ملامح التّجريب في السّيرة الذّاتيّة، (الذات بين الوجود والإيجاد) لبنسالم حميش نموذجا

إسماعيل أمناي

الملخص:  

يتناول هذا المقال مقاربة وتتبع حركية التّجريب في خطاب السّيرة الذّاتيّة التّجريبية المغربية المعاصرة وعنوانه: “ملامح التّجريب في السّيرة الذّاتيّة (الذات بين الوجود والإيجاد) لبنسالم حميش نموذجا“.

وقد تناولنا فيه جملة تساؤلات حول راهن السيرة الذاتية من قبيل مدى خصوصية نصوص السّيرة الذّاتيّة المغربية وحضور ملامح التّجريب فيها؟ مجيبين عن جملة أسئلة من قبيل: ما السّيرة الذّاتيّة، وما التّجريب؟ وما هي أهمّ ملامحه في السّيرة الذّاتيّة؟ وكيف تمثَّل المؤلفون المغاربة التّجريب في كتابة سيرهم الذّاتيّة؟ وما التغيير الذي طال متون نصوص السيرة الذّاتيّة في التّجريب؟ والإمكانات التي تتيحها على مستوى التلقي؟

ونرمي من وراء ذلك إلى فهم واقع هذا النّوع الأدبي وبناء وعي نقدي ينتج عن استقراء نص من السّيرة الذّاتيّة المغربية وتحليله، والوقوف على ملامح التجريب في عتباته وبناء الزمن وتشكيل المكان وعلى مستوى البنية السّردية، والتشكل اللغوي والمتخيل السّردي فيه.

ومن جملة النتائج التي توصلنا لها: أن التّجريب في السيرة الذاتية تجاوز للنمطية والمألوف وبحث عن أساليب وتقنيات جديدة لجذب انتباه المتلقي، إنه تغيير يطال الشّكل والمضمون. ومن مظاهره التشويش على إعلان الميثاق السّردي، وجعل القارئ يشتبه في جنس النّص، فالسّيرة الذّاتيّة المعاصرة ترفض التخصص في الحديث عن الذات، وتسعى لمزج الذاتي والإبداعي بالمجتمعي والنقدي، وصارت سيرة ذهنية وفكريّة. ويظهر الزمن في السيرة الذاتية التجريبية متقطعا والمكان غير دقيق التحديد، مما يدفع بالمتلقي إلى القراءة الفاعلة لتتبع المعاني وبناء الدلالات. كما تميزت السّيرة الذّاتيّة في التّجريب بالتهجين والتّنوّع اللغوي وتوظيف المسكوت عنه والممنوع من التداول من قضايا جنسية وسياسية ودينية، مما نتج عنه تجديد في التصور الفني والجمالي والفكري، وأغنى موضوع النّص السيري المعاصر.

الكلمات المفتاحيةالسيرة الذاتية المغربية – الذات بين الوجود والإيجاد- بنسالم حميش– التجريب –دراسة تطبيقية– عتبات النص– البنية السردية– التشكيل اللغوي – المتخيل السردي.

Features of experimentation in the autobiography (The self between existence and creation); Bensalem Himmish as a model.

summary :

This article approaches and traces the dynamics of experimentation in a resume letter contemporary Moroccan experimentalism, which we titled « Features of experimentation in the autobiography (The self between existence and creation) by Bensalem Himmish as a model.»

      We have covered for a number of questions about current autobiographies, such as how special Moroccan autobiographical texts are and whether there are experimental features in them? Answering a number of questions such as: What is a resume and what is experimentation? What are the most important features of autobiography? How do Arab authors represent experimentation in writing their autobiographies? And the capabilities that we offer at the reception level?

    We aim for that to understand the reality of this literary genre and build a critical awareness that results from extrapolation and analysis of moroccan autobiographical texts, standing on its thresholds, building time, shaping place, and the characteristics of experimentation at the level of narrative structure , linguistic formation and narrative imaginary.

     One of our findings is that the biography goes beyond stereotypes and familiarity and looks for new methods and techniques to attract the recipient’s attention. It is a change in form and content. Among its manifestations is the confusion of the proclamation of the narrative compact, and the making of the reader to doubt the gender of the text. Contemporary autobiography refuses to specialize in self-talk and seeks to blend oneself and creativity with society and criticism, translating a person’s life, thought and philosophy. Experimentally, the talk has become about the mental and intellectual biography. The time in the experimental biography appears intermittently and the location is inaccurate, prompting the recipient to read actively in order to trace the meanings and build the connotations. The autobiography in the experiment was also characterized by hybridization, linguistic diversity, and the employment of non-speakers and those prohibited from discussing sexual, political, and religious issues, which led to a renewal of artistic and aesthetic perception. The intellectual, the richest subject of contemporary biographical text

     Keywords :

The Moroccan autobiography – The Self between Existence and Creation-  Bensalem Himmich – My confusion and doubts carry me –– Text thresholds – Narrative structure – Linguistic formation – Narrative imaginary

مقدمة:

يعكس الأدب عموما حياة الأمم، وينقل ثقافات الشّعوب ويصور حضارتها، وهو يتطور بتطور حياة الأمم ويتغير بتغيرها، ليواكب تعقيداتها وتسارع نمطها. وقد عرفت الكتابة السّردية بالمغرب بداية تطور ملحوظ خلال النّصف الثاني من القرن العشرين، ميزه التّجريب الذي عرفته سنوات الثمانينات على مستوى الشّكل والمضمون، ولم تتخلف السّيرة الذّاتيّة عن حركة التطور هاته، وإنّما انخرطت في التّجريب شكلا ومضمونا. وقد عرف التّجريب كظاهرة يحركها التجريد الفكري والإبداع الفني طريقه إلى نصوص السّيرة الذّاتيّة كغيرها من الأجناس الأدبيّة وهي تحاول اللحاق بركب التطور المجتمعي، وذلك لتأثرها الكبير بحركة التجديد المنتشرة بالغرب، ونظرا لخصوصية السّيرة الذّاتيّة التي يُقدم على كِتابتها سياسيون وفلاسفة وفنانون وأدباء…، فقد تسرب إليها بعض من تفكيرهم، وصارت خاضعة للمتغيرات الفكريّة والمرجعية للمؤلفين، مما جعلها كجنس أدبي: ” ينمو، ويتطور بطريقة تلقائية تمليها ملابسات الحياة وحاجات الفرد، بل تدخل التفكير الفلسفي، وأخذ يستنبط للأدب والفن غايات جديدة”[1]، وهذا ما سنقف عنده في نص السّيرة الذّاتيّة قيد الدّراسة. وهذا التطور الذي تمليه ملابسات الحياة وحاجات الفرد وكذلك يحرّكه التّفكير الفلسفي لا يعني انقطاع السّيرة الذّاتيّة عن الماضي بشكل كلي إذ يرى فيليب لوجون أنّ فكرة وجود أجناس أدبيّة جديدة دون ارتباطها بجذور قديمة ليست دقيقة فالأنواع الأدبيّة هي: “إعادة توزيع سمات شكلية كانت موجودة جزئيا من قبل في النّظام السّابق”[2]، فنصوص السّيرة الذّاتيّة نصوص جديدة مستنبتة في تربة قديمة، فلا يمكن الانفصال الكلي عن تاريخ الكتابة السيريّة التي قسم النقاد فيها السّيرة إلى صنفين: سيرة ذاتيّة، يُترجم فيها المؤلف لحياته، وينقل أحداثا ووقائع تتعلق بها وبمسيرته الخاصة، وسيرة غيرية يتحدث فيها الأديب عن شخص آخر، وينقل مسيرته الحياتية ويعلّق عليها. وسنحاول في هذا المقال مقاربة وتتبع حركيّة التجريب في السيرة الذاتية من خلال نص السّيرة الذّاتيّة: ” الذات بين الوجود والإيجاد” (لبنسالم حميش) والتي سنقف من خلالها على أهمّ مظاهر التجريب في السّيرة الذّاتيّة؟ وكيف تمثَّل المؤلفون المغاربة التّجريب في كتابة سيرهم الذّاتيّة؟ وما التغيير الذي طال متون نصوص السيرة الذّاتيّة في التّجريب؟                                                    

قراءة في مفهوم السّيرة الذّاتيّة:

                   اختلف الباحثون حول تحديد مفهوم ” السّيرة الذّاتيّة ” وانفرد كل واحد بتعريف خاص به وبشأن ذلك يقول شكري المبخوث:” يعسر الظفر بحد جامع مانع للسيرة الذّاتيّة، ومرد هذه الظاهرة حسب ” جورج ماي “[3] إلى أنّ هذا الجنس الأدبي حديث نسبيا بل لعله أحدث الأجناس الأدبيّة “[4] . وقد حاول جورج ماي تعريف السّيرة الذّاتيّة ووضع حد لها في كتابه “السّيرة الذّاتيّة” حين قال: “حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته، بصفة خاصة”[5] ولعل هذه الجدة لهذا الجنس الأدبي هي ما جعلت الاتفاق على تعريف جامع مانع صعب، أما الاجتهادات ومحاولات التعريف الفردية فنسوق منها تعريف السّيرة الذّاتيّة بأنها: “نوع من الأدب يجمع التحري التاريخي والامتاع القصصي، ويراد به درس حياة فرد من الأفراد ورسم صورة دقيقة لشخصه”[6]، وهي محاولة لتعريف السّيرة الذّاتيّة من وجهة نظر خاصة، إذ أنّ تعريفها الدقيق يبقى صعبا من جهة الكتابة الروائية العربية لكون هذه الأخيرة لم يُضبط بعد تاريخ نشأتها ولازال الخلاف قائما بين النقاد حول مسيرتها ومراحل تطورها في الثّقافة العربية.” لكن السّيرة الذّاتيّة لم تظفر في الأدب العربي بدراسة متكاملة تتعرض لظروف نشأتها، وطبيعتها والعوامل المؤثرة فيها، وتبين ملامح تطورها وما تشتمل عليه من عناصر تميزها عن الفنون الأدبيّة الأخرى القريبة منها مثل: الرّواية والمذكرات واليوميات.”[7] فأمر ضبط ظروف النشأة وطبيعة الجنس الروائي وملامح التطور وغيرها خاص بالسّيرة الذّاتيّة ويشمل الشّكل الروائي العربي بشكل عام وهو ما يُصعب عميلة تحديد المفهوم الدقيق الجامع المانع. ويمكن القول إجمالا أن السّيرة الذّاتيّة أحداث تروى بشكل نثري، وتكون متسقة ومترابطة وتتعلق بحياة شخص وبواقعه لنقل تجاربه وخبراته المتنوعة والخصبة، مركزة على حياة الفرد ومستثمرة الخيال بالقدر القليل الذي يسمح بربط عناصر النّص وإحكام بناء الحكاية واتساقها.

