أثر التأليف المعجمي النحوي المتني في تجديد الاستعمال العربي الفصيح: مراجعة تطبيقية

ملخص البحث:

لقد وُهب اليونان البرهان، ووُهب الفرس العرفان، ووهب العرب البيان. غير أن لسان العرب المبين ظل حبيس عصر التدوين (القرن 2ه-القرن 7ه/القرن 8م-القرن 13م)، في كتب تراثية بيداغوجية ثابتة، يفكر بها ومن خلالها منتجُ اللغة إلى اليوم ولا يتخطاها. إن لهذه الكتب ثراءً انطوت عليه، وما تزال كنزا ثمينا، ومرجعيتها الصلبة لا يجادل فيها ذو لبّ، إلا أن حاجة متعلم العربية، بما في ذلك العربي نفسه، إلى استقراء اللغة وهي تتحرك خارج إطار المدوَّن التراثي، في الزمان والمكان الطبيعيين، شديدةٌ ملحةٌ. فمنطلق هذه الدراسة هو من إشكالية غياب اللغة الطبيعية عن التأليف النحوي البيداغوجي، هذا التأليف الذي غالبا ما يرجع في أمثلته إلى نماذج قديمة من أجل الاستدلال على وظائف محددة. تنبني الدراسة، في شقها النظري، على أطروحة المفكر المغربي محمد عابد الجابري (1984، 1986)، التي مفادها النقد والموازنة العلمية بين الوصف الديناميكي للغة والموَصّف التاريخي الثابت، سبيلا من سبل تجديد العقل اللغوي العربي. أما في الشق التطبيقي، فتنظر في ضرورة نهج مقاربة الـتأليف المعجمي النحوي المتني، تحديدا في مجال التصميم التعليمي للكتب، وذلك من خلال منهجية تقييمية تمثيلية تصدر في قسمين فرعيين. أولهما مراجعة نقدية لدراسات وأعمال بارزة من اللغة الإنجليزية، وثانيهما عرض أمثلة من اللغة العربية في صيغة أنشطة دراسية لكيفية تطبيق التحليل المتني في تأليف الكتب الدراسية. في الأخير، يبقى الهدف لفت النظر إلى مناهج لغوية حديثة في حفظ لسان العرب الفصيح، وإشاعته بين المتعلمين، الناطقين بغير العربية والناطقين بلهجاتها، في مختلف المجالات. 

الكلمات المفتاحية: اللسان العربي الفصيح، اللسانيات المتنية، المقاربة المعجمية النحوية المتنية، العقل اللغوي.   

The Role of Lexical and Grammatical Textual Compilation in Revitalizing Standard Arabic Usage: An Applied Study

Zakariae Azennoud

Abstract:

The Greeks were endowed with logic, the Persians with gnosis, and the Arabs with eloquence. However, the eloquent Arabic tongue remained confined within the era of codification (2nd to 7th century AH / 8th to 13th century AD), in fixed pedagogical heritage books, through which language users continue to think to this day, unable to surpass them. These books, rich as they are and still a precious treasure, have an unshakable authority that no one with insight can dispute. Yet, the need for Arabic learners, including Arabs themselves, to observe the language as it operates outside the framework of the traditional corpus, in natural time and space, is both urgent and pressing. The starting point of this study lies in the problem of the absence of natural language in pedagogical grammatical authoring, which often relies on classical models to demonstrate specific functions. The theoretical aspect of the study is based on the thesis of the Moroccan thinker Mohammed Abed al-Jabri (1984, 1986), which advocates a scientific critique and balance between the dynamic description of language and the fixed historical descriptor as a means of renewing the Arabic language reason. In its practical aspect, the study examines the necessity of adopting a lexico-grammatical corpus-based approach, particularly in syllabus design, in a twofold evaluative exemplary methodology: the first is a critical review of prominent works in the English language, and the second presents designed examples from the Arabic language in the form of pedagogical activities on how to apply corpus analysis in textbook authoring. The aim of the present study is to draw attention to modern linguistic methods in preserving the eloquent Arabic language and spreading it among learners, both non-native speakers and speakers of its Arabic dialects, across various fields.

Keywords: Eloquent Arabic Tongue, Corpus Linguistics, Lexico-grammatical Corpus-based Approach, the Language Reason.

مقدمة:

البيان على أوجه خمسة، أولها اللفظُ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم النصبة.[i] هكذا يُجمل أبو عثمان بن بحر الجاحظ مفهومَ البيان؛ فالبيان باللفظ اللغةُ المنطوقة الفصيحة الدالة على معنى، والبيان بالإشارة التحدث حركةً باليَد أو الرأس أو غيره يوحي لمعنى، والبيان بالخط الكتابة، والبيان بالعقد الحساب، والبيان بالنصبة الحالُ الناطقة بغير لفظ، والمشيرة بغير يد، وتكون بالاعتبار. أما ما يهمُّنا فيما صنفه الجاحظ من أوجه البيان هنا الوجهان الأولُ والثالثُ، أي البيان المنطوق والمكتوب. فهما صفتا اللسان الذي يستعمله الإنسان لإفهام غيره معاني نفسه، ومعاني الأشياء المحيطة به. لكن مفهوم البيان المقصود ليس مجرد الإبلاغ،[ii] بل هو أعم من ذلك كثيرا. فهو الدلالة التامة التي تحصل عن طلاقة في القول، وجزالة في اللفظ، وبلاغة في المعنى. فاللغة العربية الفصحى، بهذا المعنى، لغة بيان، والبيان مزيَّةُ العرب.

لا يستطيع امرئ باحثٌ، من الأقدمين أو المحدثين، درَس العربية درسا موضوعيا أن يداري بيانها. فهذا اللسان أَعْجزَ أهل الجاهلية من قبلُ، وقد كانوا يتنافسون في صنائع اللغة أكثر مما كانوا يفعلون في غيرها، ثم سحرت الأقوام من بعد ذلك، وأهل الإسلام منهم خاصة، فدونوا بها، وأشعروا، وبرهنوا، وأبدعوا. والمحيط بتاريخ العرب يجدهم أشد الأقوام ارتباطا بلغتهم، هذا الارتباط الذي جعل البيان من مزاياهم من القديم. ذكر الجاحظ في كتاب »الحيوان« أن العرب “كانت تحتال في جاهليتها في تخليد مآثرها، بأن تعتمد في ذلك على الشعر الموزون، والكلام المقفى، وكان ذلك ديوانها. [..] وذهبت العجمُ على تقييد مآثرها بالبنيان”.[iii] ولم يكن الجاحظ أول من كشف تميز العرب بالبيان، ولا آخرهم، فقد نُقل عن كثير من العلماء المسلمين وغير المسلمين مثل ذلك. نكتفي بالوقوف هنا عند ثلاثة من جهابذة الفكر العربي: أبي حيان التوحيدي، وأبي الفتح بن جني، وأبي منصور الثعالبي.

