د.محمد منصور جبريل
ملخص البحث
تُمثِّل ظاهرةُ الطباق خاصية أسلوبية دلالية في كونها تكشف عن العلاقة الثنائية الضدية بين اللفظَيْن، وكانت هذه العلاقة تمت بصلة إلى حقل تحسين المعنى، مما يعين على كشف زاوية من زوايا الإعجاز البياني في النص القرآني كما سيُلمس ذلك من الظواهر الطباقية الواردة في سورة غافر، حيث عالجت السورة سياقات من صور الطباق بنمطَيْه الإيجابي والسلبي، على نسق بياني متمثل في المطابقة بين الاسمَيْن أو الفعلَيْن، أو الظرفَيْن، أو المطابقة بين الاسم والفعل وِفقا لمنهج السورة في نقل الرسالة إلى المتلقي. وتتضح أهمية البحث في دراسته لأنماط من دلالات الثنائية بين المتضادَّيْن من الألفاظ بغية كشف الغطاء عن جماليات النص المدروس على المستوى الدلالي، ما يدل على بلاغة آي الذكر الحكيم من حيث البيان والأسلوب. وبما أن البحث يعالج الخاصية الدلالية في سورة من القرآن الكريم، فما موضوع هذه السورة؟ وما أنماط الطباق الواردة فيها؟ وكيف أسهمت هذه الأنماط في تشكيل النص؟ وما دورها في نقل الرسالة إلى المتلقي؟ وسيوظف البحث المنهج الوصفي، وفقا لمتطلبات الدراسة الأسلوبية.
المقدمة
نزل القرآن الكريم متعدد الإعجاز من حيث فصاحته وبلاغته، وأصواته وتراكيبه، ومحكمه ومتشابهه. وقد تحدى العرب على الإتيان بمثله فلم يستطيعوا، فضلا عن أن يأتوا بعشر سور مثله أو أقصر سورة منه فعجزوا؛ على الرغم من أنه نزل بلسان عربي مبين، وهم أهل عكاظ وأرباب الفصاحة والبيان، امتلكوا ناصية الكلام وسحر القوافي، وأساليب تحسين الشكل والمضمون، ومع ذلك نزل القرآن، فأعجزهم عن مضاهاته شكلا ومضمونا، وأعلمهم أنه كلام الخالق، وليس بقول مخلوق من الشعراء والسحرة والكهان.
هذا، وقد تناولت سورة غافر سياقات من ظواهر الطباق الكاشف عن الثنائية الضدية المتمثلة في العلاقات الدلالية بي اللفظين المقابلَيْن، وقد تكون العلاقة بينهما اسمية أو فعلية، أو اسمية وفعلية، أو ظرفية، وفقا لورودها في النص المدروس. وتتمثل أهمية البحث في كونه يكشف الغطاء عن دور المطابقة في تقريب دلالة النص القرآني إلى المتلقي. وهذا مما يعين على إبراز ناحية كبيرة من نواحي الإعجاز البياني للقرآن الكريم.
التعريف بالسورة ومفهوم الطباق:
سورة غافر مكية، وآياتها خمس وثمانون آية. وموضوعها الرئيسي هو تقرير التوحيد وعقيدة البعث والجزاء، وتوضيح عاقبة الكفار والملحدين؛ وقد بينت السورة أن القرآن الكريم منزل من عند الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك تقررت نبوته ورسالته عليه الصلاة والسلام.
وقد أوضحت السورة إفضال الله تعالى على العباد، إذ يريهم آياته لهدايتهم، ويرزقهم وهم يكفرون به؛ كما بيَّنت السورة وجوب إخلاص الدعاء وسائر العبادات لله وحده ولو كره المشركون. وقد أوضحت السورة كذلك مشروعية السَّيْر في البلاد للعظة والاعتبار، تَقْوِيَة للإيمان. واختتمت السورة تبين أن الماديين من الناس يغترُّون بمعارفهم ليستغنوا بها عن العلوم الروحية في نظرهم، إلا أنها لا تُغني عنهم شيئا عند حلول العذاب بهم في الدنيا والآخرة.
ومن الجدير بالاعتبار، أن هذه السورة تتسم بمقومات البنية الجمالية المتمثلة في براعة المطلع وحسن التخلص والخاتمة، حيث افتتحت بالدعوة إلى التوحيد الذي هو موضوعها الرئيسي، كما هو ظاهر في أساليب السور المكية. وكان المطلع جذابا يلفت الانتباه نحو السماع إلى آي الذكر الحكيم والانقياد إلى تعاليمها، بعد محاولة الكفار لدحض إخوانهم عن سماع كتاب الله تعالى، خوفا عليهم من الأخذ بهديه. وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ، (فصلت: ٢٦)
وقالوا كلام ساحر، وقول كاهن، وأبيات شاعر، فرد الله سبحانه وتعالى على زعمهم في افتتاحية هذه السورة الكريمة، تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (غافر: 2)
بمعنى أن القرآن الكريم، ليس بقول كاهن، ولا كلام شاعر، بل هو كتاب منزل من عند الله العزيز العليم، ما يدل على براعة القرآن في التصاحب اللغوي، ومراعاة النظير.
وقد تخلص السياق نحو الدعوة إلى توحيد العبادة، إذ أنه سبحانه وتعالى غافر الذنب لمن تاب وأناب إليه، وأخلص في عبادته، وأنه شديد العقاب لمن تمرد واستمر على عصيانه بعد الذكرى، قال تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (غافر: 3)
واختتمت السورة توضح أحوال الماديين الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم غافلون عن الآخرة، وكان دأبهم في أن يفرحوا بما أوتوا من العلم بأسباب المعيشة، وهم عن الآخرة مشغولون، وقد تناسوا بأن هذه الحياة الدنيا بجميع حطامها لا تغني عنهم شيئا من عذاب الله، وإنما يتقبل الله من المتقين.
مفهوم الطباق:
كلمة الطباق من مادة (طبق). والطبق غطاء كل شيء، والجمع أطباق. يقال: طابقه مطابقة وطباقا. وتطابق الشيئان، بمعنى: تساوايا. والمطابقة: الموافقة، وطابقت بين الشيئين إذا جعلتهما على حذو واحد وألزقتهما[i]
ويرى الفيروزآبادي أن الطبق من كل شيء: ما ساواه، وقد طابقه مطابقة وطباقا.. وطبقة: امرأة عاقلة تزوج
بها رجل عاقل. ومنه قولهم: “وافق شنٌّ طبقة”.[ii]
يتضح بنا مما سبق أن المطابقة من المنظور اللغوي تعني التساوي بين الشيئين، إلا أن الفيروزآبادي يكاد يلمس شيئا من مدلول الكلمة الاصطلاحي، حيث يرى أن اللفظة (طبقة) تعني: زواج امرأة عاقلة برجل عاقل، ومن هنا تكاد تظهر دلالة المزاوجة بين الضدّيْن (رجل وامرأة).
أما ابن الأثير، فقد أوضح مدلول الطباق وفقا لما تراكمت عليه أقلام اللغويين وأساطين الفصاحة، إذ يقول:
“وقد أجمع أرباب هذه الصناعة على أن المطابقة في الكلام، هي الجمع بين الشيء وضده، كالسواد والبياض، والليل والنهار، وخالفهم في ذلك قدامة ابن جعفر الكاتب، فقال: المطابقة: إيراد لفظين متساويين في البناء والصيغة مختلفين في المعنى. وهذا الذي ذكره هو التجنيس بعينه”.[iii]
يُستنتَج مما سبق أن ابن الأثير استدرك على قدامة بن جعفر في خروجه عما ذهب إليه سواد أهل اللغة في تعريفهم للمطابقة بأنها تتمثل في الجمع بي الضدين كما هو سالف الذكر، حيث جانبه الصواب بأن إيراد لفظين متساويين في الشكل ومختلفين في المضمون من باب التجنيس.
ويرى الباحث أن ما ذهب إليه ابن الأثير في أن المطابقة تتمثل في الجمع بين الشيء وضده أقرب إلى الصواب، بدليل أن التجنيس عبارة عن اتفاق اللفظين في البنية الشكلية واختلافهما في المعنى المرادز
أما الشيخ عبد الرحمن السيوطي فقد عرف الطباق بأنه ضرب من أضرب تحسين المعنى، ومن ألقابه: المطابقة والتضاد، وهو عبارة عن الجمع بين المتقابلين، سواء أكان تقابل ضدين أو نقيضين، ويكون بلفظين من نوع اسمين، نحو (أيقاظا ورقود) من قوله تعالى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (الكهف: 18)
أو فعلين، نحو: (يحيي ويميت) من قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا ِلأَخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (آل عمران: 156)
أو حرفين نحو: “لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت” من قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ… (البقرة- 286)
أو من نوعين نحو: “أو من كان ميتا فأحييناه”. كما ورد في قوله تعالى: َوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام: 122)
واستمر يوضح بأن الطباق نوعين: طباق الإيجاب كما مُثِّل، وطباق السلب: وهو الجمع بين فعلين من نوع واحد، أحدهما مثبت، والآخر منفي، أو أحدهما أمر والآخر نهي. ومثال الأول: ” ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهرا” فيُلمَس النفي من السياق الأول (لا يعلمون)، والإثبات من اليساق الثاني (يعلمون ظاهرا)، كما ورد ذلك من قوله تعالى: وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (الروم:6- 7).
أما الأمر والنهي، فمن ذلك ما ورد في سورة المائدة “فلا تخشوا الناس واخشون” (المائدة :44)
ففي قوله تعالى “فلا تخشوا الناس” توظيف جملتي نهي وإثبات لأن مفاد كلتا الجملتين مقصود نهي عن مخافة غير الله، وإثبات مخافة الله وهذا من خصائص المؤمنين، فأما المشركون فهم يخشون شركاءهم وينتهكون حرمات الله لإرضاء شركائهم، وأما أهل الكتاب فيخشون الناس ويعصون الله بتحريف كلمه، ومجاراة أهواء العامة، وفي قوله “واخشون” أمر بخشية الله وحده.[iv]
دراسة تطبيقية لأنماط الطباق الواردة في السورة:
يُمثل الطباق دورا دلاليا إيجابيا في تحسين المعنى عبر الإتيان بلفظ وما يقابله؛ وتكمن الخاصية الفنية في هذه الظاهرة في فتح باب الخيار أمام المتلقي، حيث يأتي الأسلوب القرآني باللفظين المقابلين بغية التبشير والتنذير، فتتوفر للقارئ حرية خيار أحد الضدين: إما شاكرا وإما كفورا، وله الانتماء إلى أصحاب اليمين، أو أصحاب الشمال. وأحيانا يكون التوظيف لفتح باب الموعظة والدعوة التأملية كما في “وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الأرض كيف سطحت” (الآية: 18-20).
ومن الجدير بلاعتبار، أن النص القرآني يقدم ظاهرة الطباق في أسلوب دعوي بحيث يوفر للمتلقي حرية التفكير حتى يميز بين الحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والحسنة والسيئة، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.
وفيما يمت بصلة إلى أنماط الطباق الواردة في سورة غافر، يُستنتَج ورود هذه الظاهرة على النحو التالي:
1.المطابقة بين الاسمَيْن (اسم\اسم):
وردت المطابقة بين الاسمين في سورة غافر في قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (غافر: 5)
يُستنتَج ظاهرة المطابقة بين الاسمين المتضادين (الباطل) و (الحق) للدلالة على أن جماعة من قوم نوح والذين أتوا بعدهم اتبعوا أهوائهم، وكذبوا رسلهم عن طريق أخذ الباطل وسيلة لهم للسيطرة والقضاء على الحق، فأخذهم الله بذنوبهم. ففي تقديم الباطل على الحق دلالة على الاهتمام بذكر المقدم وتقريبه إلى فاعله، بمعنى أنهم اهتموا بالأعمال الباطلة واتخذوها وسيلة لهم ينتصرون بها على الحق.
وقد وردت كذلك ظاهرة المطابقة من هذا النوع في قولهتعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (غافر: 7).
تلمس المطابقة من هذه الآية الكريمة بين اللفظين (رحمة) و (عذاب)، وقد وردت للدلالة على أن من تاب وأناب إلى ربه، فإنه يتوقى من عذاب أليم، لأن رحمته تعالى وسعت كل شيء. ففي تقديم (رحمة) دلالة على الاهتمام بالمقدم، إذ أن الله سبحانه وتعالى رحيم، فلا يعذب من عباده أحدا، إلا من كفر وأشرك في عبادته أحدا، أو عصى ربه وألحَّ على عصيانه، وأما الذين تابوا واتبعوا سبيله فإنه سبحانه وتعالى يُجِرْهم من عذاب الجحيم.
ومن الطباق بين الاسمين في سورة غافر قوله تعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (غافر: 2)
وردت المطابقة بين اللفظين: (كاذبا) و (صادقا)، وتتمثل الخاصية الدلالية للصورة الطباقية في كبح جماح إرادة الظالم، بالحجة البليغة بغية تمحيص الحق وإظهاره، وهذا من باب نصرة المظلوم وكف الظالم عن الجَوْر.
ومن تجليات المطابقة بين الاسمين في هذه السورة قوله تعالى “يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ” (غافر: 39).
يُلمَس صورة المطابقة بين اللفظين (الدنيا) و (الآخرة)، حيث قُدِّم (الدنيا) على (الأخرة) لتقليل شأنها، وهذا ما توحي إليه كلمة (متاع)، وفي التقديم كذلك دلالة على أن الدنيا مكان لطلب الآخرة، فمن عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها.
ومن المطابقة بين الاسمين قوله تعالي: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (غافر: 40).
وتظهر صورة المطابقة بين اللفظين: (سيئة) و (صالحا). والاسمين : (ذكر) و (أنثى)، ففي المطابقة دلالة على أن الجزاء من جنس العمل، وأن المرأ لايجني من الشوك العنب. وكذلك يُستنتج من التضاد، أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا؛ سواء ذكرا كان أو أنثى.
ومن المطابقة بين الاسمين في هذه السورة قوله تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (غافر: 57)
يُلمس ظاهرة الطباق بين اللفظين: “السموات” و “الأرض”، وتتمثل الخاصية الدلالية لهذه الصورة في الدعوة التأملية نحو الكون العلوي والسفلي، إذ أن السماوات خلقها الله سبحانه وتعالى بغير عمد يراها الإنسان في حالة ظعنه وفي حالة إقامته، وكذلك الأرض التي دحاها الله تبارك وتعالى وسخرها للبشر ينتشرون فيها ابتغاء من فضله، فهي لهم مكان للزرع والحصاد، وهي كذلك مصدر للمعادن؛ ولعل ذلك يكون للناس آية على قدرة الخالق المعبود بالحق.
2.المطابقة بين الفعلَيْن (فعل\فعل):
كما تكون المطابقة بين الاسمين لإبراز خاصية دلالية وفقا لورودها في السياق النصي، تكون المطابقة كذلك بين الفعلين لإبراز خواص دلالية ملموسة في النص القرآني منها ما يلي:
قال تعالى الاية الحادية عشرة من هذه السورة “قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (غافر: 11).
يُستَنتَج ظاهرة المطابقة بين الفعلين في الآية الكريمة، من قوله تعالى: “أمتنا” و “أحيينتا”، بحيث يُلمَس من اللفظين طباق الإيجاب المتمثل في العلاقة الضدية بين الفعلين (أمات) و (أحيا). فالطباق هنا يوحي بالندم والتحسر عن طريق ذكر الحالة، حيث يعترف الكفار بأن الله سبحانه وتعالى خلقهم في الدنيا وأوجدهم بعد العدم، وأحياهم مدة من الزمن ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ولكنهم أساءوا وما ظفروا بتدبير أوقاتهم فيما يُجدي، وبذلك لم تنفعهم الحياة الدنيا، إذ ألهتهم عن الطاعة حتى أخذهم الله بذنوبهم.
ومنه قوله تعالى: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (غافر: 12).
تتمثل ظاهرة الطباق في الآية الكريمة، بين اللفظين “كفرتم” و “تؤمنوا” وفي الطباق دلالة على العلة وسبب تعذيب الملحدين، ويكون السبب بأنهم يكفرون بالتوحيد ويؤمنون بالشرك، وقد تناسَوْا أن الحكم والقدرة على تدبير الأمور بيد الله العلي الكبير، فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.
ومن الطباق بين الفعلين في سورة غلفر قوله تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ (غافر: 25).
وتتمثل ظاهرة الطباق بين اللفظين في الآية الكريمة من الفعلين: (اقتلوا) و (استحيوا). والخاصية الدلالية لهذه الظاهرة تبرز الإشعار بالسيطرة وإظهار القدرة على الغير. وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى “قالوا اقتلوا” بمعنى: أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولا، يريد أن هذا قتل غير الأول. فجعل الله كيد فرعون وأعوانه في ضياع[v]
ومن ظواهر المطابقة بين الفعلين في هذه السورة قوله تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (غافر: 26).
يُستنتَج ظاهرة المطابقة بين الفعلين: (نُهِيتُ) و (أُمِرْتُ)، وتتمثل الخاصية الدلالية للطباق في هذا الصدد في أنه يبرز المنهج القرآني في إصدار الأمر والنهي، وأن الأمر والنهي في هذه المعاجلة عام، ولم يكن خاصا به صلى الله عليه وسلم، لأن التوحيد عقيدة عامة لجميع الأنبياء والرسل، وقد أمروا قومهم بالسير على منواله.
ومن المطابقة بين الفعلين في سورة غافر قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (غافر: 68).
وتتمثل ظاهرة الطباق في الآية الكريمة، بين الفعلين: (يحيي) و (يميت)، ففي الطباق دلالة على أن الإماتة والإحياء بيد الحق سبحانه وتعالى، وأنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، فلا يحتاج في تكوينه إلى عدة وتجشم كلفة.[vi]
ومن صور المطابقة بين الفعلين في السورة قوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (غافر: 84).
يُستنتج من الآية الكريمة ظاهرة المطابقة بين الفعلين: (آمنا) و (كفرنا)، وتتمثل الخاصية الدلالية للطباق في هذا الصدد، في إبراز الاعتراف الزائف الذي لا يُجدي، حيث نطق الكفار بكلمة الإيمان بعد مشاهدة الهلاك والتيقن من عدم الانفلات منه “فلما رأوا بأسنا” أي شدة عذابنا، ومنه قوله تعالى “بعذاب بئيس”، وعندئذ “قالوا آمنا بالله وكفرنا بما كنا به مشركين” وهذا الإيمان لا يغني عنهم من عذاب الله من شيء، لعدم إخلاص النية فيه، وإنما يتقبل الله من المتقين.[vii]
3. الطباق المزدوج (فعل\اسم، وسطحي\عميق):
ترد صورة الطباق أحيانا مزدوجة بين الفعل والاسم، أو بين الاسم والفعل، أوبين البنيتَيْن: السطحية، والعميقة كما سيتضح ذلك في النص المدروس. ومن هذه الصورة قوله تعالى: يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (غافر: 33).
وتتمثل ظاهرة المطابقة في الآية الكريمة بين اللفظين المختلفين (يضلل) و (هاد)، فالكلمة الأولى فعل مضارع، والثانية اسم فاعل. وتظهر الخاصية الدلالية من هذه الآية في توضيح أن الهداية بيد الله، ومن أضله الله فلا هادي له. ورد في الآية الحديث عن أهوال يوم القيامة “يوم التناد” والكلمة (التناد) من ندَّ البعير: إذا هرب، وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسُّدِّي هذه الآية. وروت هذه الفرقة حديثا في هذا المعنى: أن الله تعالى إذا طوى السموات نزلت ملائكة كل سماء، فكانت صفًّا بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب؛ فإذا رأى الخلق هول القيامة، وأخرجت جهنم عنقا إلى أصحابها، فرَّ الكفار وندُّوا مدبرين إلى كل جهة، فتردهم الملائكة إلى المحشر: لا عاصم لهم، والعاصم المنجي. [viii]
ومن ظواهر المطابقة بين اللفظين المختلفين في هذه السورة قوله تعالى: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (غافر: 47).
يُستنتَج من الآية الكريمة تجليات المطابقة بين اللفظين المختلفين:(الضعفؤ) و (الذين استكبروا)، فالأول اسم ظاهر، والثاني يراد به الرؤساء، وتكون المطابقة هنا بين (الضعفاء) و (الرؤساء)، وتتمثل الخاصية الدلالية لهذه المطابقة في توضيح الحوار العقيم بين التابع والمتبوع. والمعنى: أذكر يا محمد لقومك إذ يتحاجون، أي يحاجج بعضهم بعضا، ثم شرح خصومتهم، وذلك أن الضعفاء يقولون للرؤساء “إنا كنا لكم تبعا” قال الزمخشري: تبعا كخدم في جمع خادم، أو ذوي تبع، أي أتباع، أو وصفا بالمصدر “فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار”، أي فهل تقدرون على أن تدفعوا أيها الرؤساء عنا نصيبا من العذاب.[ix]
ومن تجليات المطابقة بين اللفظين المختلفين في سورة غافر، قوله تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (غافر: 59).
وتتجلى صورة المطابقة في هذه الآية الكريمة بين البنيتين: إحداهما عميقة (الذين ءمنوا وعملوا الصلحت)، والتي تظهر بمعنى (المطيعون)، والأخرى سطحية (المسئ)، أي ما يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا، وهو مثل الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه، فيتدبرها ويعتبر بها، فيعلم وحدانيته وقدرته على خلق ما شاء من شيء، ويؤمن به ويصدق. والبصير الذي يرى بعينيه ما شخص لهما ويبصر، وذلك مثل للمؤمن الذي يرى بعينيه حجج الله، فيفكر فيها ويتعظ، ويعلم ما دلت عليه من توحيد صانعه، وعظيم سلطانه، وقدرته على خلق ما يشاء.[x]
4. المطابقة بين الظَّرْفَيْن:
ويعني الباحث هنا بالظرفين: وجود التطابق بين الظرفين بغض النظر عن كونهما زمانيين أو مكانيين؛ فقد يكون اللفق ظرف زمان ويكون ضده ظرف مكان أو العكس، وقد ترد صورة الطباق بين الظرفين زمانيين، كما قد تكون بين الظرفين المكانيين.
لاحظ الباحث ورود المطابقة بين الظرفين في سورة غافر من قوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر: 46).
لقد وردت صورة الطباق في الآية الكريمة بين الظرفين الزمانيين (غُدُوًّا) و (عشيًّا) للدلالة على تعيين المرة والحالة الزمنية. يقول الله سبحانه وتعالى مبينا عن سوء العذاب الذي حل بالأشقياء من قوم فرعون، ذلك الذي حاق بهم من سوء عذاب الله النار يعرضون عليها لما هلكوا وأغرقهم الله. جعلت أرواحهم في أجواف طير سود، فهي تعرض على النار كل يوم مرتين “غدوا وعشيا” إلى أن تقوم الساعة.[xi]
ومن الطابقة بين الظرفين في هذه السورة قوله تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (غافر: 55).
تتمثل ظاهرة المطابقة في الآية الكريمة بين الظرفين (العشي) و (الإبكار)، وقد وردت الصورة الطباقية للدلالة على تعيين زمن العبادة للرسول صلى الله عليه وسلم، بمعنى: وصل بالشكر منك لربك “بالعشي” وذلك من زوال الشمس إلى الليل، (والإبكار)، وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس. وقد وجه قوم الإبكار إلى أنه من من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى، وخروج وقت الضحى، والمعروف عند العرب الأول.[xii]
5. طباق السلب:
سبقت الإشارة إلى أن الطباق هو الجمع بين الضدين من نوع واحد، أو نقيضين أحدهما مثبت، والآخر منفي، أو أحدهما أمر والآخر نهي. ويسمى النمط الثاني طباق السلب، وقد ورد هذا النمط من الطباق في سورة غافر من قوله تعالى: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (غافر: 20).
تتمثل ظاهرة طباق السلب بين الفعلين المثبت (يقضي) والمنفي (لايقضي)، و المستوى الدلالي لهذه الصورة يبين أن الله يحكم بالعدل، بخلاف الذين يعبدهم المشركون من أصنام وأوثان، فإنهم “لايقضون بشيء” لأنهم لا يسمعون، ولا يبصرون، وهم لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، (الاية 73 في سورة الحج). وقد يُستنتج من جملتي “والله يقضي بالحق”،وجملة “والذين يدعون من دونه” إثبات الحكم الحق لله عز وجل، ونفيه عن غيره من الأوثان، حيث ورد قصر القضاء على الله تعالى دون الأصنام.[xiii]
ومنه قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (غافر: 78).
تتجلى المطابقة في الآية الكريمة بين الفعلين: الفعل المثبت (قصصنا) والفعل المنفي (لم نقصص)، وتتمثل الخاصية الدلالية للمطابقة في إبراز التسلية للرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث يخبر تعالى رسوله بأنه أرسل من قبله رسلا كثيرين منهم من قص خبرهم. ومنهم من لم يقصص. قال ابن كثير معبرا عن الرسل الذين لم يقصص القرآن أخبارهم، بأنهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف، إذ لم يذكر في القرآن إلا خمسة وعشرون نبيا ورسولا.[xiv]
والجدول التالي يوضح شكل الطباق، ونوعه وكمِّ وروده والنسبة المائوية، ثم المجموع الكلي لهذه الظواهر الواردة في سورة غافر:
يُستنتَج من الجدول السابق أن ظاهرة الطباق بين الاسمين أكثر ورودا بنسبة26،7%، ما يدل على أن منهج السورة في توظيف الطباق يميل إلى الجانب الذهني العقلاني، ولا غرابة في ذلك، لأن القرآن الكريم يخاطب البشر المكلف إليه الأوامر والنواهي، وهو المُلْزَم عليه الطاعة وترك المعاصي وفقا لما ورد في التشريع الإسلامي، سعيا إلى تحقيق القيم الإنسانية للوصول إلى سعادة الدارين. تليها بالدرجة الثانية في الشيوع، ظاهرة الطباق بين الفعلين بنسبة 20،0%، وهو عدد متوسط، يُلمَس منه مدى اهتمام القرآن بالجانب الحركي الانفعالي، لأن العبادات تتطلب الحركة والمثابرة للقيام بالعمل الصالح؛ تليها بالدرجة الثالثة في الورود كل من ظاهرة الطباق المزدوج بني الاسم والفعل، أو بين البنية السطحية والبنية العميقة، حيث وردت بنسبة 10،0%، ثم ظاهرة الطباق بين الظرفين بنسبة 6،7%، كما وردت ظاهرة الطباق بين النفي والإثبات بنفس الكمية 6،7%، ولعل السبب لذلك يرجع إلى عناية السورة بالحيز الزمني الذي تتم منه أداء الصلوات المفروضة، أضف إلى ذلك ما امتازت به السورة من توظيف الأساليب الخبرية، والتي تتماشى في سياقاتها مع الإثبات والنفي.
خاتمة البحث
ورد الطباق بنمطيْه الإيجاب والسلب في أشكال مختلفة في سورة غافر. وكان منهج السورة في توظيف ظاهرة الطباق يمثل دوره في تحسين النص القرآني، كما يبرز خاصية دلالية وفقا لوروده في سياق هذه السورة، بما فيه من التبشير والتنذير، أو الإخبار عن حادثة، أو إصدار الأوامر والنواهي.
وقد وردت ظاهرة الطباق في النص المدروس مختلفة الصور، عبر المطابقة بين الاسمَيْن، أو الفعلَيْن، أو الظرفَيْن، وقد تكون مزدوجة بين الفعل والاسم، أو بين البنيتَيْن السطحية والعميقة على حسب ورودها في السورة، لإبراز خاصية دلالية معينة.
وتتمثل هذه المستويات الدلالية في إظهار العلاقة بين اللفظَيْن المتضادَيْن، وغالبا ما توحي هذه العلاقة إلى أن الجزاء من جنس العمل، وقد عبرت كذلك عن الدعوة التأملية، وتعيين المرة وزمان الحدث إن ظهرت المطابقة بين الظرفين. وقد وردت جميع هذه الصور وفقا لمتطلبات الدراسة الألسنية النصية من توظيف أساليب خبرية أو إنشائية.
هذا، وقد توصل البحث إلى نتائج منها ما يلي:
ا.تعددت أشكال الطبابق في سورة غافر بنمطَيْه الإيجابي والسلبي
ب.أسهم الطباق في تشكيل البِنَى الدلالية وفقا لوروه في النص المدروس
ج.ورد الطباق بين الاسمين بنسبة كبيرة، ما يدل على أن منهج السورة في توظيف الظاهرة يميل إلى الجانب الذهني العقلاني
د.امتازت السورة بتوظيف الأساليب الخبرية، والتي تتماشى مع الظواهر الطباقية في سياقاتها إثباتا ونفيا.
وأخيرا يوصي الباحث إخوته الدارسين، بأن يشمروا عن سواعد الجد في البحث والتنقيب عن ظاهرة الطباق، وغيرها من الظواهر الأسلوبية الواردة في القرآن الكريم، بغية كشف ما امتاز به الأسلوب القرآني من نواحي الإعجاز البياني، ما يبرز القيم التعبيرية البليغة والمتميزة الواردة في آي الذكر الحكيم.
المصادر والمراجع
- ابن منظور، لسان العرب، مادة (طبق), ط1, دار صادر, بيروت,
- ابن الأثير الكاتب، المثل السائر في آداب الكاتب والشاعر، المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني
- البيضاوي، عبد الله بن عمر بن محمد (ناصر الدين)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني:
- التونسي، ابن عاشور، التحرير والتنوير، المكتبة الشاملة الإصدار الثاني:
- الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف (أبوزيد)، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني:
- الجزائري، أبوبكر جابر (الشيخ), أيسر التفاسير, ط1, دار لينا, دمنهور, 1423ه
- الرازي، أبو عبد الله محمد بنالحسين (فخر الدين)، مفاتيح الغيب، المكتبة الشاملة،
- الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد (جار الله) الكشاف، المكتبة الشاملة، الإصدار الثني:
- الطبري، محمد بن جرير بن يزيد (أبو جعفر)، جامع البيان في تأويل القرآن، المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني:
- العمادي، محمد بن محمد بن مصطفى (أبو السعود)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني: 6\46
- الفيروزآبادي، القاموس المحيط، المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني.
الهوامش
[i] ابن منظور، لسان العرب، مادة (طبق), ط1, دار صادر, بيروت, (د.ت): 10\485
[ii] الفيروز آبادي، القاموس المحيط، المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني (مادة طبق):3\485
[iii] ابن الأثير الكاتب، المثل السائر في آداب الكاتب والشاعر، المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني: 1\251
[iv] التونسي، ابن عاشور، التحرير والتنوير، المكتبة الشاملة الإصدار الثاني:6\243
[v] , الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد (جار الله) الكشاف, المكتبة الشاملة, الإصدار الثني: 6\104
[vi] البيضاوي، عبد الله بن عمر بن محمد (ناصر الدين), أنوار التنزيل وأسرار التأويل, المكتبة الشاملة, الإصدار الثاني: 5\134
[vii] العمادي، محمد بن محمد بن مصطفى (أبو السعود) , إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم, المكتبة الشاملة, الإصدار الثاني: 6\46
[viii] الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف (أبوزيد), الجواهر الحسان في تفسير القرآن, المكتبة الشاملة, الإصدار الثاني: 3\344
[ix] الرازي، أبو عبد الله محمد بنالحسين (فخر الدين) , مفاتيح الغيب, المكتبة الشاملة, الإصدار الثاني:13\343
[x] الطبري، محمد بن جرير بن يزيد (أبو جعفر)، جامع البيان في تأويل القرآن، المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني: 21\405
[xi] المصدرنفسه: 21\395
[xii] المصدر نفسه: 21\403
[xiii] الجزائري، أبوبكر جابر (الشيخ), أيسر التفاسير, ط1, دار لينا, دمنهور, 1423ه-2002م: 1172
[xiv] المصدر نفسه: 1186