مضامين المقاومة في ديوان “أناشيد العودة” لجلول دكداك

ملخص البحث:

لقد اهتم شعراء المغرب بفلسطين اهتماما كبيرا، إيمانا منهم بأنها قضية عربية وإسلامية وإنسانية. ويهدف هذا البحث إلى التعرف على مضامين المقاومة في ديوان “أناشيد العودة” للشاعر المغربي جلول دكداك، كما يهدف من خلال ذلك إلى الوقوف على مساهمة الشاعر في دعم القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الصهيوني بالشعر. وقد قسمت البحث إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة، مع قائمة للمصادر والمراجع. فالمبحث الأول تطرق إلى الحديث عن الشاعر جلول دكداك وأهم أعماله، والحديث عن المقاومة وأدبها. أما المبحث الثاني فقد تطرق إلى مضامين المقاومة في ديوان أناشيد العودة. وقد اعتمدت على المنهج الوصفي، وتوصلت إلى مجموعة من النتائج منها أنّ الشاعر خصص مجموعة من أعماله لدعم القضية الفلسطينية، وأنّ ديوان أناشيد العودة غني بمضامين المقاومة المختلفة، وهي مضامين وظفها الشعراء الفلسطينيون أنفسهم، كما وظفها الشعراء العرب.

الكلمات المفتاحية: أدب المقاومة، المقاومة الفلسطينية، الشاعر جلول دكداك

مقدمة:

إن أدب المقاومة قديم قدم الإنسان والأدب، ويمكن القول إنه بدأ منذ أن أصبح الأدب يخدم قضايا الأرض والناس، فمثلا يمكن أن نجد ملامح المقاومة في بعض قصائد الشعر الجاهلي التي تدافع عن القبيلة وتنافح عنها، والأمر نفسه نجده في قصائد شعراء الإسلام وعلى رأسهم حسان بن ثابت الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم “اهجهم وروح القدس معك”، وهذا يؤكد أن المقاومة بالكلمة لا تختلف عن المقاومة بالسيف، وأن جهاد الكلمة يجب أن يسير إلى جنب مع جهاد السيف. ومن هنا يكتسي أدب المقاومة أهميته، فهو يسير جنبا إلى جنب مع المقاومة المسلحة، بل إنه في بعض الحالات يكون هو الفتيل الذي يشعل نيران البنادق. 

إشكالية البحث:

يتناول هذا البحث مضامين أدب المقاومة في ديوان “أناشيد العودة” للشاعر المغربي جلول دكداك، ومن هنا فإنه ينطلق من إشكالية تحاول الإجابة عن الأسئلة التالية: ماهو أدب المقاومة؟ وهل ساهم الشعراء المحدثون في أدب المقاومة بشكل عام، وأدب المقاومة الداعم للقضية الفلسطينية بشكل خاص؟ وما هي أهم مضامين المقاومة في ديوان “أناشيد العودة” للشاعر المغربي جلول دكداك؟

أهمية البحث وأهدافه وفرضياته:

تنبع أهمية البحث من كونه سيسلط الضوء على مساهمة شعراء المغرب في أدب المقاومة، وخاصة الشعر المرتبط بالقضية الفلسطينية، وذلك من خلال جرد مضامين المقاومة في ديوان “أناشيد العودة” للشاعر المغربي جلول دكداك. ومن هنا فإن الهدف الأساسي للبحث هو إبراز مساهمة الشاعر في أدب المقاومة بشكل عام، وأدب المقاومة الفلسطينية بشكل خاص. وينطلق هذا البحث من عدة فرضيات منها:

  • ساهم الشعراء المغاربة في أدب المقاومة بنصرتهم لفلسطين المحتلة من خلال أشعارهم.
  • ساهم الشاعر المغربي جلول دكداك في أدب المقاومة بشكل واضح ومباشر لأنه خصص ديوان “أناشيد العودة” للاجئين الفلسطينيين.
  • تطرق جلول دكداك لأغلب مضامين أدب المقاومة الفلسطينية كما نجدها عند أغلب الشعراء الفلسطينيين.

الدراسات السابقة:

لقد تطرقت العديد من الدراسات لموضوع أدب المقاومة، ولكني لم أقف على أي بحث تعرض لهذا الأدب ومظاهره ومضامينه في أعمال الشاعر المغربي جلول دكداك، ومن أهم الأعمال التي وقفت عليها:

  • أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966، غسان كنفاني، وقد قسمه إلى ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول أدب المقاومة بعد الكارثة أي نكبة 1948، وتناول الفصل الثاني البطل العربي في الرواية الصهيونية مقابل أدب المقاومة، أما الفصل الثالث فقد عرض فيه نماذج من شعر المقاومة لمجموعة من الشعراء أهمهم توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم.
  • الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968، غسان كنفاني. وقد تطرق فيها إلى الوضع الثقافي لعرب فلسطين المحتلة، وأدب المقاومة الفلسطيني، ونماذج من الشعر والقصة والمسرحية.
  • أدب المقاومة، غالي شكري، وقد قسّمه إلى ثلاثة أقسام: تحدث في القسم الأول عن بطل المقاومة في التراث الشعبي، وفي القصة والرواية، وفي القسم الثاني تحدث عن البطولة في المسرح العربي، وفي القسم الثالث تحدث عن البطولة في شعر المقاومة العربية.
  • أدب المقاومة الوطنية في الجزائر:1930-1962، لعبد المالك مرتاض، وقد رصد فيه صور المقاومة في الشعر والنثر الجزائريين.

منهج البحث وخطته:

اعتمدت في هذا البحث على المنهج الوصفي القائم على جمع المادة وتصنيفها وترتيبها مع التعليق عليها وإبداء الرأي الشخصي. وقد قسمت البحث إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة، مع قائمة للمصادر والمراجع. وقد ضمت المقدمة تقديما عاما للموضوع، وإشكالية البحث وأهميته وأهدافه وفرضياته والدراسات السابقة ومنهجه وخطته. وتطرق المبحث الأول للتعريف بالشاعر جلول دكداك، والتعريف بالمقاومة وبأدب المقاومة، أما المبحث الثاني فتطرق للحديث عن مضامين المقاومة في ديوان “أناشيد العودة”. وقد ضمت الخاتمة مجموعة من النتائج التي توصلت إليها.

المبحث الأول: التعريف بالشاعر وبأدب المقاومة

التعريف بالشاعر جلول دكداك([1]) وأعماله:

هو الشاعر المغربي جلول بن محمد بن محمد أبي نحيلات اليعقوبي، المشهور بجلول دكداك، والمعروف بشاعر السلام الإسلامي، ولد سنة 1943م، وتوفي سنة 2020م. وهو عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وله العديد من الأعمال الشعرية جمعها في مجموعة كاملة تحت عنوان عام هو : “نار وبرد وسلام”، و وزعها على عدة دواوين، منها: صيحة شاعر- بسمة حائرة- سياحة في رحم الوطن- تراتيل في محراب الغربة- لا تظلموا الأيام !- الحرية امرأة !- شمس الزمان الجديد – أنشودة عائلتي – التوبة المستحيلة (صراع الوجود مابين المسلمين واليهود)- أناشيد العودة (وهو ديوان خاص بقضية اللاجئين الفلسطينيين). وقد قام الشاعر بتنسيق وتقديم مع مشاركته بعدة قصائد في ديوان ملتقى الأدباء والشعراء بعنوان”فلسطين في الضمير الإسلامي والوجدان الإنساني”، منشورات نادي الفكر الإسلامي بالرباط. وكانت للشاعر مساهمة في كتابة المسرح سواء المسرحية النثرية أو الشعرية، ومن أعماله في هذا الباب:

  • “لا تسبقي القضاء” وهي مسرحية اجتماعية نثرية مثلتها فرقة التمثيل العربي بإشراف الأستاذ حمادي عمور، وقدمتها في حلقتين على أمواج الإذاعة الوطنية بمدينة الرباط عام 1964.
  • أوبريت”ناقوس أفراح”: مسرحية شعرية حصلت على الجائزة الأولى في المسابقة الشعرية الوطنية بالمغرب عام 1971.
  • أوبريت “نزهة”: مسرحية شعرية حصلت على الجائزة الأولى في المسابقة الشعرية الوطنية بالمغرب عام 1973.
  • أوبريت حكاية زهرة: مسرحية شعرية تم تقديمها في برنامج القناة الصغيرة بالتلفزة المغربية عام 1994م.
  • لا وقت للبكاء: مسرحية شعرية في خمسة فصول تتناول قضايا المسلمين الكبرى من خلال قضية البوسنة والهرسك.
  • جاء وعد الآخرة: مسرحية شعرية من فصل واحد تتناول الصراع الفلسطيني الصهيوني.

وقد كان الشاعر جلول دكداك أستاذا ومربيا، اشتهر بأدب الأطفال، وله في ذلك مشروع يعرف باسم”مغامرات طموح” وهو مشروع شعري تربوي تعليمي شامل متكامل، وقد صدر منه أهم محاوره وهو عرس الحرف. وبالإضافة إلى هذه الأعمال الأدبية والتربوية للشاعر عدة أعمال في النقد والقصة والرواية والسيرة الذاتية.

المقاومة:

ترتبط المقاومة في اللغة بالقيام بعزيمة، فقد جاء في المقاييس لابن فارس:” القاف والواو والميم أصلان صحيحان، يدل أحدهما على جماعة ناس، وربما استعير في غيرهم. والآخر على انتصاب أو عزم… وأما الآخر فقولهم: قام قياما، والقومة المرة الواحدة، إذا انتصب. ويكون قام بمعنى العزيمة، كما يقال: قام بهذا الأمر، إذا اعتنقه”([2]). والمقاومة صفة من صفات العزة والكرامة فقد قال العسكري في الفروق:” وقد قيل الذلة الضعف عن ‌المقاومة ونقيضها العزة وهي القوة على الغلبة”([3]). وتدل المقاومة على المصارعة والمواجهة فقد جاء في الصحاح:” وقاومه في المصارعة وغيرها. وتَقاوَموا في الحرب، أي قامَ بعضُهم لبعض”([4]). وترتبط الصيغة الصرفية للمقاومة(المفاعلة) بعدة دلالات منها المشاركة فتكون المقاومة فعلا يقابل فعلا آخر.

ويرتبط مفهوم المقاومة في الاصطلاح بمواجهة المحتل والدفاع عن الأرض، فهي”عمل مشروع لتحرير الأرض والبلاد والسكان من الاحتلال”([5])، وهذا يتناسب مع المعنى اللغوي المرتبط بالوقوف والقيام والعزيمة، فالمقاوم يقف بعزة وعزيمة في وجه المحتل دفاعا عن نفسه وعرضه وأرضه. وتتخذ المقاومة شكلين اثنين مقاومة مسلحة ومقاومة سلمية، وهي بدورها تشمل عدة أشكال كالمقاطعة والمظاهرات ونشر القضية وتوضيحها إعلاميا والعمل السياسي والديبلوماسي والأدب شعره ونثره والفن والثقافة بشكل عام. وهناك العديد من المصطلحات المتداخلة مع المقاومة منها الجهاد والكفاح المسلح وحركات التحرير. وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم المقاومة قد يتوسع ليشمل مقاومة الطغيان والاستبداد والقهر والظلم والأهواء والانحلال الأخلاقي.

وتعتبر مقاومة المحتل حسب الأعراف الدولية من الحقوق الأساسية للإنسان، وهي رد فعل طبيعي اتجاه الاحتلال وتصرفاته العدوانية، وإذا كان هناك إجماع عالمي شعبي على حق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن أرضها فإن أغلب حكومات العالم المتقدم تكيل بمكيالين في هذه النقطة فتعطي هذا الحق للجميع إلا للشعب الفلسطيني الذي لا زال تحت نير الاحتلال الصهيوني أكثر من 75 سنة. وإذا كان الاحتلال الصهويني لفلسطين قد أفرز عدة مظاهر للمقاومة المسلحة فإنه دفع الكتاب والأدباء والشعراء للانخراط في المقاومة بالكلمة سواء من الفلسطينيين أو من غيرهم من الشعراء العرب والمسلمين، وهذا ما يعرف بأدب المقاومة.

أدب المقاومة:

لقد ظهر مصطلح أدب المقاومة مع الكاتب والأديب الفلسطيني غسان كنفاني ليدل على الأدب الذى ظهر فى فلسطين المحتلة، وكان يقاوم الاحتلال الإسرائيلى، وينادي بالحرية والاستقلال. وقد كتب غسان كتابين في هذا الصدد، الأول أصدره سنة 1966 بعنوانأدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966″، والثاني أصدره سنة 1968 بعنوان “الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968”. وقد أكد غسان أنّ المقاومة في معناها الواسع هي الرفض والتمسك الصلب بالجذور والمواقف([6])، وهي تتخذ عدة أشكال أهمها المقاومة الثقافية والسياسية والمسلحة. ويعتبر أدب المقاومة شكلا من أشكال المقاومة الثقافية، ومنه فهو جزء من المقاومة بمفهومها الواسع. وإذا أردنا أن نعرّف أدب المقاومة فيمكن القول إنه الأدب الملتزم بقضية الوطن والشعب والرافض للعدو والصامد في وجهه، وهو الأدب الذي يساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في نصرة قضية عادلة.

وأدب المقاومة قديم قدم الإنسان والأدب، ويمكن القول إنه بدأ منذ أن أصبح الأدب يخدم قضايا الأرض والناس، فمثلا يمكن أن نجد ملامح المقاومة في بعض قصائد الشعر الجاهلي التي تدافع عن القبيلة وتنافح عنها، والأمر نفسه نجده في قصائد شعراء الإسلام وعلى رأسهم حسان بن ثابت الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم  “اهجهم وروح القدس معك”، وهذا يؤكد أن المقاومة بالكلمة لا تختلف عن المقاومة بالسيف، وأن جهاد الكلمة يجب أن يسير إلى جنب مع جهاد السيف. ومن هنا يكتسي أدب المقاومة أهميته، فهو يسير جنبا إلى جنب مع المقاومة المسلحة، بل إنه في بعض الحالات يكون هو الفتيل الذي يشعل نيران البنادق. وفي فلسطين خلّد التاريخ اسم عز الدين القسام([7]) رمز المقاومة المسلحة، كما خلد أسماء شعراء وأدباء من رموز المقاومة الثقافية أمثال إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود([8]).

ويظهر أن هناك تضييقا وتوسيعا في مفهوم أدب المقاومة فالذين يضيقون يربطونه بالإنتاج الأدبي المرتبط بمقاومة الاحتلال، وخير ما يمثل ذلك في الأدب العربي الحديث “تلك الأعمال التي تم تكريسها لإبراز الرفض والمقاومة والانتفاضة الفلسطينية في الأرض المحتلة”([9]). أما الموسعون فيرون أن أدب المقاومة يشمل كل ما يصور الصراع الإنساني الخارجي والداخلي([10])، وأصبحت المقاومة بذلك “فعلا إنسانيا يشمل رفض الواقع الرديء، والمناداة بواقع ذي وجه إنساني في مواجهة عالم بدأ ينحدر إلى قاع القساوة والضياع”([11]).

وهذا التوسيع في نظري حرمان لمفهوم أدب المقاومة من خصوصيته، ومن الأفضل حصر أدب المقاومة في الأدب الذي يقف في وجه العدو الغاصب والمحتل، أي ذلك الأدب الذي يدافع عن الأرض والشعب ويكون بجانب السلاح. ويمكن القول إنّ الأعمال الأدبية ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي تحمل ملامح المقاومة ولكنها لا تنتمي نوعيا لأدب المقاومة. أما الأعمال التي تقاوم العدو الداخلي المتمثل في الظلم والاستبداد والفساد السياسي فيمكن تسميته بالأدب السياسي. ومنه فإنه يمكن تقسيم الأعمال الأدبية وفق موضوع المقاومة إلى قسمين:

  • أدب المقاومة المرتبطة بمواجهة العدو الخارجي. وهناك عدة مفاهيم متصلة بهذا الأدب ومتقاطعة معه، ومنها أدب السجون في الوطن المحتل، وأدب النضال، وأدب المنفى، وأدب اللجوء، وغيرها من المصطلحات التي تتقاطع مع أدب المقاومة في الرفض والوقوف في وجه الظلم والاستبداد والعدوان والاحتلال.
  • الأدب السياسي المرتبط بالعدو الداخلي وهو السلطة الحاكمة، ويمكن تقسيمه إلى شكل مباشر كأعمال أحمد مطر، وشكل غير مباشر وهي الأعمال التي تحمل ملامح المقاومة من خلال انتقاد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويدخل أدب الثورة ضمن الأدب السياسي لأنه أدب ناتج عن فعل ثوري سياسي ضد حاكم ظالم ومستبد، سواء كان هذا الأدب يدعو للثورة(قبل الثورة) أو يصورها ويؤرخ لها(أثناء الثورة)، أو يستحضرها ويمجدها (بعد الثورة).

ويمكن تقسيم أدب المقاومة حسب الوعاء إلى قسمين كبيرين هما الشعر والنثر، وينقسم الشعر إلى فصيح وشعبي، ولا تقل أهمية الشعر الشعبي عن الشعر الفصيح ففي فلسطين كان هذا الشعر أكثر انتشارا بين الجماهير وأكثر تأثيرا وإشعالا للحماس، وظل منذ العشرينات قلعة المقاومة التي لا تهدم و”لم يكف أبدا عن القيام بدوره في المقاومة”([12]). ويذكر غالي شكري أن هناك فكرة متطرفة “تقول بأن الأدب الشعبي وحده هو أدب المقاومة بما ينطوي عليه من بطولات جماعية وفردية مجهولة ومعلومة ضد الغزاة والمستبدين”([13])، ولكن الحقيقة هي أن الأدب الفصيح “قد شارك بنصيب موفور في أعمال المقاومة البطولية ضد الاستعمار الأجنبي والطغيان المحلي على السواء”([14]).

وإذا كانت كل الأجناس الأدبية يمكن أن تندرج ضمن أدب المقاومة فإن الشعر يعد أكثرها فاعلية وقدرة على التأثير وذلك  لسرعة تلقيه وسرعة انتشاره بين الناس، بالإضافة إلى خصائصه الفنية والجمالية التي تجذب المتلقي. ورغم أن أدب المقاومة يرتبط بكل الشعوب وبكل الأزمنة، فإن القضية الفلسطينية ونصرة الأدباء والشعراء لها تعد أهم مظهر من مظاهر أدب المقاومة في الأدب العربي الحديث، والسبب واضح في ذلك، ففلسطين هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تنل استقلالها. وقد احتلت القضية الفلسطينية مكانة مهمة في أعمال الشعراء والأدباء، فهي المحرك الأساسي ومصدر الإلهام لكثير منهم خاصة بعد النكبة وما أعقبها من هزائم عسكرية انعكست على نفوس الأدباء الفلسطينيين والعرب، وقد انخرط شعراء العربية في شعر المقاومة ونصر القضية من خلال مجموعة من القصائد التي تخدم القضية الفلسطينية بشكل من الأشكال، ومن هؤلاء شاعرنا المغربي جلول دكداك، فما هي مضامين المقاومة في ديوانه “أناشيد العودة”؟

المبحث الثاني: مضامين المقاومة في أناشيد العودة:

تتعدد أغراض الشعر في التراث الشعري العربي، وقد قال جابر عصفور بعد أن أورد أغراض الشعر كما نجدها عند قدامة بن جعفر إن هذه “الأغراض تدور – في النهاية – حول موضوعين أساسيين لا ينفصلان، هما الإنسان والطبيعة. أي أن أغراض الشعر إما أن تصف عناصر الطبيعة…، أو تصور الإنسان في أفعاله المتباينة أو حالاته المتعددة، ممدوحًا أو مهجوا أو مرثيًا”([15])، ويمكن أن نضيف “أو مقاوما”، فلا شك أن المقاومة فعل إنساني باختلاف أبعاده وتجلياته.

وتتعدد مضامين شعر المقاومة فهي تترکّز “علی قيم البطولة والفداء والصمود والتحدي والثورة والصلابة والشهادة والتمسك بالأرض والمعاناة، وتتداخل مع فنون أخذت هوية خاصة ضمن مساق أدب المقاومة كأدب الأسر والسجن، وأدب العودة، وأدب اللجوء والمنفى والاغتراب عن الوطن”([16]). وسنحاول الآن الوقوف على مضامين شعر المقاومة عند الشاعر جلول دكداك من خلال ديوانه “أناشيد العودة”.

عودة اللاجئين:

هذا المضمون هو المضمون الأساسي في ديوان أناشيد العودة كما يظهر من عنوانه الأساسي، وعنوانه الفرعي”ديوان خاص باللاجئين الفلسطينيين”، وقد بدأ الشاعر هذا الديوان بافتتاحية بعنوان”العودة المقدسة إلى أرضنا المقدسة” قال فيها: “إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم حق لا يجوز التفريط فيه أو المساومة عليه، وكل من دعا من المسلمين إلى هذا التنازل أو شجّع عليه أو أفتى بجوازه فهو آثم بدون شك، مساعد على الخيانة مشارك فيها، لأن أي تفريط في هذا الحق هو تمكين لليهود الصهاينة من العبث بمقدسات المسلمين والمسيحيين على السواء. فكل فراغ سيتركه اللاجئون سيملأه الأعداء المغتصبون لأرض المسجد الأقصى وأولى القبلتين”([17]). وقد عبر الشعراء الفلسطينيون كثيرا عن مضمون العودة، فالشاعرة فدى طوقان تقول([18]):

(أتُغصب أرضي؟ أيُسلب حقي وأبقى أنا//حليف التشرد أصحب ذلة عاري هنا//أأبقى هنا لأموت غريبا بأرض غريبة//أأبقى؟ومن قالها؟ سأعود لأرضي الحبيبة// بلى سأعود، هناك سيطوى كتاب حياتي// سيحنو عليّ ثراها الكريم ويُؤوي رفاتي//سأرجع لابد من عودتي)

ويُـقْسم اللاجئ الفلسطيني بالله أكثر من مرة على العودة، فهو يسكن عودته، ولا شيء يغريه إلا هي، وفي ذلك يقول دكداك([19]):

(أنا لاجئ لكنْ……في عودتي ساكنْ// أقسمت أقسمت// أقسمت بالله// والله والله// فلتشهدوا أني……دوما فلسطيني// في قبضتي وردهْ// لا شيء يغريني // إلا هوى العودهْ)

وقول الشاعر على لسان اللاجئ إنه”دوما فلسطيني” يدل على أنه لم يطب له المقام في مكان خارج وطنه، مهما كان المكان جميلا، فهو يعيش فيه بالجسد بلا روح، ولفظ بلا معنى، ففي قصيدة لابد من يافا، أي لابد من العودة إلى يافا يقول الشاعر([20]):

(في شمس أمريكا…….أو ظل بلجيكا// مهما يطب عيشي// داري أنا داري……لهب من النار// أرضي تناديني……يا أمُّ ضميني// في حضنك الأحنى// لا تنكئي جرحي// عيشي هنا أضحى// من غير ما ملح// لفظا بلا معنى)

ويظهر أن الفلسطيني يعيش في غربته وفي أرض اللجوء يحمل وطنه، ويشتاق إلى كل ما فيه، ويأمل في الرجوع إليه يوما ما. يقول الشاعر الفلسطيني عبد الكريم العسولي مخاطبا القدس([21]):

(سنعود يا قدس إليكِ// كما القمر// سنعود يومًا// لن تبعثرنا الرياح// ولن يمزقنا المطر// سنعود للزيتون والليمون// سنعود للمرمية العطشاءِ// فوق التلِّ ما زالت// تحن وتنتظر)

إنّ الفلسطيني سواء كان لاجئا أو مغتربا فإنه دائما يحلم بالعودة، إنها ليست العودة العادية بل العودة الثورية، عودة المقاوم، يقول الشاعر دكداك على لسان فلسطيني يحدث أمه([22]):

(مهما يطل سفري……لا بد من عودة// فـلتحملي حجري……في الكف كالوردة// مهما تغرّب عن يافاه مغترب// لابد من يافا)

إنّ هذا الفلسطيني كان طفلا من أطفال الحجارة، وكأنه ترك الحجر أمانة عند أمه، وهو سيعود ويطلب أن تستقبله أمه بالحجر ليعود إلى المقاومة، وهذا يشير إلى مركزية الحجر ورمزيته في شعر المقاومة الفلسطينية. إن هذه العودة الثورية عند اللاجئ الفلسطيني تتأكد مع الشاعر جلول دكداك من خلال ربطها بأوضاع فلسطين الداخلية، وعلى رأسها المسجد الأقصى، فاللاجئ سيعود ليحرر المسجد الأقصى، ويحرر أرضه كاملة، يقول الشاعر([23]):

(والله لن أبقى……في غربتي أشقى// والمسجد الأقصى……بدمائه غصّا// يمضي بغصته……في دربه وحدهْ// والله والله// لابد من عودهْ)

إن العودة مع الشاعر جلول دكداك تحولت من حلم يتمناه كل فلسطيني إلى حقيقة، فالشاعر يستشرف المستقبل، فهو يقول على لسان اللاجئين والمغتربين في قصيدة”فرحة العودة”([24]):

(ها نحن قد عدنا……يا حلمنا الأكبر// والله قد عدنا……من غربة المهجر//الله أكبر، كبّر يا أخي كبّر// ما أجمل العودة)

المقاومة بالشعر:

يرى الشاعر جلول دكداك أن المقاومة الشعبية المسلحة لابد أن تساندها المقاومة بالكلمة، بل يصر على أنّ الشعر الذي لا يستطيع أن يكون في مستوى الأحداث الخطيرة التي تعيشها الأمة، لا يستحق أصحابه اسم شعراء. وهو يتحدث هنا “عن الشعر الرسالي الملتزم الرفيع الذي ينبع نقيا تقيا تلقائيا من صميم القلب ومن جوهر الروح، فينساب عذبا سلسا قويا سهلا ممتنعا على لسان شاعر صادق مؤمن بقضايا أمّته، لا يخشى في الحق لومة لائم([25]). فالشعر أو الكلمة هي السلاح الأقوى” بمعناها البليغ الذي يتغلغل في النفس والقلب والعقل والروح، ويمنح الإنسان صمودا لا يمكن كسره أبدا، من أجل حياة حرة كريمة للناس كافة، وليس لفرد دون آخر من البشر”([26]). وستبقى الكلمة الشعرية في نظر جلول دكداك تؤثر في النفوس وتحفزها لمقاومة كل أنواع وأشكال وألوان الظلم([27]).

إن هذا التوجه الشعري الملتزم أو الرسالي كما يسميه الشاعر يظهر في ديوان أناشيد العودة من خلال قصيدتين، الأولى بعنوان الأمل القدسي، والثانية بعنوان نور ونار. لقد استحضر دكداك الشاعر الإسلامي المخضرم حسان بن ثابت وجهاده بالكلمة ضد كفار قريش كما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله”اهجهم وروح القدس معك”، فقال مؤكدا على أن سلاح الكلمة لا يقل أهمية عن السلاح الحقيقي([28]):

(حسّان علمني// من شعره الحسنِ// أنّ القريض كحد السيف ينتصر)

ويؤكد دكداك أن الشعر لا خير فيه إن لم يكن معينا في حرب الأعداء، وفي ذلك يقول([29]):

(إني هجمتُ بشعر النور والنار// لاخير في شعري// إن لم يكن شعري من خير أنصاري// في حرب أعدائي)

وإذا كان الشعر يجب عليه أن يواجه الأعداء، وأن يكون سلاحا دفاعيا وهجوميا، فعليه في الوقت نفسه أن يقف مع الشعب يخدمه بما يستطيع، وإلا فلا خير فيه، وفي ذلك يقول دكداك([30]):

(لا خير في شعري// إنْ لم يكن نهرا يجري بلا حصر// في كل صحرائي// أسقي به قومي// في يوم هيجاء)

ويؤكد دكداك أن الشعر والسلاح وجهان لشيء واحد هو مقاومة العدو الصهيوني المحتل، فيقول على لسان طفل يخاطب شيخا شاعرا([31]):

(حجري وشِعرك، يا شيخي، هما الزادُ// وكلاهما لفداء القدس أجنادُ// قم هات حرفك قم// أطفالنا في هذي الحرب أسيادُ// هم خير جند هم// لاخير فيك ولا في الشعر إنْ بادوا)

الصمود والحث على المقاومة:

كان شعراء المقاومة في فلسطين دائما ما يستنهضون الشعب من أجل مقاومة الاحتلال الصهيوني، والثورة عليه، فمثلا يقول معين بسيسو داعيا الشعب إلى الغضب([32]):

(هذي هي الحسناء غزة في مآثمها تدور// ما بين جوعى في الخيام وبين عطشى في القبور// ومعذب يقتات من دمه ويعتصر الجذور// صور من الإذلال فاغضب أيها الشعب الأسير)

وقد لامس الشاعر جلول دكداك مضمون المقاومة والحث عليها في ديوانه”أناشيد العودة” ومن ذلك قوله مناديا القدس([33]):

(يا قدس لا تهني…… ولتركبي سفني// سنعيد فورا مجد الأمس للزمن// نيرانك الحرّى اشتعلت بأحشائي// فاستنفري جيشا للأخذ بالثار// إني هجمت بشعر النور والنار)

فهو هنا ينادي القدس المحتلة التي أشعل وضعها المأساوي النار في قلبه، مما جعله يؤكد على أنها سوف تتحرر، وأن الأمة ستأخذ بثأرها من الاحتلال الصهيوني، ويقول في قصيدة الخيمة والغيمة ([34]):

(فلتحضري سهمي……كي نقتل الوهما// ولتشحذي عزمي……ولتنشدي دوما//”مهما يطل نومي……في هذه الغُمة// لابد من يوم……تصحو به الأُمة”)

فالشاعر هنا يطالب بإعداد العُدة لمواجهة العدو الصهيوني، وهي عُدة مادية كما يظهر من قوله “فلتحضري سهمي”، وعدة معنوية كما يظهر من قوله”ولتشحذي عزمي”. ويؤكد دكداك أن الشعب الفلسطيني شعب صامد لا يخضع ولا يستسلم، فهو يقول في قصيدة “غزة غزة”([35]):

(غـــــــــــــــــــــزه غـــــــــــــزه……رمز العـــــــــــــــزه// شعب صامدْ……دوما صامدْ// زاده تقوى……وهو الأقوى// شعب مسلمْ// لن يخضع..لا..لن يستسلمْ)

إن المقاومة وعدم الاستسلام ورفض المساومة هو خيار الشعب الفلسطيني رغم معاناته، ورغم الممارسات الهمجية وسياسة التطهير العرقي التي ينتهجها الكيان الصهيوني، وهذا ما عبّر عنه الكثير من الشعراء الفلسطينيين أنفسهم فسميح القاسم يقول([36]):

(ربما تسلبني آخر شبر من ترابي// ربما تطعم للسجن شبابي// ربما تسطو على ميراث جدي// من أثاث..وأوانٍ..وخوابي// يا عدو الشمس..لكن..لن أساوم// وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم)

ويمتزج الصمود والمقاومة بالأمل والتحدي فيتكون الإصرار على الحياة، والإصرار على المواجهة وعلى الانتصار على المحتل الصهيوني، يقول دكداك مخاطبا نفسه([37]):

(يا نفس لاتهني// ولتجمعي كفني// هيا املئي كأسي……بالحب والأمل// لاتحفري رمسي……في أسفل الجبل// ولترفعي رأسي// في هذه الأمة// في قمة القمة// لابد أن أحيا……لأعلّم الدنيا// أني أنا الأقوى……بالعدل والتقوى// من جيش صهيون)

إن روح التحدي تسري في الشعب الفلسطيني، وقد اختار هذا الشعب خيار المقاومة والصمود والتحدي بكل عزيمة، يقول دكداك على لسان غزة([38]):

(فأنا غزهْ……رمز العزهْ// لا أخشى أبدا من حتفِ// لست أخاف جيوش الخوفِ//…..//إني اخترت طريقي…… وتحديت حريقي// عزمي أقوى مدفع…… وحصاري لن ينفع// بصمودي حررت الأقصى…… وشموعي جند لاتحصى// لا صعب على عزمي استعصى)

وقد عبّر الشعراء الفلسطينيون كثيرا عن معنى الصمود والتحدي، والاستعداد للموت في سبيل الوطن. يقول الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود([39]):

سأحمل روحـــي على راحتــي…… وألقي بها في مهاوي الــــردى

فإما حياة تسر الصديـــــــــــــــــــــــق……وإما ممات يغيظ العـــــــــــــــــــــــدى

إن المقاومة هي التي ستعيد الأرض وتعيد المقدسات، ولذلك نجد في قصيدة الضفة الأخرى لدكداك أن الحجر الفلسطيني سيطهر الأقصى وسيعيد”حائط المبكى” كما يسميه اليهود الصهاينة إلى حقيقته وهي حائط البراق([40]):

(يا أخت لا تبكي// ودعي الحصى يحكي للناس ما يحكي// في القدس في عكا// عن حائط المبكى// لـمّا رمته يد الأطفال فاندكا// وأعاد للأمل المسلوب عنوانهْ// فتطهر الأقصى// وسرى البراق سرى// سبحان من أسرى// سبحان من أرسى للدين أركانه)

صورة الطفل في شعر المقاومة: “الطفل  والحجر”

إن الطفل الفلسطيني يظهر في صورتين اثنتين في شعر المقاومة فإما أن يكون ضحية للاحتلال الصهيوني الغاشم، أو يكون مقاوما لهذا الاحتلال، فمثال الصورة الأولى في “أناشيد العودة” قول الشاعر([41]):

(فالهول أذهلني// والحزن كفّنني// في لحظة مُرّه// لـمّا قضى الدُره// برصاص صهيوني)

فالشاعر يستحضر هنا جريمة قتل الطفل الفلسيطني محمد الدرة برصاص الجيش الصهيوني وهو مختبئ وراء والده، وهي صورة تهز مشاعر النفس الإنسانية الحرة والنقية، وتكشف مدى حقد وهمجية الجيش الصهيوني. وقد شاهد العالم أجمع هذه الجريمة فقد نقلتها القنوات الإخبارية صوتا وصورة.

أما الصورة الثانية للطفل الفلسطيني في شعر المقاومة أي صورة الطفل المقاوم الذي يتخذ من الحجر سلاحا يقاوم به المحتل الصهيوني فهي الأبرز في شعر المقاومة الفلسطينية، فالشاعر عبد الكريم العسولي يصور” الطفل الفلسطيني فارس عودة ، وهو يصر على التحدي ومنع المحتل من المرور متخذًا حجره سلاحًا للمقاومة فيقول”([42]):

(لن تمروا// قالها طفل ونفذها حجر// أيها الأوغاد أبدًا لن تمروا// أيها الآتون في مطر القنابلِ// لن تمروا// أيها الآتون في حمم المشاعل// لن تمروا)

إن الطفل الفلسطيني رغم صغر سنه، يدرك واجبه اتجاه وطنه، ويدرك الصراع مع الصهاينة، وهو طفل يدرك أنه أكبر من سنه، وفي ذلك يقول دكداك([43]):

(إني أنا طفل…..في كفّه حجر// لكنّني فحل….. بالعزم أنتصر//…..// إنّي فتى حر……لم يرض بالعار// بالرغم من ضعفي……جندت أحجاري)

وتظهر من خلال هذه الصورة المقاومة مركزية الحجر ورمزيته وارتباطه بالأطفال في شعر المقاومة، ولهذا الأمر سند واقعي  فالانتفاضة الأولى التي بدأت سنة 1987 والتي انطلقت شرارتها الأولى من غزة، وامتدت إلى الضفة الغربية عرفت بانتفاضة الحجارة وانتفاضة أطفال الحجارة. وقد ألهمت حجارة الأطفال الشعراء ومنهم نزار قباني الذي كتب ثلاث قصائد بعنوان”ثلاثية أطفال الحجارة”  يقول في إحداها([44]):

(بهروا الدنيا..// وما في يدهم إلا الحجاره..// وأضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشاره)

ويقول في أخرى([45]):

(يا تلاميذ غزة// علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا// علمونا بأن نكون رجالا// فلدينا الرجال صاروا عجينا// علمونا كيف الحجارة تغدو// بين أيدي الأطفال ماسا ثمينا)

ويؤكد نزار قباني على مركزية الحجر ورمزيته من خلال تأثر الشعراء بأطفال الحجارة، مما انعكس على القصائد. فهو يقول:”إن الحجر الفلسطيني نسف إمارة الشعر من جذورها، وصار هو أمير الشعراء بلا منازع. فالحجر الفلسطيني لم يكسر زجاج البيت الإسرائيلي فقط..وإنما كسر أيضا زجاج القصيدة العربية، ووضعها أمام الأمر الواقع، وغيّر هويتها، وخصائصها، وملامحها الخارجية والداخلية”([46]).

فضح جرائم الصهاينة:

لقد كان هذا المضمون من مضامين شعر المقاومة عند الشعراء الفلسطينيين، فكانوا يصورون المجازر وقتل الأطفال والنساء والتهجير وإتلاف الأرض وعناصر الطبيعة، فمثلا يقول محمود درويش([47]):

“يا سادتي، حولتم بلادنا مقابر// زرعتم الرصاص في رؤوسنا، نظمتم المجازر// ياسادتي، لا شيء هكذا يمر// دونما حساب// كل ما صنعتم لشعبنا مسجل في الدفاتر

فالشاعر هنا يكشف عن جرائم الصهاينة وفي الوقت نفسه يذكّرهم بوقت الحساب، وأنهم سيدفعون الثمن، وفي هذا استشراف للمستقبل وأمل في النصر الحتمي على المحتل المعتدي، وفي السياق نفسه يقول جلول دكداك متحدثا عن القتل والتهجير الذي مارسه الصهاينة على الشعب الفلسطيني([48]):

(كبدي أنا حرى……والجرح لم يبرا// هُجّرت من يافا   وذبحت في صبرا)

فهو هنا يشير إلى التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، كما يشير إلى المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، فصبرا وشاتيلا من مخيمات الفلسطينيين بلبنان وقد وقعت بها مجزرة على يد مجموعات لبنانية بمساعدة الاحتلال الصهيوني الذي حاصر الفلسطينيين ومنعهم من الهرب. وقد استحضر شاعرنا مقتل واستشهاد الطفل محمد الدرة كما سبقت الإشارة فقال ([49]):

(فالهول أذهلني// والحزن كفّنني// في لحظة مُرّه// لـمّا قضى الدُره// برصاص صهيوني)

الأمل وعدم اليأس:

إن الأمل في شعر المقاومة يرتبط بالأمل في النصر واستقلال الأرض وحرية الشعب وعودة اللاجئين، وقد بدأ جلول دكداك ديوانه”أناشيد العودة” بقصيدة بعنوان”الأمل القدسي”، ولكن هذا الأمل ليس أملا مجانيا بدون مسوغات، بل هو أمل واقعي، يسنده الفعل والعمل، وفي ذلك يقول([50]):

(والله، يا نفسي// لاخير في اليأس// فلتأخذي حجرا……من قبضة الأزل// مثل الفلسطيني// ولتقذفي شررا……من مقلة الأمل//…..// لابد من فأس……تهوي على اليأس// لتعيد للأمل// بالقول والعمل// إشراقة الشمس……في حومة القدس)

إن الأمل يمتزج بالصبر عند الفلسطيني من أجل النصر، وفي ذلك يقول دكداك([51]):

(صبرا أبي صبرا// فالصبر عدتنا// والنصر موعدنا// وغدا سنلقاهُ// لا تشكُ من حرج……لابد من فرج// يأتي به اللهُ)

الاستشهاد والشهداء:

ترتبط المقاومة بالاستشهاد والتضحية بالنفس من أجل تحرير الوطن واستقلاله، أو نصر القضية العادلة، ومقاومة المعتدين، ومن هنا فإن أدب المقاومة لابد أن يتعرض لمضمون الاستشهاد والشهداء. إن الشهيد في الثقافة الإسلامية حي يرزق في الدار الآخرة، فالله تعالى يقول:” ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾(آل عمران:169). فالشهيد حي وهو صاحب مشروع عند الشاعر دكداك لأنه الطريق إلى بعث العزة، وإحياء روح المقاومة في كل فلسطين، كما جاء في قصيدة الضفة الأخرى([52]):

(هيا اركبي هيا……لاترهبي شيّا// فغدا معا نمضي……في لمحة الومض// في موكب الشهداء// شهدائنا الأحرار// كي نبعث العزهْ……في القدس في غزهْ// في الضفة الأخرى)

وقال في قصيدة”غزة غزة”([53]):

(كل شهيد يُطلع نخلة……ويعيد إلى الواحة أهلَه// كي يصنع من شعبه دولة)

فالشهيد له حياة عند الله تعالى، وله حياة معنوية بين شعبه من خلال تذكره، وتذكر تضحيته، وهو من خلال ذلك يبعث الصمود والطموح في الشعب لتحقيق الاستقلال. إنّ كل شهيد عند الشاعر دكداك هو مشروع شهادة لا ينتهي، لأنه دائما يتجدد مع كل فرد من أفراد الشعب، فالكل مستعد للتضحية بروحه من أجل وطنه، ولذلك سيُبعث الشهيد في ألف مليون([54]):

(أقسمتُ لن أحنث:// إنّ الفتى أحمد// لابد أن يُبعث// من ذلك المثوى// في ألف مليون)

والشهادة مشروع مقاومة تشارك فيه النساء إلى جانب الرجال، وقد عبّر الشعراء الفلسطينيون عن هذا الأمر، ومنهم الشاعر عبد الهادي القادود الذي تحدث عن الاستشهادية هنادي التي ضحت بروحها وفجرت نفسها في حشود الصهاينة فقال([55]):

(هنادي تدمر عمق اليهود// بخصر نحيل وقلب ودود// تضيء الشهادةُ في وجنتيها//طريقًا من الحب نحو الخلود)

القدس وغزة:

لقد كانت القدس ولا تزال محط اهتمام الأدباء والشعراء، وإذا بحثنا في دواوين شعر المقاومة، فإننا لا نكاد نجد ديوانا يخلو من ذكرها. وتعتبر قضية القدس من أهم مظاهر القضية الفلسطينية وذلك للبعد الديني والسياسي والتاريخي والحضاري لهذه المدينة. وقد عبر الشعراء الفلسطينيون عن مركزية القدس في شعرهم، فالشاعر سميح القاسم يؤكد على طريقة الشرط والجزاء أنه لن ينسى القدس فيقول([56]):

(لتنسني يميني// إذا نسيتُ القدس// ولتخلد على جبيني// وصمة عصر الموت والجنون// ولتنس وجهي الشمس// ولينعب البوم على صوتي وأطفالي وزيزفوني// إذا نسيت القدس)

والشاعر توفيق زياد مستعد أن تقطع رأسه إذا نسي القدس، وفي ذلك يقول([57]):

(يا حادي العيس سلم على القدس// وقل لها: لو نسيتك قطعي رأسي)

والأمر نفسه نجده عند الشعراء العرب، فقد وظفوا مدينة القدس في شعرهم لا لاختزال القضية الفلسطينية فيها بل لأنها رمز لهذه القضية، بل إنها رمز لأي جزء محتل من الوطن العربي الكبير، فالشاعر السوري سليمان العيسى يصرح قائلا في مقدمة ديوانه”أنا والقدس”: أنْ تكتب للقدس…فهذا يعني بكل بساطة أن تكتب لفلسطين كلها، أن تكتب لكل بقعة اقتطعت من هذا الجسد العربي الكبير، وأصبحت محتلة”([58]). وقد كانت القدس حاضرة في ديوان جلول دكداك “أناشيد العودة “، فأول قصيدة في هذا الديوان كانت بعنوان الأمل القدسي، ومما لاشك فيه أن هذا الأمل فلسطيني وليس قدسيا فقط، وهذا يؤكد أن الشاعر يوظف القدس كرمز لفلسطين وللقضية الفلسطينية بشكل عام، يقول([59]):

(فجّر قصيدك من إيمانك القدسي// من أشرف الحس// وابعث شباب الروح بعزة الأمس// ولتبق دوما مثلي رافعا رأسي)

ويخاطب الشاعر القدس ويعدها بإعادة مجد الزمن القديم عندما كانت حرة مستقلة، فيقول([60]):

(يا قدس لا تهني……ولتركبي سفني// سنعيد فورا مجد الأمس للزمن)

إن هذا الحضور لمدينة القدس في ديوان “أناشيد العودة” يبدوا حضورا محتشما إذا ما قارناه مثلا بحضور قطاع غزة في الديوان، فالشاعر كان يجمعهما معا في بعض المقاطع أو يذكر معهما الضفة في إشارة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية، ووحدة المصير بين الضفة والقطاع، ومن ذلك قوله([61]):

(كي نبعث العزهْ……في القدس في غزهْ// في الضفة الأخرى)

ويظهر أن غزة حظيت باهتمام أكبر عند الشاعر فقد خصص لها قصيدة مستقلة بعنوان “غزة غزة” وتحدث عن صمودها ومقاومتها، وصبرها، بل إن الشاعر جلول دكداك يعتبر غزة هي قلب الأمة العربية والإسلامية، فقد كتب في ظهر غلاف ديوانه”تضامنوا مع غزة، قلب الأمة النابض”.  وقد ذكرها شاعرنا في قصائد أخرى من الديوان، وسبب هذا الاهتمام المتزايد بغزة هو ما عانته وتعانيه منذ سنوات من حصار وما تقاسيه من ألوان التنكيل والتدمير. والخلاصة هي أن القدس ستظل رمز القضية الفلسطينية بكل تجلياتها وأبعادها الدينية والسياسية والتاريخية والحضارية، أما غزة فستظل رمز المقاومة الفلسطينية، بل رمز كل مقاومة للاستعمار، وليس ببعيد في المستقبل أن نجد تفرعا من أدب المقاومة باسم “أدب غزة المقاوم“.

المجتمع الدولي:

يخاطب الشاعر المجتمع الدولي والذي يسميه”أمة العجم” في ثلاث قصائد، جاءت بالعناوين التالية: حماية وإدانة وعدالة. وهي مرتبة في الديوان بهذا الترتيب، ولذلك دلالة، فالفلسطيني لجأ أولا إلى المجتمع الدولي لحمايته من همجية ووحشية الكيان الصهيوني، وفي ذلك يقول شاعرنا في قصيدة حماية([62]):

 (يا أمة العُجم// لا تحملوا نعشي// لا تقتلوا حُلمي// في موسم السلمي// ما جئت عندكمو إلا لتحموني من ذلك الوحش)

ويختم شاعرنا هذه القصيدة بإشارة إلى أن لجوء الفلسطيني للمجتمع الدولي لم ينفعه ولم يسترد حقوقه، بل إن دول العالم تكالبت عليه([63]):

(لا تسألوا ما اسمي……فأنا الفلسطيني// قد مزّقت لحمي……كل الثعــــــــــــابين)

إن المجتمع الدولي لم يكتف بعدم نصرة الشعب الفلسطيني، بل إن فريقا منه ساند الكيان الصهيوني في عدوانه، وبدل أن يدين المعتدي ويوقفه، أدان الضحية وفرح بمعاناتها، إنه الفريق المتصهين من المجتمع الدولي([64]):

 (يا أمة العجم// في الشرق والغرب// إني أُدنت بلا جرم ولاذنب//….// ونظرت من حولي// من كوة الغربهْ// فرأيت فرحتكم// تنساب من أجلي)

إن الشعب الفلسطيني قد أدرك أن المجتمع الدولي لن ينفعه بشيء، فعليه أن يحمل السلاح ضد المحتل الصهيوني، وتأتي القصيدة الثالثة لتبشر بخيار المقاومة المسلحة، فكأن الشعب الفلسيطيني يقول للمجتمع الدولي سأحمل السلاح، لأنك ستحمله لو كنت مكاني([65]):

(لو أنكم مثلي……جربتمو همي// في ظلمة الليل// لحملتمو  مثلي// حجرا على حجر// ورميتمو مثلي// من غير تخمين// جيش الصهايين// في لجة البحر)

ويصف الشاعر العالم بأنه مختل، وأنه منافق لأنه يساند الكيان الصهيوني المحتل، ويسكت عن جرائمه الهمجية، أمام أنظار الجميع، ورغم ذلك ستظل غزة صامدة، وستُسمع صوتها للجميع، صوتا قويا ينتشر في الآفاق([66]):

(قل للعالم ذاك المختل// صوتي من جوف الأنفاق……وبرغم نفاق العشاق// جلجل في كل الآفاق// فانهار السقف على رأس المحتل// وأقام الحجة والبرهان// لصمود العزة في الإنسان)

البعد العربي والإسلامي:

إن أدب المقاومة له أبعاد متعددة اجتماعية ونفسية وسياسية وقومية وإنسانية عالمية، ولكنها تدور في فلك واحد ويجمعها خيط لا ينفصم هو رفض ومواجهة العدو، كما أن هذه الأبعاد المختلفة يؤطرها الالتزام الواعي بالقضية وبالمقاومة([67]). لقد أدرك أدب المقاومة الفلسطينية في وقت مبكر”الترابط بين قضية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وبين قضايا التحرر في البلاد العربية وفي العالم”([68])، وهذا يدل على البعد العالمي والعربي. إن أدب المقاومة ينصر كل قضية عادلة، وكان شعر المقاومة الفلسطينية يقف مع قضايا المظلومين في كل العالم، وهذا الالتزام بالبعد العالمي للمعركة كان دائما من ميزات شعر المقاومة وقد أغناه ذلك وأعطاه معنى وعمقا وحافزا([69]). ومن نماذج البعد العالمي قصيدة لدرويش بعنوان أناشيد كوبية يقول فيها([70]):

(لم أسكر في هافانا من عرق الفقراء// لم أغمس قلمي في جرح البؤساء المحرومين// لم أقرأ أدب الشعراء الكوبيين// لكن عندي عن كوبا أشياء وأشياء// فكلام الثورة نور// يقرأُ في كل لغات الناس// وعيون الثورة شمس// تُمطر في كل الأعراس// ونشيد الثورة لحن// تعرفه كل الأجراس// والراية في كوبا// يرفعها نفس الثائر في الأوراس)

وإذا كان شعر المقاومة الفلسطيني له بعد عالمي إنساني يتجلى في نصرة القضايا العادلة على مستوى العالم، فإن له بعدا عربيا قوميا يتجلى في نصرة قضايا الشعوب العربية، وذلك لأن “طبيعة القضية الفلسطينية تضعها في مركز الوسط من التفاعلات العربية، وبالتالي فإن شعر المقاومة في فلسطين المحتلة يمكن أن يوصف بأنه الناطق بلسان تلك التفاعلات والمؤرخ لها”([71])، يقول درويش متحدثا عن الجزائر وثورتها([72]):

(بيتي على الأوراس كان مباحا// يستصرخ الدنيا مساء صباحا//…..// فالوحش يقتل ثائرا// والأرض تُنبتُ ألف ثائر// يا كبرياء الجرح لو متنا// لحاربت المقابر// فملاحم الدم في ترابك// ما لها فينا أواخر// حتى يعود القمح للفلاح// يرقص في البيادر)

إن البحث في أبعاد شعر المقاومة يتخد منحنين، الأول هو البحث فيما يقدمه هذا الشعر من مساندة ومؤازرة للقضايا العادلة الأخرى عالميا وقوميا مما يجعل شعر المقاومة وأدبها بشكل عام نشاطا إنسانيا” يتعدى الأطر القومية والقوالب الاجتماعية مما يجعل الكتَّاب ينفعلون ويكتبون عن قضايا شعوب لا ينتمون إليها” ([73]) فمثلا نجد الكثير من الشعراء والأدباء كتبوا عن قضايا شعوب مختلفة،”فحين تكتب مؤلفة مثل “إيثيل مانين Ethel Mannin” قصتها “الطريق إلى بئر سبع” عن مأساة فلسطين وهي الكاتبة الإنجليزية، وحين تكتب مؤلفة مثل “هارييت بيشرستو Harriet Beecher Stowe”  قصتها “كوخ العم توم”، عن مأساة الزنوج في الجنوب الأمريكي وهي الكاتبة الأمريكية البيضاء؛ فإنهما تنطلقان في صياغة هذه المأساة أو تلك من هذا المنظور الإنساني الشامل، وليس من المنظور القومي أو الديني أو الاجتماعي” ([74]).

أما المنحى الثاني فهو البحث في شعر المقاومة عن مؤشرات تدل على كون قضية الشاعر هي نفسها ذات أبعاد مختلفة عالمية إنسانية ودينية وقومية وغير ذلك. ويظهر أن المنحى الأول غائب في ديوان أناشيد العودة، فهو خال من أي نصرة لأي قضية عالمية أو قومية باستثناء القضية الفلسطينية، وهذا أمر طبيعي ما دام الشاعر قد خصصه لقضية اللاجئين الفلسطينيين. ويمكن الوقوف على بعض ملامح البعد الإنساني من خلال توظيف الشاعر لبعض القيم الإنسانية كالأمل وعدم اليأس والصمود والشجاعة… أما المنحى الثاني فنجد أن الشاعر جلول دكداك يؤكد ضمنيا على أن القضية الفلسطينية قضية عربية إسلامية.

يربط دكداك بين القضية الفلسطينية واستيقاظ الأمة العربية الإسلامية، فبقاء فلسيطن محتلة جريحة مرتبط في الأساس بنوم الأمة، والشاعر يؤكد أن الأمة ستستيقظ فتحرر فلسطين وتساعدها على الخلاص من الاحتلال، فيقول ([75]):

(فلتحضري سهمي……كي نقتل الوهما// ولتشحذي عزمي……ولتنشدي دوما// “مهما يطل نومي….. في هذه الغُمة// لابد من يوم……تصحو به الأُمة”)

ولكن كيف ستسيقظ الأمة؟ ومن سيوقظها؟ يجيبنا الشاعر دكداك بأن غزة هي من يحرر الأمة، يقول في قصيدة”غزة غزة”([76]):

(فأنا غزهْ……رمز العزهْ// لا أخشى أبدا من حتفِ//……//من أرض فلسطين الحرهْ// ورياض القدس المخضرهْ// فجرت يقيني بالنصر// حررت الأمة بالصبر)

ويظهر من خلال النصين السابقين أن تحرير فلسطين يمر من ثلاث مراحل، فصبر غزة في مقاومتها للكيان الصهيوني، رغم ما تعانيه من مجازر وقتل وتشريد وإبادة جماعية سيدفع الأمة للاستيقاظ من نومها، فتهب لنصرة غزة وكامل فلسطين:

المعاناة والصبر والمقاومة                   استيقاظ الأمة ونصرة غزة                       تحرير فلسطين

ويؤكد جلول على الهوية العربية الإسلامية للشعب الفلسطيني، فهو يقول متحدثا بلسان  الطفل الفلسطيني([77]):

(شرع الهدى نسبي// وأنا الفتى العربي) ويقول(فأنا الفلسطيني……دين الهدى ديني)

فالطفل الفلسطيني ينتمي أولا للإسلام ثم للعرب، وهذا يؤكد وجهة نظر الشاعر حول القضية الفلسطينية باعتبارها قضية إسلامية أولا وقضية عربية ثانية. ويتأكد بُعد الهوية الإسلامية في القضية الفلسطينية عند الشاعر دكداك عندما يدعو الفتى الفلسطيني على لسان صبرا وشاتيلا([78]) إلى الصدع بالقرآن وترتيله فهو يقول([79]):

(صبرا وشاتيلا……قالت له قيلا:// “لاتبك يا أحمد// أنت الفتى الأمجد// من بعد أن تُجرحْ……لابد أن تُدبحْ// فاصدع بقرآنك// ما بين أقرانك// في ذلك المعبد// رتله ترتيلا”)

والخلاصة هي أن شعر جلول دكداك حول القضية الفلسطينية في ديوان أناشيد العودة، تميز بثلاث أبعاد، فالشاعر ينصر القضية ويدافع عنها باعتباره إنسانا، وهنا يتجلى البعد الإنساني العالمي، وينصرها باعتباره مسلما يدين بدين أغلبية الشعب الفلسطيني، وهنا يتجلى البعد الديني الإسلامي، وأخيرا ينصرها باعتباره عربيا، وهذا هو البعد القومي العربي. ومنه فإن جميع الشعوب عليها أن تنصر فلسطين، فلا يخلو شعب، بل لا يخلو فرد من أن يكون عربيا أو مسلما أو إنسانا.

خاتمة:

إن أدب المقاومة هو الأدب الذي يخدم ويناصر قضايا التحرر والاستقلال من نير الاحتلال البغيض، سواء كانت قضية عالمية أو دينية أو قومية. وتعد القضية الفلسطينية من أهم القضايا العالمية التي تستحق الدعم والنصرة، وقد هب الشعراء العرب لنصرة أهلنا في فلسطين، ومنهم الشاعر المغربي جلول دكداك الذي قدّم مجموعة من الأعمال الأدبية في هذا الشأن، ومن هذه الأعمال ديوانه”أناشيد العودة” الذي خصصه لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وقد تطرق فيه لمجموعة من مضامين المقاومة كما نجدها في شعر المقاومة الفلسطيني. وبعد جولة بين قصائد هذا الديوان، ظهرت مجموعة من النتائج أهمها:

  • عودة اللاجئين الفلسطينيين حق لا يقبل التنازل، ولا التقادم، وهي عودة مقاومة، تساهم في تحرير الوطن.
  • الشعر(الأدب) سلاح مهم في مواجهة الكيان الصهيوني، فلابد من الجمع بين البندقية والكلمة(الحرب الثقافية والإعلامية)
  • المقاومة والصمود هو خيار الشعب الفلسطيني، فلا مجال لغير ذلك مع عدو إرهابي وهمجي
  • الأمل الفلسطيني في النصر وتحقيق الاستقلال مستمر، ولا يغيره شيء، ولكنه أمل يجمع بين القول والعمل
  • الطفل الفلسطيني طفولته مغتصبة، ولكنه مثال ورمز للمقاومة ومواجهة العدو الغاشم بأقل الوسائل
  • مركزية الحجر في شعر جلول دكداك باعتباره رمزا للمقاومة ومشهدا من مشاهد البطولة والعزة والكرامة
  • الشهادة هي طريق تحرير الوطن، وهي مشروع الاستقلال، وكل الشعب منخرط في هذا المشروع
  • يعاني الشعب الفلسطيني في الداخل من شتى أنواع المعاناة المادية والمعنوية، كما يعاني اللاجئون من قسوة الغربة
  • مركزية القدس وغزة، فالأولى رمز للقضية الفلسطينية بشكل عام، والثانية رمز للمقاومة
  • نصرة المجتمع الدولي خاصة في أروبا وأمريكا للكيان الصهيوني الإرهابي
  • القضية الفلسطينية قضية إنسانية وإسلامية وعربية، وعلى كل شخص نصرها فهو إن لم يكن عربيا أو مسلما، فهو إنسان.

وقد عبّر الشاعر جلول دكداك عن مضامين المقاومة المختلفة بلغة سهلة وواضحة، وأسلوب مباشر وخطابي بدون غموض أو تعقيد أو مبالغة، وقد نجح في تصوير معاناة الشعب الفلسطيني، والأمل في عودة اللاجئين، وفي النصر وتحقيق الاستقلال بشكل عام، كما نجح في تأجيج العاطفة واستثارتها، لأن شعره وليد لحظة وتجربة شعرية وجدانية مدفوعة بالإحساس الحقيقي بمضمون القصيدة، وتمثيله لوجدان الشاعر اتجاه المقاومة الفسطينية بشكل عام وقضية اللاجئين بشكل خاص.

هوامش:


([1]) – تم نقل هذه الترجمة بتصرف من موقع الشاعر على الرابط التالي(تم الاطلاع يوم 20 مارس 2024):

http://isdaratwakhtiyarat.over-blog.com

([2]) – ابن فارس، مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، دط،  1979م. ج5، ص43

([3]) – العسكري، الفروق اللغوية، تح: محمد إبراهيم سليم، دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، دط، دت. ص251

([4]) – الجوهري، أبونصر. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تح: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1987م، ج5، ص2017

([5]) – الدحلة، هاني. التمييز بين المقاومة و الإرهاب: وجهة نظر قانونية، المجلة العربية للعلوم السياسية، ع11، 2006، ص125

([6]) – ينظر: كنفاني، غسان. الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968، منشورات الرمال، قبرص،2015م، ص9

([7]) –  قاوم القسام المحتل بالسلاح وبالكلمة فقد كان خطيبا مفوها يلهب الجماهير ويحث على الجهاد

([8]) – ينظر: كنفاني، غسان. الأدب الفلسطيني المقاوم، ص10

([9]) – فيض الاسلام، جهاد. الرفض والفكرة والرؤية في أدب المقاومة الفلسطينية، المجلة العربية للنشر العلمي، ع45- تموز 2022- ص134

([10]) – ينظر: شكري، غالي. أدب المقاومة، دار المعارف، مصر، ط1، 1970م، ص7 وما بعدها

([11]) – شطاح، عبد الله. أدب المقاومة قراءة في الأدبية والالتزام، مجلة المدونة، مخبر الدراسات الأدبية والنقدية ع2، يناير 2015، ص 41

([12]) – ينظر: كنفاني، غسان. أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966، منشورات الرمال، قبرص،2015م، ص22

([13]) – شكري، غالي. أدب المقاومة، ص12

([14]) – المرجع نفسه، ص13

([15]) – عصفور، جابر. مفهوم الشعر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط5، 1995م، ص 107

([16]) – الأسطة، عادل. أدب المقاومة من تفاؤل البدايات إلی خيبة النهايات، مؤسسة فلسطين للثقافة، ط2، 2008م، ص9

([17]) –دكداك، جلول. أناشيد العودة، أنفو-برانت، فاس، ط1، 2009م، ص5

([18]) –شكري، غالي. أدب المقاومة، ص409

([19]) – دكداك، جلول. أناشيد العودة، ص45

([20]) – المرجع نفسه، ص36-37

([21]) – صالحة، محمد حسين. اتجهات الشعر الفلسطيني بعد أوسلو، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية غزة، 2009م، ص 50. عن: عبد الكريم العسولي : ديوان النار والحجر، ص11

([22]) – دكداك، جلول. أناشيد العودة، ص37

([23]) – المرجع نفسه، ص46

([24]) – المرجع نفسه، ص42

([25]) – المرجع نفسه، ص6

([26]) – المرجع نفسه، ص10

([27]) – المرجع نفسه، ص11

([28]) – المرجع نفسه، ص17

([29]) – المرجع نفسه، ص20

([30]) – المرجع نفسه، ص20- 21

([31]) – المرجع نفسه، ص17

([32]) – ينظر شكري، غالي. أدب المقاومة، ص 420

([33]) – دكداك، جلول، أناشيد العودة، ص20

([34]) – المرجع نفسه، ص26

([35]) – المرجع نفسه، ص22

([36]) – موقع بوابة الشعراء  https://poetsgate.com/poem.php?pm=11627

([37]) – دكداك، جلول. أناشيد العودة، ص41

([38]) – المرجع نفسه، ص23-24

([39]) – موقع بوابة الشعراء https://poetsgate.com/poem.php?pm=26102

([40]) – دكداك، جلول. أناشيد العودة، ص27-28

([41]) – المرجع نفسه، ص15

([42]) – صالحة، محمد حسين. اتجهات الشعر الفلسطيني بعد أوسلو، ص 36. عن: العسولي، ديوان شقائق النعمان، 2004م، ص104

([43]) – دكداك، جلول. أناشيد العودة، ص29

([44]) –قباني، نزار. ثلاثية أطفال الحجارة، منشورات نزار قباني، بيروت، ط1، 1988م، ص19

([45]) – المرجع نفسه، ص27

([46]) – المرجع نفسه، ص16

([47]) – ينظر: شكري، غالي. أدب المقاومة، ص 394

([48]) – دكداك، جلول. أناشيد العودة، ص41

([49]) – المرجع نفسه، ص15

([50]) – المرجع نفسه، ص15-16

([51]) – المرجع نفسه، ص41

([52]) – المرجع نفسه، ص28

([53]) – المرجع نفسه، ص22

([54]) – المرجع نفسه، ص39

([55]) – صالحة، محمد حسين. اتجهات الشعر الفلسطيني بعد أوسلو، ص 44. عن: القادود، عبد الهادي. ديوان وطن ينزف، مركز الرحمن الثقافي، مكتبة بلدية النصيرات، 2004م، ص43.

([56]) – نمر موسى، إبراهيم. تجليات مقدسية في الشعر الفلسطيني المعاصر، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، مج10، ع2، دجنبر 2013م، ص 302. عن: القاسم، 1991م، ص620

([57]) – المرجع نفسه، ص 303. عن: زيّاد، 1970م، ص506

([58]) –العيسى، سليمان. أنا والقدس، منشورات وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، 2009م، ص2

([59]) – دكداك، جلول. أناشيد العودة، ص18

([60]) – المرجع نفسه، ص20

([61]) – المرجع نفسه، ص28

([62]) – المرجع نفسه، ص32

([63]) – المرجع نفسه، ص32

([64]) – المرجع نفسه، ص33-34

([65]) – المرجع نفسه، ص35

([66]) – المرجع نفسه، ص24

([67]) – ينظر: كنفاني، غسان. الأدب الفلسطيني المقاوم، ص74 و86

([68]) – ينظر: المرجع نفسه، ص59

([69]) – ينظر: المرجع نفسه، ص91

([70]) – ينظر: المرجع نفسه، ص87-88

([71]) – ينظر: المرجع نفسه، ص94

([72]) – ينظر: المرجع نفسه، ص96

([73]) –شكري، غالي. أدب المقاومة، ص6

([74]) – المرجع نفسه، ص6

([75]) – دكداك، جلول. أناشيد العودة، ص26

([76]) – المرجع نفسه، ص23

([77]) – المرجع نفسه، ص29- 30

([78]) – مجزرة في حق الشعب الفلسطيني علي يد مجموعات لبنانية بمساعدة الاحتلال الصهيوني وتضاف لمجازر كثيرة منها: دير ياسين، والطنطورة، وكفر قاسم، واللد، وخان يونس، وجنين، والحرم الإبراهيمي…. ولازالت المجازر مستمرة

([79]) – دكداك، جلول. أناشيد العودة، ص38

مصادر ومراجع :

  1. ابن فارس، أحمد. مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، دط،  1979م.
  2. الأسطة، عادل. أدب المقاومة من تفاؤل البدايات إلی خيبة النهايات، مؤسسة فلسطين للثقافة، ط2، 2008م.
  3. الجوهري، أبو نصر، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تح: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1987م.
  4. الدحلة، هاني. التمييز بين المقاومة و الإرهاب: وجهة نظر قانونية، المجلة العربية للعلوم السياسية، ع11، 2006م.
  5. دكداك، جلول. أناشيد العودة، أنفو- برانت، فاس، ط1، 2009م.
  6. شطاح، عبد الله. أدب المقاومة   قراءة في الأدبية والالتزام، مجلة المدونة، مخبر الدراسات الأدبية والنقدية ع2، يناير 2015م.
  7. شكري، غالي. أدب المقاومة، دار المعارف، مصر، ط1، 1970م،
  8. صالحة، محمد حسين. اتجهات الشعر الفلسطيني بعد أوسلو، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، غزة، 2009م
  9. العسكري، أبو هلال، الفروق اللغوية، تح: محمد إبراهيم سليم، دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، دط، دت.
  10. عصفور، جابر. مفهوم الشعر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط5، 1995م.
  11. العيسى، سليمان. أنا والقدس، منشورات وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، 2009م.
  12. فيض الاسلام، جهاد. الرفض والفكرة والرؤية في أدب المقاومة الفلسطينية، المجلة العربية للنشر العلمي، ع45- تموز 2022م.
  13. قباني، نزار. ثلاثية أطفال الحجارة، منشورات نزار قباني، بيروت، ط1، 1988م.
  14. كنفاني، غسان. أدب المقاومة في فلسطين المحتلة: 1948-1966، منشورات الرمال، قبرص،2015م
  15. كنفاني، غسان. الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال: 1948-1968، منشورات الرمال، قبرص،2015م
  16. موقع الشاعر دكداك جلول  http://isdaratwakhtiyarat.over-blog.com
  17. موقع بوابة الشعراء  https://poetsgate.com/
  18. نمر موسى، إبراهيم. تجليات مقدسية في الشعر الفلسطيني المعاصر، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، مج10، ع2، دجنبر 2013م.

List of Sources and references:

  1. Al-Askari, Abu Hilal, Al-forouq al-loghawiyah, ed: Muhammad Ibrahim Salim, Dar Al-Ilm and Al-Thaqafah for Publishing and Distribution, Cairo, doun tab’a, doun tarikh.
  2. Al-Dahla, Hani. Al-ttamaiz bain al-mokawamah wa al-irhab: wijhat nadar qanouniyah, Arab Journal of Political Science, No:11, 2006.
  3. Al-Issa, Suleiman. Ana wa al-quds, Publications of the Ministry of Culture, Syrian General Authority for Books, 2009.
  4. Al-Jawhari, Abu Nasr, Al-Sihah Taj Al-Lughah wa-Sihah Al-Arabiyah, ed: Ahmed Abdel Ghafour Attar, Dar Al-Ilm Lil Al-Mallain, Beirut, 4th edition, 1987.
  5. Al-Osta, Adel. Adab al-moqawamah min tafa’ul al-bidayat ila khaibat al-nihayat, Palestine Foundation for Culture, 2nd edition, 2008.
  6. Asfour, Jaber. Mafhoum ashi’r, Egyptian General Book Authority, 5th edition, 1995.
  7. Chattah, Abdullah. Adab al-moqawamah: qira’a fi al-adabiyah wa al-iltizam, Al-Mudawwana Magazine, Literary and Critical Studies Laboratory, Part 2, January 2015.
  8. Choukri, Ghali. Adab al-moqawamah, Dar Al-Maaref, Egypt, 1st edition, 1970.
  9. Dakdak, Jalloul. Anachid al-awdah, Info-print, Fez, 1st edition, 2009.
  10. Fayd al-Islam, Jihad. Al-rrafd wa al-fikrah wa al-rro’yah fi adab al-mokawama al-filistiniyah, Arab Journal for Scientific Publishing, No:45 – July 2022.
  11. Ibn Faris, Ahmed. Maqaisse Al-Lughah, ed: Abdul Salam Haroun, Dar Al-Fikr, 1979.
  12. Kanafani, Ghassan. Adab al-moqawamah fi filistine al-mohtalah: 1948-1966, Al-Rimal Publications, Cyprus, 2015.
  13. Kanafani, Ghassan. Al-adab al-filistini al-moqawim tahta al-ihtilal: 1948-1968, Al-Rimal Publications, Cyprus, 2015.
  14. mawqi’e al-sha’ir  Dakdak Jaloul http://isdaratwakhtiyarat.over-blog.com
  15. mawqi’e bawwabat al-sho’arae https://poetsgate.com/
  16. Nimr Musa, Ibrahim. Tajaliat maqdisia fi al-shi’r al-filistini al-mo’asir, University of Sharjah Journal for Humanities and Social Sciences, Volume 10, Issue 2, December 2013.
  17. Qabbani, Nizar. Tholathiat atfal al-hijara, Nizar Qabbani Publications, Beirut, 1st edition, 1988.
  18. Salha, Muhammad Hussein. Itijahat ashi’r al-filistini ba’da Oslo, Master’s Thesis, Islamic University, Gaza, 2009.