يقول أبو حيان التوحيدي في إحدى لياليه الأدبية من »الإمتاع والمؤانسة«، مقارنا بين أمة العرب والأمم الأخرى: “للفرس السياسةُ والآداب والحدود والرسوم، وللروم الحكمة، وللهند الفكر والرّويّةُ والخِفّة والسحر والأناة، وللترك الشجاعة والإقدام، وللزّنج الصبر والكدّ والفرح، وللعرب النجدة والقرى والوفاء والبلاء والجود والذِّمام والخَطابة والبيان”.[iv] ينسب أبو حيان التوحيدي هنا ثماني شيم للعرب، ويجعل البيان إحداها. إنه لا ينفي الصفات الأخرى، مثل الشجاعة والأناة، عن أمة العرب، لكنه يذهب إلى الشيمة الأبعد شهرة في الأمة. وفي موضع من مقدمة »فقه اللغة وأسرار العربية«، لا يتردد أبو منصور الثعالبي في وصف اللغة العربية بأنها خير اللغات والألسنة.[v] وقد أوضح الثعالبي ذلك، في تحفته اللغوية، نظَرًا وتطبيقًا. فنظرًا، يسهب الثعالبي القول في السبب المتين الذي يربط العربية بوحي السماء، والأصل المعجز الذي امتدت منه، فإنَّ الذي يحب محمدا صلى الله عليه وسلم، وجب عليه حب لغته.[vi] أما صاحب »الخصائص «، أبو الفتح بن جني، فيكفي أن ننقل تجربته بلسانه، إذ يقول: “وذلك أني إذا تأملت هذه اللغة الشريفة، الكريمة اللطيفة، وجدت فيها من الحكمة والدقة، والإرهاف والرقة، ما يملك علي جانب الفكر، حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر”.[vii]

عندما انتشرت اللغة العربية داخل الجزيرة العربية وخارجها، وامتدت في الآفاق، ودخلت الأقوام في ملة الإسلام فرادى وجماعات، خاف أهل العربية على عربيتهم من الهجنة واللحن وفساد ملكة اللسان، فتجندوا لذلك خير تجند، صارفين همَّتم إلى البحث والدراسة والتقنين. فمن بين الكتب التي دونوها هذه المؤلفاتُ اللغوية الرفيعة التي لا يستغني عنها متعلم اللغة، أو دارس لها، خاصة في مجالي المعجم (اللغة) والنحو،[viii] مثل مؤلَّف »الكتاب« لأبي بشر عمرو بن عثمان سيبويه، و»العين« لأبي عبد الرحمان الخليل بن أحمد الفراهيدي، و»لسان العرب« لأبي الفضل بن منظور. كان أحد الأغراض الأساسية لتأليف الكتب اللغوية والنحوية حفظ اللغة العربية وتقعيدها، أي بناؤها على أسس علمية، وتخريج مراجع لتوجيه الطالب للسان العربي فهما، أو كلاما، أو درسا؛ من هنا تأتي صفة “البيداغوجية” لدوافع التأليف. وقد ظلت هذه المراجع البيداغوجية المذكورة عنصرا مهما من الثقافة العربية العلمية الحية، بل إن علوم العربية تعد معجزة العرب بدون منازع.[ix] ونحن ننقل هذا التصريح لمحمد عابد الجابري، لا بد لنا أن نشير إلى ما قاله بعده مباشرة، أن هذه العلوم قد بلغت قمَّتها مع بداية تاريخها، وأن العقل العربي الذي شيدها لم يضف، وما كان يستطيع أن يضيف، جديدا إلى ما أبدعه فيها خلال عصر التدوين.[x] لكن قبل أن نخوض في أطروحة الجابري، وعرض إشكالية الدراسة، لنلق نظرةً حول كيفية تأليف الكتب اللغوية البيداغوجية المذكورة سلفا، حتى يتسنى فهمُ مقصود المقاربة المعجمية النحوية المتنية التي تتبناها الدراسة عنصرا أساسيا من مقترحات التعامل مع الإشكالية.

إن الطرق التي اعتمدها اللغويون والنحاة في تأليف الكتب اللغوية البيداغوجية لا تحيد عن الوجوه المنهجية لأصول الفقه كما بينها الفقهاء، أولها الخبرُ في الكتاب والسنة، والإجماعُ، والقياس. إذ أن أوَّلَ ما لجأ إليه اللغوي والنحوي القرآن الكريم، شاهدا من الشواهد الأولى لتقعيد العربية، ثم تلاه الشعر الجاهلي، والسنة النبوية، والأخبار، والأيام. أما الإجماع فيتعلق بتواضع علماء العربية على قواعد محددة، وتوافقهم على استخدامها، مستعينين بالدليل القرآني وكلام الأعرابي. أما القياس فيتجلى في البحث في العلل، والبناء على مثال أصيل. يلخص الباحثون هذه الطرق اليوم في مفهومين عامَّيْن، هما السماع والقياس. إن هذه الطرق في تبيُّن وتَبْيين العلل والقوانين والدلائل هو بالتحديد هذا الفرع التجريبي المتفرع عن اللسانيات التطبيقية الحديثة، اللسانيات المتنية، إلا أنه في حلة قديمة.[xi] بل إن رواد هذا العلم أنفسهم، وأكثرهم من الغرب، لا يستنكفون عن التصريح بذلك. فالمقاربة المتنية الحديثة هي المقاربة ذاتها التي استخدمها سيبوية في تأليف »الكتاب« على قول لغوية من جامعة هارفارد الأمريكية كريستن بروستاد Kristen Brustad،[xii] ومنهجية استخدام المتن التي يلجأ إليها اللغويون اليوم كانت أساسية في الدرس اللغوي العربي كما يذكر إيفرهارد ديترز  Everhard Ditters[xiii] وجوناثان أوينز Jonathan Owens.[xiv]

