عناصر المقاومة في ’قصيدة تحريض أهل الأيمان على جهاد عبدة الصلبان

د. مجيب عكره

خلفية الدراسة:

كيرالا ولاية صغيرة في جنوب الهند. وقد احتلتها القوات المستعمرة الأوروبية خلال فترة 1489 – 1947م. فقد اجتلت البرتكال المستعمرون كيرالا سنة 1489م. ثم احتلتها بعدهم الهولاندا، والفرنسا والإنجليز وغيرهم حتى استقلت الهند سنة 1947م. وكانت أيام الاستعمار أيام الظلم والجو والقساوة والعداوة، فعانى أهل مليبار (كانت كيرالا معروفة بهذا الاسم) أيم الاستعمار من العذاب والفتن والظلم وهتك حرماتهم وغيرها مما لا حد لها. فقام الأمراء والرعية في شتى أنحاء البلاد ضد المستعمرين بأموالهم وأنفسهم. فقامت طائفة من العلماء والأدباء يقاومون المستعمرين بإنتاجاتهم الأدبية ويحرّضون بها على المقاومة والقتال والجهاد ضد هؤلاء المتعمرين الغربيين.

فهذه القصيدة,’قصيدة تحريض أهل الأيمان على جهاد عبدة الصلبان، قصيدة للشيخ زين الدين بن علي المعروف بزين الدين المخدوم الكيبر، في مقاومة الاستعمار البرتغالي، وتحريض المسلمين على الجهاد ضد البرتغاليين واستعمارهم؛ عدوّهم وعدوّ دينهم وبلادهم، التي ألفت في القرن السادس عشر الميلادي.

نبذة عن الشاعر وحياته الأدبية: هو الشيخ أبو يحي زين الدين بن الشيخ علي بن أحمد المعبري المخدوم المليباري، المعروف بزين الدين المخدوم الكبير. والأسرة المخدومية تنتمي جذورهم إلى الأصول العربية. وكانت قد جاءت إلى معبر قريب قايال فاتانام (Kayal pattanam) في تامل نادو. ثم انتقل جد الشاعر إلى كوشن في منتصف القرن الخامس عشر. ولد زين الدين المخدوم الكبير في كوشن سنة 1467م (في اليوم الثاني عشر من شعبان سنة 871هـ)[1]. ثم انتقل مع عمه الشيخ إبراهيم إلى بنّاني عندما تولّى منصب القضاء فيها، ونشأ في رعايته. وتعلّم منه القرآن وحفظه، وتعلم الفقه واللغة العربية، ثم من القاضي ابي بكر بن رمضان الشالياتي؛ قاضي الكاليكوت، وقضى معه نحو سبع سنوات[2]. وتعلّم الفقه والتصوّف، وعلم النحو، واللغة الفارسية. ثم سافر إلى البلاد العربيىة، ثم إلى مصر وتعلّم مختلف العلوم من كبار العلماء، أمثال الإمام جلال الدين السيوطي (849-911هـ /1445- 1505م)، والسيد حسين الحيدروسي، والشيخ شمس الدين الجوجري (850- 918هـ /1446 -1512م)، وزكريا الأنصاري (823 -926هـ /1420- 1520م)، والشيخ كمال الدين محمد بن أبي شريف (822-906هـ/1419-1501م)، وغيرهم. وتعلّم الأحاديث على الأستاذ قاضي عبد الرحمن المصري.

ثم التفت الشاعر إلى التصوّف، والتحق بالطرييقة القادرية[3]. ثم رجع إلى مليبار، واشتغل بالدعوة الإسلامية، وإصلاح الأمة الإسلامية في كيرالا، أقام مركزا لتعليم الدينية في المسجد الجامع في بنّاني إذ رأى أنه لا يصلح أمر هذه الأمة المسلمة إلا بالعلم، والإصلاح الديني. ثم قام بتحريض المسلمين وغيرهم على الجهاد والمقاومة ضد الاستعمار البرتغالي تحت قيادة الملك السامري، وخطبهم فيها، ووعظهم وحرّضهم بالشعر والنثر. يقول الشيخ عبد الحي الحسني يصفه ؛

”فقام لنشر العلم والمعرفة، وكان كثير الأذكار والأشغال. موزعا أوقاته في الخير، ناصحا للخلق، ناشرا للعلوم، قائما بدفع البدعة والمنكر، ونصر المظلوم، كم من منكرات أزالها، وسنن أظهرها، انتفع به خلق كثير، وأسلم على يديه خلائق لا يحصون كثرة”[4].

وله مؤلفات عديدة في الشعر والنثر، في الفقه، والتصوّف، والحديث وغيره من مختلف فنون العلم والأدب، ومنها:

مرشد الطلاب إلى كريم الوهاب، سراج القلوب وعلاج الذنوب، شمس الهدي، تحفة الأحباء وحرفة الألباء، إرشاد القاصدين، شعب الإيمان، مسالك الأتقياء، هداية الأذكياء، الإستعداد للموت وسؤال القبر، كفاية الفرائض، الصفا من الشفا، تسهيل الكفاية. كفاية الطالب، تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان، وغيرها.

قصيدة ’تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان‘ وعناصر المقاومة فيها.

كان الشيخ زين الدين بن علي المخدوم المعروف بزين الدين مخدوم الأوّل من أبرز كبار علماء كيرالا في القرون الوسطى، والمجاهد الكبير الذي نادى بالجهاد ضد البرتغاليين واستعمارهم، وقاومهم بتحريض المسلمين وغيرهم من أهل مليبار على الجهاد ضدهم. وأنه نظّم في هذا الصدد أي في مقاومة البرتغال واستعمارها، قصيدة ’تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان‘ لتحريض المسلمين على جهاد العدوّ الأجنبي البرتغالي، واستعمارها، إذ أنهم دخلوا في بلادهم (بلاد المسلمين) وظلموهم، وطعنوهم في الدين، وعرضوا على أموالهم أنفسهم وأعراضهم ودينهم.

مضمون القصيدة: هذه القصيدة تحتوي على مائة وخمسة وثلاثين بيتا. وتشتمل على المضامين على مايلي:

أوّلا :مقدمة يشمل الحمد والصلاة، والدعاء.

ثانيا : طلب النصروالمعونة من حكام المسلمين وأمرائهم مع بيان ضعف المسلمين في مليبار.

ثالثا : بيان مظالم البرتغاليين للمسلمين وسوء معاملتهم   معهم.

رابعا: بيان وجوب الجهاد ضد البرتغاليين واستعمارهم.

خامسا : تحريض المسلمين على الجهاد ببيان فضائل الجهاد وثوابه مقتبسا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

سادسا: النداء إلى الجهاد ضد البرتغاليين نداء مباشرا.

سابعا: المنع عن موالاة البرتغاليين واتخاذهم أولياء.

مقدمة القصيدة من الحمد والصلاة، والدعاء: يبدأ الشاعر قصيدته بحمد الله والصلاة على النبي ، فيقول؛

لـك الحمد يا الله فـي كل حالة           وأنت عليم بالكروب وحاجـة

صلاة وتسليم على خير خلقكا         محمـد الداعـي إلى خير ملة[5]

ثم يلتفت الشاعر إلى الدعاء، فيدعو الله عز وجلّ أن يدفع عنه وأهل زمانه، البليات ، وجلب البغيات، ثم أن ينصر الغزاة والمجاهدين الذين يجاهدون في سبيل الله لإنقاذ الأمة من الكروب والمصائب التي حلت بهم بعد قدوم البرتغال. فيقول؛

وندعوك يا رحمان يا خير ناصر     لدفـع بليـات وجلب لبغية

وتنصر من يغزو لإنقـاذ أمة         من الكـرب والضرا وكفر وذلة[6]

طلب النصروالمعونة من حكام المسلمين وأمرائهم مع بيان ضعف المسلمين: بعد أن فرغ من الحمد والصلاة والسلام والدعاء لله، يطلب الشاعر النصر والمعونة من سلاطين المسلمين وأمرائهم وحكّامهم مع بيان ضعف حالة المسلمين، وقلة عدتهم، وانهزامهم بعد تتابع الحروب مع البرتغال المستعمرة لسنوات متوالية. فأوّلا يظهر طلب النصر والمعونة في بداية القصيدة، كما نراها في بيتي الخامس والسادس، حيث يقول؛

سلام عليكم يـــا مــآلا لآمل           معاذا لمضطر مــلاذا لأمة

مددنا إليكم كف ضعف وحاجة        وذلّ وإقتار لدفع ملمة[7]

ثم يقول من البيت الثلاثين إلى البيت الثالث والثلاثين مبينا عن ضعف المسلمين في كيرالا بعد قدوم البرتغاليين المستعمرين ومحاربتهم مع البرتغاليين تحت رعايات ملوك مليبار، وتحالف بعض رعاة مليبار مع البرتغاليين، وانهزامهم فيها. ثم يمد إليهم رجاءه في نصرهم المسلمين في مقاومة البرتغاليين واستعمارهم. فيقول؛

وإنا على ضــــــعف وقلة عــــدة       غزوناهم الأعوام قدر الإطــــاقة

ووافقفهم في ذاك بعض رعـــاتنا      فلم يحصل الفتــح المزيل لنـــكبة

فيا أيها السادات أنتم رجـــاؤنـــا        بفضل إله العرش فـــي كل شدة

ونحن عطاش أنتم السحب تمطر   فيا ليت شعري هل نفوز بريـــة[8]

ثم يقول الشاعر يحرّض الأمراء على الجهاد ببيان ثواب الجهاد ودرجاته التي يحصلونها من الله الكريم،

فإن أنتم أنقذتمونـــا من الكـــرب           وجدتم ثوابا ليس يحصــى لكــثرة

فقد حرّض المولى على الغزو للـعدى خصوصا على غزو لتفـــــريج كربة [9]

ثم يُلفت الشاعر في بيته ” فإنا لمن مستضعفين اجعل لنا- وليا نصيرا من لدنك برحمة”[10] قلوب السلاطين والولاة إلى قوله تعالى ” وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا”.[11] ثم يشير في بيتيه،

وقد قال خير المرسـلين محمد         شفيع الورى بحر الندى ذو مكانة

لمن نفّس الكرب الذي جاء مسلما   ينفس عنه كرب يوم القيامة[12]

إلى قوله رسول الله ، في حديث عن أبي هريرة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ…..”[13]

بيان مظالم البرتغاليين للمسلمين وسوء معاملتهم معهم: ثم يبدأ الشاعر ببيان سوء حالة المسلمين بعد قدوم البرتغال إلى سواحل كيرالا، ومعاملتهم معهم معاملة شنيعة. وكذا يبين المظالم والإفسادات التي شنتها البرتغال، من شتى الأنواع والعدد، من أسر رجالهم ونسائهم وولدانهم، ونهب أموال المسلمين. ويقول كما بينها الشيخ زين الدين المخدوم الثاني في تحفة المجاهدين؛ أنهم طغوا في بلاد الله، وأسروا المسلمين من رجالهم ونسائهم وولدانهم، ونهبوا أموالهم، وأحرقوا بعض المساجد، وخرقوا القرآن، وهتكوا حرمات الله وحرمات الدين والقرآن، وحرمات نسوان المسلمين. وأحرقوا أموال المسلمين، وقتلوا المسلمين، وعطّلوا أسفار المسلمين سفر التجارة والحج. فتعطلت تجارة المسلمين، وفشت الفاقة والفقر فيهم. وجعلوا المسلمين الأحرار عبيدهم، وقتلوا الحجاج وغيرهم. وشرعوا في سب رسول الله جهارا. وعذّبوا الأسارى تعذيبا مؤلمامن تقييدهم بالقيود والسلاسل، وضربهم بالنعال، وتعذيبهم بالنار، وبيعهم في الأسواق كما تباع العبيد، وتكليفهم على العمل مما لا يطيق، وحتى حرّضوهم على عبادة الصليب وقبول النصرانية وغيرها من التعذيب والمظالم. يصوّر هذه الحالة المؤلمة في أبياته من البيت السابع إلى البيت الخامس والعشرين. فيقول مبينا؛

فإنا كربنا بارتكاب شـدائد                    بإفرنج عباد الصليب وصورة

طغوا في بلاد الله من كل ممكن            وقد أكثروا فيها الفساد بشهرة

بغوا في مليبار بأصناف بــغيهم             وأنواع شــدات وأجناس فـــتنة

من الأسر والنهبى وإحراق مسجد   وخرق كتاب ثم هتك لحـــرمة

وتحريق أموال وتخنيق مسـلم      وتعويق أسفار وتعطيـل عيشة

وتخريب بلدان وتعبيد مــؤمن          وتزيين نسوان لتفتين نسـوة

وفك عرى البلدان والثغر كلهـا  ودك ذرى الأمصار مع كل قرية[14]

ويشير أيضا إلى إفسادهم وظلمهم،

وتحريضهم أن يسجدوا لصليبهم       وتحضيضهم أن يقبلوا قول ردة

وسخر من الإسلام المسلم الذي       يمرّ طريقا ثم ضحك بجهرة

يـكل لسان المرء عن ذكر كلها      فيا رب خذهم أهلكنهم بسطـوة[15]

بيان فروضية الجهاد ضد البرتغاليين واستعمارهم: ثم يلتفت الشاعر من البيت السادس والعشرين إلى التاسع والعشرين إلى بيان فروضية الجهاد ضد هؤلاء المستعمرين من البرتغال، ويقول أن جهاد هؤلاء المستعمرين البرتغاليين فرض عين على كلّ مسلم قويّ بنفسه، والزاد، والعدّة، حتى على العبيد بلا إذن سيدهم، والنساء القويّات بلا إذن أزواجهن، وعلى الولدان ممن كان دون مسافة القصر. ويجب على من فوق مسافة القصر أيضا إذا لم يكن ممن دون مسافة القصر من يكفي على جهادهم، لأنهم دخلوا بلاد المسلمين مفسدين، مظلمين، مطعنيين في الدين. فيقول الشاعر في أبياته؛

جهادهم فرض عين على كلّ مسلم      قويّ بنفس ثــم زاد وعدّة

حتى على عبد بلا إذن سيد             وولد بلا إذن وزوج قوية

ولو كان فيما فوق قصر صلاتنا        ذا لم يكن من دونه ذا كفــــاية

لما دخلوا دارا لأمة أحمد            وقد قيّدوا بالأسر أهل شريعة[16]

تحريض المسلمين على الجهاد ببيان فضائل الجهاد وثوابه مقتبسا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية: بعد أن بين الشاعر سوء حالة المسلمين تحت الاستعمار البرتغالي، وظلم البرتغاليين عليهم، وفرضية الجهاد ضدهم، وطلب النصر من الأمراء والحكام في مقاومة القوة المستعمرة وإخراحهم من أرض مليبار، يبدأ الشاعر ببيان فضائل الجهاد، وثوابه، ودرجات الشهداء، والموت في سبيل الله، وفروضية الإنفاق في سبيل الله والجهاد وغيرها مما يتعلّق بالجهاد، بالأحاديث النبوية والآيات القرآنية، تحريضا للمسلمين للقيام بالجهاد في سبيل الله ضد ّ البرتغاليين واستعمارهم. فيقول؛

“وقد جاء أخبار صحاح كثيرة        بفضل جهاد فاسمعن بنـبــذة”[17]

ثم يشير في الأبيات التالية إلى بعض الأحاديث النبوية والأيات القرآنية. نجدها في أبيات هذه القصيدة. فأولا يشير في البيت السادس والأربعين؛

لغدوة شخص في سبيــل إلهه       لخير من الدينا ومال كروحـة[18]

إلي قوله رسول الله في حديث عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم: “وقال غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها”[19] ويشيرفي بيته؛

من قاتل الأعدا فواقا لناقة     فقد فاز من فضل الكريم بجنة[20]

إلى قوله رسول الله في حديث روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ قال رسول الله “…..فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا، أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ ؟ اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ “[21] ثم يبين في الأبيات التالية عن فضائل الرباط في سبيل الله والحراسة، وثوابها مقتبسا بالأحاديث النبوية الشريفة. فيبين الشاعرفي بيته؛

رباط بيوم في سبيل إلهنا            لأفضل من دنيا ومال بجملة[22]

إلى قول النبي في حديث عن سهل بن سعد الساعدي رضى الله تعالى عنه أن رسول الله قال: “رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها”.[23]وكذا يشير في بيته،

وعينان لا تغشيهما النار من لظى     فعين بكت من خشية الله عزت

وعين تبيت الليل تحرس للعدى          رجاء ثواب الله من خير يقظة[24] إلى قول النبي في حديث روي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:” سمعت رسول الله يقول؛ عينان لا تمسّهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله”.[25]

ثم يلتفت الشاعر في الأبيات من البيت التاسع والأربعين إلى الحادي وخمسين، إلى بيان فضائل الإنفاق في سبيل الجهاد، ليحرّض المسلمين خاصتهم وعامتهم على إنفاق أموالهم في سبيل الجهاد ضد البرتغاليين. حيث يقول:

ومن أنفق الأموال في البرّ يحصل           بواحدة عشر أديمت وجلت

ومن في سبيــل الله أنفق ماله                فسبع مآت نال عن كل حبة

ومن ينفق الأموال في الغزو خارجا  فسبع مائي ألف لتفسير آية[26]

وهذه الأبيات يشابه قول النبي في حديث روي عن خريم بن فاتك الأسدي رضي الله عنه، عن النبي قال : ” من أنفق نفقة في سبيل الله ، كتبت بسبعمائة ضعف”.[27] ثم يقول الشاعر في أبياته التالية،

ومن لم يجاهد أويجهّز مجـاهدا          ولم يخلف الغازي بأهل لخدمة

يصبه إله العرش والخلق كلهم    بقـــارعة قبل القياــمة جـــاءت[28]

مشيرا إلى قول النبي في حديث عن أبي أمامة عن النبي قال “من لم يغز أو يجهّز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة يوم القيامة”.[29] وكذا يبين قول النبي في حديث رواه البخاري عن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال؛ “من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا”.[30] في البيبت التالي كما يلي؛

ومن جهّز الغازي فقد صار غازيا     كذا خالف في أهله بإعانة[31]

ثم يشير في بيته،

وجرح لمكلوم الغزا حين يبعث         بلون دم والريح مسك بفارة[32] إلى قول النبي في حديث عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله قال؛ “والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك”.[33]

ويقول الشاعر في البيت السادس والخمسين،

من مات من غير الغزاء ونية          فقد مات من داء النفاق بشعبة[34] إلى قول النبي .عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله “من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق”.[35]

ثم يقول في بيتي السابع والثامن والخمسين،

         ومن دخل الجنات لم يرج رجعة          لدنيا ولوكانت له كل نعمة

       ولــكن شهيد قد تمنى رجــوعـــه            لقتل مرارا لظهور كرامـــة[36]

عما يتمناه الشهيد الرجوع إلى الدنيا مقتبسا لحديث النبي ، عن حميد قال سمعت أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “ما من عبد يموت له عند الله خير يسرّه أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى”.[37]

ثم يبين في الأبيات من التاسع والخمسين إلى السادس والستين، ما قاله النبي في حديث أخرجه الإمام الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ ، جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ ، تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ ، قَالُوا : مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا أَنَّا أَحْيَاءُ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ ، لِئَلا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ ، وَلا يَنْكُلُوا عَنِ الْحَرْبِ ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أُبَلِّغَهُمْ عَنْكُمْ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا سورة آل عمران آية 169 “[38]. ثمّ يقتبس الشاعر بقول النبي في حديث عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ، قَالَ :” الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ خَطِيئَةٍ ” ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : إِلا الدَّيْنَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِلا الدَّيْنَ ” [39] في بيته من القصيدة؛

شهيد ليعفى غير دين ذنوبه       بأول ضرب كان مزهق مهجة[40]  ثم يبين درجات الشيهد وفضائله التي سوف يلقاهاى من لدن حكيم عليم، في الأبيات من البيت الثالث والسبعين إلى الثمانين مقتبسا لقول النبي في حديث روي عن المقدام بن معدي كرب، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ“ [41]

ثم يقول الشاعر المخدوم الأوّل في البيت الحادي والثمانين يدعو الله للمجاهدين والغزاة في سبيل الله ليجزيهم الله جزاء أوفى. فيقول؛

جزى الله من يغزو جزاء موفرا       وأنقذهم من كلّ شرّ ومحنة[42]

النداء إلى الجهاد ضد البرتغاليين نداء مباشرا: ثم بعدما فرغ الشاعر من بيان فضائل الجهاد وثوابه ودرجات الشهيد والغزاة، والإنفاق في سبيل الله وغيرها مما يتعلق بفضائل الجهاد وثوابه وفرضيته، يلتففت الشاعر إلى نداء المسلمين نداء الجهاد ضد البرتغاليين واستعمارهم نداء مباشرا، ويدعوهم أن يستجيبوا هذا النداء الذي يكون فيه رضى الله والخلق والناس كلهم، حيث يقول؛

فيـا أهل إســـلام وأمة أحمد             هلموا إلى هذا الجهاد بهمــة

فـــفيه رضى الخلّاق والخلق إنسهم   وجن ووحش والطيور ودابة[43]

ثم يقول في الأبيات التالية،

فإن تهملوا هذا الجهاد خســـرتــم         غنى دار دنيا ثم أخرى بحسرة

وخوف بلاء والغــلاء بداركــــــم          وعــار ونــار والبــوار بحــوبة

فقد أوعد الباري على تركنا الغزا      بترك الإنفاق لمـال بورطة

فقال ولا تلقوا بأيديـــكم إلـــــى          هلاك إذ الأعدا تصير بقوّة

ولا تبخلوا من كان يبخل فإنما     مضرته تأتي عليه بضــــنة[44]

ففي هذه الأبيات ينهج الشاعر السامعين أوالقرّاء أن لا يهملوا في جهاد البرتغاليين، فتكون الحسرة والخسارة عليهم في الدينا والأخرة من شتى أنواع المصائب من الخوف والذل والقحط والفقر وغير ذلك. ثم يشجعهم على إنفاق الأموال في سبيل الله، ويحذرهم بوعيد الله على البخل في الإنفاق مقتبسا بقوله تعالى؛ ” وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.[45]

وفي الأبيات من الحادي والتسعين إلى السادس والتسعين، يبين قصة قوم موسى عليه السلام بعد غرق فرعون، وإعراضهم عندما دعوا إلى الجهاد كما بينها عزّ وجلّ في قرآنه الكريم، “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ، قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ.”[46]

ثم يشرح الشاعر قوله تعالى، ” وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ”[47]، في الأبيات التالية،

ومن فرّيوم الزحف من خوف سطوهم     فقد آل بالعار الفظيع ولعنة

وقد بــــــاء بالســخط العظيـــم لربــه       ومأواه نار ذات حرّ وفورة[48]

ثم يصوّر الشاعر عذاب النار بعدما بين عقوبات التولّي والانفرار من الجهاد والقتال تحذيرا لهم لئلّا يخالفوا أوامر الله ونداءه إلى الجهاد ضد البرتغاليين واستعمارهم، وتحريضا لهم على هذا الجهاد في سبيل الله. فيقول؛

تزيد على نــــار بدنيا بتسعة           وستين جزءا مثلها بالســوية

ومن كان يعصي الله تشوى فيكلح     فتبلغ وسط الرأس عليا شفيهة

وسفلى شفاه تنزوي بكلوحة        إلى السفل من جسم إلى ضرب سرّة

ويصب حميم فوق رأس فينفذ      خلوصا إلى جوف بشدة حرقة

فيسلت ما في جوفه ثم يمرق       من الرجل ثم العود يأتي بلحظة

ولو من حميم قطرة صاح تسقط     على جبل الدنيا جميعا أذابت

ويدنى إلى فيهم صديد فيحرق               وجوها ويلقى من رؤوس لفترة

إذا شربوا يقطع معاهم فيخرج        من الدبر ذا الماء الصديد لساعة[49]

ثم يبين الشاعر قول النبي في حديث النعمان بن بشير، قَالَ شُعْبَةُ : سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ يُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ “[50]. ثم يبين الشاعر في بيته التالية قوله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم ” بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ”[51] حيث يقول الشاعر؛

“وقد وعد الباري على الصبر والتقى معـــونته فاصبربتقوى فاثبت”[52]

ثم يبين الشاعر في الأبيات من 114 إلى 119 حديث النبي صلعم عن الأمة المسلمة في أخر الزمان؛ فيقول؛

وقد جا حديث عن رسول محمد        رواه أبو داود مـن غير مـــرية

لتـوشك أمـات تداعــى عليكــــم         كما يتداعى الآكلــون لقصـعـــة

فقيل وذا من قلـــة نـحن يومئـذ       فقال كــثير انتـــم فيــــه أمــــــتي

وأنتم غثــــاء كغثــاء لــسيلنـــا           ويذهب من صدر العدى بالمهابة

ويقـــذف وهــن أمتي بقلـوبكم             فقيل وما الوهن رسول الشفاعة

فقــال رســول الله ذاك محبة             لدنيا وكـره للـــمنــــية حقــــــت[53]

فأمّا الشيخ المخدوم الأوّل يريد بهذه الأبيات بيان ما قاله النبي في حديث رواه أبو داود في كتابه سنن أبي داود عَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ “[54]

المنع عن موالاة البرتغاليين واتخاذهم أولياء: وهكذا تتضمن القصيدة من منع المسلمين عن موالاة البرتغاليين واتخاذهم أولياء لئلّا يتردّدوا في القتال والجهاد والمقاومة، وليزداد عدوانهم ضد البرتغاليين وليكون هذا تحريضا لهم في مقاومة الاستعمار البرتغالي. فيقول في البيت الرابع والثمانين والخامس والثمانين؛

ولا تجعلوا إفرنج يا قوم أوليا              وإن خفتم هلكا وفوت تجارة

فقد منع المغني موالاتهم ومن    تولّاهم يحشر إليهم بعرصة[55]

ثم ينادي الشاعر في الأبيات من البيت المائة والثاني والعشرين إلى آخر القصيدة، إلى الجهاد ضد البرتغاليين أعدائهم وأعداء دينهم وبلادهم (كما يرونهم الشاعر)، ومهاجمتهم، والخروج في قتالهم بكل استعداد، وأن لايخافوا فيها أحدا إلّا الله، وأن لا يجنبوا من الموت. ويحرّضهم فيها على الإنفاق في الجهاد وفي سبيل الله ببيان فضائل الإنفاق وثوابه. فيقول؛

فداوو بنص مع حجيث محرّض  على الغزو مع ذكر لهاذم لذة

فصولوا على أعداء دين محمد       وصونوا به دينا ودنيا برغبة

وروموا به زاد المعاد وجنة       ودوموا على خوف هجوم المنية[56]

هنا يبين الشاعر أغراض المقاومة والقتال أو الجهاد مع البرتغال المستعمرة الأجنبية، وذاك لحفظ الدين والدنيا. يشير المخدوم بقوله “وصونو به دينا ودنيا برغبة” إلى هذا. لأن البرتغاليين قد تحدّوا لقيام المسلمين واجباتهم الدينية والدنيوية، من طعنهم في الدين، وظلمهم أهل البلاد، والإفساد فيهم، وتعطيل تجارتهم، وهتك حرمات الدين وغيرها مما بيناه في بداية الفصل. ويقول أيضا ،

ولا تجبنو فالله نــاصر دينـــــه         وكاسر صلبان وناشر سنة

فإن تنفقوا مـالا وتغزوا أغزتم         جميع عباد الله من كلّ عاهة

وصنتم عباد الله من شرّ ماكر      حميتم صغارا والنساء بغيرة[57]

ثم يبين ما ورد في الأبيات عن الثواب الذي يراها الغازي أوالمجاهد في سبيل الله يو القيامة؛ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. فيقول؛

وحزتم غنى الدارين فزتم رأيتم     جزاه جزيلا يوم فقر وفاقة

وذلك يوم ليس ينفع مالكم         ولا ابن ولا جاه بمثقال ذرّة

ونلتم به دار السلام وحورها       بملك عظيم دائم وغنيمة[58]

ويقول الشاعر في آخر القصيدة عن الجنة ونعيمها، فيقول؛

وداخلــها ينــعم ويخــلد بــــــلا        ثياب ولا يفنى شباب بشيبة

بها بحر مــاء ثم بـــحر لشهدنــا     وبحر لألبان وبحر لخمرة

ومن هذه الأنهارتجري إلى فنا      منازل كل الداخلين لنزهة[59]

والشاعر زين الدين المخدوم الأوّل يرى هذه المقاومة جهادا في سبيل الله ذودا عن وطنهم ودينهم، ويراها فريضة دينية على كل مسلم. وينادي إلى هذه المقاومة كل مسلم ومسلمة أحرارهم وعبيدهم، ويحرّضهم عليها بأنواع التحريض والحثّ من بيان فضائل الجهاد، وبيان فريضتها وغيرها.

عناصر المقاومة في قصيدة ’تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان‘: هذه القصيدة قصيدة نظّمت لمقاومة البرتغاليين واستعمارهم في بلاد كيرالا. نجد في هذه القصيدة من عناصر المقاومة كما يلي:

أوّلا: بيان مظالم البرتغاليين للمسلمين، وتعذيبهم، وهتك حرمات الإسلام، والمسلمين، وتعطيل تجارتهم وغيرها. كما نراها في الأبيات من البيت الثامن إلى البيت الرابع والعشرين.

ثانيا : بيان فروضية الجهاد والمقاومة والقتال ضدّ البرتغاليين واستعمارهم. كما نراها في الأبيات من البيت السادس والعشرين إلى البيت التاسع والعشرين. وهذا العنصر من أهم عناصر المقاومة، إذ أنه يراها ويبينها فريضة دينية، وفريضة عين على كلّ مسلم صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم. ويقول أيضا في البيت المائة والثاني والعشرين،

“فصولوا على أعداء دين محمد                 وصونوا به دينا ودنيا برغبة” [60]

أي هذا الجهاد دفاعا لدينهم ودنياهم.

ثالثا: طلب النصر والمعونة من سادات المسلمين وأمرائهم وسلاطينهم، مع بيان ضعف المسلمين وسوء حالتهم بعد قدوم البرتغال إلى بلاد كيرالا، ثم بتحريضهم على الجهاد ضدهم والنصر في هذا الجهاد في سبيل الله. نجده العنصر في القصيدة من البيت الثلاثين إلى البيت الأربعين.

رابعا: تحريض المسلمين على الجهاد والمقاومة ببيان فضائل الجهاد، وثوابه، ومنزلة الشهداء ودرجاتهم، وبيان فضائل الإنفاق في سبيل الله وثوابه، وعقوبات المخلفين مقتبسا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية. نرى هذا العنصر في الأبيات من البيت الحادي والأربعين إلى البيت الحادي والثمانين، ومن السادس والتمانيين إلى التسعين، ومن البيت السادس والتسعين إلى المائة والحادي والعشرين.

خامسا: المنع عن موالاة البرتغاليين واتخاذهم أولياء وأنصار. فنراها في بيتي الخامس والثمانين والسادس والثمانين.

سادسا: النداء إلى الجهاد نداءا مباشرا ليحرّض القرّاء والسامعين تحريضا بالغا على مقاومة الأعداء والخروج في قتالهم. نجد هذا العنصر في الأبيات الثاني والثمانين والثالث والثمانين، وفي الأبيات من المائة والحادي والعشرين إلى الرابع والعشرين.

 الهوامش

1. الحسيني، عبد الحي بن فخر الدين؛ نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، ص:341، دار ابن حزم، بيروت،ط:1، 1999م

2.  Husain, KTStrategy of Kerala Muslims’ Anti Colonial Resistance (Malayalam), p: 24 IPH, Calicut,2008

3. Husain, KTStrategy of Kerala Muslims’ Anti Colonial Resistance (Malayalam), p: 25, IPH Calicut, 2008

4. الحسيني، عبد الحي بن فخر الدين؛ نوهة الحواطر وبهجة المسامع والنواظر، ص:341، دار ابن حزم، بيروت،ط:1، 1999م

5. المخدوم، زين الدين بن علي، تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان، ص:75،تراث المقاومة ضد الاستعمار، كلية فاروق، كاليكوت2008م.

6. المخدوم، زين الدين بن علي. ص:75.

7. المخدوم، زين الدين بن علي. ص:75.

8. المخدوم، زين الدين بن علي. ص:78-79.

9. المخدوم، زين الدين بن علي. ص: 79.

10. المخدوم، زين الدين بن علي، تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان، ص: 79،تراث المقاومة ضد الاستعمار، كلية فاروق، كاليكوت2008م

11.القرآن الكريم، سورة النساء:75

12. المخدوم، زين الدين بن علي، تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان، ص: 79،تراث المقاومة ضد الاستعمار، كلية فاروق، كاليكوت2008م

13. مسلم بن حجاج، صحيح مسلم؛ رقم الحديث:4874، إسلام ويب، موسوعة الحديث، تاريخ الوصول 24\3\2012م

14. المخدوم، زين الدين بن علي.ص:76-77

15. المخدوم، زين الدين بن علي.ص:78

16.  المخدوم، زين الدين بن علي. ص:78

17. المخدوم، زين الدين بن علي.ص:79

18. المخدوم، زين الدين بن علي.ص:80

19. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر؛ فتح الباري شرح صحيح البخاري: رقم الحديث:6199، دارالريان للتراث،1986م، موسوعة الحديث، إسلام ويب

20. المخدوم، زين الدين بن علي.ص:80

21. الترمذي، أبوعيسى محمد، جامع الترمذي؛ كتاب فضائل الجهاد، رقم الحديث 1573:موسوعة الحديث، إسلام ويب تاريخ الوصول 24\3\2012

22. المخدوم، زين الدين بن علي. ص:80

23. البخاري، محمد بن إسماعيل،صحيح البخاري، رقم الحديث:2735، مكتبة متون الإسلامية، قووة نت، تاريخ الوصول 21\3\2012م.

24. المخدوم، زين الدين بن علي. ص:80

25. الترمذي، أبوعيسى محمد، جامع الترمذي؛ كتاب فضائل الجهاد، رقم الحديث 1639:موسوعة الحديث، إسلام ويب تاريخ الوصول21\3\2012

26. المخدوم، زين الدين بن علي. ص:80-81

27. الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله.المستدرك على الصحيحين،رقم الحديث-2486، دار المعرفة، 1998، المكتبة الإسلامية.

28. المخدوم، زين الدين بن علي. ص:81

29. أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني.سنن أبي داود، رقم الحديث -2146، موسوعة الحديث،إسلام ويب،

30. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر.فتح الباري شرح صحيح البخاري، رقم الحديث-2688،دار الريان للتراث،1986، المكتبة الإسلامية،إسلام ويب.

31. المخدوم، زين الدين بن علي. ص:81

32. المخدوم، زين الدين بن علي.ص:81

33. البخاري، محمد بن إسماعيل. رقم الحديث:2607،موسوعة الحديث،إسلام ويب

34. المخدوم، زين الدين بن علي.ص:81

35. النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، شرح النووي على مسلم، ر:ح:1910،المكتبة الإسلامية، إسلام ويب.

36.المخدوم، زين الدين بن علي.ص:81

37. البخاري، محمد بن إسماعيل. رقم الحديث:2600،موسوعة الحديث،إسلام ويب

38. الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله.المستدرك على الصحيحين،رقم الحديث-2376، دار المعرفة،1998، المكتبة الإسلامية.

39. الترمذي، رقم الحديث: 1563

40. المخدوم، زين الدين بن علي،ص:83

41. التوحذي،جامع الترمذي، رقم الحديث:1585

42. المخدوم، زين الدين بن علي،ص:84

43. المخدوم، زين الدين بن علي،ص:84

44. المخدوم، زين الدين بن علي،ص:85

45. القرآن الكريم. سورة البقرة195

46. القرأن الكريم، سورة المائدة:20-26

47. القرآن الكريم، سورة الأنفال:16

48. المخدوم، زين الدين بن علي، ص:86

49. المخدوم، زين الدين بن علي، ص:86-87

50. البخاري، رقم الحديث:6107

51. القرآن الكريم،سورة آل عمران:125

52. المخدوم، زين الدين بن علي، ص:87

53. المخدوم، زين الدين بن علي، ص:88

54. أبو داود، رقم الحديث:3748

55. المخدوم، زين الدين بن علي، ص:84

[56. المخدوم، زين الدين بن علي، ص:88-89

57 . المخدوم، زين الدين بن علي، ص:89

58. المخدوم، زين الدين بن علي، ص:89

59. المخدوم، زين الدين بن علي، ص:90

60. المخدوم، زين الدين بن علي، ص:88

المصادر

أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني.سنن أبي داود، موسوعة الحديث،إسلام ويب.طبعة ويب.

البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري. Vol. 1. دار ابن كثير. الأجزاء 7، 1993 .طبعة ويب.

الترمذي، محمد بن عيسى. الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي. Vol. 1. دار الكتب   العلمية.عشىة أجزاء. بلا تاريخ.طبعة ويب.

التوحذي،جامع الترمذي.طبعة ويب.

الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله.المستدرك على الصحيحين. دار المعرفة،1998، المكتبة الإسلامية.طبعة ويب

الحسيني, عبد الحي بن فخر الدين. الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمّى بنزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر. Vol. 4, بيروت: دار ابن حزم, 199. 8 vols. مطبوعة.

الطبراني, أبو القاسم سليمان بن أحمد. المعجم الأوسط. 10 vols. القاهرة: دار الحرمين, n.d.

العسقلاني, أحمد بن علي بن حجر .فتح الباري شرح صحيح البخاري. 13 vols. دارالريان   للتراث.1986.طبعة ويب.

القرآن الكريم، سورة آل عمران: 125 ، سورة الأنفال:16 ، سورة البقرة:195 ، سورة المائدة:20-26

المخدوم، زين الدين بن علي، تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان، ص: 79،تراث المقاومة ضد الاستعمار، كلية فاروق، كاليكوت2008م.مطبوعة.

—. هداية الأذكياءإلى طريق الأولياء.موقع دليل الإيمان.طبعة ويب

—. مرشد الطلّاب إلى كريم الوهّاب. مخطوطة.

مسلم بن حجاج. صحيح مسلم. جزء 1. دار إحياء الكتب العربية. طبعة ويب.

.ـــــــــــ صحيح مسلم. تحرير:. نظر بن محمد الفاريابي أبو قتيبة. 1. 2 vols. دار طيبة.طبعة وييب.

النووي، يحي بن شرف أبو زكريا. شرح صحيح مسلم. 6 vols. دار الخير. ويب.

Husain, KTStrategy of Kerala Muslims’ Anti Colonial Resistance (Malayalam), IPH Calicut, 2008

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *