السيد/ سفيان عبد الستار
إن مسألة الغرب لاتزال موضوعا للبحث والمناقشة منذ ما بعد الاستعمار، وأن هوية الآخر تأخذ مكأنة غير متروكة عند أدباء العالم, أن كأن في الغرب ام في الشرق. تُفهم دراسة تصوير العرب عن الغرب وأحداثهم كدراسة عكسية للاستشراق, وهذه الدراسة الأنعكاسية تقول لنا قصة مختلفة عن الاستشراق. رمزت هجوم مركز التجارة العالمي والبنتاغون في أمريكا بحادثة 11 سيبتمبر, ومن العادة أن ترمز الأحداث الكبرى التي لها أثر واضح في تشكيل السياسات العالمية[1]. ورفعت الشكوك واثارت الضجة نحو هذه الحادثة كأنها مستعدة من جأنب أمريكا نفسها لشروع الحرب ضد الإرهاب[2].
يرى بعض المراقبين والخبراء أن العلاقة بين الغرب والعرب تحسنت من منطلق هذه الحادثة, ولكنها بأمس الحاجة من العمل المزيد، إذْ أن الحوار بين الأديأن والحضارات يقتضي مراعاة النظر من صميم الحياة الاجتماعية في العصر الحاضر. ومن نافلة القول أن جل المسلمين الممارسين رفضوا محاولات تنظيمات الإرهاب لتوجيه قلوبهم نحو العنف والصدمة كحل لمشاكل واقع الحياة. ويعتقد الخبراء أن السياسات الخارجية تجب أن تمثّل أرواح القيم بين الثقافات، ولا بد أن يكوّنها في إطار الرؤية العالمية التي تراعي أعضاء العالم كأمة متماسكة من ناحية الانسانية, ولاتكن مناورة سياسية لأن في التعايش سلام وفي السلام أمن[3]. ويقول استاذ برهان غليون: “فقد ابتهج الرأي العام العالمي لانهيار الإتحاد السوفياتي، وانتعشت الآمال في قيام عالم جديد متعدد الأقطاب بعيداً عن النزاعات لمعالجة مشاكل التنمية والفقر والبيئة والأمراض، لكن خيبة الآمال كانت كبيرة بسبب قيام النظام العالمي الجديد الذي اعتمد الأحادية. وجاء هجوم أيلول ذريعة لقيادة العالم من قبل ذلك النظام. فاحتلت أمريكا أفغتنستان والعراق بحجج مختلفة تهدف تثبيت سيطرتها على الاقتصاد العالمي وإعادة توزيع الشرق الأوسط ودعم إسرائيل(غليون)[4].
11 سبتمبر والروايات العربية
وضعت بعض الروايات العربية على هذه الظاهرة نتيجة لتأثير الحادثة, منها ’ريح الجنة‘ لتركي الحمد (السعودي) من مواليد 1952، و’الانتحار المأجور‘ لآلاء الهذلول (السعودية) من مواليد 1981 و’شيكاغو‘ لعلاء الاسواني (المصري) من مواليد 1957، و’القاهرة الصغيرة‘ لعمارة لخوص (الجزائري) من مواليد 1970، و’سنونوات كابول‘ لياسمينة خضرا (الجزائري) من مواليد 1955، و’الإرهابي20‘ لعبد الله ثابت (السعودي) من مواليد 1973. نرى تصوير الغرب وأفكارهم وأفعالهم بواسطة أقلام أدباء العرب منذ عصر النهضة، وساعدت البعثات العلمية لربط حبلها إلى حد كبير. وهذه الروايات توجهنا إلى فكرة جديدة حول المؤثرات الأدبية الجديدة لأنها وقعت بعيدة عن عالم العرب جغرافيا. ومن الطبع, أن يوجد التأثير والتعبير على احتلال الفرنسا وحرب الخليج واكتشاف النفط وغيرها من الأحداث الأخرى في إنتاج الأدب العربي، وكلها وقعت على جدار عالم العرب ولكن 11 سبتمبر تمتاز عن غيرها لبعد حدوثها من العالم العربي ومن عدم وجود المسئولية على دولة خاصة. كيف أثرت على اقلام أدباء العرب؟ وفيها تناسب المناقشة عن محور اهتمام العولمة عند الأدباء عامة والعربيين خاصة.
’الإرهابي 20‘
رواية ’الإرهابي 20‘لعبد الله ثابت[5] ترفع اسئلة عدّة أمام القرّاء ولكنها لا تدلي بصوتها الواضحة بموقف خاص نحو الاسئلة, ولا تعطي الأجوبة القاطعة, بل تنقلنا إلى التفكير حول الموضوع. أن الكاتب يعتمد الأسلوب الحكائي في صياغته، وأن الاسلوب المتبع في الكتابة ينصرفها على أن تفلسف الحادثة، ولكنها تنير الانفعال والفكرة في ذهون القرَاء. واعتمد أسلوباً حكائياً في سرد تفاصيل التجربة المهمة التي تتناولها في هذه الرواية، أن المؤلف أراد اثمار نوع من الواقعية والصورة بمزاج قليل من الخيال، فتجيء الحكاية على لسان صاحبها، لا عن راوٍ عليم ولا مسئولي، بل يضيف أو يحذف ويحكى الحادثة من الألف إلى الياء، وقد يرى أو لا تغني كل الأشياء كأنه يـأخذ روح المسافر العادي، ويعتمد الكاتب الروائي على التقرير الرسمية عن الحادثة, فتُقرأ كرواية واقعية، تقلّ فيها درجة الخيال ويصبح هو – كمؤلف – مجرد ناقل للحدث، ومن ثم يبعد بنفسه عن أية ضجة متسائلة أو ملاحقة من أي جهة، وتلك النقطة, تحدد بمزيد من اليقين الخيالي في أن زاهي الجبالي ما هو إلاّ عبدالله ثابت.
وفي هذه الرواية, يقول زاهي- البطل – قصة حياته من البدء, أنه يصوّر الحياة كرحلة غير عادية, فيصف الأمكنة والأشخاص والأحوال التي يلتقي أثناء هذه الرحلة. ويصف مكانته بين أعضاء الأسرة قائلا, “كنت سابع الذكور وتاسع الأولاد، وفي الأسرة كلها كنت الحادي عشر وهذه أرقام تعجبني” (ثابت 28). أنه يقضي طفولته برعي الأنعام والفلاحة كالعادة في عالم العرب. ومنها نفهم ولادته ونشأته الأولى تكون في قرية من قرى البادية. ثم تنتقل أسرته إلى قرية أخرى بسبب الصراعات الداخلية. وفي السادسة من عمره, ألحقه في المدرسة الابتدائية, أراد الوالد أن يدرَسه في مدرسة حكومية عادية كغيرها من المدارس, بل أخوه المتديّن يضطر بكل ما يطيقه أن يأخذه إلى المدرسة القرآنية لأنه يعمل فيها معلّما. يقول له حثًا لالتحاقه: “زاهي…. المدرسة القرآنية تضمن بها الجنة, فيها تحفظ القرآن, وتصير شيخا كبيرا ويحبك الناس ويطلبون إليك أن تدعو لهم” (ثابت 52). ايا كان, أنه التحق بالمدرسة الدينية بغير رضا نفسه, وفي أيامها البدائية, كان يكره جميع نظام المدرسة وأساتذتها وابتعد عن أسرته بأنها مضاد لهواه. وكان يحب الموسيقى والارتحال بدون الهدف. ولكن إدراة المدرسة والأسرة تمنعه من جميع لذّات العيش. ولكن قد تحوّل عيشه وطبيعة حياته بعد أن شبّ, التحق للدراسة العليا وقرب بجماعة تهتمّ بالأمور الدينية. وأن هذه الجماعة تحث أعضائها أن تترك جميع لذّات العيش وزينتها وأن يجاهد في سبيل الله. وفي هذه الحالة, أنه بعُد عن أسرته لأنه يراهم كأولياء الشيطان, وصار قائدا وخطيبا وإماما ورئيسا للجماعة مع علمه بأن لها غايات غامضة, ولكن بقي معها حتى أن يترك الأسرة وأعضائها, وفجع أبواه عنه كثيرا عن بعده من الأمور الدينية وأحكامها في أوّل الأمر, وغلوّه وشغله مع الأمور الدينية إلى حدّ بعيد في آخرها.
لم تطل هذه الحياة الدينية الناشطة الباعدة عن زينة الدنيا إلّا بعض الشهور. اتّهمت عليه القرابة الغالية مع الأولاد والعلاقة الجنسية معهم, اتهموا خلق اللوطة عليه ولكنه رفض الاتهام بادعاء أنه يقودهم وينهضهم ويحث عليهم أن يشكّل الحياة بقاعدة الدين وبكرامتها. ولكنّه تخلّى عنها سريعا أو أنه اضطرّ أن يترك هذه الجماعة لما اشتدّت الاتهام والشكوى عليه. بعدئذ, أنه بدأ أن يكتب المقالات والقصص والشعر في الصحف والمجلّات, وكتب عن الموسيقى لأن اهل قريته مولع بالموسيقى وله ذكريات حلوى عن القرية التي تولع وتعيش بالموسيقى واللحن وأنه يقول: كتبت في الربع الاوّل من عام الفين وواحد, مقالا يتحدّث فيه عن الموسيقى, وذكرت بعض مما قيل في فضائلها من رموز الثقافتين العربية والغربية قديمهم وحديثهم, فأوردت نقولات عن افلاطون وفولتير وعن الشافعي والشوكاني وابن رشد وغيرهم عن أثر الموسيقى وترقيقها للطبع وتهذيبها للنفس (ثابت 168). فوجدته الأسرة والمجتمع كصاحب الغرب والثائر على الدين والحكومة.
وعندما يقرأ رواية العصفورية لغازي القصيبي جالسا في مكتبه, أنه شاهد المذيع في قناة الجزيرة, يخرج بشكل مذهل وقال أن أمريكا تتعرّض لاختطاف طائرة مدنية وتنتقل الكاميرا للمتابعة. الطائرة الأولى تصطدم على البرج الشمالي من مركز التجارة العالمي والثانية على البرج الجنوبي والثالثة على البنتاغون. وبعد وقت قليلة, تظهر الفيديو التي تعلن ابن لادن بمسئولية هذا الاختطاف والهجوم, ولما ظهرت أشرطة الفيديو التي يتحمّل فيها ابن لادن مسئوليتها, تأتي بعض اللقطات لتدريبات الشباب الصغار الذين شاركوا معه في هذه الحادثة وأناشيدهم الحماسية وجلساتهم على الأرض والخطب والصيحات التي يتداولونها فيما بينهم. وأنه علم وجاء النور إلى خياله بذكريات الأيام الماضية مع هذه الجماعة الأنشطة, وهذه المشاهد بعينها كان يعيش أجوائها في المخيمات. وأنه يفهم ويعترف جميع الإرهابيين الذين صاحوا وصرحوا في تلك الفيديو وهم تسعة عشر, ولوكان زاهي معهم كأعضاء الجماعة , فيكون عشرين, ولذا يصف نفسه الإرهابي 20. و يعد محمد أحمد القحطاني كإرهابي 20 حسب الرواية الأمريكية عن الحادثة (28)[6] وتناول الروائي هذه الأيكونة لحكاية سرد بطول الرواية.
هذه الرواية تنتقلنا إلى موقفين متضادتين لأنها اتخذت أسلوب الحكاية, ويقول عبد الله ثابت حياته بلسان زاهي من ناحية أولى, وأن تجرّباته وتدريباته في الجامعات السعودية تؤدّي إلى جماعة إرهابية, أي أن نظام التربية بالمملكة تسبب لوسعة الإرهاب والتطرّف. وثانيا، ادعاء أمريكا بإضافة الهجوم إلى القاعدة ليست حقيقة, لأن أشرطة الفيديو من مخيمات الجماعة التى اذاعت بالقنات تفرضنا إلى موقف أخرى, وفيها شاركت زاهي أيضا, وأنها ليست جماعة إرهابية, بل جماعة دينية بغلوّها فقط. وأن هذه الجماعة لا تمكن أن تقوم بحادثة كبرى مثل هجوم 11 سبتمبر. اذا كان الروائي متقنا على أن هذه الجماعة سببت إلى الهجوم, فترفع كثير من الاسئلة التي لا نجد جوابها في الرواية. كيف استطاع أن ينجي منها بعد اكتشاف جميع الاسرار عليها؟ وهل تعتني الجماعة الإرهابية عن خلق أعضائها؟ وأن جميع رموز الرواية التي تشير إلى طبيعة الإرهاب قديمة ومستعملة عند دول الاستعمار لاتهام التطرّف والإرهاب على الغير, وعلى الدولة الإسلامية خاصّة.
أنه يحاول أن يثبت الاطار النمطي عن الإرهاب والتوسط, إذْ يمثّل الإرهابيين يقضي حياتهم على المخيمات ويصرحون بغير حاجة ويضحيون حياتهم على الغايات الرخيصة, وأن المتوسطون في الاديان يكون مستمعين إلى الموسيقى ويقبلون الثقافة الغربية ويقص اللحية ويترك القبعة واللفاع. بل يحاول الروائي أن يثبت بعض الحقائق التي تتعلّق بغلوّ الدين وشغل الشبان به, وأن هذا الجيل الذي ندعوهم الجيل الجديد يعتقدون في بالغية الأمور ويمارسون كما مثّل الروائي, وابتعد بطل الرواية عن الأسرة بموقفه على أحكام الدين في اوّل الأمر, وابتعد عنهم مرة ثانية بشدة التطرّف الديني, وهذه طبيعة الجيل الحاضر, لا يمكن أن يثبت متوسطا في المواقف والاعتقادات والتفعيلات.
الهوامش
(1) رمزت جميع الاحداث التي صبغت بتحوّلات سياسية بالتواريخ مثل اكتوبر 17 (ثورة روسية) و يونيو 25 (ثورة الفل) و11/7 (هجوم ممباي من الهند) وغيرها.
(2) بعد سنوات من الحادثة, قد اشار بعض الخبراء العالم ان هذه الحادثة متهيئة من جانب امريكا وستحصل المعلومات الوافرة في صحف خاص عن هذه الحادثة وهناك مقالات عدة تعالج بخلقها الزيفي.
(3) للقراءة الوافرة عن التحوّلات في عالم العرب والاسلام ما بعد هذه الحادثة, انظرعالم الاسلام بعد حادثة 11 سبتمبر, جمعت فيه مقالات من الخبراء والمراقبين.
(4) العرب والعالم ما بعد سبتمبر 11, دار الفكر المعاصر,2005 لبرهان غليون, هو مفكر سوري وأستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون وخريج جامعة دمشق بالفلسفة وعلم الاجتماع. ويعتبر برهان غليون من أبرز المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد.
(5) عبدالله ثابت، شاعر وقاص سعودي. ولد في منطقة عسير في 6 مارس 1973م. يُعد من المؤلفين الفاعلين في الساحة العربية والمحلية. أصدر عددا من الدواوين الشعرية مثل: ‘الهتك والنوبات وأخيراً’ وديوانه, ‘كتاب الوحشة’. يكتب زاوية أسبوعية بجريدة الوطن، وهي أول زاوية تصدر بصحيفة ورقية وتعتمد على تزويد القراء بروابط لمواقع إليكترونية من أبرزها موقع اليوتيوب. شارك في العديد من الأمسيات الشعرية المحلية والعربية والدولية، وفاز بجائزة المفتاحة عام 2004م عن قصيدته ربما قالها’.
المصادر والمراجع
ثابت، عبد الله السعودي.الإرهابي 20, لبنان, دار الساقي, 2006
الخطط الجوّية للولايات المتحدة الأمريكية, العالم الاسلامي بعد حادثة 11 سبتمبر, مجموعة من الدراسات, 2004
غليون، برهان. العرب والعالم ما بعد11 سبتمبر.لبنان، دار الفكر المعاصر،2005
الكلوب، وائل محمد. دور الإرهاب في السياسة الخارجية الأمريكية نحو بلدان الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر, جامعة الشروق الاوسط, 2011.
اللجنة الوطنية حول الهجمات الإرهابية, تقرير لجنة حادثة 11 سبتمبر, الولايات المتحدة الأمريكية, 2005
(باحث في قسم الأدب العربي، جامعة اللغة الإنجليزية والأجنبية، حيدرآباد)