بقي لنا في هذا التقديم أن نحدد مفهوم اللسانيات المتنية الحديثة. يدلُّ المتنُ على مجموعة من النصوص التي يجمعها اللغوي والتي تمثل لغة – أو جنسا محددا من لغة – من أجل تحليل لساني. فهي مقاربة تجريبية في وصف اللغة المستعلمة وصفا علميا، والنظر في حركتها داخل إطار سياقي وظيفي ذي معنى، باستعمال أدوات حاسوبية فعالة.[xv] استعمل العلماء العرب هذه المقاربة بما ينسجم مع إمكاناتهم وقضاياهم وآفاقهم، فوُفقوا، ولكن هل ما وفقوا إليه يلبي حاجيات الباحث اللغوي اليوم، والناطق بالعربية، والراغب في العربية من الناطق بغيرها؟ لو أخذنا عنصرا واحدا من عناصر تعريف اللسانيات المتنية المذكور أعلاه، عنصر التمثيليةrepresentativeness ، هل هو حاصل اليوم في الكتب اللغوية البيداغوجية؟ إننا لن نجزم بإيجاب أو نفي قبل أن نعرض إشكالية الدراسة، إشكالية العقل اللغوي العربي كما رآه الجابري، خاصةً وقد كانت الغايةُ من التقديم رسم حدود أولية للمفاهيم الموجهة للبحث الذي بين أيدينا.

العقل اللغوي العربي عند الجابري:

جاء في لسان العرب: “عَقَل البعير يعقله عقْلا وعَقَله واعْتَقَله: ثنى وظيفه مع ذراعه وشدَّهما جميعا في وسط الذراع، وكذلك الناقة. وذلك الحبل هو العِقالُ، والجمع: عُقْلٌ [..] والعقال: الحبل الذي يُعقل به”.[xvi] معظم المعاجم العربية لا تخرج عن هذا التعريف لكلمة “عَقل”، بل هو لا يبعد عن المعنى الذي يُطلق على العقل في الاصطلاح العام، باعتباره وظيفة يقيد بها الإنسان المعاني والمعارف. فإنْ اختلفت الطرق في تقييد المعارف، فلابد أن يختلف النظام المعرفي – العقل – من فرد لآخر، ومن أمة لأخرى. إن العقل العربي، عند الجابري، هو جملة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة العربية للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة.[xvii] يبحث الجابري في كتاب »تكوين العقل العربي « في هذه المبادئ والقواعد فيجدها راسخة في الثقافة “العالمة” التي بناها الفقهاء والنحاة والبلاغيون والمتكلمون في آدابهم خلال عصر التدوين، وما زالت الأساس المعرفي الذي يعمد إليه العربي في النظر إلى الإنسان، والزمان، والمكان، والوجود. أما العقل اللغوي العربي فهو تركيبة يُفَصّل النقد فيها ضمن كتابه التالي، »بنية العقل العربي«. إن العقل اللغوي العربي هو الإطار البياني الذي يفكر من خلاله متكلم العربية، مستندا دائما إلى لغة الأعرابي، صانع “العالَم” العربي.[xviii]. يمكن تلخيص التحليل الإبستمولوجي للعقل اللغوي العربي عند الجابري في ثلاث نقط أساسية:

  1. العقل اللغوي العربي عقل معياري. فالتفكير دائما يبحث للأشياء عن مكانها وموقعها في منظومة القيم التي يتخذها ذلك التفكير مرتكزا له، وهو غالبا ما يناقض النظرة التحليلية التركيبية.
  2. عقل مبني على لغة ما زالت تتحرك داخل زمن الثقافة العربية، ثقافة الأعرابي، و”إخراج” لغويي عصر التدوين.
  3. عقل فقهي تكاد تقتصر عبقريته في البحث لكل فرع عن أصل، وبالتالي لكل جديد عن قديم. فهو القياس على مثال سبق بمفهوم النحاة، وهو الاستدلال بالشاهد على الغائب بتعبير المتكلمين، وهو التشبيه باعتبار البلاغيين.

إن نقد الجابري لبنية العقل اللغوي العربي ليس سلب اللغة العربية ثراءها ومتانة مرجعيتها، فالمفكر المغربي يؤكد في أكثر من موضع من كتابيه السالفين مزايا البيان في اللسان العربي، ويستدل على قوة المنهج وانسجام أجزائه في تقنين اللغة العربية وتأصيل علومها – تقنين وتأصيل “لا يكاد يوجد في لغة أخرى”.[xix] لكن هذا البيان المدوَّن كما يقرّرُ الجابري، بناءً على عناصر أطروحته  المبينة أعلاه، سرعان ما تحول إلى “عقل-عادة”، والمقصود بذلك أن اللغة العربية في لفظها، ونحوها، وصرفها، ودلالتها، ظلت حبيسة النظرة المعيارية التي أسسها الخليل وسيبويه وابن منظور وغيرهم إلى اليوم، رغم التطور الذي طرأ في اجتماع الناس، واقتصادهم، وسياستهم، وما يتطلبه هذا التطور من مواكبة في التحليل والبحث.

تنطلق إشكالية دراستنا من هذه الخلاصة، فالدراسة العلمية للغة اليومَ تبحث أولا في الوصف التحليلي التركيبي، بدلا من المعياري، الذي ينظر إلى اللغة وهي تتحرك في الزمان والمكان، وليس بالضرورة في زمن الأعرابي البدوي. هذا ليس أبدا على حساب المرجع البياني، الموَصِّف التاريخي الثابت. فربط العلاقة بين الوصف العلمي للاستعمال العربي الحديث والموَصّف التاريخي الثابت هو تجديد للعقل اللغوي العربي. وذلك عن طريق تبني مناهج علمية حديثة في اللسانيات المتنية الحاسوبية، منها التأليف المعجمي النحوي البيداغوجي. تأسيسا على هذا، يمكن تناول الإشكالية عن طريق الإجابة عن الأسئلة التالية:

  1. ما اللغة العربية المستعملة وكيف يمكن وصفها علميا؟
  2. كيف ينبني التأليف المعجمي النحوي المتني البيداغوجي؟ وما أمثلته؟
  3. كيف يمكن تمثيل هذا التأليف في اللغة العربية؟
  4. ما هي انعكاساته الإحيائية على اللغة في المجتمع؟

