منهج النقد عند الدكتور عبد العزيز حمودة في التعامل مع الحداثة الغربية

السيد/ سفيان عبد الستار  

 إن النقد الأدبي تطور بالنظريات العديدة والإقترابات الجديدة في العصر الحديث، وساعدت العولمة والتبادل الثقافي على تقدّمه، وتداخلت النظريات الغربية مع العربية والعكس. لم يمكث, ولد التصارع العقلي بين العرب والغرب، وأدّى إلى نشوء الأقطاب في الأحوال الإجتماعية عامة وفي الأدب خاصة. تطوّر النقد الأدبي العربي أثناء هذا الصراع، لأن لغة النقد هي لغة العقل. فتحت حملة نابليون والبعثات العلمية وإصلاحات محمد علي وعوامل النهضة الحديثة أبواب المحادثة مع الغرب, ومفكرو العربية يطوفون حول أسباب الضعف والقوّة, خاصة عن عدم الإستقرار للحكم في البلاد العربي وتسبّب هذه المؤثرات إلى التفكر عن الصراع بين الحداثة والتقليد[1].

يقول جان أيتين[2]: لقد عرفت مجتمعات الغرب الأوروبيّ، خلال القرنين 16 و17 الميلاديين، سلسلة من التحوّلات الاقتصاديّة والسياسيّة، التي توّجت بالثورة الصناعيّة في انجلترا، والثورة الفرنسية لسنة 1789؛ وبذلك ارتسم عالم جديد، عالم يطبعه التصنيع، تقسيم العمل والتمدّن، انبلاج عصر الدولة, الوطنيّة، وقيام ديموقراطيّة الجماهير؛ وبموازاة ذلك ظهرت قيم جديدة، حيث أصبح العقل السيّد الوحيد الذي يقبل الإنسان الخضوع لسيادته، وتمّ تسجيل الحريّة والمساواة كحقوقٍ كونيّة في ميثاق حقوق الإنسان والمواطن؛ فكانت مجمل هذه التحوّلات هي ما اعتدنا على تسميته بعصر الحداثة (جان أيتين).

وقف النقد الأدبي بين الحداثة والتقليد، ورحّب بعض الأدباء النظريات الغربية وابتدعوا قطعاتهم الأدبية على تأثيرها[3]. وشدّت الصراعات بين الدعوة إلى المحافظة على التراث القديم وإلى الحركة التجديدية وبين الدفاع عن الأدب الإسلامي والأخلاق والسنن الإجتماعية ومنجزات الحضارات الإسلامية ودراســة رجالها وأعلامها دراســة حديثة في نزعة عقلانية؛ وبين مقاومــة التيار الغــربي أو إخضاع الأدب للتجديد والتعريب ومهاجمة الأدب الشــرقي والدعوة إلي الآداب الغربية وترويج مذاهبها، فمن ثم دخل معارك أدبية أدت إلي ظهور مدرستين رئيستين في النقد الحديث كما كان في الأدب: ١. المدرسة النقدية التقليدية. ٢. المدرســة النقدية التجديدية[4]. فقد تمثلت المدرسة الأخيرة في المثقفين المتعلمين من الجيل الجديــد، المتأثرين بالثقافات الأجنبية والعلوم الجديدة الذين يطمحون العيش بين أبناء جيل النهضة (مجيدي, 103)

وفي هذا الصدد, حاول الدكتور عبد العزيز حمودة ان يؤسس النظرية النقدية للأدب العربي معتمدا على التراث. أحيط النقد الأدبي بنظريات عديدة وتقاس الإنتاجات الأدبية عليها بنطاق واسع[5], ولكن أكثرها منشئة على الحضون الغربية ومتأثرة بأحوال الاجتماعية والسياسية بالغرب. يدعو حمودة إلى بناء النظريات النقدية العربية بدلا من آراء النقدية الغربية كما توجد النظريات الأدبية العربية[6]. نجده متحاملا على أفكار عصر النهضة العربية ويتسم عليهم موقف معاداة التراث والإنفصال عنه بغية تأسيس وعي نقدي جديد, كـما يرى بأن الحداثيين العرب قاموا باستعادة الفكر الغربي من منطلق الإنبهار أو الإحساس بالنقص تجاه مورثهم, وعلى كل حال, لا نستطيع إنـــكار قيمة الــجهد التي بذلها هذا الناقد من أجل بلورة نـظرية عـربـية أصـيلة أساسها الـتراث العربي.

نبذة عن حياته[7]

الأستاذ عبد العزيز عبد السلام حمودة ( 1937 – 2006م)، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة. ولد عام 1937م بقرية دلبشان مركز كفر الزيات بالمحافظة الغربية بمصر وتلقى تعليمه الأولي بمدينة طنطا، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة حتى تخرج عام 1962م والتحق بجامعة كورنيل الأمريكية للحصول على درجة الماجستير في الادب المسرحي ثم حصل على الدكتوراة من نفس الجامعة عام 1968م، وعاد إلى جامعة القاهرة ليعمل بتدريس النقد والدراما والأدب المسرحي. أولج في عمله الأكاديمي حتى تم اختياره عميدا لكلية الآداب عام 1985م ثم عمل مستشارا ثقافيا لمصر بالولايات المتحدة الأمريكية وبعد العودة عمل بكلية الآداب رئيسا لقسم اللغة الإنجليزية- جامعة القاهرة, وعمل عميدا للدراسات العليا -جامعة الإمارات ونائب جامعة مصر للعلوم والتكنلوجيا ثم تولى رئاسة جامعة مصر للعلوم وتكنولوجيا حتى توفي سنة 2006م.

منهجه في نقد الحداثة

إنّ منهج د.حمودة الفكري في كتاباته النقدية، ولاسيما في كتبه الأخيرة[8] يستسلم بوجود التحيز في الخطابات النقدية الغربية ومناهجها، فهي غير محايدة أو موضوعية بصورة نهائية أو إنسانية عالمية، وكذلك المعارف أو النظريات أو المشاريع أو المدارس الناتجة عنها. ويقول د. حمودة؛ أن النقد الحداثي ليس حقائق علمية إنسانية عالمية يجب التسليم بها وعدم مناقشتها، بل هي طروحات وفرضيات ومبادئ ومفاهيم قابلة للنقاش والحوار والجدل (د. حمودة, 105). فالحداثيـون العرب يدعون أنهم يجمعون بين الأصالة والمعاصرة, وهو شعار لهم, وهو الذي يعد خروجاً على مبادئ وأسس الحداثة الغربية التي تدعي القطيعة المعرفية مع الماضي، وهو في حقيقته لا يجمع بينهما، وإنما هو يقرأ التراث من منظور حداثي غربي منحاز[9].

تنطلق منهجه من رؤية فكرية كلية للمعرفة، والتي ينبثق عنها مفاهيم ثنائية فكرية أعدها مفاهيم أساسية ومحورية في منهجه الفكري, تمثل شبكة متداخلة فيما بينها، ويكمل أحدها الآخر. وهي كما ترى, ثنائية مفهومي الاختلاف والاتفاق، ومفهومي الثابت والمتغير، ومفهومي الاجتهاد والتقليد.

إنّ الغاية الأساسية التي يقصدها د.حمودة، هي تقديم نظرية نقدية عربية، مستندة إلى نظريتين جزئيتين، هما النظرية اللغوية العربية والنظرية الأدبية العربية، وهي تُشير بصورة جلية إلى نقطتين أساسيتين هما: النظرية والعربية، فالنظرية هي الموصوف، والعربية هي الصفة الثانية للموصوف بعد النقدية أو اللغوية أو الأدبية. إنّ صفة العربية التي تصف بها النظرية انحصرت في دلالتين، أولاهما: انبثاق هذه النظرية من خصوصية الواقع العربي بكل أبعاده الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية والأدبية والفلسفية. ثانيهما: هو الانطلاق من التراث لوضع أسس أو أركان أو مبادئ هذه النظرية من التراث العربي البلاغي والنقدي. وهذا التراث هو نتيجة جهد فكري للعقل العربي الإسلامي في الحضارة العربية، ولاسيما جهد البلاغيين العرب في العصر الذهبي، ابتداء بالجـاحظ وانتهاءً بحـازم القرطاجني. وكان من الممكن أن يتطور إلى مدارس لغوية ونقدية كاملة النضج، لو لم يحدث زمن الانقطاع الطويل من القرن الرابع عشر الميلادي حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولـو لـم يتخذ الحداثيون العرب في العصر الحديث موقف القطيعة الاختيارية والإرادية من ذلك التراث القديم، لانبهارهم بإنجازات العقل الغربي، على أن يكون هذا الانطلاق من التراث هو بقصد تأسيس شرعية الماضي التراثي، لا الحاضر الحداثي أو غير الحداثي[10].

إن الأخذ بـالحداثة الغربية و تجلياتها النقدية، يعتبر نوعا من الترف بل العبث الفكري لا تستطيع ولم تستطع أن تنـقذه التبريرات المختلفة التي يسوقها النقـاد الحداثييون العرب من دعاوى الأصالة واسـتقراء التراث. الحداثة الغربية أدّت إلى الكسر الثقافي والثنائية عند العرب واستمرّت حتى الإنهيار في الحرب مع اسرائيل سنة 1967. شهد العالم العربي تقدم العلم والإختيار الدقيق من مؤثرات الغرب في النصف الأولى للقرن العشرين, ولكن تحوّل عملية التعليم إلى عملية الدمج الغربي التي تهدد الهويّة العربية

آرائه النقدية التي تعالج الحداثة الغربية تشتمل على ستة جهات وهي: المحاكاة والإبداع, اللغة والبلاغة كأدوات لتحقيق الإبداع, الحقيقة والكذب, الإنتحال, التقليد والموهبة, الشكل والمضمون[11]. ويتركز د. حمودة في الجهة الأولى على عبد القاهر الجرجاني[12], صاحب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة, هو أحد من مؤسسي النظرية الأدبية العربية. منهج البنيويين يستعمل النظريات اللغوية لتحليل النصوص ولا شك فيه, أن للعرب نظريات خاصة للشعر العربي التي تدور حول بلاغة اللغة, وقد استفاد الجرجاني نظرية ‘البنية والنظام’, يعتمد على استخدام خاص للغة (اي البلاغة) لفسر القطعات الشعرية والآيات القرآنية. وقد سبق الجرجاني في نظرية ‘القرائة الوثيقية’ (Close Reading) التي تجب على مبدأ ‘التماسك’ لجودة الشعر. هانس برتنس (Hans Bertens) يكتب عن القرائة الوثيقية في القرن احدى وعشرين ويقول ان رجارد وليويس تروّج القرائة الوثيقية في تحليل النصوص[13] (رانسم, 1941).

يقول أرسطو عن الشعر أنه احتكاك لأعمال الإنسان (أرسطو, 1974), يُفهم الإحتكاك بمعنى التمثيل, ويعرّف الجرجاني المحاكاة بالإبداع ويضيف ان الشعر يرسم الصور الذهنية ويرى حازم القرطجاني الشعر خطاب في الأوزان المقفى وانه يقرّر الزاوية اللغوية والنقدية في تعريف الشعر ويقول: أن الشاعر يصنع الصور الذهنية بالإحتكاك ويستخدم الكلمات لنقله الى أذهان الآخرين (القرطجاني, 1981). اللغة هي أداة للإبداع وأساس البنيوية مع المبادئ ويرى أن الأدب في المرتبة الثانية اذْ يستخدم نظام اللغة كوسيلة التعبير ولذا يجب ان يحلّل على أساس نظريات اللغة ولذا نجد نظريات لغوية المتنوّعة عند العرب مثل ما نجد أنواع البلاغة.

الهوامش

1: ص50, حسن حنفي, قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر، دار الفكر العربي, 1998

2: جان أيتين, الحداثة والتقليد السوسيولوجيّ, موقع مركز آفاق للدراسات والبحوث, وصلها في يوم 12/11/2014

3 : فيصل سليمان حسن, التأثر الأدبي بالآداب الغربية, موقع تشرين, 13-01-2007.

4 : ص: 103-105, النقد الأدبي العربي المعاصر وتأثره بالمناهج الغربية »دراسة وتحليل لحسين مجيدي, مجلّة فصلية إضاءات نقدية، السنة ٢، العدد ٨، 1971

5: راجع للتفاصيل؛ حبيب, يم آر, تاريخ النقد الأدبي, بلاك ويل, الولايات المتحدة, 2005

6: د. حمدي, أحمد عدنان, منهج عبد العزيز حمودة في كتاباته النقدية وإشكالية التحيز, المركز السوداني للبحث العلمي, 2003.

7 : نبذة من حياته حسب رواية ويكيبيديا, الموسوع الحرّة والرابط: عبد_العزيز_حمودة http://ar.wikipedia.org/wiki/

8 : المرايا المحدبة: من البنيوية إلى التفكيك 1998، والمرايا المقعرة: نحو نظرية نقدية عربية 2001، والخروج من التيه: دراسة في سلطة النص 2003

9 : ص: 115, د. عبد صايل, عارف,الأصالة والحداثة عند الناقد عز الدين إسماعيل, العدد الثامن, السنة الثالثة, كلية الآداب,جامعة الأنبار, 2012

10: انظر إشارات المتكررة في المرايا المقعرة لهاتين النظرتين (ص: 9-13, المرايا المقعرة,) وهي؛ النظرية اللغوية العربية والنظرية الأدبية العربية

11. : ص42, عويدات, هالا, حمودة ونظريات النقد الأدبي العربي: تقارب نقدي, المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية والإنسانية, العدد الخامس, 2013

12. : أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني (400 – 471هـ) نحوي وَمتكلم، وُلِد في جرجان وعاش فيها دون أن ينتقل إلى غيرها حتى توفي. يشير ياقوت الحموي عنه فيقول: وكان الشيخ عبدالقاهر الجرجاني قد قرأ عليه واغترف من بحره، وكان إذا ذكره في كتبه تبخبخ به، وشمخ بأنفه بالانتماء إليه (معجم الأدباء: 14/16)

.13 : ص44, المرجع السابق

المصادر

جان أيتين, الحداثة والتقليد السوسيولوجيّ, موقع مركز آفاق للدراسات والبحوث

حسن حنفي, قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر، دار الفكر العربي, 1998

حسين مجيدي, مجلّة فصلية إضاءات نقدية، السنة ٢، العدد ٨، 1971

الخروج من التيه، مطابع السياسة، الكويت، 2003م

النقد الجديد, رانسم, 1941

منهاج البلاغة وسراج الأدباء, القرطجاني, بيروت, 1981

فن الشاعرية لأرسطو, ترجمة إنجليزية ليس يج باجر, جوتنبرج, 1974

(سفيان عبد الستار, باحث في قسم الأدب العربي, جامعة اللغة الإنجليزية والأجنبية, حيدرآباد, الهند)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *