قضايا الكتابة النسائية.،مقتربات نقدية في كتاب ’استراتيجية الكتابة النسائية‘ لعمرو كناوي.

محمد معطلا

د. محمد معطلا – كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس

تروم هذه الدراسة مساءلة كتاب “استراتيجية الكتابة النسائية” للدكتور عمرو كناوي، وتقديم مقتربات حوله من حيث القضايا والارتهانات، ثم المنهج واللغة. وهكذا، قد توقفنا عند إشكالية الأدب النسائي، والتعالق القوي بين الأدب والنقد، واستناد أحدهما بالآخر، قصد تقديم استقصاءات نيرة وجديدة، تضيء التجربة الإنسانية بكل اشتراطاتها، وما يعتمل فيها ثقافيا، واجتماعيا، ونفسيا، وتاريخيا، وحتى سياسيا، ودينيا..

وقد وقفنا على أهم ما يعتمل به الكتاب من قضايا مرتبطة بالكتابة والأدب النسائيين، من قبيل: فعل الكتابة ودورها في الثورة والتغيير، ثم قضايا الحرية، والعدالة، والآخر، والسلطة، والإقصاء… وكذلك بعض المقومات الفنية في هذه التجربة النسائية التي اختار لها الباحث أعمال الروائية الفلسطينية سحر خليفة أرضية للاختبار والاشتغال والمساءلة… لنخلص إلى قيمة الكتاب النقدية والمعرفية والثقافية، والتماسك بين فصوله ومكوناته، وتكامل منهجي فيه بين المنهج الموضوعاتي والبنيوي ثم البنيوي التكويني.. كما أن هذا لم يثنينا من تحصيل بعض الملاحظات حول طبيعة المنهج المعتمد فيه، والإمكانات الجيدة والغنية التي كان في الإمكان الإفادة منها لو ارتهن الدارس بالمنهج التحليلي والتفسيري أكثر من المنهج الوصفي، الذي يُبقي الدارس في مأمن من النقد إلى حد كبير، لكن هذا المَرام يكون على حساب عمق وغنى الدراسة، وإفصاحها عن ممكناتها المعرفية والنقدية والثقافية بشكل أكثر غنى وإقناعا…

الكلمات المفتاحية: الأدب النسائي، النقد النسوي، استراتيجيات الكتابة، الإبداع، الرواية.

التقديم:

يعتبر الأدب النسائي مفهوما مترامي الدلالات والأبعاد، شائكا لما يثيره من قضايا نقدية وفكرية لدى الأوساط النقدية، إن عالميا أو عربيا، خاصة مع تنامي الحركة النسوية، وتزايد مناصريها والحامين لها، وتحولات النظرية المعرفية والثقافية، وكذا تحولات ما بعد الحداثة… وقد تمخض عن هذه التفاعلات النقدية، بصدده، ثلاثة مواقف رئيسة: موقف الرافضين له، المنتقصين من شأنه، ومن فاعلية الحساسيات الإبداعية النسائية، وموقف المناصرين والمتعصبين له، الذين يرون فيه إسهاما قويا في تأثيث الخريطة الأدبية العالمية، ومنها العربية، وله اقتدارية هائلة على تقديم أجوبة جديدة لإشكالات تطرحها التجربة الحياتية المعاصرة إن اجتماعيا، أو ثقافيا، أو سياسيا، أو جماليا، أو إنسانيا…. وموقف ثالث ارتأى أصحابه التمترس في الوسط، آخذين من كل طرف بنصيب، يتعاملون مع قضية الأدب والكتابة النسائية بحساسية في بعض الجوانب والارتهانات التي يتقصدها هذا الأدب، وبقبول رحب وتشجيع في قضايا وارتهانات أخرى..

وإذا كان الأدب في نشأته وتشكله ملازما للبشرية منذ القدم ويمكن تعريفه بأنه: إبداع يقوم على الخيال والصياغة الجمالية المؤثرة للغة، وأنه رسول التجارب الإنسانية، لتستفيد منها المجتمعات الأخرى والأجيال القادمة، إذ “الكاتب المتميز، هو وحده الذي يستطيع أن يعبر عن واقع معاصريه، وينقل أوضاعهم إلى الاستمرارية الإنسانية..”[1]. فلا بد، والحالة هذه، من توجه علمي يدرس الأدب ويقومه، ويبرز محاسنه وعيوبه ليضمن له التطور الإيجابي والاستمرارية، وأن يضمن مواكبته للقضايا الإنسانية، ومعانقة هموم وتطلعات المجتمع والفرد، فــ “الإبداع نفسه لا يتحقق وجوده وفعاليته إلا بمشاركة النقد”[2]. من هنا، نشأت الحاجة إلى دراسة الأدب التي تبحث في جوهره وماهيته، أي طبيعته وتاريخه ووظيفته، خاصة وأن مفهوم الأدب غني جدا، وله تعاريف غير محدودة فقد “طرأت عليه تحولات جوهرية في الفكر النقدي الحديث، وتعريفه قضية مطروحة بشكل دائم، ومجال مفتوح، لا يبدو أنه قابل للانغلاق قريبا، يطرحه الأدباء كما يطرحه الفلاسفة والنقاد، من سارتر (Jean-Paul Sartre) إلى بلانشو (Maurice Blanchot) ورولان بارث (Roland Barthes) …”[3]. فعلى سبيل المثال، يمكننا اعتبار الأدب “فعالية خلاقة”[4]، أي أنه فن وإبداع، والدراسة الأدبية “إن لم تكن بالضبط علما، فهي ضرب من المعرفة أو التحصيل”[5]، تتسلح بعدة منهجية، ومعايير دقيقة وواضحة، تميل ما أمكن إلى العلمية، لتستغور الإبداع الأدبي، وتستجلي ذاك “السر العميق الذي يشدنا إليه قراءة واستهلاكا أو حتى إنتاجا”[6]، ورغم وجود بعض الأصوات التي حاولت تكريس فكرة التداخل بين الأدب ودراسته[7]، وتذويب الفرق بينهما، حيث “احتج البعض على أن المرء لا يستطيع أن يفهم الأدب ما لم يكتبه… وألا يدرس الدراما الإليزابيثية ما لم يكتب هو نفسه الدراما بالشعر الحر”[8]، إلا أننا لا نستطيع الذهاب مع هذه الدعوى بعيدا، حتى وإن سلمنا بأن معايشة تجربة الإبداع الأدبي مفيدة وخصبة لدارس الأدب، لكن المهمة والمقاصد تختلف جذريا، لأن عليه أثناء دراسة الأدب، تحويل مستمدات التجربة الإبداعية إلى مصطلحات ومفاهيم فكرية، تنتظم وفق خطة منهجية، وتتسم بالعقلانية، إن هو أراد لها أن تكون نوعا من المعرفة لها مياسم العلمية[9]، لكي تؤسس، عبر الممارسة النقدية، منظومة أحكام، ومعايير فنية، وأدبية، ونقدية.. تسهم في تحليل وتفسير المجتمع الإنساني، وقضاياه، وتطلعاته، وتقدم استقصاءات وتصورات قيمة في سبيل تطوره، عبر تأسيس وتزكية منظومة من القيم والسبل التي تكون كفيلة بتحقيق تلكم الرهانات.

 وإذا أخذنا في الاعتبار أن “المشكل الذي شغل، على الدوام، منظري الأدب هو العلائق بين الواقع الأدبي والواقع الذي يستند إليه هذا الأدب”[10]، لأن الأخير “مساهمة فردية، لكنها تندرج ضمن الأنشطة الاجتماعية”[11]، فإن الدراسة الأدبية أو النقد الأدبي يصيران، بهذا، نشاطا أو فعالية ذهنية تجريدية، تروم إدراك المعاني والدلالات التي يختزنها نص أدبي ما في تفاعلاته وعلائقه المتعددة مع محيطه الاجتماعي، والثقافي، والتاريخي، والإيديولوجي.. لأن الأدب لا يكتسب حياته وفاعليته إلا بانفتاحه على المجتمع وعلى ما هو إنساني…

ضمن تلكم الأحياز يأتي كتاب “استراتيجية الكتابة النسائية” للدكتور عمرو كناوي، في طبعته الثانية، 2021، مطبعة آنفو برانت فاس، كتاب في 140 صفحة من الحجم المتوسط، توزعت ما بين مقدمة وخاتمة، تتوسطهما أربعة فصول، ثم يذيل الكتاب بلائحة المصادر والمراجع ثم الفهرس. ويرتهن الكاتب فيه بالاشتغال على قضايا وارتاهنات وإشكالات الكتابة النسائية، متخذا من التجربة الروائية لسحر خليفة ميدانا لاختبار خلفياته المعرفية، والثقافية، والفكرية، والمنهجية، والنقدية.. حول الكتابة النسائية: قضاياها، وسائلها الفنية واللغوية، ممكناتها الإبداعية… وغيرها. ولا يفوتنا أن نلمح إلى كون هذه الدراسة امتدادا لدراسة نقدية سابقة للباحث، وسمها بـ: “الفضاء الروائي في أعمال سحر خليفة” مطبعة أنفو برانت، فاس، 2011م. فكيف اشتغل الكتاب على هذه القضايا وضمن تلكم التجاذبات التي أثرناها أعلاه؟ وما وسائله النقدية والمنهجية في تحقيق هذا المناط؟ …

