حديث المستشرق الفرنسي

د. أحمد شتيوي  

التمهيد

الاستشراق يعني الدراسات الغربية التي تتعلق بالشرق الإسلامي في لغاته وآدابه وحضاراته وتاريخه وتشريعاته وعقائده . ([1]) والمستشرق هو : كل من درس لغة من لغات الشرق ،ودرس بهذه اللغة فنونها وآدابها ومعتقدات أهلها.

وكلمة مستشرق: تطلق على كل عالم غربي يشتغل بدراسة الشرق كله من حيث اللغة والآداب والحضارة والمعتقد. فالمستشرقون هم الذين يقومون بدراسة علوم الشرق ،وأحواله وتاريخه ومعتقداته وبيئاته الطبيعية والعمرانية والبشرية ودراسة لغاته ولهجاته والطبائع ة الشخصية في كل مجتمع شرقي ([2])

وقد قام المستشرقون عموما بدراسة اللغة العربية في أديار الرهبان،وترجموا العديد من كتب اللغة العربية، كما ترجموا القرآن الكريم إلى لغات مختلفة ، وقد كشف الدكتور محمد البهي هدف المستشرقين من ترجمة القرآن بقوله:”إن الاستشراق كمنهج وكمحاولة فكرية لفهم الإسلام حضارة وعقيدة وتراثاً كان دافعه الأصيل العمل من أجل إنكار المقومات الثقافية والروحية في ماضي هذه الأمة،والتنديد والاستخفاف بها” ([3])

لهذا يرى المستشرق الألماني المعاصر « ألبرت ديتريش » أن المستشرق : هو ذلك الباحث الذي يحاول دراسة الشرق وتفهمه ، ولن يتأتّى له الوصول إلى نتائج سليمة ما لم يتقن لغات الشرق ([4])

لقد عاد الإسلام واللغة العربية مادة خصبة لموضوع الاستشراق ، وطغت هذه المادة على ما سواها ، ولقد قدّر للقرآن الكريم أن يحتضن الإسلام واللغة العربية في وقت واحد ، حتى أضحى أغنى المواضيع عند المستشرقين على الإطلاق ، فبحثوا في جزئيّاته وكلّياته ، وانصبّت بحوثهم الأكاديمية حوله بشكل متواصل.

دوافع الاستشراق وغايته:

تنوعت دوافع الاستشراق وغاياته بتنوع الزمان والمكان والثقافة والأيدلوجية ،فمنهم من هدفه التبشير ،ومنهم من كان هدفه الاستعمار وآخرهم دافعه العلم والوقوف على المجهول بالنسبة له ([5]), فالمستشرقون ليسوا على درجة ،فمنهم من سمت غايته ،وعلا هدفه ، ومنهم من دبَّر مكايده بليل وصار مدخلا للاستعمار ،وقد أبان ماسينيون الصوفي،أو عبده محمد ماسينيون ـ الذي كان مستشارا في وزارة الخارجية الفرنسية ـ عن طبيعة الفريقين من المستشرقين في خاتمة الرسالة التي للعلامة  محمود شكري الألوسي في 25/ 7/1923م 10/12/1341هـ بقوله([6]):”إن نفرا[معتدلا] منهم ونقصد جميع المستشرقين من كافة الجنسيات يستحق الاحترام والتقدير لما له من مآثر في نشر العلم والثقافة ، وتسهيل الوصول إلى مؤلفات وأعمال ودراسات لو لم يبادروا إلى تحقيقها ودرسها وفهرستها  فهرسة كاملة ونشرها من مخطوطات كتب وتراث وحضارة ، ومن أحاديث نبوية وتاريخ ولغة وآداب وفلسفة ،الخ لكانت ما تزال قابعة سجينة الخزائن بعيدة عن النور ، ناهيك بالمجلات المختصة التي أنشأوها منذ عشرات السنين وما تزال تصدر حتى الآن ، طافحة بالدراسات والتحقيقات والنصوص والمستندات والأعمال التي تشكل ذخراً تراثياً هائلاً ،فضلا عن المؤتمرات التي ينظمونها ويعقدونها للبحث والاطلاع وتبادل الآراء والدراسات”.

ثم يكشف ما سنيون عن الغاية من جهود هؤلاء قائلا:”ومن أثر هذه الأعمال الجليلة ليس فقط تمكين العرب والمسلمين وغيرهم من الوقوف عليها والاستفادة منها،بل اطلاع الأجانب والأوربيين عليها بحيث أصبح في محيطاتهم الغربية من يقدِّر الحضارة العربية والإسلامية ، ويدافع عنها ، ويستقي من مصادرها ،ويستوحي ذخرها فيما يؤلف وينشر”.

أما النفر الآخر الذي ظل سادرا في جهلة أو تجاهله لها وشارعا في محاربتها فمعظمهم من اليهود أو ممن يتعاطف معهم ، وقد درس هؤلاء الدين الإسلامي واللغة والآداب العربية والفلسفة العربية والإسلام والفقه …الخ فراح يحاربها ، وينكر عليها أصالتها  وأهميتها ودورها وأثرها في تفكير المؤلفين الأوربيين أنفسهم ، وفي المنجزات الفكرية الحضارية ـ ولم يروا في الإسلام شيئا ذا شأن ـ والإسلام كله تتمة غيرت مجرى التاريخ وحوّلته في مصلحة الإنسانية جمعاء ـ وإن وجدواه قالوا إنه دخيل من أصل غير إسلامي ، إما يهودي أو نصراني ،وذكروا أن  الفلسفة العربية ليست سوى الفلسفة اليونانية بأحرف عربية،وأن الفقه الإسلامي ليس في الواقع سوى الفقه الروماني باللغة العربية”.

وهذه الفئة تحاول دائما النيل من الإسلام والقرآن والرسول ـ  محمد صلى الله عليه وسلم ـ ،والرمي بالشبهات المتتابعة .

كما وصفت هذه الفئة القرآن بأنه مخلوق ، أو أنه أساطير الأولين ، وأن الإسلام مجموعة من البِدع والخرافات ،وأنه حُرِّف وبدل بعد وفاة النبي ـ صلى‌الله‌عليه ‌وسلم ـ وفي صدر الإسلام الأول، وغاية هذا الفريق التقليل من مكانة القرآن والإسلام ، وتنفير الناس منه.

فالمستشرقون المسيئون الذين عمدوا قصدا وتعصبا إلى تشويه الدين والحضارة الإسلامية كثيرون وهم منتشرون في مختلف الأقطار الأجنبية نذكر منهم على سبيل المثال جولد تسهير ودايفد مارغليوس ولا يقل بيرك عن هؤلاء.

ولعل من أسباب عداء هؤلاء للإسلام هو عدم إدراكهم للغة العربية ،وجهلهم بلاغة القرآن ،يقول الأستاذ محمد رشيد رضا :”إن أول الأسباب العائقة عن فهم الأجانب للقرآن جهل بلاغة اللغة العربية التي بلغت ذروة الإعجاز في أسلوبه ونظمه وتأثيره في أنفس المؤمنين والكافرين جميعا، وإن ترجمات القرآن التي يعتمد عليها علماء الإفرنج في فهم القرآن قاصرة عن أداء معانيه التي تؤديها عباراته العليا، وأسلوبه المعجز للبشر …وإنه لمن الثابت عندنا أن بعضهم تعمدوا تحريف كلمه عن مواضعه ،وقلما يكون فهمهم تاما صحيحا ، ويكثر هذا فيمن لم يكن به مؤمنا ،بل يجتمع لكل منهم القصوران كلاهما:قصور فهمه،وقصور لغته “([7])

ما يسود الترجمات الفرنسية لمعاني القرآن الكريم

كانت جل الترجمات الفرنسية تهدف إلى التأكيد على بشرية القرآن سواء أكان من عند النبي محمد  صلى الله عليه وسلم ـ أم من صحابته ومن حوله،وأنه نتاج عربي، ودافع هؤلاء هو الحقد على الإسلام وعلى القرآن خوفا من انتشاره وصد الناس عنه ،والتأكيد على التشابه بين القرآن والشعر العربي في وقته،وشتان بينهما ،فلا علاقة بين القرآن والشعر سوى اللغة فقط التي نزلت به حتى يتحقق الإعجاز،أما نظمه وتأليفه وانسجامه فلا يوجد تشابه البتة،فالموضوعات مختلفة والروح بعيدة كل البعد ،فالقرآن يختلف أسلوبا ومذاقا وروحا.

ولا شك أن المستشرقين يتحدثون عن مسألة جمع القرآن وكأنهم يتابعونها اليوم ،ولم يدركوا خصوصية الزمان والمكان والأفراد، فلقد امتاز الصحابة بالحفظ وإتقان الكتابة والاستعداد للقيام بهذه المهمة الصعبة

فمعظم المستشرقين ينفي أن يكون القرآن من عند الله ، فهو في معتقدهم من صنع محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم.

يقول لودفيجو ماراتشي الذي ترجم القرآن للإيطالية:”أما أن محمدا كان في الحقيقة مؤلف القرآن المخترع الرئيس له ،فأمر لا يقبل الجدل ، وإن المرجح مع ذلك أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لمتكن معاونة يسيرة وهذا واضح  في أن مواطنيه لم يتركا الاعتراض عليه بذلك” ([8]).

ويقول نجيب العقيقي عن هذه الترجمة :”وقد نجح في ترجمته ،فذكرها فولتير في القاموس الفلسفي ،وأُعيد طبعها مرارا إلا أنها اشتملت على شروح وحواشٍ ومقدمة مسهبة، هي في الحقيقة بمثابة مقالة إضافية عن الدين الإسلامي عامة حشاها بالإفك واللغو والتجريح”([9]).

من شبهات المستشرقين حول القرآن قولهم:

1ـ  القرآن لا يمثل نموذجا عاليا في البلاغة والفصاحة.

2ـ غياب التناسق بين الآيات أو رميه بالإطناب في غير موطنه .

3ـ إزاحة الآيات من مكانها التوقيفي،ظنا منهم أن يجوز في القرآن تبديل الكلمات والآيات عن موطنها التي نزلت به ،ويرجع ذلك إلى عدم الإحاطة بالنص القرآني .

4ـ ترجم جُل هؤلاء معاني القرآن ليحاربوه ؛ انطلاقا من معاداتهم للإسلام وأهله.

5ـ خوفهم من انتشار الإسلام في بلاهم فترجموا القرآن ترجمات خاطئة  ؛ بقصد التحريف والتضليل ،ولم يتبعوا المنهج الصحيح في الترجمة.

6ـ تعدد الترجمات حتى يضيع القارئ بينها .

7ـ ألَّفوا مقدمات لترجمات القرآن بثوا فيها كل سمومهم ،ونشروها قبل الترجمة ،وضمنوها كل صور التشهير بالقرآن والإسلام والرسول والمسلمين ومن ذلك مقدمة بيرك ـ محل الدراسة.

8ـ رددوا مغالطات اليهود ومنها أن القرآن متأثر بالتوراة والإنجيل ،وأن النبي اطلع على كتب مختلفة ،كيف ذلك والرسول كما صرح القرآن  في غير موطن أنه ” أمي ” لا يقرأ ولا يكتب.

9ـ ترجموا القرآن ورتبوه بحسب ترتيب النزول، حتى لا يحافظ على ترتيب الآيات والسور التوقيفي ،فيظن القارئ أن هذا قرآن جديد.

إن هدف جُل المستشرقين بشكل أساسي هو تضييع الهوية الإسلامية، والتشكيك في ما اتفق عليه جمهور المسلمين من خلال دعوات باطلة يغذيها الحقد على الإسلام، وتحكيم الهوى ونزعات العداء للإسلام والمسلمين ،ووضع الفكرة أو النتائج مقدما اعتمادا على أدلة لا قيمة لها في البحث العلمي، فضلا عن تضخيم الأخطاء الصغرى ،وإعادة نشرها بصور مختلفة ، ورفض الحق بالنفي المجرد وقياس تصرفات المسلم  على  غير المسلم بحكم الإنسانية ،ونسوا هؤلاء أن الشخصية الإسلامية لها سمتها في التعامل والحياة.

كما بثوا روح الضعف والشك فيما بين أيدي المسلمين من القيم والعقيدة والمثل العليا والتراث العربي الأصيل.

فالمستشرقين المتطرفون قاموا بتشويه حقائق الإسلام ، وتشكيك المسلمين أنفسهم بدينهم ،وشن الحملات على القرآن الكريم  واللغة العربية ،وصد الشعوب عن الدخول في الإسلام ونشر الدعوات أن سبب تأخر المسلمين عن ركب الحضارة المادية يعود إلى التمسك بدينهم ولغتهم العربية والرجوع للوراء  ووصفوا الدين الإسلامي بأنه دين ميت ،وهذا غير صحيح.

مقدمة جاك بيرك([10]) لترجمة معاني القرآن

أقامت ترجمة جاك بيرك للقرآن باللغة الفرنسية الدنيا ولم تقعدها ، وأفردت مجلة القاهرة في أغسطس 1993م اثنتي عشرة صفحة تمجيدا لهذه الترجمة وبدأت المجلة حديثها قائلة:”هذه محاولة جديدة لترجمة القرآن الكريم للغة الفرنسية أثارت كثيرا من ردود الفعل الإيجابية ،فصاحب العمل رجل مشهور له بالكفاءة والنزاهة والرغبة الصادقة في أن يكون حلم الحوار بين الثقافات قائما أولا على معلومات صحيحة ،وثانيا على فهم سليم وثالثا على نية صادقة من أجل الحوار الخلاق والإيجابي بين الحضارات والأفكار والثقافات”.

ثم قالت المجلة:”… فهو يمتاز عن غيره من الباحثين الأوربيين بالموضوعية والإخلاص للعلم وحرمته “وذكرت المجلة أن من الأسباب التي دعت بيرك لترجمة القرآن حبه الشديد للدين الإسلامي مع أنه لا يدين به ؛إذ أنه وجد فيه تعاليم الديانات الأخرى مثل التوراة وغيرها،وهو يحتوي أيضا على تعاليم تتعلق بالتاريخ وبالأساطير وبالتشريعات المختلفة”

وأضافت المجلة في نفس عددها مقالا لكاتب جزائري مسلم يقيم في فرنسا يدعى السيد محمد سي ناصر تحت عنوان “جاك بيرك والإسلام المستنير” وقد زخم المقال بعبارات الإطراء والتمجيد لمشروع بيرك.

إن وصف الإسلام بأنه مستنير كلمة خادعة ؛إذ تعني أن هناك إسلام مستنير وآخر غير مستنير، مما يعني التعددية ،فالإسلام مذهب لا يتعدد فإما أن يكون إسلاما يحمل رسالة القرآن الحقيقية فهو الإسلام الفعلي ،وإما أن يكون تأويلا أو اعتسافاً في التفسير فهو ليس بإسلام .

وقال د. وائل غالي([11]) ردا على الكلام السابق :”إن معيار العلم وتطوره قد أصبح في القرن العشرين هو قابلية العلم للتكذيب سواء أكان العلم صدر عن مسلم أو نبع من كاتب مسيحي ،ومن المعروف أنه ليس من المنهج الحديث في القضايا العلمية تفضيل العربي على العجمي والمسلم على المسيحي .

وأخذ يمثل على ما ذهب إليه:”فلقد كان سيبويه أعجميا ولم يطعن في قدره ،كما كان الزمخشري نحويا ولغويا ومتكلما ومعتزليا ومفسرا أعجميا ولم يطعن ذك في قدره” .

وأنا أقول هذا قياس مع الفارق ، فما استشهدت به من العلماء قد قدموا العلم النافع المفيد للعرب ،وكانوا مهرة في عملهم ،وما أجادوا فيه قبلناه وما حادوا فيه عن الصواب رددناه.فالعصمة للأنبياء فقط.

أما المستشرق الفرنسي جاك بيرك فقد  تظاهر بالدفاع عن النص القرآني واصفا صنيع تيودور نولدكه  بأنه ينطلق من نزعته الوضعية التي سادت في عهده،فعرى الأسلوب القرآني من معانيه ،ووصف أسلوب القرآن بالحذف والاختصار والخطأ وأرجع كل ذلك على العيب البلاغي .

والحق أن هذا الكلام ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ، فما سماه نولدكه خطأ سماه بيرك شذوذا ، فكلاهما ينضح من وعاء واحد وهو التقليل من شأن القرآن الكريم والإسلام.

وعقب د. وائل غالي على ما مر قائلا:”ومهما يكن من أمر فالخلاف بين بيرك والبيومي هو خلاف بين اتجاهين فكريين متناقضين ،هما اتجاه أهل النقل واتجاه أهل العقل ،أو أهل الأثر وأهل القياس،وقد نتجاوز ذلك كله فنقول إنه خلاف بين فئة تحكم الإيمان والعقيدة في القضايا العلمية وأخرى تحكم العقل والمنطق وشتان ما بينهما.

وقد نوجز ذلك كله فنقول (الكلام ما زال د. وائل غالي) إنه خلاف بين محمد رجب البيومي الذي يحكم الإيمان والعقيدة في القضايا العلمية وجاك بيرك الذي يحكم العقل والمنطق .

ونقول للكاتب لقد أنصفت الدكتور البيومي حين قلت إن رده على بيرك كان من منطلق الإيمان والعقيدة وهذا صحيح ،والسؤال ما مادة النقاش أليست النص القرآني ؟! هل افترى البيومي على بيرك ؟

ماذا ينتظر من مسلم يقرأ لرجل يصف القرآن بالشذوذ النحوي،والقول ببشرية القرآن، وأن آياته غير متساوقة للنحو الوصفي أو المعياري ،وأن التكرار الوارد فيه غير بلاغي ،وأن هناك تباين بين الآيات ،ويكثر فيه الغموض المفاجئ ،وأنه لا يختلف في ذلك عن الشعر ،أو الإنجيل،وأنه لا داعي للتفسير بالموروث بل يجب أن يحل محله المناهج المعاصرة ك”سمياء كريماس،وتوليدية ونعوم تشوميسكي”،وأن القرآن قائم على التطور اللغوي الذي حصل بين مرحلة نزول القرآن ومرحلة التدوين، والقول بعدم الانسجام أو الملاءمة بين آياته وصوره وموضوعاته،إلى غير من الاتهامات .

أسباب هجوم جاك بيرك على القرآن والإسلام

يعود أسباب هجوم  جاك بيرك على الدين والقرآن والرسول إلى حقده على الدين الإسلامي ،وقد بدا من خلال ترجمته للقرآن الكريم والمقدمة التي كال فيها هجومه.،فضلا عن جهله الشنيع باللغة العربية ،وتشكيكه في لغة القرآن الكريم،والرغبة الملحة في الإساءة للدين الإسلامي،وتخليه عن الأمانة العلمية التي صدع بها الرؤوس ،وغير ذلك مما أقرته اللجنة التي شكلها فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق  رحمه الله. ([12]).

ولا غرابة في ذلك ف:” قد تلقى الأستاذ جاك علم العربية من المعاجم والقواميس ومن مستشرقين تلقوا علم اللغة العربية من المعاجم والقواميس ، فكانوا في وضعهم العلمي متعلمين لا علماء إذ تنقصهم خبرة العالم ، وطول أناته في البحث ، ورهافة ذوقه في فهم النصوص ، ولا أقول ذلك تهجماً، بل إن وقع الأستاذ جاك ينطق بذلك”([13])

ولم يختر جاك بيرك من الآيات إلا ما يؤيد غرضه ووجهة نظره ليس حقا بل بالتأويل الخاطئ الذي ينكشف من أول وهلة ،أما الآيات الصريحة التي لا تحتمل أي تأويل أو جدال منه فلا ينظر إليها وكأنها ليست من كتاب الله”([14]) وهذا لعمري غاية الإنصاف .

ف(جاك بيرك) جاهل باللغة العربية ، ومتعمد الإساءة إلى الإسلام ، ويفتقد الأمانة العلمية ، والأدب الخلقي الذي يجب أن يتحلى به من يتناول النص القرآني ، وأنه لا يملك القدرة على مت تصدى له من عمل جدي شاق لأمور بلغت خمسة عشرة نقطة كلها انتقاص من القرآن وتشكيك في نصه وجمعه ،واتسام أسلوبه بالغموض والإبهام وغياب الأمانة وهو لون من ألوان الشعر الحديث  الذي لم يعرف إلا منذ جيل فقط .فضلا عن التجني على الذات الإلهية بإظهارها في صورة مرعبة …الخ

الشبهات التي أثارها جاك بيرك في مقدمة ترجمته معاني القرآن إلى الفرنسية

لقد أثار جاك بيرك ـ في مقدمة ترجمته للقرآن باللغة الفرنسية ـ  عددا من الشبهات ، منها:

1ـ اتهم القرآن بالتعارض مقتطعا الكلام من سياقه،وشكك في جمع وترتيب آياته وسوره

2ـ ذكر أن القرآن لم يدوَّن بحسب النزول .

3ـ غياب التناسب بين الآيات مستشهدا على ذلك بعدد من الآيات.

4ـ اتهم القرآن بالتكرار الذي لا طائل تحته.

5ـ تحدث عن اختلاف الإعراب وسماه شذوذا وخروجا عن قواعد اللغة العربية،فخطأ النص القرآني.

6ـ عقد بابا للموازنة بين القرآن والتوراة والإنجيل والشعر،وجعل قراءة القرآن وتنغيمه نوع من التطور إلى غير ذلك من الزيف الفاضح.

ولا شك  أن هذه كلها محض افتراءات لا أساس لها من الصحة ،فماذا يقال عن هذا الزيف في حق كتاب تكفل الله بحفظه،ورعاه بعنايته ، وامتاز بخصائص فريدة لا توجد في أي كتاب آخر سواء أكان سماويا أم وضعياً ؟ هل ترك الفكر العابث بلا رد أو دفاع؟ لا شك أن ما قاله بيرك من شكوك حول النص القرآني راجع لعدة أمور أهمها:

1ـ الحكم على القرآن من منطق الفكر الوضعي الغربي ،والتسليم المطلق للوجود والتجارب الحسية ،والخضوع للفكر المنبسق منه ،وقَصْر النظر على العقل فقط ، وجعله المصدر الحقيقي للمعرفة والعلم.

2ـ قصر فهم القرآن على المنطق ،والقانون الوضعي البشري،وتغييب النظر عن القانون الإلهي .  والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يحاكم نص سماوي بقانون وضعي؟

3ـ كان انطلاق بيرك نابعاً من قناعته التامة بالقانون النسبي ، ومعايير وضعيته ،والنظر بعين القانون الوضعي ،والاحتكام إلى المادة فقط مع تغييب النص تماما، أما شريعة الإسلام فتنطلق من النص القرآني للتصديق على ما وصل إليه العقل ،فالمسلم يستدل على وجود الله بالكون المنظور ،والقرآن المكتوب والعقل الذي يفكر في  الجمع بينهما.

المبحث الأول:مصدر القرآن،وجمعه، وترتيب سوره وآياته.

من الثابت أن القرآن الكريم نزل دفعة واحدة من اللوح إلى بيت العزة في سماء الدنيا،قال تعالى:﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [البروج:21ـ22]،ونزل منجما في ثلاث وعشرين سنة ، وكتب وحفظ كله في زمن بعثة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان يأمر كتّاب الوحي بكتابته ، ويدلهم على موضع المكتوب من سورته فيقول لهم،ضعوا هذه السورة بجانب تلك السورة ، وهذه الآية بإزاء تلك الآية، ولم ينتقل البني محمد صلى الله عليه وسلم إلا والقرآن كله كان مكتوباً في عهده ،ونزل منجَّما آية آية ، وجاء مطابقا للأحداث ،ومنسجما مع الواقع البشري الماثل ،ولما استُخلف أبو بكر الصديق ـ  رضى الله عنه ـ  جُمع في مصحف واحد من الأصول المكتوبة في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  وبأمر منه لكتَّاب الوحي ،ولما اتسعت رقعة الإسلام بعد الفتوحات الإسلامية، وانتشر في البلاد المختلفة ،وامتزج العرب بغيرهم من الأمم بعد الفتوحات أدى ذلك إلى ظهور الاختلاف في قراءة القرآن ،فأمر عثمان بن عفان ـ  رضى الله عنه ـ  بسحب المصاحف المختلفة وجمع الناس على مصحف واحد ،وإعداد مصحف واحد يشتمل على قراءة واحدة .

ولم يجمع القرآن الكريم في مصحف واحد في عهد النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ؛ لعدم الحاجة لهذا الأمر ،ولكثرة الحفظة ،وروايته بالتلقي ،والكتابة وحدها لا تكفي في تعلم القرآن وتعليمه؛ لأن ضبط الأداء كما جاء عن النبي نفسه إلا مشافهة ،وهذا ما تظاهر المسلمون على حفظ القرآن ،وإن جاءت الكتابة إلى جانبه سياجا بعد سياج. ([15])

فالجمع والضم الذي قام به زيد بن ثابت من الجذاذات والرقاع المحفوظة عند عدد من الصحابة في عهد أبي بكر الصديق ـ رضى الله عه ـ  كان وِفق الترتيب الذي نزل به الوحي وحُفظ في صدور الرجال،والمعهود للجميع. فحفظُ القرآن الكريم وترتيب آياته وسوره كما نزل به الوحي ثابت لم يتغير؛فهو أمر توقيفيي لا اجتهاد فيه من أحد .

وقد أوجز الشيخ الزرقاني مراحل جمع القرآن فذكر أنه جمع القرآن في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلمـ كان عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورها ، لكن ذلك كله كان مبعثرا بين عُسُب ، وعظام ، وحجارة ، ورقاع ونحو ذلك حسبما تتيسر أدوات الكتابة ، وكان الغرض من هذا الجمع زيادة التوثق للقرآن،مع التركيز على الحفظ والاستظهار.

وجاء جمعه في عهد أبي بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ فكان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في مصحف مرتب الآيات والسور،مقتصرا فيه على ما نُسخت تلاوته مستوثقا له بالتواتر والإجماع ، وكان الغرض منه تسجيل القرآن وتقييده بالكتابة مجموعاً مرتَّباً ؛ خشية ذهاب شيء منه بموت حَمَلته وحُفَّاظه.

أما الجمع في عهد عثمان بن عفان ـ  رضي الله عنه ـ فكان عبارة عن نقل ما في تلك الصُّحف في مصحف واحد إمام،واستنساخ مصاحف منه تُرسل إلى الآفاق الإسلامية مع الحفاظ على ترتيب آيات وسور القرآن جميعا، كما كانت في عهد النبي  ــ صلى الله عليه وسلم ـ،وكان الغرض من هذا الجمع إطفاء الفتنة التي اشتعلت بين المسلمين حين اختلفوا في قراءة القرآن ،وجمعَ شملهم،وتوحيد كلمتهم ،والمحافظة على كتاب الله من التغيير والتبديل. ([16])

وأجمع العلماء على أن الآيات رتبت بتنزيل من الله تعالى ، وسجلها كتاب الوحي في موضعها كما أمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،فليس للكُتَّاب أي اجتهاد في هذا الأمر ، ولا من جاء بعدهم إلى يوم القيامة قال تعالى”{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9]

وهذه الثوابت لم توافق هوى نفر من المستشرقين ولا أغراضهم وأهدافهم فراحوا ينشرون مزاعمهم وشبهاتهم الباطلة حولها من أجل زعزعته لدى الراغبين في الإسلام من الغرب.

ومن بين هذا النفر المستشرق جاك بيرك التي قام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية ،وقدم بين يدي الترجمة دراسةً نظرية وأرسلها إلى المؤسسات الدينية متباهيا بعمله هذا ومتحديا من يطعن فيها .

وكان تركيز بيرك التشكيك في مصدر القرآن فهو عنده بشري ،وأنه دُوِّن وجمع بعد نزوله بفترة طويلة؛ لهذا تغير عن أصله ،ودخله التبديل ، وخرج عن القاعدة النحوية ،لهذا الأمر قام بدراسته، وبيان ملاحظاته.

كما ذكر أن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعان بالأساطير المتمثلة في قصص الأنبياء ، وهذا القول لا يختص به بيرك وحده بل قال به كثير من المستشرقين الذين تأثر بهم ،وتلمّذ على أيديهم ، فلا غرابة في ذلك  .

ونقول لبيرك ومن على شاكلته لقد أقر العرب ببلاغة القرآن وبديع نظمه  وأكدوا أنه مباين لنظم البشر وإن كان من جنس ما يتكلمون به، فهذا إقرار بصحة ما جاء به؛ لهذا أخذتهم الدهشة ،وانتابتهم الحيرة ،وأقروا بعجزهم عن أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله، وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان.

والعرب بما أوتوا من فصاحة اللسان وعجيب البيان يستطيعون التمييز بين الكلام الموحى به وبين كلام البشر،وأنه لو كان لديهم من القدرة التي تمكنهم من أن يأتوا بمثل هذا القرآن ما تأخروا لحظة واحدة ،كيف ذلك والقرآن يجهر بالتحدي الصريح ، وترك لهم حرية المعارضة ،وهم أهل أنفة واعتزاز ،ولكنهم أقروا بالعجز صراحة:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ }[الأنفال:31]

إن خصائص القرآن وسمات أسلوبه، وطبيعة بنائه الجمالي الذي لا يضاهى يؤكد على الفور بالعجز عن الإتيان بمثله.وهذا دليل على صدق نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى أنه رسول يوحى إليه هذا القرآن{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ}[الأنعام:19].

فمجال التحدي كان بلفظ القرآن ونظمه وبيانه،وما كان بخلاف ذلك من الإخبار بالغيب أو الإخبار عن الأمور المستقبلية ولم يكن هذا  مجالا للسجال أو التحدي ،وفي هذا دليل على أن القرآن تنزيل من رب العالمين جاء لتأييد نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم  ـ ،وأن منزل من عند الله كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السماوية لكن هل يتساوى الإنجيل والتوراة والزبور مع القرآن في الإعجاز البياني؟. أظن أن الجواب بالنفي فكل كتاب له خصوصية وإن اتحد المصدر .

ويعد التشكيك في القرآن والزعم أنه بشري هو قضية القضايا والنقطة المركزية التي بنى عليه بيرك ومن على شاكلته كل دراستهم .

يقول بيرك أيضا ” لماذا لا نطبق هذا البحث أيضا على تطور بعض الموضوعات الأسطورية في القرآن ،فهل يخضع هذا التطور للترتيب الزمني أو لترتيب الجمع ،أم أنه على العكس مستقل عن هذا وذالك؟

وذكر بيرك تحت عنوان (الفعالية الحالية لفكرة الشريعة) أقل ما يمكن قوله أن القرآن في هذا المجال لم يتبع نصا أو روحا النهج الذي صدر عنه إصلاح جوستنيان في زمن قريب من عهد امرؤ القيس

ثم يتسدرك قائلا:”إلا أنه من المحتمل أن التجار المكيين كانوا على صلة بتطبيق الفتاوى ،وأحكام المدونة في فلسطين وفي سوريا ، وكان القانون الروماني يدرس في بيروت وأنطاكيا وظل معروفا جدا في المنطقة حتى عهد هرقل على الأقل…ومن غير المحتمل ألا يكون العرب قد أدركوا أصداء عديدة سواء من القانون المدني أو لوائح الكنيسة السورية “([17]) ، كما أكد بيرك على بشرية القرآن لأنه قائم على الازدواجية بين اللغة والكلام.. أفلا يمكن القول أن الكلام في القرآن عربي بل قرشي في حين اللغة قرآنية خالصة ،وهذا يعني أن اللغة تبدي خصائص سامية متفردة ،وأن الإيمان يعزي هذه الخصائص إلى النموذج المثالي بينما يعزوها المنهج التاريخي إلى دورة طويلة وإلى وجود أكثر ظهورا للعام والشامل وإلى العبقرية الفردية والجماعية ،ومع ذلك ففي الحالتين تواجه اللغة المتحرك والعرضي والمحتمل في الكلام”([18])

فالقرآن يفصح عن نفسه بلغة إنسانية،وبلغة من الاختيار الإلهي معا في ذات الوقت ،ويقترح الافتراض أخيرا تفسيرا موجزا للمخالفات المزعومة التي حيرت بها اللغة القرآنية علماء النحو ، وهذا التفسير أنه سيكون هناك أنواع من الضجة من تلك تذكرها نظرية الإعلام ، وهذا الشذوذ الطفيف إما أن يكون قد نشأ من العملية ما وراء التاريخية لتنزيل(وهذا هو صوت الإيمان)وإما أن يدخل ضمن تلك العلامات التي ساهمت في تأكيد ووجود صوت ثان آخر يسمو على الكلام اليومي ويتولى قول الحقيقة(وهذا هو الموقف التاريخي) ([19])

وأكد بيرك على وجود علاقة بين القرآن والتوراة ،وذكر ذلك تحت عنوان”:الحق يتأكد كإثبات”بدلا من العبارة الشهيرة لله في حديثه إلى موسى “أنا ذلك الذي هو”(سفر الخروج،3:14) فإن القرآن يذكر إ”ِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا[طه:14]والصلة في الحالتين ضمنية في اللغة العربية التي تتكون فيها العبارة من جملتين اسميتين قصيرتين ،والتأكيد محمول على المعادلة المقامة بين ال”أنا”الإلهية واسم الله من ناحية وبين وجدانية الإله من ناحية أخرى”([20])

ونقول: ليت جاك تأثر بالمستشرق الفرنسي بلاشير في المنهج  العلمي ـ وإنا كنا لا نسلم بكل ما قاله ـ فلقد قال في مقدمة كلامه:”وسنسعى في هذه المقدمة بجهد تجريدي لا ينكر جوره أن نرد إلى القرآن ونقصر عليه النظر في الوقائع التي من شأنها أن تبرز طابع هذا الكتاب الديني”([21])

وليت بيرك قرأ شهادة (مونتجمري واط) في كتابه الإسلام والمسيحية في العالم”إن القرآن ليس بأي حال من الأحوال كلام محمد ، ولا هو نتاج تفكيره ،إنما هو كلام الله وحده قصد به مخاطبة محمد ومعاصريه ، ومن هنا فإنّ محمداً ليس أكثر من رسول اختاره الله لحمل هذه الرسالة إلى أهل مكة أولا ، ثم لكل العرب ، ومن هنا فهو قرآن عربي مبين ، وهناك إشارات في القرآن إلى أنه موجه للجنس البشري قاطبة ، وقد تأكد ذلك عمليا بانتشار الإسلام في العالم كله ، وقبله بشر من كل الأجناس تقريبا”([22])

لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك بطلان مزاعم بيرك ومن على شاكلته ،وتأكدت قدسية القرآن ،وأنه من رب العالمين.

المبحث الثاني:العلاقة بين القرآن والتوراة والإنجيل ،والموازنة بين القرآن والشعر

تعرض جل المستشرقين لمصدر القرآن ، وشاع عند كثير منهم أن القرآن صياغة جديدة لما ورد في التوراة والإنجيل، وهذا يعني عندهم أن القرآن ليس مصدر سماوي مستقل ،وأن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ استقى فكرته من أهل الكتب السابقة كاليهود والنصارى،وأنه يلتقي كثيرا مع الشعر العربي,وكل هذا محض افتراء وكذب ، ولا أساس له من الصحة

لقد نص بيرك على وجود اتفاق بين التوراة والإنجيل والقرآن في أمور كثيرة ،وهذا كلام مخالف للحقيقة ،والمقارنة بين القرآن والكتب المقدسة غير مقبولة ،فالقرآن نزل في ثلاثة وعشرين عاما ودوِّن فيهما أيضا أولا بأول ،أما التوراة فلم تدون إلا بعد ثمانمائة عام تقريبا ، ومثلها باقي الكتب ،ولا يوجد للنص القرآني وتدوينه تاريخ  كما في الكتب الأخرى، فقد دون القرآن الكريم في زمن نزوله مباشره ، خلافا لزعم بيرك ومن يوافقه فضلا عن تعدد نسخ نسخ الكتب ،ودخلهما التحريف والتبديل،وهذا ما أكد عليه القرآن ،كما قوله تعالى” مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا”[النساء:43]

أما القرآن فليس له سوى نسخة واحدة،قال تعالى:أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا }[النساء:82].

ويختلف القرآن عن الكتب الأخرى في نظمه وتركيبه،فضلا عن أصول الإيمان ، فعقيدة الإيمان والتوحيد في القرآن هي الركيزة الأولى والثابتة فيه ، فالإنجيل مثلا لا توجد فيه الخاصية على الإطلاق، فالله عندهم ثلاثة،كما نسبوا لله الصاحبة والولد،وهذا منفي عن الإسلام تماماً.

كما لا يجوز ترجمة ألفاظ القرآن ،وأن الجائز فيه ترجمة معانيه لاستحالة نقل اللفظ من النص القرآني العربي إلى أية لغة أخرى([23]) ،وهذا من إعجاز القرآن وبلاغته.

يقول بيرك :”…ولن يكون في هذا القول فيما يتعلق بالعناوين القرآنية الغامضة من عدة وجوه إلا انطباعا يتسم بالمجازفة ، إذا لم نكن قد استندنا في تفسير هذا الاستخدام بهذا الشكل إلى علماء كبار تقليديين” ([24])

ومصدر القرآن عند بيرك ومن على شاكلته أساطير وبدا ذلك واضحا في أثناء حديثه  عن الجنة والنار يقول:”إن الأخريات تموج في القرآن بقوة تغذي التصورات الباذخة ، وهذا التصور يحرك دوما المؤمنين التقليديين ، ومع ذلك فإن هذا التصور مثله مثل الدين المسيحي ، يثير في عصرنا الكاشف عن للأساطير والخرافات ،التشكك والارتياب ، بل حتى المنازعة وهذا لا يعنينا في حد ذاته فالإقلال من ملذات الجنة من ناحية ،وكذلك من سعير جهنم من ناحية أخرى إلى درجة المجاز هو تحد للمشاعر الجديرة بالاحترام ،ويحرص عالم الإسلاميات على تجنب ذلك  “([25])

لقد صرح بيرك في نصه السابق أن الإسلام والمسحية يتلقيان في حديثهما عن الجنة بالصور الحسية المتكررة،وحديثهما عن النار بالصور الرهيبة ،وتفسير هذا العصر لهذه الأمور ليس سوى أساطير وخرافات ،ومحل للارتياب،وأكد الباحث أن قوله السابق هو تحد للمشاعر الجديرة بالاحترام،وما ذلك إلا لباطله ،فالقرآن برئٌ من الأساطير والخرافات ، وما جاء فيه عن اليوم الآخر وعن الحياة الدنيا حقائق لا شك فيها على الإطلاق ،واتخاذ القرآن أسلوب المجاز هو بمثابة التأكيد على هذه الحقائق وإظهارها في صورة بيانية شائقة تحدث في النفس تأثيرا محاطا بالإقناع العقلي والفكري.

ويتمادى بيرك في زيفه فذكر أن تصوير القرآن للجنة تصوير الخيال ،وهذا من الأساطير أو الخيال الأسطوري لإحداث الرغبة، بقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }[محمد:15] فالمؤمنون يفرحون بما وعدهم الله به ، ويعتقدونه حقيقة،فأي تحد هنا للمشاعر ،إنها الحقيقة البالغة.

وفي قوله تعالى﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم:18]

تصوير أسطوري على رأي بيرك يُحدث الرهبة في نفوس المعاندين ،وهذا مثلٌ الغرض منه تقرير حال الممثل في النفس ،حيث يكون الممثل به أوضح من الممثل،أو يكون لنفس سابقة ألفة وائتناس به، أو للترغيب في شيء محبوب،أو التنفير عن شيء مكروه ،فالغاية من ضرب الأمثال إيضاح حقيقة ثابتة وتزيد القين والاطمئنان،وليس انطلاقا عشوايا للخيال ،وليست مبالغة تخرج إلى حد الأساطير بل هو تنزيل رب العالمين. ([26])

لقد كانت غاية بيرك من دراسته التشكيك في النص القرآني أو تأويله على غير وجهه ،فإذا بلغ إلى ما يريد أن يقول اتجه إلى الصراحة الكاشفة ،وهو يعلم أن ما يقوله ليس سوى مزاعم وأباطيل وشبهات يرددها لسابقين ،فيقول:”وعلى القارئ الذي ستصيبه الحيرة أن ينسلخ من الآراء التي قيلت حتى الآن”

وذكر بيرك أن القرآن جاء ليحارب المشركين والمنافقين والكفار، وسينتصر عليهم بخلاف أهل الكتاب فهم مثل المسلمين أصحاب الدين الحق ، وما جاء القرآن ليخالفهم في شيء ،وهذا لشيء عجاب! لقد نسى هذا المستشرق رسالة الإسلام الصريحة في آياته الواضحة ،فيقول بكل صراحة أن المسيحية واليهودية والإسلام على درجة سواء فكلهم على دين الحق.

ومثل بيرك على قوله السابق بقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }[التوبة33] ، وجاءت نفس الآية في سورة الفتح، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا }[الفتح:28] فمضمون الآيات الثلاث واحد.

وقد عقب بيرك بعد ذكر الآيات بقوله:”وقد قرأ المفسرون الآيات مدفوعين بنزعة انتصارية رخيصة ،كما لو كانت تقول (على كل الأديان)،وليسمحوا لي أن أقول إن النحو لا يسمح بقراءتهم!! ([27])

وارتكز جاك في هذا البحث على علم الرموز  ،ظنا منه أننا نحل مسألة رياضية وليس الحديث الديانات.

والسؤال هل يوجد نحو غير الذي نعرفه؟ إن لفظ (كله) توكيد لما قبله،ويشمل كل الأديان جميعا بلا استثناء ،فمن أين علم بيرك أن النحو لا يسمح .

وكعادته يلجأ إلى غموض التفسير فيقول إن الدين الحق يشمل المسيحية واليهودية ،وأنهما في مرتبة الإسلام ،وأن الذي سيظهر عليه الإسلام من الأديان فهو أديان المشركين والكفار والمنافقين والجاحدين ،هذا ما أراد أن يقرره وأن يصل إليه ،وأين هذا من قول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }[النساء:171] فالآية تحاجج للنصارى بعد محاجة اليهود فكلاهما بالغ في الإفراط أو التفريط  ، وقد  دحض الله شبهة هؤلاء وهؤلاء .

فأهل الكتاب آثمون،واليهود أنكروا نبوة عيسى عليه السلام ، وجحدوه ،وادعوا قتله ،وقد ناقشهم الله في ذلك بقوله:” { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً  وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}[النساء155ـ 157] فهؤلاء هم اليهود وقد القرآن بكفرهم صراحة ،وحكم الله بكفر النصارى فقد قالوا بألوهية المسيح وبالتثليث قال تعالى: { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } [المائدة:17]،وقال تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة:73] فهل بعد هذا يقول بيرك إن أصحاب الدين الحق هم السلمون والمسيحيون واليهود،والإظهار على الدين كله خاص بالمشركين والكفار والنافقين والجاحدين دون أهل الكتاب .

إن بيرك يريد أن يقرأ القرآن وفق القواعد التي يريدها هو ،لا أن يقرأها وفق قواعد قراءة القرآن المتواترة ،وقواعد اللغة تقرر أن التابع يوافق متبوعه ، كما في قوله تعالى﴿عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ فلفظ كل ليست توكيدا لدين الحق في وسط الآية بل لما يجاورها ،والدين هنا بمعنى الجمع والإحاطة.إن بيرك لا يختار من الآيات إلى ما يؤيد وجهة نظره لا بالحق بل بالتأويل الخاطئ المتعسف،الذي يظهر عواره واضحا لأول مرة ،أما الآيات التي يقف أمامها حائرا ، ولا يعرف كيف يلويها ليا بالجدل المتعسف ، فينصرف عنها وكأنها ليست في كتاب الله. ([28])

لقد تعامل المستشرقون في دراستهم للنص القرآني كتعاملهم مع “الكتاب المقدس” باعتباره نصا تاريخيا يخضع للنقد كالمخطوطات القديمة أو الحديثة ،أو كالتاريخ الإغريقي،وتاريخ تطور العلوم الطبيعية،وكل ما يقوم به الغرب من دراسات الشرق القديم والإسلام والعصور الوسطى يخضع لهذه المقاييس التي خضعت لها دراسة العهدين : القديم والجديد ([29]) ، ويمكن أن تكون هناك مقاربة بين النص القرآني والتوراة قبل التحريف ،أو يضاف إليها ويحذف عبر التاريخ

وكثيرا ما يقذف بيرك بالباطل من طرف خفي ،مستخدما المقدمات التي توصله للنتائج المرضية له ، ومن ذلك  ما سماه ب”خرافة الزمن ” ويعني جمود الفكر في كتب التراث التي قامت بتفسير الأحكام ،والشارحة للقرآن والسنة ويرجع ذلك إلى أن هذه الكتب اكتسبت القداسة حيث اندرجت في تاريخ مقدس أو المآثر النبوية التي تتمتع في نظر المؤمنين بشرف مشوب بالحنين إلى الماضي وليس وراء ذلك مزيد للشرعية “([30])

 وقال بيرك “إن القرآ لم يفقد من الشعر القديم غنائيته ولا لونه ولا حتى أوزانه أحيانا “([31])

والحق أنه يوجد ثمة تشابه بينه وبين الشعر ألبتة ،فهذا كلام رب العالمين،وهذا كلام البشر ثم قال: إن القرآن أدان الشعر في آخر سورة الشعراء ،والحق أن هذا لا يعني كل أنواع الشعر بل المقصود هو الشعر الهجائي في حق المسلمين ،الذي وظفه في مواجهة الدعوة الإسلامية .كما أن القرآن لم يحارب الشعر لذاته ، وإنما حارب المنهج ، والتوظيف  الهجائي الذي لا يتناسب مع هدي القرآن وآدابه. ([32])

ثم يعود بيرك إلى وخزاته بشكل مباشر فيقول: إن القرآن يشبه الشعر من حيث الاستطراد والبدء في موضوع ثم ينتقل إلى موضوع آخر ثم يعود إلى الموضوع الأول مرة أخرى ،ومثل هذا وارد في الشعر. ([33])

ويريد بعض المعاصرين المدافعين عن بيرك قائلا:”أمكن جاك بيرك أن يقول إن العرض القرآني يميل إلى الطفرات الفجائية فهو ينتقل من موضوع إلى موضوع آخر دون تمهيد ثم يعود إلى الموضوع الأول أو إلى غيره من الموضوعات . وهذا النهج الذي تبينه الترجمات الغربية يولد انطباع لدى القارئ بالتباين،والحق أن هذا الطابع ملحوظ في الشعر القديم وقد تم ربطه بالأريحية البدوية”([34]) ثم يخرج الكاتب بالأمر بعيدا فيقول:”ومن البديهي بأن جاك بيرك لم يكن قط أول من استشهد بالشعر لتفسير القرآن”([35]) وهذا كلام باطل،وتمحل ممقوت لفكرة قوامها التزييف، ورمي بالتهم بلا أدلة صحيحة. وما نريد أن نؤكده أن انتقال القرآن من موضوع إلى موضوع ليس مفاجئها كما زعم بيرك، ووافقه غالي عليه ، بل إن الانتقال خرج بشكل متناسب لا متباين وبين الموضوعات الكلية والجزئية تلاحم وترابط معنوي .

أما أن المفسرين استعانوا بالشعر في تفسير الشعر فهذا كلام صحيح ، لكنهم لم يقيسوا القرآن على الشعر  كما يزعم د.غالي. ومن الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها بيرك التفسير الخاطئ لألفاظ القرآن؛لعدم وعيه باللغة العربية،وأن الكلمة في القرآن تفسر تفسيرا صحيحا من خلال السياق ،ومن ذلك حديثه عن العلاقة بين القرآن والشعر يقول:إن القرآن قد انتصر على الشعر الجاهلي وأنزله من مكانته قدرة القرآن هذه على الإلغاء الرجعي هي في مستوى قدراته الخلاقة ،والمفروض أنها طغت على الشعر الجاهلي لدرجة أنها لم تدع باقيا منه إلا بعض أشعار أصبحت من بعد

“في الهواء”ويمكن أن يكون هذا أحد معاني “المعلقات ” ([36])

كلام بيرك صريح على أن القرآن قد استقى مفرداته من الشعر الجاهلي ،أو أخذ أثرا من آثاره ،ثم صرح بأن كلمة المعلقة في قوله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا }[النساء:129]

إن بيرك  لا يدرك أن كلمة “المعلقة” التي تلتقي مع كلمة “المعلقات” قد ورد في المصحف ،فراح يبحث عنها ،وهذا من قبيل الاستهزاء ،وليس من قبيل الحقيقة، كما فهم بعض المحدثين،فالرجل حافظ لكتاب الله في  سن مبكر وداوم على مراجعته وتثبيته حتى مماته.

وليعلم بيرك أن المقصود بالمعلقة في الآية:المرأة وليست القصيدة المعروفة ،والمقصود المرأة التي يهجرها زوجه زمنا طويلا .

وتحت عنوان “تعليق على بعض المفاهيم الأساسية” ذكر بيرك دلالة مفهوم “الدين” ،وأنه ورد في القرآن مائة مرة تقريبا وأنها تعني “دين” الواردة في سورة الكافرون “لكم دينكم ولي دين”، وهو يعني الخضوع والتبعية. وهذا كما يزعم بيرك يحتاج إلى إتاوات وولاء ومظاهر احتفالية، لاذا تم ترجمة “يوم الدين” بيوم التبعية، ثم يقول: والحاصل: أن “الدين” لا يبعد كثيرا وفقا لعلم الاشتقاق عن المعنى الذي نود أن نلزمه. ([37])

وهذا تفسير خاطئ ، وتخبط في بيان مدولات الألفاظ، حيث يفسر الألفاظ وفق ترجمتها لا وفق وردوها بلغتها في سياقها ومقامها، وهناك فرق بين “الدين”، كعقيدة الإسلام ، والدين ” الذي يعني يوم الدين ،يوم القيامة للعرض والحساب والجزاء.لكن الترجمة لم تفرق بين اللفظتين في المدلول لأنها تقوم على الترجمة الحرفية فقط.

المبحث الثالث:أسلوب القرآن ويشمل: التكرار والتباين ـ الزيادة

تحدث بيرك عن ثلاثة ظواهر في أسلوب القرآن  (التكرار ـ التباين ـ الزيادة ) أما التكرار “فالمرء يؤخذ بادئ الأمر بالتكرار الغالب للأفكار في عبارات متطابقة أو متماثلة،وهذا شيء آخر مغاير تماما للأثر البلاغي للتكرار أو الإطناب ” ([38])

ونقول: لقد نزل القرآن في قوم أهل بلاغة بل من أقوالهم أُخذت قواعد البلاغة ، واستمعوا للسور التي جاء فيها التكرار مثل: سورة الرحمن، والمرسلات، والقمر فامتلأوا منها رهبة ! وقال قائلهم : ما هذا بقول بشر ؟ فإذا كانت البلاغة القوية قد أرهبتهم ، وجعلتهم يحارون في تحليل الروعة البالغة فيما يسمعون؟ فكيف يأتي باحث يدرك شيئا من أسرار البيان العربي ثم يقول إن التكرار في القرآن لم يكن له أثر؟.([39])

وهذا جواب بليغ وحاج عقلي مفحم،لمن ألقى السمع.

ويستشهد بيرك على كلامه السابق بما جاء من تكرار في سورة الرحمن قوله تعالى”{فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} فقد وردت الآية في السورة إحدى وثلاثين مرة.كما ذكر أن هذا من باب الترديد ،وهي حالة منفردة .

وأرجع ذلك إلى أن القرآن لما نزل مجزءا أو منجما فإنه يفترض بصفة عامة أن هذا النهج قد ساهم مع عملية جمع الأجزاء المتفرقة التي تمت بالتنقيح في اجتذاب تكرار التعبيرات المتماثلة في الآيات المتجاورة أو المتناثرة ،وهذا أمر يمتد على صفحات القرآن ، وكأنها لازمة ملحة. ([40])

والحق أن التكرار في السورة جاء لأجل “التقرير بالنعم المعدودة ،والتأكيد في التذكير بها كلها،فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها قرر عليها،ووبخ على التكذيب بها “([41])

أما بيرك فينفي صفة البلاغة عن التكرار القرآني فيقول:”فالمرء يؤخذ بادئ الأمر بالتكرار الغالب للأفكار في عبارات متطابقة أو متماثلة ،وهذا شئ آخر مغاير تماما للأثر البلاغي للتكرار أو الإطناب” ([42])

كما أنه يقوم بدوره الأدبي في التأكيد والإلزام وليترك صداه النفسي مجلجلا يدعو القلوب إلى العظة والاعتبار . ([43])

والتكرار وجه من وجوه إعجاز القرآن كما أثبت علماؤنا الأجلاء قديما وحديثا . ([44])

أما أن التكرار برز بعد عملية التنقيح،والنظر فيه وجمع التعبيرات المتماثلة في أماكن متجاورة ،فهذا الكلام يعني غياب التماسك بين المعاني والألفاظ ،وإعمال يد الجامعين والمنقحين بحسب زعمه في أماكن الكلمات والتراكيب ،والرد عليه بما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }[النحل:101].لقد تناسى بيرك ومن على شاكلته أن وضع الألفاظ وترتيب الآيات توقيفي،وإلا كان القرآن بشريا.

فبيرك يغفل التلاحم والتناسب في موضعه والسياق،مستدلا على كلامه بما ورد  في الإنجيل من ترتيب متداخل بين النصوص الكهنوتية .يقول:”وقد يحدث كما هو معلوم أن يرددَ الإنجيل في ترتيب متداخل نص يهوه أو أيلوي أو الكهنوتي لنفس القصة ،كذلك على نفس النهج ينسب الاستشراق أحيانا بعض ما يرد في القرآن من تكرار إلى التأثر بمصادر معينة” ولا يمل بيرك من رمي القرآن بالاتكاء على مصادر أخرى ،ثم يقول ينسب الاستشراق أحيانا ،أليس هو من المستشرقين ،ألا يندرج تحتهم؟

أما التباين فإنه يرجع إلى أن العرض القرآني يميل إلى الطفرات الفجائية فهو ينتقل من موضوع إلى آخر دون تمهيد ثم يعود إلى الموضوع الأول إلى غيره من الموضوعات ، وهذا النهج الذي تبرزه الترجمات الغربية يعطي  انطباعا بالتباين الذي يعتبره الأجنبي بسهولة تشوشا.

وهذا يؤكد أن هذا الحكم ليس خاصا ببيرك وحده ،بل نهج عام عند المترجمين عموما من نولدكه حتى اليوم .

والحق أن أسلوب القرآن يمتاز عن أي كلام بشري ،لما له من خصوصية أنه وحي منزل من السماء ،وأنه كلام رب العالمين،ولا يحق لبيرك ولا غيره أن يصف القرآن بالتباين أو غياب التناسب أو غياب الانسجام.

فالتناسب لا يدركه إلا من جرت العربية في دمه،وأدركها بإحساسه ،وعايشها بكيانه ،وأيقن أن القرآن نص مقدس لا نظير له،لا عند العرب ولا عند غير العرب،وأن ما استشهد به على قوله بالتباين بسورة الأنعام منطلقا من أنها نزلت دفعة واحدة ،وأنه ساد فيها فجأة  حضور غامض في لحظة نزولها ،وبلغ من ثقله أن كاد أحدهم يقصم ظهر ناقته التي كان يستقلها النبي ،فنرى نفس التعدد الذي في سورة البقرة ،ونفس الوحدة التي تتناثر مع عدة تكرارات ،وكذلك الانتقال الفجائي من موضوع إلا آخر.

ونقول له إن الوحدة الموضوعية في السور القرآنية جميعها ،وفي كل سورة على حده، والتناسب بين موضوعاتها ،والربط بين الألفاظ والتراكيب لا يغيب في كل سوره وآياته وألفاظه ،بل أي نص في القرآن قائم على دقة السبك،وقوة الاتصال والتناسب والانسجام ،ولم يقل أحد من العرب ـ وهم أهل العربية الذين يدركون خباياها ـ بما قاله بيرك .إن التلاؤم والاتساق التام متحقق في كلمات القرآن وجمله وتراكيبه ،يقول الدكتور :دراز:”في كل جملة منه جهاز من أجهزة المعنى ، وفي كل كلمة منه عضو من أعضائه ، وفي كل حرف منه جزء بقدره،وفي أوضاع كلماته من جمله وأوضاع جمله من آياته سر الحياة ، الذي ينتظم المعنى بأدائه ، وبالجملة فجمله محاسن متوالية وبدائع تترا”([45])

لقد ألف العلماء الكتبَ والتفاسير للتأكيد على التناسب والاتساق بين سور القرآن وآياته ، ومن ذلك تفسير الإمام البقاعي “نظم الدرر في تناسب الآيات والسور،وكذلك الإمام السيوطي في البرهان تناسب سور القرآن، وملاك التأويل للغرناطي وغيرهم الكثير،وألفت رسائل علمية في الوحدة الفنية والموضوعية في القرآن.

فالقرآن كلام محكم الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد،خال من أي تناقض في ألفاظه وتراكيبه.

3ـ الزيادة

لقد أعلن بيرك أن دراسته ستقوم على التحليل للآيات ، وأخذ يطبق على ذلك ليصل إلى نتيجة وهي أن في القرآن زيادة لا داعي ،ويمكن أن يفهم بدون هذه الزيادة من خلال تطبيق بعض المعادلات الرياضية مطبقا ذك على الآيتين الآتيتين  وهما قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }[النحل:101 ـ 102] وبتطبيق نظرية بيرك يصبح التعبير: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ”أما قوله تعالى: “وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ” فجملتان معترضتان لا داعي لهما. والناظر في النص ودلالته يوقن مدى التماسك بين مفرداته وتراكيبه ،وأن كل لفظة جاءت لمعنى وغرض لا يتضح إلا بها.

وجل علماء القرآن وعلماء البلاغة أقروا بأنه لا زيادة في القرآن ،ولا شك أن بيرك بعيد كل البعد عن الذوق البياني للأدب العربي بعامة،فضلا عن أفصح كتاب في اللغة العربية بخاصة.

إن بيرك يظن أن القرآن بضعة ألفاظ يرجع إليها في المعاجم ليفهم دلالة اللفظ المفرد دون فهم للسياق البلاغي ،فمن يترجم أم الكتاب (الوالدة) هل يفهم أسرار البيان وبلاغة القرآن؟

وأمر آخر وهو أن القرآن يقوم على دعامتين هما الإقناع المنطقي والإقناع الوجداني ،فالذي يقرأ القرآن يقنع بما أوتي من الحجج والأدلة ويراها بلغت مبلغا دقيقا من الإقناع ،كما يمتع بجمال التصوير القائم على الإيجاز ،وكل ذلك يدرك من خلال الوعي بالسياق والمقام. وأنى لبيرك ومن شاكلته أن يدرك ما نقول! ([46]) وذكر بيرك أن القرآن حدث فيه تطور تدريجي ،وقصده في هذا التشكيك في ثبوت النص القرآني وأنه خضع للتغيير والتبديل ،طاعنا في القرآن من خلال القراءات . وهذا كلام بعيد كل البُعد عن الصواب.

المبحث الرابع:القرآن وقواعد اللغة العربية.

يضم هذا المبحث عددا من المغالطات التي جهر بها جاك بيرك في كتابه (إعادة قراءة القرآن) منها ما ذكره تحت عنوان (مجازفات في نظام الأفعال) ما نصه”أما فيما يتعلق باستخدام صيغ الأفعال فلنلاحظ تفضيلا فعالا لصالح المبني للمجهول” ثم استشهد على ذلك بخمسة شواهد من سورة البقرة وآل عمران والنساء والمعارج وغافر ثم تعجب من تتابع الأفعال المبنية للمجهول في السورة الأخيرة من الآية71إلى الآية 74  ثم يعقب على ذلك بقوله:”    وثمة شيء مذهل !إنهم يتحفظون في هذا التعبير بصفة الفاعل بينما هم مستسلمون لقوى غامضة مسيطرة تنزل عليهم عقابها في صيغة المجهول ([47])

وإنه لأمر عجيب حقا لماذا هذا الغوص في هذه المسألة ،وعلام يهدف بيرك من ورائها إن المسألة ليست مسألة بناء فعل للمعلوم والمجهول ،ولكنها وقوع اللفظ موقعه من المعنى المراد مجهولا كان الفاعل أو معلوما . وهذه المسألة تخضع للسياق والمقام والمعنى العام .

أما إذا قصد بيرك بالدراسة الإحصائية للفعل المبني للمعلوم والمجهول الوقوف على الدلالات الخاصة فهذا ما يُحمد له على ألا يعطينا نتائج عامة فضفاضة بل عليه أن تكون النتائج وفق ضابط السياق والمقام، وهذا ما لم يبلغه بيرك .

أما مسألة إنابة المصدر محل الفاعل أو المفعول ،فقد كفانا علماء اللغة هذا المبحث بداية من سيبويه ومرورا بابن جني  وعلماء النحو وقد عني بهذا الأمر المفسرون وعلماء الإعجاز .

ومما استرعى انتباه بيرك ما جاء في بداية سورة المرسلات وغيرها من استخدام اسم الفاعل في صيغة جمع المؤنث كعنوان لهذه السور “المرسلات ، الذاريات ،العاديات …الخ ، ومن ثم كان ارتباك المترجمين،وأكد أن ذلك لا يمكن أن يقاس على التطبيقات المماثلة في الشعر الجاهلي،وهي أيضا غير موجودة فيه، ثم استشهد بقول النابغة:

أعطى لفارهةٍ ،حلوٍ توابعها   من المواهب، لا تُعطي، على نكدِ

ففارهة ” ليست من صيغ اسم الفاعل بل هي تدل على المصدر وهو “الفراهة”([48])

ومقصد الشاعر من البيت أن الشاعر لا يرى إنسانا جواداً يشبه الممدوح ،فقد أحسن عطاء للناقة الفارهة الكريمة فضلا عن العطاءات الأخرى.

وهذا لعمري هو معنى اسم الفاعل ،ولا دلالة هنا للمصدر ،فمن أين جاء تفسير بيرك الذي ذكره آنفا

والعجيب في الأمر أن بيرك عقب على كلامه السابق بقوله “ولن يكون في هذا القول فيما يتعلق بالعناوين القرآنية الغامضة من عدة وجوه إلا انطباعا يتسم بالجازفة “([49])

وقد بينا خطأ بيرك في تفسيره البيت وبناء القاعدة الكلية عليه. لقد سلم بيرك أن ما يقوله أنه فرضيات تحتاج إلى مراجعة  ([50]) ،وأنا أقول الحق أن تمحى لا أن تراجع، ثم يتطاول على الإمام الطبري  قائلا وهذا ما لم يتمكن الطبري من تفيسره ” يقصد تفسير العاديا والمغيرات بأنه تصور  الصخب الذي يجاوز الواقع في صوره، ثم يتطاول على الإمام الطبري  قائلا وهذا ما لم يتمكن الطبري من تفيسره ” يقصد تفسير العاديا والمغيرات بأنه تصور  الصخب الذي يجاوز الواقع في صوره. ([51]) ،والبيت موصول بما قبله وهو: و أرى فاعلا في الناس يشبهه   ولا أحاشي من الأقوام من أحد

والمعنى أن الشاعر لا يرى إنسانا جواداً يشبه الممدوح ،جوادا أحسن عطاء للناقة الفارهة الكريمة مع توابعها من المواهب الرائعة.

تحدث جاك بيرك تحت عنوان”شواذ نحوية”،مصرحا أنه في هذا الباب أنه تابع للمستشرق (نولدكه) ، مؤمن بفكره وآرائه ،رغم أن زملاءه كشفوا عواره ،ولكن جاك سار على نهجه في الطعن في القرآن والإسلام ،بل أعلن أنه سيزيد على ما قاله من المخالفات انطلاقا من العبارات الجامدة في النص القرآني.

وما سماه جاك( شذوذا نحويا) سماه نولدكه بـ(الاضطراب).

أما (تيدور نولدكه) فقال عنه الدكتور عبد الرازق بن إسماعيل هرماس أنه :”لا يتوانى عن الطعن في إعراب القرآن،والصَّرف،وبلاغة الأسلوب”([52]).

والشذوذ في التراث النحوي صحيح لكنه يحفظ ولا يقاس عليه أما ما فهمه بيرك فهو أن الشذوذ خطأ يمس البيان القرآني ،ولعل هذا من السهو كما قال د البيومي حين جعل بيرك عنوان فصل في مقدمته للقرآن (افتراض) والفرض لا يكون صحيحاً إلا إذا نهضت براهين صحته ،والعجب أن بيرك لم يأت ببرهان واحد سوى إعجابه برأي صاحبه الفرنسي (دي سوسير)، وهذا شأنهما بعيدا عن النص القرآني.

كان مدخل جاك بيرك في هذا النقطة هو الخلاف بين نحاة البصرة والكوفة حول إعراب بعض كلمات وردت في القرآن،ولكن هل هذا يعني أن الخطأ في الجملة القرآنية كما يزعم أو أنه قصور في المنظومة النحوية ،أو القاعدة النحوية عاجزة عن الوصول إلى طبيعة بناء النص القرآن الذي هو مصدر للقاعدة ،لا أن يقاس على القاعدة.

ومن الأدلة التي اعتمد عليها بيرك في هذا الزعم قوله تعالى: { قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى }[طه:63].

لقد أراد بيرك تصويب الخطأ،وقال المفروض أن تُقرأ “إن هذين لساحران “على اعتبار أن “إن” ناسخة ،ورفض كل التخريجات التي أشبعها النحويون  بحثا في كتبهم  قديما وحديثا . ([53])

ومما ذكره تطبيقا لما قاله ما “يثير استخدام (إن) بعد اسم الموصول (ما) خلافا شديدا في قوله تعالى:” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ”[القصص:76] فقد قبله نحاة البصرة ، بينما رفضه نحاة الكوفة الذين وجب عليهم الالتجاء إلى مهرب هو إنكار وجود اسم الموصول ([54])

وليدرك جاك بيرك أن الخلاف ليس على صحة التعبير القرآني ،فهو صحيح عند كلا المدرستين ،ولكن الكوفيين لا يذهبون مذهب البصريين في عد كلمة (ما)اسم موصول ،وهو ما رده علي بن سليمان بقوله:”ما أقبح قول الكوفيين في الصلات في أنه لا يجوز أن تكون صلة (الذي) (إن ) وما عملت فيه، وفي القرآن “ما إن مفاتحه”فكان النص الشريف حجة لا تدفع.أ.هـ

ومن الشذوذ النحوي الذي استشهد به بيرك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[الأحزاب :50] حيث التنوع بين التعبير بالجمع والإفراد والخطاب واحد مما جر الفقه إلى افتراضات غريبة .والمعروف في لغة العرب أن الخطاب يكون للفرد في معنى الجمع،فبنات عمك يعني كل عم لك ، وكذا بنات خالك أي كل خال لك،والتنوع في الآية ضرب من الصياغة الأدبي ،فما الخطأ إذن ؟

إن الافتراضات الغريبة تعني غياب الفهم للصيغ على وجهها الصحيح.وقد عقب أحد المعاصرين بقوله”ولا خلاف بين جاك بيرك ومحمد رجب البيومي”([55]) وأنا أقول الخلاف واضح بين ،فبيرك يشكك ،والبيومي يرد ذلك بالأدلة المقنعة فكيف يسوي بينهما؟ إن هذا لشيء عجاب.!!

ويمتد بيرك في وصف آي القرآن بالشذوذ النحوي مستخدما تعبيرات تدعوا للدهشة والعجب ومن ذلك قوله:”والأكثر إثارة للحيرة الآية السادسة والثلاثون من السورة الثالثة والأربعين ،ويقصد قوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف:36] فقد انتهت كلمة” نُقَيِّضْ” بالجزم تحريف ([56])

ثم يدافع د. وائل غالي بأن ما يقوله بيرك هي قراءة لا محل فيها للصواب ولا للخطأ…وقرئ “يعشُ” على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط …الخ([57])

ونقول لهذا الباحث هل يقصد بيرك هذه التخريجات أو أن القصد هو الدفاع عنه سواء قصد ذلك أم لم يقصد.

أي تحريف هنا إذا كانت الآية قد بدأت بأداة الجزم “من”وفعلها “يعش:وجوابها “نغيض”،وهذا يعرفه صغار الطلبة ،فكيف ببيرك الذي قام بترجمة القرآن الكريم إلى الفرنسية ،ثم يدخل  في مسائل الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين ؟

ومما استشهد به بيرك على قوله ما جاء في قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل:91] واصفا هذا التركيب بالخطأ التركيبي ؛لأن اسم الموصول “الذي” جاء بعد “البلدة” مذكرا والأصل على زعمه أن يأتي مؤنثا”التي”،وهذا حديث من غاب عنه أسرار البيان القرآني،كان على بيرك أن يدرك أن “الذي” صفة  لرب البلدة المضاف وليس وصفا للمضاف إليه ،وأن يطمئن بيرك إلى أن القرآن تولى الله بلفظه إلى يوم الدين وأنه:{ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] وأن من يتحدث عن لغة القرآن فعليه أن يتقنها أولا ،وأن يدرك معهود العرب،وخصوصية اللسان العربي:”إنما خاطب الله العرب بلسانها ، على ما تعرف من معانيه”([58]) والعجيب أن أحد المعاصرين يدافع عن جاك بيرك في جل ما قاله محتجا بأن قوله جاءت به بعض القراءات  ومن ذلك تعقيبه على الآية السابقة ،بأن ابن عباس قرأ “التي حرمها”نعتا للبلدة. وأنا لماذا هذا الدفاع وبيرك لم يقل أنه يعني قراءة معينة؟ ويظل ([59])

ثم يتجرأ بيرك ويقول وإلى هنا  ـ كما نرى ـ يتعلق الأمر بمخالفات يمكن أن يقال إنها نحوية تتعلق بالنحو. ونحن نقول له مالك والنحو لقد سرت في طريق وعر لا تعرف جدده ،ولا طبيعته .

يقول أحد الباحثين “إن القول بالخطأ جرمٌ وقع فيه جاك بيرك ؛لأنه جهل أن خلاف المفسرين والنحاة لا على صحة التعبير ،بل على موقعه الإعرابي … لقد قرأ بيرك كتب التفسير ففهم شيئا وغابت عنه أشياء،ومما غابت عنه مباحث النحو. ([60])

إن تعبيرات القرآن تلقي بظلالها وإيحاءاتها طائف لا يدركها من أوتي الحس البصير ،وأنس به.ورغم افتراءات بيرك إلا أننا وجدنا أحد الباحثين المعاصرين يقول :”أصحيح أن بالقرآن أخطاء نحوية حاول المفسرون أن يدافعوا عنها، فما انتهوا إلى شيء ؟ لماذا يتأخر تصحيح الخطأ،أو لا يختفي كل الاختفاء ؟ لماذا لا يكون الصواب رد فعل؟ماذا لا يدفع عملا إيجابيا مدفوعا بقواه الذاتية ؟ أهو الكسل؟ من أشهر التعريفات للحرية أنها حرية الخطأ ، أي حق الإنسان في التفكير من دون الرعب من ارتكابه الخطأ . ففي النظم الديكتاتورية يعتبر فكر السلطة هو الصواب المطلق والبديهي،ومن ثم فمخالفته هي الخطأ الذي ليس بإمكان مؤمن أن يقع فيه،بل هو من فعل الشيطان ،كما كان الحال أيام سيطرة الكنيسة الكاثولكية في أوربا ،أو من وحي من وحى العدو القومي أو الطبقي ، كما كان الحال في النظم الفاشية والشيوعية وأشباهها في العالم الثالث …وأما الإسلام فقد قرر حق الاجتهاد وأثاب على المخطئ في العلم أيسر من أن تخطيء في العلم أيسر من أن تخطيء في الدين،ومن مجالات البحث في القرآن كما هو معروف إعراب ألفاظه فالإعراب فرع المعنى ،ومن يجي لنا إعرابه يكشف لنا معان فيه. ([61])

هذه أمارات الانبهار، ودلالات التمجيد ،إنه الاكتشاف الموعود ،الذي يجب أن نحتفي به ونصفق له كما يريد الكاتب المعاصر ؛لأنه صاحبه وقع على كنز سمين ، وهو ترجمة جاك بيرك  لمعاني القرآن بالللغة الفرنسية ،وقدم دراسية وافية أبرز فيه ما فات النحاة من وجود شذوذ نحوي في بعض آيات القرآن ،وأن دافع بيرك نابع من حرية تصحيح الأخطاء ،وهذا أمر طبيعي في الحضارة الحديث،وأن تكميم الأفواه والسكوت عن الخطأ قد فات أوانه ،لأن هذا ما كانت تفعل الكنيسة في العصور الوسطى ، وقد تخطينا هذه العصور المظلمة.وأخذ يعدد كتب إعراب القرآن لتأكيد على كلامه السابق.

وأنا أسأل هل نحن في حاجة إلى مستشرق فرنسي مسيحي يصحح لنا الأخطاء النحوية الواردة في القرآن كما يزعم؟ ،وأن يكشف لنا التباين والزيادة في آياته،وأنى له ذلك وهو لا يدرك العربية ولا قواعدها ولا أسرارها ، إنه لأمر جلل حقا!!وأنا أسأل هذا الباحث لماذا هذا الدفاع المستميت عن جاك بيرك؟ٍ فعلم النحو والقراءات جاء من غير العرب فما المانع إذن أن يصحح شذوذ تراكيب القرآن والوقوف على مواطن الخلل كما يزعم مستشرق فرنسي.

خلاصة القول عند بيرك

لقد ختم بيرك مقدمته بخلاصة ما يرنو إليه حيث قال:”إن المشكلة الكبرى لإسلام اليوم هي الانفصال الذي يمكن أن يفاقم بين مواقف العقيدة ، ومسيرة العالم الفعلية ، فلإسلام يبحث عن ملجأ من ناحية مبادئه (أصوله) ولكن ما لم يتم إخضاع هذه الأصول إلى النقد التاريخي وعرضها في الحياة الحديثة فلن تعود قوتها الأصلية”([62])

إن بيرك  يعلنها صراحة في أن تقدم المسمين مرتبط بتخليهم عن أصولهم المركوزة في كتابهم الخالد ،ولابد أن تخضع هذه الأصول إلى النقد التاريخي ،والمناهج النقدية الحديثة ،والسبب في ذلك إلى أن هذه المبادئ تعوق مسيرة التقدم والنهوض،حيث الثورة التقنية ،والرفاهية المرغوبة لا تحقق إلى بنقد هذه الأصول والتخلي عنها شيئا فشيئا.فهل هذا يقبل دعاة الحرية والتقدم؟!

الخاتمة

1ـ رصين  يعتمد على الحجج العقلية والنقلية .

إن افتراءات جاك بيرك على القرآن الكريم تعود إلى جهله باللغة العربية،وغياب الحس اللغوي عنده، فضلا عن تشبعه بالفكر الغربي الذي يطبق المنهج العقلي على كل الكتب المقدسة،ونى أن القرآن الكريم كتاب مقدس لا يخضع لمثل هذا المنهج.يجب على المؤسسات الدينية الدفاع عن القرآن والإسلام ضد أعداء ،والقيام بحراسة الدين الإسلامي ضد من تُسوِّل له نفسه من المسيئين للإسلام ، أو المستشرقين الذين لا يضمرون له إلا الانتقاص من قدره

2ـ إن أهل السوء لا ينفكون عن مهاجمة القرآن والإسلام ،ويرمونه بالأباطيل،ويحاربونه بالمفتريات،ويشاركهم في هذا الزيف المستشرقون عامة والفرنسيون خاصة.

3ـ إن جاك بيرك يفتقد المنهج العلمي والوضوح في التعبير ، مما يمل القارئ من قراءة ما يقدمه.

4ـ استخدم بيرك العديد من المصطلحات التي تشيع في المجتمع المسيحي،كالتنقيح والتبديل والتطور، ولا ضير في ذلك أما أن يستخدمه في أثناء حديثه عن القرآن فهذا مردود .

5ـ اتسمت جل الترجمات الفرنسية لمعاني القرآن الكريم التي قام بها المستشرقون بالطعون في القرآن واتهامه بالبشرية ،وأنه دُوِّن بعد موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  بفترة ؛ لهذا تجد فيه كثير من التباين والزيادة على حد زعمهم.

6ـ زعم بيرك افتقاد القرآن الكريم للبلاغة والتناسب والتناسق والملاءمة بين سوره وآياته،وهذا الكلام لا طائل من ورائه،وشبهات لا دليل عليها.

المصادر والمراجع

  1. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري د. محمد حمي زقزوق، كتاب الأمة، قطر، الطبعة الأولى،صفر 1404هـ
  2. الاستشراق والمستشرقون د. مصطفى السباعي ، المكتب الإسلامي الطبعة الثانية ، 1979م.
  3. الاستشراق وجه للاستعمار الفكري د. عبد المتعال الجبري ، مكتبة وهبة ،القاهرة 1416هـ 1995م الطبعة الأولى.
  4. الإسلام في الفكر الغربي ، محمود حمدي زقزوق ،دار القلم،الكويت 1981م.
  5. الإسلام في عيون غربية بين افتراء الجهلاء وإنصاف العلماء د. محمد عمارة، ،دار الشروق القاهرة 1425هـ 2005م.
  6. الإسلام والمسلمون بين أحقاد التبشير وضلا الاستشراق د . عبد الرحمن عميرة
  7. بحث في ترجمة القرآن وأحكامها للشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر الأسبق هدية مجلة الأزهر شوال 1423هـ
  8. البرت ديتريش :الدراسات العربية في ألمانيا ، تطوّرها التأريخي ووضعها الحالي  ، جوتنجن / ١٩٦٢ م.
  9. البيان القرآني د محمد رجب البيومي ،سلسلة البحوث الإسلامية السنة الثالثة الكتاب الواحد والثلاثون.
  10. التكرار بلاغة د إبراهيم الخولي الشركة العربية للطباعة والنشر 1993م.
  11. ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني ،الهيئة العامة للكتاب
  12. الدر المصون في علوم الكتاب المكنون  للسمين الحلبي  تحقيق لشيخ علي معوض وآخرين دار الكتب العلمية بيروت لبنان .
  13. الدراسات الإسلامية بالعربية في الجامعات الألمانية ،رودي بارت ،ترجمة مصطفى ماهر، القاهرة، 1967م.الدفاع عن القرآن ضد النحويين والمستشرقين د. أحمد مكي الأنصاري توزيع دار المعارف بمص 1393هـ ـ 1973.
  14. رد البهتان عن إعراب آيات من لقرآن تأليف د. يوسف بن خلف العيساوي دار ابن الجوزي،الطبعة الأولى 1431هـ.
  15. عادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص 83 وما بعدها دار الهلال ديسمبر 1999م ع 588.
  16. في ظلال سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ،تأليف السيد أحمد المخزنجي ، دعوة الحق،إصدار رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، السنة العاشرة،العدد 108، العام 1411هـ ـ 1991م.
  17. القرآن ،نزوله ، تدوينه، ترجمته ،وتأثيره لبلاشير ترجمة رضا سعادة ، دار الكتاب اللبناني بيروت الطبعة الأولى 1974م.
  18. كتابة القرآن بالرسم الإملائي والحروف اللاتينية اقتراحان مرفوضان د. عبد الحي الفرماوي ،دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  19. المثل السائر لابن الأثير القسم الثالث ،مطبعة نهضة مصر.
  20. مجلة المورد مجلد 24 عدد21 لسنة 1395هـ 1975 م ص 176 وما بعدها.
  21. المستشرقون موسوعة في تراث الغرب مع تراجم المستشرقين ودراستهم عنها منذ ألف عام حتى اليوم  دار المعارف القاهرة الطبعة الرابعة 1980م.
  22. المستشرقون نجيب العقيقي ، دار المعارف الاهرة ، 1981م.
  23. المستشرقون والإسلام إبراهيم اللبان القاهرة مجلة الأزهر ، 1970م ملحق مجلة الأزهر.
  24. المستشرقون والدراسات القرآنية د. محمد علي الصغير،دار المؤرخ العربي بيروت لبنان.ب.د
  25. المستشرقون والقرآن د.إسماعيل سالم عبد العال،دعوة الحق،إصدار رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، السنة العاشرة،العدد 120، العام 1412هـ ـ 1991م.
  26. مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب دراسة وتحقيق د. حاتم الضامن ،بغداد العراق  وزارة الثقافة 1975م
  27. مطاعن المستشرقين في ربانية القرآن،د.عبد الرزاق بن إسماعيل هرماس/ مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ،جامعة الكويت العدد 38 ، 1420 ، 1999م.
  28. مناهل العرفان في علوم القرآن للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ،الطبعة الرابعة 2003م ـ 1424ه.
  29. المنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ الإسلامي،د. عبد العظيم محمود الديب ، كتاب الأمة ،قطر ،العدد:27 الطبعة الأولى،ربيع الثاني 1411هـ ـ 1990م
  30. الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ، الندوة العالمية للشباب الإسلامي الرياض ، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع،الطبعة الثانية 14-9هـ ـ 1989م.
  31. نظرات في القرآن الشيخ محمد الغزالي ،مكتبة نهضة مصر الطبعة السادسة.
  32. الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف د. يحي محمد ربيع ، دار الوفاء مصر،الطبعة الأولى 1415هـ 1994م.
  33. الوحي المحمدي ،الشيخ محمد الخضري، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثامنة.

———————————————————–

[1])) الإسلام والمسلمون بين أحقاد التبشير وضلال الاستشراق د . عبد الرحمن عميرة ص78.

[2])) الاستشراق وجه للاستعمار الفكري د. عبد المتعال الجبري ص13 مكتبة وهبة ،القاهرة 1416هـ 1995م الطبعة الأولى.

[3])) المبشرون والمستشرقون في موقفهم من الإسلام ص1

[4])) ظ : البرت ديتريش :الدراسات العربية في ألمانيا ، تطوّرها التأريخي ووضعها الحالي ٧ ، جوتنجن / ١٩٦٢ م.

[5])) المستشرقون والدراسات القرآنية د. محمد علي الصغير ص 13،دار المؤرخ العربي بيروت لبنان.ب.د

[6])) مجلة المورد مجلد 24 عدد21 لسنة 1395هـ 1975 م ص 176 وما بعدها.

[7])) الوحي المحمدي ص24، 25، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثامنة.

[8])) المستشرقون والإسلام إبراهيم اللبان القاهرة مجلة الأزهر ص44،1390، 1970م ملحق مجلة الأزهر.

[9])) المستشرقون تأليف نجيب العقيقي، 2/47 دار المعارف القاهرة الطبعة الرابعة 1980م.

[10])) وُلد في الجزائر  في عام 1910م ودرس في السوربون وعمل في المغرب ثم غادرها متجها إلى مصر في أغسطس عام 1925م ثم لبنان ، وفي عام 1965م ثم سافر إلى فرنسا حيث درس هناك التاريخ الاجتماعي للإسلام المعاصر زهاء ربع قرن من الزمان ،واستطاع أن يكون مدرسة هناك يعنى بالدراسات الشرقية والمغربية والعربية والإسلامية . عمل عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأستاذا في كوليج دفرانس،حينما أحيل أستاذه مانسيون للتقاعد.

جاك بيرك أحد تلاميذ ماسنيون ضمن المستشرقين الأكثر حضورا في المجال العربي والفرنسي ،واهتم بالدراسات الاستشراقية والدفع بها إلى العلوم الإنسانية .ألف العديد من الأبحاث والكتب ركزت على العمل الاجتماعي وتاريخه،وقضايا العروبة والإسلام.صدر له ترجمة للقرآن الكريم باللغة الفرنسية 1990م، استغرقت منه ثماني سنوات. ينظر: جاك بيرك من خلال أعماله د. عبد الهادي التازي. 1997م.

[11])) ينظر:إعادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص  49 ، 50 وما بعدها دار الهلال ديسمبر 1999م ع 588

[12])) ينظر:مقدمة كتاب إعادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص  18ـ 22.

[13])) إعادة قراءة القرآن الكتاب الثاني ص 236.

[14])) السابق ص 324.

[15])) ينظر: نظرات في القرآن الشيخ محمد الغزالي 32،مكتبة نهضة مصر الطبعة السادسة،والكتب المقدسة بين الصحة والتحريف د. يحي محمد ربيع ،ص187ـ 195، دار الوفاء مصر،الطبعة الأولى 1415هـ 1994م، وتاريخ كتابة القرآن د. محمد سالم محسن  ص128ـ 129.

[16])) ينظر: مناهل العرفان في علوم القرآن للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني 1/262، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ،الطبعة الرابعة 2003م ـ 1424ه.

[17])) إعادة قراءة القرآن 1/110، 111.

[18])) السابق 1/133ـ 134.

[19])) السابق نفس الصفحة

[20])) إعادة قراءة القرآن 1/122، 123.

[21])) القرآن ،نزوله ، تدوينه، ترجمته ،وتأثيره لبلاشير ترجمة رضا سعادة ص 11، دار الكتاب اللبناني بيروت الطبعة الأولى 1974م.

[22])) الإسلام في عيون غربية بين افتراء الجهلاء وإنصاف العلماء د. محمد عمارة، ص 162،دار الشروق القاهرة 1425هـ 2005م.

[23])) ينظر : بحث في ترجمة القرآن وأحكامها للشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر الأسبق ص 32، 36، 67، 78، هدية مجلة الأزهر شوال 1423هـ ، وكتابة القرآن بالرسم الإملائي والحروف اللاتينية اقتراحان مرفوضان د. عبد الحي الفرماوي ص 31ـ 58،دار التوزيع والنشر الإسلامية.

[24])) ينظر:إعادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص 86 .

[25])) ينظر: إعادة قراءة القرآن 1/93ـ 94.

[26])) الوحي المحمدي ص24، 25، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثامنة.

[27])) ينظر إعادة قراءة القرآن 1/117، 118.

[28])) ينظر إعادة قراءة القرآن 2/324.

[29])) ينظر: ما بعد الاستشراق د. وائل غالي 1/77، 78 د . عبد الرحمن عميرة ص78.دار الهلال العدد 684،2007م

[30])) إعادة قراءة القرآن الكتاب الأول ص86

[31])) إعادة قراءة القرآن الكتاب الأول ص86

[32])) في ظلال سيرة الرسول صلى اله عليه وسلم  تأليف السيد المخزنجي ص110.

[33])) إعادة قراءة القرآن الكتاب الأول ص86

[34])) ما بعد الاستشراق 1/380ـ 381م.

[35])) السابق 1/381.

[36])) إعادة قراءة القرآن الكتاب الأول ص88

[37])) إعادة قراءة القرآن الكتاب الأول ص92

[38])) ينظر:إعادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص  49 ، 50 وما بعدها دار الهلال ديسمبر 1999م ع 588

[39])) ينظر:السابق 2/182 ، 183.

[40])) ينظر:إعادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص  49 ، 50 وما بعدها دار الهلال ديسمبر 1999م ع 588

[41])) مجمع البيان للطبرسي 9/ 369ـ 370.

[42])) ينظر:إعادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص 49وما بعدها دار الهلال ديسمبر 1999م ع 588

[43])) ينظر: البيان القرآني د محمد رجب البيومي ص 114،سلسلة البحوث الإسلامية السنة الثالثة الكتاب الواحد والثلاثون.

[44])) ينظر:ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني ،الهيئة العامة للكتاب ،والمثل السائر لابن الأثير القسم الثالث ،مطبعة نهضة مصر، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ،والتكرار بلاغة د إبراهيم الخولي الشركة العربية للطباعة والنشر 1993م.

[45])) النبأ العظيم ص 112،دار القلم الكويت

[46])) ينظر : إعادة قراءة القرآن 2/199ـ 200.

[47])) ينظر:إعادة قراءة القرآن لجاك بيرك ص 83 وما بعدها دار الهلال ديسمبر 1999م ع 588

[48])) السابق ص 85 ، 86 .

[49])) السابق ص 86 .

[50])) السابق ص 87.

[51])) السابق ص 87.

[52])) مطاعن المستشرقين في ربانية القرآن،د.عبد الرزاق بن إسماعيل هرماس/ مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ص 70،جامعة الكويت العدد 38 ، 1420 ، 1999م.

[53])) يراجع في مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب دراسة وتحقيق د. حاتم الضامن 1/212،بغداد العراق  وزارة الثقافة 1975م ،والكتاب 3/151.والكشاف 2/438 439 .،والدر المصون في علوم الكتاب المكنون  للسمين الحلبي  تحقيق لشيخ علي معوض وآخرين دار الكتب العلمية بيروت لبنان ،والدفاع عن القرآن ضد النحويين والمستشرقين د. أحمد مكي الأنصاري توزيع دار المعارف بمص 1393هـ ـ 1973، ورد البهتان عن إعراب آيات من لقرآن تأليف د. يوسف بن خلف العيساوي دار ابن الجوزي،الطبعة الأولى 1431هـ.

[54])) إعادة قراءة القرآن 1/72.

[55])) ما بعد الاستشراق د. وائل غالي 1/364.

[56])) إعادة قراءة القرآن 1/72.

[57])) ما بعد الاستشراق د. وائل غالي 1/366 .

[58])) الرسالة للشافعي ص51، 52.

[59])) ما بعد الاستشراق د. وائل غالي 1/367 وما بعدها.

[60])) إعادة قراءة القرآن 2/241.

[61])) ما بعد الاستشراق 1/328.

[62])) إعادة قراءة القرآن 1/ 145، 2/366.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *