المُقاربات النّقدية للنّص الرّوائي الجزائري  

حسني مصطفى تحت إشراف: أ.د. كبريت علي

ملخص الدراسة: تعددت الأجناس الأدبية في الجزائر، وتعددت الأقلام الإبداعية وتوجهاتها؛ ما وسع دائرة النّص الأدبي، وباعتبار النّقد لغة إبداعية مُنتجة عن لغة موجودة سابقا وحركة تساير المنتج الإبداعي، دفعنا لطرح تساؤلات عديدة، منها: هل للمقاربة النّقدية الجزائرية في تحليل النّاتج الإبداعي الجزائري هوية تميزها عن نظيرتها الغربية والمشرقية؟ وبما أنّ للنّص الأدبي الجزائري خُصوصياته، فهل ما يطبق من نقد في الجزائر له آليات ومرجعيات خاصة بما هو جزائري أم محاولة إخضاع النّص الأدبي لما هو رائج في المدونة النّقدية العالمية بشقها الغربي خاصة. نسعى من خلال هذا المقال الإجابة عن التساؤلات المطروحة وتوضيح الممارسات النّقدية السّائدة في الجزائر؛ ومنه خلصنا لبعض النتائج نذكر منها:

  • عدم التّأسيس لنظرية نقدية جزائرية تتماشى مع خصوصيات النّص الجزائري وليد الفكر الجزائري أمام تطبيق نظريات نقدية غربية قد يكون تجاوزها الزّمن عالميا وقد يسير حاليا إلى تجاوزها.
  • ·        غياب وتراجع التّجارب النّقدية بسبب قلة النّشر والتّرويج فهنالك دراسات نقدية قيّمة إلا أنها حبيسة أدراج المكتبات الجامعية.
  • جل النّقد الممارس في السّاحة الأدبية والنّقدية الجزائرية مرتبط بالفضاء الجامعي يغلب عليه التنظير الغربي في غياب أقلام نقدية متخصصة خارج أسوار الجامعة الجزائرية.

مقدمة البحث:

بعدَ ظُهور عِدة مُنجزات وأشكال أدبية في الجزائر كالأدب المؤدلج غداة  الاستقلال والمعبِّر عن تحول المجتمع  الجديد، والأدب الاستعجالي وليد سِنين المحنة العَاكِس للضّمير الجَمعي الجَزائري، وبغض النّظر عن اللغة الحاملة لهذا المنتج الأدبي إلى جمهوره؛ اتّسم النّص الأدبي الجزائري بالدّيناميكية والحركية، فلم يرَكُن إلى شَكل قار، وزادت غاياته ووظائفه وتعددت، وهذا التّغيير المسجل على الشّكل والمضمون عبر تعاقب الفترات الزّمنية، ليُوازيَ الفِكرُ المبدِع التَّوُجهات النّقدية الطّارئة، وكذلك سعياً لركب ما  يمليه تطوُر الأجناسِ الأدبيةِ في العالم.

ونظراً لتلك الصِّلة الوطيدة ما بين الأدب ونقده، فلا يخفى على الدّارس والمشتغل على الأدبِ ونقدهِ التّغيُر الواضِح في الفِكر النّقدي والمدونة النّقدِية الجزائرية كَكُل، حيث شَهِدت المقاربات النّقدية للنُّصوص ممُارسات مُتباينة حسب التّوجه الذي يُؤطر حقل الدِّراسة، وعلى تعدد هذه الدِّراسات واختلافها في الخوض في مسائل النّص الأدبي ومحاولة الإحاطة به بأطر ذات صبغة علمية، إلا أنها دائما تظهر ضِمن قالب النّقد الغربي ومناهجه.

وهذا ما يضعنا أمام بعض التّساؤلات نطرح منها:

  • ما هي مرجعيات الممارسة النّقدية الجزائرية؟ ما حدودها وآفاقها؟ وما هي أهم أسسها وآلياتها الإجرائية التي تعمد إليها في بعدها المنهجي والتّطبيقي في مُقارباتها للناتج الأدبي الجزائري؟
  • هل للنّقد الجزائري وممارساته خصوصيات وهوية تمايزه عن نظيريه العربي والغربي؟  
  1. واقع النّقد الأدبي الجزائري والتّحولات المنهجية:

     إنّ الحديثَ عن وُجود أدبٍ جزائريٍ لا يختلفُ حوله اثنان، وذلك حاضرٌ ومتجسدٌ من خلالِ الأجناسِ الأدبية المتنوعة وتراكمها؛ كما يمكن التّبرير له بالكتابات غير المنقطعة والمتواصلة من أعمال حرة وأكاديمية، وأمام هذا المثول، ما مدى إمكانية الحديث عن نقد أدبي جزائري حديث ومُعاصر؟ يُساير الحركة الإبداعية بالتّحليل والتّقويم والدّفع نحو الأمام.

ولتحقيق هذا يجدر بنا تسليط الضّوء ولو بالقدرِ القليل على ما مرّ به النّقد الجزائري؛ حيث تُجمع الكثير من الدِّراسات والبُحوث التي تتتبع الأدب ونقده تاريخياً أنَّ تاريخ استقلال الجزائر مرحلة فاصلة في تاريخها ككل وفي حركتها الأدبية عل وجه الخُصوص، ما يجعلنا نُقسِّم النّقد الجزائري في نشأته إلى مرحلتين (النّقد الجزائري قبل الاستقلال والنّقد الجزائري بعد الاستقلال). وكما يقول مخلوف عامر: ” إذا كان النّقد حلقة في السِّلسلة الثّقافية التي تسود المجتمع في ظروف مُعينة، فإنّه – من غيرِ شكٍ – يتأثر بالوضع الثّقافي العام في الوقت الذي يمارس فيه – هو الآخر- تأثيره في البُنية الثّقافية “([1])، لقد شَهِد الأدب الجزائري عامة في هذه الفترة (قبل الاستقلال) ضُعفاً كبيراً بسبب ما عاشه شعبها من اضطهاد وقمع وحصار كبير، فسُلِّطت عليه جميع السِّياسات الدّنيئة من تفقير وتجويع وحصار للثّقافة من خلال تجهيل للشّعب وحرمانه من التّعليم، وفي ظل هذا التّراجع الرّهيب للفكر والأدب في الجزائر، بسبب انقطاع نخبة مفكريها وأدبائها عن التّعليم وانشغالهم بمقاومة المستعمر والجهاد، وهجرة البعض الآخر للوضع المتردي للبلاد في تلك الفترة، حيث يعتبرها “عمر بن قينة “حسب رأيه انتكاسة سياسية وثقافية وفكرية وأدبية وفترة انكماش ثقافي أشبه بالغيبوبة، شعر فيها الإنسان الجزائري بالغُبن والانكسار المادي والمعنوي، وهو ما شمل الأدباء والكتّاب الذين هم بطبيعتهم أكثر إحساساً بالمعاناة الوطنية بكل امتداداتها.([2])، وهي مرحلة فراغ رهيبة ميزت الأدب الجزائري عامة والنّقد خاصة، الذي كان شبه معدوم في هذه الفترة فكيف نتحدث عن النّقد الأدبي في الجزائر، بينما نحن لا نعترف أو لا نكاد نصدق أن عندنا أدباً ناضجاً شقَّ طريقه مع قافلة الأدب العربي المعاصر أو الأدب العالمي([3])، وعليه ومن خلال تتبع مسار الحركة النّقدية في الجزائر قبل الاستقلال، وإبّان الاستعمار الفرنسي الغاشم، فإنه لا يمكننا الحديث عن خطاب نقدي جزائري يستحق العناية والدّراسة – قبل سنة 1961 – هذا وإن سجلنا بعض المحاولات  في الأدب ” وما دمنا نعترف بوجود محاولات في الأدب، فمن الحق أن نعترف كذلك بوجود محاولات أخرى في النّقد، إنها مجرد محاولات تتلاءم مع المستوى الفني لإنتاجنا الأدبي.”([4])،  يهمُّنا الحديث عن النّقد الذي ظهر في السّاحة الجزائرية بعد الاستقلال، والذي قد يكون أقرب للواقع من سابقه في عهد الاستعمار الفرنسي، وذلك نظرا لتميز هذه المرحلة بعديد العوامل الجيدة والمساعدة على تبلور الوعي الثّقافي والفكري الجزائري، فظهرت عديد الأقلام النّقدية، التي أبدعت وكتبت في النّقد الأدبي الجزائري، “وإذا ما راجعنا سير كثيرين من نُقّادنا الجزائريين، وجدناهم يتخرّجون من الجامعات المشرقية، التي كونت ثقافتهم واتجاهاتهم النّقدية “([5])، حيث طبّق المؤسسون الأوائل للنّقد الجزائري كقاسم سعد الله وصالح خرفي مطلعين إلى ” التّفسير الاجتماعي للأدب دون إهمال الجوانب الأخرى، ويمكن الإشارة في هذا السّياق إلى الدّور الكبير الذي اضطلع به عبد المالك مرتاض في تطبيق المنهج التاريخي في مؤلفاته النّقدية الأولى كفنون النّثر الأدبي في الجزائر، فن المقامات في الأدب العربي ونهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر، لكن سُرعان ما ضرب صفحا عن هذا المنهج وعدل عنه إلى غيره من المناهج الحديثة “([6])، حملت مرحلة ما بعد الاستقلال تقدُّماً نوعياً وتسجيلاً لمؤلفات متنوعة في النّقد الأدبي، رغم ارتكاز هذه الأخيرة في بداياتها الأولى على السّياق التّاريخي أو تمحورها ” حول الكتابة عن التّراث الجزائري في القرن الثامن عشر والتاسع عشر خاصة، فعرفوا بأدباء الجزائر ومبدعيها الذين مثّلوا الثّقافة الجزائرية.”([7])، ومع ذلك لم تسلم هذه المنجزات من” الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى هذه الأعمال لا سيما في مرحلة لاحقة، غير أنّه يمكن تسجيل بعض المنجزات الهامة التي أنجزها هذا الجيل:

  1.  جمع النُّصوص الشِّعرية والنّثرية وتقديمها والتّعريف بها.
  2. 2-    تشكيل صُور عامة عن فنون وعصور وشخصيات وظواهر.
  3. 3-    حصول تطور ملموس في الوعي النّقدي وبأشكال البحث فيه.”([8])

    لم يتوقف النّقد الجزائري عند التّحليل بالسِّياقات الخارجية، حيث انتقل إلى الترّكيز على ما يعبر عنه النّص وتمثل ذلك” في هيمنة مرجعية جديدة ترتهن بصورة خاصة في أعمال عبد المالك مرتاض، وتحضر من خلال هذا الإبدال مُصطلحات جديدة مثل الخطاب والنّص، البُنية والوحدة، العوامل، الوظائف، الرّاوي بدل الكاتب، وبدأت تظهر تنويعات جديدة تتجلى في الحديث عن التّناص والبُنيوية والتّلقي والتّأويل والسّياق والكاتب وما شاكل هذه المصطلحات التي بدأت تُهيمن على الدِّراسات النّقدية الجزائرية الحديثة.”([9])، وفي فترة وجيزة خطى النّقد الجزائري خُطوات كبيرة بوتيرة مُتسارعة ، وعرف تحولاً ” من خلال ترهين العديد من الدِّراسات التي نعتبرها تشكل مرحلة التّجريب لهذه المناهج الحديثة ويمكن التّمثيل لذلك بالدّراسات التّالية :

الألغاز الشّعبية الجزائرية، الأمثال الشّعبية، النّص الأدبي من أين؟ وإلى أين؟ بُنية الخِطاب الشِّعري، عناصر التُّراث الشّعبي في اللاز، الأمثال الزِّراعية.”([10])، و” تبعاً لهذا التّطور في المسار النّقدي والتّحول المنهجي تحققت تراكمات كمية ونوعية من الأعمال التي أنجزها عبد المالك مرتاض ومُعاصريه من النّقاد مثل يوسف وغليسي والسّعيد بوطاجين وكذا نور الدين السد”([11]).

رغم كل هذه الجهود والتّحولات، إلى أن الممارسة النّقدية في الجزائر يُسجّل عليها التّأخر مقارنة بما يشهده النّص الإبداعي من تحولات ” وبالنّظر إلى هذه المعطيات فإن ما عرفته الجزائر من نقد منهجي كان ولا يزال مُرتبطا بالدّراسات الأكاديمية فحسب التي تعد حسب الكثير من المنتج الأول للعملية النّقدية في الجزائر”([12]) وهنالك من الباحثين من يرجع هذا التّأخر المحسوب على النّقد الأكاديمي الممنهج إلى ” النّشر حيث ظلت الكثير من البُحوث الأكاديمية حبيسة الأدراج في المكتبات الجامعية، باستثناء بعض الدّراسات الأكاديمية القليلة التي عرفت النّور، والتي تناولت الرّواية بنوع من الشُمولية مع الترّكيز على مواضيع مُعينة دون غيرها، أضف إلى ذلك أنّ الحركة النّقدية ببُعدها المعاصر أصبحت ذات طبيعة فلسفية لا يخوض في غِمارها إلا الخاصة من دارسي الأدب فهي تقوم على رُؤية عِلمية تحليلية.”([13]) ، رغم الجهود المسجلة للحاق بالممارسة النّقدية العالمية في مشهدها المعاصر، إلا أنّ النّقد الأدبي الجزائري  المعاصر، ظلّ لصيقا به بعض الهفوات مثل : ” عدم تبني منهج معين… ارتباط النّقد الأدبي بالجامعة، إثقال النّص بالمصطلحات والمفاهيم، غياب مُراعاة خُصوصية النّص من ناحية وخُصوصية النّظرية أو المنهج المستورد”([14])، وحتى لا نقف موقف المتهِم، لابد أن نذكر أنّ ” الخطاب النّقدي الجزائري كان يُخاطب نفسه بنفسه، في غيابِ نقدِ النّقد مثلا، أو بتعبيرٍ آخر إنّ هذا الخطاب – إن كان يُؤسس لنفسه هويةً – كان يعيشُ أيضاً وهماً خلفه داخل وضعيةٍ أدبيةٍ لازالت تُعاني بدورها نوعاً من الهشاشةِ والبحثِ عن الذّات، كما أنها  لم تُؤسس مشهدها الأدبي بالشّكل الكافي والمطلوب”([15])

  • التّلقي النّقدي للنّص الروائي الجزائري:

وحتى لا نوسع مجال الحديثِ عن التّحول في الكتابةِ النّقديةِ، ، رأينا أن يقتصر حديثنا على النّقد الرِّوائي الجزائري ” وإن كنا نرى أنّ أسئلة النّقد الروائي كانت إلى وقتٍ قريبٍ جداً، يصعُبُ عزلُها كلياً عن أسئلة أخرى مشابهة تخصُّ باقي الأجناس الأدبية، نظرا لتشابه وضعية هذه الأجناس داخل مشهدِ الكتابةِ والتّلقي، ونظرا لكون مجموعة من نقّاد الرّواية يمارسون نفس النّشاط النّقدي بخصوص أجناس أدبية أخرى”([16])، إن المتأمل للمشهد الأدبي ونقده في الجزائر يرى أنّ ” حظ الأدباء الذين يكتبون الرواية عند الدّارسين …أكبر  من حظ الأدباء الذين يكتبون القصة القصيرة أو الأدباء الذين ينظمون الشّعر، وهذا مرده لتطور هذا الجنس الأدبي الذي عرف شُيوعا منقطع النّظير في وقتنا الرّاهن وبحسب جورج لوكاتش فالرّواية ملحمة العصر.”([17]) ، وفي دراسة مسحية بيبليوغرافية أجراها نسيم حرار صدرت سنة 2018 على شكل كتاب، يظهر من خلالها جلياً أنّ أغلب الأعمال النّقدية الأكاديمية المتمثلة في رسائل الماجستير وأطروحات الدّكتوراه، تتناول بالدّراسة الجنس الأدبي الروائي، وذلك بعد أن جمع صاحب الدّراسة ما يفوق 1279 رِسالة جامعية، ومن خِلال ما جاء في هذه الدّراسة ” أنّ الأدباء الأكثر حظوة بالدّراسة والذين حلوا في المراتب الثلاث الأولى هم: الطاهر وطار وواسيني الأعرج  وتليهم أحلام مستغانمي … وكل هذه الأسماء  التي سبق الإشارة إليها تكتب في الرّواية خاصة.” ([18])  وكذلك لأنّ الرواية الجزائرية قريبة من المجتمع وتركيبته، فهي تتطور كل مرة وتغير من مضامينها لتنقل تطلعات شعبٍ وطابوهاته، فهي “لا تقر بالثّبات ولا تعترف بالاستقرار، فهي بُنية دائمةُ التّحول نظراً لتواؤمها البُنية الاجتماعية التي من أهم خَصائِصها التّحول والتّطور انطلاقاً من نمطِ حياةِ الفردِ في المجتمعِ وُصولا إلى طريقةِ تفكيره وتصوره  ومن ثم إبداعه” ([19]) فالخصائص الحياتية الاجتماعية تتماشى والعصر والبُنى الزّمنية وما تمليه عليها  تغيرات البيئة الخاضعة بدورها لخاصية التّأثر والتّأثير، فهي تَتسِمُ باللاثبات، فالفردُ جزء من البيئةِ مُؤثر فيها مُتأثِرٌ بها، وهذه الأخيرة تجمعها نفس العلاقة مع البيئات المجاورة لها؛ وهذا ما يدفع الفرد من مكانة المبدع أو المتلقي البَحثَ عن تجارب جديدةٍ، وجنسٍ أدبي له من المرونةِ ما يحوي عدة تجاربٍ أدبيةٍ على تنوعِ  واختلافِ خصائِصها ” ومن هنا يمكننا القول أنّ الرواية الجديدة هي التّمرد على المألوف والثّورة على المستقر، إلى حد شمول هذا التّمرد حدود الجنس الأدبي، إذ تداخلت فيها الأجناس الأدبية المختلفة وغدت بذلك حقلا للتّجريب الأدبي”([20])

فواضحٌ مما سبق أنّ النّص الروائي الجزائري المعاصر استطاع أن يكسر قيود الكلاسيكية، من حيث المواضيع وطريقة تقديمها والخوض فيها، “فمسار الرواية الجديد يتمركز حول كسر السّائد، وطرق مجالات لم يكن الروائي الكلاسيكي يجرؤ على الخوض فيها؛ بل ولا الاقتراب من طرقها، كـ (تجربة الجسد، وعنف السّلطة، وتمرد المرأة، وعنف الإرهاب وتهميش المثقف)، إن ّ الرواية الجديدة أضحت في ضوء ما تقدم في الجزائر تلعب الدّور البارز في رصد تجربة الذّات الجزائرية وتتبع مسيرتها، وحياتها المتسمة بالخوف والقلق، الريبة والشّك، والتشاؤم واليأس”([21]) وإذا سلمنا بأنّ الممارسة النّقدية الجزائرية في تعرضها ومقاربتها للناتج الإبداعي، انتقلت من التّحليل بالسّياقات الخارجية إلى التّحليل الدّاخلي النّسقي المبني على التّفكيك وإعادة البناء؛ بإعادة إنتاج لغة واصفة، أو اللغة المنتجة من لغة موجودة، فإننا نقفُ أمام مُشكلة حجم مُنتج، ومشكلة من يمارس النّقد أمام تزايد الأقلام الإبداعية التي تكتب باللغتين في السّاحة الأدبية الجزائرية؛ واضحٌ أنَّ صاحبَ النّصِ الإبداعي تتعدد مكانته الاجتماعية التي يشغلها والصّفة المهنية، بيد أن الأقلام النّقدية كما أوضحنا سابقا محصورة في الممارسات الأكاديمية والأعمال التّخرجية، المرتبطة دائما بالأعمال العلمية للجامعة الجزائرية في شقها المتمثل في معاهد وأقسام الأدب واللغات والفنون، إذ أننا نكاد لا نجد ممارسات نقدية خارج أسوار الجامعة الجزائرية، ” وقد تكون المشكلة عندنا ذات طبيعة أخرى، تتجسد في قلة المهتمين بالمجال النّقدي مقارنة بحركة الكتابة الإبداعية والتّأليف، باستثناء جهود محمد مصايف وعبد الله الركيبي التي بقيت في حدود المدرسة التقليدية، وبصرف النّظر عن الدّراسات الأكاديمية التي لم تر النُّور بعد، فإنَّ وجوهاً قليلة جداً يمكن أنْ يُعَول عليها مُستقبلا، إذ أنّ الأدبيين لا يقبلون على المحاولات النّقدية، إذ هموا بها وأقبلوا عليها في بداياتهم فسرعان ما ينصرفون إلى كتابة القصة أو الرواية أو الشِّعر، كما انقطع محمد ساري إلى تجريب الكتابة الروائية، مع أن مساهماته النّقدية تشهد له بحضور متميز”([22])

إنّ من يقف وقفة متأمل لحال المدونة النّقدية الجزائرية وممارساتها، تنكشف أمامه الأزمات والمزالق التي يعاني منها النّقد الأدبي، ويتضح أنّ ” كتب نقد الرواية الجزائرية لم تبلغ المستوى المرجو منها، لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف إذ وقعت في مزالق التّنظير العقيم، فالخطر كل الخطر الولوع بما هو نظري أن يتحول إلى لعبة ذهنية تصبح متكأ للتلذذ والمباهاة والاستعلاء، وقد تصبح في أحسن الأحوال مطية لتلقين دروس للمتلقي بشكل تعليمي مفضوح “([23])، وهنا تطفو إلى السّطح أزمة المنهج، ومُشكلة سوء الفهم، فالممارسة النّقدية بدورها بحاجة إلى منهج، وقد ثبت أنه لا يكمن البحث في أية ظاهرة وتحليلها تحليلاً علمياً دون الأخذ بمنهج يناسب الظّاهرة المدروسة؛ فالمنهج يساعد الباحث في الوصول إلى مجموعة من النّتائج بأقل جهد ووقت وبطريقة شبه مضمونة. حيث لا يمكننا نفي أهميته “بوصفه نوعا من الخبرة، أو بوصفه منظومة متكاملة. فالنّقد المنهجي بما يقوم عليه من دقة ذهنية ضمان للحد من الطرطشات العاطفية والنّزوات التّأثرية فهو كقطب المغناطيس الذي يحول المتنافر والمتباعد من برادة الحديد إلى المتناسق في إطار خاص.”([24])، إنّ محاولة إيجاد صبغة علمية للنّقد الأدبي والمتمثلة في إيجاد طرق ممنهجة وقوانين وضوابط، فتحت المجال ليظهر لنا أنّ النّقد الأدبي الحديث والمعاصر في الوطن العربي منقطع وبشكل كبير مع المدونة النّقدية العربية القديمة، ولم يكن وليداً لمحاولات تطويرية للنّقد القديم، بل جاء كنتيجة أسفرت عنها المثاقفة التي أدت في النّهاية إلى هيمنة الثّقافة الوافدة؛ فالقبول بدافع الانفتاح والمواكبة لا يمنح مجموعة المناهج المستوردة صفة الانسجام أو شرط  التّكيف الكامل في أطر ثقافية غير أطرها الأصلية. فبين منغلق على التّراث رافض لأي تجديد ومنفتح على الغرب واقع في التّبعية لاقى النّقد العربي تيهاً منهجياً. 

إنّ كثيرا ممن ” اتخذوا من المناهج الغربية ملاذا لهم، فتشرّبوا فلسفتها، وتبنّوا في معظم الأحيان خلفياتها الفكرية، وربما الإيديولوجية، فتارة من باب الانبهار بالآخر، وتارة أخرى من باب فاقد الشّيء لا يعطيه، ولذا نجدهم في الكثير من الأحيان يلوون عنق النّص الأدبي العربي، من أجل إخضاعه كُرهاً لأحد المناهج الغربية .”([25])، لذلك ليس غريباً تلك التّكرارات المنهجية الممارسة في الأعمال النّقدية الأكاديمية خاصة في جانبها من النّقد النّسقي، “فالأستاذ مختار بوعناني في دراسةٍ أجراها بعنوان، الأدب الجزائري في ميزان النّقد، يقول: …فمناهج الرّسائل الجامعية نسقية تركّز على النّصوص الأدبية لا على ساياقات خارجية عن النّص، تماشياً مع الحركةِ النّقديةِ التي كانت البنيوية مُمهدا لها…بل وأصبح الباحثون يشيرون إلى نوع الدّراسة أحيانا كثيرة في العُنوان كالجُملةِ في شعرِ يوسف وغليسي دراسةٌ نحويةٌ أسلوبية – رسالة ماجستير – فجلي اعتماد الباحث على آليات المنهج الأسلوبي في الدّراسة؛ أو الكتابة والتّشكيل الإيديولوجي في الرواية العربية المعاصرة دراسة نقدية  إيديولوجية وذلك بتطبيقات المنهج السِّيميائي”([26]) والمتمثلة في بعض تطبيقات آليات المنهج البُنيوي والسّيميائي والأسلوبي والتّفكيكي، أو تركيباً مَزجياً مما سبق، ورفوف  المكتبات الجامعية الأصدق تعبيراً عن هذه الحالة  لما تحويه من هذه النّماذج، والتي لا تخرج كثيرا عن إطار التّفكيك وإعادة البِناء، أو تلك النّظريات التي تشبه كثيرا المعادلات الرِّياضية، وتخريجات نقدية لا تعدو أن تكون فقط تطبيقات وفقا لما يمليه قالب المنهج النّقدي المتبع، مثل تحديد البُنى الصّغيرة والأصوات، تخريجات الشّخوص والبنية الزمانية والمكانية وقوالب السّرد والوظائف، والتي قد تقودك إلى جميع الجوانب النّظرية البنائية للنّص عدى أن توصلك لفهم حقيقته والمبتغى منه ومدى تأثيره كرسالة في المجتمع؛ ” وهذا ما جعل بعض نُقادنا يأخذون على عاتقهم همَّ التّأصيلِ لنظريةٍ  نقديةٍ روائيةٍ تقومُ على التُّراثِ النّقدي، كرد فعل على ظاهرة التّبعية للنّقد الغربي مما أفرز صراعاً فكرياً بين الاتجاهين ( الاتجاه التراثي والاتجاه المتأثر بالغرب)”([27])

إذا كان النّقد الأدبي عبارة عن “عمليةٍ وصفيةٍ تبدأ بعد عمليةِ الإبداع مُباشرة، وتستهدفُ قِراءةَ الأثرِ الأدبي ومقارباته، قصد تبيان مواطن الجودة والرّداءة”([28])، فيجدر بنا الكشفُ عن العلاقةِ بين المبدعِ والنّاقد، ليُزاح السِّتار أمامنا عن مسارٍ للعملية الإبداعية تخطو فيه بنماذجها بعيدا عن مَسارِ النّقد الأدبي، فكثيرا ما نلاحظ على الكتابةِ الروائيةِ هو محاولتها محاكاة بعض النّماذج العربية المشرقية والعالمية من حيث إخراج وتقديم العمل الروائي، أمام تدني نسبة المقروئية بالجزائر، وبعيداً عن ما يُطالب به القارئ في بعض الأحيان، وبعيدا كذلك عن توصيات  النّقد من خلال الجلسات والملتقيات الجامعية؛ وكأنّ هذه الممارسة تريد لها أن تتجاوز النّقد لا أن تُجاريه، ” يمكن هنا تسجيل غياب التّكافؤ بين التّجربتين، خاصة وأنّ عدد النّصوص الروائية الجزائرية التي استحضرتها تلك الكتابات النّقدية والتّحليلية تبقى قليلة جدا، بالمقارنة مع ما يكشف عنه التّراكم الروائي من نصوص روائية باللغتين العربية والفرنسية وهو ما يعني أن بعض النّصوص الروائية فقط هي التي فرضت نفسها دون غيرها على مستوى المتابعة النّقدية والتّحليلية، أو على مستوى إعادة القراءة”([29]) أو أنّ الممارسة النّقدية الجزائرية تعلن عن عجز في إمكانية احتضان الأعمال الإبداعية الروائية المعاصرة وليدة السّاعة، والتي تحمل من التّحول ما تحمل، أو أنّ النّقد الأدبي الأكاديمي للجامعة الجزائرية يركن لتلك الأعمال المتداولة التي سُلِّط الضّوء عليها وذاع صيتها، في عملية اجترارية، ولا يمنح فرصةً لإبراز أعمال جديدة، الأمر الذي جعل المبدع يمتعض من هكذا مُمارسات؛ ما خلق هُوة بين المبدع والنّاقد، وكأنَّ خط النّقد الموازي للعملية الإبداعية، راح يبتعد شيئا فشيئا ليدور حول نفسه ويصنع حلقةً حول النّقد الأكاديمي لا يكاد يخرج منها أو يتجاوزها؛ ” فلم تستطع الدِّراسات النّقدية الجامعية، التي تكتفي عادة بدراسة نصٍ روائي واحدٍ أنْ تسُد فراغَ الرّؤية التي يعاني منها الأدب الجزائري، وتكاد تختفي الدّراسات البانورامية والبيبليوغرافية، إذ لم يتم حتى الآن إحصاء عدد النّصوص التي تصدر سنويا، وبالتّالي تبدو القطيعة كاملة ومكتملة بين واقع الكتابة التي تشعر بعزلتها وعدم إنصافها ودرس النّقد الجامعي الذي ينغلق شيئا فشيئا ضمن حدوده الجامعية، متذرعاً بعلميته وأكاديميته الجافة.”([30])، أمّا ما نسجله من ممارسات نقدية ضمن الملتقيات النّقدية فهي تركز في الغالب على ” الأسماء المكرسة وثمة من يشتكي من هيمنة اسم واحد أحيانا على ملتقيات عدة تكاد تكون مخصصة لهذا الكاتب بذاته، ومن هنا ضاعت الثّقة وانسد باب الحوار، ولعل هذا ما أثار في الآونة الأخيرة موجة من النّقد للباحثين والنّقاد أنفسهم من الروائيين الشّباب، وبخاصة الذين عبروا عن سخطهم في المواقع الاجتماعية لانعدام قنوات أخرى توصل صوتهم واحتجاجهم ذاك.”([31])

وباعتبار الجامعة المنبر الأول للعلم وتنوير العُقول وصناعة المثقف والمتخصص من نخبة المجتمع، فقد آلت فيها الأمور ” إلى ما يشبه استعمار العقل…وأنّ النّقد الأدبي تعبير شديد الدّلالة عن حركة الفكر وانشغالاته بمسألة وعي الذّات الرّاهنة إزاء الآخر الغربي المهيمن، فالنّاقد يصدر عن رؤية فكرية، وفي نقده تتصادى أصوات وعي الذّات من أجل أصالة ثقافية منشودة.”([32])؛ فغيرُ خفيٍ ذلك التّداول والتّكرار لنفس الأسماء الغربية ” التي تهيمن على المرجعية النّظرية والنّقدية الروائية بالجزائر: ( لوكاتش، كولدمان، بارت، جينيت، تودوروف، زيما، لوجون، إيكو، باختين، غريماس…)([33])، حتى صار الجهد ومحاولة الخروج عن هذه الأسماء أو محاولة نقدها أو مُراجعة ما جاء عنها يُنظر إليه بعينِ الشّذوذ والمُرُوق، وهو من نتائج التّسليم الكامل بالفِكر الغربي المستورد دُون بحثٍ فيه؛ فهذا المحمول الثّقافي من نظريات قد يحملُ معه بعض المغالطات والسُّموم التي تشلُّ بدورها الفكر العربي والمفكر لتَجعلَ منه غير مُنتج أو غير باحثٍ عن الحقيقةِ، بل مُتلقي ومُتَّبِع لما يُملى عليه، فالحقيقة تتجلى أمام الباحث عنها لا المتلقي لها، فهذا الأخير يصِلُه فقط ما يُريده مُنتج النّظرية أن يتبعه، وهكذا يصير تابعاً لا يرتقي لمصاف الإنتاج، ” فإما أن تكون بنيوياً أو لن تكون ناقداً، وإمّا أن تحذو حذو جينيت أو غريماس، أو تودوروف، أو ديريدا، أو هارتمان، أو بول دي مان، أو أنّك لا تكتب نقداً، ناهيك عن تحويل النّقد إلى جداول إحصائية وأشكال هندسية وكتابة لغزية أشبه بالمتاهة أو التّجريب الذي لا طائل منه.”([34])  

  • التّلقي النّقدي العربي للرواية الجزائرية:

تبين من خلال بحثنا هذا وفيما سبق أن الخطاب النّقدي الواصف والمتعرض للجنس الأدبي الروائي في الجزائر يُعاني من عدة مزالق تلقي بظلها وثقلها على حجرات الدّرس الجامعي؛ وإذا اجمعنا بتأخر الدّرس النّقدي وممارساته في الجزائر فحري بنا أن نتساءل عما مدى حضور الرواية الجزائرية في الممارسة النّقدية العربية؟

إذا سلمنا بأنّ الرواية الجزائرية ” عرفت تطورا في تقنية الكتابة، مما ترتب عنه ظهور نصوص روائية جيدة لا تقل في جودتها عن النّصوص المعروفة في السّاحة العربية والعالمية، خاصة في السّنوات العشر الأخيرة. فانّه في المقابل نجدها قليلة الحضور في ساحة التّلقي النّقدي الروائي العربي،  بل يكاد يكون محدودا”([35])، أمام الكم الهائل من الكتابات النّقدية الصادرة عن المدونة النّقدية العربية، فمعروف على النّقد العربي تلك النّهضة المحسوبة له” ويجب أنْ ننبه هنا إلى أنه عندما نتحدث عن قله تلقي الرواية الجزائرية من طرف النّقاد العرب، فإننا نستثني من ذلك النّقد الروائي العربي الذي ظهر قبل ظُهور الرواية الجزائرية، وإنما نعني النّقد الروائي العربي الذي ظهر بعد ظهورها، فالمتتبع للسّاحة النّقدية العربية يلاحظ بأنّ هناك العشرات من الكتب النّقدية التي تناولت الرواية العربية، وبمناهج مختلفة منها التّقليدي ومنها الحداثي، إلا أنّ الملفت في النّظر في تلك الكتب هو خُلوها تقريبا من الرواية الجزائرية، وإن وجد شيء فهو دون المستوى المطلوب”([36])، ليس التّلقي النّقدي فحسب، فحتى من جانب الحضور والتّغطية الإعلامية والإشهار والحوارات مع الكتاب الروائيين الجزائريين نجدها نادرة، ” فنادراً ما نجدُ في مجلةٍ عربيةٍ أو كتاب حوار مع روائي جزائري، وهو ما يؤكد عدم اهتمام المتلقي العربي بالأدب الجزائري عموما وبالرواية خصوصا. فقد اطلعنا على أكثر من 38 كتابا نقديا يتناول الرواية العربية، فلم نجد من بينها إلا 24 كتابا تعرض أصحابه بطريقة أو بأخرى للرواية الجزائرية، منها 10 كتب لم تتجاوز التّعريف بها، أو الإشارة إليها. والملاحظ أن أكثر الروايات التي يتم تناولها من طرف النّقاد العرب يرجع جلها إلى مرحلة تأسيس الرواية الجزائرية”([37])

وقد يرجع عدم الاهتمام بالرواية الجزائرية وتلقيها عربيا إلى الظّروف التي عاشتها الجزائر وظروف أخرى راهنة الآن وليدة السّاعة، فتاريخيا وبحكم الحركة الاستعمارية وسياسة التّجهيل التي طبقت على الشّعب الجزائري المقاوم، خرجت الجزائر باستقلالها ببنية اجتماعية محطمة في ظل غياب مدرسة جزائرية مُعربة، وكذلك بعد الاستقلال محاربة بعض الأحزاب السّياسية واللوبيات الفرنسية للتّعريب الذي أخذته الدّولة الجزائرية على عاتقها ما أخر ظهور أقلام إبداعية عربية وبذلك تأخر ظهور الرواية الجزائرية في السّاحة الأدبية  العربية والعالمية ” مما جعل البعض من النّقاد العرب يعتبرها رواية غير ناضجة فهي لا تزال في بداية النّشأة والتّكون. وبعبارة أوضح لازالت جنينا لم يستو بعد، ويمكن لذلك ما يبرره، نحن نعلم ما يشوب النّشأة الأولى لأي جنسٍ أدبيٍ من نقائص وأخطاء فنية في البناء والسّرد واللغة”([38])؛أما حالياً فنسجل غياب للتّسويق والعملية الإشهارية للرواية، ما يحد من انتشارها ووصولها للمتلقي أو حتى معرفة آخر الإصدارات الجديدة لدور النّشر في هذا المجال، عدا بعض جلسات البيع بالتّوقيع داخل معارض الكتاب والمنظمة من طرف الهيئات الوزارية والثّقافية التّابعة للدولة  في غياب دور المؤسسات الخاصة في هذا المجال وتراجع دورها، أما فيما يتعلق بالتّسويق الالكتروني فنجد الأكثر حظا الكتب التقنية والكتب التّعليمية أمام نسب ضئيلة للرواية.

كذلك تراجع دور الجامعة الجزائرية في صنع وتكوين مقروئية  لهذا الجنس الأدبي الجزائري وذلك مُتجسد من خلال الأعمال الأكاديمية والبحوث التي يكلف بها الطلبة  وغالبا ما تكون متعلقة بالأسماء التّقليدية للرواية الجزائرية، ما خلق نفورا بين المتلقي وهذه الأعمال الإبداعية، وراح ضحية هذا النّفور الأعمال المعاصرة الحالية التي  قد ترقى لمصاف الرواية العربية وقد تتجاوزها. ” فجلي غياب النّصوص الروائية الجزائرية من برامج المنظومة التّربوية في كل مراحل التّعليم، ومنها التّعليم الجامعي، الأمر الذي جعل النّص الروائي الجزائري غير معروف حتى في وطنه”([39])

خاتمة البحث:

    وفي خاتمة هذا البحث الذي حاولنا من خلاله رصد الممارسات النّقدية في الجزائر وخاصة بين أسوار معاهد الجامعة الجزائرية، وتبيان بعض المزالق والمشاكل التي لازالت ترهق الكتابة الإبداعية، فحتى الخطاب النّقدي هو كتابة إبداعية في ظل غياب نقد النّقد، ومنه خلصنا إلى النتائج التالية:

  • جل النّقد الممارس في السّاحة الأدبية والنّقدية الجزائرية مرتبط بالفضاء الجامعي يغلب عليه التنظير الغربي في غياب أقلام نقدية متخصصة خارج أسوار الجامعة الجزائرية.
  • ·        غياب وتراجع التجارب النّقدية بسبب قلة النّشر والترويج فهنالك دراسات نقدية قيّمة إلا أنها حبيسة أدراج المكتبات الجامعية.
  • ·        عدم إعطاء فرصة وتسليط الضّوء على الأقلام الإبداعية الروائية الشّابة الجديدة، أمام الممارسات النّقدية التي تحمل بين طياتها تكرارا لنفس أسماء الأدباء والروائيين للمراحل الأولى التّأسيسية للرواية الجزائرية.
  • عدم التّأسيس لنظرية نقدية جزائرية تلاءم وتتماشى مع خصوصيات النّص الجزائري وليد الفكر الجزائري أمام تطبيق نظريات نقدية غربية قد يكون تجاوزها الزّمن عالميا وقد يسير حاليا إلى تجاوزها.
  • غياب التكافؤ بين التجربتين، تسارع تطور وتغير التّجربة الروائية الجزائرية أمام تراجع الدّرس النقدي الجزائري.  
  • غياب الحوار والجلسات العملية ما شكل فراغا بين المبدع والناقد.
  • تراجع المقروئية، بتراجع حضور الرواية الجزائرية داخل المنظومة التربوية التعليمية الجزائرية.
  • غياب منهج واضح للتعامل مع النّص الإبداعي في ظل تطبيق المناهج الغربية.

(حسني مصطفى باحث دكتوراه في جامعة ابن خلدون. تيارت، mustaphahosni90@gmail.com)

المصادر والمراجع:

  1. أبو القاسم سعد الله، دراسات في الأدب الجزائري الحديث، ط05، دار الرائد للكتاب، الجزائر،2007.
  2. حفيظة زين، النّقد الأدبي في آثار أبي القاسم سعد الله، بحث مقدم لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث، قسم الآداب واللغة العربية، كلية الآداب واللغات، جامعة قسنطينة 1، الجزائر.
  1. راضية بن عربية، إشكالية المنهج النّقدي الأدبي التّطبيقي – التّشخيص والحلول -، مجلة مقاليد، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، العدد11، ديسمبر 2016.
  2. زروقي عبد القادر، النّقد الروائي الجزائري المعاصر المنجز والخيارات المنهجية، مجلة الأندلس، جامعة الأندلس، العدد ،06 المجلد 10، أفريل 2015.
  3. صلاح الدين باوية، النّقد الأدبي العربي المعاصر-مزالق وحلول-، مجلة الذّاكرة، مخبر التراث اللغوي والأدبي في الجنوب الشرقي الجزائري، العدد8، جانفي 2017.
  4. عبد الله أبو هيف، النّقد العربي الجديد في القصة والرواية والسّرد، (د،ط)، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، 2000
  5. علي خذري، تحديث النّقد الجزائري، حوليات الآداب واللغات، جامعة المسيلة، الجزائر، العدد 02، ديسمبر 2013.
  6. محمد بكوش، “الممارسة النقدية الأكاديمية والمدونة الروائية الجزائرية”، 07/03/ 2020، http://dspace.univ-msila.dz
  7. محمد محمودي، “النّقد الروائي الجزائري-قراءة في التراكم النقدي-“،13/03/2020، http://dspace.univ-msila.dz ،
  8. مخلوف عامر، متابعات في الثّقافة والأدب، ط1، منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين، الجزائر، 2002.
  9. مرزوق عبد الغاني، سالمي عبد القادر، الوعي النّقدي الجزائري بين النّظرية والتطبيق، 14/03/2020،
  10. كاملة مولاي، المنهج النّقدي عند محمد مفتاح بين التّوفيق والتّلفيق، مجلة الأثر، جامعة ورقلة، الجزائر، عدد خاص، 22، 23، فيفري 2012.
  11. نسيم حرار، أدباء الجزائر، مبدعو التسعينات الأكثر حظوة بالدّراسات الجامعية، ط1، إي كتب شركة بريطانية للنشر والتوزيع، ماي 2018.

.12وذناني بوداود، تلقي النّص الروائي الجزائري لدى النّقاد العرب وتعدد مستويات الفهم، ملتقى النّص الروائي الجزائري ونظرية الفهم، مخبر اللسانيات النّصية وتحليل الخطاب، 19-20 نوفمبر 2014، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر.

قائمة الهوامش والاحالات :

  1. ، ص 205.
  2. حفيظة زين، النّقد الأدبي في آثار أبي القاسم سعد الله، بحث مقدم لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث، قسم الآداب واللغة العربية، كلية الآداب واللغات، جامعة قسنطينة 1، الجزائر، 2015، ص 53.
  3. ص 79.
  4. المرجع نفسه، ص 80.
  5. ، ص 108.
  6. ينظر: المرجع نفسه، ص 109.
  7. حفيظة زين، النّقد الأدبي في آثار أبي القاسم سعد الله، ص 57.
  8. علي خذري، تحديث النّقد الجزائري، حوليات الآداب واللغات، ص 109.
  9. 9.     المرجع نفسه، ص 110.
  10. المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
  11. المرجع نفسه، ص 111.
  12. محمد بكوش، “الممارسة النقدية الأكاديمية والمدونة الروائية الجزائرية”، 07/03/ 2020، http://dspace.univ-msila.dz، ص 19.

13 –  المرجع نفسه، ص 20.

14- محمد محمودي، “النّقد الروائي الجزائري-قراءة في التراكم النقدي-“،13/03/2020، http://dspace.univ-msila.dz ، ص 03.

15- المرجع نفسه، ص 03-04.

16 – المرجع نفسه، ص 04.

17- نسيم حرار، أدباء الجزائر، مبدعو التسعينات الأكثر حظوة بالدّراسات الجامعية، ط1، إي كتب شركة بريطانية للنشر والتوزيع، ماي 2018، ص 60.

 18- ينظر : المرجع نفسه، ص 61.

19- زروقي عبد القادر، النّقد الروائي الجزائري المعاصر المنجز والخيارات المنهجية، مجلة الأندلس، جامعة الأندلس، العدد ،06 المجلد 10، أفريل 2015، ص 140.

20- المرجع نفسه، ص 142.

21 – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

22-  مرزوق عبد الغاني، سالمي عبد القادر، الوعي النّقدي الجزائري بين النّظرية والتطبيق، 14/03/2020، http://dspace.univ-msila.dz، ص 11.

23 – محمد محمدي، النّقد الروائي الجزائري-قراءة في التّراكم النّقدي، ص 05.

24 – كاملة مولاي، المنهج النّقدي عند محمد مفتاح بين التّوفيق والتّلفيق، مجلة الأثر، جامعة ورقلة، الجزائر، عدد خاص، 22، 23، فيفري 2012، ص 136.

23- صلاح الدين باوية، النّقد الأدبي العربي المعاصر-مزالق وحلول-، مجلة الذّاكرة، مخبر التراث اللغوي والأدبي في الجنوب الشرقي الجزائري، العدد8، جانفي 2017، ص  242 – 243.

24 – نسيم حرار، أدباء الجزائر، مبدعو التسعينات الأكثر حظوة بالدّراسات الجامعية، ص 79.

25 – محمد محمدي، النّقد الروائي الجزائري-قراءة في التّراكم النّقدي، ص 08.

26 راضية بن عربية، إشكالية المنهج النّقدي الأدبي التّطبيقي – التّشخيص والحلول -، مجلة مقاليد، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، العدد11، ديسمبر 2016، ص 19.

27- محمد محمدي، النّقد الروائي الجزائري-قراءة في التّراكم النّقدي، ص، 06.

28- المرجع نفسه،ص 06- 07.

29– المرجع نفسه، ص 07.

30 – عبد الله أبو هيف، النّقد العربي الجديد في القصة والرواية والسّرد، (د،ط)، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، 2000، ص 05.

31- محمد محمدي، النّقد الروائي الجزائري-قراءة في التّراكم النّقدي، ص 11.

32 – المرجع نفسه، ص 12.

33 – وذناني بوداود، تلقي النّص الروائي الجزائري لدى النّقاد العرب وتعدد مستويات الفهم، ملتقى النّص الروائي الجزائري ونظرية الفهم، مخبر اللسانيات النّصية وتحليل الخطاب، 19-20 نوفمبر 2014، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، ص 01.

34 – المرجع نفسه، ص02.

35 – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

36 – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

37- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

38 – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

39- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *