صور أسلوبية في ميمية ابن اسحاق التوردي في مدح أحمد الرفاعي

أول إبراهيم إمام

ملخص البحث:

لا شك أن الإسهام في نظريات الدراسات اللغوية الحديثة بمحاولة تطبيقها على النصوص الأدبية العربية النيجرية من أهم عوامل تطوير وإحياء تراثنا العربي.

من هذا القبيل جاءت هذه المقالة لتطبق بعض مباديئ نظرية الأسلوبية الحديثة على ميمية الشاعر ابن اسحاق التوردي في مدح أمير المؤمنين أحمد الرفاعي بن الشيخ عثمان بن فودي، فتحدثت عن حياة الشاعر أولا ثم الدراسة النظرية للأسلوبية ثم العملية التحليلية على ضوء الأسلوبية الحديثة، والتي من خلالها تم الوقوف على مافي القصيدة من الجمال الأسلوبي والروعة البيانية في ثلاثة مستويات للتحليل اللغوي الحديث.

نبذة  عن الشاعر:

ولادته:

فقد اضطربت الأقوال في تحديد  تاريخ ميلاده كما تواترت الأخبار عن إرهاصات نبوغه وتبحره في العلم، المتمثلة في تعبير رؤيا والده، وذلك أن والده كان من أصحاب الشيخ عثمان بن فودي، فرأى في المنام ليلة من الليالي ركية  في بيته  وحولها  جمع من الناس يستقون، واستعظم الأمر في نفسه، وجزم أن يستعبر الشيخ عثمان بن فودي رحمه الله في رؤياه، ولما أصبح غدى  إلى الشيخ مستفتيا في ذلك، وأفتاه الشيخ بأنه سيولد له مولود وسيكون هذا المولود عالما غزير العلم والمعرفة وينفع الله الناس بعلمه، ثم أوصاه بأنه إذا ولد هذا المولود ليسمه باسمه ، يعني “عثمان”[i].

هذا، وأما اضطراب أقوالهم في تحديد تاريخ ميلاده، فهو ما رواه بعضهم من أن مولده كان في السنة التي توفي فيها الشيخ عثمان بن فودي، وهي سنة 1232 للهجرة الموافقة لسنة 1817 الميلادية، وقال الآخرون إنه ولد بعد وفاة الشيخ بسنتين، وذلك في سنة 1234 الهجرية ، الموافق لسنة 1819 الميلادية[ii]، وهو المشهور لدى الكتَّاب، ويرجحه الباحث على الرأي الأول، لاتفاقهم على أنه عاش حوالي أربع وستين سنة، وذلك يقتضي أن يكون ميلاده بعد وفاة الشيخ عثمان بن فودي بسنتين إذ لو كان في سنة وفاته كماذهب إليه بعضهم لكان عمره ست وستين سنة ولم يقل بذلك أحد.

وأما عن مكان ولادته، فلا خلاف في أنه ولد في مدينة صكتو.

نشأته:

فقد نشأ الشيخ بن إسحاق التوردي، نشأة دينية وعلمية راقية، إذ اهتم بالعلم غاية الاهتمام، ووجه إلى تحصيله عناية بالغة، متميزا بين الأقران، ولاغرو في ذلك لقرب عهده من عصر الشيخ عثمان بن فودي، الذي ازدهر فيه العلم والأدب والصلاح والتقوى، وكون  البيئة الصكتية التي  نشأ فيها مصطبغة بالصبغة العلمية والدينية،-  حكومة وشعبا – ولم لا، وهي العاصمة للدولة العثمانية الإسلامية، المكتظة بالعلماء وطلاب العلم – مما هيَّأَ له أكبر فرصة ساعدته على هذه النشأة العلمية الإسلامية السامية[iii].

تعلمه وثقافته:

لقد امتاز ابن إسحاق عن سائر الأقران منذ طفولته المبكرة بأوصاف خارقة لعادة الصبيان إذ نشأ مولعا بالعلم والعلماء مقبلا على التعلم والتحصيل ، ثم واصل في طلب العلم والأدب مترددا على أعتاب فحول أدباء عصره وملازما أبواب فطاحل علماء زمانه بمدينة صكتو، فقد تعلم على أيدي العلماء الذين عاصروا الشيخ عثمان بن فودي، واستفاد منهم  علوما جمة، وفنونا كثيرة، ومن العلوم الإسلامية فقد أخذ القرآن وعلومه،  والفقه الإسلامي،  والتوحيد، وعلم التصوف، وأما علوم العربية فأخذ علم النحو والصرف، واللغة والبلاغة، والمنطق، والحساب، كما تذوق فن الأدب، وغير ذلك من العلوم و الفنون المتعارف عليها في عصره، وقد تمكن من تحصيل هذا العلم الغزير، بالإنخراط في النظام التعليمي التقليدي المعروف لدى  الدارسين والمعلمين، عهدئذ، إذلم تكن المدارس نظامية في ذلك العصر، ولم تكن الدراسة  على منهج مرسوم كماهو الشأن حاليا

علماؤه وشيوخه:

فقد تعلم على كثير من كبار علماء زمانه، بالإضافة إلى والده الشيخ اسخاق بن عمر، رحمه الله وكان عالما متفننا يدرِّس علوم الدين واللغة العربية والأدب، وقد أخذ عنه المبادئ الأساسية  للعلوم الإسلامية والعربية.

حيث أخذ من هؤلاء الشيوخ علوم الفقه، والتوحيد، والنحو، واللغة، والأدب، والبلاغة،  والصرف، وكذلك قرأ عليهم علوم التفسير، والحديث والمنطق، والتصوف، وغيرها من العلوم[iv].

مؤلفاته في اللغة:

1- معين من يبحث في مايذكر من الأعضاء ويؤنث.

2- شرح الفريدة في النحو للسيوطي.

3- شرح الحصن الرصين في الصرف للشيخ عبد الله بن فودي[v].

4- الألقاب، منظومة في العروض[vi].

5- فتح اللطيف في التصريف.

6- سلم الطلاب إلى معرفة البناء والإعراب[vii].

7- الكشف والبيان لأوصاف كبير أبناء الشيخ عثمان بن فودي[viii].

الأسلوبية ومفهومها المعجمي والإصطلاحي.

الأسلوبية مشتقة من لفظ “الأسلوب “ويأتي لفظ الأسلوب في مفهومه المعجمي   لعدة معان منها: – الطريق: ويقال في ذلك سلكت أسلوب فلان في كذا أي طريقته ومذهبه ويسمى طريقة الكاتب في كتابته أسلوبا، والفن: يقال أخذنا في أساليب من القول فنون متنوعة والصف من النخل ونحوه (ج) أساليب (9)

والأُسْلُوبُ: الطَّريقُ وعُنُقُ الأَسَدِ والشُّمُوخُ في الأَنْفِ .0(10)

ويقال للسَّطْر من النخيل أُسْلوبٌ وكلُّ طريقٍ ممتدٍّ فهو أُسلوبٌ قال والأُسْلوبُ الطريق والوجهُ والمَذْهَبُ يقال أَنتم في أُسْلُوبِ سُوءٍ، ويُجمَعُ أَسالِيبَ. والأُسْلُوبُ الطريقُ تأْخذ فيه، (11)

وبهذا يمكن القول بأن لفظ “الأسلوبية ” مصدر صناعي من اللفظ “الأسلوب”والمصدر الصناعي هو: كل لفظ “جامد أو مشتق، اسم أو غير اسم” زيد في آخره حرفان، هما: ياء مشددة، بعدها تاء تأنيث مربوطة؛ ليصير بعد زيادة الحرفين اسمًا دالًا على معنى مجرد لم يكن يدل عليه قبل الزيادة. (12)

إذن فاالأسلوبية وإن كان مأخوذا من اللفظ ألأسلوب كماتقدم فإن له دلالة خاصة زيادة على المعنى الذي يدل عليه الأسلوب.

أماالأسلوبية في الإصطلاح فقداختلف الأسلوبين العرب والغرب في تحديدها فعرَّفها “جاكبسون”: بأنها البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولا وعن سائر أصناف الفنون اللسانية ثانيا. (13)

ويعرِّفها: Michel arrive: بأنها وصف للنص الأدبي حسب طرائق مستقاة من اللسانيات (15)

ويذهب ريفاتير إلى أن الأسلوبية تعرِّف بأنها منهج لساني (16)

وأما الأسلوبيون العرب فلا تكاد تعاريفهم للأسلوبية تختلف عن تلك التعريفات الغربية للأسلوبية، ومنها تعريف الناقد الألسني العربي للأسلوبية …: تعني كلمة STYLUS في اللاتينية ( الأزميل) أو المنقاش للحفر والكتابة ….ثم مع الزمن اكتسبت دلالتها الإصطلاحية البلاغية والأسلوبية وصارت،تدل على الطريقة الخاصة للكاتب في التعبير…).(17)

وجاء في كتاب الأسلوبية والبيان العربي لدكتور محمد عبد المنعم خفاجي وشريكيه، أن الأسلوبية هي البحث عن الأسس الموضوعية لإرساء علم الأسلوب، (18)

وقد عرفها عبد السلام المسدي فقال: علم تحليلي تجريدي يرمي إلى إدراك الموضوعية في حقل لساني غير منهج عقلاني يكشف البصمات التي تجعل السلوك الألسني مفارقات عمودية. (19)

ويعرفها   الدكتور محمد عبد الله جبر وسماها ب علم الأسلوب فقال: وعلم الأسلوب فرع من فروع الدرس اللغوي الحديث يهتم ببيان الخصائص التي تميز كتابات أديب ما، أو تميز نوعا من الأنواع الأدبية، بما يشيع في هذه، أو تلك، من صيغ صرفية مخصوصة أو أنواع معينة من الجمل والتراكيب أو مفردات، يأثرها صاحب النص الأدبي (20).

والدكتور منذر عياشي عرفها (stylistique بأنها بلاغة حديثة ذات شكل مضاعف، إنها علم التعبير، وهي نقد للأساليب الفردية. (21)

التحليل الأسلوبي للقصيدة.

وباعتبار الأسلوبية فرع من اللسانيات الحديثة والتي يجري تحليلها على مستويات منها: -المستوى التركيبي. والمستوى الدلالي. والمستوى الصوتي.

المستوى التركيبي:

يقصد الباحث في هذا المستوى الوقوف على مدى أسلوبية الجمل التي تناولها الشاعر للتعبير عن معاني الأوصاف الحميدة التي وصف بها ممدوحه في هذه القصيدة.

الجمل الإسمية والفعلية:

فقد استطاع الشاعر تأدية المعانى الجليلة الملائمة للمقام عن طريق الجمل الإسمية التي تفيد الثبوت والدوام والإستمرار (22) حيث استعملها في مواطنها المناسبة من أبيات القصيدة للدلالة على ثبوت الأوصاف المرضية والأخلاق الفاضلة ودوامها في الممدوح وأنها سجية فيه، كما تمكن من استخدام الجمل الفعلية للتعبير عن محامد الممدوح ومحاسنه للدلالة على تجدد هذه المحامد في كل المواقف

ومن أمثلة هذه الظواهر قوله: –

فمن الشيخ للذي * هو كالبحر في الكرم.

ألف ألفي تحية * تقتضي الكتب بالقلم.

الرفاعي الذي حوى ال*فخر والمجد والكرم.

نجل عثمان فودي * ضيم كامل الشيم.

كل من كان ذا جوى * وسقام من الأمم

التحليل:

لقد افتتح الشاعر قصيدته في المدح بجملة إسمية إشعارا بأن ما سيذكره من الخصال الحميدة ثابتة في الممدوح وأنه مجبول عليها، لأن الجملة الإسمية تدل على الثبوت والإستقرار.

(فمن الشيخ للذي * هو كالبحر في الكرم)

(ألف ألفي تحية *…………………..)

وأمامجيؤه بالجملة الفعلية بعد الجملة الإسمية المبدوءة بها القصيدة حيث يقول: (…………….*تقتضي الكتب بالقلم) في عجز البيت الثاني لبيان حال تحيته للممدوح ففيه أيضا إشعارا بأن تلك الخصال الجميلة ستظل مستمرا في الممدوح لايفارقها لأنه مطبوع عليها كمالا تزال تسجل بأقلام المادحين في الدواوين الشعرية

ولتقرير جبلية هذه المحامد في الممدوح أتى بجملة إسمية أخرى في البيت الثالث

فقال: (الرفاعي الذي….. * ……………….)

ثم أردف هذه الجملة الإسمية بجملة فعلية أخرى لبيان حال الممدوح على ماهو عليه من المجد والكرم حيث قال في عجز البيت الثالث:

(……….حوى ال* فخر والمجد والكرم)

وفي البيت الرابع جاء بجملة إسمية ليثبت أصالة الممدوح في المجد والكرم حيث قال:

(نجل عثمان فودي * ضيم كامل الشيم)

وأتى بالجملة الفعلية قائلا:

(فاق جودا مع التقى * كل من كان ذاهمم)

فإتباع الجملة الإسمية بجملة فعلية يوحي إلى أن عناصر الكرم ثابتة فيه بالفعل وبالطباع، وأن الكرم متجدد فيه.

النداء   هو طلَبُ الإِجابة لأمْرٍ ما بحرف من حروف النداء يَنُوبُ مَنابَ “أدعو”. (23)

 والنداء من الظواهر الأسلوبية على المستوى التركيبي.

استخدم الشاعر النداء في القصيدة استخداما أسلوبيا رائعا، وذلك في معرض إعزاز الممدوح وإجلاله تنويها لمقامه الرفيع ومنصبه العالي السامي. إذ يقول: –

ياعفاة البلاديا * طالبي العرف والكرم.

ياكريما من الكرا * م ويا ملجا الأمم

ويعجبك من أسلوبية هذا التركيب الندائي، أن الشاعر استعمل من الأداة الندائية ” يا“ إيحاء بعلو مكان الممدوح وسموه بين الأنام وتبجيلا له، كما تشير الأداة الندائية ” يا ”  إلى وسطية ولائه التام له أي أنه  ليس مجحفا في ولايته للممدوح   ولا مسرفا له في السمع والطاعة .  وذلك قوله، “يا كريما من الكرا * م …. ” وقوله ويا ملجا الأمم…… “

المستوى الدلالي.

ومن المظاهر الدلالية التي حظيت بها القصيدة ما يلي: –

التشبيه

التشبيه هو عقد المماثلة بين أمرين أوأكثر قصد اشتراكهما في صفة أوأ كثر بأداة لغرض يقصده المتكلم (24)

فقد عقد الشاعر التشبيه المرسل في البيت الأول مستعملا الأداة “كاف” مصورا حال الممدوح في العطاء الغزير، وكذلك في البيت الحادي عشر والثاني عشر صوَّر حال أمير المؤمنين من حيث تفوقه وتبريزه على القرن في سعة السخاء والجدي، تصويرا بديعا ذا تأثير قوي في المتلقي عن طريق التشبيه البليغ فتراه يقول:

إنه بحر نائل * موجه الخيل والنَّعَم.

والجواري مع البرا * نس والإبل والخدم

وأسلوبية التشبيه بأنواعه المختلفة مايتمتع به من إبراز جمال النص ورونقه، من حيث تجلية الخفي وإدناء البعيد مما يزيد الدلالة وضوحا ورفعة ويكسوها شرفا ونبلا.