أولا: مقتربات في العنوان

يحتفي كتاب الدكتور عمرو كناوي بالكتابة النسائية والأدب النسائي، ويرتهن بالقضايا التي أثرناها أعلاه وغيرها، ولكن بطريقته وأسلوبه الخاصين، وقد اختار أن يسم الكتاب بــ: (استراتيجية الكتابة النسائية) وهو اختيار له مبرراته ووجاهته التي لم يطلعنا عليها الكاتب علانية، بل جعلها منبثة بين فقرات وفصول الكتاب، نكتشفها كلما استمر فعل القراءة في محاورة الكتاب وقضاياه، وأرى أن مفهوم “الكتابة النسائية”، أكثر أجرأة فعلا، لأن الكتابة فعل ينطبق على النتاج الأدبي الإبداعي، والنتاج النقدي والتنظيري وحتى الفلسفي والفكري.. بل إن الكتابة تغطي كل المنجز النسائي من خطابات، تروم، على تنوعها، كشف مشاغل المرأة ورهاناتها من الحياة والوجود ومن الكتابة في حد ذاتها، وكذلك تعريفنا بعالم المرأة الداخلي ورؤيتها للوجود بقلم المرأة ذاتها، وربما هذا يكشف جوانب معتمة بقيت طي المجهول أو المسكوت عنه بقصد أو بدون قصد في الفعل الكتابي الرجالي.

وأما كلمة “استراتيجية” فهي حديثة الاستعمال في اللسان العربي، وهي مصطلح عسكري بالأساس، وتعني الخطة الحربية، أو هي فن التخطيط للعمليات العسكرية قبل نشوب الحروب، وفي نفس الوقت، تعني فن إدارة تلك العمليات عقب نشوب الحروب. وتعكس الإستراتيجية الخطط المحددة مُسبقاً لتحقيق هدف معين على المدى البعيد في ضوء الإمكانات المتاحة أو التي يمكن الحصول عليها. إنها تخطيط أو طريقة توضع لتحقيق هدف معين على المدى البعيد اعتماداً على التخطيطات والإجراءات الأمنية في استخدام المصادر المتوفرة في المدى القصير[12]. ويضيف قاموس المعاني أنها: مصدر صِناعِيّ، تدل على المعنى السابق، وتُسْتَعْمَلُ أيْضاً في الخِطابِ السِّياسِيِّ باعتبارها تخطيطا وطريقة لتحقيق أهداف مسطرة مسبقا. وهذا قد يحيل مجال النقد الأدبي إلى ميدان للصراع والحرب، كما يحيل إلى أن فعل الإبداع والكتابة النسائيين يعيشان هذا الوضع، فعلا، لينتزعا الاعتراف بوجودهما في ظل سيادة الإبداع والكتابة الرجالية، وقد يستعمل المفهوم باعتبار الدراسة النقدية تبنى على خلفية معرفية، وعدة منهجية، ورؤية استبصارية بالرهانات التي يتقصدها الباحث والناقد من كتابته… إلخ. ولا إخال الناقد الحصيف عمرو كناوي إلا كان ملما بكل هذه الحيثيات وغيرها، وهو يخوض غمار الاشتغال على الكتابة النسائية، في هذا الكتاب وفي دراساته السابقة أيضا في الموضوع. فما هي أهم القضايا التي ارتهن بها هذا الكتاب النقدي؟

ثانيا: قضية المرأة والكتابة: (الكتابة وسيلة للرفض والثورة والتغيير)

لقد توقف الكتاب، هنا، على بعض أقدم أشكال الكتابة في تاريخ البشرية بشكل مقتضب، ثم مفهوم الكتابة باعتبارها “ليست إلا بحثا ومغامرة وفهما للذات”[13]، ويدفع الكاتب بحد التعريف للكتابة إلى أن تصير معادلا للموت، ما لم تكن انزياحا ووهما وهما يجمع بين الذاتي والموضوعي، فتتحدد حسب موريس بلانشو بأنها “تتوقف عن الوجود لكي تستسلم لضيف آخر، لا مهمة له ولا حياة، إلا موتك أنت”[14]. كما أنها -حسب الكاتب، ص 18- “مواجهة للموت وتكسير للقيود. بفضلها تفتح الحدود وتتحقق الانتصارات على القهر والجمود، يؤسس بها لعالم التحسيس والتوعية، بعيدا عن عبثية الوجود ولا معقوليته”. وهنا، نشير إلى أن المراهنة على الكتابة فعلا للحضور والاحتجاج وقول الذات، وفعلا للغياب والمحو والموت، يوحي لنا بالتناص، سواء بشكل واع أو غير واع، مع تفكيكية جاك دريدا ومفهومه عن الكتابة، وكذلك مع الكتابة في التجربة الصوفية، خاصة عند، كبيرهم الذي علمهم السحر، محيي الدين بن عربي، فالكتابة ممارسة وجدودية وشهودية لاستحضار عالم غيبي، كُشفت عنه الحجب لحظة الإشراق الروحي…

 وبهذا تكون الكتابة عملية معقدة من حيث دواعيها وشروطها ورهاناتها، إنها مخاض عسير تعيشه المرأة كاتبة ومبدعة، تفصح عبره عن تجربتها وتفردها، ورؤيتها للحياة والوجود، وتُشرِّح واقعها، وترصد أعطابه، وجراح الذات التي أثخنت بها المرأة عبر العصور والثقافات، وترامي الجغرافيات والمعتقدات، وتباين التسنينات الثقافية والاجتماعية، وما تخطه للمرأة في كل مجتمع وخاصة -هنا- المجتمع العربي، فتكون الكتابة النسائية وسيلة مقاومة، ورد فعل صارخ، يتقصد إنصاف المرأة، والتعبير عن خصوصيتها ووجودها وحقها في الحياة والوجود… يورد الكاتب (ص25-26) تصور خناثة بنونة في هذا الصدد إذ تقول: “إني لا أملك أن أتكلم كالآخرين… صوتي قد تجاوز عصره لأنه يطالب بالمساواة… ما أفظع أن أكون أنثى بين قوم لم تجدد قيمهم بعد، لكنني أريد أن أختصر النساء في واحدة لأحطم قيد الزهور، ثائرة أنا، الثورة ترعش كل ذرة داخلي… تعلن انطلاقي… انتشاري.. امتدادي..”[15]. إن هذا القول ليستعيد صوت شهرزاد الليالي، ويصدح بما سكتت عنه شهرزاد، لكنها عملت على تحقيقه في الواقع بحرفية ونعومة متناهية، إن كلام خناثة بنونة هو صوت المرأة الجواني منذ أحست بالظلم والقهر منذ الأزل، إنه المونولوج الروحي بين شهرزاد ونفسها، باحت به بنونة وكشفته. وستذهب نوال السعداوي في هذا الاتجاه، لكن بثورية أعنف وأكثر تصريحا، مرتكزة على ثيمات: الجنس، والرغبة، والجسد… وتفكيك النسق الفحولي المتوارث عربيا في علاقته بالمرأة ونظرته للجسد.. وهذا ما يورده الكاتب في الصفحات الموالية.

 وفي ذات الصدد نجد جيني هيريكورت في مقال لها بمجلة “لاكلوش” بتاريخ 18 دجنبر 1872م، تقول: “سادتي لا أستطيع أن أكتب إلا كامرأة، بما أن لي شرف كوني امرأة”[16]. فهي، هنا، تخاطب معشر الرجال بمن فيهم قراءها وأعداءها وأصدقاءها، معلنة شروعها في الكتابة وتحدد معالم هذه الكتابة في كونها، فقط، كتابة خاصة بها كامرأة تدافع عن حقها في الوجود، إذ عدَّت ما تكتبه هي والكاتبات الأخريات يمتلك سمات لا يمكن للرجل الاقتراب منها، لتشكل بذلك أوّل صرخة من امرأة تسعى لتحديد آليات اشتغالها، وبُنى تفكيرها، ومن ثمَّ لغتها الخاصة[17]. وتتحدد الكتابة حسب لطيفة الزيات -كما يورد د. كناوي- بأنها فعل من أفعال الحرية، ووسيلة لإعادة صياغة الذات والمجتمع، وتحت مظلة الحرية، لا يملك أحد الحق في مصادرة فعل الكتابة عن أحد، كما يصرح ميشيل فوكو: “أتركونا أحرارا عندما يتعلق الأمر بالكتابة”[18]. إن الكتابة بهذا لحظة تنفيس وإشباع تستعيد فيها الذات الطبيعية كل مقوماتها، خاصة لما تستند الكتابة إلى التخييل وعوالمه وتتحلل من الواقع المعيش.

وهكذا، شكلت المرأة في الكتابة الإبداعية تعبيرا عن ذات تستجيب لتجربة حياتية، خضعت لمواضعات اجتماعية وتاريخية وقانونية، وسعت عبر وسيط الذات إلى أن “تحلل مختلف الخطابات والقيم والتجارب لصوغ نص يقع على الحدود من كل ذلك، ويلامس المشاعر والأفكار والمواقف المعيشة”[19] من منظور وضعيات قد تشترك فيها المرأة مع الرجل إلا أنها تطمح إلى أن تجد لنفسها صوتا اعتباريا مغايرا داخل سلم اجتماعي وثقافي لطالما أقصيت منه[20]. فكان لهذه الإسهامات والجهود أن أسهمت في ترسيخ مصطلح الكتابة النسائية وفرض وجوده نتيجة لتراكم ما أبدعته المرأة في مجالات الكتابة، وسواء تم التعامل معه بقصره على ما تكتبه المرأة عموما بغض النظر عن موضوع كتابتها، أو بقبول شموله لما يكتب عن المرأة، بغض النظر عن جنس الكاتب، فإن المصطلح تأكد وأصبح محورا لمؤتمرات وموضوعا لكتب، ودراسات فردية وجماعية، وسمت بـ: (الكتابة النسائية، أو النسوية، أو الأدب النسائي…) وغيرها.

وإذا كان دور الثقافة لا يقتصر على ما يقدّمه المثقّف من إنتاج فكري وأدبي وإبداعي، بل يتعدّى ذلك إلى كونها قوّة فاعلة في تقويم سلوك الفرد وتهذيبه وإغناء معارفه، وتحديد نمط عيشه وسلوكه ومواقفه. فتتبدى الثقافة تواصلا وعلاقات ونمط حياة[21].. فإن الأدب عموما، ومنه العمل الروائي، إذ يقوم على تصوير الأحداث والشخصيات إنما يقوم على “تصوير أمثلة من السلوك الإنساني، والسلوك الإنساني يعبر عن قيم اجتماعية معينة، سواء أكان هذا التعبير إيجابيا أم سلبيا، أي خاضعا لهذه القيم أو متمردا عليها. بل إن اختيار الكاتب الروائي لأحداثه، ودلالة هذه الأحداث عنده، ينبعان أصلا من مواضعات اجتماعية”[22].

من هنا -حسب ستيوارت سيم- فإن أية كتابة (نسائية أو رجالية) تتحدد في علاقتها بالتجربة الإنسانية، وكينونة الإنسان، وشرطه الوجودي، تتحدد بأنها “وعي بالذات والآخر والعالم، وفقدان هذا الوعي يجعل من الكتابة مجرد محاكاة وتبنٍّ لمقولات الآخر، كما أن استعادة هذا الوعي تعني البحث عن الأنا، ومحاولة استكشافه، تعني السؤال كما تعني التحول”[23]. ولكي يحقق الإبداع هذه الغايات، خاصة الأدب النسائي، موضوع اشتغالنا ههنا، فإنه يتطلب قيم الاختلاف، والتمايز، والمغايرة، والمساواة… وغيرها، اشتراطات جوهرية، وبيئة ضرورية للإبداع والكتابة، وبلورة التجربة الشخصية باعتبارها متميزة، ولها فرادتها، فيعمل الكاتب أو الكاتبة على تقديمها بشكل فني وجمالي يهبها هويتها الأدبية، وينزع عنها الارتهان بالمكان والزمان، فتحقق التعالي الذي يهبها الخلود.. في هذا الصدد تقول حنة أرندت:

“إن الكثرة البشرية، الشرط الأساسي لكل من الفعل والكلام، تملك الطابع المزدوج للمساواة والتمييز. فإذا لم يكن البشر متساوين، فإنه لن يكون بإمكانهم أن يفهم بعضهم البعض، ولا أن يفهموا من أتوا قبلهم ولا أن يخططوا للمستقبل ويتوقعوا حاجات من سيأتون بعدهم. وإذا لم يكن البشر متميزين، بحيث يكون كل كائن بشري متميزا عن أي كائن بشري آخر، الذي يوجد، أو كان يوجد، أو سيوجد، فإنهم لن يحتاجوا إلى الكلام ولا إلى الفعل ليجعلوا أنفسهم مفهومين. ستكون العلامات والأصوات كافية لتبليغ حاجات ورغبات مباشرة ومتماثلة”[24]. ويعالج الكاتب هذه الشروط وكيف نجحت المرأة في اقتحام عالم الكتابة والإبداع، وتكشف عوالمها الخاصة بنفسها، لا أن تترك ذلك للرجل، وهذا من خلال ثلاثة أمور رئيسية: اقتحام المرأة عالم الكتابة بجرأة وقوة، ثم التزام النساء بصيغة موحدة تكفل إنصاف المرأة وتتفق حولها كل النساء ويحمينها ثقافيا وسياسيا كأسرة، وهذا يسلمنا للأمر أو الشرط الثالث، وهو تدويل الكتابة النسائية في أفق تشييد سوسيولوجيا كتابة نسائية فاعلة[25]

ثالثا: الكتابة النسائية بين القبول والرفض:

أود، ههنا، أن أشير إلى أن مفهوم الأدب النسائي أو النسوية أو الكتابة النسائية… كلها مفاهيم مربكة وزئبقية وغير قطعية الدلالة، وكما أن لها مخرجات وإضافات، فإنها تثير كذلك إشكالات عدة: فهل المقصود بها كل ما تكتبه المرأة بقلمها هي؟ وإن كان الذي تكتبه من روايات أو أدب موضوعه الرجل وعوالمه، فهل يدخل ضمن الأدب النسائي أم الرجالي؟ أم المقصود بها كل ما كتب عن المرأة وكانت هي موضوعه سواء كتب بقلم نسائي أو رجالي؟ ألا يوجد رجال كتبوا عن المرأة بطريقة تضاهي أو تفوق ما كتبته المرأة عن نفسها؟ كما أننا نجد نساء كتبن عن الرجل بشكل يضاهي أو يفوق ما كتبه الرجل عن نفسه؟ وفي هذه الحالة أليست تسمية أدب نسائي تسمية تستبطن التنقيص والإقصاء وتغييب الكتابة الرجالية؟ وأنها، هنا، تنصب نفسها معترفة بأن كل الموجود خارج دائرة النسائي في الكتابة هو رجالي، وبالتالي تكون الكتابة النسائية مقيمة على الهامش والكتابة الرجالية مقيمة في المركز؟ .. يقول الكاتب: “إن مصطلح الأدب النسائي يطلق عادة على ما تنتجه المرأة من إبداع، وما يكتبه الرجل عنها في مختلف الأجناس الأدبية”[26]. وعلى ما يبدو عليه هذا القول من وجاهة، فإنه يخفي تساؤلات تفرض نفسها بإلحاح، خاصة علاقة هذا التعريف بالتحيز والنزوع الإيديولوجي. لأن ما تكتبه المرأة وما يكتبه الرجل عنها ليسا بالأمر الهين أو السهل حصره، بل هو عالم متشابك معقد يطرح قضايا عدة مرتبطة بالثقافة، والمتخيل، والإبداع، والآخر، والجسد، والحرية… وغيرها. كما أنه من الضروري أن ننظر للمسألة من حيث المقومات الجمالية والفنية والإبداعية التي تشكل هوية الأدب والإبداع، وتجوهره الفذ، ولا يَعْدُ الاحتكام إلى القضايا والموضوعات في تقييم الأدب النسائي أو الرجالي في غفلة عن تلكم الشروط المحددة لجوهر وهوية الأدب والإبداع في حد ذاته أن يكون عملية محدودة الآفاق والأفق، ومنحشرة في زاوية سؤال الوظيفة، ولا ترتهن بسؤال الماهية الذي يهب الخلود للأدب أكثر من سابقه…

وتسهم كريستا وولف (Krista Wolf) في مقاربة هذا الإشكال، حيث يقوم تصورها للكتابة النسائية على شرط مكين وهو: “أننا لا نتحدث عن وجود كتابة نسائية، إلا إذا كانت هذه الكتابة تعبر عن تصور المرأة للعالم، يكون مختلفا نوعيا عن تصور الرجل”[27]. ولعل هذه الخلفية النظرية تمكننا من البحث عن الاختلاف النوعي للكتابة النسائية واختلاف أسبابها وروافدها… إذا عدنا إلى الواقع، نجد أن الكتابة النسائية ارتبطت بأسباب تاريخية وبيولوجية واجتماعية خاصة. تكمن هذه الخصوصية في كون المرأة تتحمل الواقع المعيش بشكل مختلف عن الرجل، وتحاول أن تجد موقعها في مجتمع ذكوري ينظر إليها نظرة دونية، ويعتبرها إنسانا من الدرجة الثانية. ويشير الكاتب إلى مواقف متعددة من الكتابة النسائية وإمكانية بقائها أو زوالها، حيث انقسم النقاد والمهتمون بالموضوع إلى مؤيدين، ومعارضين.. مثلا: يشير إلى رأي الناقد حميد لحميداني، إذ يرى أنه “بمجرد زوال مثبطات هذا النوع من الكتابة، وتحسن أحوال المرأة الاجتماعية، ستضعف تدريجيا، خصوصية الكتابة النسائية.. بل إن خصوصية هذا النوع من الكتابة ستنمحي نهائيا”[28]، ولا أدري متى ستزول هذه المثبطات صراحة، وما إن كانت هي المسؤولة عن ظهور هذا النوع من الكتابة أم لا، وما إذا كان الكل -رجالا ونساء- سيحتمون بالإبداع في شموليته ويستعصمون بحبله الأبقى والأنقى بعيدا عن كل تفسيرات وتحاملات إيديولوجية تذكي الصراع أكثر مما تخلق الوفاق؟؟ نشدانا للكمال ما أمكن، وتخليد التجربة الإنسانية في بعدها الجمالي والفني والكوني في تعال عن الزمن والمكان أو التاريخ واشتراطاته التي قد تجعل الفعل الكتابي، والحالة هاته، طي النسيان يوما ما. ولا بد أن نشير إلى الموقف الوسطي الذي احتمى به الكاتب اتجاه هذه المواقف المتضاربة (كما أعلنه في ص 32). وهو موقف له وجاهته ويثمن في مثل هكذا سياقات.

في الفصل الثاني يقارب الكاتب تجربة الكتابة عند سحر خليفة باعتبار التجربة حيزا تطبيقيا لاختبار التصور النظري للكتاب واختبار جهازه المفاهيمي، حيث يستقصي موضوعات: الحرية، والالتزام، والأنا، والآخر.. وعلائقها المتشابكة مع الكتابة، وقد اعتمد الكاتب روايتي: “عباد الشمس” و”مذكرات امرأة غير واقعية”.. لسحر خليفة، محفلا لمساءلة ومحاورة التجربة الكتابية عند المرأة، والوقوف عند تجليات وارتهانات تلك الموضوعات فيها، وقد استند إلى العديد من الدراسات والمراجع المسعفة في توثيق وتأكيد ما ذهب به إليه مسارُ البحث والدراسة من نتائج واستقصاءات، وهذا يؤكد الغنى المعرفي عند الكاتب وسعة الاطلاع لديه. ولعلنا أشرنا، تصريحا أو تلميحا، إلى هذه الخاصية التي يمتاز بها الكاتب، وذلك في الصفحات الأولى من هذه الورقة. وتجد هذه الفكرة ما يسندها في تعدد الكتاب الذين اتكأت عليهم الدراسة لتستسند مخرجاتها، ومنهم: محيي الدين صبحي، محمد رجب الباردي، إميل حبيبي، محمود درويش، محمد نور الدين أفاية، شمس الدين موسى، مصطفى حجازي، ميشيل فوكو، رولان بارث، خناثة بنونة، كارمن البستاني، سامية أسعد، لطيفة الزيات… واللائحة طويلة.

من هنا، وفي ظل هذه التجاذبات، تغدو الكتابة النسائية ظاهرة جماهيرية تهدف إلى إضفاء الشرعية على التجربة النسائية التي كانت مهمشة عبر التاريخ في المجتمع الإنساني ككل، وكانت تعد تجربة ثانوية. لقد كانت النساء محرومات من التعبير عن أنفسهن، ومنهن من كن يكتبن بأسماء رجالية مستعارة مثل مودي إيتون – رولنغ – إليوت- فيرنون لي- كاترين برادلي وإيديث كوبر[29]. لكن الكتابة النسائية اليوم، أضحت واقعا فرضه تحرر المرأة وكرسه الخطاب المعبر عن النوع الاجتماعي، والذي هو شكل من أشكال تعبير المرأة عن ذاتها وعن رؤيتها للعالم. في ظل هذا الربط، يمكن أن نتبين الملامح المميزة لهذا الخطاب. لأنه حينما نربط هذا الخطاب بالنوع الاجتماعي، فهذا يمكننا من النظر إليه باعتباره ظاهرة اجتماعية ثقافية معقدة تختزل الوعي الأنثوي الذي له خلفية جندرية.

ولعل هذه النقطة الأخيرة المحملة بالنزعة الإيديولوجية، والتي يتلبس بها خطاب الحركة النسوية، التي كانت جزءا من نسق عام يؤسس نفسه اعتمادا على التطورات والنقلات التي كانت تحدث في ميدان المعرفة والعلوم الإنسانية والسياسية منذ الستينيات، هذه الملابسات هي التي جعلت البعض ينفر من النسوية وخطاباتها، نظرا لما يبشر به المفهوم من تغيير وتحول في نسق العلاقات الاجتماعية على أساس المساواة، ومراجعة جذرية لمسألة النوع في أبعادها الثقافية، والتربوية، والإعلامية، والاجتماعية، والسياسية، وحتى والقانونية. وهذا “حال النسوية في الثقافة العربية، وما يرتبط بها من نقد وكتابة نسائيين، لا يمكن الخوض فيهما بمعزل عن التيارات الفكرية والفلسفية واللسانية التي كانت تفرض نفسها على أهل الفكر والثقافة باعتبارها إبدالات وتشييدات فكرية قمينة بتأسيس فهم جديد بالظواهر والممارسات الثقافية العربية”[30].

رابعا: شاغل اللغة في الكتابة النسائية

لقد أثار هاجس اللغة التي ينبغي أن تكتب بها المرأة، أو التي تكتب بها ابتداء، الكثير من الإشكالات وأسال الكثير من الأمداء، إذ اللغة في أصلها -حسب هذا التوجه- من وضع ذكوري، فهل يستقيم أن تعبر المرأة عن ذاتها وخصوصيتها وانشغالاتها بما ليس لها؟ أي بلغة ذكورية؟ أم الرهان الذي ترتديه يستدعي منها بذل جهد مضاعف وخوض ثورة أخرى تكون اللغة هي المستهدفة بها؟ فتفتح المرأة بهذا جبهة نضال أو حرب أخرى لا تدري ما تخبئه لها على ناصيتها الأيام، أنصرا مظفرا أم خيبة وإهدار جهد بلا طائل أو منجز متحقق عمليا؟ وقد شغل هذا الموضوع الكثير من الكاتبات والكتاب عربيا وعالميا: أبرزهم: جوليا كريستيفا، وفيرجينيا وولف، وسيمون ديبوفوار، وعربيا عبد الله الغذامي…

وقد عالج الكاتب مفهوم اللغة ووظائفها (التعبيرية والمرجعية والإفهامية)، ثم دور التركب في تشييد المعنى وصونه، دون أن نغفل ذات القارئ وسجلاته الثقافية والاجتماعية، طبعا، ودورها في صناعة المعنى، وتشييد أثر العمل الأدبي في نفسه، وهنا، سيلقي الكاتب عصا التسيار في حقل الإيديولوجيا وعلاقتها باللغة، حيث إن “الكلام يصاغ من جانب مستخدميه بوصفه نشاطا له هدف في مجال أو دائرة الفعل الإنساني”[31]. لينتقل بشكل سلس تم الاشتغال عليه مسبقا، وبقصدية تخدم توجهات الكتاب في الدراسة للكتابة النسائية، فيسائل الكاتب البعد السلطوي الاجتماعي للغة، التي وإن كانت تحقق التواصل بين الشعوب فإنها أيضا، تقوم بدور الرقابة والكذب والعنف، والاحتقار والقمع والتمرد، والتحدي والرغبة والرهبة، وهي مجال للكبت والتفريغ أيضا[32]، حسب رشيدة بنمسعود…

وفي هذا الصدد، نجد أن سيمون ديبوفوار لم تكن تقصد “أن الكتابة هي السبيل الوحيد الذي يضع الخريطة النفسية والاجتماعية لذاتية المرأة، ولم تكن تعني أن الكتابة الشعرية والفكرية ستجعل المرأة حقيقة فاعلة في تموُّج العالم، حيث تقول: ليست الأفكار والأشعار هي التي تُؤدي إلى تحرير المرأة”[33]، فبينما يهيمن الرجل عن طريق الكتابة الوظيفية التي تجعله يسيطر على مجالات السلطة والمعرفة وبالتالي القوة، حيث تعتبر اللغة هي فضاءه المثالي لابتكار وتشييد القيم، وفرض سيكولوجية السلطة الذكورية على الواقع. من هنا، يقف الكاتب على الأشكال أو السجلات اللغوية في ارتباطها بالسلطة والتحيز ونزوعها للرد بالكتابة على المركزية الذكورية للغة، وذلك في الثقافة العربية بشكل عام، ومن هذه السجلات: الأمثال الشعبية، اللغة الساخرة، الخطاب الديني في بعض أوجه فهمه وتفسيره المشوبة…

وفي سياق الطابع الذكوري للغة وهيمنته، نجد الكاتبة والباحثة اللسانية الفرنسية “مارينا ياغيلو” أصدرت كتابا بعنوان “الكلمات والنساء” صدر في طبعة جديدة، عن دار النشر مكتبة بايو الصغيرة، باريس عام 2002م، يعالج في الفصل الرابع موضوع: لغة الرجال ولغة النساء. وهو فصل تنتصر فيه الكاتبة إلى وجوب النظر إلى الفروق اللغوية بين الذكر والأنثى على أنها مسألة ثقافية لا دخل فيها للطبيعة[34].

إذا كانت السلطة للرجال، أفلا تكون القوة للنساء؟ هل من الواجب على النساء تبني لغة الفحولة ما دامت هذه الأخيرة النموذج السائد، الذي يحظى بمكانة مرموقة في المجتمع؟ ففي كل علاقات الهيمنة، ينتهي الحال باللغة المهيمَن عليها إلى الذوبان في اللغة المهيمِنة. من هنا، تردف أنه “يمكننا توقع زوال الفروق اللغوية بين الرجل والمرأة كلما توحدت أنماط عيشهما، وتلقت النساء التربية التي يتلقاها الرجال وحصلن على نفس الوظائف (التي كانت حكرا على الرجال)، ما دام التمييز بينهما ظاهرة اجتماعية”[35]. ولكن هذا القول والتسليم به، والعمل به، ربما تكون له مسؤولية كبرى في ظهور أنواع من السلوك البشري، بل وفئات من المجتمع الغربي من المثليين في الرجال والنساء، لأنه يشجع على هدم كل الخصائص المميزة لجنس عن آخر، والكل يصير على مقاس واحد، خاصة لما ندعو إلى توفير بيئة من نفس الشروط للتنشئة، ونترك مهمة اختيار الجنس أو البروفيل الذي سيكونه الشخص (رجلا أو امرأة) على عاتق الشخص نفسه وعلى هواه، في إعراض مقصود عن كل الخصائص البيولوجية والفيزيائية، والخِلقية، لهذا الشخص.

إن تثوير اللغة، وتقويض مواطن الإساءة فيها للمرأة، يمكن تحقيقه بنسبة ما، لكن من خلال اختيارات سردية إبداعية، تكون مرنة، وكيسة فيما تسعى إليه حتى لا تنكفئ على ذاتها خائبة، من هنا، اختارت الكثير من الكاتبات الشكل الجديد للرواية بما تتيحه من إمكانات فنية ولغوية تسهم في جعل المرأة تبلغ صوتها، وتثور على الواقع دون أن تخسر ذاتها، أو تُعْمِل مِعْوَل الهدم في الشيم والمعطوب من قيم المجتمع، فوظيفة الرواية -كما رآها سيرفانتس- تتمثل في محاولتها إماطة اللثام عن الوعي الزائف الذي تغلغل عبر السرد ومحكي الذات في ذهن المتلقي[36]… ويؤكد محمد برادة ما ذهبنا إليه إذ يقول: “لقد أصبح تعدد السراد والأصوات في الرواية الحديثة استجابة جمالية استيتيقية لمقتضيات تنسيب الحقيقة، وترجمة الشك والارتياب التي باتت تطبع موقف الإنسان من ذاته ومن الآخر ومن العالم”[37].

خامسا: البناء المنهجي في الكتاب

يتحدد النقد -حسب إتيامبل René Étiemble- باعتباره عملية الفصل والتمييز بين الأعمال الأدبية، والحكم عليها، طبعا، وفق رؤية وعُدة منهجية ومعرفية دقيقة، تميز الناقد المختص عن القارئ العادي أو الناقد الصحفي.. وحسب “آن موريل” -Anne Maurel- فالنقد الأدبي عملية ذهنية وممارسة معرفية وعلمية تتوخى إما الحكم على الأعمال الأدبية اعتمادا على منظومة من القيم، وإما التعرف عليها وتفسيرها، وتؤكد أن النقد، في كل هذا، يسنده شرط أساس وهو المعرفة[38]، أي إطار نظري وخلفيات معرفية تؤسس رؤية ما محددة للعمل الأدبي، وتمكن صاحبها من عُدة منهجية وجهاز مفاهيمي محددين حتى تأتي مخرجات العملية النقدية ذات ميسم علمي وموضوعي ملزم إلى حد بعيد، وحتى تتسم هذه المخرجات بالجِدة أيضا، وهنا، بصمة الناقد في اشتغاله على الأعمال الأدبية التي تقَصَّد إعمال مِشرط النقد فيها.

إن أية تجربة نقدية تتوخى الموضوعية في تعاملها مع العمل الأدبي، وتتقصد الإفادة بما تصل إليه من مخرجات في اشتغالها على الأدب، لا بد لها من ثلاثة شروط أساسية، تطبع العملية النقدية بميسم العلمية ما أمكن، وهي:

1- الضبط المنهجي وتحري الموضوعية، بصدور الناقد عن معايير ومقاييس تعصم النقد من الانطباعات العفوية والنزعات الشخصية، واعتماد منهج مستمد من العلوم الإنسانية (علم النفس، علم الاجتماع..) أو اجتراح منهج جديد يتسم بالعلمية، كما فعل الشكلانيون الروس حين نظروا إلى الدقة والصرامة في علوم اللغة، فحاولوا الإفادة منها في النقد الأدبي، كما تقتضي الموضوعية، من الناحية التطبيقية، تحديد المراحل والخطوات التي سيمر منها الناقد الأدبي في عمله ببسط خطواته وطريقة العرض لديه، وأكيد لن تُجْدِ الموضوعية نفعا ما لم يطبعها الناقد بطابعه الخاص وبتجربته، فيكون هنا الرجوع إلى الذاتية أمرا لا مفر منه. تشير آن موريل إلى أن “هناك علاقة بين غرض إتقان النقد أو الحكم النقدي الجيد والقراءة الجيدة المتوازنة والموضوعية، فالنقد متى علم كيفية إجادة القراءة كان له فضل كبير على القراء”[39]. وتؤكد الكاتبة على ضرورة أن يتخلص النقد من ضغوط الإيديولوجيا التي تحتم على القراءة النقدية أن يكون فيها شطط وتسرع كبيرين في بناء الأحكام واستخلاص النتائج.

2- ضبط المصطلح بمعرفة حمولته الفلسفية والفكرية، ونقله بدقة إلى مجال استثماره الجديد، وتبيئته لجعله مساهما في إضاءة النص، كما تطمح إلى ذلك البنيوية مثلا، لا مساهما في تعميمه فيصبح النقد ميتالغة أي ينتقل من كونه لغة واصفة ووسيلة للفهم إلى كونه هدفا وغاية. فتضيع على الناقد المقاصد الكبرى والآكد من العملية النقدية ألا وهي: فهم وتحليل وتفسير العمل الأدبي، وإضاءته واستكشاف جواهره وما يستجيب لتطلعات المجتمع والإنسان عامة فيه، دون إغفال القيمة الأدبية والفنية في هذا الأدب، إذ هي التي تعطيه هويته وخصوصيته وميسمه البارز كخطاب إبداعي خلاق.

3- الإبداع في النقد أو ضرورة توفر التجربة الفنية عند النقاد كما هي متوفرة عند الأدباء، هكذا تصبح العملية النقدية منتجة ومثمرة تقدم الجديد في اشتغالها على النص الأدبي، وبطريقة تشد القارئ إليها وتقنعه بجدتها وتميزها. بل يصير النقد بهذا، مقصدا وغاية تُرغب، وتُطلب لدى كل قارئ، فتتعزز الملكة النقدية عند كل قراء الأدب، وهذا سيسمو بمعايير النقد، ويسهم في ازدهار وتقدم الأدب أيضا.

ضمن هذه الأرضية والمشترطات نجد الناقد عمرو كناوي قد ارتهن بالمنهج الوصفي كثيرا في هذه الدراسة، ولم ينشغل بالشكل الكافي -حسب رأينا- بممكنات المنهج التفسيري واقتداريته على إبراز شخصية الدارس وإسهامه الجديد في الدراسة، إذ الفعل النقدي لا بد أن يرهن نفسه بتقديم الجديد، لا أن يقف عند المُهيأ سلفا، يعيد ترتيبه وتنضيده وعرضه على القراء، وأين؟ وضمن أية شروط؟.. في ظل بيئة وثقافة وحياة تتطور وتتغير باستمرار، سريعة متقلبة على شتى المناحي، بل التغير والتحول قانونها الناظم، لهذا، نرى أن الدارس حجم نفسه كثيرا، وكان بخيلا أو شحيحا إما تأدبا، أو التزاما بضوابط القراءة الوصفية، لكن هذا الاختيار، في كل الأحوال، حرمنا الوقوف على رؤية جديدة غنية تتحفنا في هذا الكتاب، حول الأدب والكتابة النسائيين، اشتراطاتهما وارتهاناتهما المستقبلية في ظل المتغيرات الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، والحقوقية.. العالمية وحتى المحلية عربيا ومغربيا في العصر الحديث، كما أنه حجَّم إمكاناته المعرفية والمنهجية التي تسهم في تقديم الجديد في مجال وانشغال نقدي وثقافي ما زال يُسيل الكثير من الأمداء، ويغري الكثير من الأقلام للخوض فيه.

إن الارتهان بالمنهج الوصفي وسيلة مستسعفة في القراءة والتعامل مع الإبداع الذي شرطه التَّفَلُّت والتنوع، وتعدد القصديات، ولا نهائية الدلالة… لأنه نتاج تجربة إنسانية حبلى، تتقاطع فيها شروط الكينونة الإنسانية، التي تعتبر أكثر تعقيدا في العصر الراهن، إن اجتماعيا، أو نفسيا، أو ثقافيا، أو سياسيا… إلخ. يكون خيارا محدود المرامي، ولا يلامس التخوم الممكنة التي تتطلع إليها الدراسة النقدية باشتراطاتها النظرية الجديدة، فتكشف تلك التفاعلات الخبيئة بين الأدب والتاريخ والثقافة والمجتمع والسياسة وغيرها… وهنا، سمة الإبداعية في النقد التي دعونا إليها أعلاه، وإن هذا المبتغى الأخير لا تتيحه إلا القراءة أو المنهج التفسيري والتحليلي الذي ينتهي باستخلاصات تمكن الناقد من الحكم على العمل الأدبي، وإظهار قيمته الفنية والإبداعية المائزة.

ونذهب إلى أن الملاحظات السابقة لا تنتقص من قيمة الكتاب، بقدر ما تروم الإلماح إلى أنه كان في الإمكان أكثر مما هو متحقق ههنا، بالنظر لإمكانات الباحث اللغوية والمعرفية والثقافية، والمنهجية أيضا، وغنى التجربة والخبرة النقدية لديه. ولا أدل على ذلك من توسله بمياسم من المنهج الموضوعاتي في كشف القضايا الاجتماعية والإنسانية في الأعمال الإبداعية المدروسة للروائية الفلسطينية سحر خليفة، مثل الإبداع والكتابة النسائية، وعلاقتها بالحرية والالتزام[40]، والعلاقة مع الآخر، وقضايا التفاعل المجتمعي، والحب، والثورة والرغبة في التغيير… وغيرها. حيث “الحب الذي تتصوره المرأة مقدسا سيضحي حُرقة وبلاءً، واحتضانا للآخر وذوبانا فيه… إنه عشق بنكهة الاستعمار، حسب تعبير نزار قباني. فكل تصور في غير هذا الاتجاه يسيء، حتما، إلى علاقة المرأة بالرجل، ويؤدي إلى حدوث قطيعة بينهما.. وقد يتحول إلى سخط عارم على الثورة والحي والرجل جميعا..”[41].

وقد توسل الكاتب، كذلك، بمياسم المنهج البنيوي والبنيوي التكويني، يسندان بعضهما، للوقوف على ممكنات اللغة في التجربة الإبداعية المدروسة، إن على المستوى النحوي، والتركيبي، والمعجمي، والدلالي.. وارتباط اللغة بالقيم والدين والسلطة… وتنوع السجلات اللغوية في المتن المدروس حسب ما وقفت عنده الدراسة في الفصل الثالث، إضافة إلى تقنيات الوصف المتعددة، وصور حضورها في الشعر العربي القديم وحتى عند الغربيين، ثم تجلياتها في أعمال سحر خليفة المحددة في رواية: “الصبار”، و”عباد الشمس”، و”باب الساحة”. لتضطلع هذه التقنيات بوظيفة “إتاحة التأمل وإيقاف الدفق الزمني”[42]، وإعادة ترسيم المكان وجغرافيته ومؤثثاته، لتجذير الارتباط بالوطن الفلسطيني، واعتباره جزءا من الكينونة والهوية لدى سحر خليفة وكل الشعب الفلسطيني.

ولا تفوتنا، هنا، إشارة سريعة إلى قوة اللغة وسلاستها في آن معا، في هذا المتن المدروس، لغة مُتَقَصِّدَةٌ ما ترومه العدة والرؤية النقدية عند الباحث، وهي، في ذات الوقت، لغة مُقْتَصِدَةٌ، لا تطلق الأعنة لاستمداد التحليل والتفسير، واسترفاده من السجلات الثقافية، والاجتماعية، والنفسية، والتاريخية، وما ينضح به الواقع من قضايا، وصراعات، ونكبات، وانكسارات، خاصة على المستوى الفلسطيني، ثم التطلعات الإنسانية لتجاوز الواقع الماثل، وتخليق واقع أكثر تكاملا، وأكثر انسجاما وامتلاء بهواء الحرية والعدالة…إلخ. وذلك لإغناء الدلالة ومخرجات الدراسة، والدفع بها إلى أقصى التخوم الممكنة. وهذه الشروط التي ارتضاها الباحث ههنا، لا تمنع كون الدراسة غنية، ومادة دسمة لكل قارئ، سيجد الكل فيها ذاته من القارئ المتخصص إلى القارئ المبتدئ والعادي. وهذا من حسنات الكتاب في التعريف بقضية شائكة، أرضية الاختلاف فيها ربما أكثر من أرضية الاتفاق، وهي قضية الأدب والكتابة النسائية، اشتراطاتها، مقوماتها، تطلعاتها ورهاناتها، في مجتمع القرن الحادي والعشرين.

على سبيل الختم: آفاق الكتابة النسائية (مساءلة الكتاب)

هكذا، ومن محاورتنا لمتن هذه الدراسة، وتوسيع نطاق هذا الحوار ليستدمج آفاقا وأصواتا أخرى، تسهم في إغناء الحوار، ومقصدياتنا منه -حسب السياق والمناسبة- نخلص إلى أن الكتابة النسائية تعتبر موضوعا متشعب الخطوط والانشغالات في واقعنا اليوم، خاصة مع تفجر النظرية الثقافية ونظريات المعرفة، بله، النظريات والتوجهات النقدية، وتعالقها مع الثقافة والتجربة الإنسانية بكل اعتمالاتها، إلى جانب المعرفة ومستجداتها في الحقول الأخرى، إذ المرأة حاضرة في كل مجالات وجوانب الحياة، فهل يكون الحديث عن الكتابة النسائية الأدبية كافيا لتوصيف المرأة وإدراك أسرار الفعل الكتابي عندها، ودوافعها وارتهاناتها منه؟ بالتأكيد هذا غير صحيح، ولهذا، سيمتد الفعل النقدي ليلامس كل أشكال الكتابة النسائية، يروم القبض على خصائصها وممكناتها.

إن المنجز السردي النسوي، وإن كان يبحث في أسئلة مشروعة، كأسئلة الهوية، وأسئلة الثقافة والسلطة، والحرية، والعدالة.. فإن ذلك يتم في سياسات سردية تحفر عميقا لتنضج “أسئلة تضع صورة الرجل في حالة اهتزاز تجاه ما يرث من ثقافة وسلطة”[43]، فتصبح القوة الرمزية التي تكتسيها الأنثى معادلا للسلطة التي تمارس على الأجساد.

ورغم وجود مثل هذه الآراء التي تتَقَصَّد الدفع بقضية الكتابة النسائية اتجاه أفق النِّدِّية والمجابهة والصراع مع كتابة الرجل، فإننا نؤكد على أن الأمر لا يحتمل مثل هذه التخريجات والتوصيفات، لأنها هدامة أكثر مما تكون بناءة، ثم ثانيا، هناك خصوصية وعناصر مائزة لكل تجربة إبداعية، والعالم الذي تنهل وتمتاح منه طاقاتها وقواها التعبيرية… ولكن الأفق الذي ترتهن به كلا التجربتين هو الأفق الإنساني وإغناؤه، والدفع بحلم اكتمالية الحياة إلى أقصى التخوم الممكنة، من هنا، تصير الكتابة النسائية إلى جانب الكتابة الرجالية، كلاهما مهم وضروري، يغني صرح الإبداع والنتاج الفكري، والثقافي الإنساني، من منظورين ينبغي أن يشتغلا ويتعايشا معا، يحققان التكامل والتناغم في سبيل تلكم المقاصد والمرامي الكبرى السالفة الذكر.

لقد حاول الدكتور عمرو كناوي، الوقوف على أهم خصائص الكتابة النسائية من حيث القضايا والارتهانات الاجتماعية والثقافية، وخصوصياتها على مستوى اللغة والمعجم والتخييل.. أحيانا كثيرة مما يهبها هوية خاصة، ويسهم في تعزيز مكانة المرأة إلى جانب الرجل في المجتمع، إذ كلاهما عماده، وعليهما المعول في نهضته وتقدمه.

إن ارتهان الباحث بالمنهج الوصفي كثيرا في الدراسة، وتحجيم الإفادة من ممكنات المنهج التفسيري واقتداريته على إبراز شخصية الدارس وإسهامه الجديد في الدراسة، أدى إلى خلق ابتسار غير مقصود في هذا البحث القيم، الشيء الذي حرمنا الوقوف على رؤية أكثر جِدَّةً وغنى، تتحفنا في هذا الكتاب، وتسهم في تقديم الجديد في مجال وانشغال نقدي وثقافي ما زال يسيل الكثير من الأمداء، ويغري الكثير من الأقلام للخوض فيه.

وهذا لا يعفينا من الوقوف على مميزات وخصائص ذات قيمة كبيرة في هذه الدراسة أهمها:

  • العمق المعرفي في الكتاب وغنى التصور الذي يقدمه الكتاب دون مغالاة في التفصيل الممل.
  • الجرأة في اقتحام موضوع الكتابة النسائية ومعالجته نقديا، وعبر نقد النقد أيضا.
  • قوة اللغة وسلاستها في آن معا، مما يجعل الكتاب مادة دسمة لكل قارئ، الكل سيجد فيه ذاته من القارئ المتخصص إلى القارئ المبتدئ والعادي.
  • راهنية الكتابة النسائية وتشعب القول فيها مما يجعل كل إسهام جهدا في التنوير والمعالجة، وليس حلا قطعيا ونهائيا في هذا المجال مهما كانت مخرجات هذا الإسهام.

إجمالا يمكن القول إن الكتابة النسائية تشهد تناميا مطردا، إن على مستوى الكم أو على مستوى الكيف، وهذا التنامي يعكس جوانب جديدة لدور المرأة ومكانتها في العالم، مما يعد مؤشرا على أنها تزيل الملامح العامة المحددة للصورة النمطية للمرأة ودورها التقليدي في المجتمعات الإنسانية، لتبني صورة جديدة وتدافع عنها حتى تصير مكرسة ونمطا بديلا عن المتجاوز، وهي صورة نعتقد أنها آخذة في التشكل مع تنامي النشاطية الإبداعية والثقافية النسائية… بالتالي، فإن هذا يُمَكِّن من الانتقال من الإبدال الفكري القديم إلى إبدال جديد ضابط للعلاقات بين الرجل والمرأة على أسس نوعية وثقافية واجتماعية… جديدة.

وختاما نود التأكيد على قيمة الأدب والإبداع، مهما كان مُنتِجه ومُنشِئه، فإنه يبقى أدبا جديرا بالقراءة والإفادة منه ما يغني أفقنا الإنساني، وشخصيتنا ثقافيا، وقيميا، واجتماعيا، وجماليا… يقول محمد خرماش:

“من المعلوم أن الأدب خطاب يجمع بين الفن والفكر أو بين المتعة والفائدة، ونظرا لأنه يعتمد الخيال كما يعتمد الوقائع والحقائق، ويستنفر الانفعالات والعواطف كما يستفز الأفهام والأوعاء، فقد اختلف في تقديره وتقويمه بحسب غلبة هذا العنصر أو ذاك وبحسب وجهة النظر التي ينطلق منها الكاتب أو التي ينطلق منها القارئ أو الناقد، ولذلك فهو الخطاب الذي يمكنه أن يتمثل سائر الخطابات في داخله أو من خارجه”[44]. ومن هنا فهو وثيق الصلة بالثقافة، وواحد من مكوناتها، ورافد من روافدها… وهذا واضح بشكل جلي لما نجد جميع التيارات الفكرية والسياسية والثقافية تركب صهوة الأدب من أجل تمرير خطاباتها، وتبرير مواقفها، وتأكيد نزوعاتها ونزعاتها، إيمانا منها بأن الأدب هو بؤرة الثقافة ومركز تقاطعاتها والممثل الجامع لروح العصر -كما يقول دلتاي-.

(محمد مَعْطَلا*  كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس، المغرب)

لائحة المراجع المعتمدة في الدراسة:

لائحة المراجع المعتمدة في الدراسة:

  1. Aubaud, Camille, (1993), lire les femmes de lettres, Paris, Dunod.
  2. الخضراوي، إدريس، (2007م)، الأدب موضوعا للدراسات الثقافية، ط1، الرباط، جذور للنشر
  3. موريل، آن، Anne Maurel، (2008م)، النقد الأدبي المعاصر مناهج اتجاهات قضايا، الطبعة الأولى، ترجمة إبراهيم أولحيان ومحمد الزكراوي، القاهرة، المركز القومي للترجمة، العدد 1179،.
  4. 4.  قاموس المعاني، وكذلك، موقع الويكيبيديا على الأنترنت: https://ar.wikipedia.org/wiki/إستراتيجية
  5. 5.  ماشيري، بيار، (Pierre Macherey)، (2009م)، بم يفكر الأدب تطبيقات في الفلسفة الأدبية، ط1، ترجمة جوزيف كريم، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.
  6. تودوروف، تزفيتان، وآخرون، (1989م)، في أصول الخطاب النقدي الجديد، ط2، ترجمة وتقديم أحمد المديني، الدار البيضاء، عيون المقالات، مطبعة النجاح الجديدة.
  7. الصكر، حاتم، (1994م)، الكتابة بالذات، عمان، دار الشروق.
  8. إرندت، حنة، (2015م)، الوضع البشري، ط1، ترجمة هادية العرقي، الرباط، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، لبنان، جداول للطباعة والنشر والتوزيع.
  9. الخمليشي، حورية، الجماليات النسوية العربية والإسلامية في الخطاب الإبداعي، موقع مؤمنون بلا حدود، بتاريخ: 18/11/2015م. https://cutt.us/A17NU
  10. 10.  أم السعيد، حياة، (2019م)، تجليات محكي الذات والتاريخ في الرواية النسوية العربية، ضمن الكتاب الجماعي: محكي الذات والتاريخ في الرواية العربية، ط1، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة.
  11. 11.  العربي، ربيعة، هل الكتابة النسائية موجودة، جريدة الحوار المتمدن، العدد 7209، بتاريخ: 02/04/2022م. https://cutt.us/8oPD9
  12. الطالعي، رفيعة، (2005م)، الحب والجنس والجسد، ط1، بيروت، مؤسسة الانتشار العربي.
  13. ويليك، رينيه، (René Wellek)، ووارين، أوستين، (Austin Warren)، (1981م)، نظرية الأدب، ط2، ترجمة محيي الدين صبحي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
  14. 14.  سيم، ستيوارت، (2011م)، دليل ما بعد الحداثة، الج 1، ما بعد الحداثة تاريخها وسياقها الثقافي، ط1، ترجمة وجيه سمعان عبد المسيح، القاهرة، المركز القومي للترجمة.
  15. 15.  مسكين، سعاد، (2019م)، المحكي النسائي المغاربي الذات والاختلاف، ضمن الكتاب الجماعي: محكي الذات والتاريخ في الرواية العربية، ط1، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة.
  16. 16.  عياد، شكري، (1972م)، الرواية العربية المعاصرة وأزمة الضمير العربي، عالم الفكر، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مج 3، الع 3، أكتوبر.
  17. 17.  ذياب، صفاء، الكاتبة العراقية تبحث عن خصوصيتها كامرأة، جريدة القدس العربي، العدد 8604، بتاريخ، 3أكتوبر 2016م.
  18. 18.  السلاوي، عز الدين، (1998م)، مبادئ النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ط1، مكناس، سلسلة دراسات وأبحاث، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ج. م. إسماعيل.
  19. 19.  كناوي، عمرو، (2021م)، ط2، فاس، استراتيجية الكتابة النسائية، مطبعة آنفو برانت.
  20. ياغيلو، مارينا، (2005م)، الأنوثة والبحث عن هوية ثقافية، ترجمة أحمد الفوحي، مكناس، مجلة علامات، العدد 24.
  21. مجلة عيون المقالات (1987م)، العدد 9 ـــ 10.
  22. برادة، محمد، (1993م)، الرواية أفقا للشكل والخطاب المتعددين، القاهرة، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مج 11، الع 4، عام.
  23. برادة، محمد، المرأة والإبداع، موقع الحوار المتمدن، بتاريخ، 20/11/2016م.
  24. عبد الله، محمد حسن، (2005م)، مداخل النقد الأدبي الحديث، ط1، القاهرة، الدار المصرية السعودية للنشر.
  25. خرماش، محمد، (2009م)، الفكر الأدبي العربي المعاصر بين ثقافة المقاومة ومقاومة الثقافة، مكناس، مجلة علامات، العدد 32.
  26. كمال، محمد، النسوية الأكاديمية تجنح إلى تفكيك أنساق الهيمنة والتواطؤ الثقافي، جريدة الأيام، العدد 8279، بتاريخ 10/12/1011م. الموقع الإلكتروني: https://cutt.us/UoK0a
  27. زيرافا ميشيل، (Michel Zéraffa) وآخرون، (1985م)، الأدب والأنواع الأدبية، ط1، ترجمة طاهر حجار، دمشق، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر.

هوامش وإحالات:


* أستاذ باحث، جامعة سيدي محمد بنعبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس، المغرب.

[1] زيرافا، ميشيل (Michel Zéraffa) وآخرون، (1985م)، الأدب والأنواع الأدبية، ط1، ترجمة طاهر حجار، دمشق، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ص:46

[2] عبد الله، محمد حسن، (2005م)، مداخل النقد الأدبي الحديث، القاهرة، الدار المصرية السعودية للنشر، ص: 140.

[3] ماشيري، بيار (Pierre Macherey)، (2009م)، بم يفكر الأدب تطبيقات في الفلسفة الأدبية، ط1، ترجمة جوزيف كريم، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ص: 12 – 13.

[4] ويليك، رينيه (René Wellek)، ووارين، أوستين (Austin Warren)، (1981م)، نظرية الأدب، ط2، ترجمة محيي الدين صبحي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص: 13.

[5] ويليك، رينيه (René Wellek)، ووارين، أوستين (Austin Warren)، (1981م)، المرجع نفسه، ص: 13.

[6] الخضراوي، إدريس، (2007م)، الأدب موضوعا للدراسات الثقافية، ط1، الرباط، جذور للنشر، ص:16.

[7] قد تكون هذه الدعوة على حسن نية خدمة للأدب، وصيانة له من تدخلات المتطفلين، أو بسوء نية، إبعادا لطابع العلمية، ما أمكن، عن كل دراسة أدبية جادة، تقوم على عدة منهجية، وتتبنى ضوابط علمية ما أمكنها ذلك. يناقش هذه الفكرة صاحب “نظرية الأدب” في الفصل الأول، لكنه لم يستقص القول فيها بشكل يجعلنا نسمي أصحاب هذه المحاولات.

[8] ويليك، رينيه (René Wellek)، ووارين، أوستين (Austin Warren)، (1981م)، نظرية الأدب، ط2، ترجمة محيي الدين صبحي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص: 13

[9] صحيح أن بعض المنظرين والدارسين ينكرون صفة المعرفة والعلمية عن الدراسة الأدبية، ويدعون إلى بديل يتمثل في “النقد الإبداعي” حسب رينيه ويليك، كوصف باتر للموناليزا، وهذا قد يفضي إلى نتائج غير محمودة، وعقيمة، بل يصبح النقد، بهكذا كيفية، عملية نسخ لا طائل من ورائها، أو ترجمة لعمل فني آخر، لكنها، للأسف، ترجمة رديئة ومتواضعة، لا تضيف للإبداع، بل تنتقص منه… ينظر، رينيه ويليك وأوستين وارين، “نظرية الأدب”، الفصل الأول.

[10] تودوروف، تزفيتان، وآخرون، (1989م)، في أصول الخطاب النقدي الجديد، ط 2، ترجمة وتقديم أحمد المديني، الدار البيضاء، عيون المقالات، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 24.

[11] السلاوي، عز الدين، (1998م)، مبادئ النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ط1، مكناس، سلسلة دراسات وأبحاث، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ج. م. إسماعيل، ص: 16.

[12] انظر قاموس المعاني، وكذلك، موقع الويكيبيديا على الأنترنت:

https://ar.wikipedia.org/wiki/إستراتيجية

[13] كناوي، عمرو، (2021م)، استراتيجية الكتابة النسائية، ط2، فاس، مطبعة آنفو برانت، ص: 18.

[14] كناوي، عمرو، 2021م، مرجع سابق، ص: 18. عن: الصكر، حاتم، (1994م)، الكتابة بالذات، عمان، دار الشروق، ص: 1.

[15] كناوي، عمرو، (2021م)، استراتيجية الكتابة النسائية، ط2، فاس، مطبعة آنفو برانت، 25-26.

[16] الكلمة من مقدمة كتاب كامليا عبود:

Aubaud, Camille, (1993) lire les femmes de lettres, Paris, Dunod, PP 07.

[17] ذياب، صفاء، الكاتبة العراقية تبحث عن خصوصيتها كامرأة، جريدة القدس العربي، العدد 8604، بتاريخ، 3أكتوبر 2016م، ص: 10.

[18] كناوي، عمرو، 2021م، مرجع سابق، ص: 22.

[19] برادة، محمد، المرأة والإبداع، موقع الحوار المتمدن، بتاريخ، 20/11/2016م.

[20] مسكين، سعاد، (2019م)، المحكي النسائي المغاربي الذات والاختلاف، ضمن الكتاب الجماعي: محكي الذات والتاريخ في الرواية العربية، ط1، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 28.

[21] الخمليشي، حورية، الجماليات النسوية العربية والإسلامية في الخطاب الإبداعي، موقع مؤمنون بلا حدود، بتاريخ: 18/11/2015م.

https://cutt.us/A17NU

[22] عياد، شكري، (1972م)، الرواية العربية المعاصرة وأزمة الضمير العربي، عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مج 3، الع 3، ص: 10.

[23] سيم، ستيوارت، 2011م، دليل ما بعد الحداثة، الج 1، ما بعد الحداثة تاريخها وسياقها الثقافي، ترجمة وجيه سمعان عبد المسيح، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ص: 72.

[24] إرندت، حنة، (2015م)، الوضع البشري، ط1، ترجمة هادية العرقي، الرباط، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، ص: 197.

[25] كناوي، عمرو، (2021م)، مرجع سابق، ص: 20-21.

[26] كناوي، عمرو، (2021م)، مرجع سابق، ص: 31.

[27] العربي، ربيعة، هل الكتابة النسائية موجودة، جريدة الحوار المتمدن، العدد 7209، بتاريخ: 02/04/2022م.

https://cutt.us/8oPD9

[28] كناوي، عمرو، (2021م)، مرجع سابق، ص: 32.

[29] العربي، ربيعة، هل الكتابة النسائية موجودة، جريدة الحوار المتمدن، العدد 7209، بتاريخ: 02/04/2022م.

[30] كمال، محمد، النسوية الأكاديمية تجنح إلى تفكيك أنساق الهيمنة والتواطؤ الثقافي، جريدة الأيام، العدد 8279، بتاريخ 10/12/1011م. الموقع الإلكتروني:

https://cutt.us/UoK0a

[31] كناوي، عمرو، (2021م)، مرجع سابق، ص: 84.

[32] كناوي، عمرو، (2021م)، مرجع سابق، ص: 85.

[33] أخذا عن مجلة عيون المقالات، (1987م)، العدد 9 ـــ 10، ص: 37.

[34] ياغيلو، مارينا، (2005م)، الأنوثة والبحث عن هوية ثقافية، ترجمة أحمد الفوحي، مكناس، مجلة علامات، العدد 24، ص: 118. (من مقدمة المترجم).

[35] ياغيلو، مارينا، (2005م)، الأنوثة والبحث عن هوية ثقافية، مرجع سابق، ص: 119.

[36] أم السعيد، حياة، (2019م)، تجليات محكي الذات والتاريخ في الرواية النسوية العربية، ضمن الكتاب الجماعي: محكي الذات والتاريخ في الرواية العربية، ط1، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 93.

[37] برادة، محمد، (1993م)، الرواية أفقا للشكل والخطاب المتعددين، مجلة فصول، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مج 11، الع 4، عام ص: 19.

[38] موريل، آن، Anne Maurel، (2008م)، النقد الأدبي المعاصر مناهج اتجاهات قضايا، ترجمة إبراهيم أولحيان ومحمد الزكراوي، الطبعة الأولى، القاهرة، المركز القومي للترجمة، العدد 1179، ص: 11. (بتصرف)

[39] موريل، آن، (2008م)، النقد الأدبي المعاصر، مرجع سابق، ص:25

[40] كناوي، عمرو، (2021م)، مرجع سابق، ص: 19 و23 و39 إلى 72.

[41] كناوي، عمرو، (2021م)، مرجع سابق، ص: 47.

[42] كناوي، عمرو، (2021م)، مرجع سابق، ص: 115.

[43] الطالعي، رفيعة، (2005م)، الحب والجنس والجسد، ط1، بيروت، مؤسسة الانتشار العربي، ص: 199.

[44] خرماش، محمد، (2009م)، الفكر الأدبي العربي المعاصر بين ثقافة المقاومة ومقاومة الثقافة، مجلة علامات، مكناس، العدد 32، ص: 121.

* أستاذ باحث، جامعة سيدي محمد بنعبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس، المغرب.