’الخطبة الجهادية‘ وموقف قاضي محمد من المقاومة ضدّ الاستعمار البرتغالي

د. مجيب مسافر

المقاومة هي الفعل الواعي الحرية المناهض للفعل العدواني (النجم). فأدب المقاومة الأدب المعبر عن الذات الواعية بهويتها، المتطلعة إلى الحرية. في مواجهة الآخر المعتدى. ومحافظا على القيم العليا من أجل الخلاص الجمعي (النجم). وقد ظهر هذا النوع من الأدب في كثير من أنحاء العالم منذ بداية الاستعمار والاعتداء. وقد نشأ أدب المقاومة في كيرالا إثر لاستعمار البرتغالي بلاد مليار في القرن الخامس عشر م. وكان قاضي محمد بن عبد العزيز الكاليكوتي  من أدباء المقاومة في القرون الوسطى، وكان مشهورا لمواقفه من  المقاومة ضد الاستعمار البرتغالي. ولد في كاليكوت في أسرة القضاة التي تنتمي أصلها إلى مالك بن محمد الأنصاري. (ك.تي 51) وكانت تلك الأسرة معترفة عند السامري ملك كاليكوت، وكان السامري يشاورهم في الأمور ويتخذهم أصحاب الرأي في المواقع الهامة.

نبذة عن المؤلّف وحياته: وكان قاضي محمد الكاليكوتي ووالده عبد العزيز ممن أشرب في قلوبهم حب الوطن والدين وعداوة الاستعمار والمستعمرين البرتغاليين، وقاما بتحريض المسلمين على الجهاد ضد الاستعمار البرتغالي. وكان والده قاضي عبد العزيز قاضيا، وعالما، ورجل  الحرب والسياسة. وكان هو قد شارك في المشورة التي انعقدت في مسجد مثقال في كاليكوت أيام حروب فتح قلعة شاليم، مع كونجالي ماريكار، وسيدهي أحمد، والشيخ أبو الوفا شمس الدين، والشيخ عبد العزيز المخدوم، وشاه بندر عمر العطابي، وغيرهم. (ك.تي 51)

وكان القاضي محمد مولعا بالعلم والفقه، وتعلّم  مبادئ العلوم من والده العالم، ثم من العلاّمة عثمان لبا القايلي، والشيخ عبد العزيز المخدوم. فتفقه في القرآن والحديث، والتفسير، والفقه، وأصول الفقه، والفلسفة، وعلم الفلك والحساب، وعلوم النحو. وصار قاضيا بعد وفاة أخيه علي الناشوري. وكان مدرّسا في المسجد الجامع في كوتيشيرا. وكان يتصل بالطريقة القادرية الصوفية. وكانت له براعة في الشعر والأدب. وله مؤلّفات عديدة في مختلف المواضع، ومنها؛

الخطبة الجهادية ، قصيدة الفتح المبين للسامري الذي يحب المسلمين ، قصيدة إلى كم أيها الإنسان؟ ، مرثية على الشيخ عثمان لبا القايلي، قصيدة مقاصد النكاح ، الفرائض الملتقط ، المنتخبات الفرائد ، نظم الأجناس ، نظم قطر الندى، قصيدة نصيحة المؤمنين ، قصيدة مدخل الجنان ، منظومة في تجويد القرآن، منظومة في علم الأفلاك والنجوم، منظومة في علم الحساب ، الدرّة الفصيحة في الوعظ والنصيحة، منظومة في الخطوط والرسائل، الدرّة الفصيحة ،نظم العوامل. (كويا 107)

’الخطبة الجهادية‘ وموقف قاضي محمد من المقاومة ضدّ الاستعمار البرتغالي: وقد قاوم قاضي محمد ضد البرتغاليين واستعمارهم ببراعته الأدبية الشعرية. وله أرجوزة في بيان أهوال حروب فتح قلعة شاليم وأحوالها، مقاومة للاستعمار البرتغالي، وتحريضا للمسلمين وغيرهم في المقاومة. وكذا ألّف خطبة في اللغة العربية لتحريض المجاهدين الذين  شاركوا في في حروب فتح قلعة شاليام ضد البرتغاليين، ولاستعدادهم في سبيل القتال. وهنا نبحث عن هذه الخطبة التي أنشأها أيّام حروب فتح قلعة شاليام  وأرسلها إلى الواعظ في شاليام  لأجل الوعظ في أمور الجهاد والقتال والإنفاق في سبيل الله. وقد عثر على مخطوطة هذه الخطبة عبد الرحمن الآدرشيري الأنصاري (أستاذ مساعد في كلية روضة العلوم العربية، جامعة كاليكوت) من بين مجموعات الكتب في خزانة الكتب للشيخ بانغيل أحمد كوتي مصليار.(عالم مشهور من علماء سمست كيرالا جمعية العلماء، من أهل السنة والجماعة.1887-1946).

فترة الكتابة: ويعلم مما كتب فوق الخطبة- هذه الخطبة الجهادية التي أنشأها وأرسلها العلّامة القاضي محمد بن عبد العزيز في أيام الحرب إلى قلعة شاليام  لأجل الوعظ-  أن فترة هذه الكتابة في سنة 1571م/ 979هـ أيام حروب فتح قلعة شاليام . وكذا نفهم من مضامين الخطبة أيضا أن فترة كتابها أيام حروب فتح قلعة شاليام فحسب وليس غيرها.

وكذا نؤكّد من الأسلوب الذي نراها في الخطبة ومن بعض الألفاظ التي تبين التعذيب والإفساد والمظالم التي قامت بها البرتغال أن مؤلّف هذه الخطبة هو قاضي محمد نفسه.  لأن أسلوبه في قصيدته ’الفتح المبين‘ في بيان مظالم البرتغال ومعاملتهم القبيحة مع المسلمين، وأسلوب الخطبة وألفاظها يتشابه مشابهة تامة. وهذا يؤدينا إلى أن مؤلّف القصيدة والخطبة مؤلف واحد بلا شك ولا ريب.

مضمون الخطبة وعناصر المقاومة فيها:  تتضمن الخطبة من المضامين كما يلي؛

أوّلا: مقدمة: تشتمل هذه المقدمة على الحمد والصلاة، ثم على بيان عن فضائل الجهاد والقتال والشهادة وفضل الإنفاق في سبيل الله، وبيان عدم استواء المجاهدين بالقاعدين بيانا يسيرا كمقدمة. تبدأ الخطبة بحمد الله والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم. يشير بعد أن حمد الله ببعض صفات الله من قاصم الجبابرة، ومدبّر الكائنات، وبإحاطة  علمه تعالى، إلى دفع الله الناس بعضهم ببعض فقال بقوله تعالى “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ” (البقرة 251). ثم يقول عن القتال، والجهاد والشهادة. فيقول”وأمره بقتال المشركين حتى يقولوا لا اله إلا الله ومحمد رسول الله. (الكاليكوتي 1) ثم يقول “وأبقى طائفة يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال ركبانا ومشيانا”. (الكاليكوتي 1) ثم يبين فضل الشهادة في سبيل الله ودرجاتها، مقتبسا بقوله تعالى، ’ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ‘(آل عمران-169) ، و’إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ‘ (البقرة- 11). ثم  بقوله تعالى ’يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‘ (الصف -11). ثم يلتفت صاحب الخطبة إلى بيان فضائل الإنفاق في سبيل الله وثوابه، فيقول؛

“حرّض (الله  تعالى) على الإنفاق فيها، وجعل الإمساك عين التهلكة، فذكر في كتابه، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، ووعد لمن أنفق في سبيله بضعفين من الأجر، فمثّل رأفة ومحبة مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبة.” (الكاليكوتي 2)

ثم يبن الكاتب عن فضل المجاهدين بعدم إستوائهم بالقاعدين، فيقول؛

 وبين فضل المجاهدين بعدم الإستواء فقال ليتفكر القاعدون حالهم في أنفسهم، ’لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ‘، وشدّد الوعيد على من أحب عليه شيئا فضلا عن تركه، فهدّد في أمره، ’قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ‘ (الكاليكوتي 3).

ثانيا: الحمدلة والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم. بعد ان فرغ من المقدمة يبدأ صاحب الخطبة خطبته يحمد الله ويصلّي ويسلّم على رسوله الكريم.

ثالثا: النداء إلى الجهاد وتحريض السامعين عليه: ثم ينادي الكاتب سامعيه إلى الجهاد ضد البرتغاليين المستعمرين نداء مباشرا، فيقول، أيّها الناس من أراد الجهاد فهذا أوانه، ومن ابتغى السعادة العظمى فهذا أيّامه…..” (الكاليكوتي 4)

ثم يخاطبهم ويحرّضهم  على الخروج للجهاد ويقلّل مخايفهم من الموت في سبيل الله. فيقول؛

“عباد الله أنتم أيقاظ أم نيّام أم أنتم في شغل عن هذا الكلام.؟ أما ترون الأعمار تنضرم عاما بعد عام وليس بينكم وبين الموت إلّا أيّام، فإذا كان حال ابن آدم على هذا المنوال فطوبى لمن بذل مهجته للجهاد الذي هو من أفضل الأعمال”. (الكاليكوتي 4)

ثم يقول عن الثبات والنصرة من الله؛ ” والنصرة من الله مع الصبر والفرار من الموت ليس بنافع، وسهامه على كلّ أحد واقع فما لكم لا تفكرون فيما قال لكم الرحمان دليلا ’قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً‘ (الأحزاب:16) (الكاليكوتي  4-5)

ويقول أيضا ليخفّف عنهم مخايف الموت أو القتل في الحرب والجهاد. فيقول مقتبسا بضوء الآيات القرآنية؛ “وإن الجهاد لا يدخل أحدكم القبر قبل أجله، ولا يقي من الموت إقامته في وطنه وأهله فإن شككتم فاقرؤوا أيها المتردّدون ’فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ. (النحل:61)‘ (الكاليكوتي 5). ويقول أيضا في تخفيف مخايف الموت والقتل، “ولا تجبنوا بكثرة الأعداء وأنتم فئة يسيرة… فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة..” (الكاليكوتي 5)

ويقول أيضا مناديا بالجهاد؛ “أن الجهاد محنة يكتب بها الله الأجر لمن أجابها، ومن أعرض عن الجهاد فله الخزي في الدنيا وفي الآخرة الوزر. فالسعيد من طلب حياة تبقى، فشمّروا للجهاد، والشقي من طلب حياة لا تبقى فخسر الدنيا والآخرة” (الكاليكوتي 5) ويقول أيضا “فو الله ما قرب أجل أحدكم الإقدام، ولا زاد في عمره الفرار والإحجام فإنما هي آجال محدودة وأنفاس معدودة. ولا تحسبوا أنكم إن فررتم من الموت او القتل تعيشون حياة مؤبدة، أينما تكونوا يدرككم الموت ولوكنتم في بروج مشيدة..” (الكاليكوتي 6)

رابعا: التحريض على الإنفاق في سبيل الله: وكذا يحرّض صاحب الخطبة سامعيه على الإنفاق في سبيل الله وفي هذا الجهاد ضد البرتغاليين. فيقول؛ ” وأنفقوا ما منحه الله من الأموال ليكون كلمة الله هي العليا على كلّ حال، ألا وإن مع التعب يعظم الأجر..” (الكاليكوتي 6) ويقول أيضا في فضل الإنفاق وتحريضا عليه،

“وعليكم بالإنفاق وإن من جهّز غازيا فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا، ولا تعلّلوا بخوف العيلة والفقر، فإن من أنفق نفقة فاضلة له سبع مائة من الأجر، ومن أنفق على نفسه أو على عياله فبالحسنة عشر أمثالها. إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة؛ صانعه الذي يبتغي به وجه الله، والرامي ومنبله”. (الكاليكوتي 8)

خامسا: بيان مظالم البرتغاليين وإفسادهم: ثم يقول القاضي محمد مبيّنا عما فعله البرتغاليون من مظالم ومعاملات شنيعة قبيحة. فيقول؛

“فإن النصارى عبدة الأصنام والأوثان قد دخلوا إقليم المليبار في كلّ بلدان، وأكثروا فيها الصولة والفساد، وأظهروا أنواع التعدي والعناد، وهدموا مباني الإسلام، ومحوا شعائر الأحكام، وتسلّطوا على المسلمين تسلط المالك على المملوك، وأذل (لعله أذلّوا) الجبابرة من السلاطين والملوك، وملكوا بسطوة بلادهم، وملؤا من خيفة أكبادهم، حتى أزالوا رسمهم واسمهم، وأخرجوا دموعهم ودمائهم، وتحصنوا بالقلعة والمدافع، وليس لقلعها حيلة ولا مدافع، قد أيتموا بقتلهم الولدان وأرملوا الإماء والنسوان، وخربوا أكناف البلاد، وأبطلوا معائش العباد، وعطلوا المسافرة والتجارة، وعوّضوا لربحها الخسارة. كم من مسلم في حبسه مقيّدون، وأيّ محنة بها يعذّبون، كم من مراكب بنار أحرقوه، كم من سفائر البحر أغرقوه. كم من مسلم قد دخلوا في دينهم قهرا، ومنعوا طرق المسلمين برّا وبحرا. لحرّقوا المصحف والمساجد، وعمروا في أماكنها الكنائس والمعابد. ونبشوا بظلمهم قبورا وشيدوا بحجرها قصورا. وهتكوا بين المحارم حرمة النسوان وعذّبوا المسلمين بعذاب أهل النيران، وجعلوا المسلمين ذبيحتهم وأموالهم غنيمتهم، قد فزع الله من قلوبهم الرحمة كأنهم لم يخلقوا إلّا من النقمة.” (الكاليكوتي 3-4)

سادسا: التحريض على الجهاد ببيان الأيات القرآنية  والأحاديث النبوية: ويحرضّ المخاطب طوال خطبته على الجهاد والقتال والإنفاق في سبيل الله مقتبسا بآيات القرآن والأحاديث النبوية. فيقتبس من الآيات التالية، بقوله ’لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون. (آل عمران  169)، إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة 111) ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.(الصف 10)، وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. (البقرة 195)، مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.(البقرة 161)، لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ .(النساء 95)، قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ.(التوبة 24) وبقوله تعالى، قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا.(البقرة 214) وبغيرها من الأيات القرآنية.

وكذا  يقتبس القاضي  من الأحاديث النبوية أيضا في خطبته لتحريض المسلمين على الجهاد ببيان فضائل الجهاد والقتال في سبيل الله  ودرجات الشهداء بعد الموت في هذه الدنيا (وأن صاحب الخطبة لا يروي الحديث بمتنها ولا بنصها الكامل بل يشير إلىيها بالألفاظ). ونذكر بعضا منها: 

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ لَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ ” .(النيسابوري 1910) وعن أبي أمامة عن النبي  قال “من لم يغز أو يجهّز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة يوم القيامة”. (ابن ماجة 2762)

2-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْبٍ فِيهِ عُيَيْنَةٌ مِنْ مَاءٍ عَذْبَةٌ ، فَأَعْجَبَتْهُ لِطِيبِهَا ، فَقَالَ : لَوِ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ ، وَلَنْ أَفْعَلَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ” لَا تَفْعَلْ ، فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عامًا ، أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ ؟ اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ “(الترمذي 1573)

3-عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله  قال؛ “والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك”. (البخاري 2607)

4-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ، وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ ، أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ،. (البخاري2595)

5-عن حميد قال سمعت أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “ما من عبد يموت له عند الله خير يسرّه أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى”. (البخاري 2600)

6-عَنْ أبي هريرة، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنَ الْقَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنَ الْقَرْصَةِ “. (ابن ماجة 2795)

هكذا يبين في هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث في فضائل الجهاد في سبيل الله، والشهادة وثوابها ودرجات صاحبها يوم القيامة. ثم يقول في آخر الخطبة؛

“فاثبتوا بحكم الله  عند القتال، ولا تكونوا كاللصوص، فإنّ الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص، ولا تحسبوا أنكم تقربون بالجهاد آجالكم معجّلا، وما كان لنفس أن تموت إلّا بإذن الله كتابا مؤجّلا. جعلنا الله وإياكم ممن أحيى دينه بأيديهم……” (الكاليكوتي)

وأما موقفه من  المقاومة ضد الاستعمار البرتغالي أنه يرى المقاومة ضد الاستعمار البرتغالي بالجهاد والقتال فرض على كل من يقيم بالبلاد المستعمرة. وفي هذه الخطبة يبين موقفه من هذه المقاومة، بتحريض المسلمين على الجهاد ضد البرتغاليين المستعمرين بالأيات القرآنية والأحاديث النبوية، والتحريض على الإنفاق في سبيل الله، والنداء إلى الجهاد وتحريض السامعين عليه، وبيان ثواب الشهادة ودرجات صاحبها يوم القيامة، وببيان مظالم البرتغاليين ومفاسدهم وأفعالهم القبيحة، وهتكهم حرمات الدين والشريعة، وحرمات النساء المسلمات.

الهوامش:

فتح قلعة شاليام: وقد بنت البرتغال قلعتها في شاليام قريبا من كاليكوت ، بعد أن تعهدت لشروط مع الساموتيري ملك كاليكوت. ولكن البرتغال قد نقضت شرائط السلام وبدأت تظلم وتفسد. فخرج الساموتيري وأصحابه من المسلمين والهندوس وغيرهم سنة 1571م. وحاصروا القلعة إلى أربعة أشهر حتى أخرجو البرتغال من القلعة وهدموها حتى لا يبقى حجر على حجر.

المصادر والمراجع

  1. ابن ماجة،أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني. سنن ابن ماجة. المجلد 1.2. المكتبة العلمية، بلا تاريخ. ويب. 2014. http://library.islamweb.net
  2. البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري. المجلد 7. دار بن كثير، 1993. ويب. 10, 2014. http://library.islamweb.net
  3. الترمذي،محمد بن عيسى بن سورة. سنن الترمذي. المجلد 5. دار الكتب العلمية، بلا تاريخ. ويب. 10, 2014. http://library.islamweb.net
  4. الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي. سنن الدارمي. دار الكتب العربي، 1987. ويب. 10, 2014. http://library.islamweb.net
  5. القرأن الكريم. بلا تاريخ.
  6. الكاليكوتي، قاضي محمد بن عبد العزيز. الخطبة الجهادية. بلا تاريخ. مخطوطة.
  7. النجم، السيد عبد العزيز. إطالة في تعريف أدب المقاومة. مؤسسة فلسطين للثقافة. بلا تاريخ ويب.
  8. النيسابوري ، مسلم بن الحجاج القشيري. صحيح مسلم. المجلد 5. دار إحياء الكتب العربية، بلا تاريخ. ويب. 10, 2014. http://library.islamweb.net
  9. K.T, Hussain. Strategy of Kerala Muslims’ Anti colonial Resistance. Calicut: IPH, 2008
  10. Parappil, Muhammed Koya. Mappila Muslims of Kozhikode. Kozhikode, 1994.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *