السيد/ نسام سي
كانت مصر المهد الأول لنشوء الرواية العربية ونضجها، حيث اجتمع هناك الأدباء المجيدون من العالم العربي وأثْرَوا فنون اللغة المختلفة بإنتاجاتهم، واقتباساتهم من الآداب الغربية. وقد بلغت الرواية المصرية نضجها الفني في فترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية ووصلت إلى مكانة رفيعة بين الرواية العالمة. وهذه الدراسة محاولة بسيطة للبحث عن صورة اليهود في الرواية المصرية في القرن العشرين.
وليس من الغريب أن يتطرق الروائيون المصريون إلى تصوير الشخصيات اليهودية في رواياتهم، لأن هناك سببان يقتضيان هذا التصوير. السبب الأول، هو مسايرة الرواية المصرية لتطورات قضية فلسطين، ودور مصر كدولة عربية مجاورة لفلسطين في الحروب ضد إسرائيل. وأما السبب الثاني، فهو وجود كمية كبيرة من سكان اليهود في مصر منذ مئات السنين (مودرزجويسكي 25). ومع وجود هذين السببين نجد أن معظم الروائيين المصريين لم يولوا اهتماما كافيا لتصوير هذا الشعب في إنتاجاتهم.
وقد اخترنا في هذه الدراسة روايتين تمثل كل منهما تيارين مختلفين من الرواية المصرية، التيار العلماني والتيار الإسلامي. الرواية الأولى هي رواية ’لا تتركوني هنا وحدي‘ لإحسان عبد القدوس، وهي تمثل التيار العلماني في الرواية المصرية. وأما الرواية الثانية، فهي رواية ’دم لفطير صهيون‘ للروائي الإسلامي الدكتور نجيب الكيلاني، وهذه تمثل التيار الإسلامي. وبالنسبة إلى مضمون الروايتين، فالرواية الأولى تدور حول الحياة المغامرة للوسيان هنيدي، اليهودية المصرية المقيمة في حي الظاهر، ويمتد زمنها الروائي من العقد الرابع إلى العقد السابع من القرن العشرين (الشامي 5). وتأخذ الرواية الثانية مادتها من حادثة تاريخية جرت في أربعينات القرن التاسع عشر، حيث قتل يهود دمشق الأب توما لإعداد الفطير المقدس من دمه (الكيلاني 8). تعرض كلتا الروايتين أمامنا صورة سلبية لليهود، وإن كانتا تتفاوت في درجة التصوير السلبي.
صورة اليهود في رواية ’لا تتركوني هنا وحدي‘
كتب إحسان عبد القدوس هذه الرواية عام 1979م، مستفيدا من تجارب حياته. يقول في مقدمة روايته عن هذه التجربة: “فقد عشت هذا المجتمع منذ كنت أعيش صباي وشبابي في حي العباسية الملاصق لحي الظاهر الذي كان يضم أغلبية من سكان اليهود.. وكان لي بينهم أصدقاء وصديقات كثيرون” (القدوس 7). تتكلم هذه الرواية عن لوسيان هنيدي، التي كانت من الطبقة اليهودية الفقيرة، وتتمتع بجمال مثير، فإنها استعملت ذكاءها اليهودي في كل حياتها، وتمكنت من الوصول إلى مستوى الطبقة الأرستقراطية الغنية. يقدم لنا إحسان عبد القدوس ملاحظات حول اليهود واليهودية عن طريق شخصيتها وشخصيات ابنها وابنتها ايزاك وياسمين. ومن هذه الملاحظات ما يلي:
اليهودية ليست دينا، ولكنها شخصية: بعد أن مضت قرون عديدة على ولادة الديانة اليهودية، لم تعد كلمة اليهودية صفة دينية قط، بل هي تعبر عن شخصية يتميز بها اليهودي عن الآخرين. وهذه الشخصية تتغلب على أية شخصية أخرى يمكن أن ينتسب إليها اليهودي، فهو أولا يهودي، وبعد ذلك يمكن أن يكون أي شيئ، مثل أن يكون يهوديا فرنسيا أو يهوديا أمريكيا، إذا انتقل من جنسية إلى أخرى، ومثل أن يكون يهوديا مسيحيا أو يهوديا مسلما إذا اعتنق المسيحية والإسلام. وهذه الشخصية اليهودية هي التي تحدد اتجاهات فكره، وانطلاقات أحاسيسه، وتسيطر على خطواته وتصرفاته (القدوس 10). وفي هذه الرواية نجد لوسيان هنيدي، وابنتها ياسمين، تتميزان بالشخصية اليهودية رغم أنهما اعتنقا الإسلام وتزوجا من مسلمين. يقول السارد عن لوسيان التي أصبحت مسلمة واتخذت اسم زينب: “إنها هي نفسها لا تزال يهودية رغم كل ما تبذله حتى تعيش مسلمة”، و” وهي قد هاجرت مع أولادها من اليهودية إلى الإسلام، فلا شك أنهم رغم الهجرة سيبقون داخل الشخصية اليهودية التي ولدوا بها” (القدوس 109).
الشخصية اليهودية شخصية طامحة: يعتبر إحسان عبد القدوس العالم الذي يتميز به اليهود، عالم الطموح الذي لا نهاية له (القدوس 10). تتصف شخصية لوسيان وابنتها ياسمين بصفة الطموح اللانهائي، فتغامران بحياتهما حتى تصلا من المال والجاه إلى درجة كانتا تحلمان بها. كانت لوسيان وأسرتها تعيش في مستوى فقير في حي الظاهر المصري، وكانت تلح على زوجها أن لا يكتفي بمرتبه من الوظيفة، ويسعى إلى أكثر. ولكن طموحه اليهودي انحصر فيما يحصل من الراتب وفي حياته مع لوسيان الجميلة. وأما لوسيان، فلم تكن لتقتنع بما لديها، يقول السارد عن طموحها: “ولكن طموحها هي، يهودي أصيل، لا يمكن يكتفي بالحب …… إنها تريد أكثر.. تريد الحياة بأوسع جنباتها، تريد أن تعيش هي وولداها كما تعيش عائلة شكوريل وقطاوي ومزراحي” (القدوس 13)، و”لقد حققت رسالة كل يهودية.. رسالة الطموح الذي لا ينتهي” (القدوس 75). وتقول ياسمين التي أسلمت مع والدها وهي تعبر عن طموحها وأحلامها: “أني أحلم بأن يكون لي متجر كبير كشيكوريل، إن شيكوريل يهودي وأنا يهودية.. أستطيع أن أنجح كما نجح” (القدوس 170).
الشخصية اليهودية شخصية لا تنظر إلا في مصالحها: تتميز شخصية لوسيان هنيدي التي كانت زوجة زكي راؤول وأم ايزاك وياسمين، بهذه الصفة المذكورة، لأنها لا تتحرج في إنهاء حياتها الزوجية مع زكي لمجرد أن تتزوج من شوكت بك ذو الفقار من الطبقة الأرستقراطية المسلمة، وتصبح واحدة من تلك الطبقة الراقية. وبعد ذلك زوج زينب (لوسيان) ابنتها ياسمين لعزيز راضي، مع أنه كان عاطلا ولا يعمل شيئا، لمعرفتها أن والده خليل باشا راضي يملك أموالا طائلة، ولا بد أن تنتقل هذه الأموال إلى عزيز راضي مع الأيام. يقول السارد عن هذه الطبيعة : “ربما كانت هذه هي طبيعة الشخصية اليهودية.. شخصية لا تتحرك إلا في اتجاه مصالحها.. والاتجاه الذي ليس لها فيه مصالح تتحول عنه” (القدوس 176).
الشخصية اليهودية شخصية ذكية تحكّم عقلها طول حياتها: يرسم الروائي معظم شخصياته اليهودية أذكياء، يخضعون لحكم العقل دون أن يذعنوا للمشاعر والأحاسيس. كانت لوسيان تملك ذوقا رائعا في اختيار الثياب، وقد فكرت أن تعمل حائكة حتى تكسب مع زوجها. ولكن نجد أنها لا تجيب لذوقها، إذ تفضل أن تحترف مهنة تقليم أظافر الرجال، لأنها وظيفة تفتح أمامها مجتمعا أوسع وأبوابا أكثر (القدوس 19). وقد استطاعت لوسيان عن طريق هذه المهنة أن تتعرف إلى شوكت بك الذي يتزوج منها بعد فراق زوجته الأولى. وكان بإمكان شوكت أن ينكحها وهي يهودية، لأن الإسلام يسمح بزواج نساء أهل الكتاب، ومع ذلك تختار لوسيان أن تعتنق الإسلام حتى تضمن الإرث لها من شوكت بك، لأن الكافرة لا ترث المسلم ولو كانت من أهل الكتاب (القدوس 60). وأما زوجها الأول زكي راؤول الذي كان يبدو أقل ذكاءا من زوجته، فنجده يمتاز بعقل صامت حتى يسد الطريق الوحيد الذي كانت لوسيان تريد أن تلجأ إليه لتتحرر من زكي، بعد أن رفض طلاقها، وهو أن تعتنق الإسلام حتى تتحرر من زوج غير مسلم. ولكن زكي يسبقها إلى الإسلام مع ولديه ويغلق أبواب الطلاق أمامها مرة أخرى.
الشخصية اليهودية لا تقدر الأخلاق والعلاقات: وقد جاءت صورة اليهود في هذه الرواية كأنهم شخصيات لا يقدرون القيم الخلقية والعلاقات العائلية. كانت لوسيان وياسمين تتمتعان بجمال مثير، حيث نجدهما تستخدمان هذا الجمال في تحقيق أغراضهما. لا تحس لوسيان أي حرج حين تعاشر الرجال وتخضع لرغباتهم، فكانت تستغلهم في الوصول إلى أهدافها. وأما ياسمين، فهي تقدمت خطوة أخرى، فلم تجد الرجال وسيلة إلى الغنى والرفاهية، فكانت تبيع المتعة للنساء الغنيات عن طريق ’البوتيك‘ الذي تشارك فيه مع صديقتها خديجة (القدوس 167). وبالنسبة إلى العلاقات، فإن هذه الرواية تتحدث عن تفاهتها في نظر اليهود، حيث تبدأ بسرد محاولات لوسيان لإنهاء الحياة الزوجية مع زكي لمجرد أن تتزوج من شخص أرستقراطي. ومع تطور أحداث الرواية يهاجر ابنها ايزاك وابنتها ياسمين إلى باريس، وتنقطع العلاقات بينهما بعد عدد من الرسائل، وتبقى زينب وحيدة في قصرها في المنصورية. وكانت للوسيان أخت متشددة في أمور الدين، لم تحاول لوسيان أن تلتقي بها منذ أن أعلنت إسلامها. إنها كانت تتصل بها في المراحل الأولى، ثم انقطعت العلاقات معها بعد فترة، إلى أن يأتيها خبر وفاتها. يقول الروائي عن سبب استهانة اليهود بالعلاقات “لا قيمة أمام هذه الشخصية للعواطف.. العواطف هي مجاملات والمجاملات هي أيضا لا تعطى إلا للمصالح” (القدوس 196).
صورة اليهود في رواية ’دم الفطير صهيون‘
ألف الدكتور نجيب الكيلاني هذه الرواية عام 1971م، مستنيرا من حادثة تاريخية جرت في أربعينات القرن التاسع عشر في دمشق. وكان الدافع الرئيسي عنده لهذه الرواية، التطورات السياسية في فلسطين منذ بداية القرن العشرين، وقيام اليهود باعتداءات ومجازر في حق شعب فلسطين. وقد حاول في هذه الرواية أن يكشف الستار عن تاريخ اليهود الملطخ بدماء الأبرياء. ويقول الكاتب عن هدفه من تأليف هذه الرواية: “وليس وراء هذه القصة من هدف سوى أن تعيد للأذهان حلقة من سلسلة طويلة من العداء الصهيوني ضد الإنسانية جمعاء” (الكيلاني 114). هذه الرواية أكثر سلبية في تصوير اليهود، وتحاول أن تثبت بأن فساد هذا الشعب ناتج عن فساد عقيدته وتحريف تعاليمه الدينية. وسوف نورد هنا أبرز الملاحظات حول اليهود في الرواية.
اليهود يحبون المال ويحتالون في كسبه: يصف الروائي اليهود بحب المال، ويقدم شخصية يهودية يحتال في تحصيله. يقول السارد في بداية الرواية وهو يشير إلى تصورات الناس عن اليهود: “ولعل مما يقوي هذه الظنون حب اليهود للمال، ورغبتهم في الحصول عليه من أي طريق” (الكيلاني 11). وأما الشخصية اليهودية المحبة للمال، فهي سليمان الحلاق الذي كان يعيش بالحلاقة وفصد الدم، إنه كان مصرا على أن لا يخرج من أي مريض خالي الوفاض، فيؤكد لكل مريض،أن فصد الدم ، العلاج الوحيد الذي يعرفه سليمان، ضروري له، حتى ولو كان مصابا بفقر الدم والهزال (الكيلاني 10). وهذا الحب للمال هو الذي جعل سليمان يكره الأب توما، الذي كان يحترمه جميع أهل دمشق على اختلاف أديانهم، لمجرد أن الأب كان ماهرا في الطب وكان يعالج الناس مجانا، لأن هذه المعالجة المجانية أغلقت أبوابا كثيرة أمام سليمان إلى الثراء والغنى. يقول سليمان عن هذه الخسارة الكبيرة: “الأهم من هذا كله، لو لم يكن هذا الرجل موجودا في الشام، لكنت ربحت الكثير من وراء المسلمين والمسيحيين هنا.. لكن هذا الملعون أغلق باب الثراء والمجد في وجهي..” (الكيلاني 26).
اليهود أصحاب سلطان ونفوذ في العالم رغم كونهم أقلية: يشير نجيب الكيلاني في هذه الرواية إلى ما يتمتع به اليهود في المستوى العالمي من نفوذ وسلطان في الأوساط السياسية والمراكز المالية. يقول داوود هراري، الذي تم اعتقاله بعد أن اتهم بمقتل الأب توما، لزوجته حين طلبت منه أن يعتنق الإسلام حتى ينقذ نفسه من السجن: “لا تنظري إلى حالنا السيئ هنا.. هناك في الخارج يهود حقيقيون يسيرون دفة العالم، ويمسكون بأزمة المال، ويحركون السياسة.. إنها لصفقة خاسرة إذا أنا غامرت بترك يهوديتي..” (الكيلاني 85). ومما يدل عليه أيضا ما وصف عن المشهد العالمي بعد إصدار حكم الإعدام على المجرمين في مقتل الأب توما، “تأزم الموقف، خاصة في أوربا، إذ أقام اليهود الدنيا وأقعدوها، بتحريض من جماعة الاتحاد الإسرائيلي في أوربا” (الكيلاني 102).
اليهود يوظفون المال في تحقيق أغراضهم: ومن المعروف عن اليهود توظيفهم للمال والمرأة والسلطان حتى يصلوا إلى أهدافهم. وهذه الرواية تتحدث عن توظيف المال لأغراض مختلفة. تقول كاميليا زوجة داوود هراري، لخادمها مراد القتال لتبعد عنه خوفه وحزنه في مشاركته في مقتل البادري: “القضية تافهة.. واليهود سيدفعون مئات الألوف ليضيعوا معالمها، تذكر جيدا، المال هو خاتم سليمان” (الكيلاني 63). ونجد داوود هراري يلتقي بسليمان الحلاق الذي وقع في قبضة رجال الوالي، ويعده بعروض مغرية حتى يثبت في إنكار معرفته عن الجريمة، يقول له: “احذر يا سليمان.. لقد قررنا أن نعطيك مبلغا كبيرا من المال، تعيش به سعيدا طول حياتك..” (الكيلاني 54). وفي نهاية القضية تمكن اليهود من تحرير المجرمين المحكومين عليهم بالإعدام، بوعود مالية مغرية (الكيلاني 104).
اليهود قوم منحط أخلاقيا وقيما: قد صور نجيب الكيلاني اليهود في هذه الرواية شعبا لا يلتزم بالأخلاق والقيم، فنجد كاميليا، زوجة داوود هراري، تلجأ إلى خادمها لإطفاء شهواتها دون أن يعرف زوجها، ويتعاون الخادم مع سيدته ويخون سيده داوود هراري (الكيلاني 17). ولا تتحرج الخادمة أستير في علاقة عاشقها مراد الفتال مع سيدتها كاميليا، فتتزوج منه وتهرب معه إلى بلد آخر. ومما يدل عليه أيضا، موقف هؤلاء اليهود المجرمين من مقتل البادري، إذ لم يحس أحد منهم أي تأنيب ضمير على فعلهم الشنيع، وعلى إنكارهم تهمة الجريمة أمام المحكمة. وفي نهاية الرواية، عندما تخبر كاميليا زوجها عن قرارها لإنهاء الحياة الزوجية معه، يتضرع داوود إليها أن لا تتركه وحيدا، ويسمح لها أن تفعل ما تشاء لتستكمل سعادتها. (الكيلاني 112).
يعتبر اليهود أنفسهم شعبا متميزا: يعتقد اليهود أنهم أقرب الناس إلى الله ويعتبرون الآخرين أقل درجة من حيث الفكر والروح ووظيفة الحياة (الكيلاني 79). إن الشخصيات اليهودية في هذه الرواية يميزون بينهم وبين الآخرين، فيجب في نظرهم احترام اليهودي ومراعاة الآداب معه، وأما غير اليهودي فلا يستحق شيئا من الحرمة. وهذا ما يشير إليه قول داوود هراري للأب توما: “الناس بهائم وحيوانات يا توما، إلا الإسرائيليين” (الكيلاني 43). ويقول داوود لزوجته حين تسأله : هل كان يسكت لو قتل أحد من عائلة هراري؟ “بالطبع لن نسكت، فرجل من أبناء هراري يختلف عن أي رجل آخر..” ، و”لقد خلقنا الله أسيادا وحكاما للعالم، والله في سمائه يبكي من أجلنا، ويذرف الدموع …..” (الكيلاني 87).
فساد اليهود وضلالهم ناتج عن فساد تعاليم الديانة اليهودية: يحاول نجيب الكيلاني أن يلحق ضلال اليهود إلى فساد تعاليم كتبهم المقدسة. وقد أورد خلال هذه الرواية عدة مقطوعات من كتب علماء اليهود تدل على تعاليم خاطئة ظهر منها فسادهم. ومن هذه المقطوعات ما ذكره من كتاب العالم الرباني يعقوب “محرم على اليهودي أن ينجي أحدا من بقية الأمم من البئر التي يكون وقع فيها” (الكيلاني 22). ويقتبس من كتاب آخر “لا تعتبر اليمين التي يقسم بها اليهودي في معاملاته مع باقي الشعوب يمينا، لأنه كأنما أقسم الحيوان، والقسم لحيوان لا يعد يمينا…….. إن أموال المسيحي ودمه ملك لليهودي، وله التصرف المطلق فيها، وله الحق، طبقا لقواعد التلمود، في استرجاع تلك الأموال” (الكيلاني 22-23). ومقطوعة أخرى يذكرها: “وقال الربي كرونر: إن التلمود يصرح للإنسان اليهودي بأن يسلم نفسه للشهوات إذا لم يمكنه أن يقاومها، ولكنه يلزم أن يفعل ذلك سرا لعدم الضرر بالديانة….” (الكيلاني 23).
أقلية قليلة من اليهود ترجع إلى الحق عندما تعرفه: وقد رسم الروائي في هذه القصة شخصية يهودية يرجع إلى الحق بعد أن كان يواصل الحياة الفاسدة مثل سائر اليهود، وهو الحاخام موسى أبو العافية الذي أشرف على مقتل الأب توما وشارك في الجريمة منذ مرحلة التدبير إلى استنزاف دمه لإعداد الفطير المقدس. إنه كان يشرف على هذه الجريمة معتقدا بأنه يقوم بتنفيذ تعاليم دينه. ولكنه حين ألقي في الزنزانة الانفرادية تفرغ لنفسه، وفكر عن فعله وعن تعاليم التلمود في هذا الصدد. ولما تيقن من استحالة وجود الأوامر التي تطلب دم المسيحيين في التوراة، لأن النصارى إنما وجدوا بعد قرون لنزولها، أفاق إلى ضلال تعاليم دينه، وبدأ يقرأ كتب الديانة المسيحية والإسلام، واعتنق الإسلام أخيرا، بعد أن عرف أنه الحق الذي جاء به موسى عليه السلام.
خاتمة الدراسة
وقد جاءت صورة الشخصيات اليهودية في الرواية المصرية خلال القرن العشرين سلبية إلا في جزء يسير منها، حيث وصفهم الروائيون المصريون بالصفات الموروثة لليهود على مدى الأجيال، وهي نفس الصفات التي ذكرناها عن الشخصيات اليهودية في كلتا الروايتين. وهذا التصوير السلبي قد تأثر بحياة السكان اليهود في مصر من جانب، وبتطورات قضية فلسطين من جانب آخر. ورغم سلبية هذا التصوير، لا ينظر المجتمع المصري إلى اليهود كما نظر إليهم الغرب في القرون الوسطى. فهنا اليهودي هو صاحب نفوذ وسلطان، ويوجد في جميع مجاري الحياة، ويخالط العرب دون أن يتعرض لنظرات كريهة كما تعود في الغرب.
المصادر والمراجع