شوقة علي سي وي
النساء نصف أية أمة، ولهن فضل كبير في بقاء الإنسان على سطح الأرض. ويقمن بمسؤولية كبيرة في تقدم أي مجتمع أو في تدهوره، لأن النساء يلعبن أدورا هامة في عجلة الحياة مثل دور الأم، ودور الأخت، ودور الزوج، ودور البنت، وغيرها التي لا يمكن لأحد من الرجال أن يلعب تلك الأدوار. لكن مع أهمية هذه الأدوار المذكورة لم يكن مكانها شيئا مذكورا في الأمم الماضية، لأن الأمم العالمية في القرون الماضية لم يعتبروها جزءا مهما في المجتمع، ولم يوفروا نصيبها من الحقوق مع كثرة الواجبات عليها، فكانت النساء عندهم وسيلة للتمتع والتلذذ وآلة للولادة والخدمات.
فالأمة الجاهلية قبل مجيئ الرسول محمد كانوا يحتقرون النساء، وإذا بشر أحدهم بولادة بنت سيسود وجهه بسببين1) يقينه بأن ميلادها وصمة عار في جبين قبيلته2) أنها لا تحمل السيف في الحروب مثل الرجال. ولذا كانت عادة وأد البنات شائعة من بينهم في أيام الجاهلية كما أشار إليها القرآن “وإذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت”. وكذلك كانوا يتزوجون النساء حسب إراداتهم ويطلقونهن بلا شروط. وكانت المرأة في ذلك المجتمع لا ترث من تركات أبويه مع أنها كانت عندهم مالا يورث كما يورث الذهب والفضة حيث كان الأبناء يرثون أزواج الأب بعد موته.
وقد تغيرت هذه الأحوال مع مجيئ الرسول محمد برسالة الإسلام، فقد اعتبر الإسلام النساء جزء عظيما في المجتمع، ورفع درجتهن حتى تساوي مع درجة الرجال. وفضّل جميع أعمالهن التي تقمن بها في داخل البيوت أوفي خارجها، وقسم لهن حظا موفورا من الميراث، وحث الرجال على أداء فرضياتهم لنسائهم، وأمرهم ألا يظلموهن، ودرّبهم لأن يحسنوا لأمهاتهم أكثر من إحسانهم لآبائهم، وأخبرهم بأن خيار الناس في الإسلام هو خيارهم بنسائهم. فصارت النساء شيئا مذكورا في المجتمع الإسلامي ذات صوت مقبول في الأمور الدينية والدنيوية، وظهرت منهن علماء كبار مثل عائشة بنت أبي بكر وعسكريات كبيرة مثل أم عمارة.
لكن بعد مرور القرون تحول حال النساء إلى صورته الغريبة كما كانت في الجاهلية، وقد اقتصرت حقوقهن في المجتمع الإسلامي ومُنعن من معاملاتهن في خارج البيوت ونُهين من التعليم العصري وزُوِّجن بدون رضواهن حتى اقتصرت حريتهن بين جدران البيوت. وسيطر الرجال على أموالهن ظلما حتى وقعت أحوالها إلى حال بعيد عما جاء به رسول الله. وامتدت هذه الحالة الرديئة إلى بداية العصر الحديث للأدب العربي بدون أي اعتبار لقضايا النساء في الأعمال الدينية والأعمال الأدبية وبدون أي معاملات شديدة لتحريرها من القيود والأسرار. ولم تذكر الأعمال الأدبية في تلك القرون الطويلة وجود النساء إلا وصفا عن صورتها وشكلها وجمالها أو رثاء عليها بدون أن تناول قضاياها الإنسانية. ويشير قول أنيس المقدسي إلى هذا الأمر: “إذا استثنينا بابي الرثاء والغزل فقلما نرى للمرأة في أدبنا القديم من أثر أو مقام يذكر”.
فأول من رفع صوته لتحرير المرأة هو رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873) في كتابه “المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين”. وقد تولى بعده عدة أدباء هذه المسؤولية الكبيرة وألفوا كتبا متعددة تتناول قضايا النساء المسلمة، وأعظمهم الأستاذ قاسم أمين (1865-1908) صاحب كتابي “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة”، وشاركت معه الشاعرة المشهورة عائشة التيمورية (1840-1902) التي واجهت مشاكل عديدة في طفولته لحصول الدراسة العصرية الممنوعة للنساء المصرية إذ ذاك. وانضم كثير من العلماء والأدباء إلى هذه الحركة لتحرير المرأة في العالم العربي مع كثرة الهجومات الأكاديمية عليهم من قبل فريق وصف هذه الحركة انحرافا من تقاليد العرب وعاداتهم. فأحمد شوقي واحد ممن دعا لتحرير المرأة في العالم العربي الحديث.
فأحمد شوقي (1868-1932) المولود في مصر من أبرز الشعراء العرب، وقد لعب دورا فعالا في تجديد الشعر العربي في العصر الحديث مع صاحبيه حافظ إبراهيم (1872-1932) وخليل مطران (1872-1949) باتباع خظوات محمود سامي البارودي (1839-1904). وقد كانت له علاقة وثيقة بقصر الخديوي منذ صغر سنه، ولذا حصل فرصة ذهبية من قبل الخديوي توفيق – حاكم مصر حينذاك – لاستمرار تعليمه في باريس على نفقة الخديوي. واستخدم الشاعر أيامه في باريس لأن يتعارف حياة الشعب الغربي وثقافاتهم ولأن يطلع على آدابهم وأفكارهم. وقد أصبح هذا التعارف عاملا من العوامل الأساسية لتوسع عالم شوقي وتنوع أفكاره وأغراضه حتى صار أكبر الشعراء الذي بويع بإمارة الشعر العربي في حفلة اجتمع فيها أدباء وشعراء من أقطار العالم العربي في عام 1927.
وإن من سمات أحمد شوقي أنه قرض أشعارا في أغراض متنوعة، ولم يبلغ أي شاعر قبله وما بعده إلى حد بلغ إليه شوقي في عدد الأبيات الشعرية حيث أن عدد أبياته تزداد من أربعة وعشرين ألف بيت كما أشار إليه الدكتور عبد المنعم عبد الحميد بعدما تعمق في أعمال شوقي وعدّ أبياته الشعرية. فمن المتوقع أن تكون القضايا النسائية التي صارت موقع الحوار بين الأدباء والعلماء في عهده واحدا من المواد الشعرية لشاعرنا شوقي الذي قرض أكثر من غيره من الشعراء. ففي هذا البحث يريد الباحث أن يشير إلى صورة المرأة الموجودة في أعمال أمير الشعراء عامة وفي مسرحيته الست هدى خاصة.
إن ديوان شوقي الشوقيات التي طبع في أربعة أجزاء يحتوي كثيرا من القصائد المتعلقة بحياة المرأة. خلال أشعاره يتناول شوقي مختلف القضايا النسائية الموجودة في مجتمعه حينذاك، فقضية التعليم واحدة من أبرز تلك القضايا. لأن المرأة في عهد شوقي لم تسمح لنيل التعليم العصري كما يتعلم الرجال، وما كان لها حق إلا لتعلم القراءة والكتابة حتى تقدر لتلاوة القرآن ولقراءة بعض الكتب الدينية. أما الأدب والعلوم الفلكية والعلوم الهندسية وغيرها من العلوم العصرية كانت محرومة لنساء العرب إذ ذاك. ولذا أول مهمة تولاها شوقي هي إزالة تلك القيود الباطلة من ظهر المرأة المسلمة، فيرى أن السبب الرئيسي لانحطاط العالم العربي في ذلك الحين هو الأمية الشائعة بينهم وخاصة أمية النساء اللاتي يربّين جيل المستقبل. فإذا أزيلت أميتهن ستزال أمية جيل جديد وبالتالي أمية مجتمع قادم ومن ثم أمية دولة كاملة. فيقول شوقي مشيرا في قصيدته “العلم والتعليم “إلى أمية النساء كأمية الرجال وهلاك الدولة:
وجد المساعد غيركم، وحُرمتم في مصر عون الأمهات جليلا
وإذا النساء نشأن في أمية رضع الرجال جهالة وخمولا
أما في قصيدته “مصر تجدد نفسها بنسائها المتجددات” يذكر شوقي عن النساء العلماء في تاريخ الإسلام ومكانهن في المجتمع الإسلامي لكي يفهم المجتمع المصري خلال أبياته كيف كانت صورة النساء في الأمة المسلمة في القرون الماضية ولأن يقوموا بإصلاحات في مجتمعهم الجاري. يقول شوقي في تلك القصيدة:
العلم كان شريعة لنسائه المتفقهات
رضن التجارة، والسيا سة، والشؤون الأخريات
وحضارة الإسلام تنـ طق عن مكان المسلمات
بغداد دار العالما ت، ومنزل المتأدّبات
ولم يكتف الشاعر تعبيره عن تعليم النساء في أشعاره الغنائية فحسب، بل قد مارس هذا الجانب في أعماله الأخرى من الروايات والمسرحيات والمقالات. فإن مسرحيته النثرية “أميرة الأندلس” تحكي قصة المعتمد بن عباد (أحد ملوك الطوائف) وابنتها بثينة، ويمثل شوقي في تلك المسرحية بثينة كمرأة مهذبة ذات قول مقبول عند الملك. وكذلك أنه يبدأ مسرحيته “مجنون ليلى” الشعرية بحوار بين ليلى بطلة الرواية مع رجل من قريتها حول الاختلافات بين البادية والحضارة، وتظهر ليلى آراءها أمام الشعب بلا خوف ودهشة. فيمثل شوقي شخصيتي بثينة وليلى نموذجين لمرأة مهذبة حتى تكونا قدوتين للمرأة المصرية حينئذ.
أما القضية النسائية الأخرى التي تناولها شوقي في أعماله هي الزواج. وقد وضع الإسلام شروطا واضحة لصحة نكاح ولصلاحية الحياة الزوجية، وجعل لكل من الزوجين حقوقا وواجبات حتى لا تقع الفتنة في حياتهما. وشرط الرسول رضوان المرأة قبل النكاح بالشخص الذي يريد أن يتزوجها، وكذلك أمر الرجال أن يقسطوا في أمور أزواجهم وألا يظلموهن. لكن صورة النكاح في عهد شوقي لم تكن مثلما أمر بها الرسول، ولم يكن للمرأة قول مقبول عند نكاحها كما لم يكن لها اختيار في زوجها.
اعتبر شوقي هذه القضية مفسدة عظيمة تؤدي إلى هلاك الأمة، ويراها أمرا خطيرا لا بد أن يعالجها، فإلا لا يمكن للمرأة أن تتمتع بحريتها في الزواج مثلما يتمتع بها الرجل. فقد كتب في أعماله عن هذه المفسدة استهدافا لإصلاح الأمة العربية، فأبرز الأعمال التي تناول شوقي هذه القضية هو مسرحيته “الست هدى” التيقص فيها حياة امرأة ثرية تسمى الست هدى التي تزوجت عشرة من الرجال واحداتلو واحد. لكن معظمهم إنما تزوجوها قصدا لثروتها إلا زوجها الأول. فشوقي يعاتب خلال هذه المسرحية تلك المفسدة الموجودة في ذلك المجتمع حيث يتزوج الرجل امرأة بسبب مالها، ثم يظلم عليها بعد الزواج لأن تعطي الزوجه أموالها لزوجه. فشوقي يذكر في المسرحية قول عبد المنعم الزوج التاسع للست هدى مشيرا إلى تلك الحالة الرديئة:
إني لم أخطبك يا هدى لفرط حسنك
ولا تزوجتك يا صغيرتي لسنّك
ولا وقعت في البلا ء لسواد عينك
بل إذن لطينك
وكذلك يشير الشاعر في نفس الملهاة إلى عدم السماحة للمرأة المصرية في ذلك الحين لاختيار أزواجهن. وينقد تلك الحالة الرديئة بقولواحد من ممثلي المسرحية المسمى بهية حيث تقول للست هدى عن زوجها وعدم اختيارها في قضية الزواج:
ما اخترت يا عمّتي ولكن أبي وأمي تخيّرا لي
بنات مصر يخطبن لكن لا يتناقشن في الرجال
نُباع يا عمتي ونُشرى وما نحن إلا عروض مال
ولم يكتف شوقي بذكر تلك العادات الباطلة الشائعة في العالم العربي وبنقدها بحسب، بل أنه يرمز إلى كيفية الإصلاحات منها. يمثل لهذا الغرض بعض الشخصيات القوية في أعماله نموذجا للمرأة القوية ذات رأي واختيار في أمور حياتها. فبثينة في مسرحيته “أميرة الأندلس” واحدة من أولئك الشخصيات، ويمثلها المؤلف في تلك المسرحية فتاة ذات صوت واختيار في قضية الشخص الذي ستعيش معه جزء كبيرا من حياتها. ولذا يصورها شوق يترد خطبة المغربي سير بن أبي بكر المتزوج بثلاث لأن تكون زوجته الرابعة قائلة: “إنك يا سيدي القاضي تدعوني إلى خطة لا أنا مضطرة، فأحمل النفس الكارهة عن قبولها، ولا أمير ابن أبي بكر معطّل البيت من الربة الصالحة، فيتشبث بي ويصرّ علي، بل تلك خطة لم أجد أبويّ عليها، ولم آلف رؤية مثلها في حياة أسرتي، فهذا أبي جعلني الله فداءه، ولم يتخذ على أمي ضرّة، ولم يكسر قلبها بالشريكة في قلبه، فجاءت بنا أولاد أعيان، نجتمع في جناح الأبوة، ولا نفترق في عاطفة الأمومة”.
ثم يجذب شوقي نظرة القراء والسامعين إلى الإغارات الظالمة التي يرتكبها الرجال القوامون على نسائهم، وكانت تلك الجرائم عامة في جميع المجتمعات العالمية التي يترأسها الرجال الأقوياء. فالعالم العربي ولا سيما الشعب المصري لم يكن مختلفا منها في أمر الهجومات على نسائهم. فشوقي يصور هذه الاعتداءات على نساء مصرفي ملهاته “الست هدى”، ويمثل الست هدى رمزا واضحا لكل امرأة مظلومة. فيرى المشاهدون الست هدى في مطلع المسرحية تحكي لجاريته زينب عن أزواجها التسعة السابقة، فكان من بينهم فقيه وعالم وجندي وأديب وغيرهم من الطبقات المختلفة للمجتمع، لكن مع مدى اختلافهم في الطبقات والوظائف أنهم اتفقوا جميعا على ضرب هدى إلا زوجها الأول. أما زوجها التاسع الذي تسكن معه هدى في مطلع المسرحية سكران يشاجر معها دائما ويطلب من مالها ويضربها بيده وبعصاه حتى تختفي منه في غرفة النوم خوفا من جرائمه. فيسبها هذا الزوج بأسماء لا تحب أن تسمعها مثل القردة والعجوز والنحس والضلال وما إلى ذلك. ويعبّر شوقي صورة إتيانه إلى دار هدى في بيت تالي:
هدى تعالي يا عتيقة اظهري عندي لك النعل وهذه العصا
أما في قصيدته عبث المشيب ينقد شوقي هذه التقاليد الفاسدة مع أن ينصح قراءهم من البلدان العربية إلى إحسان معاملاتهم مع أزواجهم وأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم. ويفضل فيها تحملات النساء في تربية الأولاد وتعمير البيوت وإتمام حاجات الرجال وما إلي ذلك من الأعمال التي كانت يحتقرها الأمة المصرية في ذلك الحين. ويقول شوقي فيها:
ظلم الرجال نسائهم وتعسّفوا هل للنساء بمصر من أنصار؟
شاطرنهم نعم الصبا وسقينهم دهرا بكأس للسرور عقارا
الوالدات بنيهم وبناتهم الحائطات العرض كالأسفار
الصابرات لضرّة ومضرّة المحييات الليل بالأذكار
والقضية النسوية الأخرى التي اختارها شوقي غرضا لأعماله هي قضية الحجاب والسفور، مع احتكاك المدنية الغربية بالتقاليد الشرقية في نهاية القرن التاسع عشر في صورة واضحة صارت قضية الحجاب والسفور أمرا حارا للحوار بين العلماء المسلمين وأدباءهم. لأن مقصود هتين الكلمتين لا تتعلقان بستر الوجه أو عدمه فحسب، بل كانت لهما معاني واسعة من هذين النطاقين مثل عدم سماحة النساء لخروج من بيوتهن ومنعهن من المعاملات في الأسواق وعدم مساواتهن مع الرجال وما إلى ذلك.
ولذا تفرق العلماء المسلمون إلى قسمين في تلك القضية، فقسم يمنعها من الخروج والمعاملات في الأسواق، وفريق يدعي لمساواتها مع الرجال ولمشاركتها في الأمور الخارجية. أما كان في رئاسة القسم الأول علماء من الأزهر ورجال الدين، وفي رئاسة القسم الثاني الأستاذ محمد عبده وقاسم أمين وغيرهما. وقد قال قاسم أمين: “سبق الشرع الإسلامي كل شريعة سواه في تقدير مساواة المرأة للرجل، فأعلن حريتها واستقلالها يوم كانت في حضيض الانحطاط عند جميع الأمم وخولها كل حقوق الإنسان، واعتبر لها كفاءة شرعية لا تنقص عن كفاءة الرجل في جميع الأحوال المدنية من بيع وشراء وهبة ووصية…… كلها تشهد على أن من أصول الشريعة السمحاء، احترام المرأة والتسوية بينها وبين الرجل”. فشوقي شارك مع القسم الثاني الذي يدعي لمساواة المرأة للرجال.
فله في هذه القضية قصيدتان في النساء العثمانية، الأولى عنوانها “المرأة العثمانية” المنشورة عام 1899، والثانية عنوانها “كوك صو” التي نشرت عام 1900. أما في القصيدة الأولى يتعجب شوقي بالمرأة العثمانية التي أسفرت وخرجت إلى الأسواق والمنتزهات مع زينة التقوى والعفاف، وفي القصيدة الثانية لا يخالف السفور، لكن يقيدها بنفس الزينة المذكورة في السطر السابق. ويرى الشاعر بأن الحجاب لا يفيد إلا بأن تستر المرأة بالأخلاق الكريمة. ويقول في قصيدة “كوك صو”:
وردنك كوثرا، وسفرن حورا وهل بالحور إن أسفرن بأس؟
فقل للجانحين إلى حجاب أتحجب عن صنيع الله نفس؟
إذا لم يستر الأدب الغواني فلا يغني الحرير ولا الدمقس
وأما في رثائه لقاسم أمين يصف الحجاب سماحة ويسارة:
إن الحجاب سماحة ويسارة لو لا وحوش في الرجال ضواري
جهلوا حقيقته وحكمة حكمه فتجاوزوه إلى أذى وضرار
ولم يكتف الشاعر هذه القضية في الأعمال المذكورة فقط، بل تناولها في أعماله الأخرى أيضا مثل قصيدة “بين الحجاب والسفور” وقصيدة ” مصر تجدد نفسها بنسائها المتجددات” وغيرهما. أما في قصيدة “بين الحجاب والسفور” استخدم شوقي جانبا رمزيا لأن يشير إلى القيود والسلاسل على حرية المرأة. ولذا شبهها بطير يجتهد لإطلاقه من القفص المغلق المقيد على حريته ولو كان موفورا من الأطعمة والأمتعة. فينصح شوقي النساء المصريات بالاجتهاد لخروجها من جدران البيوت إلى عالم أوسع منه كما يجتهد هذا الطير لخروجه من القفص إلى السماء الواسعة. ولكن مع ذلك يواسيها أحيانا بالصبر في شأن القيود لئلا تقع في النسور الجهّل:
يا طيرُ، لولا أن يقو لوا: جنِّ؛ قلت: تعقّل
اسمع، فرب مفصّل لك؛ لم يفدك كمجمِل
صبرا لما تشقى به أو ما بدا لك فافعل
إن طرت عن كنفي وقعـ ت على النسور الجهل
خلاصة القول
لا شك في مكان أحمد شوقي الملقب بأمير الشعراء في الأدب العربي الحديث، فأعماله المتعددة لا تزال تبقي أحسن دليل لتبرير هذا اللقب الذي لم يشرف به أحد قبله ولا بعده. فقد تناولت أعماله جميع الجوانب الإنسانية الموجودة في عصره، مما فيها قضية المرأة التي أصبحت في العالم العربي مجالا للحوار بين الأدباء ورجال الدين في تلك الفترة. فشوقي الذي تعلم في الدول الغربية وشاهد حياة النساء الأوربية اعتنى بتلك القضية عناية بارزة حيث أنه دعا لتحرير المرأة العربية من حالها الرديء. وقد صرخ ضد العادات الفاسدة التي شاعت في العالم العربي في أمور النساء مثل عدم اختيارهن في الأزواج وعدم الإجازة لهن في المعاملات العامة خارج البيوت والظلمات والجرائم من قبل الأزواج على زوجاتهم وعدم سماحة لنفي ذلك المجتمع لنيل التعليم العصري وما إلى ذلك.
فقد نقد شوقي خلال أعماله الظلمات والجرائم التي ارتكبها الرجال العرب على نسائهم في ذلك الحين كما أنه وضع أمامهم صورة نموذجية لنساء مستقلة مع اختيار في أمورهن وحرية في معاملاتهن مثل أميرة الأندلس وليلى في مسرحية مجنون ليلى وكليوباترا وغيرهن لكي تقتديهن النساء العرب في مظاهراتهن على سبيل حقوقهن. فمارس شوقي خلال أشعاره وأعماله الأخرى معظم المشاكل التي واجهتها المرأة العربية في ذلك الوقت، وكذلك أنه نصح الرجال وأرشدهم إلى إصلاحاتهم في تلك القضايا. وأخيرا أنه نصح النساء إما لأن تجتهد لخروجها من القيود والسلال التي قيد بها الرجال عليهن وإما أن تصبر على تلك القيود وإن كانت غير قادرة لفكها.
المصادر والمراجع
1. أحمد شوقي، أميرة الأندلس، مؤسسة هنداوي اللتعليم والثقافة، طبعة 2012.
2. أحمد شوقي، الست هدى، مؤسسة هنداوي اللتعليم والثقافة، طبعة 2012
3. أحمد شوقي، الشوقيات ، مكتبة مصر، (عام الطبعة غير مذكور)، الجزء الأول
4. أحمد شوقي، الشوقيات ، مكتبة مصر، (عام الطبعة غير مذكور)، الجزء الثاني
5. أحمد شوقي، الشوقيات ، مكتبة مصر، (عام الطبعة غير مذكور)، الجزء الثالث
6. أنيس المقدسي، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، دار العلم للملايين ببيروت، الطبعة الرابعة
7. الترمدي، صحيح الجامع
8. الدكتور عبد المنعم عبد الحميد، أحمد شوقي فمبيز. مصرع كليوباترا. عنترة. مجنون ليلى، الشركة المصرية العالمية للنشر، طبعة 1993
9. قاسم أمين، تحرير المرأة، مؤسسة هنداوي اللتعليم والثقافة، طبعة 2011
الهوامش
1. سورة التكوير: 8
2. عن أبي هريرة (ر) قال الرسول: “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم”، أخرجه الترمدي برقم: 1162، وصححه الألبياني في صحيح الجامع برقم: 1232
3. الإتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، أنيس المقدسي، دار العلم للملايين ببيروت، ط4، ص 252
4. أحمد شوقي قمبيز. مصرع كليوباترا. عنترة. مجنون ليلى، الدكتور عبد المنعم عبد الحميد، الشركة المصرية العالمية للنشر 1993، ص 2
5. العلم والتعليم، الشوقيات، ج1، ص 171
6. مصر تجدد نفسها بنسائها المتجددات، الشوقيات، ج1، ص 96
7. الست هدى، أحمد شوقي، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص 53
8. نفس المصدر، ص 26
9. أميرة الأندلس، أحمد شوقي، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص 18
10. الست هدى ، ص 18
11. عبث المشيب، الشوقيات، ج1، ص 121
12. تحرير المرأة، قاسم أمين، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ط2011، ص 13
13. كوك صو، الشوقيات، ج2، ص 53
14. قاسم أمين بك، الشوقيات، ج3، ص
15. بين الحجاب والسفور، الشوقيات، ج1، ص 168