الوطنية في النشيدي الفلسطينيّ والألماني

د.أنيس

قراءة تقدية حول الوطنيّة في ضوء النشيدين، نشيد “موطني” ل إبراهيم طوقان والنشيد الوطني الألماني (دويتزلند ليد) ل أغسط هينرز هوفمان

إنّ الوطنية اصطلاح ذو الوجهين في المعنى والمغزى، لأنها تستخدم بمثابة “ناشنالزم” وهي في الواقع “باتريوتسم” أو حبّ الوطن فحسب. يصلح هنا تحديد معنى المصطلح وضبطه قبل عرضها لأي تفصيل أو تحليل:

مصطلح الوطنية

الوطنية مصدر صناعي لكلمة ” الوطن” فينبغي هنا تسليط الضوء على هذه المفردة من حيث إنّها تؤدّي إلى الوضوح في الموضوع.

عرّف الجرجاني كلمة “الوطن” اصطلاحا بقوله: “الوطن الأصلي هو مولد الرجل، والبلد الذي هو فيه”[i].

ومن المفاهيم العامة للوطن المفهوم العاطفي (حب الوطن) الذي قال عنه الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول : إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحنّ إلى وطنه، وتشوق إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه. ويقول أيضا : قالت الهند : ثلاث خصال في ثلاثة أصناف من الحيوانات، الإبل تحن إلى أوطانها، وإن عهد بها بعيدا، والطير إلى وكره، وإن كان موضعه مجدبا، والإنسان في وطنه، وإن كان غيره أكثر نفعا[ii]

وهذه التعاريف كلها تشير إلى نقطة واحدة مهمّة تتكوّن بها أهمّ عناصر الوطنيّة وتقوى بها أقوم أركانها  وهي حبّ الوطن والحنين إليه، وهي تمثّل في انتماء الإنسان  إلى وطنه الأمّ  واعتزازه بمسقط رأسه في أي موطن يمكث حاليا، يشتاق إلى هويّته الوطنيّة ولو كان موظّفا في خارج بلاده.

هذا مايناقش من جهة الوطنيّة العربية بل الوطنيّة الألمانية موضوع له ألوان تختلف كلّ الاختلاف عن سابقه معنى وتطبيقا، وهي تماثل بالقوميّة العربية أو العنصريّة، هذا الاختلاف تقع حتى في القصائد الوطنية الألمانية أو أناشيدها في حبّ الوطن ( باتريوتسم)، ومن أنسب الأمثال في هذا القبيل نشيد الوطنية الألمانيّة الرسميّة وهي (دويتزلند ليد) ل أغسط هينرز هوفمان، الوطنيّة تصطبغ بالقوميّة في الآداب الألمانيّة.

نشيد موطني

قرض الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان هذا النشيد سنة 1934م  ولحّنها محمّد فليفل اللبناني، اختير النشيد نشيدا وطنيّا رسميّا في فلسطين والعراق إلى مدّة وبعدها غير رسميا.  وأنشده جميع العالم العربي منذ كتابته ولا يزال حيّا على ألسن العرب إلى آونة الأخيرة. إنّ إسرائيل أبت على استخدام النشيد في المفاوضات واضطرت فلسطين لتغيير هذا النشيد، ومن ثم تمّ إقرار “الفدائي” نشيدا وطنيا لفلسطين. نشيد موطني[iii]

موْطِني!

اْلجَلالُ وَالْجَمالُ                       وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ        -في رُباكْ

وَالحياةُ وَالنّجاةُ                        وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ        في هواكْ

هلْ أراك سالماً مُنَعَّماً                  وغانماً مُكَرَّمـاً

هَلْ أراك في عُــلاكْ                    تَبْلُــغُ السِّماكْ

مَوْطِني! مَوْطِني!

الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ ، هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ أَويَبيدْ ،

نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ         نَكونَ للْعدِا كَالعَبيدْ ،

لا نُريدُ ذُلَّنا المُؤبّدا  وَعيشـَنا المُنكَّـــدا ،

لا نُـريدُ بَلْ نُعيــدْ  ، مَجْــدَنا التّليــدْ .             مَوْطِني!

الْحُسامُ وَاليَراعُ                       لا الكَلامُ وَالنِّزاعُ          – رَمْزُنا

مَجْدُنــا وَعَهْدُنا                     وواجبٌ إلى الوَفا          يَهُزُّنا          عِزُّنا!

غايةٌ تُشَرِّفُ                          وَرايةٌ تُرَفْرِفُ

يا هَناك في عُلاك                     قاهِراً عِـداك        مَوْطِني!

الموضوعات التي عالجها النشيد هي:

  • صلاح الوطن صلاح الأمّة أو القوم،
  • الحنين إلى الوطن،
  • تفوّق الوطن رجاء الأمّة،
  • التضحية والفداء لغرض الوطن،
  • الاعتزاز بالوطن ومجده،
  • الدعوة إلى المساعي المستمرّة لإنقاذ الوطن من ورطة الاحتلال،
  • دور الشاباب والأمّة نحو الوطن،
  • ·       من واجبات الأمّة حصن المجد التليد العريق التي تمتّع الوطن منذ القدم،
  • المجد والعزّة ليست شيأ جديدا لدى الوطن، بل كانت تمتّعت بها منذ القدم، النداء هنا إلى إعادتها، واسترجاعها لا إلى إنشائها ولا إبداعها
  • ·       الدعوة إلى الوفاء والإخلاص نحو الوطن،
  • الغاية الأقصى لدى أبناء الوطن نجاح الوطن وعلوّ رايته
  • ضرورة قيام الأمّة ضدّ أعداء الوطن،
  • هناءة كلّ فرد من أفراد لأمّة تقع في نجاح الوطن،
  • هزم الأعداء وتحرير البلاد.

النشيد الوطني الألماني (دويتزلند ليد)

قرض هذ النشيد بقلم أغسط هينرز هوفمان في شهر أغسطس ۱۸۴۱م. وتمّ تلحينه بيد يوسف هيدن. كانت هناك محاولات شتى من قبل رؤساء الوطن في مختلف العصور على تبديل هذا لنشيد وتعييين أناشيد أخرى نشيدا وطنيا، ومن هذه المحاولات نجد الرئيس تيودر هيوس قد عيّن الأديب شيوردر  والملحّن كارل هورف لهذه المهمّة، ولماّ رفضه شيوردر ألقى عليه هيرمن رويتر وقرض نشيدا أخرـ ولكن رفضه الشعب رفضا كاملا حتى لا يرنّموه ولو مرّة. وتمّ تعيين هذا النشيد(دويتزلند ليد) نشيدا وطنيا سنة ۱٩۲۱م  تحت حكومة ويمار، بعد ثمانين سنة من قرضه بالضبط. نطلّ على أبيات دويتزلند ليد مع ترجمته العربيّة.[iv]

الترجمة العربية لنشيد بالألمانية           

ألمانيا، ألمانيا فوق كل شيءDeutschland                   ، Deutschland über alles،   
فوق كل شيء في العالم،über alles in der Welt،
عندما تصمد دائماً بإخوة سوياًwenn es stets zu Schutz und Trutze
للدفاع والحمايةbrüderlich zusammenhält.
من ماس إلى ميميل،Von der Maas bis an die Memel،
من اتش إلى بيلت،von der Etsch bis an den Belt،
ألمانيا، ألمانيا فوق كل شيء  Deutschland، Deutschland über alles،
فوق كل شيء في العالم!  über alles in der Welt!
نساء ألمانيا، ولاء ألمانيا،Deutsche Frauen، deutsche Treue،
نبيذ ألمانيا و أغاني ألمانياdeutscher Wein und deutscher Sang
يجب أن يبقوا في العالمsollen in der Welt behalten
محتفظين بنغمتهم القديمةihren alten schönen Klang،
و تلهمنا لعمل الأعمال النبيلةuns zu edler Tat begeistern
طوال حياتنا.unser ganzes Leben lang.
نساء ألمانيا، ولاء ألمانيا،  Deutsche Frauen، deutsche Treue،
 نبيذ ألمانيا و أغاني ألمانيا!  deutscher Wein und deutscher Sang!
الاتحاد والعدالة و الحريةEinigkeit und Recht und Freiheit
لبلاد الألمان!für das deutsche Vaterland!
هذا يجعلنا نفدي أنفسناDanach lasst uns alle streben
بإخوة بقلب و يد!brüderlich mit Herz und Hand!
الاتحاد و العدالة و الحريةEinigkeit und Recht und Freiheit
هم حصيلة السعادة،sind des Glückes Unterpfand;
 يزهوا في هذه السعادة  blüh im Glanze dieses Glückes،
 تزهو بلاد الألمان  blühe، deutsches Vaterland.

 المعاني التي يمكن استنباطها تأتي كالتالي:

  • إعلاء الوطن فوق كل شيء في العالم،
  • الإخاء والتعاون ضدّ الأعداء لحماية الوطن وحصنه،
  • استيلاء الوطن على جميع أقطار العالم،
  • الرجاء من العالم إعادة مجد الوطن إليه كما كان تمتّعه من قبل،
  • الدعوة إلى الاتحاد والعدالة والحرّية،
  • الوطن الأب أوّل الأولوياّت،
  • سعادة الأمّة أو القوم تعتمد على حرّية الوطن وتطوّره،
  • نشر أشعرة ألمان ورموزها على نطاق العالم كلّها،
  • دائما  تشتاق الأمّة إلى بهاء الوطن وبهجته،
  • علوّ الألمان على سائر الدول في جميع المجالات،
  • الأخوة والإخاء بين أبناء الوطن، ولا يعتني بأي فرد من أفراد العالم من أي دولة أخرى.

دويتزلند ليد ومعناه عبر العصور

استغلّت حكومة هتلر النازية  السطور الأولى لتأييد أرائهم العصبيّة العنصرية وعلوّها، وادّعوا بعريقة دعواهم دالاّ عليه، كانت هذه هي السبب الذي أدّ الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى إلى إنكار هذا النشيد وفرض المنع عليه. وهذه ما جعل رئيس الألمان الغربية كونراد آدنهور يقترح بحذف المقاطع الأولى وأخذ المقطع الثالث سنة ۲ە۱٩م. هكذا يعكس تاريخ النشيد مصائب الوطن التي مرت بها الوطن على مرّ التاريخ. كان للألمان الشرقي حينئذ نشيدا أخر نشيدا وطنيا وهو (أقم من بين الأنقاض) “” Auferstanden aus Ruinen .هذان النشيدان يدعوان إلى اتجاهاتهما المختلفتين، الأول منهما يدعو إلى علوّ الوطن واستيلائه على سائر الأوطان جميع العالم، والثاني منهما يركز على معتقدات أهل الوطن وهي الشيوعية المركسية.[v]

النشيد الوطني الألماني اليوم هو المقطع الثالث فقط، لأنّ المقطعين الأوّل والثاّني تدور حول استيلاء الوطن على جميع العالم، وغرض نساء الألمان ونشر نبيذها على حدة. حذف رؤساء الوطن هذين المقطعين لأن رأى أهل الوطن إنّ معاني هذين المقطعين لا تناسب قيم العالم المتطورة ولا توافق عزّة الإنسانيّة.

النشيدان وما بينهما

الوطنية بمعنى حبّ الوطن في كل من نشيدين سواء بسواء بل يختلف نشيد عن أخر في معنى القوميّة، الوطنيّة في نشيد فلسطين لا يعدو عن حبّ الوطن وتحريره من العدوّ المحتلّ وبالإضافة إليها  وهو تحريض شباب الأمّة على القيام ضدّ الاحتلال والمحتلّين. عند تحليل أبيات النشيد الألماني نجد القوميّة والعنصريّة تبلور في السطور، يشدو بالحرّية والعدالة والسعادة لوطنهم فحسب، الإخاء محدود ومنصرم في نطاق الوطن ولا يوسع إلى نطاق العالم أو آفاقها.                     

يختلف نشيد “دويتزلند ليد” تماما عن “موطني” في معنى الوطنية، لأنّ أولهما ينطق عن الوطن باسمه ويقتصر نطاقه في حدود الوطن، وثانيهما يعالج المعاني العامّة والقيم الإنسانيّة  العالميّة، ونشيد موطني يعدّ  أيضا من أناشيد المقاومة.

الخاتمة

تعرض هذان النشيدان للتحليل هنا نظرا لأهمّيّتهما لدى المواطنين في كلّ من فلسطين والألمان. تعرّض كلّ منهما للتبديل إمّا بالإضافة أو الحذف بتدخّل الأجانب المحتلّين و وتأثيرهم:  بيد دولة إسرائيل في فلسطين، وإنجلترا في الألمان. ولكن المواطنين من كلّ هذين الوطنين يذكرون هذا النشيد ويعتزّون به نشيدا ذا صلة متينة بقلوبهم وأذهانهم، لم يغيّروه أو يحذفوه بأنفسهم اضطرّو له وفعلوا. هكذا يشترك هذان النشيدان في في صفة التلقّي والقبوليّة لدى المواطنين على حد سواء.

المصادر والمراجع

  1. يعقوب العودات ( البدوي الملثم )، الوطن في شعر إبراهيم طوقان، عمان، المطبعة الوطنية ومكتبتها ، 1985م 
  2. د. زكي المحاسني، إبراهيم طوقان شاعر الوطن الغصوب، دار الفكر العربي ، القاهرة، 1955م
  3. الأعمال الشعرية الكاملة، كلمات عربية للترجمة والنشر بمصر،1999م
  4. عز الدين عبد الحميد منصور، الأناشيد الوطنية في الشعر العربي، ا ‎لجامعة   الأردنية 1997م
  5. أبوشاور سعدي، تطور الاتجاه الوطني في الشعر الفلسطيني المعاصر،  1998م
  6.  إحسان عباّس، الأعمال الشعرية الكاملة إبراهيم طوقان نظرة في شعره، مقدمة فدوى طوقان، المؤسسة العربية   للدراسة والنشر،  الطبعة الثانية 1993م
  7. المتوكل طه،  حدائق ابراهيم : أوراق ابراهيم طوقان ورسائله ودراسات في شعره، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2004

8.      Bohlman, Philip. Music, Nationalism, and the Making of the New Europe. New York: Routledge, 2011.

9.      Bohlman, Philip. The Music of European Nationalism. Santa Barbara: ABC-CLIO, 2004.

10. Hermand, Jost. “On the History of the ‘Deutschlandlied,’ In Music and German National Identity, edited by C. Applegate and P. Potter, 251–68. Chicago: University of Chicago Press, 2002.


  1. محمد الجرجاني، التعريفات، ط 1، 1983 م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص 253.
  2. 2.     الشيخ محمد السخاوي،  المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، ، دار الكتاب العربي، بيروت.
  3. الأعمال الشعرية الكاملة إبراهيم طوقان ، كلمات عربية للترجمة والنشر، 2012.  
  4. أناشيد لها تاريخ، مصطفى عبد الرحمان، دار الشعب.
  5. Hermand, Jost. “On the History of the ‘Deutschlandlied,’” In Music and German National Identity, edited by C. Applegate and P. Potter, Chicago: University of Chicago Press, 2002

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *