كلمة التحرير

بفضل الله وتوفيقه، تطوي مجلة اللغة عقدا من الزمن في خدمة البحث العلمي في اللغة العربية، وتنظر باعتزاز إلى عشر سنوات من الجهد المتواصل في بناء صرح معرفي يعلي من قيمة اللغة ويواكب تطوراتها بين العلماء والباحثين، رغم كونها تصدر من دولة أعجمية كالهند. وإننا بهذه المناسبة الغالية لا يسعنا إلا أن نعبر عن بالغ الشكر والامتنان لكل من أسهم في ترسيخ هذا المنبر العلمي، من الباحثين، والمراجعين، والقراء، الذين جعلوا من المجلة منارة تضيء الطريق للدارسين في كل مكان.

يأتي هذا العدد الأول من الكتاب العاشر مميزا بمحتواه العلمي الغني، حيث يضم سبع مقالات بحثية أصيلة تسبر أغوار اللغة من نواح متعددة. وقد استهل العدد بدراسة رائدة للدكتورة فرزانه حاجي قاسمي من جامعة أصفهان، بعنوان تأثير تقنية التظليل والتكرار على طلاقة الكلام لدى متعلمي اللغة العربية الإيرانيين. تسلط هذه الدراسة الضوء على أثر التدريب السمعي والشفوي في تعزيز الطلاقة الكلامية، موضحة تفوّق تقنية “التظليل” في تقليص التوقفات اللفظية مقارنة بتقنية “التكرار”. وتمثل هذه الدراسة إسهاما تطبيقيا مهما في تطوير طرائق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، لا سيما في السياقات الإيرانية الجامعية.

أما المقال الثاني، فكان للدكتورة خولة الزلزولي والدكتور عيسى إبراهيم من جامعة الفرات بتركيا، بعنوان الاقتباس السينمائي للرواية” ويتناول المقال ظاهرة تحويل النصوص الروائية إلى أفلام، مستعرضا التحديات الجمالية والفنية التي تكتنف هذه العملية. ويشير الباحثان إلى أن الاقتباس ليس مجرد نقل بل هو تأويل وتحويل، وقد ينجح أو يخفق بحسب مدى ملاءمة النص للعرض البصري. هذا الطرح يعمّق فهمنا للعلاقة بين الأدب والسينما كأداتين تعبيريتين مختلفتين.

ويتابع زكرياء أزنود في المقال الثالث أثر التأليف المعجمي النحوي المتني في تجديد الاستعمال العربي الفصيح، بحثا في كيفية تجاوز التقعيد النحوي التقليدي إلى تصورات تحليلية تدمج السياق الواقعي والوظيفي في تعليم اللغة. تستند دراسته إلى تصور محمد عابد الجابري في نقد العقل اللغوي العربي، وتقترح إعادة النظر في التأليف النحوي من خلال منظور معجمي متني يمكن المتعلم من التفاعل الحقيقي مع اللغة.

ويسهم المقال الرابع، الذي قدمته سمية حسنعليان ورؤيا كمالي من جامعة أصفهان، في الإضاءة على فاعلية قاعدة الدمج في الاتساق النحوي للقصائد العلويات لابن أبي الحديد ومن خلال دراسة القصيدة الثانية “فتح مكة”، تظهر الباحثتان كيف تعمل آليتا الحذف والإحالة ضمن قاعدة الدمج على ربط الأبيات وإنتاج المعنى المتسلسل، وهو ما يدل على أن الجمالية الشعرية متجذرة في البنية النحوية المتماسكة.

أما المقال الخامس، للباحث خميسي ثلجاوي من تونس، فيحمل عنوانفي شعاب المعنى اللغوي وإشكاليات الدليل: قراءة في المشروع البلاغي للدكتورة نور الهدى باديس” ويستعرض المقال بعمق مشروع الباحثة في فهم خصائص المعنى بين التمام والنقصان في الخطاب العربي. ويمثل هذا البحث التفاتا مهما إلى أبعاد المعنى اللغوي في ضوء النظريات التراثية والمعاصرة، مما يفتح آفاقا جديدة في الدرس البلاغي العربي الحديث.

وفي سادس أوراق هذا العدد، نقرأ دراسة للدكتور أحمد رضا صاعدي والباحث قادر قادري من جامعة أصفهان، بعنوان الخيال العلمي وخطاب ما بعد الاستعمار في رواية فرانكشتاين في بغداد.  وتكشف الدراسة عن الطابع الرمزي والمقاوم في الرواية العراقية، مبيّنة كيف استخدمت عناصر الخيال العلمي كوسيلة تعبير عن الواقع الاستعماري الأمريكي للعراق، وما حمله من تداعيات على الهوية والمجتمع والسياسة.

وتختتم المقالات بمساهمة الباحث المغربي عبد الرحمان إكيدر، بعنوان تلقي مفهوم التعليق عند عبد القاهر الجرجاني في الفكر اللغوي والبلاغي الحديث.  ويتناول المقال أثر مفهوم “التعليق” كما أسسه الجرجاني في نظرية النظم، وكيف تلقاه الباحثون العرب المحدثون، مما يثبت ديمومة الفكر البلاغي العربي وقدرته على إلهام الأبحاث الحديثة.

بهذا العدد، تواصل مجلة اللغة رسالتها العلمية، ملتزمة بنهج أكاديمي رصين، محتفية بالإنجازات البحثية التي تربط الماضي بالحاضر، والتقليد بالتجديد. وبهذه المناسبة، نجدد العهد على أن تبقى المجلة منبرا حرا لكل بحث جاد يسهم في نهضة اللغة العربية، ونشكر مجددا كل من رافقنا على هذا الطريق العلمي النبيل.