د.محمد التاري
ملخص البحث:
د.محمد التاري باحث في اللغة والأدب
تملك اللغة العربية نسقا غنيا لصور النفي، وتتفاعل واسمات النفي دلاليا مع صُرفات الزمن والتطابق، ويسلك بعضها سلوكا مثل الموجهات، حيث تساهم في التأويل الزمني وتحمل الصُرفة (T.M.A): الزمن (Tense) والوجه (Mood) والجهة (Aspect)، وتتصرف واسمات النفي الأخرى مثل الأفعال المساعدة وهي تحمل صرفة التطابق و(T.M.A)، ويوجد نوع ثالث يبدو أنه محايد من الناحية الصُرفية. وهناك فروق أخرى بين أدوات النفي يجب أخذها بعين الاعتبار، تخص تفاعلها مع الموجهات والوجهة والقوة الإنجازية عموما. لذا كي يكون وصف النسق الغني لصور النفي في اللغة العربية كافيا، لا بد له أن يأخذ بعين الاعتبار إضافة إلى اختلافاتها في الخصائص الصُرفية، حاجياتها الانتقائية والتوزيعية.
الكلمات المفتاحية: النفي- الزمن- الوجه- الجهة- الموجهات.
المقدمة
ربط النحاة العرب القدماء التراكيب المنفية بالتراكيب التي تقابلها في حالة الإثبات وبالصيغة، صيغة الفعل، فاعتبروا التناوبات الصيغية للأفعال تناوبات زمنية، وحصروا الفروق الدقيقة بين أدوات النفي في مستوى التأويل الزمني، دون تخصيص لهذا الزمن، علما أن الزمن في الأدبيات اللسانية الحديثة أصبح يعالج معالجة نسقية، وأصبح التخصيص الزمني للفعل يتم في إطار صُرفة inflection ثلاثية الأبعاد (زمن tense، جهةaspect، وجهmood)، ولأزمنة الأفعال محتوى تمثيلي، فالاستعمالات المختلفة لهذه الأزمنة توافق قيما دلالية متباينة، فقد يكون هذا المحتوى ذا طبيعة زمنية، أو جهية، أو وجهية، فزمن الفعل يعبر عن محتوى زمني من سبق، أو تواقت، أو ولاء بالنظر إلى لحظة التلفظ، ويعبر عن محتوى جهي يتمثل في البنية الزمنية الداخلية للحدث، كاللحظية، والامتداد، والتمام أو عدمه…، ويعبر عن محتوى وجهي يعبر عن منظور ذاتي للمتكلم، من احتمال، وتسويف، وافتراض، ووعد، وشرط…، وهوما يؤكده جحفة (138:2006):” القيمة الزمنية لا تنفصل عن قيمتي الجهة والوجه” هكذا تحمل صرفة الفعل في اللغة العربية الزمن والجهة، ثم الوجه[1]، والبعد الوجهي يمثل في المستقبل، فالحدث المستقبل يتم التحقق منه بالكيفية نفسها التي يتم التحقق بها من حدث مؤكد أو محتمل أو ممكن، ويمثل البعد الوجهي أيضا من خلال طابع مخالفة الواقع في بعض الأزمنة، ومن خلال مفهوم الشرطية. ولا يعد زمن الفعل وحده حاسما في التأويل الزمني، فالزمن لغويا يوسم بمقولات متنوعة (اللاصقة الصرفية، الصيغة، الفعل المساعد، ظروف الزمن، الموجهات، أدوات النفي….)، تسهم جميعها في إسناد تأويل زمني ملائم للجملة، فالمعلومة الزمنية تتحقق على مستوى السياق العام الذي يصاحب الفعل. ويقدم الفاسي الفهري (1993) تصورا زمنيا يعالق بين الزمن والجهة والوجه والموجهات[2]modal، ويقدم تحليلا زمنيا للأفعال وعلاقاتها الزمنية والجهية، كما يبين أن النفي والموجهات مقولات تسهم في موقعة الزمن، وينظر إلى الزمن نظرة شمولية، ويبرز أن التقابلات الحاصلة بين الزمن والوجه والجهة (ز.و.ج)، قد يتم تنشيطها أو لا يتم حسب الاستعمال والسياق، لذلك يعتمد نسقا صرفيا ذا قيم ثلاث (ز.و.ج)، يدعونا إلى إعادة النظر في أحادية الصرفة الزمنية في اللغة العربية، كما يعتبر البنيات المنفية بنيات وجهية، حيث لأدوات النفي سمات زمنية ووجهية تتفاعل مع الصرفة الفعلية، ما يجعل التأويل الزمني يتغير في سياقها. وفي ما يلي نرصد مختلف التأويلات الزمنية في سياق النفي، ونحاول وصف أدوات النفي اعتمادا على افتراض (ز.و.ج)، وصفا يرصد اختلافات هذه الأدوات وتوزيعها بالنظر إلى الخصائص الصرفية، ويرصد شروطها الانتقائية. نقف أولا على علاقة النفي بالزمن عند النحاة، فالتصور اللساني الحديث، ونختم بمحور ثالث عن العلاقات الانتقائية والدلالية لأدوات النفي من خلال تحليل تركيبي دلالي.
1. التأويل الزمني في سياق النفي
اعتبر النحاة العرب القدماء صيغة الفعل دالة على الزمن، وأجمعوا على إفادة صيغة (فَعَل) الزمن الماضي (ما مضى)، و(يفعل): الحاضر(ما هو كائن لم ينقطع)، ويستفاد المستقبل من (اِفعلْ): (ما يكون ولم يقع)، ومن (يفعل) إذا أخبرت…[3] غير أن هذا التنميط يتأثر بدخول عوامل زمنية أخرى، كالظروف، وحروف الاستقبال والتقريب، والنواسخ، وحروف النفي…وبصفة عامة درس القدماء ما تحمله بعض الأدوات من معان زمنية، وتعرضوا لأدوات باستحضار أدوات أخرى تقابلها بناء على توزيع بالتقابل في النفي والإثبات (مقابل “السين وسوف” في النفي هو “لن” و”لما” مقابل “قد”)، أو توزيع بالإقصاء (لا ترد مثلا “سوف مع: لم/ما/لما” أو “قد مع: لم/ما/لن/لما”….)، واعتمدوا منذ سيبويه على المقابلة بين النفي والإثبات في رصد المعاني الزمنية التي يفترضون أن بعض الأدوات تدل عليها، مثل أدوات النفي وأدوات الاستقبال والتقريب، فتفاعل الزمن والنفي واضح في اللغة العربية، لنفي الماضي مثلا ترد صيغة (يفعل) إضافة إلى أداة النفي “لم” (لم يفعل)، ونفي المستقبل يناوب بين السين وسوف في الإثبات وبين “لن” في النفي تناوبا يسند القيمة الزمنية ذاتها (المستقبل) للمتناوبين…، ودخول “لم” على (يفعل) وتحويل دلالتها إلى المضي، يبين أن صيغة الفعل لا تستقر في معناها الزمني وأن النفي يحول هذا المعنى أو يضيف إليه معناه الزمني. يقول سيبويه: (إذا قال “فعل” فإن نفيه “لم يفعل”، وإذا قال “قد فعل” فإن نفيه “لما يفعل”، وإذا قال “لقد فعل” فإن نفيه “ما فعل”، لأنه كأنه قال “لقد فعل” فقال “والله ما فعل”. وإذا قال: “هو يفعل”، أي “هو في حال فعل”، فإن نفيه “ما يفعل”، وإذا قال: “هو يفعل” ولم يكن الفعل واقعا فنفيه “لا يفعل”، وإذا قال: “ليفعلنّ” فنفيه “لا يفعل”، كأنه قال: “والله ليفعلنّ”، فقلت: “والله لا يفعل”، وإذا قال: “سوف يفعل” فإن نفيه “لن يفعل”)[4].وهكذا تمثل المعطيات (1-6) للبنيات المنفية (أ) وما يقابلها في الإثبات (ب):
1) أ. لم يفعل
ب. فعل
2) أ. لما يفعل
ب. قد فعل
3) أ. لن يفعل
ب. سـ/سوف يفعل
4) أ. ما فعل
ب. قد فعل
5) أ. ما يفعل
ب. يفعل الآن
6) أ. لا يفعل
ب. يفعلنّ/يفعل غدا
بناء على هذا التصور للقدماء، يرى تمام حسان أنه في الجملة المنفية، نستعمل صيغة المضارع للدلالة على المضي، لأن أغلب الأدوات (لم ولن ولا ولما وما وليس) تنفي (يفعل) ولا ينفي (فَعَل) منها إلا “ما” (“ما فعل” نفي لـ “قد فعل”)، وإذا دخلت “لا” على (فَعَل) تكون للدعاء (لا فض فوك/ لا نامت أعين الجبناء)، ويرى أن الزمن لا يرتبط بالصيغة، وإنما هو وظيفة في السياق، والسياق هو الذي يفرض الصيغة مقرونة بقرائن وضمائم محيلة على الزمن، وينتقد إسناد القدماء الزمن لأدوات النفي، ويعتبرها دالة على الجهة، وتفيدها في حالة الجملة المنفية[5]. ولا يقيم تمام حسان حججا على هذا التعميم، بل يكتفي بالتأويل، ونشير أنه يعتبر الجهة مرتبطة بمعاني (البعد والقرب والانقطاع والاتصال والتجدد والانتهاء والاستمرار والمقاربة والشروع والعادة)[6] وهذا جزء من تصنيفه الجهي للنفي بإيجاز (7):
لا يميز التصنيف (7) بين أنواع الجهة (جهة وضع “معجمية” أم جهة وجهة نظر “نحوية”)، ولا يشير إلى الوجه الذي
يسم الأدوات العاملة (لم، لن، لما)، كما أن (ما كان لـ) تحمل دلالة التوجيه[7]. إضافة إلى كون المفاهيم الجهية المقترحة ملتبسة: فما الفرق بين المتجدد والمستمر والاستمراري؟، وكيف نميز بين وجود جهتين متباينتين (القريب والاستمراري) لـ”لن يفعل” في المستقبل؟ ولماذا تقبل “لم يفعل” جهتين مختلفتين (البسيط والمستمر) في الماضي؟ وما سر هيمنة “نفي+يفعل” على “نفي+فَعَل”؟ وإذا كانت أدوات النفي لا تحمل الزمن بل الجهة، فأين يوجد الزمن؟. قبل أن ننظر في هذه الإشكالات، نفصل أولا في الدلالة الزمنية لأدوات النفي، حسب النحاة مع تحليل ومناقشة يفضيان إلى تصنيف زمني لها.
1.1. النفي بـ “لم”
تدخل “لم” على المضارع وتنفيه وتجزمه وتقلب معناه إلى المضي، كما يظهر في البنيات (8):
8) أ. لم يخرجْ زيد أمس.
ب. *لم يخرجْ زيد الآن/غدا.
ج. *لم خرج زيد.
د. لم يخرج زيد قط
ه. لم يخرج زيد منذ يومين
أجمع النحاة على إفادة “لم” النفي في مطلق الزمن الماضي دون تقييده بالقرب أو البعد باستثناء المبرد الذي أجاز نفيها لـ (قد فعل) الدالة على الماضي القريب، يقول: “وذلك قولك: قد فعل، فتقول مكذبا لم يفعل، فإنها نفيت أن يكون فعل فيما مضى”[8]. ويحتمل أن يكون منفيها منقطعا عن زمن التلفظ (الانقطاع) كما (8.د) أو متصلا به (الاستغراق) كما (8.ه).
يعتبر الماضي سمة لاصقة بـ “لم” وقد لجأ النحاة إلى مفهوم القلب لتبرير انتقاء قراءة الماضي في المنفي بها، وأن النفي بـها قد يكون مستمرا أو غير مستمر إلى زمن الحال “وقال هي يقصد “لما”، مثل “لم” في احتمال الاستغراق وعدمه. والظاهر فيها الاستغراق … وأما “لم” فيجوز انقطاع نفيها دون الحال، نحو: لم يضرب زيد أمس لكنه ضرب اليوم”[9].
1.2. النفي بـ “لما”
يعتبر النحاة أن “لما” هي “لم” زيدت عليها “ما”، وبالتالي لهما نفس العمل (الجزم وقلب زمن الصيغة إلى الماضي)، وفرقوا بينهما في أن منفي “لما” يكون مستمر النفي إلى زمن التلفظ (الاستغراق) ولا يشترط ذلك في منفي “لم”، كما في (9):
9) أ. لم يخرج زيد أمس
ب. *لما يخرج زيد أمس
ج. *لم يخرج زيد الآن
د. لما يخرج زيد الآن
تقبل “لم” في (9.أ) الظرف أمس، ولا تقبله “لما” (9.ب)، بينما تقبل “لما” التوارد مع الظرف الآن (9.د) ولا تقبله “لم” في (9.ج)، لأن “لما” إضافة إلى دلالتها على الماضي المتصل بالحال (الحاضر التام أو المكتمل في الأدبيات الحديثة حول الزمن والجهة[10])، تستدعي خاصية التوقع، والخاصيتان معا مرتبطتان بصيغة “قد فعل” في الإثبات الدالة على (التحقيق والتوقع والاتصال بالحال)[11]، التي تقابل “لما” في النفي. وبالتالي فتأويل (9.د) يقتضي أن زيدا لم يخرج بعد (إلى الآن)، ولكن خروجه متوقع، ذلك أن الحدث الذي تنفيه “لما” مقطوع بوقوعه (لم يحدث)، أو متوقع حدوثه: “ويجب اتصال نفيها بالحال، ويعبر عن ذلك بالاستغراق، فقولك: “لما يقم” دليل على انتفاء القيام إلى زمن الإخبار ولهذا لا يجوز “ثم قام” بل “وقد يقوم”…وهذا معنى قولهم “لم” لنفي فَعَل و”لما” لنفي “قد فعل””[12].
1.3. النفي بـ “لن”
تختص “لن” بالدخول على الفعل المضارع فتنصبه وتنفيه وتخلص زمنه للاستقبال، لأنها تقابل في الإثبات فعلا مضارعا مسبوقا بحرف تنفيس أو استقبال، (سيفعل أو سوف يفعل). يقول ابن يعيش: (“تقع على الأفعال نافية لقولك “سيفعل”، لأنك إذا قلت “هو يفعل” جاز أن تخبر به عن فعل في الحال وعما لم يقع، نحو “هو يصلي” أي هو في حال صلاة، وهو يصلي غدا. فإذا قلت سيفعل أو سوف يفعل، فقد أخلصت الفعل لما لم يقع. فإذا قلت: لن يفعل، فهو نفي لقوله سيفعل”…ويقول: “و”لن” تنفي فعلا مستقبلا قد دخلت عليه السين وسوف…والسين وسوف تفيدان التنفيس في الزمان” )[13]. ولاختصاص “لن” بالمستقبل أشبهت “لا” النافية للمضارع في هذا الأمر، غير أن النفي بـ “لن” أبلغ وأوكد في الاستقبال من “لا”، وانفرد الزمخشري بدلالة “لن” على التأبيد، إضافة إلى تأكيد ما تعطيه “لا” من نفي المستقبل. يقول:” فقولك: لن أفعله، كقولك: لا أفعله أبدا…”[14]. ورفض النحاة التأبيد في “لن” بدليل إمكان حدها بالظرف الآن/اليوم، ولكان ذكر الأبد في (10.ب) تكرارا والأصل عدمه:
10) أ. لن أخرجَ الآن/اليوم من المنزل…
ب. “ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم”
فالظرفان “الآن” و”اليوم” قيدا دلالة “لن” الزمنية وحصراها في الحاضر[15]، ما يؤشر على دلالة “لن” على الوجه أو وجهة النظر.
1.4. النفي بـ “لا”
تدخل “لا” النافية على الفعل المضارع علما أن صيغة المضارع تدل بالوضع على الحال أو الاستقبال، غير أن دخول “لا” عليها يخلصها للمستقبل باتفاق النحاة: ” “لا” حرف لنفي المستقبل فلا ينفى بها الحال”[16]. فتنفي “يفعل” إذا أريد به المستقبل، وتنفي “يفعلن” المؤكدة بنون الاستقبال.
11) ؟ لا يُمتحن الطالب غدا/ ؟* الآن[17]
خالف ابن مالك سيبويه وابن يعيش، ولم ير مانعا في نفي “لا” للحال: “ويتخلص المضارع بها للاستقبال عند الأكثرين، وخالفهم ابن مالك لصحة قولك “جاء زيد لا يتكلم” بالاتفاق، مع الاتفاق على أن الجملة الحالية لا تصدر بدليل استقبال”[18]. وتأتي “لا” كذلك مع المضارع لنفي الأمر وتسمى ناهية ( “لا تفعلْ” الوجه الأمري للنفي (النهي أمر منفي)). تجزم “لا” الناهية المضارع وتخلصه للاستقبال نحو (لا تستسلمْ)، كما تأتي للدعاء (لا تؤاخذْني بما نسيت). وقليلا ما تدخل “لا” على الفعل الماضي لدرجة أن النحاة يكررون نفس المعطيات كقوله تعالى: “﴿لا صدق ولا صلى﴾،و﴿فلا اقتحم العقبة﴾”[19]. وغالبا ما تكرر مع الماضي كقول الهذلي: “كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل”، ولا تكرر إذا أفادت معه الدعاء نحو “لا فض فوك” و”لا غفر الله لك” لأن الماضي في الدعاء مستقبل في المعنى. ودخولها على الماضي قليل إن لم نقل على غير بابه. ويعتبر جحفة (2006) كل من التكرار العطفي لـ “لا” مع صيغة الماضي، والدعاء “لا فَعَل” تعبيرا عن وظيفة إنجازية على غرار صيغة “فَعَل” في بنيات ألفاظ العقود نحو “بعتك الخروف” و”زوجتك ابنتي” وهو السياق الذي تفيد فيه “فَعَل” الحال، سياق موسوم بالبعد الإنجازي[20]. ولم يتطرق النحاة للدلالة الزمنية لـ “لا” الداخلة على الاسم، وصنفوها إلى عاملة عمل إنّ وعاملة عمل ليس، ومكررة مع العطف، ولم يتطرقوا لبعض حالات “لا”، كالتي تأتي غير زمنية، أو مفيدة لمطلق الزمن(12):
12). لا يصح إلا الصحيح.
تأتي “لا” إذا مفتوحة على جميع التأويلات الزمنية الموافقة للفعل المضارع، إذ ما تقبله صيغة “يفعل” في حالة الإيجاب تقبله عند نفيها بـ “لا” كما في (13):
13) أ. يُمتحن الطالب (الآن)/(غدا)/(كل يوم)
ب). لا يُمتحن الطالب (الآن)/(غدا)/(كل يوم)
بناء على هذا التعدد في استعمالات “لا” (نفي الماضي، الحاضر، المستقبل، أومطلق الزمن)، يترجح خلوها من الزمن، أو اتسامها بزمن غير موسوم، يتفاعل مع ما تدخل عليه[21].
1.5. النفي بـ “ما”
ترد “ما” نافية للجملة الاسمية، وللجملة الفعلية سواء أكان فعلها ماضيا أم مضارعا، وتنفي المضارع في الحال بإجماع النحاة، يقول ابن يعيش:” فأما “ما” فإنها نفي ما في الحال، فإذا قيل هو يفعل وتريد الحال فجوابه ونفيه ما يفعل”[22]. إذا دخلت “ما” على الماضي فإنها تكون جوابا ونفيا لمن قال “لقد فعل” (كما في نص سيبويه)، أما زمنها فهو الماضي القريب من الحال لأنها نفت “قد فعل”، وبناء على هذه الدلالة نفترض أن تتوارد “ما” مع الظرف “الآن” ولا تتوارد مع الظرف أمس في (14):
14) أ. ما قام زيد الآن
ب. ؟*ما قام زيد أمس
يورد ابن يعيش البنية (14.ب) قائمة، في سياق النفي بـ”لم” يقول:” فقالوا قلبت (يقصد “لم”) معناه إلى الماضي منفيا، ولذلك يصح اقتران الزمان الماضي به فتقول “لم يقم زيد أمس”، كما تقول “ما قام زيد أمس””[23]. ويميز النحاة بين نوعين من “ما” النافية الداخلة على الجملة الاسمية، الحجازية العاملة عمل “ليس”، والتميمية غير العاملة، وتنفي “ما” الحال مع الاسم:” وتقول أيضا “ما زيد منطلق” فيكون جوابا ونفيا لقولهم “زيد منطلق” إذا أريد به الحال، وإن شئت أعملت على لغة أهل الحجاز فقلت “ما زيد منطلقا”[24]. ولأنها تدل على الحال يعتبرها المبرّد مرادفة للنفي بـ “ليس”: ” تقول ما زيد قائما، وما هذا أخاك، كذلك يفعل أهل الحجاز وذلك لأنهم رأوها في معنى “ليس” تقع مبتدأة وتنفي ما يكون في الحال وما لم يقع، فلما خلصت في معنى “ليس” دلت على ما تدل عليه…”[25].
15) أ. ما زيد منطلق/منطلقا (التميمية/الحجازية تواليا)
ب. ما انطلق/ينطلق زيد
نخلص إلى أن “ما” لا تغير زمن الجملة الاسمية (الدلالة على الحال)، ومع الفعل الماضي تفيد الماضي المتصل بالحال (الاستمرار في النفي إلى زمن التلفظ)، كما هو الحال في دخولها على الأفعال الناقصة (ما زال، ما برح، ما انفك، ما فتئ…) الاستمرار في الماضي غير المنقطع في الحال، وتخلص المضارع للحال. الأمر الذي يرجح دلالتها على زمن الحال جهة الاستمرار أو التدرج.
1.6. النفي بـ “ليس”
تدخل “ليس” على الجملة الفعلية والاسمية، واعتبرها النحاة دالة على النفي في زمن الحال، يقول ابن هشام: “”ليس”، كلمة دالة على نفي الحال”[26]. ويقول عباس حسن:” “ليس” فعل ماض جامد تفيد مع معموليها نفي اتصاف اسمها بمعنى خبرها اتصافا يتحقق في الزمن الحالي، نحو: “ليس القطار مقبلا”، فالمراد نفي القدوم عن القطار الآن”[27]. فتنفي الصفة عن الموصوف في زمن الحال كما في (16):
16). ليس زيد قائما الآن/؟*غدا/*أمس
تنفي ليس في (16) عن زيد صفة القيام في الحال. ولما كانت تدل على ما يدل عليه المضارع استغني عن المضارع فيها. يقول ابن يعيش:” إذا قلت ليس زيد قائما الآن، فقد أدت “ليس” المعنى الذي يكون في المضارع بلفظ الماضي”[28]. بسبب عدم مجيء المضارع منها، دلت بصيغتها على ما يدل عليه المضارع. ومن النحاة من اعتبرها تنفي الحال، وتنفي المستقبل بقرينة، يقول المبرد:” إذا قلت ليس زيد قائما غدا أو الآن أردت ذلك المعنى الذي في يكون”[29]. ويقول الأستراباذي:” خبر ليس إن لم يقيد بزمان يُحمَل على الحال كما يحمل على الإيجاب عليه في نحو “زيد قائم”، وإذا قيد بزمان من الأزمنة فهو على ما قيد عليه”[30]. وهو رأي ابن هشام كذلك كونها تنفي الحال، وتنفي غيره بقرينة. وخالفهم الزمخشري وابن يعيش معتبرين “ليس” لا تنفي إلا الحال يقول ابن يعيش:” تقول ليس زيد قائما الآن ولا تقول ليس زيد قائما غدا…يريد أنها لا تكون إلا لنفي الحاضر لا غير، ولا ينفى بها المستقبل”[31]. والدلالة على الحال والاستقبال معللة كذلك بدخولها على “يفعل” وعدم دخولها على “فَعَل” في (17):
17). ليس يفعل/* فَعَل
سننظر في دلالتها الجهية[32] في الفقرة الثانية. وهناك أدوات ذكرها النحاة لم تعد مستعملة كـ “لات” التي تشبه ليس، و”إنْ” المكسورة الخفيفة المنزلة منزلة “ما”، نهملهما هنا ونهتم بنظيراتهما “ليس”، و”ما”.
2. تأويل المستشرقين لزمن النفي
ذهبت أغلب الدراسات الاستشراقية إلى اعتبار اللغة العربية تجلي تقابلا جهيا، وليس زمنيا في نظام التناوب الصرفي للفعل (فَعَل جهة التمام، ويفعل اللاتمام: التام نشاط انتهى، وغير التام لم ينته بدأ لتوه أو يتدرج)، في إسقاط لمعطيات اللغة اللاتينية على اللغة العربية (فاندرايس (1923)، وهال (1964)، وكوهن (1989): العربية مثل اللاتينية لغة جهية وتتأثر بالسياق وبعض العناصر المساعدة)، ومنهم من ترجم مصطلحات القدماء، ورايت (1974) Wright (فَعَل تمام/يفعل لا تمام، مع الخلط بين الزمن والجهة، في المعطيات المقدمة ويشير إلى أن (التام واللاتام قد يفيد أحدهما الآخر))، ويعتبر كانطارينو (1974) العربية مثل اللغات السامية: (فعل تمثل جهة التمام والمضارع عدم التمام)، وقال فلايش بمحاضرة بباريس (1973) في بحثه عن الجهة في الفعل العربي، إن الجهة عنصر موجب في اللغة العربية، بينما الزمن عنصر نفيي، ويعتبر أن العربية تفك الارتباط بين الزمن والجهة باستعمال الشكل (يفعل)، إذ أن الحدث يتموقع في المستوى الجهي فقط والزمن تعبر عنه الجملة بوسائل متنوعة…[33] فأغلب هذه الدراسات تسند للتناوب الصيغي في الفعل في اللغة العربية، قيمة جهية، وليس زمنية.
قدم برجرستراسر[34] تصورا زمنيا للغة العربية من خلال أدوات النفي، واعتبر اللغة العربية لغة زمنية تقسم الزمن تقسيما ثلاثيا (ماض، وحاضر، ومستقبل)، ويعتبر الدعاء والأمر أزمنة، ولا يوضح ما إذا كانت دلالتهما زمنية أم جهية، ويسند للأداة “لما” قيمة زمنية تدل على المضي، ويربطها بمفهوم التوقع: “ولما مقصورة على توقع الفعل وانتظاره واستطالة زمانه”[35]. ولا يحدد طبيعة هذا التوقع (وجهي أم جهي)، ويربط “لم” بالمضي، و”لن” بالمستقيل ولا يربطهما بالبعد الوجهي…ولا يختلف طرحه كثيرا عن القدماء. ومن المستعربين من تناول أدوات النفي في اللغة العربية ضمن إطار زمني ينظر إلى مختلف دلالاتها، “أبي عاد ألبير[36] (2001) Abi Aad Albert الذي يرى أن دراسة أدوات النفي من شأنها أن تسهم في فهم الثنائية “فعل/يفعل”، التي يعبر طرفاها عن الجهة والموجهية والزمن تبعا للسياقات التي يردان فيها. وقد انتقد ألبير التصور الاستشراقي الذي اعتبر العربية لغة جهية، فـ “فَعَل” مثلا يحمل الزمن ما دام مقابله المنفي هو “لم يفعل” حيث تحمل “لم” الزمن، و”يفعل” اللاواقعي الموافق لحدث لم يتحقق، والعربية في نظره بصدد التحول من لغة جهية إلى لغة زمنية، رغم أن الزمن كان حاضرا مع صيغة “فَعَل” التي جاء ظهورها متأخرا زمنيا في اللغة العربية الكلاسيكية عن “يفعل” الطاغية في اللغات السامية (لورود يفعل بكثرة مع أدوات النفي عكس فَعَل). ويعتبر ألبير كل نفي موجهيا لأنه ذو طبيعة حجاجية، وهذا البعد الحجاجي هو ما يجعل النفي يعبر عن القيم المختلفة لـ “فَعَل” و”يفعل”، وذلك حسب ورودها في سياق أدوات النفي: ” إن التعارض الزمني بين “فَعَل” و”يفعل”، هو تعارض بين زمن الماضي وزمن محايد يدل على حالة State أو نشاط في طور الحصول. ولكن “فَعَل” تنخرط في هذا التعارض من جهة موجهية Modal بصفتها دالة على ما هو ثابت وحاصل، مع “يفعل” التي تدل عموما على ما هو غير ثابت أو ممكن أو محتمل، وكذلك تتعارض “فَعَل” مع “يفعل” الدالة على اللاواقع”[37]. ويعاني تحليل ألبير هذا من النسقية في تحليل تفاعل الجهة، والوجه، والزمن، والنفي.
يعتبر لارشي بيير (2007) Larcher Pierre أن نسق النفي ربما هو ما سيقلب النظام الفعلي للعربية، من نظام ثنائي “سبق/عدم السبق النسبي” إلى نظام ثلاثي: سبق/تواقت/ولاء نسبي وقد أشار إلى الأبعاد الموجهية والوجهية لأدوات النفي، لكن ظل منحصرا في إشكالية زمن/جهة إذ يرى أن أدوات النفي في العربية تتخصص في التعبير الزمني، فـ “لم” ترتبط بالماضي، و”لن” بالمستقبل و”لا” بالحاضر، مع العلم أن وضع “لا” كان ملتبسا، في الوقت التي كانت “ما” هي التي تنفي الحاضر، وهكذا يسند لارشي بيير لكل زمن أداة نفي، ويسند لكل شكل منفي مقابلا مثبتا…[38]
من خلال مناقشة بعض جوانب اهتمام المستشرقين بالزمن من خلال النفي، كان تصورهم إما مترجما لآراء القدماء، أو متأثرا بأنساق لغوية غير عربية (مفهوم الجهة في اللغات السلافية)، ومنهم من حاول التوفيق بين التصور الزمني والجهي. وإذا كان التصور التراثي، قديمه وحديثه، إضافة إلى التصور الاستشراقي، قد أغفل بعض جوانب تعالق الدلالت الزمنية مع النفي، ولم يقدمها بشكل نسقي، فإننا سنقدم تحليلات أخرى حديثة تعالق بين الزمن والوجه والجهة (ز.و.ج)، والنفي.
3. النفي ودلالة التوجيه الزمنية
يرتبط الزمن في الجملة العربية بالصيغة الصرفية التي يلبسها الفعل، ونظام التطابق، والنفي، والجهة، والوجه، والموجهات، والظروف الزمنية، والأفعال المساعدة…، فالنسق الزمني العربي تغنيه مجموعة من الأدوات التي تتدخل في إنتاج تأويل زمني، وجهي ووجهي، وقد جاءت الأدبيات اللسانية الحديثة حول الزمن والجهة بتصور زمني يعالق بين الزمن والجهة والوجه والموجهات، وقدمت تحليلا زمنيا للأفعال وعلاقاتها الزمنية والجهية، وبينت أن النفي والموجهات مقولات تسهم في موقعة الزمن، وبذلك أتاحت التقابلات الحاصلة بين الزمن والوجه والجهة نظرة شاملة للزمن، مبنية على نسق صرفي ذي قيم ثلاث (زمن “ز”، جهة “ج”، وجه “و”)[39] يدعونا إلى إعادة النظر في أحادية الصرفة الزمنية في اللغة العربية، ويعتبر البنيات المنفية بنيات وجهية. ولكي نصف نسق (ز.و.ج) علينا أن نحدد المقولات الصرفية التي تمثله، مع وصف كل مقولة في إطار من التفاعل، والتركيز على التمايزات التي يحققها الشكل الصرفي بالمعنى العام. نقدم في المحاور الموالية وصفا لأدوات النفي اعتمادا على افتراض (ز.و.ج) يرصد اختلافات هذه الأدوات وتوزيعها بالنظر إلى الخصائص الصرفية، ويرصد شروطها الانتقائية الدلالية والتوزيعية.
3.1. النفي وافتراض (ز.و.ج/T.M.A)
تتيح العربية إمكانات تأليفية بين (ز.و.ج)، التي هي مقولات تخصص الحدث، فالزمن يموقع الحدث في فاصل زمني، والجهة تخصص بنيته الزمنية الداخلية، والوجه يصف أشكال تحققه من حيث إمكانه، أو احتماله، أو ضرورته، أو تمنيه…ويرى جحفة (23:2006) أن: “تموقعات الحدث الزمنية (ماض، حاضر، مستقبل)، ترتبط لزوما بتمايزات في الوجه والجهة، فالحدث الذي سيقع بعد زمن التلفظ عبارة عن حدث غير حقيقي، أو حدث كامن، ومن هنا التعالق بين زمن المستقبل وهذا الوجه، وهذه العلاقة تستلزم قيام علاقة موازية بين زمن اللامستقبل والوجه الحقيقي. والحدث الذي يخوض في الحصول أثناء زمن التلفظ لا يمكن أن يكتمل، ولهذا يعالق الزمن الحاضر جهة التدرج والاستمرار، وبذلك توجد علاقة بين الزمن الماضي وجهة التمام أو اللاتدرج”. ومن تبعات هذه التعالقات أن التمايزات الزمنية قد تعبر عنها مقولات صرفية-تركيبية لها وظائف جهية ووجهية أشمل(السين وسوف المعبرة عن وجه الوجوب في المستقبل، الظروف الزمنية، قد، حروف النفي…)[40]. وتتفاعل أدوات النفي مع الزمن والتطابق، وبعضها يسلك سلوك الموجهات ويسهم في التأويل الزمني، كما أنها موسومة بـ(ز.و.ج)، وبعضها يتصرف مثل كان يلتصق بها التطابق و(ز.و.ج)، وهناك نوع ثالث يبدو محايدا بالنظر إلى الصرفة، وتفاعل النفي مع الزمن لا يخص العربية وحدها[41]. وقد تناول الفاسي الفهري (1993)، من بين آخرين[42]، تفاعل أدوات النفي مع مؤشرات زمنية أخرى تحل في محيطها، وأعطى تصنيفا ثلاثيا لأدوات النفي باعتبار مفهوم العمل (أدوات عاملة في الفعل المضارع: “لن، لم، لما”، أداة عاملة في الأسماء: “ليس”، وأدوات غير عاملة تدخل على الاسم والفعل: “لا، ما”).
1.3.1. النفي الوجهي
يقوم على علاقة أداة النفي بإسقاطات فعلية متصرفة، يتميز بتغيير أواخر الفعل المضارع، فـ “لم” تجزمه، و”لن” تنصبه، ويسمي الفاسي الفهري هذا الإعراب إعرابا زمنيا (ز-إعراب)[43]، وهو إعراب يختلف عن إعراب الأسماء (س-إعراب)، بكونه إعرابا يُسنَد للإسقاطات الفعلية، وهو عبارة عن تجل وجهي، حيث تسلك أدوات النفي سلوك الموجهات وينتقي النفي الوجهي الصيغة “يفعل” الموسومة للوجه، وهذا شيء يحتاج إليه النفي من أجل تفريغ نوع الوجه الذي يسنده. لننظر إلى البنى (18):
18) أ. لم يحضرْ زيد/* لم يحضرُ زيد
ب. * لم زيد حاضر
نلاحظ أن النفي بـ “لم” يفرغ إعرابه الزمني أي وجهه (الجزمي) في الفعل وإذا لم يفرغه تلحن البنية (18.أ)، ولأنه يفرغ (ز-إعراب) وليس (س-إعراب) فإنه لا ينتقي الاسم أو الصفة كما يبين لحن (18.ب). تنتقي “لم” صيغة “يفعل” وتقلبها للدلالة على المضي، ومعلوم أن “يفعل” ملتبسة بين الحال والاستقبال ما يجعل خاصية المضي ملازمة لـ “لم”، وترد “يفعل ” لتحمل الوجه دون تخصيص زمني، ما يرجح حيادها الزمني، ويرد الشكل الفعلي (يفعل) مرفوعا ومنصوبا ومجزوما، ويفترض الفاسي الفهري أن الرفع مسند بالتجرد من العوامل، والنصب والجزم وفق علاقة عمل. لننظر لهذه الإعرابات في علاقتها بالنفي، نفي للماضي (19.أ)، أو المستقبل (19.ب)، أو محايد (19.ج):
19) أ. لم يحضرْ
ب. لن يحضرَ
ج. لا يحضرُ
توضح هذه المعطيات أن هذا النفي وجهي إضافة إلى تخصيصه الزمني، يدل على الماضي أو المستقبل، ولا يظهر في سياق الجمل الاسمية، فإذا دخلت “كان” كانت الجملة جيدة (20ب)، وهذه الخاصية من خاصيات الموجهات، إذ تدخل على أفعال متصرفة لتحمل الوجه، ويعبر عن الموجهات بأدوات تكون مستقلة عن الأفعال، ولكن تتحكم في الوجوه التي تعبر عنها الأفعال[44].
20) أ. * لن الطالب حاضر
ب. لن يكون الطالب حاضرا
من خصائص النفي الموجهي الدخول على الفعل وعدم الدخول على الاسم (لحن 18ب، 20أ، و21):
21). *لم/*لن/*لا الطالب يحضر الدرس
أدرجنا “لا” مع النفي الموجهي باعتبارها مسندة للوجه، كما قال الفاسي الفهري (171:1993):” فكون “لا” تنتقي وتعمل فقط في صيغة المضارع فهذا يعني أنها ينبغي أن تعالج باعتبارها مسندة للوجه، رغم حلولها مع وجه غير موسوم”. وتعتبر البنيات ذات الرتبة (فا.ف.مف) إسقاطات اسمية تحمل فيها الصرفة إعرابا اسميا وليس الإعراب الزمني الذي له طبيعة وجهية، وهنا لا تستوفي (21) شروط النفي الوجهي لذلك تلحن.
3.1.2. النفي الرابطي
هو نفي فعلي يدخل على المحمولات الصفات أو الأسماء، ويسند لها إعرابا اسميا (س-إعراب)، وتمثله “ليس” التي تسلك سلوك الفعل الرابطي (كان) حيث تسند النصب للاسم أو الوصف الحملي، وتحمل التطابق، وتدخل على (فا.ف.مف) كما في (22أ)، كما تدخل على (ف.فا.مف) (22ب):
22) أ. ليس الجوُّ مستقرا
ب). ليس يدري ما العمل
يمكن أن نقول حسب جحفة (147:2006): “إن “ليس” هي “كان” المنفية الدالة على الحاضر، أو على الدلالة الزمنية العامة (كالعادة مثلا)، وبهذا تكون “ليس” هي مقلوب “كان” من ناحيتين: ناحية (إثبات/نفي)، وناحية (المضي/عدم المضي)”.
3.1.3. النفي المحايد
تتم علاقته مع مكونات الجملة بنوع من الحياد ولا يسند إعرابا زمنيا، ولا إعرابا اسميا، والحياد من جهة دخوله على الأسماء(23ب)، وعلى الأفعال (23أ)، ومن جهة زمن الصيغة “فَعَل” (23ج) و”يفعل” (23د)، وتتزعم هذا النفي “ما” كما في (23أ-د):
23) أ. ما دخل الرجل القاعة
ب). ما أنا قادر على هذا
ج). ما أنا قلت هذا
د). ما أحد يشك في قولك
تشير هذه التوزيعات إلى أن “ما” تدخل على الرتبة (فا.ف.مف)، وعلى (ف.فا.مف)، ولا تُصهر في الصُرفة، لذلك ليست لها خاصية الوسم الإعرابي، أو الوجهي.
3.2. النفي والتوجيه الزمني
دافع جحفة (2006) عن تصور نسقي للزمن في اللغة العربية اعتمادا على النفي وغيره (وجه، موجهات، جهة، رابطة، ظروف، …) من منظور تأليفي مخالف للتصور الإقصائي (زمن وإلا فهي جهة)[45]، واعتبر العربية لغة ليست زمنية صرف، ولا جهية صرف، بل كلاهما.
واعتبر أن تناوبات أدوات النفي تبين أن هناك توزيعا وانتقاء، سواء من حيث أشكال الأفعال، أو من حيث القيم الزمنية، فـ “ما” مثلا تدخل على (فَعَل) ولا تغير الزمن، وكذلك “لا” مع (يفعل)، و”ليس” التي تدخل على (يفعل) وعلى الصفة فلا يتغير المعنى الزمني، أما “لم” و”لن” فتدخلان على (يفعل)، فيفيد التركيب مع الأولى المضي، ومع الثانية الاستقبال. وهذا يبين أن صيغة الفعل لا تستقر في معناها الزمني، وأن النفي يحول هذا المعنى، أو يضيف إليه معناه الزمني، وأن لأدوات النفي خصائص جهية، ووجهية كذلك، وتتفاعل مع الموجهات ومع الشكل الفعلي الذي يتم انتقاؤه (سنوضح ذلك في الفقرة الرابعة عن توزيع النفي وانتقائه). وعالج الرحالي (2003) علاقة الزمن بالنفي في إطار فحصه لرتبة المقولات الوظيفية، واعتبر النفي يتحكم مكونيا في الزمن، وأن النفي الموجه يتحكم في الوجه، وأن رتبة المقولات الوظيفية في الجملة العربية خاضعة للخصائص الانتقائية للرؤوس الوظيفية، وأن النفي يمتلك خصائص زمنية تجعله يعلو إسقاط الزمن، وهكذا يكون الزمن فضلة للنفي لأنه يخضع لدلالاته الانتقائية، وأن النفي ينتقي الزمن ويوجهه ولا يمعجمه[46]. كما أنه يوافق الفاسي الفهري في اعتبار بعض حروف النفي تمتلك خصائص موجهية ووجهية وزمنية، فحرف النفي “لن” يتضمن سمة الوجه والزمن والموجه (تأكيد عدم تحقق الحدث في المستقبل)، والنفي بـ “لن” و”لم” نفي موجه ينتقي الزمن والوجه، ويعتبر أن دلالة التوجيه في “لم” هي عدم الاستغراق أو الانقطاع (حسب ابن هشام)، لذلك تدل على الماضي المنتهي، بخلاف “لما” التي تدل على استغراق النفي (الاستمرار) نظرا لموازاتها الحرف الموجه “قد” في الإيجاب، ولهذا عندما نقول (لما يأت)، فإن النفي يدل على الماضي المستمر إلى الآن، كأننا قلنا (لم يأت بعد) لكن قدومه متوقع، وهذا دليل على أن اختلاف المعنى الموجه هو الذي يؤدي إلى اختلاف التأويل الزمني[47]. ويعتبر حرف النفي “ما” محايدا زمنيا لتوارده مع (فَعَل ويفعل)، وأن الفرق بين أدوات النفي (لم ولن ولا)، يكمن في التأويل الزمني وفي سمتي الوجه والموجه اللتين تفتقر إليهما “لا”، فهي تتميز بعدم تواردها مع الماضي (لحن 24.أ)، وبتواردها مع المضارع، ما يجعلها تملك خاصية زمنية مماثلة للنفي الموجه، غير أن ما يميز هذه السمة أنها غير موسومة مثل زمن المضارع لذلك يتلون تأويلها الزمني بتأويل المضارع (24 ب.ج):
24) أ. *لا قرأ الرجل الرسالة
ب. يشرب الرجل القهوة (الآن/غدا)
ج. لا يشرب الرجل القهوة (الآن/غدا)
بمقارنتنا لـ (24.ب) و(24.ج)، نلاحظ أن “لا” لم تغير القراءات الزمنية المختلفة للفعل المضارع، فعدم قبولها للماضي (24.أ) وعدم اختلاف تأويلها الزمني عن تأويل المضارع، يبين أنها مخصصة بزمن المضارع غير الموسوم، والذي تسمه الخصائص الزمنية للسياق التركيبي التي يتفاعل في تحديدها (الموجه والوجه والجهة والظروف…)، فالموجه “سوف” مثلا الذي ينتقي زمن المستقبل يجعل اللام نافية للمستقبل في (25.أ) ومساوية للحرف “لن” في (25.ب):
25) أ. سوف لا يتفق معنا أحد
ب. لن يتفق معنا أحد
والذي يدل كذلك على أن “لا” النافية تملك خصائص النفي الموجه، هو أن دخولها على الجمل الاسمية يؤدي إلى ظهور الرابطة “كان” ليمعجم الزمن الذي تفرضه اللام كما في (26ج):
26) أ. هند في البيت الآن
ب. * لا هندٌ في البيت الآن
ج. لا تكون هند في البيت الآن
هذه المعطيات تؤكد أن “لا” النافية لها خصائص زمنية تتمثل في انتقائها للزمن غير الموسوم (وسنتحدث عن الانتقاء الزمني للنفي في الفقرة الرابعة). ويخالف الرحالي (2003) الفاسي الفهري ولسانيين آخرين[48] في إسناد دور زمني لإعراب الفعل، بل هناك سمات تركيبية غير الإعراب هي التي تسند تأويلا زمنيا للفعل مثل (الجهة والوجه والموجهات والسمات الإنجازية…)، وقدم أمثلة لحالات يحمل الفعل فيها نفس الإعراب لكن بتأويل زمني مختلف (لم ينصرفْ: المضي/لتنصرفْ: الحال أو الاستقبال)، وحالات معاكسة يحمل فيها الفعل نفس الإحالة الزمنية لكن بإعراب مختلف (لم يحضرْ: المضي/ما حضرَ: المضي)، ليخلص إلى عدم وجود علاقة مباشرة بين التأويل الزمني ونوع الإعراب الذي يحمله الفعل[49]. لكنه يوافق الفاسي الفهري (1993،1990) في كون الحركة الإعرابية في الفعل تمثل تحقيقا صرفيا لمقولة الوجه التي تحمل سمة الزمن. ومن الباحثين المخالفين لتصنيف الفاسي الفهري، ولربط إعراب الفعل بالزمن نجد الباهي (2011)، الذي يعتبر الربط الصارم بين الإعراب الذي يلحق المضارع بعد أدوات النفي، والدلالة على الزمن أو الوجه، لا يمكن تعميمه ذلك أن “لم” مثلا وإن كانت تحمل تخصيصا زمنيا فهي لا تحمل تخصيصا للوجهة[50] (Modality). ويقترح تصنيفا ثلاثيا للنفي: ( نفي زمني محض تمثله “لم”: نفي الحدث في مطلق الزمن الماضي دون تخصيصه باستغراق أو انقطاع، ونفي محايد دون تخصيص زمني بـ “لا”، ونفي فيه الزمن والوجهة (لن، لما، ما)، حيث تدل “لما” على الماضي المتصل بالحال مع القطع بوقوع الحدث في المستقبل، وتدل “لن” على القطع بعدم وقوعه في المستقبل، وتدل “ما” على الحال وتتفاعل مع ما تدخل عليه، مع الماضي تدل على الماضي المنتهي بالحال، ومع المضارع أو الجملة الاسمية تدل على الزمن الحال، مع وجهة القطع _في كل هذه الحالات_ بعدم وقوع الحدث[51]. وقد اعتبر أن الربط بين الإعراب/الوجه والموجه ليس تلازميا، حيث توجد موجهات تدخل على المضارع الموسوم للوجه ولا تسند له إعرابا/وجها مثل “قد” و”لا” والسين و”سوف”…، وهناك وجوه من دون وجود ما يسندها، وهناك موجهات تدخل على الماضي مثل “لو”، وأخرى تدخل على الاسم مثل “ليت” و”لعل”…لذلك نحتاج إلى تحديدات أخرى غير الإعراب/الوجه لضبط تفاعل الموجهات، وتفاعل أدوات النفي في إمكان بعض التوليفات وإقصاء أخرى، كالمعاني الزمنية والوجهية (الوجهة) كما (27.أ.ب.ج)، والتوزيع التركيبي لهذه الأدوات في علاقتها بالمجال الصرفي داخل الجملة[52]. كما (27.د):
27) أ. قد/سوف لا يأتي
ب. *قد/*سوف لم يأت
ج. *قد لما يخرج/*ما يخرج/*ما خرج/*لن يخرج
د. *سوف لما يخرج/*ما يخرج/*ما خرج/*لن يخرج
حياد “لا” الزمني في (27.أ) جعل البنية قائمة، لكن دلالة “لم” على الزمن الماضي في (27.ب) الذي يتعارض مع وجهتي الاحتمال والتسويف، في “قد” و”سوف” تواليا، الموجبتين لدلالة الاستقبال، جعلت البنية تلحن، كما تلحن البنية (27.ج) لعدم تلاؤم وجهة القطع في أدوات النفي (لما، ما، لن) مع وجهة “قد” (التوقع والاحتمال). وهذا التعارض يسري كذلك على تفاعل هذه الأدوات النافية، مع أدوات الشرط الدالة على وجهة الافتراض. أما التأليف بين سوف وأدوات النفي في (27.د) فلا يرجع اللحن فيه إلى تنافر في الوجهة، فالوجهة واحدة، ولا إلى الزمن بدليل تعارض “سوف” و”لن” رغم دلالتهما المشتركة على المستقبل[53] ويرجع اللحن للتوزيع التكاملي لبعض الموجهات (عدم دخول موجه على موجه آخر)، ويرجع العماري (14:2010) هذا اللحن للحشو الوجهي بين “سوف” و”لن”، ويقيمها الفاسي الفهري (1993)، والملاخ (383:2009) الذي يعتبر “لن” دالة على الزمن ويتولى الموجه “سوف” وظيفة التوجيه. ما يجعلنا نستنتج أن هناك خصائص انتقائية تحكم توزيع النفي التركيبي، وعلاقته بالزمن والوجه والجهة والموجهات داخل المجال الصرفي للجملة العربية. ندرسها في المحور الثالث عن النفي وعلاقة الانتقاء الدلالي.
4. توزيع النفي وانتقاؤه
يرى الفاسي الفهري (1993) أن النفي في العربية يملك خصائص انتقائية تفرض وجود إسقاط جملي متصرف بعده، وهي سمات تجعله ينتقي مركبا صُرفيا (IP) لا مركبا فعليا عاريا (Bare VP)، وهذه الخصائص الانتقائية نابعة من كونه رأسا (Head) ورأسية النفي تدعمها خصائصه العاملية والإعرابية التي تجعله ينتقي جملة متصرفة، ويمكن أن يلتصق برؤوس أخرى عن طريق نقل الرأس[54]. يكون موقع النفي الموجهي أمام المركب الصُرفي الذي ينتقيه، وينتقل الفعل إلى الزمن والتطابق ويصير مؤاخيا للنفي وبذلك يستجيب لمتطلبات الإعراب الزمني، ويكون موقع النفي المحايد موقعا سطحيا أمام المركب الصُرفي، أما النفي الرابطي فيشبه الفعل المساعد فينتقي مركبا صرفيا فضلة له يسند له إعرابا ثم يتسرب هذا الإعراب إلى المحمول الاسمي أو الوصفي وفوق هذا يصعد النفي مثل الرابطة للانصهار مع الزمن والتطابق ويصير مصرفا بشكل ملائم[55]. هكذا يكون الزمن فضلة للنفي لأنه يخضع لدلالاته الانتقائية. ونمثل لانتقاء النفي للزمن بالبنية (28):
28). *سوف لم يأت
يبين توزيع “لم” مع الموجه “سوف” هنا أن حرف النفي ينتقي السمة الزمنية لا صيغة المضارع، فلم توارد صيغة المضارع ومع ذلك البنية لاحنة، والمفسر للحن هو عدم توافق سمات الموجه والنفي الزمنية، فالموجه ينتقي المستقبل في حين أن النفي ينتقي الماضي.
4.1. النفي والانتقاء الزمني
لقد بينا أن النفي موسوم بـ (ز.و.ج) وهي نفسها الصرفة الثلاثية للفعل في العربية والتي يتم تأويله زمنيا انطلاقا منها، وأن بعض حروف النفي تملك خصائص موجهية تجعلها تنتقي سمة زمنية تفرضها دلالة التوجيه التي تحملها (التعبير عن موقف المتكلم من الحدث من حيث الاحتمال والشك واليقين…ولكي تتحقق هذه المعاني تحتاج لأن تتحيز في زمن معين، فـ”سوف” مثلا تحمل معنى التسويف الذي يتطلب حصوله حدثا حاملا لزمن الاستقبال)، والتحقيق البنيوي الاعتيادي لهذه السمة هو مقولة الزمن، ولهذا يتحكم النفي مكوّنيا في الزمن لا العكس، وقد برهن الرحالي (2003) على أن النفي ينتقي الزمن ويوجهه ولا يمعجمه-خلافا لكل من: بنمامون (2000،1992)، وأوحلا (1991) اللذين يعتبران الفعل العربي لا يحمل زمنا في سياق النفي وإنما الزمن تمعجمه أداة النفي ويكتفي الفعل بحمل صرفية التطابق[56]– وأن الموجهات عموما وضمنها بعض أدوات النفي لا تحقق الزمن صَرفيا، وإنما الفعل، فوجود الفعل المعجمي تحت إشراف الموجه “سوف” -في (سوف يفعل) مثلا-يدل على أن هذا الفعل ليس عاريا من الزمن[57]. تملك أدوات النفي إذا سمات (ز.وج) تستلزم حضورها في الصرفة الفعلية المساوقة لها حتى تتمكن من التطابق معها (العملية طابق (Agree) حسب شومسكي (1998) التي عوضت فحص السمات في شومسكي (1995))، وتتضمن “لم ولن ولما” (النفي الموجه) سمات الزمن والتوجيه (وجه/موجه/جهة)، فتنتقي “لن” السمة الزمنية ]-ماض[، وتسند الوجه الذاتي/الافتراضي، وتصهر موجها للاستقبال وبحكم أن صيغة المضارع غير موسومة زمنيا، فإنها المرشحة الوحيدة للتوارد مع “لن” بدليل صحة (لن يفعل) مقابل لحن (*لن فَعَل)، وتنتقي “لم” السمة الزمنية ]+ماض[، وبحكم أن الفعل المضارع هو الصورة غير الموسومة زمنيا فهو المرشح كذلك للصعود لفحص السمة المنتقاة، لذلك لا يوارد حرف النفي “لم” صيغة الماضي الموسومة زمنيا بدليل لحن (*لم فَعَل)، ولهذه الأداة سمات وجهية (وجه جزمي)، وجهية (المضي أو التمام). ولـ”لما” سمة الوجه والجهة (الاستغراق/الاستمرار) إضافة إلى الزمن (الماضي المستمر والمتوقع حدوثه في المستقبل)، في حين أن حروف النفي غير الموسومة زمنيا (النفي المحايد: ما ولا) تقبل التوارد مع الماضي ومع المضارع ومع الاسم وتماثل النفي الرابطي (ليس) في الدخول على المضارع والاسم، وفي عدم تغيير زمن ما تدخل عليه[58]. فنستنتج إذا أن أدوات النفي تملك سمات انتقائية وتوزيعية تتفاعل مع صُرفة الفعل الزمنية ومع المؤشرات الزمنية (الموجهات مثلا)، ومع القوة الإنجازية عموما لإنتاج تأويل زمني في سياقها[59]. وقد بينا أن النفي في العربية يحمل دلالة التوجيه الزمنية تجعله يتحكم في طبيعة الإحالة الزمنية ويوجهها ويحددها (اختلاف المعنى الموجه هو الذي يؤدي إلى اختلاف التأويل الزمني).
4.2. النفي والانتقاء الوجهي
نقصد بالتوجيه، تفاعل النفي مع الموجهات والوجه والجهة (الوجهة عموما)، الذي يؤشر على خصائص زمنية بالضرورة تفرضها دلالة التوجيه المعبرة عن موقف المتكلم من الحدث الذي لا يمكن أن يتم إلا إذا تحيز في زمن معين باعتبار أن الزمن هو الذي يحدد إحالة الحدث. وقد بينا أن النفي وجهي إضافة إلى تخصيصه الزمني لذلك ترد أغلب أدوات النفي مع صيغة المضارع الموسومة للوجه، والملتبسة بين قراءة العادة والحاضر والمستقبل، ودخول النافي أو الموجه عموما يوجه ويخصص زمنيا (“لن” مثلا توجه “يفعل” للاستقبال مع وجه ذاتي أو افتراضي، وقد اعتبر الفاسي الفهري (1993) المستقبل ذا طبيعة وجهية أكثر منها زمنية لاستعماله في سياقات غير واقعية مرتبطة بالافتراض والاحتمال والتمني…فيكون انعكاسا لتمثل ذاتي ولا يرتبط بأحكام محايدة وموضوعية)، ويعتبر الملاخ (379:2009): “الوجه والموجه والزمن والجهة مقولة واحدة متشكلة من نسق من السمات المتفاعلة” توجه الإحالة الزمنية وتحددها، والنفي كما لاحظنا يتفاعل مع هذه السمات ويساهم في التأويل الزمني، وقد بينا في البنيات (27 و28 أعلاه) بعضا من وجوه تفاعل النفي مع الموجهات ( قد وسوف)، وننظر الآن في توزيع النفي مع الشرط بـ (“إنْ” و”لو”) الدال على وجهة الافتراض: (29)
29) أ. إنْ لم تفعلْ/لا تفعلُ/*لا تفعلْ
ب. لو لم تفعلْ/لا يفعلُ/*لا تفعلْ
ج. *إنْ ما/* لما/*لن يفعل
د. *لو ما/*لما/*لن يفعل
يعتبر الفاسي الفهري (172:1993) البنية (إن لم تفعل) جيدة للتطابق في إسناد الوجه الجزمي بين “إنْ” و”لم” ويرجع السبب في لحن (إنْ لن تفعل) و(إنْ لا تفعل) لوجود مسندين مختلفين للوجه وكذلك لحن (لو لا يفعل) لتضارب الوجه (الصراع الوجهي) الافتراضي أو المضاد للواقع في الشرط والوجه الواقعي لـ “لا” النافية. ويرى الباهي(88:2011): (أن اللحن يعود لاختلاف في الزمن والوجهة فـ “لم” تمثل الزمن المحض وتتصرف مع مدخولها في حيز الشرط مثل الفعل الماضي ( إنْ لم يفعل=إنْ فَعَل) فتدل البنية ككل على الماضي في المستقبل الافتراضي وتدل (لو لم تفعل) على القراءة المضادة للواقع، كما لا يمانع دخول أداة الشرط على “لا” النافية (إنْ لا/لو لا ) لحياد لا الزمني ويستشهد بقول ابن هشام في رده على من لا يعتبر “لا” بعد الشرط نافية: ” وقد تقترن إنْ بـ”لا” النافية فيظن من لا معرفة له أنها “إلا” الاستثنائية نحو “إلا تنصروه فقد نصره الله”[60]….”[61]. أما البنيات (29 ج.د) فاللحن يرجع لتعارض دلالة وجهة الافتراض في الشرط مع دلالة وجهة القطع في النفي بـ(ما، لما، لن)). ويستنتج أن وجود توليفات للشرط مع النفي دون أخرى راجع للوجهة وليس الزمن، لكون أدوات الشرط تعبر عن الوجهة وليس الزمن. والأمر نفسه ينطبق على تفاعل النفي وموجهات التمني والترجي: (قبول “لم ولا” لـ”ليت ولعل”، وامتناع ذلك مع “ما ولما ولن”)[62]. ويعتبر جحفة (152:2006) أن لأدوات النفي خصائص زمنية-جهية تتضح في الشكل الفعلي الذي يتم انتقاؤه، وفي التأويل الزمني الذي يرتبط بكل أداة. لننظر إلى الفرق بين “لم” و”لما” في (30):
30) أ. لم نتفق
ب. لما نتفق
تعبر (30.أ) عن نفي الاتفاق في الماضي، وتعبر (30.ب) عن نفي الاتفاق في الماضي لكنه اتفاق مرتقب، وتنتقي الأداتان “لم ولما” الصيغة (يفعل) وتعبران عن السبق والفرق بينهما في الجهة، فـ”لم” تسمح بتأويل زمني تام، و”لما” لا تسمح به (الماضي المستمر)، وقد رأينا إمكانية توارد “إنْ” الشرطية مع “لم” وامتناع تواردها مع “لما”، كما لا تظهر “إنْ” مع “السين وسوف” وهذا قد يوحد بين ما تفيده “لما” وما تفيده هاتان الأداتان المستقبليتان، غير أن “لما” تفيد المستقبل جهيا (جهة الإرجاء) والسين وسوف تفيدانه وجهيا (التسويف). كما أن دخول أدوات النفي على (يفعل) لا يؤدي بالضرورة إلى تأويل واحد، فمثلا تدخل “لا” و”ما” كلتاهما على (يفعل) غير أنهما تختلفان في تأويلهما الجهي كما في (31 أ.ب):
31) أ. لا أصلي
ب. ما أصلي
مع “لا” نحصل على تأويل العادة (جهة العادة: من عادتي عدم الصلاة)، ومع “ما” نحصل على تأويل الحاضر المتدرج (نفي كوني خائضا في الصلاة)، وهذا يدعونا إلى اقتراح بعض القيود الجهية على ورود هذا النوع من النفي يرتبط بما يمكن أن ينتقى من طبقات الأفعال إذ لا تؤول كل الأفعال على التدرج (ومن ذلك أفعال الحالة). وهذا يدعونا إلى التمييز بين مستويات التصورات الزمنية.
4.3. النفي والزمن والأدنوية
نقدم في هذه الفقرة تحليلا أدنويا لبنيات منفية (البنيات واردة في الرحالي (2003)، يقترح كل من بنمامون (1992)، وأوحلا (1993) أن النفي في (32) يصعد ليندمج في الزمن، في حين أن الفعل يقتصر على الصعود إلى التطابق في بنية مماثلة لـــ (33)، ويعلو الزمن النفي والتطابق:
32) أ. لن يقرأ الرجل الكتاب
ب. لم يقرأ الرجل الكتاب
33) ] م ز ]م نفي ]م تط ]م ف ]ف’ ف
ويبني بنمامون (2000) تحليله على أن سمات الزمن موزعة بين النفي والفعل، فالفعل في (32أ.ب) يحمل فقط السمة ]+ ف[ بينما يحمل النفي السمة ]+ زمن[، أما الزمن فمخصص بالسمتين معا. ولتفادي الأدنوية يصعد الفعل أولا للتضام (merger) مع النفي، وبعد ذلك يصعد النفي والفعل معا إلى الزمن في (33)، الأول لفحص سمة الزمن والثاني لفحص السمة ]+ ف[.
يقدم الرحالي (2003) تحليلا أدنويا مخالفا لتحليل بنمامون، حيث يعتبر النفي يملك خصائص زمنية لا تستدعي أن يعلوه الزمن، ورتبة (نفي < زمن) تجعل الاشتقاق أكثر اقتصادا في (32)، فلا يحتاج الفعل للقيام بخطوة غير مبررة مثل الانتقال إلى النفي للتضام معه لتفادي قيد الأدنوية. كما أن صعود الفعل إلى الزمن في التركيب الظاهر في (33) غير مبرر، فسمة الفعل في الزمن سمة مؤولة، لذلك يمكن للفعل عبر العملية طابق على مسافة بعيدة أن يوافقها في الصورة المنطقية، ونفس الشيء ينطبق على النفي، فصعوده في التركيب الظاهر لفحص سمة الزمن المؤولة غير مبرر. بحيث يمكن أن يتم توافق سمة النفي والزمن عبر العملية طابق في الصورة المنطقية، لا بواسطة النقل[63]. فصعود النفي للزمن لفحص سمة الزمن ليس له أي تأثير في الصورة المنطقية لأن النفي لا يعبر عن الحدث، وفي إطار القيود الوجيهية الموضوعة على تصميم اللغة الأمثل، يعتبر هذا النوع من العمليات غير مسموح به. في حين أن الحدث الذي يعبر عنه الفعل سيبقى دون تأويل زمني وبذلك لن يتقاطع الاشتقاق. ولا يمكن للسمة الزمنية أن تتسرب إلى الفعل بعد تضامه مع النفي لأن هذا التضام يتم في نقطة التهجية في اتجاه الصورة الصوتية، وليس قبل التهجية أثناء الحوسبة في اتجاه الصورة المنطقية لأن بنية النحو في (ب.أد) مصممة بشكل لا يجعل الوجائه يقرأ بعضها بعضا. كما أن صعود الفعل إلى النفي للتضام مع النفي يخرق مبدأ الجشع (P.Greed) فلا الهدف (الفعل) يتضمن سمة توافق المسبار (النفي) ولا المسبار يملك سمة توافق سمة في الفعل. ومن الناحية الصرفية لا يملك حرف النفي خاصية الصرفية المربوطة التي تتطلب الالتصاق الصرفي، فضلا عن أن مثل هذا الالتصاق يمكن أن يتم في الصورة الصوتية.
إن أدوات النفي بوصفها موجهات تنتقي سمة زمنية تفرضها دلالة التوجيه التي تحملها. والتحقيق البنيوي لهذه السمة هو مقولة الزمن، ولهذا يتحكم النفي مكونيا في الزمن وبناء على ذلك يكون اشتقاق (32 ب) ممثلا ب (34):
34) ]م نفي]نفي’ لم]م موجه]موجه موجه]_توقعي[ ]]م وجه]وجه’ وجه]م ز]ز’ يقرأ…
يصعد الفعل المعجمي إلى الفعل الخفيف وإلى الزمن، ويخضع النفي مثل الموجهات إلى قيد التجاور الوظيفي[64] (يشتق هذا القيد من عملية الضم التركيبي التي لا تقتضي امتزاج العنصرين المضمومين)، وهذه العملية في جزء منها مبررة بالانتقاء (الضم غير الخالص، الضم بالنقل مبرر بفحص السمات)، وبالتالي فالنفي لا يقبل الضم إلا مع المقولات التي ينتقيها، وبما أن هذه المقولات تملك سمات فعلية يصعد الفعل لفحصها، فإن النفي لا يقبل إلا الفعل فضلة له، ولا يمكن الفصل بين النفي والفعل.
نخلص إلى أن حروف النفي تدخل في علاقة انتقاء وتوجيه مع سمة الزمن، وأنه لا يمكن الفصل بين النفي والفعل، بناء على قيد التجاور الوظيفي، وعلى علاقة الانتقاء والتحكم المكوني، وعملية ضم، وعملية طابق، وأن النفي يقبل الضم مع مقولات ينتقيها تملك سمات فعلية يصعد الفعل لفحصها، بالتالي فإن النفي لا يقبل إلا الفعل فضلة له. وهذا مجرد تمهيد لفصول قادمة أكثر تفسيرا، وأكثر تحليلا ومناقشة ومقارنة بعد أن قدمنا المعطيات الأولية للنحاة العرب القدماء حول الظاهرة، خصوصا تأويلاتهم الزمنية لحروف النفي، ودلالاتها الجهية، والوجهية، والموجهية، والتي ستكون نقطة انطلاق لتحليل أعمق يفصل ما أوجزناه في هذا التقديم ويقارن معطيات النحو العربي بمفاهيم اللسانيات التوليدية، من خلال مناقشة مختلف الآراء والتحاليل والاقتراحات الحديثة للسانيين بخصوص النفي في اللغة العربية ولغات أخرى، من أجل فهم أعمق لهذه الظاهرة وضبط آليات اشتغالها، وفهم سلوكاتها التركيبية والدلالية.
خاتمة
عالجنا في هذا المقال دلالة أدوات النفي على الزمن في اللغة العربية، وقدمنا لأجل ذلك تصور النحاة العرب القدماء المبني على صُرفة أحادية للزمن ترتبط بصيغة الفعل، وتتأثر بدخول النافي المرتبط بالصيغة وبما يقابله في الإثبات، ثم أغنينا الموضوع بتصور حديث ينظر للزمن بشكل نسقي توليفي مبني على صرفة زمنية ثلاثية للفعل (زمن، جهة، وجه) تتفاعل مع النفي والموجهات ومع مؤشرات زمنية أخرى (ظروف، أفعال مساعدة، حروف استقبال…)، لإنتاج تأويل زمني يناسب السياق العام للجملة العربية، ثم استنتجنا في الأخير أن النفي ذو طبيعة وجهية إضافة إلى تخصيصه الزمني، وأن أدوات النفي تملك سمات صُرفية مختلفة، تؤثر في خصائصها الانتقائية والتوزيعية، وتحكم تفاعلها مع صرفة الفعل الزمنية ومع باقي المؤشرات الزمنية، ولعل هذا التحليل الذي قدمناه للخصائص الزمنية والموجهية لأدوات النفي يفيدنا في فهم وضبط التوزيع التركيبي للزمن والنفي والموجهات وصرفات أخرى داخل المجال الصرفي للجملة العربية.
قائمة المصادر والمراجع
- أبو البقاء ابن يعيش، شرح المفصل، دار الكتب العلمية، بيروت. ط1. 2001
- أبو بكر ابن السراج، الأصول في النحو، تحقيق الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت. ط2. 1987
- أبو العباس المبرد، المقتضب، تحقيق عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت
- أبو القاسم الزجاجي، الإيضاح في علل النحو، تحقيق محمد المبارك، دار النفائس، بيروت. 1982
- أبو القاسم الزمخشري، الأنموذج في النحو، دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة، بيروت
- أحمد الباهي ، الحاضر التام في العربية، ضمن الفاسي الفهري وآخرين، منشورات معهد التعريب. الرباط. 2000
- أحمد الباهي، التأويلات الزمنية في سياق النفي، ضمن مسائل في اللسانيات العربية. منشورات كلية الآداب بنمسيك. الدار البيضاء. 2011
- تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، دار الثقافة، الدار البيضاء. 2001
- جمال الدين ابن هشام، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق مازن المبارك، دار الفكر، دمشق، ط2. 1969
- الحسين بن قاسم المرادي، الجنى الداني في حروف المعاني، تحقيق فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة، بيروت ،ط2. 1983
- رضي الدين الأستراباذي، شرح كافية ابن الحاجب، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2. 1979
- عباس حسن، النحو الوافي، دار المعارف، القاهرة، ط5. 1980
- عبد العزيز العماري، النظام الزمني والجهي في اللغة العربية دراسة لسانية، سلسلة من النحو إلى اللسانيات، مطبعة سجلماسة مكناس. 2010
- عبد القادر الفاسي الفهري، البناء الموازي، دار توبقال، الدار البيضاء. 1990
- عبد القادر الفاسي الفهري، عن الماضي والاكتمال والتدرج، البنى الزمنية وأشكالها. منشورات معهد التعريب2000
- عبد المجيد جحفة، الزمن والجهة وتسويغ ظروف الزمن، ضمن الفاسي الفهري وآخرين، منشورات معهد التعريب. الرباط. 2000
- عبد المجيد جحفة، دلالة الزمن في العربية: دراسة النسق الزمني للأفعال، دار توبقال للنشر. 2006
- عمرو بن عثمان سيبويه، الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، عالم الكتب، ط3. 1983
- محمد الرحالي، تركيب اللغة العربية: مقاربة نظرية جديدة، دار توبقال، الدار البيضاء. 2003
- امحمد الملاخ، الزمن في اللغة العربية بنياته التركيبية والدلالية، الدار العربية للعلوم ناشرون، دار الأمان، الرباط. 2009
الهوامش
[1] يتحقق الوجه صرفيا في صورة لاحقة تلتصق بالفعل، وللشكل (يفعل) عدة لواحق تختلف بالنظر للوجه الذي تعبر عنه، وهي تعبر عن تنوع دال فالضمة تعبر عن الوجه البياني indicative والفتحة الافتراضي subjunctive أو المفترض أو الذاتي والجزم وجه أمري jussive
[2] الوجه والموجهات يتقاربان دلاليا وتصوريا، فالوجه توسم به الصيغة (يفعل)، و(فَعَل) لا يبرز فيها الوجه صرفيا، والموجهات غالبا ما تكون أدوات تدخل على الأفعال وتتحكم في الوجوه التي تعبر عنها الأفعال، لأنها تتضمن تأويلا دلاليا على الاحتمال، أو الإمكان، أو الوجوب، أو الشرط، أو التمني…
[3] هذا رأي سيبويه ونحاة البصرة انظر الكتاب ج1 ص 12. ويخالفه نحاة الكوفة والزجاجي “فَعَل للماضي ويفعل للحال والاستقبال ولا يسند للأمر زمنا” انظر الإيضاح، ص: 53-54، والجمل، ص: 21-22
[4] الكتاب ج 3. ص: 117
[5] انظر “اللغة العربية: معناها ومبناها”، ص ص: 247-248
[6] نفسه: ص: 245
[7] “ما كان لـ”: ما كان مع لام الجحود من الموجهات الحُكمية مثل لابد، ويجب…وقد فسر ابن كثير الآية 3 من سورة آل عمران ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب﴾، أي لابد من الاختبار وكان لابد أن يميز المنافق من المؤمن.
[8] المقتضب، ج1 ص 185
[9] شرح الكافية، ج2 ص 251
[10] انظر Comrie(1976)، وKlein (1992)، والفاسي الفهري (2000) عن الماضي والاكتمال، والباهي (2000) عن الحاضر التام في اللغة العربية… من بين آخرين
[11] ابن يعيش، ج 7، ص 147. والباهي (2000)، وجحفة (2006)، ص 60.
[12] همع الهوامع، ج 2، ص ص: 447-448
[13] شرح المفصل، ج 8، ص: 111-112 و149
[15] نبين في الفقرة الثانية من هذا المقال أن “لن” يسمها الوجه الافتراضي/المفترض الذي ينتقي صيغة “يفعل” الملتبسة بين الحاضر والمستقبل
[16] شرح المفصل، ج 8، ص 107
[17] نقل المرادي عن الأخفش والمبرد وابن مالك: “الاستقبال عند النفي بـ “لا” غير لازم، بل قد يكون المنفي بها للحال”: الجنى الداني، ص 296
[18] المغني، ص 272
[19] سورة القيامة، الآية:31 وسورة البلد: الآية: 11 تواليا
[20] انظر جحفة (2006)، ص 59
[21] وضع الفاسي الفهري (1993)، “لا” ضمن النفي المحايد مع إمكانية إسنادها للوجه، ويعتبرها الباهي (2000) خالية من الزمن. و(لا ترتبط بزمن في سياق “يفعل” وتدل على المستقبل مع “فَعَل” في الدعاء عند جحفة (2006))، ويعتبرها الرحالي (2003) تملك خصائص زمنية مثل النفي الموجه
[22] شرح المفصل، ج8، ص107
[23] نفسه، ص110
[24] نفسه، ص107
[25] المقتضب، ج4، ص188
[26] المغني، ص 293
[27] النحو الوافي، ج1، ص559
[28] شرح المفصل، ج7، ص112
[29] المقتضب، ج4، ص87
[30] شرح الكافية، ج2، ص296
[31] شرح المفصل، ج7، ص111-112
[32] يعتبر جحفة (147:2006)، “ليس”، بمثابة “كان” المنفية الدالة على الحاضر، أو على الدلالة الزمنية العامة كالعادة
[33] راجع جحفة (2006)، ص ص 70-75 للمزيد من التفاصيل
[34] التطور النحوي، ص 172
[35] نفسه ص 173
[36] Abi Aad Albert (2001), pp 124-139
[37] نفسه، ص ص 126-128
[38] انظر منياني مصطفى، (2015)، دراسة مقارنة لنسق النفي، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب بنمسيك البيضاء
[39] صرفة الفعل في العربية مبنية على العلاقة الزمنية (+/-ماض)، والتمايز الجهي (+/-تام)، إضافة إلى الوجه العنصر الزمني الثالث الذي لا ينفصل عن الزمن والجهة، في تحكمه في تحققات الحدث.
[40] يعتبر الفاسي الفهري (1993،1990) المستقبل تأويلا وجهيا، لأن صرف المستقبل يظهر عامة في عدد من الملفوظات غير الواقعية الدالة على الاحتمال أو الافتراض أو التمني…وهو بذلك لا يختلف عن المستقبل في بعض اللغات كالإنجليزية التي تعبر بالوجه (Will) عن المستقبل، كما دخول السين وسوف على صيغة “يفعل”، الصيغة التي تتصل بها الوجوه في العربية في شكل حركات إعرابية، وهي تناوبات وجهية وتمثل إعرابا زمنيا.
[41] في لغة التامانغ التبتية البرمانية، تتبث لاحقة الحاضر مع النفي وتسقط لواحق الماضي والمستقبل ويرد الفعل في شكله العاري مع أداة النفي. انظر جحفة (2006)، ص143، هامش46 للمزيد من التفاصيل
[42] انظر على سبيل المثال جحفة (2006)، والرحالي(2003)، والملاخ (2009)، والعماري (2010)…والمراجع المحال عليها هناك
[43] الفاسي الفهري (1993)، ص163
[44] مثلا ( سـ/سوف + يفعل= الضرورة والوجوب، الوعد وتوكيده)، أو (قد+يفعل=الاحتمال والإمكان)، (إنْ + يفعل=الشرط)….
[45] العربية لغة زمنية حسب النحاة العرب القدماء، وجهية حسب المستشرقين ( Wright،Cantarino ،Hall، Cohen ،Vendryes ، Fleish…) انظر جحفة (2006)، والفاسي الفهري (2000) عن تصور المستشرقين.
[46] الرحالي (116:2003).
[47] نفسه ص117
[48] يعد كل من Zagona (1982)، وFabb(1984) لواحق الفعل في الإنجليزية، لواصق إعرابية فلاحقة الحاضر “S” الحاملة لسمة الشخص والعدد تحلل على أنها تحمل الإعراب وتماشيا مع ذلك اعتبر الباحثون لواحق الفعل المضارع في العربية تحقيقا صرفيا لإعراب زمني.
[49] انظر الرحالي (2003)، ص ص: 97-99 للمزيد من التفاصيل
[50] الوجهة تتعلق بموقف المتكلم مما يقوله، وهو مفهوم دلالي يرتبط بالمعاني التي تتعلق عادة بالوجه والموجه، وهما من مشتقات الوجهة وهما وسيلتان من وسائل تحقيق الوجهة (الوجهة أعم منهما)، وهي ثلاثة أنواع: وجهة الإقرار ويعبر عنها بالوجه البياني، ووجهة اللاواقعي (الوجوب والإمكان…) تتحقق بواسطة الوجه المفترض أو الأمر أو الافتراضي (الشرط، قد، لعل، ربما…)، ووجهة المضاد للواقع ( حكم مستحيل الوقوع: لو في الشرط والتمني…).
[51] الباهي (2011)، ص 84
[52] نفسه، ص ص:87-88
[53] نفسه، ص:93
[54] انظر الفاسي الفهري (166:1993) عن رأسية النفي، والرحالي (2003)، Pollock(1989)، Zanuttini(1989)، Ouhalla(1990)، Laka(1990) من بين آخرين
[55] الفاسي الفهري (166:1993)
[56] انظر بنمامون (229:1992)
[57] انظر الرحالي (2003)، ص ص:114-117 يبرهن على عدم صحة افتراضات بنمامون وأوحلا معجمة النفي للزمن، مبينا أن الفعل الذي هو عبارة عن حدث، محتاج إلى الزمن لكي يؤول دلاليا، بينما يكتفي النفي بانتقاء الزمن وتوجيهه. وأن صُرفيات الفعل (ز.و.ج)، ترمز الزمن وأن النظام الزمني العربي مبني على زمن موسوم (الماضي) يعبر عن القبلية، وزمن غير موسوم (المضارع) تساهم عناصر عديدة في تأويله، منها جهة الوضع، والوجه والموجهات، وأدوات النفي…
[58] هناك خلاف حول خصائص “لا” الزمنية والوجهية، بين اعتبارها تملك زمنا غير موسوم مثل المضارع ومماثلتها للنفي الموجه، وبين إسنادها للوجه الأمري في النهي والدعاء مع الماضي، وبين حيادها الزمني والوجهي واكتفائها بمجرد النفي.
[59] هذا التفاعل يعكس علاقة انتقاء دلالي بين رؤوس النفي والموجه والوجه والزمن والفعل، حددها الرحالي (76:2003) في بنية وظيفية (أ) ممثلة للجملة العربية ترأسها القوة الإنجازية للمصدري، حيث مواقع الرؤوس الوظيفية بين المصدري والزمن غير قارة تخضع للخصائص الانتقائية: (أ): مصدري<(وجه<)(موجه<)(نفي<)(موجه<)(وجه<)زمن<ف.
[60] سورة التوبة الآية: 40
[61] مغني اللبيب، ص ص: 17-18
[62] راجع بهذا الصدد الباهي (2011)، ص ص: 89-93
[63] الرحالي (116:2003)
[64] قيد التجاور الوظيفي: * وظ]+ ف[ م ص وظ]+ ف[ / م ص: مركب متغير وظ]+ ف[ وظ]+ ف[ م ص