قد أوضحنا فيما سبق أن التأليف المعجمي النحوي، في سياق التدوين التراثي للعربية، يشير إلى تلك القواعد والقوانين والألفاظ والمعاني التي توصل إليها علماء اللسان العربي من خلال تحليل البيان العربي، فدونوها وجعلوها مرجعا لمن يريد تعلم اللغة العربية أو البحث في علومها. لكن لابد من الإشارة المبدئية، قبل التحول إلى منهجية الدراسة، أن مفهوم العنصر المعجمي النحوي في لسانيات المتون يختلف شيئا قليلا عن المفهوم العربي. فالعنصر المعجمي النحوي  lexico-grammarفي اللغة، يشير إلى تلك الاختيارات المعجمية، القابلة للملاحظة والقياس والحوسبة، التي تتاح لمنتج اللغة (الكاتب/المتكلم) لبناء نص سليم نحويا، ذي وظيفة دلالية محددة.[xx] تسمى هذه الاختيارات في اللغة بالقواعد والألفاظ التي تشد نَظْمَ الكلام، وتسمى في لسانيات المتون السمات المعجمية النحوية lexico-grammatical features، مثل أخوات كان، وأخوات كاد، والجمع، وغيرها.[xxi] 

ينحو الإطار المنهجي العام للدراسة مقاربة مبنية على المراجعة والتحليل. ينقسم هذا الإطار إلى فرعين: أولهما عرض وتقييم نماذج بارزة في مجال التأليف المعجمي النحوي المتني البيداغوجي من اللغة الإنجليزية، وثانيهما استخلاص نتائج التحليل والتقييم في تصميم أنشطة تمثيلية في اللغة العربية كنموذج قابل بدوره للتقييم والتطوير. إن الهدف من هذه الدراسة هو المساهمة في توسيع رقعة البحث العلمي المعاصر في اللغة العربية، وتجديد التفكير فيها، وتجويد التأليف عنها، وتقريب المتعلمين إليها.

نماذج للتأليف المعجمي النحوي البيداغوجي في اللغة الإنجليزية:

نعرض في هذا الجزء ثلاثة نماذج للتأليف المعجمي النحوي البيداغوجي في اللغة الإنجليزية، وهي تعد من أبرز المنجزات في الميدان، التي يعتمدها المدرسون، ويلجأ إليها المصممون، ويبحث فيها الدارسون. وقد بُنيت هذه المؤلفات جميعا على نتائج البحث المتني.

لونغمان لنحو اللغة الإنجليزية المكتوبة والمقروءة:

لونغمان لنحو اللغة الإنجليزية المكتوبة والمقروءة Longman Grammar of Spoken and Written English  هو كتاب معجمي نحوي متني بيداغوجي صمَّمه لغويون مرموقون، هُم دوكلاس بايبر Douglas Biber، وستيغ جوهانسنStig Johanson ، وجيوفري ليتشGeoffrey Leech ، وسوزان كونرادSusan Conrad ، وإدوارد فانغنEdward Finegan .[xxii] وقد نُشر لأوَّل مرة سنة 1999. يختص كل من هؤلاء العلماء في مجالات محددة في البحث اللساني، أما ما يجمعهم فهو اللسانيات المتنية الحاسوبية، لذلك جاء هذا العمل تتويجا لمجهوداتهم في المجال، ونتيجة للتراكم البحثي التجريبي في اللسانيات المتنية وتطبيقاتها في بيداغوجية اللغة الإنجليزية.

يتناول المؤلَّف قواعد اللغة الإنجليزية بشكل تدريجي، من الأبسط إلى الأكثر تركيبا. يعرض كل قاعدة على حدة، مركزا على الاستعمال الوظيفي لها. إن القاعدة هنا هي العنصر المعجمي في النص، والتفسير الذي يقدمه اللغويون هو الدور النحوي والبعد الوظيفي لها داخل السياق النصي. فالمحلل اللساني المتني يأخذ العنصر المعجمي المتني، مثل ضمائر الإشارة demonstrative pronouns، فينظر في ترددها داخل النص، باستخدام آليات تحليلية متعددة، ليستقرئ الوظيفة – أو الوظائف – التي يؤديها استعمال ذاك العنصر. فيما يلي مقتطف لدرس ضمائر الإشارة كما جاء في المؤلف.       

الشكل 1: مقتطف من Longman Grammar of Spoken and Written English (ص. 347-349)

يعرض المقتطف أعلاه ضمائر الإشارة في اللغة الإنجليزية. يبدأ بتقديم الأسماء كلها في جدول مع تعليق مركَّز حول دلالتها في الجملة، ثم ينتقل إلى عرض وظائفها في الاستعمال اللغوي ضمن تقسيم موجز تمثيلي. إن ما يلفت النظر في هذا العرض أشياء كثيرة، لا تكاد توجد في التأليف النحوي البيداغوجي التقليدي.[xxiii] أولها أن الأمثلة أكثر عددا وأوسع نوعا. فهي إشارة على اعتناء المؤلفين بالسياق وعدم إيجازه في تعليقات نظرية. ثانيها أن هذه الأمثلة موثقة المصدر، فالقارئ للكتاب يستطيع أن يعرف إن كان المثال مأخوذا من أدب (FICT)، أو محادثة (CONV)، أو صحافة (NEWS)، أو مجال أكاديمي (ACAD)، إلخ. ثالثها أن الأمثلة مقتطفة بشكل كامل، لكي يطلع القارئ على سياق العنصر المعجمي ودوره النحوي في النص. رابعها أن عناوين أقسام الدرس ذات صبغة وظيفية، فهي غالبا ما تبتدئ ب”الدلالة على Reference to” وظيفة محددة. يقدم المؤلَّف في الأخير نتائج التوزيع الوظيفي للقاعدة التي يتناولها بناءً على التحليل المعجمي النحوي لها، وترددها النسبي relative frequency داخل الأجناس اللغوية المتضمنة في المتن المدروس. فلو أخذنا مثلا ضمير الإشارة this (انظر الشكل 1: يمين، أسفل)، نجد تردده في المجال الأكاديمي أكثر منه في المحادثات العامة والأدب، وهو أقل ترددا في الصحافة من الجنسين الأخيرين.

كوبيلد لنحو اللغة الإنجليزية:

كوبيلد لنحو اللغة الإنجليزية Cobuild English Grammar، هو كتاب قواعد وظيفي مبنيٌ على تحليل معجمي نحوي لمتن صممه رائد اللسانيات المتنية جون سينكلير  John Sinclairفي الثمانينات من القرن العشرين، وهو ما يسمى ببنك اللغة الإنجليزية. أُلف هذا الكتاب للمهتمين بدراسة استعمال اللغة الإنجليزية في سياق طبيعي، خاصة ذوي المستويات المتقدمة في اللغة الإنجليزية.[xxiv] وقد استُخدمت في المؤلف المقاربة الوظيفية الخالصة، حيث أن كل فصل من الكتاب مؤسسٌ على وظيفة محددة. فهو إذن لا يختلف عن الكتب القديمة الأخرى فحسب، بل حتى عن لونغمان الذي تطرقنا له للتو. نقدم في الشكل 2 مقتطفا يعرض وظيفة “الدلالة على أكثر من شيء: الجمع Referring to more than one thing: plural nouns”.

الشكل 2: مقتطف من Cobuild English Grammar (ص. 52-55)

لا تُعرض القاعدة باسمها، بل بوظيفتها العامة، ثم تنضوي تحت الوظيفة قاعدة أو قواعد متعددة. يذهب المؤَلف في الوظيفة المقدمة في المقتطف أعلاه إلى استقراء معنى الجمع في اللغة، عن طريق أمثلة مصنفة إلى ثلاثة استعمالات وظيفية. فبعد أن يقدم الكتاب ملاحظة حول استعمال الجمع، ينتقل إلى الحديث عن مطابقة الاسم للفعل في صيغة الجمعnoun-verb agreement  ودلالته، فاستعمال الجمع مع المعدّلات modifiers، فاستعمال الجمع مع المحددات determiners.

معجم كوبيلد للغة الإنجليزية:

معجم كوبيلد للغة الإنجليزية Cobuild English Dictionary هو معجم مبني على نفس المتن الذي تأسس عليه كتاب نحو كوبيلد السالف؛ كلاهما أُخرجا من لدن جامعة بيرمينغهام، عبر دار النشر كولينز COLLINS، ترأس تحريره اللساني جون سينكلير.[xxv] وساهم في مشروعه مجموعة من اللسانيين الإنجليز. بُني المعجم على الاستعمالات الوظيفية الأساسية للغة الإنجليزية، وحاول المحررون أن يضَمّنوا كل الدلالات المحتملة لكل مدخل، وكانت التمثيلية مبدأ المعجم الأول. أدرج المعجم، إذن، عددا من الاستعمالات، وأهمل أخرى، وذلك بناء على دليل مستقرأ من متن بلغ ما يقارب 20 مليون كلمة، مقتطف من كتب، ومجلات، وصحف، ومحادثات، ومنشورات إذاعية وتلفزية، إلخ، تمثل الإنجليزيةَ الحديثة.

الشكل 3: مقتطف من Cobuild English Language Dictionary (ص. 1670)

تقييم:

إن التأليف اللغوي البيداغوجي المتني لابد له أن يكون مبنيا على استعمال طبيعي للغة. فمتن اللغة الطبيعية، كأساس لهذا التأليف، يضفي على الكتب صبغة الأصالةauthenticity  والصلة relevance. هذا أول ما تُقيَّم به النماذج الثلاثة المقدمة أعلاه. أمَّا الأمر الثاني، والذي يأتي كمرحلة تالية لتصميم المتن، هو التحليل الحاسوبي للنصوص. ويتم ذلك بدراسة القاعدة – أو العنصر المعجمي النحوي أو المدخل المعجمي – ضمن السياق الطبيعي الذي ترد فيه. ومؤكَّدٌ أن هذا لا يتم تقديمه في المؤلف، لكن المؤلف يعرض نتائج هذا التحليل عرضا ضمنيا كما رأينا في مؤلفي كوبيلد أو عرضا صريحا كما رأينا في مؤلف لونغمان. ثالثا، عرض القاعدة بشكل استقرائي يسمح للقارئ بمقارنة الوظائف التي تؤديها، بالاستناد إلى أمثلة متكاملة منسجمة. يعني ذلك أن المؤلف لا يحصر من البداية دلالات العنصر المعجمي النحوي في توصيف معين، غير قابل لتعدد التفاسير. إن هذا يطور كفاية القارئ التواصلية، ويحفزه على استقراء الوظائف بنفسه، واستعمالها في سياقات متنوعة. رابعا، تجدر الإشارة إلى أن مؤلفي النماذج الثلاثة لا يغفلون القواعد النحوية التي توصل إليها المؤلفون السابقون، بل إنهم يعمدون إليها في كثير من الأحيان، ويحضون على تجديد مؤلفاتهم، وتوسيعها، وتعميق البحث فيها، لكي يظل التأليف بناء تراكميا. خامسا، توثيق مصدر الأمثلة التي يدلي بها المؤلف؛ هذا يساعد القارئ على تبين الجنس الذي يرد فيه استعمال وظيفة معينة، سواء كان علميا، أو أدبيا، أو صحفيا، أو عاميا.[xxvi] يتعلق الأمر الأخير بكيفية تقسيم المؤلف، فأجزاء الدرس تأتي متسلسلة حسب التردد المتوصل إليه للوظيفة، إذ أن الوظائف الأكثر استعمالا تأتي في أول الدرس، تليها الوظائف الأقل استعمالا. إننا، بناءً على هذا التقييم، سننتقل إلى تصميم نموذج لغوي للتأليف المعجمي النحوي المتني البيداغوجي في اللغة العربية، حاصرين تمثيلنا في عنصري “الفعل الماضي” و”الفعل المضارع”.

تطبيق المقاربة المعجمية النحوية المتنية في اللغة العربية:

العربية، مثل أي لغة، لها أجناس متعددة، إذ فيها العربية الأدبية، والعربية العلمية، والعربية الإعلامية، وغيرها من الأنواع التي تتحدد بالسياق والوظيفة التي تؤديها فيه. نحصر المرجع اللغوي في هذا الجزء التطبيقي في جنس العربية الإعلامية المكتوبة، وهي اللغة العربية التي تُستعمل في وسائل الإعلام المكتوبة، مثل الصحف، والمجلات، والمدونات، إلخ. أما العنصران المعجميان النحويان المراد دراستهما وتمثيلهما ضمن نموذج التأليف المتني البيداغوجي فهما زمني الماضي والمضارع. فلنلق نظرة على ما قاله علماء العربية المؤسسون في هذين العنصرين.

الماضي والمضارع في كتب التراث البيداغوجية:

يتفق نحاة العربية أن الفعل الماضي هو الحدث الذي وقع في الزمن الماضي قبل الزمن الذي قيل فيه الكلام. ويتشكل الماضي في اللغة العربية أساسا من فعل في شكله الاشتقاقي الأصلي، مبني على الفتح، أو السكون، أو الضم (مثل “نجحَ”، و”نجحْت”، و”نجحُوا”، على التوالي). أما الفعل المضارع فهو الحدث الذي يقع في الزمن الحاضر، أي في زمن الكلام. ويتشكل بإضافة أحد حروف المضارعة الأربعة إلى الفعل الماضي: الياء، أو التاء، أو الألف، أو النون (مثل “يَنجحُ”، و”تَنجحُ”، و”أَنجحُ”، و”نَنجحُ”، على التوالي). نجد هذه القواعد مفصلة في كتب كثيرة، في وجوه ورودها، وجهات إعرابها وبنائها، واستثناءاتها.[xxvii] أما الوظائف التي يؤديها الفعلان، الماضي والمضارع، فإن الحديث فيها يسير، وهو لا يكاد يخرج عن الحد الذي ذكرناه للتو في تعريف الزمانين. أما الأمثلة فهي مستقاة غالبا من الشواهد المعتمدة، وهي القرآن الكريم، والشعر الجاهلي، والسيرة النبوية، وأخبار العرب، وغيرها من نصوص ما قبل عصر التدوين. نذكر منها هذه الأمثلة:

الفعل الماضي: (أ) رأيت عبد الله منطلقا

   (ب) ضرب عبد الله زيدا

   (ج) بيناه في دار صدق قد أقام بها     حينا يعللنا وما نعلله

الفعل المضارع: (أ)  يُكرِم زيدٌ عمراً

   (ب) يقوم زيد

   (ج) يكتب زيد كتابا[xxviii]

المقاربة المعجمية النحوية المتنية

يبتدئ التأليف المعجمي النحوي المتني البيداغوجي بالتحليل المتني للقاعدة المدروسة. نعتمد في هذه الدراسة على متن مصمم سلفا، ضمن مشروع بحثي، قمنا به لغرض دراسة الأبعاد الوظيفية للنظام اللساني النصي في العربية الإعلامية،[xxix] وهو الجنس اللغوي الذي نمثل به المقاربة المقترحة في التأليف، كما أشرنا من قبل. يبلغ حجم هذا المتن مئة ألف كلمة (100000)، ويتضمن عشرة أجناس إعلامية فرعية: سياسة، واقتصاد، ومجتمع، ورياضة، وعلوم، وثقافة وفنون، وتكنولوجيا، ومرأة، وصحة وطب، ودين. وقد خضع هذا المتن لتصميم معياري، ونقد بناء، وتوسيم دقيق لسماته النحوية المعجمية النحوية، يجعل منه مرجعا مناسبا للجانب التطبيقي في هذه الدراسة.

يظهر تردد العنصرين، الفعل الماضي والفعل المضارع، من خلال نتائج التحليل أنهما يستعملان بشكل كثيف في جنس العربية الإعلامية عامة (انظر الجدول 1). فمعدل التردد الخام للعنصرين، أي عدد تكررهما في النصوص، يتراوح بين 20 و21 مرة في كل نص لا يزيد عدد كلماته عن 500 كلمة، وهو بإحصائه معياريا[xxx] يبلغ 44.2 بالنسبة للفعل الماضي، و42.6 بالنسبة للفعل المضارع. من جهة أخرى، يبلغ تردد الفعل الماضي 150 كحد أقصى في بعض النصوص، و179 بالنسبة للفعل المضارع.

السمة اللغويةمعدل التردد الخامالحد الأدنىالحد الأقصىمعدل التردد المعياري
الفعل الماضي21.608.000150.25044.266
الفعل المضارع20.833.000179.83742.679

الجدول 1: تردد الفعل الماضي والفعل المضارع في جنس العربية الإعلامية

يتبين عموما أن نسبة التردد بين العنصرين متقاربة جدا، لكن إذا قربنا الصورة لتواجدهما داخل الأجناس الفرعية للعربية الإعلامية فستظهر فروق واضحة، كما يبرز في الجدول التالي:

 الفعل الماضيالفعل المضارع
سياسة48.929.3
اقتصاد48.526.0
مجتمع50.538.0
رياضة55.824.9
علوم25.962.7
ثقافة وفنون55.242.5
تكنولوجيا35.243.9
مرأة41.957.3
صحة وطب27.152.9
دين47.356.7

الجدول 2: تردد الفعل الماضي والفعل المضارع في أجناس العربية الإعلامية الفرعية

تُظهر نتائج التحليل المتني أن الفعل الماضي أكثر ترددا في الرياضة، والثقافة والفنون، والمجتمع، في حين نجد الفعل المضارع أقل استعمالا في هذه الأجناس الإعلامية، بل إن المضارع يستعمل بكثرة في العلوم، والدين، والمرأة، هذه الأجناس التي يقل استعمال الماضي فيها. إن الهدف من هذه المعرفة التحليلية هو إدراك الفروق الوظيفية التي تتواجد بين عنصري الماضي والمضارع بفعل كثرة استعمال أحدهما أو قلته في أي من أجناس العربية الإعلامية. فبلوغ هذه الوظائف هو الخطوة التي يمكن أن يبني عليها مؤلف النحو البيداغوجي تقسيم المحتوى وترتيبه، كما سنرى لاحقا في النموذج المصمم.

بما أن التركيز في التأليف المعجمي النحوي البيداغوجي يكون مبنيا على اللغة الطبيعية، فيلزم إذا انتقاء الأمثلة من المتن نفسه الذي تم بناؤه وتحليله. علاقةً بالعنصرين المعجميين النحويين فإن مثل هذه النتائج غزيرة، لكننا ركزنا على 10 أمثلة لكل عنصر كما هو مبين في الجدول 3.

الفعل الماضي:
أكَّدَت الخليةُ -التابعةُ للحكومة- في بيان فتحَ تحقيق لمعرفة ملابسات الحادث.سياسة
حذَّرت إيران من أن أي تعاون إقليمي مع إسرائيل ضد أمنها القومي سيواجه برد واضح من دون تساهل.سياسة
أظهرت نتائج التحاليل الفطرية للرمال وجود بعض الفطريات الجلدية على مستوى بعض الشواطئ.مجتمع
أصبح ميسي مقتنعا بأن مسيرته مع برشلونة وصلت إلى محطتها الأخيرة.رياضة
زيدان هو المدرب الوحيد الذي أوقف ميسي وسيميوني عند حدهما.رياضة
أهمية الجوامع بالنسبة للمسلمين جعلت كلَّ من يحكم العراق يعمل على إحياء الجوامع القديمة.ثقافة وفنون
ذكرت صحيفة تايمز أن علماء الآثار في إسرائيل يعتقدون أنهم عثروا على بقايا أحد أقدم المساجد في العالم.ثقافة وفنون
أوقفت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع بالسعودية مسلسل “ضحايا حلال” الذي أثار ضجة غير مسبوقة.ثقافة وفنون
تُوفي الكاتبُ والسيناريست المصري وحيد حامد عن عمر يناهز الـ77 عاما.ثقافة وفنون
أدى تفشي فيروس كورونا وفرض إجراءات التباعد الاجتماعي إلى ارتفاع كبير في مبيعات أجهزة الترفيه.تكنولوجيا
 الفعل المضارع:
تتعدى مكاسب نهضة الصناعات الدفاعية التركية النواحي السياسية والعسكرية إلى مكاسب اقتصادية مهمة.اقتصاد
الرشوة تطيحُ بعميد شرطة بالرباط والنيابة العامة تفتح تحقيقا معه.مجتمع
يعكس التفوق المطلق لزيدان على سيميوني تتويجه بـ11 لقبا مع الملكي.رياضة
“نَفْسُهَا” هو فيلم أميركي يقدم دراما مُلهمة تدور أحداثها في دبلن.ثقافة وفنون
تتحول النجوم في نهاية حياتها إلى كرات بحجم الأرض من مادة متوهجة مضغوطة للغاية.علوم
قال غيتس إنه يحتفظ بجهاز آيفون في متناول اليد في حالة رغبته في استخدامه لأي سبب.تكنولوجيا
يرى كثيرون أن الأمور في وادي السيليكون سارت على النحو المأمول مع المرشح الديمقراطي.تكنولوجيا
إلى جانب مهمة الآذان يقوم المؤذنون بفتح المسجد قبل الصلاة والحرص على إغلاقه بعد خروج آخر مصل.دين
سبحان الله، حتى ونحن نعصي الله يكون رحيما بنا، فهو جلت قدرته يذيقنا فقط بعض وليس كل ما عملنا.دين
إن الرسول يسكن في القلوب، نعم هو يسكن في قلوبنا ونحبه أكثر من أي شيء على الأرض حتى النفس.دين

الجدول 3: أمثلة أفعال الماضي وأفعال المضارع المقتطفة من نتائج توسيم المتن

تأسيسا على هذه النتائج جميعها، قمنا بتصميم نموذج لدرس الماضي والمضارع، مستثمرين من جهة التقييم الذي توصلنا إليه للمؤلفات الثلاثة من اللغة الإنجليزية، ومعطيات التوسيم والتحليل والتفسير المتني للعربية الإعلامية التي ناقشناه أعلاه من جهة ثانية. نعرض هذا النموذج في الشكل التالي: 

الشكل 4: نموذج لدرس الماضي والمضارع (التأليف المعجمي النحوي المتني البيداغوجي)

خلاصة:

إن أوَّلَ التجديد في لسان العرب الفصيح تجديد النظر في اللغة العربية باعتبارها لغةً طبيعية نابضة بالحياة، لها سياق متحرك، ووظائف متنوعة، وغايات غير محدودة. فإذا كان “الأعرابي” قد أمسى مصدرا للكلام السليم، وأمسى »الكتاب« طريق الدرس القويم، فإن طبيعة التحول في اللغة وتعلمها يقتضي التشييد والاستكمال، لا المكوث في طبقة من البناء مدى الدهر. عالَمُ العربية إذن ليس عالم إنسان، وإنما عالم بيان، ينمو ويتفرع ويتشعب بمرور الزمن. ومنهُ، ينبغي على دارس اللغة العربية استقراء حركته في الزمان والمكان، أي في عملية الاستعمال المتحركة والسياق، بالاستعانة بما تقدمه تكنولوجيا العصر من الأدوات، وما تقدمه اللسانيات المعاصرة من الطرق والمناهج في النظر. والتأليف المعجمي النحوي المتني، الذي كشفته هذه الدراسة ضمن مراجعة تطبيقية، هي مقاربة تنحو هذا النهج في مقاربة اللغة العربية في الدرس اللغوي البيداغوجي. وقد حُصر الجهد التطبيقي في تقييم أعمال بارزة من اللغة الإنجليزية وتصميم نموذج على أمثالها في اللغة العربية، ولابد أن أثرَ هذا التأليف جلي في تجديد الاستعمال الفصيح، فهو يعرض أمام الباحث في اللغة معطيات ويناقشها، فيستكشف الباحثُ كيف تتلاحم بُنى اللسان مع المعاني والدلالات عبر أبعاد قابلة للربط والقياس، ويعرض على مدرس اللغة استراتيجيات للتعامل مع النص العربي متنيا وإحصائيا ووظيفيا، وفي هذا كلّه مساهمة في العقل اللغوي العربي.    

الهوامش:


[i] أبو عثمان الجاحظ، البيان والتبيين، ج. 1 (بيروت: دار إحياء التراث العربي) ص. 56

[ii] الإبلاغ هو الوظيفة الأساسية للغة، وهو جزء من عملية أشمل هي التواصل. وقد عُرّفت اللغة أنها أصواتٌ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم (انظر: ابن جني، الخصائص، ج. 1، تحقيق محمد علي النجار، بيروت: دار الكتب العلمية، 2013، ص. 87)

[iii] الجاحظ، الحيوان، ج. 1، تحقيق عبد السلام هارون (بيروت: دار الجيل، 1996)، ص. 72

[iv] أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تحقيق هيثم خليفة الطعيمي (بيروت: المكتبة العصرية، 2011)، ص. 42

[v] أبو منصور الثعالبي، فقه اللغة وأسرار العربية، تحقيق يحيى مراد (القاهرة: مؤسسة المختار، 2009) ص. 22

[vi]  المرجع السابق، ص. 14

[vii]  ابن جني، الخصائص، ج. 1، ص. 99

[viii] جدير بالملاحظة هنا الفرقُ بين علم اللغة – المعجم – والنحو. فاللغة كانت عند العرب العلم الذي يختص بجمع الألفاظ اللغوية ودراستها، ويسمى دارس هذا المجال اللُّغَوي، وهو العالم الذي يصنف في ألفاظ اللغة ومعانيها، ولا يتعدى النقل إلى التفسير (مثال على ذلك كتاب الثعالبي السالف الذكر). أما النحوي فهو الذي يتصرف فيما نقله اللغوي ويقيس عليه، وهو الذي يستنبط القوانين التي تنظم لسان العرب (انظر تفصيل هذا الفرق في: عبده الراجحي، فقه اللغة في الكتب العربية، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 2003، ص. 38)

[ix] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 1984)، ص. 339

[x] يمتد عصر التدوين من القرن 2ه إلى القرن 7ه (القرن 8م-القرن 13م)

[xi] افتقد علماء اللغة العرب قديما إلى أدوات حوسبية، وهي من بين عوامد الدراسة المتنية الحديثة، كما سنرى فيما يلي من البحث.

[xii] Kristen Brustad,The iconic Sībawayh (Berlin, de Gruyter, 2016), p. 141

[xiii] Everhard Ditters, Arabic corpus linguistics in past and present (Amsterdam, John Benjamins, 1990), p. 129

[xiv] Jonathan Owens, Early Arabic grammatical theory (Amsterdam, John Benjamins, 1990); The Arabic grammatical tradition (New York, Routledge,1997), p. 46

[xv] Elena Tognini-Bonelli, Corpus linguistics at work (Amsterdam, John Benjamins, 2001), p. 29

[xvi] محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، ص. 207

[xvii] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، ص. 15

[xviii] يمكن القول أن “العالم” يشير هنا إلى اللغة المعجمية والنحوية المؤلفة في الكتب التراثية البيداغوجية، والمقتفية دائما لأنماط عيش الأعرابي.

[xix] محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، ص. 81

[xx] Vaclav Brezina, Statistics in corpus linguistics (Cambridge, Cambridge University Press, 2018), p. 106

[xxi] فالكاتب/المؤلف مخير، على سبيل المثال، بين أن يستعمل “ظل” أو “بات” أو “غدا”، ومخيرٌ بين أن يقول “كاد” أو “أوشك” أو “كرب”، ومخير بين أن يجمع بعض الأسماء جمعا سالما أو يجمعها جمع تكسير. في آخر المطاف، يكون اختياره مقيدا بالمرجع (العقل اللغوي) والوظيفة التي يود بلوغها في الكتابة.

[xxii] Douglas Biber et al., Longman grammar of spoken and written English (Edinburgh, Pearson Education Limited, 1999)

[xxiii] يمكن مقارنة ذلك بهذين المؤلفين:

Raymond Murphy, English grammar in use (Cambridge, Cambridge University Press, 1985)

Audrey Jean Thomson and Agnes V. Martinet, A practical English grammar (Oxford, Oxford University Press, 1986).

[xxiv] John Sinclair, Cobuild English grammar (London, HarperCollins, 1990)

[xxv] John Sinclair, Cobuild English dictionary (London, HarperCollins, 1987)

[xxvi]  يُقصد ب”العامي” الكلام السائر المستعمل بين الناس في سياقات غير رسمية، كالمحادثات العامة، ويكون مقبولا في اللغة المعيارية Standard language 

[xxvii]  من بينها »التطبيق النحوي« لعبده الراجحي و»النحو الوافي« لعباس حسن

[xxviii] سيبويه، الكتاب، تحقيق عبد السلام محمد هارون (القاهرة: عالم الكتب، 1988)

[xxix] Zakariae Azennoud, The lexico-grammatical ecology of media Arabic genre (International Journal of Linguistics)

[xxx] تحسب القيمة المعيارية لتردد العنصر وفق عملية حسابية معتمدة في التحليل المتني، وهي كالتالي: (عدد تردد العنصر x عدد كلمات النص)/ 1000 (انظر Friginal and Hardy, Conducting Multi-dimensional analysis using SPSS, Amsterdam, John Benjamins, 2014, p. 297)

المراجع:

العربية

ابن جني، أبو الفتح، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، ج. 1 (بيروت: دار الكتب العلمية، 2013)

التوحيدي، أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، تحقيق هيثم خليفة الطعيمي (بيروت: المكتبة العصرية، 2011)

الثعالبي، أبو منصور، فقه اللغة وأسرار العربية، تحقيق يحيى مراد (القاهرة: مؤسسة المختار، 2009)

الجابري، محمد عابد، بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1986)

الجابري، محمد عابد، تكوين العقل العربي (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 1984)

الجاحظ، أبو عثمان، البيان والتبيين، ج. 1 (بيروت: دار إحياء التراث العربي [د. ت.])

الجاحظ، أبو عثمان، الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، ج. 1 (بيروت: دار الجيل، 1996)

حسن، عباس، النحو الوافي (القاهرة: المعارف، 2010)

الراجحي، عبده، التطبيق النحوي (الإسكندرية: المعرفة الجامعية، 1998)

الراجحي، عبده، فقه اللغة في الكتب العربية (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 2003)

سيبويه، أبو بشر، الكتاب، تحقيق عبد السلام محمد هارون (القاهرة: عالم الكتب، 1988)

الإنجليزية

Azennoud, Zakariae. “The Lexico-Grammatical Ecology of Media Arabic Genre: A Multi-Dimensional Analysis.” International Journal of Linguistics, vol. 15, no. 5, 2023, pp. 153–182.

Biber, Douglas, et al. Longman Grammar of Spoken and Written English. Pearson Education Limited, 1999.

Brezina, Vaclav. Statistics in Corpus Linguistics. Cambridge University Press, 2018.

Brustad, Kristen. “The Iconic Sībawayh.” Essays in Islamic Philology, History, and Philosophy, edited by Ali Korangy, William M. Thackston, Reza P. Mottahedeh, and William Granara, de Gruyter, 2016, pp. 141–165.

Ditters, Eric. “Arabic Corpus Linguistics in Past and Present.” Studies in the History of Arabic Grammar II: Proceedings of the 2nd Symposium on the History of Arabic Grammar, edited by Kees Versteegh and Michael G. Carter, John Benjamins, 1990, pp. 129–141.

Friginal, Ernesto, and Anthony J. Hardy. “Conducting Multi-Dimensional Analysis Using SPSS.” Multi-Dimensional Analysis, 25 Years On: A Tribute to Douglass Biber, edited by Tony B. Sardinha and Márcia V. Pinto, John Benjamins Publishing Company, 2014, pp. 297–321.

Murphy, Raymond. English Grammar in Use. Cambridge University Press, 1995.

Owens, Jonathan. Early Arabic Grammatical Theory: Heterogeneity and Standardization. John Benjamins, 1990.

—. “The Arabic Grammatical Tradition.” The Semitic Languages, edited by Robert Hetzron, Routledge, 1997, pp. 46–58.

Sinclair, John. Cobuild English Dictionary. HarperCollins, 1987.

—. Cobuild English Grammar. HarperCollins, 1990.

Thomson, A. J., and A. V. Martinet. A Practical English Grammar. Oxford University Press, 1986.

Tognini-Bonelli, Elena. Corpus Linguistics at Work. John Benjamins, 2001.