   نشأة السّيرة الذّاتيّة:

                   اختلف النقاد والباحثون حول ظروف نشأة السّيرة الذّاتيّة، وتطورها والعوامل المتحكمة فيه. ولم يحظ هذا الجنس الأدبي بدراسة دقيقة تجيب عن جميع الأسئلة، فينفي البعض وجود هذا الجنس الأدبي عند العرب القدامى ويرى آخرون أنّالعرب أخذوا السّيرة الذّاتيّة عن أمم قبلهم ”ولعل أقدم صورة للترجمة الشّخصيّة تلك الكلمات التي كان ينقشها القدماء على شواهد قبورهم، فيعرفون بأنفسهم وقد يذكرون بعض أعمالهم…ومع مر التاريخ نشأ المؤرخون ونشأت طبقات من المفكرين والفلاسفة، وأودعت كتاباتها كثيرا من حياتها وأحوالها وتجاربها”[8].  فيعود (شوقي) بزمن ظهور السّيرة الذّاتيّة إلى زمن ما قبل ظهور الكتابة معتبرا النقوش على شواهد القبور والمعابد والهياكل نوعا من السّيرة الذّاتيّة البدائية التي تؤرخ لبعض ما كانوا يفعلون، واستمر الأمر مع يوليوس قيصر الذي دون بعض حروبه والمؤامرات التي حيكت ضده، ثم سيرة ملوك الفرس التي نقلها العرب فيما نقلوه، واستمرت كتابة السّيرة الذّاتيّة مع المؤرخين والمفكرين والفلاسفة الذين ضمّنوا كتاباتهم الكثير من وقائع وأحداث حياتهم وتجاربهم. وترى الناقدة الأردنية تهاني عبد الفتاح:” أنّ أصول السّيرة موجودة في الأدب العربي منذ القرن الأول الهجري، السابع الميلادي. وفي العصر الحديث تأثر كُتاب السّيرة الذّاتيّة بما جاء في الأدب الغربي…وسنتوصل إلى أنها نشأت عند العرب قبل الغرب، وهذا الرأي وارد عند بعض الباحثين، منهم لويس بوزيه الذي يقول: ربما كان كتابا الاعتبار لأسامة بن منقذ في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي، وكتاب التعريف لابن خلدون في أواخر القرن الثامن الهجري/ الرابع الميلادي أقرب أثرين في القرون الوسطى إلى الفن المذكور بمعناه الاصطلاحي المحصور”[9]. ولا شك أنّ أمة العرب اهتمت بالسّيرة النبوية معتبرة كل قول أو فعل أو تقرير منه صلى الله عليه وسلم من الدين، فظهرت محاولات كثيرة لجمع سيرته وترتيبها وسار على ذلك اللاحقون بتدوين سير الصحابة والتابعين.

                   ويمكن التأريخ لهذا الجنس الأدبي في الثّقافة الغربية باعترافات (جان جاك روسو) التي قيل عنها: ” لئن عدت اعترافات جان جاك روسو (1712-1778) المنشورة بعد وفاته بداية لهذا التاريخ – يعني تاريخ السّيرة الذّاتيّة- فإن هذا التحديد يثير عدة قضايا”[10].

كما لا ينكر شكري المبخوت[11] كون هذه الاعترافات لجان جاك روسو لم تنشأ من عدم وأن الثّقافة الغربية عرفت كتابا بالعنوان نفسه وضعه القديس أوغسطين (354/430) أي أربعة عشر قرنا من اعترافات روسو، يقول عنه عبد العزيز شرف في كتابه أدب السّيرة الذّاتيّة: ” اعترافات القديس أوغسطين (354-430) تستحق لقب أقدم سيرة ذاتيّة باقية، فهي إذ كتبت حوالي عام 399م تتحدث بتفصيل نابض بالحياة ويخلب الألباب، عن الحياة الباكرة للقديس أوغسطين، ومحبته لأمه، وكفاحه ضد الشهوات والخطيئة…لا تزال اليوم من أفضل السير الذّاتيّة التي لها أعظم تأثير على الكتاب المتعاقبين”[12]، ويبقى سؤال النشأة قائما بين من يردها إلى عصر النقش على القبور والمعابد والأهرامات وإلى من اعتبرها بعض ما أثر عن ملوك الفرس من وصايا وسير سياسية ومن يعتبر أنّ اعترافات روسو كانت البداية ومن يعود بالنشأة إلى اعترافات أوغسطين ومن جعل البداية مع سيرة رسول الإسلام. غير أنّ السّيرة الذّاتيّة بمقوماتها الفنية وتقنياتها الحديثة وتميز محتواها وخلوها من الهجنة واكتسابها الخصوصية ستتكرس مع التّجريب، لتُرسم لاحقا الحدود بين هذا الفن وباقي الفنون الأدبيّة الأخرى.

مفهوم التّجريب.

في اللغة كلمة “تجريب ” مشتقة من الفعل “جرَّب” وهي:”جرَّب يُجرٍّب تجربةً وتجريباً الشيء حاوله واختبره مرة بعد أخرى. وجرب الرجل تجربة، اختبره. ورجل مجرب: قد عرف الأمور وجرّبها فهو بالفتح مضرَّسٌ قد جربته الأمور وأحكمته. الجرب الذي قد جرب في الأمور”[13]. وفي المنجد: “التجربة جمع تجارب، اختبار، امتحان، تجربة آلة. والمذهب التّجريبي، مذهب يقول بصدور المعرفة عن التجربة”[14].  فمحور مفهوم كلمة “التّجريب” في المعاجم العربية يركز على الاختبار والخبرة والمعرفة، وسيظهر هذا المعنى جليا مع تعاريف النقاد الاصطلاحي.

  واصطلاحا ظهر مفهوم التّجريب (l’expérimentation) أولا بالمجال العلمي ثم انتقل إلى باقي مناحي الحياة. ومنها الأدب بصفة عامة بكل أنواعه، فقد “ظهر هذا المصطلح -بداية- ملتصقا التصاقا واضحا بالعلوم الإنسانيّة، ثم انتشر على الفور داخل بنية الفنون ونسيجها في النّصف الثاني من القرن التاسع عشر، وارتبط التّجريب -بهذا المفهوم- بالتطور السريع، والديناميكي للعلوم الطبيعية، فأساليب البحث والنظرة العلمية للاكتشاف والوجود قد انتقلت من منطقة إلى أخرى من الحدث الإنساني دون معارضة كبيرة”[15]، فالتّجريب كمفهوم رحل بين الحقول المعرفية ومارسه المبدعون في فن الكتابة الأدبية وقد كانت ” العلوم الطبيعية مهد استخدام المصطلح”[16] ثم تداخلت العلوم وانمحت الحدود وانتقل هذا المفهوم من مجال إلى آخر دون معارضة ولا اعتراض، و”يحتاج مصطلح التّجريب إلى تحديد وتمييز، لأنه من المصطلحات التي شاع استعمالها بدلالات متعددة، وغالبا ما جُعل هذا المصطلح قرينا للتجديد.”[17] فالتجديد مقابل للتّجريب، والأدب القديم يحيل على الموجود أولا في الزمن، وقد يظل محافظا على جدته وجودته رغم مرور السنين العديدة عليه كالأعمال العظيمة، وقد يتم استنبات الجديد في تربة القديم كما أشار إلى ذلك الجرجاني حين قال عن الإبداع:” هو تأسيس الشيء عن الشيء”[18] فالجديد ليس خلقا من عدم وإنما هو تطوير للقديم وبناء عليه، وقد ظهر التجديد أو التّجريب بالمغرب أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. يقول أحمد اليبوري: ” في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تبدى لنا مؤسسة سوسيو-ثقافية كانت آخذة في التشكل، ساعية لفرض أنماط سلوكها وتفكيرها على فئات واسعة من المثقفين. ومن أهم علامات هذه الظاهرة بروز محفل للتلقي عمل بوسائل مختلفة، غير مباشرة في أغلب الأحيان، على تكييف الإنتاج الروائي وتوجيهه وفق الذوق الأدبي الجديد والحساسية الأدبيّة الجديدة”[19]  فالتّجريب ليس فقط تطويرا لكتابة السرود عموما والسّيرة الذّاتيّة خصوصا وإنما هو تطور لتلقيها، فقبل نظرية التلقي لم يكن القارئ يحظى بمكانة في بناء النّص ولم يكن فاعلا في إنتاج المعنى وبعد هذه النظرية صار المتلقي معتبرا في تشكيل المعاني، إذ لا يوجد المعنى في النّص ولا عند المؤلف وإنما ينتج عن تفاعل القارئ مع النّص، فصار الذوق الأدبي للقارئ متدخِّلا في بناء النّص ومستحضَرا أثناء تأليفه. فمصطلح التجريب قد “يستعمل للدلالة على البراعة في البناء، والحرص على التجويد، والسعي إلى مخالفة السائد مخالفة حبلى بالإضافة الجمالية، تؤكد السابق الرفيع وتؤصله، فتلغي المتهافت الضعيف، وتمحوه من الذاكرة، وتبشر بالطريف والنبيل، فتضيق السبل على من يستسهلون الكتابة”[20] فهو مقترن بالتجويد والإبداع، والمنخرط في التجريب يبحث عن النموذج المتفرد والشكل الفني المغاير، فيخوض مغامرة التجريب باحثا عن الأفضل “فالذي يمارس التجريب ، إنما يمارس ثنائية الهدم والبناء، ويشارك في ارتياد آفاق لم تكتشف بعد، في حين أن من يسير على آثار غيره، ويحجم عن المغامرة … مثال مشوه أو منقوص”[21] فالتجريب عنوان للقدرة على التحكم في أساليب الكتابة والإبداع، وسعة التصور الفني ورحابة الرؤيا الجمالية مما جعله عنوانا لكل سيرة ذاتيّة تريد مجارات المقاييس النقدية والذوق العام المتطور والمرتبط أكثر بالعصر وانشغالاته، ومحاربة الجمود والرداءة الفنية وهو: “عماد المنجز الفريد لأنه يتمثل في ابتكار طرائق وأساليب جديدة في أنماط التعبير الفني المختلفة، فهو جوهر الإبداع وحقيقته، عندما يتجاوز المألوف ويغامر في قلب المستقبل”[22] فهو شرط وعنوان من عناوين الوعي والإقدام لدى المبدع، رغم ما قد يلاقيه من تيارات مقاومة للتغيير. ولضبط المفهوم أكثر سنحاول الوقوف عند بعض مظاهره في السّيرة الذّاتيّة، وسنقف عند عناصر التّجريب الشكلية والدلالية التي تهيّمن على السيرة الذّاتيّة والتي تندرج ضمن: تشظي الشّكل، وعتبات النّص، وآليات اشتغال الزمن الحكائي (الاسترجاع السّردي، الاستباق…)، وتشكيل المكان وبنية الفضاء، والتهجين اللغوي.

تشظي الشّكل:

     يعد تشظي الشّكل من ظواهر التّجريب التي صاحبت التجربة الروائيّة والسيرذاتيّة منذ الستينات يقول محمد برادة: “إن تشظي الشكل الروائي، في التجربة العربية، يعود إلى الستينات حيث نعثر على نصوص رائدة مثل (تلك الرائحة) لصنع الله (1966) و (أنت منذ اليوم) لتيسير سبول (1968)…”[23]. وصور تشظي الشّكل في الكتابة السردية عموما والسيرة الذاتية على الخصوص عديدة نذكر منها: استعمال لغة مقتصدة ودعوة المتلقي الضمنيّة بذلك إلى ملء الفجوات وسدّ الفراغات لبناء المعنى، وتجنب الاطناب في الوصف والانشغال به عن سرد أحداث السّيرة الذّاتيّة ووقائعها سواء أكان الوصف للأماكن والفضاءات عموما أم للشخصيات، وكذلك توظيف التلميح ودفع المتلقي إلى التوتّر وإعمال إرثه الثقافي للوصول إلى المعنى، فلا منطق للأحداث والوقائع، ولا استقرار في الأماكن والفضاءات ولا الأزمنة، والدّلالات ممتنعة ومستعصيّة ولا بد للمتلقي من ملاحقتها داخل الشّكل المتشظي للسيرة الذّاتيّة وقد اعتمده المؤلف في نص السيرة الذّاتيّة قيد الدّراسة حيث حاد عن التقليد وكسر النمطية المتبعة في كتابة السيرة الذاتية، بل استوحى من الثّقافة الغربية نمطا جديدا في كتابة السيرة الذاتيّة يجمع بين السّرد والمقالة، وإلى ذلك أشار (بنسالم حميش) في مقدّمة سيرته الذّاتيّة حين قال: “إني مدين لكتاب المقاربات (Les Essais)  لميشل دي مونتاين (القرن 19) الذي ينبه القارئ مدخليا إلى أنه يرسم ذاته ويتخذ نفسه مادة للكتابة…ولا أخفي أني سأقتدي بنهجه ما استطعت من حيث إني لن أعالج موضوعاتي إلاّ وأنا متلبس بها ومنضو فيها إما ذاتيا على نحو صرف وإما أدبيا وفكريا وإما لغويا وثقافيا”[24]. حيث أن النّص جمع بين ما هو ذاتي في صيغة سرد ثم ضمه إلى تأملات فكريّة جاءت كمقالات مبثوثة داخل فصول السّيرة الذّاتيّة تقود خطى المتلقي وتوجه مسيره داخل فصول حياة المؤلف المتقاطعة والتي يصاحبه فيها عبر وقفاتها الفكريّة والثّقافيّة المتشابكة في لوحة متشظية المعالم متشابكة القضايا، فلا استقرار في الأماكن ولا ثبات في الأزمنة، يستحضرُ منهما السارد العنوان الرئيس ويُعرض عن التفاصيل الدقيقة كما في قوله: “أبريل 1994، والمكان مراكش”[25] دون ذكر تفاصيل أخرى للزمان أو المكان التي ولا بد تلاشت واضمحلت أو تعثرت الذاكرة في استحضار تفاصيلهما، كما يقر بذلك (بنسالم حميش) ويسوقه في أثناء سرده لسيرته الذّاتيّة حين يقول: “وتعثر الذّاكرة على اقتراف بعض التجاوزات والخلط الزمني (anachronism)” [26] فقد تُعرَّض الكثير من تفاصيل الأحداث والوقائع وأوصاف الفضاءات والشخصيات للنسيان عند كتابة وتدوين التجربة الشّخصيّة في السّيرة الذّاتيّة، غير أنّ الذاكرة تحتفظ بالأهم منها وتكثفها لتعتصر التجربة منها والفائدة، وتهمل ملكة الذاكرة التفاصيل الغير مهمة. عكس اليوميات التي تدفعها المدة الزمنية الفاصلة بين زمن التجربة وتدوينها إلى تناول دقائق الأحداث والوقائع وتفاصيلها المجهرية وأوصافها الكثيرة والمملة وتنفعل مع سفاسفها ظانة أنه مؤثر فيها وفي مجرياتها وذلك ما أُشير إليه في القول: “إنّ المدة الفاصلة بين زمن القص وزمن الحدث هي التي تمكن المؤلف من أن يصور مغامراته على نحو متماسك بعد أن يكون قد مر على حدوثها زمن. أما تدوين الأحداث يوما بيوم فلا يمكن أن يعطي بنية متماسكة وموحدة”[27] فكتابة اليوميات قد يوقع صاحبها في تناول وتدوين أحداث عرضية لن تؤثر في قادم الأحداث، ولا تساهم في تطورها لعدم علمه بالقادم في المستقبل القريب أو البعيد من الأحداث. مما يجعل بنية اليوميات عشوائية وغير محكمة التنظيم. ولأن كثرة وقفات الوصف للأمكنة والفضاءات تُوقِف سيرورة السّرد وتُغيِّر التلقي من السّرد إلى “الروبورتاج” فقد اعتمده المؤلف بشكل ضعيف، فالانشغال بوصف الأماكن وتفاصيل الزمن من المؤاخذات التي  يعرض عنها كُتاب التّجريب، فالوصف يشغل حيزا مهما من بياض صفحات السّيرة الذّاتيّة ويتوقف السّرد معه، الشيء الذي غاب في السيرة الذّاتيّة قيد الدّراسة، أو وظفه الكتاب بشكل ضعيف، فلا يقتحم المؤلف بالقُراء فضاء ضيقا ولا يشغل نفسه بوصف مكان، إلاّ ناذرا،  إنه يضع تاريخ الأنا على باب جنس تعبيري لم يشتهر في كتابة السّيرة الذّاتيّة بعد، فيُخرج الكتابة من بوتقتها الضيقة إلى فضاء الإبداع والثّقافة والتأملات الفكريّة، ويكاد السارد ينقطع عن السّرد إلى التنظير والفكر النقدي، فنجد وقفات فكريّة طويلة في مواضيع كثيرة ومتنوعة لغويّة وفكريّة وأدبيّة لا يسع المجال للوقوف عليها، نمثل منها بخوض السارد في الحديث عن الاستيلاب اللساني: “إن الاستيلاب اللساني فالثقافي، في نظري وحسب تجربتي، وجهان لعملة واحدة، وكلاهما مظهران ناتئان متورمان من ضمن مظاهر تراكم كبوات تاريخية… “[28]، ليقف القارئ مندهشا أمام هذا التشظي في موضوع السّيرة الذّاتيّة إلى حد الاستغراق أحيانا في الحديث الفكري والتنظير الثقافي، فصارت السّيرة الذّاتيّة مجالا خصبا للتنظير الأدبي والفكري بانفتاحها على المجالات والمواضيع والانشغالات الفكريّة والنقدية، وذلك بإنتاج نصوص جديدة تنطلق من الكتابة عن الذات، بناءً على وضعية النظام السّردي المتعارف عليه وتراكيبه اللغويّة وتستثمر تشظي المضمون لتلامس الوعي النقدي، وتطرح أسئلته وتحلل وضعيات فكريّة ونقدية مرتبطة بسيرورة الحكي. إنّ  السّيرة الذّاتيّة في التّجريب تحاور وتجيب عن أسئلة سياقية، وتقترح ما يرتبط بها من أجل بناء وعي نقدي وفكري حامل لأفق جديد يثير لدى قارئها قضايا أدبيّة وثقافية ولغويّة وسياسية… تراكمت في ذهنه، إنها تفاجئ القراء وتخرق أفق انتظارهم سواء على مستوى التجارب الجمالية التي تُرسم وفق النموذج التقليدي المتسم بالتسلسل الاستذكاري، أو على مستوى التجارب الحياتية الخاصة التي تتضمن مكتسبات وتاريخا ثقافيا ومواضعات اجتماعية وانتماءات سياسية ومعتقدات دينية، إنه نقل للسيرة الذّاتيّة من ضيق أعراف الكتابة التقليدية إلى سعة التّجريب والتحرر من قيود المواضعات الأدبيّة والنمطية.

ورغم أن الأحداث حقيقية إلاّ أنّ الخطية الزمنية لم تعتمد التعاقب والتراتب الطبيعي تصاعديا لحياة شخص، بل جاءت على شكل تشظيات سردية تتألف من صور وأفكار معزولة تترك للقارئ حرية التأويل وفهم المضمون. ورغم إعلان السارد عن مفهوم الميثاق السيري كما جاء به فيليب لوجون، فقد تحرر منه واعتمد نصا متشظيا، لكونه لم يبرم مع القارئ عقدا قانونيا يلزمه بعرض تفاصيل حياته الخاصة، وذلك ما يتحرج منه، ربما لمكانته العلمية والأكاديمية، ولسلطان التقاليد والدين ومواضعات الأعراف، فلا يمكنه الخوض في خصوصياتها وإعلانها للجميع، وتحرر من ذلك  بدعوى الانفلات والنسيان كما أشار إلى ذلك حين قال:” كما أني أرى في طفولتي خطوطا غائمة، بعضها ينفلت دوما ويراوغ، وبعضها يقبل الانجلاء في ضوء التذكر…وفي تماوج الذكريات الطفولية المستعادة تطفو صور لم أنسها”.[29] وثارة أخرى بدعوى التعفف عن الحديث عن النفس وبالتالي العُجب بها، حين قال عن إعراضه عن اعتماد زمنية خطية استذكارية فقط وبناء نص متشظ منفلت من المنطق الزمني والحدود المكانية ويزيد في التعليل، كما سبق إيراده، قائلا: “ولعل مرد ذلك أن في وعيي المضمر يثوي تقليد في التربية الإسلامية، القاضي بالتعفف في الحديث عن النفس والعياذ بالله من ذكر أنا”(ص11)، فيُرجع خروجه عن التقليدية في كتابة السّيرة الذّاتيّة، وعدم اعتماد السير الاستذكاري التصاعدي إلى عوامل دينية تركت الأثر في نفسه، ويشير إلى دعوة التعاليم الإسلامية إلى تفادي الحديث عن النفس. ولعله اعتمد هذا البناء المتشظي للنص وتحرر من تقليد الزمنية التصاعدية في الاستذكار لعامل نفسي كما أشار هو حين قال: ” لعله شاخص فقط في كوني لست في حالة صلح ووفاق مع لحظات وبؤر في وجودي، بحيث يكون نسيانها- أو محاولة نسيانها- أفضل عندي من تمثلها بعديا والعود إليها بالاسترجاع والذكرى وشعاري حالئذ هو قول باسكال: (الأنا مستكره)”[30] فيتحجج بما هو نفسي، وبكون بعد الذكريات والأحداث توقظ المواجع وتجلب الألم، فتجد النفس راحة في نسيانها وعدم استرجاعها ولو على سبيل الحكي، وقد تكون مما تنفره الذات وتندم على فعله واقترافه، فيلجأ إلى عدم ذكره واستحضار لحظات السّرد. وقد دفع السارد بهذه الأعذار ليتحرر من كل مواضعات الكتابة التقليدية للسيرة الذّاتيّة، وليعتمد بعد ذلك نصا متشظيا، حيث يمزق السارد الآلية السّردية المسؤولة عن توليد المعاني وترابط الفصول، ليجد المتلقي نفسه أمام حلقات مشهدية مستقلة في المضامين وتشظيات سردية لا تخضع لزمن معين ومنطقي ولا ترتبط بمكان واضح المعالم، وتبقى للقراءة الفاعلة للمتلقي مهمة فهم المقصود.

-التّجريب على مستوى عتبات النّص:

      عتبة العنوان: عنوان السّيرة الذّاتيّة “الذات بين الوجود والإيجاد” عنوان موجز لافت وخارج عن عادات السير الذّاتيّة التي توحي عناوينها عادة بجنس النّص وتصنفه بصفة مباشرة وهذا من سمات التّجريب في العنوان، والعنوان عتبة من عتبات النّص ومفتاح لفهمه، وبناء دلالة النّص والوصول إلى معناه. وعنوان الكِتاب هنا عبارة عن جملة اسمية تحمل دلالة زمنية بواسطة ظرف “بين” الذي يحفز المتلقي على افتراض زمن وجود هذه الذات والظروف المحيطة به، وزمن الإيجاد الذي يأمله المؤلف وينشده من خلال مقاربة الأحوال الفكريّة والثّقافيّة المغربية ومساءلة الظواهر المهيمنة، والمراهنة على التحرر الفكري والثقافي والتخلص من الهيمنة اللغويّة والحفاظ على الهوية. وقد ترسم لفظة “الذات” فضاءً إيحائيا ودلاليا في ذهن المتلقي الفاعل، إذ تشي على استحياء بجنس النّص وتصنفه ضمن خانة الكتابة الذّاتيّة والسّيرة الذّاتيّة، ويمكن قراءتها كإعلان عن الميثاق السيري منذ العتبة الأولى التي هي العنوان. وقد وُضع العنوان في أسفل الغلاف تحت الصورة الشّخصيّة للمؤلف “بنسالم حميش”، وقسم على سطرين، كُتب شطره الأول ” الذات ” بمقياس أكبر من عبارات السطر الثاني “بين الوجود والإيجاد” وبخط مضغوط ولون أحمر مميز مكَّن من الإثارة البصرية المطلوبة. “فقد أصبحت العناوين موضوعا صناعيا (objet artificiel)، لها وقع بالغ في تلقي كل من القارئ والجمهور والنقد والمكتبيين، وهي تحت طائلة تعليقاتهم قصد القبض عليها وهذا ما يتخصص فيه المشتغلون بالعنونة أي العنوانيون titrologues بتحليلهم لتلك الكتلة الخطية (grophique) أو الإيقنوغرافية (iconographique) أي الطباعية المتواجدة إما على صفحة العنوان أو الغلاف”[31] فالعنوان في التجريب صناعة تلعب دور الوساطة بين المؤلف والقارئ الذي يسعى ليجيب عن الأسئلة التي ولدها لديه إغواء العنوان فالحديث عن السّيرة والذات معروف ومستهلك داخل العديد من متون السّيرة الذّاتيّة، لكن الحديث عن “الذاكرة” و “الذات” و “السّيرة” فيه بعض التعتيم والاستبطان وهذا ما يميز عناوين الأعمال التّجريبية، مما يدفع بالمتلقي إلى التفاعل مع هذه العتبة التي تعد من أهم مظاهر التّجريب، فهي خطاب يدفع المتلقي إلى القراءة الفاعلة والمشاركة في بناء مضمون النّص عبر تكسير افق انتظاره وتوقعه، باعتماد عنوان بحمولة مكثفة وإيحائية، تشوش على التجنيس، وتدفع بالمتلقي إلى التوتر قصد خوض غمار القراءة لسبر أغوار النّص والوقوف على مضمونه ومعانيه.

    أما بالنسبة للعناوين الفرعية أو عناوين الفصول أو العناوين الداخلية فهي تعد من العتبات المهمة التي اعتمدها (بنسالم حميش) كنّص مواز، لكونها في التجريب منارات توجه قراءة المتلقي وتجذب انتباهه، وهي عادة تتنوع إلى عتبات تُفَصّل وتوضح العنوان الرئيس، أو عتبات تخرج عنه وتشوش على أفق الانتظار الذي يرسمه العنوان الرئيس، أو تغير أفق التلقي، وهي إشارات مقصودة من المؤلف للمتلقي وتأطير للجمهور وتوجيه لتلقيه بإعطائه خلاصة عن مضمون الفصل. وجاءت هذه الفصول متقاربة في الطول متداخلة في المواضيع، إذ يشكل الفصل اللاحق استمرارا في الحكي لما في الفصل السابق، مع تداخل في الأحداث عبر الاسترجاع والاستباق وهو “مقطع سردي يسرد أحداثا سابقة عن أوانها، أو يتوقع حدوثها” [32]  واعتمد (بنسالم حميش) عناوين الفصول لزيادة الإيضاح وتوجيه القارئ المستهدف من خلال هذه النافذة التي تطل على مضمون النّص وتلخص معناه. وقد قسم نصه “الذات بين الوجود والإيجاد” إلى تقديم عنونه: “سؤال السّيرة الذّاتيّة” وخمسة فصول عنونها على التوالي: الفصل الأول: قطع حياتية./ الفصل الثاني: أوجد في فضائي أدبيا. / الفصل الثالث: أوجد في فضائي فكريا. / الفصل الرابع: أوجد في فضائي لغويا. / الفصل الخامس: أوجد في فضائي ثقافيا. / وتذييل عنونه: سجالاتي، ليختم بخاتمة عامة عنوانها: في التحرير الذاتي. وبتأمل عنوان التقديم نجده عنوانا دالا ونافذة على ما احتواه الفصل من رؤية نقدية خاصة للسيرة الذّاتيّة، واطلاع (بنسالم حميش) العميق على تاريخها البعيد الذي يمتد إلى اعترافات روسو بل وأوغسطين، فالعنوان الفرعي يدل على محتوى الفصل ويحيل عليه بامتياز، كما في الفصل الأول الذي عنونه:” قطع حياتية” الذي لم يخرج محتواه عن تناول صور ومحطات من حياة (بنسالم حميش) بدءا من الطفولة وارتياد الكتاب القرآني وسنوات التعليم الابتدائي، ومرحلة المراهقة، ودراسته الثانوية، وأحداث سنوات التعليم الجامعي. وبتأمل هذه المحطات لن يجد المتلقي من عنوان مناسب لها، يدل عليها ويلخص محتواها من عنوان الفصل (قطع حياتية). ولولا ضرورة هذا التقسيم للفصول لتخلى عنه المؤلف عكس العنوان الرئيس الذي يعد حضوره ضروريا حيث “توضع هذه العناوين لزيادة الإيضاح، وتوجيه القارئ المستهدف، ويمكن أن يلجأ إليها النّاشر لضرورة تقنية طباعية، كما يعتمدها الكاتب لداع فني وجمالي.”[33] فالعناوين الداخلية أو الفرعية تعمل في التجريب على تقديم فكرة عن نصوصها وتكثيف دلالتها ومضمونها، ولا بد أن عناوين فصول السّيرة الذّاتيّة لبنسالم حميش تصب في العنوان الرئيس وترتبط به، فهي زيادة في الإيضاح والتفصيل والتصنيف الشيء الذي يدفع المتلقي إلى “عقد قراءة جديدة منبها إياه إلى ما بين يديه ليس مجرد نص يُقرأ قراءة ثنائية الأبعاد، إنه يملك طبقات من الكتابة ويتوزع عبر أبعاد كثيرة لا قبل لنا بها -أي العقد الكلاسيكي للقراءة لا يسعها”[34] فعناوين الفصول أو العناوين الفرعية مظهر من مظاهر التّجريب في خطاب السّيرة الذّاتيّة، والتي توجه انتظارات المتلقي وتوقعاته، فهي تدفع المتلقي إلى المشاركة في بناء نص الفصل عبر تقديم لمحة عن موضوعه وإثارة توتره لينتقل من القارئ السلبي المنفعل إلى القارئ المتوتر الفاعل، المنخرط في فعل القراءة لاستخلاص المعنى والوقوف على تلميحات عناوين الفصول.

    عتبة الغلاف، الأيقونة: الأيقونة على غلاف الكتاب من العتبات المهمة في التجريب لكونها رسالة بصرية موازية تحمل بين ألوانها وتشكيلاتها وخطوطها وتراكيب عباراتها إيحاءات عن مضمون الكتاب وإشارات قد تتعدد تأويلاتها وتختلف وتدفع بالمتلقي إلى ربط عناصر الأيقونة بعضها ببعض للخروج بقراءة متكاملة وتأويل مناسب لهذه العتبة الأولى. فغلاف السّيرة الذّاتيّة (لبنسالم حميش) “الذات بين الوجود والإيجاد” يغلب عليه السواد في تقاطع مع البياض، تتوسطه صورة كبيرة لمؤلفه توحي بأشياء كثيرة، وهو الذي  قال في نص سيرته الذّاتيّة معبرا عن إعجابه بسارتر: “وقد بلغ إعجابي بسارتر حدا جعلني أتخذ نظارة تشبه نظارته المستديرة الشّكل”[35]، فلم يفته أن يورد صورته بالنظارات الدائرية تأسيا بفيلسوفه المفضل الذي أثر في بنائه الفكري والفلسفي، حيث يظهر (بنسالم حميش) في صورة شخصية جانبية بالأبيض والأسود وقد علت ملامحه ابتسامة خفيفة في تواصل مقصود مع المتلقي يقدم من خلال الميثاق السيري حسب فليب لوجون، لكون الصورة الشّخصيّة على الغلاف توحي بمضمون الكتاب وتشير لكونه في الغالب سيرة ذاتيّة لصاحب الصورة، ولذلك اختار النّاشر صورة فوتوغرافية واقعية لتكون هوية النّص البصرية، وهو لا شك اختيار غني بالإشارات والإيحاءات القبيلة التي تجذب القارئ وتدعوه إلى الدخول في متن النّص واكتشاف عمقه ومحتواه، وقد أشار عصام عسل لدور الصورة الفوتوغرافية الحقيقية حين قال:” أن دور الصورة الفوتوغرافية يكاد يكون مقتصرا على أدب السّيرة الذّاتيّة مما يميز هذا العنصر بوجوده ضمن السّيرة الذّاتيّة الذي يمنحها خصوصية الجنس الأدبي، فلا نكاد نعثر على صورة فوتوغرافية في الأجناس الأدبيّة الأخرى لانتفاء الحاجة إليها وعدم تحقيقها لفعل معين إذا ما وجدت في رواية أو قصة أو مسرحية أو نص شعري، فحضور الصورة الفوتوغرافية حضور مقتصر على أدب السّيرة الذّاتيّة”[36]. ولذلك ركز النّاشر على الصورة الشّخصيّة دون الاهتمام بالخلفية ولا ما يؤثث فضاء الصورة، بحيث احتلت الصورة الشّخصيّة كل الفضاء، وتركزت وسطه بمؤثرات ضوئية لا يظهر مصدرها وتظهر نتائجها على الصورة التي تبدو واضحة المعالم في الوسط وتنسحب الألوان وتضيع ملامح الصورة كلما ابتعدنا عن المركز في اتجاه الهوامش والأطراف، وفوق الصورة اسم المؤلف بالخط الكبير مضيفا لاسمه العائلي المصوتات دفعاً لأي لبس، وإسهاما في رواج الكتاب بنسبته لهذا العَلم الفكري المغربي ذو المرتبة العلمية العالمية. كُتب العنوان باللون الأبيض والأسود الفاتح انسجاما مع فضاء الصورة التي أُدرجت بالأبيض والأسود، وعلى الهامش العلوي، يسار الغلاف، لوحة تشكيلية بالخط العربي تتوسط دائرة صغيرة على شكل خاتم إداري تحتوي عبارة “جائزة الشيخ زايد للكتاب 2019” مكتوبة بخط الثلث العربي. ولا يخفى ما لذلك في التجريب من استدراج للقارئ وإخضاعه لسلطة النّص الذي توفَّق في الفوز بجائزة دولية أمام لجنة تحكيم مختصة، مما يوحي بالتميز والتفرد، وفي أسفل الصورة الشّخصيّة للكاتب أُدرج العنوان: “الذات بين الوجود والإيجاد” ليختلف قياس الخط الذي كتب به العنوان الذي قسم على سطرين، كُتب الجزء الأول في الأعلى “الذات” بخط أكبر نسبيا من باقي عبارات العنوان التي رتبت في السطر الثاني “بين الوجود والإيجاد”، فالذات هي الموضوع الرئيس والوجود والإيجاد مجال دراستها وتحليلها. ولا يخفى ما للون الأسود والأحمر من دلالات في التلقي العربي، فالسواد لون الليل والقهر والكبت والمنع والأحمر لون الدم والثورة والتمرد وطلب التغيير والموت في سبيله، والأبيض لون النقاء والنجاح والسلام والسلم الروحي والفكري.  ولعل إدراج صورة بالأبيض والأسود ليس اعتباطيا، بل فيه إشارة لما في تقابل اللونين من معاني، فبناء الصورة الشّخصيّة على ثنائية ضدية، تشمل الأبيض والأسود، وإيرادهما يستبطن ثنائيات متقابلة سيقف معها المتلقي في متن النّص أهمها: التقدم والتخلف، الاستعباد والحرية، النور والظلام، والعلم والجهل… ولعل لون الصفحة البيضاء يحيل الى بداية الحياة والولادة كالصفحة البيضاء التي ستمتلئ أعمالا وأحداثا ووقائعا وإبداعات وتأليفات ونشاطا سياسيا وغيرها مما يجترح الإنسان المجد المجتهد في حياته عامّة، كتبت عليها بالأسود لتمتلئ عن آخرها كما امتلأت حياة المؤلف وسيرته عملا وجهدا على جميع الأصعدة وفي كل المجالات.

    (فبنسالم حميش) حاضر في هذا العمل ليس فقط من خلال إطلالته بوجهه على غلاف الكتاب، بل كسارد يتطابق والشّخصيّة الرئيسة ويظهر في الواجهة ولا يختفي خلف شخصياته، يبث بقوة فكره وثقافته في كل كلمة أو عبارة أو فصل. ويظهر جليا توظيف الأيقونة في الكتاب، واستثمار الناشر لها للتسويق والاشهار موظفا في غلاف النّص اسم المؤلف المعروف بخط مضغوط كبير والصورة الشّخصيّة له، وليس ذلك بدافع التزيين والزّخرفة أو ملء البياض فيه، بل لأنها تحمل إيحاء وإثارة للمتلقي لاقتناء نسخة من الكتاب. 

بنية الزمن وتشكيل المكان

يتحرك الزمن في سيرة (حميش) إلى الأمام ويعود إلى الخلف، فيجمع لحظات ووقائع من أزمنة مختلفة ومتباعدة داخل محكي واحد تتقاطع لتفرز عن أحداث درامية يظهر فيها الزمن متشظيا مستعصيا عن الضبط، اعتمد فيه المؤلف على تقنيات الاسترجاع والاستباق والحذف والاختصار الشيء الذي ينفلت معه الزمن ويتلون ولا يخضع للمنطق. فالزمن في السير التّجريبية حزمة من التناقضات، يمضي مضطربا كاشفا من كل ما استحضرته الذاكرة من أحداث لها علاقة بسيرة المؤلف وأثرت في حياته وفي تكوينه الفكري والثقافي، وهي الأحداث التي تجمعها عناوين الفصول ويفصلها الزمن، ففصول النّصوص مرتبة بشكل عشوائي، ولا تربط الفصل بالذي يليه أو الذي يسبقه رابطة جوهرية، ويتم الانتقال من فصل إلى آخر دون تبرير ولا واسطة سببية. كما أن تشظي الواقع الأدبي والفكري والثقافي و فقدان الهوية اللغويّة دفع المؤلف إلى اعتماد بنية حكائية متشظية ومحاولة التمرد هذه على النسق التقليدي واعتماد تشظي الشكل يحرّر المؤلف من منطق السببيّة في الربط بين الفصول والأحداث، ويعطيه هامشا كبيرا من الحريّة في تناول مواضيع وقطع سرديّة حياتيّة من الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي أثر فيه، وبعض ما يشغله من إشكاليات وتساؤلات، واعتماد ما جادت به الذاكرة واستحضره العقل لتوليد المعاني، وعقد المقارنات، وتكسير رتابة السّرد، مما ساهم في تقديم سيرة ذاتية في قالب جديد يدفع بالمتلقي إلى القراءة الفاعلة لبناء المعنى وتحصيل المضمون. ولعل ما يعرفه الواقع الأدبي والثقافي واللغوي والفكري المغربي من تمزق واضطراب وتفكك وعدم توازن، وما يعيشه الفرد من معاناة وتجارب حياتية قاسية هو ما أدى بالسراد إلى اعتماد بنية متشظية قال عنها (حميش): “الفرد بكل معاناته وتجاربه هو كل شيء، وعي الأنا بذاته وبالخارج والآخر وعي شقي لأنه مطبوع بالانشطار والتمزق، فهو كل شيء، وكل هذه “الاغتيالات” المثالية هي من أجل غاية لا تعني أحدا، إلاّ وهي حياة الكل وانتعاش الوعي الشمولي بذاته”[37]. والواقع أن هذه السيرة الذّاتيّة هي عبارة عن تذكر واسترجاعات ذات بنية متداخلة، توهم المتلقي بدائريتها وانغلاقها واحتوائها لما يخص حياة صاحب السّيرة فقط، ولكنها في الواقع منفتحة على كل الأرجاء والثقافات والمجالات، وتصميمها العشوائي هو ما يوافق الواقع العشوائي ويشبهه، غير أن السّارد عمل على إيراد هذه القطع المتشظية متماسكة ومترابطة مع بعضها البعض عن طريق التيمة أو الأحداث أو الشخصيات التي شاركت فيها، فنقف على التشظي داخل السير الذّاتيّة كاستراتيجية سردية تجريبية مقصودة وليس كفعل اعتباطي. فيرحل بنا (حميش) من مدينة مكناس بقوله: “أما خلال طور التعليم الابتدائي بمدرسة درب السلاوي بمكناس…” (ص19)، ليطير بنا إلى تمارة وغابة تمارة قائلا: ” غابة تمارة التي أسكن بجوارها في إقامة الهرهورة المطلة على البحر الأطلسي” (ص24) ويعرج على واد بوفكران : ” بوفكران، وهو وادي بمنطقة الحاجب تصدر مياهه من منابعه وعيونه وتصب عبر قنوات …” لينتقل بنا إلى الرباط كفضاء عام سيحتوي عديد أحداث ولقاء شخصيات رسمت مساره الفكري فيقول:” وفي الرباط تأكدت من نزوعي إلى الكتابة الأدبيّة” (ص40). ليستمر عدم الاستقرار في المكان ويطير السارد بنا إلى باريس:” في باريس، غيرت مسكني أكثر من مرة، لكن إجمالا ظللت وفيّا للحي اللاتيني” (ص47) فيستغرب المتلقي المتمسك بالنموذج الكلاسيكي في كتابة السّيرة الذّاتيّة من صعوبة القبض على الفضاء وتحديد ملامحه في هذه النّص، ويحاول جاهدا رسم مسافة جماليّة تردم الهوة بين أفق الانتظار السابق والجديد، ولعل رمزيّة تغيير المكان داخل السّيرة الذّاتيّة من أجل الدّراسة ولا شيء غير الدّراسة، والاكتفاء بالفضاءات المفتوحة في معظم أطوار الحكي لم تكن وحدها الميزة الجمالية في النّص، بل إنّ المتلقي يقرأ معها تشظي الذات في محاولتها مطاردة العلم للظفر به، والتغرب لأجل الدّراسة والخروج من دائرة الجهل والتقاليد البالية التي أشار إلى بعضها المؤلف في عرض سيرته. فالسيرة الذاتية قيد الدّراسة تتخلى وبشكل قصدي عن جل تمظهرات الفضاء، فلا نقف داخلها على فضاءات ضيقة أو وصلات وصف مكثفة للأمكنة إلاّ ناذرا، ويكتفي السارد بإيراد فضاءات مفتوحة توحي بطابع الحياة والاستمرارية والأمل والتجديد واستشراف المستقبل، فالمكان داخلها هارب لا يُمسكه القارئ، فهو مجرد شظايا مبعثرة داخل الذاكرة، حيث يرحل بنا السارد من مدينة مكناس بقوله: “أما خلال طور التعليم الابتدائي بمدرسة درب السلاوي بمكناس…” (ص19)، ليطير بنا إلى تمارة وغابة تمارة قائلا: ” غابة تمارة التي أسكن بجوارها في إقامة الهرهورة المطلة على البحر الأطلسي” (ص24) ويعرج على واد بوفكران : ” بوفكران، وهو وادي بمنطقة الحاجب تصدر مياهه من منابعه وعيونه وتصب عبر قنوات …” لينتقل بنا إلى الرباط كفضاء عام سيحتوي عديد أحداث ولقاء شخصيات رسمت مساره الفكري فيقول:” وفي الرباط تأكدت من نزوعي إلى الكتابة الأدبيّة” (ص40). ليستمر عدم الاستقرار في المكان ويطير السارد بنا إلى باريس:” في باريس، غيرت مسكني أكثر من مرة، لكن إجمالا ظللت وفيّا للحي اللاتيني” (ص47) فيستغرب المتلقي المتمسك بالنموذج الكلاسيكي في كتابة السّيرة الذّاتيّة من صعوبة القبض على الفضاء وتحديد ملامحه في هذه النّص، ويحاول جاهدا رسم مسافة جماليّة تردم الهوة بين أفق الانتظار السابق والجديد، ولعل رمزيّة تغيير المكان داخل السّيرة الذّاتيّة من أجل الدّراسة ولا شيء غير الدّراسة، والاكتفاء بالفضاءات المفتوحة في معظم أطوار الحكي لم تكن وحدها الميزة الجمالية في النّص، بل إنّ المتلقي يقرأ معها تشظي الذات في محاولتها مطاردة العلم للظفر به، والتغرب لأجل الدّراسة والخروج من دائرة الجهل والتقاليد البالية التي أشار إلى بعضها المؤلف في عرض سيرته. فالسيرة الذاتية قيد الدّراسة تتخلى وبشكل قصدي عن جل تمظهرات الفضاء، فلا نقف داخلها على فضاءات ضيقة أو وصلات وصف مكثفة للأمكنة إلاّ ناذرا، ويكتفي السارد بإيراد فضاءات مفتوحة توحي بطابع الحياة والاستمرارية والأمل والتجديد واستشراف المستقبل، فالمكان داخلها هارب لا يُمسكه القارئ، فهو مجرد شظايا مبعثرة داخل الذاكرة.

التّجريب على مستوى التشكيل اللغوي:

     يتخذ التّجريب، في العصر الحديث، شعار الكتابة قبل كل شيء، متحررا بذلك من المواضعات الأدبيّة التقليدية ووصفات الصنعة النمطية، فقد تغير مفهوم كتابة السّيرة الذّاتيّة في  التّجريب، حيث يختار المؤلفون الخروج عن النمطية في نقل السّيرة الذّاتيّة القائمة على زمنية خطية استذكارية بلغة تقليدية غرضها نقل ماضي صاحب السّيرة دون التفات لجمالية اللغة وفنيتها، فجاءت السّيرة الذّاتيّة في التجريب لتعلن التجديد في لغتها وعباراتها وتعتمد أساليب بلاغية متنوعة لنقل رسالتها، كما جاء على لسان (بنسالم حميش) في التقديم لسيرته الذّاتيّة: “الكتابة الأصيلة، كفعل، لا يمكنها إلاّ أن تتفاعل مع مناطق الأصول وما يفرزه التاريخ من أشكال وأساليب كتابية، لا لاجترارها واستنساخها، بل لعرضها على امتحان التغيير وإثرائها بمقومات الحداثة وإبداعاتها”[38] فقد ارتبط التّجريب بالبحث عن أشكال جديدة تكسر العادة في الكتابة وتستجيب للذائقة المتغيرة للمتلقي وتنفلت من القوالب الكلاسيكية وتخرج عنها، واللغة مكون جمالي وإبداعي استند عليه التّجريب للخروج من التقليدية.  ويقوم التّجريب على استثمار اللغة وتوليدها واستدعائها ضمن أحسن الصيغ، فغَلَّب المؤلف الشّعري والجمالي على التقريري، و”هذه الخاصية المتمثلة في غلبة الشّعري الجمالي …، يترتب عنها تعامل خاص مع الإبداع يتمثل في كثرة الأساليب اللغويّة المشبعة بالصور البلاغيّة التي لا تنتهي، والقائمة على التقديم والتأخير الذي يجعل من جملها ذات بناء خاص، لذلك يمكننا القول معبرين بلغة ياكبسون أنّ الوظيفة الجمالية أو الشّعريّة، والرسالة تضطلع بوظيفة جمالية حسب إيكو عندما تكون مبنينة بشكل غامض وتتمظهر بوصفها قائمة على الانعكاس الذاتي” [39]. فقد نقل المؤلف سيرته الذّاتيّة ورسائله الإبداعيّة عبر لغة شعرية غلبت عليها التعابير البلاغيّة المتنوعة والأساليب الإيحائية التي وقعها المؤلف في رسائل مشفرة للمتلقي الذي أصبح مدعوا للتفاعل مع النّص لقراءته وفك شفراته للوصول إلى نوايا المؤلف ومقصديته، (فبنسالم حميش) طوع اللغة وقال عنها في نص سيرته: “إن القول بمطلقية اللغة لا علاقة له البتة بالبديع والمحسنات اللفظية أو ما شاكل وجوه الصنعة البلاغيّة، بل إنه مستمد من نظرية تقوم على أنّ الآداب تنتمي إلى لغاتها روحا وقلبا وقالبا وحسا ومعنى، فالاشتغال الحق باللغة هو اشتغال عليها بقصد تطويرها وتطويعها حداثيا، أي تحقيق حرية اللفظ والمعنى معا، على نحو جدلي وثيق…ويبقى أنّ اللغة في كل صنوف الإبداع الكتابية هي ركن أكيد، لا يعلمه إلاّ الراغب في الخلق والتّجريب.”[40] ولذلك عمد المؤلف في سيرته إلى الإبداع المتمثل في كثرة الأساليب اللغويّة المشبعة بالصور البلاغيّة من تشبيه واستعارة وغيرها، كما في قول المؤلف بنسالم حميش: “كما أرى في طفولتي خطوطا غائمة، بعضها ينفلت دوما ويراوغ، وبعضها يقبل الانجلاء في ضوء التذكر.”[41] فيظهر من الصور البلاغيّة أنّ المؤلف شبه الطفولة والتي هي عبارة عن شيء معنوي يدل على مرحلة زمنية من مراحل العمر، بشيء حسي مرئي كاللوحة التشكيلية. وشبه أحداث الطفولة بالخطوط الغائمة، وفي الوقت نفسه، شبه الخطوط بحيوان ماكر وحذف المشبه به، وأشار إليه ببعض لوازم التي هي الانفلات على سبيل الاستعارة المكنية. وهذا تشبيه داخل تشبيه. كما أنّ المؤلف قد نسب للتذكر، الذي هو شيء معنوي، الضوء كأنه يريد أن يشبه التذكر بالشمس وكأن التذكر كالشمس لأنه يوضح الأمور كما توضح الشمس بضوئها المرئيات والأمثلة كثيرة بالنص لا يسع المجال لذكرها ، ضمنها السارد صورا بلاغية غاية في السبك والتأليف، ليتساوى الخطاب النقدي والإبداعي عنده داخل سيرته الذّاتيّة ويظهر في لغة تجريبية شعرية، وزاوج السارد بين لغة السّرد ولغة الشّعر، والمزج بينهما أنتج نصا أدبيا بمميزات إبداعية خاصة. يقول السارد في أحد المقاطع: “شرُّ الزيوت المسمومة أمسى./ يشل الأبدان ويطغى/ وبدا البلاءُ في عراه، آه بدا …”[42]، حيث انقطعت لغة السّرد نهائيا وحلت محلها لغة الشّعر، وهو ما يعني في التّجريب الانقطاع عن نمط آلية السّرد التقليدي القائم على لغة النثر، واعتماد لغة الشّعر كآلية جديدة تكسر أفق توقع المتلقي، وترسم بناء فنيا للنص يُخَلِّف لدى القارئ وعيا جماليا، وذلك لما تمتاز به لغة الشعر من تكثيف للمعاني واختزال للرموز ويخرج عن لغة السّرد وينحرف عنها ويستنجد بالشّعر للبوح الوجداني وتخصيب النّص السيرذاتي بانفتاحه على عوالم التعبير المختلفة والتي منها الشّعر. ولكون المجتمع اللغوي المغربي يتشكل من لغات متعددة ومختلفة يستحضر خطاب السيرة الذاتية (لحميش) الفصحى لغة النخب المثقفة إلى جانب الفرنسية، والعامية لغة الشعب والأمازيغية، ولغة الكلام اليومي العادي المستهلك، وهي لغات حين تنتمي إلى الخطاب الإبداعي وسياقاته وبنياته المختلفة يصبح لها وجود لساني مسكون بالنوايا الاجتماعية، فحضورها في نص السّيرة الذّاتيّة حضور واعي مسكون بالنوايا الاجتماعية وليس حضورا اعتباطيا لزخرفة نص السّيرة الذّاتيّة وملء بياضاته. ويحتوي بناء نصوص السّيرة الذّاتيّة على خليط من بعض مكونات الخريطة اللغويّة بالمغرب، حيث تُوظف السّيرة الذّاتيّة في التّجريب هذا التّنوّع اللغوي خروجا عن العادة وبحثا عن التفرد والتميز وخلق الخصوصية الفنية، لأن شعار التّجريب دائما الخروج عن التقليد وإزالة المعيار، الذي هو هنا اللغة الفصحى، والتمرد عليه وإقصاؤه أحيانا في بعض التعابير، واستثمار ما يصطلح عليه التهجين اللغوي الذي هو مزج لغتين اجتماعيين داخل ملفوظ واحد، وهو أيضا التقاء وعيين لسانيين مفصولين بحقبة زمنية، وبفارق اجتماعي، أو بهما معا داخل ساحة ذلك الملفوظ. وتعتبر الدارجة المغربية واللغة الأجنبية الثانية أهم الخطابات التي تخصب الكتابة الذّاتيّة وتحمل نواياها الاجتماعية إلى متن النّص، فتجريب اللغات المشخصة للتفاعلات الاجتماعية والمصورة للإيديولوجيات مقصدية السّيرة الذّاتيّة العصرية كما قال باختين عند حديثه عن الظواهر الخاصة: “مثل الأسلبة أو باروديا اللغات، ومثل (المحكي لمباشر). وما يطبع جميع الظاهرات، هو أنّ الخطاب فيها يضطلع بالتشخيص، إلاّ أنه أيضا مشخص وأن اللغة الاجتماعية (الأجناس التعبيرية، المهن، التيارات الأدبيّة) تصبح موضوعا للاستنساخ، وإعادة البنينة، والتجميل الفني”[43] وهو ما استثمره السارد حين استنجد بالعامية وبالأمازيغية في أكثر من مناسبة كقوله: “من جانا بالبيان… مولانا مول التاج، حبو في قلبي هيجو” ص37 ” بشوية فوق المعدل” ص38… وتضمين النّصوص للعامية والأمازيغية فيه احتواء لكل النوايا والنبرات وهموم وطريقة تواصل كل الفئات الاجتماعية، ولعل توظيف المؤلف للعامية إشارة إلى توسيع قاعدة المتلقين للكتاب، بكونه يحمل خطاب جميع الفئات ويتوجه إليها جميعا، فهذا التداخل بين الفصحى والعامية جعل لغة النّصوص تقترب أكثر من الواقع والمعيش اليومي، لكون اللغة لها تعلق كبير بالواقع الاجتماعي ولا تنفصل عنه، إنها قناة التواصل والمعاملات اليومية بين الناس، كما أنها في الكتابة السّردية حمالة انفعالات وطبائع الشخصيات وأحاسيسهم.

ويمكن القول إجمالا أن التّجريب في السيرة الذاتية تجاوز للنمطية والمألوف وبحث عن أساليب وتقنيات جديدة لجذب انتباه المتلقي، إنه تغيير يطال الشّكل والمضمون. ومن مظاهره التشويش على إعلان الميثاق السّردي، وجعل القارئ يشتبه في جنس النّص، فالسّيرة الذّاتيّة المعاصرة ترفض التخصص في الحديث عن الذات، وتسعى لمزج الذاتي والإبداعي بالمجتمعي والنقدي، وصارت سيرة ذهنية وفكريّة. ويظهر الزمن في السيرة الذاتية التجريبية متقطعا والمكان غير دقيق التحديد، مما يدفع بالمتلقي إلى القراءة الفاعلة لتتبع المعاني وبناء الدلالات. كما تميزت السّيرة الذّاتيّة في التّجريب بالتهجين والتّنوّع اللغوي وتوظيف المسكوت عنه والممنوع من التداول من قضايا جنسية وسياسية ودينية، مما نتج عنه تجديد في التصور الفني والجمالي والفكري، وأغنى موضوع النّص السيري المعاصر.

الهوامش:


[1]  محمد مندور، الأدب ومذاهبه، دار نهضة مصر للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 1979م، ص 168.

[2]  فيليب لوجون، السّيرة الذّاتيّة (الميثاق والتاريخ)، ترجمة وتقديم عمر حلي، نشر المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1994م، ص74.

[3] جورج ماي ناقد فرنسي صاحب كتاب السّيرة الذّاتيّة.

[4] شكري المبخوت، سيرة الغائب سيرة الآتي السّيرة الذّاتيّة في كتاب الأيام لطه حسين، دار الجنوب للنشر، تونس، ط، 1992م، ص10.

[5] جورج ماي، السّيرة الذّاتيّة، تعريب محمد القاضي وعبد الله صولة، رؤية للنشر والتوزيع، المغرب، ط1، 2017م، ص22

[6] أنيس المقدسي، الفنون الأدبية وأعلامها في النهضة العربية الحديثة، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1984م، ص 545.

[7] تهاني عبد الفتاح شاكر: السّيرة الذّاتيّة في الأدب العربي، دار الفارس للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2002م، ص5.

[8] شوقي ضيف، الترجمة الشخصية، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط4، 1987م، ص7.

[9] تهاني عبد الفتاح: السّيرة الذّاتيّة في الأدب العربي، دار الفارس للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2002م، ص32.

[10]ينظر شكري المبخوث، سيرة الغائب سيرة الآتي السّيرة الذّاتيّة في كتاب الأيام لطه حسين، (مرجع سابق)، ص18.

[11] شكري المبخوث : أستاذ مساعد بجامعة تونس الأولى للآداب والفنون- كلية الآداب بمنوبة.

[12] عبد العزيز شرف، أدب السّيرة الذّاتيّة، الشركة المصرية العالمية دار لونجمان للنشر، القاهرة، مصر، ط2، 1998م، ص 39.

[13] ابن منظور، لسان العرب، مادة “جرب”، ج1، دار صادر، بيروت، لبنان، ط2، 2005م، ص110.

[14] الفيروز أبادي، القاموس المحيط، الجزء1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2007م، ص60.

[15] باربرا لاسوتسكا- بشو نباك، المسرح والتجريب (بين النظرية والتطبيق)، ترجمة وتعليق هناء عبد الفتاح، المركز المصري العربي، ط 1، 1999م، ص14

[16] الطاهر الهمامي، التجربة والتجريب في الشعر التونسي الحديث، أفكار ورؤوس أفكار،  مجلة الحياة الثقافية، وزارة الثقافة، تونس، عدد 164، أبريل 2005م، ص37.

[17] محمد برادة، الرواية العربية ورهان التجديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 2012م، ص48.

[18] علي بن محمد الشريف الجرجاني: كتاب التعريفات، ساحة رياض الصلح ، بيروت، لبنان، 1985م ، ص6.

[19] أحمد اليبوري، في الرواية العربية، التكون والاشتغال، شركة النّشر والتوزيع المدارس، المغرب، ط1، 2000م، ص19.

[20] عمر حفيظ، التجريب في كتابات إبراهيم درغوثي القصصية والروائية، المطبعة المغاربية للطباعة والنشر والإشهار، تونس، ط1، 1999م، ص 9.

[21] المرجع نفسه، ص8.

[22]صلاح فضل، لذة التجريب الروائي، أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، القاهرة، مصر، ط1، 2005م، ص3.

[23] محمد برادة، الرواية العربية ورهان التجديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 2012م، ص53.

[24] بنسالم حميش، الذات بين الوجود والإيجاد، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2019م، ص13.

[25] المرجع نفسه، ص62.

[26] المرجع نفسه، ص 122.

[27]  Béatrice Didier, Le Journal intime, Presses universitaires de France 2 édition, Juillet 1991, p160.

[28] ينظر، بنسالم حميش، الذات بين الوجود والإيجاد (مرجع سابق)، ص332.

[29] المرجع نفسه، ص20-21.

[30] المرجع نفسه، ص 11.

[31] عبد الحق بلعابد، عتبات (جيرار جينيت من النّص إلى المناص)، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، ط1، 2008م، ص66-67.

[32] Gérard Gennette . Figures III. Edition du seuil. Paris. France. 1972. P82.

[33] ينظر، عبد الحق بلعابد، عتبات (جيرار جينيت من النّص إلى المناص)، (مرجع سابق)، ص125.

[34] فيصل الأحمر، دراسات في الأدب الجزائري المعاصر، اتحاد الكتاب الجزائريين، الجزائر، ط1، 2009م، ص66.

[35]  ينظر، بنسالم حميش، الذات بين الوجود والإيجاد (مرجع سابق)، ص55.

[36] إحسان عباس، فن السّيرة، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 1996م، ص126.

[37] ينظر، بنسالم حميش، الذات بين الوجود والإيجاد (مرجع سابق)، ص113-114.

[38] المرجع نفسه، ص74.

[39] رشيد الإدريسي، مقال الأحداث من خلال تفاعل الألوان قراءة سيميائية في رواية الأسود يليق بك لأحلام مستغانمي، مجلة الأدب المغاربي المقارن، منشورات الرباط نت، العدد14، الأسدس الثاني 2016م، ص15. 

[40] ينظر، بنسالم حميش، الذات بين الوجود والإيجاد (مرجع سابق)، ص150-151.

[41] المرجع نفسه، ص20-21.

[42] المرجع نفسه، ص30-31.

[43] ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنّشر، القاهرة، مصر، ط1، 1987م، ص104-105.

لائحة المصادر والمراجع:

  • ابن منظور، لسان العرب، ج1، دار صادر، بيروت، لبنان، ط2، 2005م.
  • أحمد اليبوري، في الرواية العربية، التكون والاشتغال، شركة النّشر والتوزيع المدارس، المغرب، ط1، 2000م.
  • إحسان عباس، فن السّيرة، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 1996م.
  • أنيس المقدسي، الفنون الأدبية وأعلامها في النهضة العربية الحديثة، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1984م.
  • الطاهر الهمامي، التجربة والتجريب في الشعر التونسي الحديث، أفكار ورؤوس أفكار،  مجلة الحياة الثقافية، وزارة الثقافة، تونس، عدد 164، أبريل 2005م.
  • الفيروز أبادي، القاموس المحيط، الجزء1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2007م.
  • باربرا لاسوتسكا- بشو نباك، المسرح والتجريب (بين النظرية والتطبيق)، ترجمة وتعليق هناء عبد الفتاح، المركز المصري العربي، ط 1، 1999م.
  • تهاني عبد الفتاح شاكر: السّيرة الذّاتيّة في الأدب العربي، دار الفارس للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2002م.
  • بنسالم حميش، الذات بين الوجود والإيجاد، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2019م.
  • جورج ماي، السّيرة الذّاتيّة، تعريب محمد القاضي وعبد الله صولة، رؤية للنشر والتوزيع، المغرب، ط1، 2017م.
  • رشيد الإدريسي، مقال الأحداث من خلال تفاعل الألوان قراءة سيميائية في رواية الأسود يليق بك لأحلام مستغانمي، مجلة الأدب المغاربي المقارن، منشورات الرباط نت، العدد14، الأسدس الثاني 2016م.
  • ·       شكري المبخوت، سيرة الغائب سيرة الآتي السّيرة الذّاتيّة في كتاب الأيام لطه حسين، دار الجنوب للنشر، تونس، ط، 1992م.
  • شوقي ضيف، الترجمة الشخصية، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط4، 1987م.
  • صلاح فضل، لذة التجريب الروائي، أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، القاهرة، مصر، ط1، 2005م.
  • عبد الحق بلعابد، عتبات (جيرار جينيت من النّص إلى المناص)، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، ط1، 2008م.
  • عبد العزيز شرف، أدب السّيرة الذّاتيّة، الشركة المصرية العالمية دار لونجمان للنشر، القاهرة، مصر، ط2، 1998م.
  • علي بن محمد الشريف الجرجاني: كتاب التعريفات، ساحة رياض الصلح ، بيروت، لبنان.
  • عمر حفيظ، التجريب في كتابات إبراهيم درغوثي القصصية والروائية، المطبعة المغاربية للطباعة والنشر والإشهار، تونس، ط1، 1999م.
  • فيصل الأحمر، دراسات في الأدب الجزائري المعاصر، اتحاد الكتاب الجزائريين، الجزائر، ط1، 2009م.
  • فيليب لوجون، السّيرة الذّاتيّة (الميثاق والتاريخ)، ترجمة وتقديم عمر حلي، نشر المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1994م.
  • محمد برادة، الرواية العربية ورهان التجديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 2012م.
  • محمد مندور، الأدب ومذاهبه، دار نهضة مصر للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 1979م.
  • ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنّشر، القاهرة، مصر، ط1، 1987م.
  • Béatrice Didier, Le Journal intime, Presses universitaires de France 2 édition, Juillet 1991.
  • Gérard Gennette . Figures III. Edition du seuil. Paris. France. 1972.

List of sources and references

-Ibn Manzoor, Lisan Al-Arab, Part 1, Dar Sader, Beirut, Lebanon, 2nd edition, 2005

-Ahmad al-Yibouri fi alriwayat alearabiati, altakun waliashtighal Al Madaris Publishing and Distribution Company, Morocco, 1st edition, 200

-Ihsan Abbas, fanu alssyrt , Dar Al-Shorouk for Publishing and Distribution, Amman, Jordan, 1st edition, 1996.

-Anis al-Maqdisi, alfunun al’adabiat wa’aelamuha fi alnahdat alearabiat alhadithat, Dar al-Ilm Li’l Millions, Beirut, 4th Edition, 1984.

-Taher Al-Hamami altajribat waltajrib fi alshier altuwnisii alhadithi, ‘afkar waruuws ‘afkari , Al-Hayat Al-Thaqafia Magazine, Ministry of Culture, Tunisia, Issue 164, April 2005

-Alfayruz ‘abadi, alqamus almuhiti, aljuz’a1, dar alkutub aleilmiati, bayrut, lubnan, 2007m. barbira lasutiska- bishu nabak, almasrah waltajrib (bayn alnazariat waltatbiqi), tarjamat wataeliq hana’ eabd alfataahi, The Egyptian Arab Center, 1st edition, 1999
-Tuhani Abd Alfataah shakri: alssyrt aldhdhatyt fi al’adab alearabii; Dar Al-Fares for Publishing and Distribution, Jordan, 1st edition, 2002.

-Bensalem Himmich, aldhaat bayn alwujud wal’iijadi, almarkaz althaqafiu lilkitabi Casablanca, Morocco, 1st edition, 2019.

-George May,  alssyrt aldhdhatyt, Arabization of Muhammad Al-Qadi and Abdullah Sawla, Vision for Publishing and Distribution, Morocco, 1st edition, 2017.

-Rashid Al-Idrisi , maqal al’ahdath min khilal tafaeul al’alwan qira’atan simiayiyatan fi riwayat al’aswad yaliq bik li’ahlam mustaghanimi, majalat al’adab almagharibii almuqarini, Maghreb Comparative Literature Journal, Al-Rabat Net Publications, Issue 14, Al-Asdas II 2016

-Shukri Al-Mabkhout, sirat alghayib sirat alati alssyrt aldhdhatyt fi kitab al’ayaam latah husayn, Dar Al-Janoub Publishing House, Tunis, ed., 1992.

-Shawqi Dhaif, altarjamat alshakhsiati, Dar Al-Maarif, Cairo, Egypt, 4th edition, 1987.

Salah Fadl, ladhat altajrib alriwayiy, ‘atlas lilnashr wal’iintaj al’iielami, Cairo, Egypt, 1st edition, 2005.
-Abd al-Haq Belabed, eatabat (jirar jinit min alnns ‘iilaa almanasi), aldaar alearabiat lileulum nashiruna, Beirut, Lebanon, 1st edition, 2008.

-Abdel Aziz Sharaf, ‘adab alssyrt aldhdhatyt, alsharikat almisriat alealamiat dar lunajman lilnashri, Cairo, Egypt, 2nd edition, 1998.

Ali bin Muhammad al-Sharif al-Jurjan: kitab altaerifati, sahat riad alsulh , Beirut, Lebanon

-Omar Hafeez, altajrib fi kitabat ‘iibrahim dirghuthi alqasasiat walriwayiyati, almatbaeat almagharibiat liltibaeat walnashr wal’iishhar, Tunis, 1st edition, 1999.

-Faisal Al-Ahmar, dirasat fi al’adab aljazayirii almueasiri, atihad alkitaab aljazayiriiyna, Algeria, 1st edition, 2009.

-Philippe Lejeune, alssyrt aldhdhaty (almithaq waltaarikhu), tarjamat wataqdim eumar hali, nashr almarkaz althaqafii alearabi, Casablanca, Morocco, 1st edition, 1994.

-Mohamed Barrada, alriwayat alearabiat warihan altajdid, alhayyat almisriat aleamat lilkitabi, Cairo, Egypt, 2012.

-Muhammad Mandour, al’adab wamadhahibihu, dar nahdat misr lilnashr waltawziei, Cairo, Egypt, 1979.

-Mikhail Bakhtin, alkhitab alriwayiy, tarjamat muhamad biradati, dar alfikr lildirasat walnnshr, Cairo, Egypt, 1st edition, 1987.

-Béatrice Didier, Le Journal Intime, Presses Universitaires de France 2 edition, July 1991.

-Gerard Gennette. Figure III. Edition of the threshold. Paris. France. 1972.