المجاز اللغوي

ومن الظواهر الدلالية في القصيدة، المجاز اللغوي، وهو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي. (25).

ومن أنواع المجاز التي تناولتها القصيدة، الاستعارة: – وهي كما عرفها العلماء: تشبيه حذف أحد طرفيه  فعلاقتها المشابهة دائما (26)

وقد اعتمد الشاعر هذا النوع من الأساليب الدلالية المجازية في البيت التاسع حيث يقول:

كيف ياقوم يستوي * جامد الكف ذو الكرم

لتأدية المعنى المقصود في أسلوب وجيز، حيث شبه البخل واللؤم بالجمود لجامع عدم الميوعة والإنحلال فيسري خيره إلى الغير، حذف المشبه وهو البخل واللؤم ثم اشتق من الجمود، جامد على سبيل استعارة تصريحية تبعية

وكذلك في البيت العاشر، حيث يقول:

لا ولا البحر والسيو* ل ولا السيف والسهم

فشبه الممدوح بالبحر في كثرة جوده وبالسيف في مقاومه الشدائد واقتحام الأخطار ومقارعة الخطوب الجلل وشبه ضد الممدوح با السيل مقابل البحر منى حيث تقاصره عن مداه. وبالسهام مقابل السيف من حيث الكلال والضعف.

المستوى الصوتي.

الإيقاع الخارجي من المباحث الصوتية في الدراسة اللغوية عامة والأسلوبية خاصة وهو عبارة عن الأوزان والقوافي التي تحقق للنص الشعري أنغاماموسيقية متناسقة ومنتظمة تنسجم بها ألفاظ القصيدة وتنساب أصواتها، في تمثيل حي لعاطفة الشاعر.

الأوزان:

فقد استخدم الشاعر من الأوزان في بناء القصيدة مجزوء البحر الخفيف وهو من أنسب البحور الشعرية بالمدح ويتكون من التفاعيل التالية:

فاعلاتن متفع لن * فاعلاتن متفع لن.

وطبق كل ظاهرة من الظواهر العروضية على هذه القصيدة حسب الحاجة الداعية إليها لأبراز المعاني القيمة بالألفاظ المناسبة تطبيقا حسنا رائعا ومن أوضح مثال لذلك تطبيقه للزحاف المسمى “للخبن” في الضرب والعروض، والتزم بذلك في جميع أبيات القصيدة كلها ومن أمثلة ذلك ما يلي:

فَمِنَشْشَيْ\خِ لِلْلَذِيْ * هُوَكَلْبَحْ\رِ فِلْكَرَمْ

فعلاتن\ متفع لن * فعلاتن\ متفع لن

أَلْفُ أَلْفَيْ\ تَحِيْيَتِنْ * تَقْتَضِلْكَتْ\بَبِلْقَلَمْ .

فاعلاتن\متفع لن * فاعلاتن\ متفع لن

فَاْقَجُوْدَنْ\ مَعَتْتُقَنْ * كُلْلَمَنْكَاْ\نَذَاْهِمَمْ

فاعلاتن\ متفع لن * فاعلاتن\ متفع لن.

مماأدى إلى وحدة النغمة الموسيقية اللذيذة في الإيقاع الخارجي للقصيدة والإيقاع الخارجي كسمة لغوية صوتية إذا توافقت نغماته طولا أو قصرا، أضفى على القصيدة ظلالا من البهاء والرونق.

ولا شك أن أبيات القصيدة اكتسبت جلاء معانيها من حسن تطبيق الشاعر لظاهرة الزحافات وسائر الظواهر العروضية وفي ذلك دلالة واضحة على تمكنه في هذا الشأن نظرية وتطبيقية.

القافية:

فقد استعمل الشاعر في هذه القصيدة الميمية القافية المقيدة المجردة عن الردف والتأسيس وتقع من جميع أبيات القصيدة في مقاطعين صوتيين قصيرين، وهي في البيت الأول ” لْكَرَمْ ” وفي الثاني ” لْقَلَمْ ” وعلى هذاىالنمط جاءت سائر قوافي القصيدة حفاظا على حسن الموسيقى لتماثل المقاطع الصوتية في فافية كل بيت من أبيات القصيدة مما يحس بتلائم أجزائها من بناء كلماتها وترتيبها في الجمل المنتظمة في الأبيات التي شكلت بناء القصيدة فتحققت لها وحدتها العضوية.

هذا، ولقد أحسن الشاعر تناول قواعد القافية في قصيدته توظيفا وتطبيقا ويتجلى ذلك في اختياراته لظواهر القوافي.

فقد اختار الشاعر ” الميم “رويا لقافية القصيدة، والميم من حروف الجهر، وَمعنى المجهور مِنْ الحروف أَنه لزم مَوْضِعه إِلَى انْقِضَاء حُرُوفه، وَحبس النَّفس أَن يجْرِي مَعَه، فَصَارَ مجهورا لانه لم يخالطه شيء يُغَيِّرهُ، (27)

وذلك مناسب لواقع القصيدة لأن الجهر من مستلزمات المدح الذي هو غرض القصيدة ولاسيما في الإشادة بأخلاق الممدوح السامية الفاضلة من كثرة الجود والكرم وسبقه الأقران في ذلك كله ويؤذلك قوله:

يا عفاة البلاد يا *   طالبي العرف والكرم.

فاشكروا الله واحمدوا *    لتقديمه الخصم

بحر جود مه الندى * باسط الكف كالديم

وبهذا يرى الباحث أن الشاعر في استخدامه للأصوات بما في ذلك من ظواهر العروض والقوافي، يعمد إلى تصوير المواقف الإنسانية تصويرا يوحي بمافي هذه الأصوات والأوزان والقوافي من طاقات نغمية هائلة وشحنات إيقاعية إلى إحداث أجواء نفسية ذات تأثير في المعنى.

خاتمة البحث ونتائج البحث:

تناولت المقالة إلى ترجمة الشاعر من حيث الولادة والنشأة والدراسة وانتحت إلى التعريف بالأسلوبية لغة واصطلاحا، متناولة الحديث عن شتى دلالاتها اللغوية ومختلف عبارات الأسلوبيبن في تحديد ها الإصطلاحي ثم خلصت إلى عرض القصيدة وتحليلها تحليلا أسلوبيا على مستويات التحليل اللغوي الأسلوبي، المتمثلة في المستوى التركيبي، والمستوى الدلالي، والمستوى الصوتي، وانتهت بسرد النتائج

تميزت القصيدة بمعان راقية أ كسبتها الجودة والجمال والرونق بتراكيبها الإسمية والفعلية أوضحت المقاصد الكبرى للقصيدة   فتحقق بذلك الهدف المنشود

تجلت في المستوى الدلالي خصائص أسلوبية للقصيدة إذ اعتمد النص الشعري في تصوير المعاني العالية السامية على تشبيهات رائعة وإستعارات بديعة ومجازات راقية وغير ها من الظواهر الدلالية مما أضفى على القصيدة الحسن البهاء.

وظَّف الشاعر الإيقاعات الصوتية توظيفا أدى إلى انسجام أجزاء القصيدة انسجاما نتج منه وحدة العضوية للقصيدة إضافة إلى ماتشيرإليه تلك الأصوات من الدلالات، والمعاني الجليلة.

الملحق: نص القصيدة

فمن الشيخ للذي * هوكالبحر في الكرم

ألف ألفي تحية * تقتضي الكتب بالقلم

الرفاعي الذي حوى ال*فخر والمجد والكرم .

نجل عثمان فودي * ضيم كامل الشيم .

كل من كان ذا جوى * وسقام من الأمم

فاق جودا مع التقى * كل من كان ذاهمم.

قدبرا من سقامه* واقتنى المال والخدم

واتوى من صدى النوى * واغتنى واجتبى النعم

كيف ياقوم يستوي * جامد الكف ذوالكرم

لا ولا البحر والسيو* ل ولا السيف ولا السهم

إنه بحر نائل * موجه الخيل والنَّعَم.

والجواري مع البرا * نس والإبل والخدم.

قط ما عاب غيره * لا ولا اغتاب أو شتم.

يا عفاة البلاد يا * طالبي العرف والكرم.

فاشكروا الله واحمدو* لتقديمه الخصم

بحر جود مه الندى * باسط الكف كالديم

أحمد نجل قطبنا * ابن شيخ الهدى العَلَم

كل ذي حاجة إذا * غازه فاز واغتنم

إنه من خلائف *   سادة قادة الأمم

ودعاة إلى الهدى * كل عاص ومن ظلم

ومطيع وملحد * وسميع وذي صمم

وبصير وضده * ذي كلام وذي بكم

باذل غير باخل * جائد ماجدعَلَم

عالم غير جاهل * نائل ناصرالأمم

بارز غير غائب * ضاحك غيرذي سام

ناصح غيرخائن * عابد وافر الهمم

صادق غير مائن * حافظ العهد والذمم

واصل غيرقاطع * باسل فائق البهم

لم يزل عوض عاليا * فوق أقرانه الصمم

ليس فظا ولا غلي * ظ الفؤاد ولا فدم

بل ولا جبا ولا * إمعا إمرا لَسَم

بل له الذب والشجا* عة والطرد للقرم.

ليس من انه الملا* لة والمطل والبرم

يا كريما من الكرا* م ويا ملجا الأمم

ولانسيت الذي وعد* ت لتلميذك الاحم

الرفاعي الرفيع ذو* الرفعة العز والقدم

لم يزل رافعا له * ومعزاعلى الامم

بشفيع الورى الهدى * سيد العرب والعجم

وبتال وصحبه * وبمن فيهمانتظم

وابنائه الكرا * م وأزواجه الحرم

الهوامش:

(1) سمبو ولي جنيد (البروفيسور)، فن المديح في مدينة صكتو بناؤه وأسلوبه من 1804— 1960 .دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت –لبنان ، بدون تاريخ ،ص-131

(2)محمد حبيب محمد (الدكتور) شخصية الشيخ عثمان بن إسحاق وإسهامه في إحياء التراث العربي النيجيري الطبعة الأولى سنة 2005 بدون مطبعة ص- 13.

(3 ) محمد حبيب محمد (الدكتور) المرجع السابق ص- 16 بتصرف.

(4)محمد حبيب محمد (الدكتور) ، المرجع السابق ص 20—21 بتصرف يسير .

(5)النسخة الأصلية بخط المؤلف مخطوطة، موجودة في مكتبة مَالَمْ بُوْي غِدَنْ أُبَنْ دُوْمَ صَكُّوَتُوْ.

(6)توجد النسخة الأصلية في دار الوثائق للوزير جنيد صكتو، برقم 4\23\174. وتوجد مخطوطة مصورة في مكتبة الباحث.

(7)موجودة في دار الوثائق للوزير جنيد صكتو،برقم 4\22\168.

(8)سمبو ولي جنيد(البروفيسور) ،المرجع السابق ص- 131

(9) إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار

المعجم الوسيط ـ موافق للمطبوع، دار النشر: دار الدعوة، تحقيق / مجمع اللغة العربيةعدد الأجزاء /  2 ص 441 ترقيم الشاملة موافق للمطبوع

(10)محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ، القاموس المحيط عدد الأجزاء : 1 ص 125

(11)محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصر، لسان العرب ، دار صادر – بيروت

الطبعة الأولى ،عدد الأجزاء :  15مصدر الكتاب: برنامج المحدث المجاني

مرفق بالكتاب حواشي اليازجي وجماعة من اللغويين

مصدر الكتاب : موقع المكتبة الرقمية مادة سلب،

(12) عباس حسن  النحو الوافي، دارالمعارف، الطبعة الخامسة عشرة، عدد الأجزاء : 4ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي، ص  186

(13) محمد عبدالمنعم ( الدكتور) الأسلوبية والبيان العربي خفاجي وشريكيه، نشرالدار المصرية اللبنانية الطبعة الأولى 1992

(14) محمد عبد الله حبر (الدكتور ) الأسلوب والنحو دراسة تطبيقية في علاقة الخصائص الأسلوبية ببعض الظاهرات النحوية . دار الدعوة للطبع والنشر زالتوزيع، الطبعة الأولى  1988. ص 25

(15)  محمد عبدالمنعم خفاجي (الدكتور) وشريكيه المرجع السابق ص 25 .

(16)   محمد عبدالمنعم خفاجي(الدكتور) وشريكيه المرجع السابق .

(17) ابن ذريل عدنان النص والأسلوبية بين النظرية والتطبيقية  دراسة، . ص 45 نشر اتحاد الكتاب العرب سنة 002 موقع اتحاد الكتاب العرب على شبكة الأنترنيت WWW.awu-

(18)  محمد عبدالمنعم خفاجي(الدكتور)  وشريكيه المرجع السابق  ص 25

الطبعة الأولى سنة 1992 الدار المصرية  اللبنانية  للطباعة والنشر والتوزيع  القاهرة (19) الأسلوب والأسلوبية نحو بديل ألسني في نقد الأدب.

المطبعة  الدار العربية للكتاب .لبيا-تونس سنة 1977. صن 33

(20) محمد عبد الله جبر(الدكتور) الأسلوب والنحو دراسة تطبيقية في علاقة الخصائص الأسلوبية ببعض الظاهرات النحوية ص 6

دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع  الطبعة الأولى 1409ه، 1988 م

(21)  بييرجيرو الفرنسي، الأسلوبية، ترجمة الدكتور منذر عياشي، الطبعة الثانية،دار الحاسوب للطباعة حلب سورية  ص 9

(22) أبوالعباس محمد علي الإعراب الميسر دراسة في القواعد والمعاني والإعراب  مطبعة دار الطلائع  القاهرة، بدون التاريخ ص 83

(23) الدمشقي، عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة، البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها

الناشر: دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت الطبعة: الأولى، 1416 هـ – 1996 م

عدد الأجزاء: ص  182

(23) الهاشمي أحمد، جواهر البلاغة  مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت  ص 214

(24) الهاشمي أحمد  المرجع السابق ص 254

(25) الهاشمي أحمد. المرجع السابق  ص 258

(26) علي الجارم و مصطفى أمين : البلاغةُ الواضِحَةُ. ص 93

(27)  ابن منظور الإفريقي، لسان العرب الناشر: دار صادر – بيروت الطبعة: الثالثة – 1414 هـ ص- 13 الجزء الأول

المصادر المراجع:

  1. فن المديح في مدينة صكتو بناؤه وأسلوبه من 1804- 1960. سمبو ولي جنيد، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت
  2. شخصية الشيخ عثمان بن إسحاق وإسهامه في إحياء التراث العربي النيجيري، محمد حبيب محمد
  3. المعجم الوسيط، إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار
  4. القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي
  5. لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصر
  6. 6.  النحو الوافي، عباس حسن  
  7. الأسلوبية والبيان العربي خفاجي وشريكيه، محمد عبدالمنعم
  8. الأسلوب والنحو دراسة تطبيقية في علاقة الخصائص الأسلوبية ببعض الظاهرات النحوية، محمد عبد الله حبر
  9. النص والأسلوبية بين النظرية والتطبيقية، ابن ذريل عدنان
  10. الإعراب الميسر دراسة في القواعد والمعاني والإعراب، أبوالعباس محمد علي
  11. البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها، الدمشقي ، عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة
  12. جواهر البلاغة، الهاشمي أحمد
  13. البلاغةُ الواضِحَةُ، علي الجارم ومصطفى أمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *