقاطها من الكلام لا يكون نقلا لها عن أصلها، لأنّ النقل إنّما يُتصوّر فيما يدخل تحت النّطق”[liii]. لذلك ترى الباحثة أنّ للمتلقي دورا بالغا في تحديد المعاني “لما يقوم به من جهد لتقدير المحذوف وإرجاع القول المعدول على النّمط النّظريّ في التّركيب إلى أصله”[liv]. لأنّه “إذا امتنع وصف المحذوف بالمجاز بقي القول فيما لم، وما لم يحذف ودخل تحت الذّكر لا يكون زائلا عن موضعه حتّى يتغيّر حكم من أحكامه”[lv]. وقد فسّر هذا الأمر معتبرا أنّ العرب “إذا علّقوا الكلمة بما يستحيل عقلا تعلّقها به، عُلم أنّها في أصل اللّغة غير موضوعة لها فيعلم كونها مجازا فيها”[lvi].
إذا ما حاولنا أن نفهم هذا التّداخل فهو إن دلّ، فإنّه يدلّ على أنّ اللّغة محمولة في الجوهر على ضرورة التّعدّد والتّوسّع حتّى تخلق لذاتها إمكانات تجعلها حيّة. فالمجاز الحاصل من جهة النّقصان يؤكّد متانة العلاقة بين المجاز والحذف وهو أمر كان قد أثره أحمد الودرني وفصل القول فيه[lvii].
ب-المجاز الذي يكون بالزّيادة:
إنّ المتعمّق في قضيّة المجاز الذي يكون بالزّيادة يجد أنّها تأخذ حضورا بالغا عند فخر الدّين الرّازي، وقد نوّه إلى ذلك في قوله: “واعلم أنّ الزّيادة كالحذف فيما ذكرناه، فلا يجوز أن يقال: زيادة “ما” في نحو “فيما رحمة من الله” (آل عمران/3/159)، تُصيّر الكلام مجازا. لأنّ حقيقة الزّيادة في الكلمة أن يكون سقوطها وثبوتها سواء، ومحال أن يكون ذلك مجازا، لأنّ المجاز أن يراد بالكلمة غير ما وضعت له في الأصل. كإيهامك بظاهر النّصب في القرية أنّ السّؤال عنها واقع عليها والزّائد الذي سقوطه كثبوته لا يُتصوّر فيه ذلك”[lviii].
فإذا ما حاولنا أن نفهم عمق هذا التّصوّر من جهة نظر الباحثة نور الهدى، فإنّنا نجدها تصرّح بأنّ المعاني المجازيّة ذات مسالك وعرة، مشيرة في الأثناء إلى أنّ الحذف الحاصل من جهة هذه المعاني أو بالزّيادة عنها لا يعني ضرورة أنّ ذلك مجاله المجاز، لأنّ الحذف كالزّيادة أو العكس، معتبرة أنّ “اللّغة في هذا المستوى قادرة على الإحاطة بموضوعها على التّمام والكمال ولكنّ أسباب بعضها من المتكلّم وأغلبها من الاستعمال تمنع من إيراد الصّورة التي تحترم البنية النّظريّة وهي صورة قد ينجرّ عنها في الحديث كثير من الثّقل والخروج عن صالح الاستعمال”[lix]. غير أنّ فخر الدّين الرّازي الذي يرى بأنّ المجاز قد يحصل بالزّيادة وعدّ ذلك دليلا على جريان المعنى المجازي على صور شتى، فقد فسّر ذلك بقوله: “إذا حدث بسبب ذلك الزّائد حكم تزول لأجله الكلمة عن أصلها، جاز حينئذ أن يوصف ذلك الحكم أو ما وقع فيه بأنّه مجاز، كقولك في قوله تعالى: “ليس كمثله شيء” (الشّورى/42/11). إنّ الجرّ في المثال مجاز، لأنّ أصله النّصب، والجرّ حكمه عرض من أجل زيادة الكاف ولو كانوا إذا جعلوا الكاف مزيدة لم يعملوها لمّا كان الحديث المجاز سبيلا”[lx]. وبيّنت الباحثة أنّه في إطار التنويه بفكرة قيام المجاز بالزّيادة، قد استحضر قوله تعالى: “فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا” (البقرة/2/137)، وأشار في الأثناء إلى أنّ المفسّرين اتّفقوا على أنّ “ما” هنا حرف مصدريّ ومعناه: فإن آمنوا بإيمان مثل إيمانكم وهذا لا وجه له، لأنّ “ما” لو كان حرفا مصدريّا لم يعد من الصّلة إليه ضمير وهو الهاء في “به” والصّواب أن يقال: “ما” اسم موصول بمعنى” الذي” وآمنتم به” صلة له و”مثل” مزيدة، فتقديره “فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، أي بالله وبملائكته وكتبه ورسله وجميع ما يجب الإيمان به، فزيد مثل، كما زيد في قوله تعالى: “ليس كمثله شيء” وذكر بعضهم أنّ “مثل” ليس بمزيد، ولكنّه صفة لمحذوف، تقديره: “فإن آمنوا بشيء مثل الذي آمنتم به فقد اهتدوا” وهذا على سبيل التّهكم، لأنّ ما آمنوا به ليس له مثل حتى يؤمنوا به”[lxi].
لقد دافع الرّازي بهذا التحليل العميق عن فكرة تحقّق المعاني المجازيّة من جهة الزّيادة. ورأت الباحثة أنّ أساس هذا التّحقّق حاصل من جهة التّأويل، فقد يتنزّل كمدخل أساسي يمكن أن يكشف عن “قدرة اللّغة على إنتاج المعنى وتكثيره”[lxii]. وكأنّها بهذا الرّأي ترى أنّه لا مجال لتحصيل المعاني المجازيّة من جهة الزّيادة اعتباطيا أو أنّ تكون الزّيادة مجرّد زيادة للزّيادة وإنّما هي مبنيّة على معنى المجاز لأنّ الفهم اقتضى ذلك. وعليه أكّدت الباحثة أهمّية “دور السّامع أو المتلقّي في هذا المضمار أساسيّ (…) لأنّه هو الذي سيسبر ما في الكلام من عمق ويستخرج ما في غضونه من معان متراكبة”[lxiii].
5-في الرّدّ على الزّيادة والنّقصان في المعنى من جهة التّشبيه:
لقد أشارت الباحثة إلى أنّ فخر الدّين الرّازي كان يدعو إلى ضرورة “أن لا يتعدّى في التّشبيه عن الجهة المقصودة، وإلّا وقع الخطأ مثل ما يقال: “النّحو في الكلام، كالملح في الطّعام، والمعنى أنّ الكلام لا ينتفع به إلّا بمراعاة أحوال النّحو، كما لا ينتفع بالطّعام إذا لم يصلح بالملح، والذي ظنّه بعضهم: إنّ وجه التّشبيه، إنّ القليل من النّحو مغن والكثير مفسد، كما أنّ الكثير من الملح مفسد “فهو باطل”[lxiv]. فالزّيادة والنّقصان في جريان أحكام النّحو في الكلام محال، فالقول “كان زيد راهبا” لا بدّ فيه من رفع الاسم ونصب الخبر، وهذا إن وُجد فقط حصل النّحو، وتُمتنع الزّيادة عليه، وإن لم يحصل كان الكلام فاسدا لا يفيد للسّامع فائدة، وإذا امتنع الزّيادة والنّقصان في النّحو، ثبت أنّ تشبيه النّحو بالملح ليس كما اعتقدوه، فثبت بهذا، أنّ التّشبيه قد يكون من جهة فيظنّ أنّه في جهة أخرى وحينئذ يقع الغلط”[lxv].
وإذا ما حاولنا أن ننزّل رأي الباحثة نور الهدى من هذا التّصوّر العميق الذي أجراه الرّازي، فإنّنا نجدها تجاري هذا الرّأي معتبرة أنّ التشابيه متى استقرّت وجدت التّباعد بين الشّيئين وهو تباعد حاصل بالنّقصان أو بالزّيادة من جهة المعنى والدّلالة لا النّحو. لأنّ خصوصيّة التّركيب تعني الرّبط بين كيفيّاته وصور وظيفته التّخاطبيّة في مكان ما. والواضح أنّ فكرة الرّد على الزّيادة والنّقصان في المعنى من جهة التّشبيه، يمكن أن نقارنها بفكرة الجمع بين علاقة التّركيب والقصد، وهي بمثابة علاقة بين ملزوم ولازم. كما يمكن أن نفهم علاقة النّحو بالمعاني من جهة التّشبيه بما يعرف عند السّكّاكي بمقتضى الحال ومقام التّلفّظ، وأمّا بخصوص الأغراض العائدة إلى المشبّه به، فالشّاعر يمكن أن يقصد على غير عادة التّخيّل “أن يوهم في الشّيء القاصر عن نظيره أنّه زائد عليه، وحينئذ يجعل الفرع أصلا ويشبه الرّائد بذلك النّاقص ويكون الغرض بالحقيقة إعلاء شأن النّاقص، أي هو بالغ إلى حيث صار أصلا للشّيء الكامل. وفي هذا الباب يتنزّل قول الشّاعر: [الكامل]
وَبَدَا الصَّبَاحُ كَأَنَّ غُرَّتَهُ *** وَجْهُ الخَلِيفَةِ حِينَ يُمْتَدَحُ.
فالنّاظر في هذا البيت يلاحظ أنّ الشّاعر عمد إلى جعل وجه الخليفة كأنّه أرهف وأشهر وأتمّ وأكمل وأتمّ في النّور والضّياء من الصّباح، حتّى استقام له بحكم هذه النّيّة، وبذلك جعل الصّباح فرعا ووجه الخليفة أصلا[lxvi]. وإذا ما تأمّلنا هذا الضّرب من جهة نظر الباحثة، فإنّنا نجدها ترى أنّ المعاني يأخذ حضورها مراتب متعدّدة ومتنوّعة، وأنّ حصولها يأتي من جهة الزّيادة وأيضا من جهة النّقصان. حتّى أننا إذا ما حاولنا أن نفهم هذا الطّرح العميق نتبيّن أنّ المعاني في شعابها الوعرة تعبّر بشكل كليّ عن تلك التّقاطعات الحاصلة بين علمي البيان والمعاني، لأنّهما في حالة التّضافر يفسّران عمق الأسرار المتعلّقة بالحدث اللّغويّ إنشاءً وتقبُّلًا[lxvii].
6-الاتّساع واللّزوم وجهان حاصلان من جهة المعاني لا الألفاظ:
لمّا كان الاستدلال على تمام المعنى طلبا للدّليل، عوّلت الباحثة نور الهدى ضمن مشاريعها البحثيّة على استقصاء آثار المعنى من منطلق اللّزوم والتّعدية شأنها في ذلك شأن الجرجاني الذي ينطلق من مبدإ بسيط مفاده “أنّ الألفاظ لا تتزايد وإذن يجب أن يكون التّزايد في المعاني”[lxviii]. فالألفاظ لا تتزايد لأنّها وضعيّة، سواء حُملت على معنى الوحدة المعجميّة أو على معنى التّركيب. وأمّا كون المعاني وهي في حالة التّزايد فهي ليست معاني النّحو باعتبارها ثابتة ثبات الأبنية. غير أنّ التّزايد متأتّ وحاصل من جهة النّظم أي توخّي معاني النّحو في معاني الكلم. ذلك أنّ “اللّطائف المعنويّة التي أوجبت الوجوه والفروق بين التّراكيب من تعريف وتنكير وتوكيد وتأسيس وتقديم وتأخير وحذف وذكر وفصل ووصل، تتزايد ولا يدلّ عليها اللّفظ دلالة وضعيّة بل يستلزم منها غرض المتكلّم من استعمالها وموجب الإتيان بهذا المعنى النّحوي دون غيره”[lxix]
ومقاصد المتكلم من كلامه، فـــ” الخبر وجميع الكلام معان ينشئها الإنسان في نفسه (…) وتوصف بأنّها أغراض”[lxx]. وهي أمور يؤسّسها العقل وينيرها الفكر، “وإذا كان أساسها الفكر كانت لها شروط ومقادير لا بدّ من اتّباعها والوقوف عليها لتخرج على الوجه الذي يلاقي الاستحسان والإعجاب”[lxxi]. والنّظم كما قالت الباحثة على لسان الجرجاني: “صناعة يستعان عليها بالفكرة”[lxxii]. فالنّفي والإثبات وجميع الأعمال اللّغويّة للمتكلّم أحكامه الخاصّة للاستدلال عليها لأنّ الألفاظ لا تدلّ عليها[lxxiii]. خلافا لمقاصد المتكلّم فهي تتراوح بين معان يستدلّ عليها تركيب اللّفظ وإن لم يسمها اللّفظ وبين ضرب آخر يعرف بالتّعريض، “وهو أن لا يريد المتكلّم من القول منطوقه بل يريد التّعريض بما يقتضيه ذلك القول لقصد تخاطبيّ محدّد”[lxxiv].
فالمرجّح أنّ هذه المعاني الاستلزاميّة إذا ما أوّلناها من جهة التّعديّة فهي تتحقّق كمعان خارقة لإمكانات الألفاظ وحاصلة خارج دوائرها، بمعنى أنّها تحضر بوصفها وحدات دلاليّة توصف في كلّياتها بكونها زيادات حاصلة على الألفاظ يستدلّ عليها بالعقل. وعلى هذا الأساس فهي تحضر بمعنى الشّيء الزّائد عن الألفاظ. أي أنّ حضورها يمكن أن يفهم تصّورنا الشّامل للعقل في صلته بمعاني النّحو. وهو تصوّر وصفه شكري المبخوت بكونه: “دقيقا طريفا ومفاده أنّ العلاقات التي يعقدها العقل بين الأشياء هي علاقات نحويّة وأنّ معنى هذه العلاقات هو معنى نحويّ”[lxxv]. وإذا ما تتبّعنا هذه الفكرة، وجدناها تحضر بعمق عند الجرجاني الذي قال بخصوصها: “معلوم أنّ الفكر من الإنسان يكون في أن يخبر عن شيء بشيء، أو يصف شيئا بشيء، أو يضيف شيئا بشيء، أو يضيف شيئا إلى شيء، أو يشرك شيئا في حكم شيء، أو يخرج شيئا من حكم قد سبق منه لشيء أو يجعل وجوده شيء شرطا في وجود شيء وعلى هذا السّبيل. وهذا كلّه فكّر في أمور معقولة زائدة على اللّفظ”[lxxvi].
تبعا لهذا الاعتبار فإنّ الزّيادة الحاصلة في المعنى تأتي من جهة النّظم بما يعنيه من منتوج لمعاني النّحو في معاني الكلم. وعليه فإنّ معنى الزّيادة إذن لا هو حاصل من جهة التّعامل مع معاني الوحدات المعجميّة، بل شيئا آخر زائدا” على معنى الوظيفة ومعنى الطّرفين المتضايفين، فلا معنى لعلاقة الثّابت وحده دالّ ولا معاني المتغيرين وحدها دالة”[lxxvii].
من هذا المنطلق يغدو محصول الزّيادة في المعنى متحقّقا من جهة الزّيادة على اللّفظين الدّالين باعتبار قيام رابطة بينهما. وقد يتحقّق معنى زائدا فيغدو ذا حضور مختلف عن معنى الزّيادة نفسها. وهذا قد يفتح إشكالا عميقا برأينا، لأنّ “مثل هذه المتلازمات الدّقيقة تعود إلى طريقة اشتغال اللغة نفسها، فهي لا تسم جميع المعاني بل تجعل بعضها دليلا على بعض، من ذلك أنّ علاقة الإضافة لا توسم باللّفظ شأنها شأن علاقات أخرى كالإخبار والوصف”[lxxviii] والحجاج، أو المعنى والدّلالة والتّداول[lxxix]، في قضايا رقيقة المسلك صعبة المأخذ.
6-تنزّل المعنى النّاقص منزلة المعنى الكامل:
لمّا كانت المعانى البلاغيّة المقصودة حاصلة من جهة “الاستدلال بالآثار والقرائن والعلامات المركوزة في القول على المقاصد والأغراض التي أرادها المتكلم، كان المعنى البلاغيّ معنى استدلاليّا يستند إلى العلاقة اللّزوميّة بين (م) و(خ) على ما هو مذكور”[lxxx]. وهو أمر ينطبق بشدّة على المعاني الحاصلة من جهة الاستعارة أو التّشبيه، فهي وإن أخذ حضورها مراتب متعدّدة، فقد يفهم ذلك من جهة وجود شيء أصليّ وشيء آخر خارج عنه، فالثّاني ناشئ عن أوّل وحضوره يتحقّق بمرتبة النّاقص، فهو يحضر غائبا متواريا، ولكنّه سرعان ما ينقلب عن الغياب ويأخذ منزلة المعنى الكامل، فحضوره من شأنه أن يغذّي روح الأصل ويدخل معه في علاقة تزامن وتطابق، وهو أمر أشار إليه السّكّاكي في حديثه عن المعنى المبتكر، وقد عدّه عمليّة ناتجة عن انتقال الذّهن من “من المفهوم الأصليّ إلى الآخر بواسطة ذلك التّعلّق بينهما”[lxxxi]. والحقيقة أنّ هذا الأمر قد رسّخه الرّازي في علم البلاغة في الإيجاز في دراية الإعجاز” شأنه في ذلك شأن السكاكي. وبمقتضى ذلك تدعم القول بقضيّة الالتزاميّة شأنها شأن دلالة التّضمّن العقليّة، حيث صار المعنى “مطابقا للتّصوّر الموجود في العقل المفكّر”[lxxxii]. وإذا ما حاولنا فهم هذه المسألة من جهة الباحثة نور الهدى، فإننا نجدها في حديثها عن تنزّل المعنى النّاقص منزلة المعنى الكامل تنوّه إلى ذلك استنادا إلى الاستعارة[lxxxiii]، وأكّدت إمكانيّة استعارة شيء معقول لشيء معقول، وهو أمر “يكون في أمرين يشتركان في وصف عدميّ أو ثبوتيّ، وأحدهما بذلك الوصف الأول وفيه أكمل، فينزل النّاقص منزلة الكامل، ثمّ إنّ المشتركين إمّا أن يكونا متعاندين، أو يكونا كذلك. فإنّ تعاندا فإمّا أن يكون التّعاند بالثّبوت والانتقاء أو بالتّضاد. مثال الأوّل استعارة اسم المعدوم للموجود، أو الموجود للمعدوم، وأمّا الأوّل فعندما لا يحصل من ذلك الموجود فائدة مطلوبة، فيكون ذلك الموجود اسم المعدوم. وأمّا الثّاني: فعندما تكون الآثار المطلوبة من الشّيء باقية بعد عدم الشّيء فيكون ذلك المعدوم مشاركا للموجود بتلك الفوائد: لكن الموجود أولى بذلك منه، فيستعار ذلك المعدوم اسم الموجود”[lxxxiv]. وإذا ما حاولنا أن نفهم هذه القضيّة من جهة التّعاند والتنازع[lxxxv]، فإنّنا نجدهما يحضران من جهة فكرة حضور المعنى النّاقص بمرتبة المعنى الكامل، وهي فكرة ذات منشأ نحويّ، فقد شكلّت ميزة وخاصيّة في “نظم الكلم وضمّ بعضها إلى بعض على طريق مخصوصة أو على وجوه تظهر بها الفائدة وما أشبه ذلك من القول المجمل كافيا في معرفتها ومغنيا في العلم بها لكفى مثله في معرفة الصناعات كلّها”[lxxxvi].
من الواضح أنّ فخر الدّين الرّازي قد فصّل هذه المسألة في قوله: “وأمّا إذا كان التّعاند بالتّضاد حقيقة كان أو ظاهرا، فمثاله تشبيه الجاهل بالميّت، لأنّ المقصود من الحياة للإدراك والعقل، فإذا عُدما فقد عُدمت للآثار المطلوبة من الحياة، فتصير تلك الحياة مساوية للموت في عدم الفائدة المطلوبة، والموت أولى بذلك من الحياة، فينزل للحياة منزلة، ثمّ الضّدّان إن كانا قابلين للأزيد والأنقص، استعير للأنقص في أحد الطّرفين اسم الأزيد في الطّرف الآخر، بشرط تساوي التّشبيه”[lxxxvii]. فكلّ من “كان أقلّ علما وأضعف قوّة، كان لأنّ يستعار له اسم الميّت أولى، ولمّا كان الإدراك أقدم من الفعل في كونه خاصّة للحيوان، لا جرم كان الأقلّ علما أولى باسم الميّت أو الجماد من الأقلّ قوّة. كما أنّ الأمر في جانب النّقصان كذلك كان الأكثر علما أولى باسم الحياة، بل الأشرف علما أولى بذلك. وعليه قوله تعالى: “أومن كان ميّتا فأحييناه” (الأنعام/6/122). هذا إذا كانا متقابلين”[lxxxviii]. وأمّا “إذا لم يكونا كذلك: فهو أن يكونا موجودين يشتركان في وصف معقول إلّا أنّ ذلك الوصف بأحدهما أولى: فينزل النّاقص منزلة الكامل، مثل قولهم: “فلان لقي الموت” إذا كان قد لقي شيئا من الشّدائد، لأنّها مشاركة للموت في المكروهيّة لكنّ الموت أولى بها، فتنزل تلك الشّدائد منزلة لاشتراكهما في المكروهيّة”[lxxxix].
إذا ما حاولنا أن نفهم عمق هذا التّصوّر الذي يجعل المعنى النّاقص ينزل منزلة المعنى الكامل، فإنّنا نرى أنّ جوهر هذه الفكرة قائم في عمقه على منطلقات كان قد أسّس إليها علماء البلاغة وجارتهم في ذلك نور الهدى، وهذه الفكرة مفادها أنّ علم البيان يعنى “معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة بالزّيادة في وضوح الدّلالة عليه وبالنّقصان ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه”[xc]، ومن جهة أخرى فالبيان “شعبة من علم المعاني لا تنفصل عنه إلّا بزيادة اعتبار “لذلك” جرى منه مجرى المركّب من المفرد”[xci]. كما أنّ “الانتقال من معنى إلى معنى بسبب علاقة بينهما كلزوم أحدهما الآخر بوجه من الوجوه”[xcii].
على هذا النحو استطاعت الباحثة نور الهدى أن تعمّق تصوّرا لشعاب المعنى من جهة البيان وعلم المعاني، كما أنّها في طرحها لتنزّل موضوع المعنى الناقص بمنزلة المعنى التّام تؤكد فلسفة أعمق وهي أنّ كلاّ من علم (البيان/ المعاني) يحضر في خانة واحدة “فعلمي المعاني والبيان يشتركان في أنّهما يعالجان الدّلالات الاستدلاليّة غير الوضعيّة. ولكن هذه الدّلالة الاستدلاليّة تقوم في علم المعاني على البحث في دلالة الكلام من حيث خصائصه التّركيبيّة في علاقتها بالخصائص التّخاطبيّة المقاميّة، في حين أنّ الدّلالة الاستدلاليّة في علم البيان تقوم على البحث في تعامل منطوق القول وضمنياته التي يقصد إليها المتكلّم في مقام من المقامات. لذلك كانت العلاقة بينهما علاقة تكامل لا تناف ولا تخالف”[xciii].
وإذا ما حاولنا أن نفهم تفكّك النّسق العامّ الذي تحضر بمقتضاه هذه المسائل عند نور الهدى، فإننا نرى قضيّة النّاقص والتّام راجعة بالأساس إلى أمرين: أوّلا فهي تحضر من جهة الانسجام بين علمي البيان والمعاني، وثانيا من جهة اللّفظ والمعنى. فهل المعنى يأتي خالصا متحرّرا من الألفاظ، وهل الألفاظ منشئة للمعنى لوحدها؟ أم متكاملان؟
لئن أكّدت نور الهدى في بحوثها اهتمامها بمسألة البيان وصلته بالمعنى، فإنّها قد أثارت أيضا تصوّر العرب لقضيّة اللّفظ بالمعنى[xciv]، إلى جانب صلته بالمجاز، وقد بادرت إلى توضيح أسبقيّة المعاني على المجاز ورصدت تجلّياته لدى الجاحظ، والرّازي وحازم القرطاجنّي، ثمّ الغزالي[xcv]، منوّهة بالنّزعة العقليّة الجامعة بين هؤلاء، وفي إطار آخر نوّهت بقضيّة اللّفظ “باعتباره الرّمز المؤدّي إلى المعنى”[xcvi]، ثم عادت إلى المعنى من حيث الماهية وأكّدت صلته بالقصد[xcvii] وصولا إلى إثارة العلاقة بين البيان والسّحر ومعنى المعنى وشروط الإبانة عن كلّ مجاز[xcviii].
ففي تناولها لهذه القضايا بالتّحليل والتّفكيك كانت مشدودة إلى الفكر الجاحظيّ الذي لا يمكن فهم فكره بمنأى عن تصوّر أهل الاعتزال للعلاقة بين الاسم والمسمّى وهو تصوّر قائم على القول بالاختلاف بينهما بخلاف تصوّر الأشاعرة القائم على القول بالتّطابق[xcix]، كما يمكن فهمها انطلاقا من نظرية القول والتناسل وفق أكد ذلك عبد السلام المسدي[c]
إنّ قضيّة المعنى بين التّمام والنّقصان مرتدّة في الأصل إلى تصوّر العرب للعلاقة بين اللّفظ والمعنى وهي من أكثر القضايا النّقديّة حساسيّة لأنّها مرتبطة بصراع المذاهب وبالصّراع العقائدي بما هو رمزيّ والدّيني بما هو معرفيّ[ci]، فلولا هذه القضايا لما كان للأفكار أن تحلّق.
الخاتمة:
في ضوء اهتمامنا بالمشروع البلاغيّ لنور الهدى باديس، كنّا قد بيّنا عنايتها بموضوع المعنى، حتّى أنّها تقريبا في كلّ بحوثها عملت على إثارة جوانب بالغة الدّقّة والاهتمام، حيث فكّكت تصوّر العرب لعلاقة اللّفظ بالمعنى، ونوّهت إلى موضوع البيان المجازيّ وعلاقته بالسّحر، كما تحدّثت عن المعنى من جهة الحذف والإيجاز، وقد حدّدنا موقفها من قضيّة معنى المعنى، وبيّنا أنّها كانت مشدودة بالأساس إلى موضوع المعنى اللّغويّ بين التّمام والنّقصان، ثمّ وضّحنا منهجها للإبانة عن المعاني، كما فكّكنا بعض المواقف القائلة بتمام المعنى من جهة الإيجاز والحذف، وفصّلنا رأيها في مواضع الحذف في اللّغة. وبيّنا رأيها في موضوع المعاني المجازيّة من جهة التّمام والنّقصان، وقد ركّزت خاصّة على المجاز الحاصل بالنّقصان وبالزّيادة من جهة التّشبيه. ونوّهنا بموقفها من موضوع الاتّساع واللّزوم بكونهما حاصلان من جهة المعاني لا الألفاظ. ثم بيّنا موقفها من تنزّل المعنى النّاقص منزلة المعنى الكامل، وبذلك كانت قد أثارت قضايا متعلقة أساسا بقضايا الدّليل وقضايا المجاز والدلالة. وقد مكنها وعيها بهذه المسائل بأن تكون مجددة في الدّرس البلاغيّ، ومنفتحة على علم الدّلالة العرفانيّ.
(خميسي ثلجاوي (كلّية العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس/ جامعة تونس)
هوامش:
[i] – نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر، المنصف عاشور، ظاهرة الإسم في التفكير النحوي بحث في مقولة الإسمية بين التمام والنّقصان، منشورات كليّة الآداب منوبة تونس1999، (دكتوراه دولة).
[ii]– محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي: دراسة تحليليّة نقديّة لنظم المعرفة في الثقافة العربيّة. بيروت/ الدّار البيضاء المركز الثقافي العربي، ط2، 1991، ص41.
[iii]– أحمد الودرني، قضيّة اللفظ والمعنى ونظريّة الشّعر عند العرب من الأصول إلى القرن 7ه/13م، المجلّد الأوّل، السّلسلة الجامعيّة، دار الغرب الإسلامي، ط1، 2004، ص11.
[iv] – لمزيد التعمق في قضية تحديث الدرس البلاغي في ضوء المقاربات العرفانيّة يمكن العودة إلى: وسيمة نجاح مصمودي، المقاربات العرفانية وتحديث الفكر البلاغي، كنوز المعرفة، ط1، 2017.
[v]– نور الهدى باديس، بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب: دراسة في تحوّل الخطاب البلاغي من القرن الثّالث إلى الخامس للهجرة، مركز النّشر الجامعي، 2005، ص 262، وانظر: عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق ريتز، دار المسيرة- بيروت، ط3، 1983، ص83.
[vi]– بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب دراسة في تحوّل الخطاب البلاغي من القرن الثّالث إلى الخامس للهجرة، ص262.
[vii]– المرجع نفسه، ص261.
[viii]– المرجع نفسه، ص263.
[ix]– أسرار البلاغة، مصدر سابق، ص116.
[x]– بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب، مرجع سابق، ص265.
[xi]– نور الهدى باديس، بلاغة الوفرة وبلاغة النّدرة مبحث في الإيجاز والإطناب، الدّار التونسيّة للنّشر، ط2، 2019، ص87.
[xii]– لمزيد التعمق يمكن العودة إلى، خالد ميلاد، الإنشاء في اللغة العربيّة بين التّركيب والدلالة دراسة نحوية تداوليّة، جامعة منوبة-المؤسسة العربية للنشر، ط1، 2001، ص381، انظر أيضا: بلاغة الوفرة وبلاغة النّدرة مبحث في الإيجاز والإطناب ص87.
[xiii]– المرجع نفسه، ص87.
[xiv]– المرجع نفسه، ص87.
[xv]– المرجع نفسه، ص88.
[xvi]– المرجع نفسه، ص88
[xvii]– المرجع نفسه، ص56.
[xviii]– ابن الأثير(ضياء الدّين)، المثل السائر، تحقيق ،أحمد الحوفي، وبدوي طبانة، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، ط1، 1960، ص275.
[xix]– بلاغة الوفرة وبلاغة الندرة: مرجع سابق، ص57.
[xx]– المرجع نفسه، ص 57.
[xxi]– انظر المثل السائر، مصدر سابق، ص277، وانظر أيضا بلاغة الوفرة وبلاغة الندرة: مرجع سابق، ص58.
[xxii]– بلاغة الندرة وبلاغة الوفرة: مرجع سابق، ص55.
[xxiii]– المثل السائر: مصدر سابق، ص265.
[xxiv]– بلاغة الندرة وبلاغة الوفرة، مرجع سابق، ص56.
[xxv]– ضياء الدين بن الأثير الجزري، الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور، تحقيق وتعليق مصطفي جواد، جميل سعيد، مطبعة المجمع العلمي الورقي، 1956، ص122، ص123.
[xxvi]– الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور، مصدر سابق، ص123.
[xxvii]– الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور، مصدر سابق، ص123.
[xxviii]– سيبويه (أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر)، الكتاب، ج1، تحقيق وشرح عبد السّلام هارون، مكتبة الخانجي للطّبع والنّشر والتّوزيع، ط3، 1996، من ص211 إلى ص214.
[xxix]– أبو الفضل جمال الدّين ابن منظور، لسان العرب، ج15، تصحيح أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصّادق العبيدي، بيروت دار إحياء التّراث العربي، ط2، 1997، ص298.
[xxx]– انظر الهامش رقم (3) من كتاب قضيّة اللفظ والمعنى ونظريّة الشعر عند العرب، مرجع سابق، ص191.
[xxxi]– سيبويه، الكتاب، مصدر سابق، ج1: ص211.
[xxxii]– انظر بلاغة الوفرة وبلاغة النّدرة، مرجع سابق، ص42-43.
[xxxiii]– فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرّازي(ت606ه/209م)، نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، دار صادر بيروت، ط1، 2004، ص213.
[xxxiv]– المصدر نفسه، ص213.
[xxxv]– يقول عبد القاهر الجرجاني:” فما من اسم أو فعل تجده قد حُذف، ثمّ أصيب به موضعه، وحُذف في الحال ينبغي أن يُحذف فيها، إلّا وأنت تجد حذفه هناك أحسن من ذكره”، دلائل الإعجاز، تحقيق محمد رضوان الدّاية، وفايز الدّاية، دار قتيبة، 1983، ص152-153.
[xxxvi] – لقد أثار خالد ميلاد مسألة الابتداء المحض وفصل القول فيها ضمن مصنفه: الإنشاء في اللغة العربيّة بين التّركيب والدلالة دراسة نحوية تداوليّة: ص210.
[xxxvii]– انظر: بلاغة الوفرة وبلاغة الندرة، مرجع سابق، ص96-97.
[xxxviii]– سيبويه: الكتاب، مصدر سابق، ج1، ص275.
[xxxix]– قضيّة اللفظ والمعنى ونظريّة الشعر عند العرب، مرجع سابق، ص197.
[xl]– سيبويه: الكتاب، مصدر سابق، ج1، ص275.
[xli]– بلاغة الوفرة وبلاغة الندرة، مرجع سابق، ص95.
[xlii] – قضيّة اللفظ والمعنى، مرجع سابق، ج1، ص 193.
[xliii]– بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب، مرجع سابق، ص256.
[xliv]– المرجع نفسه، ص257.
[xlv]– بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب، مرجع سابق، ص275.
[xlvi]– دلائل الإعجاز، مصدر سابق، ص74.
[xlvii]– بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب، مرجع سابق، ص271.
[xlviii] – بخصوص قضيّة التّجوز في اللغة يمكن العودة إلى كتابات الشيخ التفتازاني، إذ يحضر مصطلح التجوز عنده بكثافة.
[xlix]– فخر الدين محمد بن الحسين الرازي (606ه-209م)، نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، عارضه بأصوله وحقّقه بالمقارنة مع أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، وبمصادره الأخرى وعلّق عليه الدكتور نصر الله حاجي مفتي أوغلى، دار صادر، بيروت، ط1، 2004، ص101.
[l]– المصدر نفسه، ص101.
[li]– بلاغة الوفرة وبلاغة الندرة، مرجع سابق، ص97.
[lii]– المرجع نفسه: ص94-95.
[liii]– نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، مصدر سابق، ص101.
[liv]– بلاغة الوفرة وبلاغة الندرة، مرجع سابق، ص95.
[lv]– نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز ص101.
[lvi]– قضيّة اللّفظ والمعنى ونظريّة الشعر عند العرب، مرجع سابق، ص258.
[lvii] – قضيّة اللفظ والمعنى ونظريّة الشعر عند العرب: ص109-113.
[lviii]– نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، مصدر سابق، ص101، 102.
[lix]– بلاغة الوفرة وبلاغة الندرة، مرجع سابق، ص95.
[lx]– نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، مصدر سابق، ص102.
[lxi]– المصدر نفسه، ص102-103.
[lxii]– بلاغة الوفرة وبلاغة النّدرة، مرجع سابق، ص96.
[lxiii]– المرجع نفسه، ص97.
[lxiv]– نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، مصدر سابق، ص113.
[lxv]– المصدر نفسه، ص113.
[lxvi]– المصدر نفسه، ص125-126.
[lxvii] – لمزيد التعمق يمكن العودة إلى، الإنشاء في العربية بين التركيب والدلالة دراسة نحوية تداولية: ص216-299. ويمكن العودة أيضا إلى: شكري السعدي، قضايا الحدث في اللسانيات وفلسفة اللغة، الدار التونسية للكتاب، ط1، 2016.
[lxviii]– شكري المبخوت، الاستدلال البلاغي، دار المعرفة للنّشر وكلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة، ط1، 2006، ص68.
[lxix]– المرجع نفسه، ص69.
[lxx]– دلائل الإعجاز، مصدر سابق، ص528
[lxxi]– بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب، مرجع سابق، ص240.
[lxxii]– المرجع نفسه، ص240.
[lxxiii]– دلائل الاعجاز، مصدر سابق، ص526-532.
[lxxiv]– الاستدلال البلاغي، مرجع سابق، ص69.
[lxxv]– المرجع نفسه، ص71.
[lxxvi]– دلائل الإعجاز، مصدر سابق، ص71.
[lxxvii]– الاستدلال البلاغي، مرجع سابق، ص73.
[lxxviii]– المرجع نفسه، ص74.
[lxxix]– لمزيد فهم صلة هذه المفاهيم وعلاقتها بجوهر اللغة انظر:” خميسي ثلجاوي، مسالك المعنى الحجاجي في الخطاب الإشهاري” مقاربة لسانيّة تداوليّة” مكتبة علاء الدين – صفاقس-تونس، ط1، 2024، 57 وما يليها.
[lxxx]– المرجع نفسه، ص105.
[lxxxi]– أبو يعقوب السّكاكي، مفتاح العلوم، بيروت، دار الكتب العلميّة، ط1، 1983، ص330.
[lxxxii]– قضايا المعنى في التّفكير اللّساني والفلسفي، إشراف عبد السّلام عيساوي، جامعة منوبة كليّة الآداب والفنون والإنسانيّات، تونس، ط1، 2015، ص252.
[lxxxiii]– انظر تعليق الباحثة عن موضوع الاستعارة في علاقتها بالتشبيه عند الجرجاني، بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب: ص254-255-256
[lxxxiv]– نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، مصدر سابق، ص154.
[lxxxv]– لقد خاض النحاة في موضوع التنازع في اللغة، واهتموا به اهتماما بالغا، يمكن العودة بخصوص هذه المسألة إلى: المنصف عاشور، ظاهرة الاسم في التفكير النحوي بحث في مقولة الإسميّة بين التّمام والنقصان، منشورات كلية الآداب منوبة، تونس 1999، ص508 وما يليها.
[lxxxvi]– بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب، مرجع سابق، ص267.
[lxxxvii]– نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، مصدر سابق، ص154.
[lxxxviii]– نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، مصدر سابق، ص154.
[lxxxix]– المصدر نفسه، ص154-155.
[xc]– مفتاح العلوم، مصدر سابق، ص162.
[xci]– المصدر نفسه، ص162.
[xcii]– المصدر نفسه، ص330.
[xciii]– الاستدلال البلاغي، مرجع سابق، ص108.
[xciv]– نور الهدى باديس النّويري، تصور العرب لعلاقة اللفظ بالمعنى وأثره في فهمهم للمجاز، دراسة لنيل شهادة الكفاء في البحث، إشراف حمادي صمود، 1991، مخطوط بمكتبة كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة 9 أفريل تحت رمز، (T44-34)
[xcv]– المرجع نفسه، ص21 إلى28.
[xcvi]– المرجع نفسه، ص61.
[xcvii]– المرجع نفسه، ص 67-68.
[xcviii]– المرجع نفسه، ص 170.
[xcix]– قضيّة اللفظ والمعنى ونظريّة الشّعر عند العرب من الأصول إلى القرن 7ه/13م، المجلد الأوّل، ص22. ولمزيد التعمق يمكن العودة أيضا إلى: ظاهرة الاسم في التّفكير النّحويّ، بحث في مقولة الاسميّة بين التّمام والنّقصان، مرجع مذكور.
[c] – عبد السّلام المسدّي، التّفكير اللّساني في الحضارة العربيّة، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط3، 2009، ص107.
[ci] – لمزيد فهم هذا الجدل يمكن العودة إلى: محمد النويري، علم الكلام والنّظريّة البلاغيّة عند العرب، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعيّة -دار محمد علي الحامي صفاقس، ط1، 2001.
قائمة المصادر والمراجع
- المصادر:
- ابن الأثير (ضياء الدين)، الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور، تحقيق وتعليق مصطفي جواد، جميل سعيد، مطبعة المجمع العلمي الورقي، 1956.
- ابن الأثير (ضياء الدّين)، المثل السائر، تحقيق أحمد الحوفي، وبدوي طبانة، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، ط1، 1960.
- ابن منظور (أبو الفضل جمال الدّين)، لسان العرب، تصحيح أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصّادق العبيدي، بيروت دار إحياء التّراث العربي، ط2، 1997.
- الجرجاني (عبد القاهر)، أسرار البلاغة، تحقيق ريتز دار المسيرة-بيروت، ط3، 1983.
- الجرجاني (عبد القاهر)، دلائل الإعجاز، تحقيق محمد رضوان الدّاية، وفايز الدّاية، دار قتيبة، 1983.
- الرّازي (فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين)، (ت606ه/209م)، نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، دار صادر بيروت، ط1، 2004.
- السّكاكي (أبو يعقوب)، مفتاح العلوم، بيروت، دار الكتب العلميّة، ط1، 1983.
- سيبويه، الكتاب، تحقيق وشرح عبد السّلام هارون، مكتبة الخانجي للطّبع والنّشر والتّوزيع، ط3، 1996.
- المراجع:
- باديس (نور الهدى)، بلاغة المنطوق وبلاغة المكتوب دراسة في تحوّل الخطاب البلاغي من القرن الثّالث إلى الخامس للهجرة، مركز النّشر الجامعي، 2005.
- باديس (نور الهدى)، بلاغة الوفرة وبلاغة النّدرة مبحث في الإيجاز والإطناب، الدّار التونسيّة للنّشر، ط2، 2019.
- باديس (نور الهدى)، تصور العرب لعلاقة اللفظ بالمعنى وأثره في فهمهم للمجاز، دراسة لنيل شهادة الكفاء في البحث، إشراف حمادي صمود، 1991، مخطوط بمكتبة كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة 9 أفريل تحت رمز، (T44-34).
- ثلجاوي (خميسي)، مسالك المعنى الحجاجي في الخطاب الإشهاري “مقاربة لسانيّة تداوليّة” مكتبة علاء الدين – صفاقس-تونس، ط1، 2024.
- الجابري (محمد عابد)، بنية العقل العربي: دراسة تحليليّة نقديّة لنظم المعرفة في الثقافة العربيّة. بيروت/ الدّار البيضاء المركز الثقافي العربي، ط2، 1991.
- السّعدي (شكري)، قضايا الحدث في اللسانيات وفلسفة اللغة، الدار التونسية للكتاب، ط1، 2016.
- عاشور (المنصف)، ظاهرة الاسم في التّفكير النّحويّ، بحث في مقولة الاسميّة بين التّمام والنّقصان، منشورات كلّية الآداب منّوبة، تونس 1999.
- قضايا المعنى في التّفكير اللّساني والفلسفي، إشراف عبد السّلام عيساوي، جامعة منّوبة كليّة الآداب والفنون والإنسانيّات، تونس، ط1، 2015.
- المبخوت (شكري)، الاستدلال البلاغي، دار المعرفة للنّشر وكلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منّوبة، ط1، 2006.
- المسدّي (عبد السّلام)، التفكير اللساني في الحضارة العربيّة، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط3، 2009.
- مصمودي (وسيمة نجاح)، المقاربات العرفانية وتحديث الفكر البلاغي، كنوز المعرفة، ط1، 2017.
- ميلاد (خالد)، الإنشاء في اللغة العربيّة بين التّركيب والدلالة دراسة نحوية تداوليّة، جامعة منوبة-المؤسسة العربية للنشر، ط1، 2001.
- النّويري (محمد)، علم الكلام والنّظريّة البلاغيّة عند العرب، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعيّة -دار محمد علي الحامي صفاقس، ط1، 2001.
- الودرني (أحمد)، قضيّة اللفظ والمعنى ونظريّة الشّعر عند العرب من الأصول إلى القرن 7ه/13م، المجلد الأوّل، السلسلة الجامعيّة، دار الغرب الإسلامي، ط1، 2004.
Sources (Al-Masadir):
- Ibn al-Atheer (Diyaa’ ad-Din), Al-Jaami’ al-Kabeer fi Sina’at al-Manthoom min al-Kalam wa al-Manthoor, tahqeeq wa ta’leeq Mustafa Jawad, Jameel Saeed, Matba’at al-Majma’ al-Ilmi al-Waraqi, 1956.
- Ibn al-Atheer (Diyaa’ ad-Din), Al-Mathal as-Saa’ir, tahqeeq Ahmad al-Houfi, wa Badawi Tabbana, Matba’at Nahdat Misr, Cairo, 1st edition, 1960.
- Ibn Manzoor (Abu al-Fadl Jamal ad-Din), Lisan al-Arab, tashih Ameen Muhammad Abd al-Wahhab wa Muhammad as-Sadiq al-‘Ubaidi, Beirut, Dar Ihyaa’ al-Turath al-‘Arabi, 2nd edition, 1997.
- al-Jurjani (Abdul-Qahir), Asrar al-Balaagha, tahqeeq Ritz, Dar al-Maseera – Beirut, 3rd edition, 1983.
- al-Jurjani (Abdul-Qahir), Dala’il al-I’jaaz, tahqeeq Muhammad Radwan ad-Dayya, wa Faiz ad-Dayya, Dar Qutaybah, 1983.
- ar-Razi (Fakhr ad-Din Muhammad ibn ‘Umar ibn al-Husayn), (d. 606 AH / 1209 AD), Nihayat al-Ijaaz fi Dirayat al-I’jaaz, Dar Sader Beirut, 1st edition, 2004.
- as-Sukkaki (Abu Ya’qub), Miftah al-Uloom, Beirut, Dar al-Kutub al-‘Ilmiyya, 1st edition, 1983.
- Sibawayh, Al-Kitaab, tahqeeq wa sharh ‘Abd as-Salam Haroon, Maktabat al-Khanji li at-Tib’ wa an-Nashr wa at-Tawzee’, 3rd edition, 1996.
References (Al-Maraji’):
- Badis (Nur al-Huda), Balaaghat al-Mantooq wa Balaaghat al-Maktoub: Dirasah fi Tahawwul al-Khitab al-Balaghiyy min al-Qarn ath-Thalith ila al-Khamis lil Hijrah, Markaz an-Nashr al-Jami’i, 2005.
- Badis (Nur al-Huda), Balaaghat al-Wufrah wa Balaaghat an-Nidrah: Mabhas fi al-Ijaaz wa al-Itnaab, ad-Dar at-Tunisiyya li an-Nashr, 2nd edition, 2019.
- Badis (Nur al-Huda), Tasawwur al-‘Arab li ‘Alaqat al-Lafz bil-Ma’na wa Athruhu fi Fahmihim lil-Majaz, dirasah li nail shahadat al-Kifaya fi al-Bahth, Ishraf Hamadi Samoud, 1991, makhthoot bi Maktabat Kulliyyat al-Adab wa al-‘Uloom al-Insaniyya 9 Avril tahta ramz (T44-34).
- Thaljawi (Khamisi), Masalik al-Ma’na al-Hijaji fi al-Khitab al-Ishhaari “Muraqaba Lisaniyya Tadawuliyya”, Maktabat ‘Alaa’ ad-Din – Sfax – Tunisia, 1st edition, 2024.
- al-Jabiri (Muhammad ‘Abid), Bunyat al-‘Aql al-‘Arabi: Dirasah Tahliliyya Naqdiyya li Nuzum al-Ma’rifa fi ath-Thaqafa al-‘Arabiyya, Beirut / ad-Dar al-Bayda’ al-Markaz ath-Thaqafi al-‘Arabi, 2nd edition, 1991.
- as-Sa’di (Shukri), Qadaya al-Hadath fi al-Lisaniyyat wa Falsafat al-Lugha, ad-Dar at-Tunisiyya lil-Kitab, 1st edition, 2016.
- ‘Ashour (al-Munṣif), Zahirat al-Ism fi at-Tafkeer an-Nahwi: Bahth fi Maqoolat al-Ismiyya bayna at-Tamam wa an-Naqsan, Manshoorat Kulliyyat al-Adab Mannouba, Tunisia, 1999.
- Qadaya al-Ma’na fi at-Tafkeer al-Lisani wa al-Falsafi, Ishraf ‘Abd as-Salam ‘Isawi, Jami’at Mannouba Kulliyyat al-Adab wa al-Funun wa al-Insaniyyat, Tunisia, 1st edition, 2015.
- al-Mabkhout (Shukri), Al-Istidlal al-Balaghi, Dar al-Ma’rifa lil-Nashr wa Kulliyyat al-Adab wa al-Funun wa al-Insaniyat bi Jami’at Mannouba, 1st edition, 2006.
- al-Masaddi (Abd as-Salam), at-Tafkeer al-Lisani fi al-Hadara al-‘Arabiyya, Dar al-Kitab al-Jadeed al-Muttahida, 3rd edition, 2009.
- Masmoudi (Wasima Najah), al-Muqarabat al-‘Irfaniyya wa Tahdith al-Fikr al-Balaghi, Kunooz al-Ma’rifa, 1st edition, 2017.
- Milad (Khalid), al-Inshaa’ fi al-Lugha al-‘Arabiyya bayna at-Tarkeeb wa ad-Dalala: Dirasah Nahwiyya Tadawuliyya, Jami’at Mannouba – al-Mu’assasa al-‘Arabiyya lil-Nashr, 1st edition, 2001.
- an-Nuwairi (Muhammad), ‘Ilm al-Kalam wa an-Nazariyya al-Balaghiya ‘Ind al-‘Arab, Kulliyyat al-‘Uloom al-Insaniyya wa al-Ijtima’iyya – Dar Muhammad ‘Ali al-Hami Sfax, 1st edition, 2001.
- al-Wadarny (Ahmad), Qadiyyat al-Lafz wa al-Ma’na wa Nazariyyat ash-Sha‘r ‘Ind al-‘Arab min al-Usul ila al-Qarn 7H / 13M, al-Mujallad al-Awwal, as-Silsila al-Jami’iyya, Dar al-Gharb al-Islami, 1st edition, 2004.