دور الذكاء الاصطناعي في تحسين ترجمة النصوص العربية باستخدام أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب: تحديات وتوجيهات

ملخص البحث:

يتناول البحث الدور التحويلي للذكاء الاصطناعي (AI) وأدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT) في تحسين الترجمة العربية. يهدف البحث إلى استكشاف التحديات الفريدة التي تطرحها الهياكل اللغوية المعقدة للعربية، بما في ذلك الترجمات الحرفية غير المناسبة والصعوبات في التقاط الفروق السياقية والمعاني الضمنية. يركز البحث على ضرورة دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الترجمة في مجالات مختلفة مثل الأدب والتكنولوجيا والقانون، مع التأكيد على الأهمية الحاسمة للإشراف البشري في الحفاظ على النزاهة اللغوية والثقافية. يتناول البحث أيضًا التطور التاريخي لأدوات الذكاء الاصطناعي والترجمة المدعومة بالحاسوب في مشهد الترجمة، موفرًا رؤى حول تعريفاتها وأهميتها. علاوة على ذلك، يركز البحث على فعالية هذه الأدوات في ترجمة النصوص العربية، محددًا التحديات المتجذرة في التنوع الثقافي والغني للغة. كما يستكشف البحث كيف تتكيف الشركات اللغوية الكبرى مع التقدم التكنولوجي من خلال الاستثمار في أنظمة الترجمة الآلية الذكية. في النهاية، يقدم البحث استراتيجيات وأطر فعالة تدمج الخبرة البشرية مع الابتكار التكنولوجي، مما يعزز الجودة والدقة في الترجمات العربية. من خلال تعزيز التعاون بين المترجمين البشريين والتقنيات الحديثة للذكاء الاصطناعي، يطمح البحث إلى إقامة نهج شامل لتحقيق ترجمات عالية الجودة في عالم يتجه نحو الرقمنة بسرعة، مما يضمن الحفاظ على جوهر وعمق اللغة العربية في عملية الترجمة.

الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي، الترجمة المدعومة بالحاسوب، دقة الترجمة، تحديات الترجمة، الترجمة الآلية، مشاكل الألفاظ أو المفردات، مشاكل الثقافة.

مقدمة:

في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، يشكل الذكاء الاصطناعي وأدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT) نقلة نوعية في مجال الترجمة وتطوير أساليب العمل اللغوي. تعتبر اللغة العربية من اللغات ذات التراكيب اللغوية الغنية والمرونة التعبيرية الفائقة، مما يطرح تحديات خاصة أمام أنظمة الترجمة الآلية. ومن هذا المنطلق، برزت أهمية دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين الترجمة العربية والارتقاء بجودة النصوص المترجمة، سواء كان ذلك في المجالات الأدبية أو التقنية أو القانونية وغيرها. إذ إن هذه الأدوات لا تُستخدم فقط لزيادة كفاءة المترجمين، بل تلعب دورًا رئيسيًا في توجيه العمليات اللغوية وتعزيز الفهم بين الثقافات المختلفة.

على الرغم من هذه الإمكانات، فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في ترجمة النصوص العربية ما زالت تواجه مجموعة من التحديات، مثل الترجمة الحرفية غير الملائمة، أو عدم قدرة الخوارزميات على التعامل مع المعاني الضمنية والدلالات السياقية الدقيقة. من هنا، تبرز الحاجة الملحة لتطوير استراتيجيات وأطر عمل تسهم في توجيه استخدام هذه التقنيات بشكل يضمن جودة الترجمة ودقتها.

علاوة على ذلك، فإن الاعتماد المتزايد على أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب في البيئات الأكاديمية والمهنية يعكس أهمية هذه التقنيات في تسهيل عمل المترجمين، حيث باتت هذه الأدوات جزءًا أساسيًا من العملية اللغوية، وليس مجرد وسائل مساعدة. فهي تمكّن المترجمين من التعامل مع كميات كبيرة من النصوص خلال وقت قصير، مما يعزز الإنتاجية والدقة في نفس الوقت. ومع ذلك، يظل التساؤل قائمًا حول كيفية الحفاظ على المعايير اللغوية والثقافية، وضمان عدم تأثر جودة النصوص بتدخل الآلات.

ومن ناحية أخرى، تسعى الشركات والمؤسسات اللغوية الكبرى إلى مواكبة هذه التطورات من خلال الاستثمار في تطوير أنظمة الترجمة الآلية الذكية التي يمكنها تقديم ترجمات أكثر دقة وفعالية. إلا أن نجاح هذه الجهود يعتمد بشكل كبير على فهم الخصائص اللغوية والثقافية للغة العربية، وإيجاد توازن بين الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ودور المترجم البشري في توجيه وتقييم هذه الأنظمة. ومن هنا تبرز أهمية هذا البحث في تقديم حلول فعالة وتوصيات مبنية على فهم عميق للتحديات التي تواجه الترجمة الآلية للنصوص العربية، بما يسهم في تحقيق تكامل فعّال بين التكنولوجيا والقدرات البشرية.

أهمية الدراسة:

تنبع أهمية هذه الدراسة من تسليط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة في تحسين ترجمة النصوص العربية، وتحديد التحديات التي تواجه المترجمين والمؤسسات اللغوية في استخدام أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب. تهدف الدراسة إلى تقديم توجيهات واضحة وقابلة للتطبيق، تساعد في تحقيق الاستفادة القصوى من هذه التقنيات دون الإخلال بالجوانب اللغوية والثقافية للنصوص المترجمة.

كما تكتسب هذه الدراسة أهميتها من كونها تناقش واقع الترجمة العربية في ضوء التطورات التقنية، وتسعى إلى سد الفجوة بين المهارات البشرية والابتكارات التكنولوجية، مما يجعلها مرجعًا هامًا للباحثين والمهتمين بتطوير مجال الترجمة، والارتقاء بجودة المحتوى المترجم من وإلى اللغة العربية.

أقسمت هذا المقال إلى مبحثين رئيسيين، حيث يهدف كل مبحث إلى تقديم رؤى معمقة حول موضوع الذكاء الاصطناعي وأدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools) وتطبيقاتها في ترجمة النصوص العربية.

المبحث الأول: المدخل إلى الذكاء الاصطناعي وأدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools): في هذا المبحث، سنستعرض مفهوم الذكاء الاصطناعي وتطوره وأهميته في مختلف المجالات، بما في ذلك مجال الترجمة. سنتناول أيضًا أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools) وخصائصها، وكيف ساهمت هذه الأدوات في تحسين دقة وكفاءة عمليات الترجمة. سنبحث في كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم المترجمين من خلال توفير بيئة عمل تفاعلية تسهل عمليات البحث والمراجعة وتحسين الجودة، مع التركيز على التحديات التي قد تواجه هذه الأدوات في التعامل مع اللغة العربية.

المبحث الثاني: دراسة تحليلية حول ترجمة النصوص العربية باستخدام الذكاء الاصطناعي وأدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools): في هذا المبحث، سنقوم بإجراء دراسة تحليلية لتقييم فعالية الذكاء الاصطناعي وأدوات CAT في ترجمة النصوص العربية. سنتناول كيفية تطبيق هذه الأدوات في ترجمة النصوص المختلفة، مع التركيز على التحديات الفريدة التي تواجه اللغة العربية، مثل التراكيب اللغوية المتنوعة والمعاني الثقافية العميقة. كما سنستعرض بعض النتائج المستخلصة من دراسات سابقة حول هذا الموضوع، وسنناقش كيف يمكن تحسين الأداء من خلال دمج المترجمين البشريين مع التقنيات الحديثة لضمان جودة الترجمة ودقتها.

بهذه الطريقة، نأمل أن نتمكن من استكشاف الأبعاد المختلفة للموضوع، وتقديم تحليل شامل يساهم في فهم كيف يمكن للذكاء الاصطناعي وأدوات CAT أن تُحدث تحولاً في مجال الترجمة، خاصة في ما يتعلق بالترجمة من وإلى اللغة العربية.

المبحث الأول

في هذا المبحث، سأبدأ بتقديم نظرة شاملة حول الذكاء الاصطناعي وأدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools) من خلال تجربتي الشخصية في هذا المجال. لقد أصبحت هذه الأدوات من الأساسيات التي يعتمد عليها المترجمون اليوم، حيث تسهم في تحسين جودة الترجمة وزيادة كفاءتها بشكل كبير. قبل الغوص في تفاصيل أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools) وأدوات الذكاء الاصطناعي، دعوني أبدأ بتعريف كلا المصطلحين:

فتحديد الذكاء الاصطناعي ليس بالأمر السهل؛ في الواقع، لا توجد تعريفات مقبولة بشكل عام لهذا المفهوم. كما أشار راسل إلى أنه “لا يوجد تعريف مختصر ممكن للذكاء الاصطناعي”[1]. وفقًا لجون مكارثي (1956)، فإن “الذكاء الاصطناعي هو علم وهندسة صنع آلات ذكية، وخاصة برامج الكمبيوتر الذكية.”[2] ويشير ستيوارت راسل وبيتر نورفيج في كتابهما Artificial Intelligence: A Modern Approach إلى أن “الذكاء الاصطناعي هو دراسة الوكلاء الذين يتلقون المدخلات من البيئة ويتخذون إجراءات لتعظيم فرص نجاحهم.”[3] أما آلان تورينج (1950)، فقد صرح بأن “يمكننا رؤية مسافة قصيرة أمامنا، لكن يمكننا رؤية الكثير مما يحتاج إلى القيام به.”[4]

تشير هذه التعريفات المختلفة للذكاء الاصطناعي إلى قدرة الآلات أو البرمجيات على أداء المهام التي تتطلب ذكاءً بشريًا. يتضمن ذلك التعلم من التجارب، وفهم اللغة الطبيعية، والتعرف على الأنماط، واتخاذ القرارات. كما يعرّف معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) الذكاء الاصطناعي بأنه “القدرة على إجراء المهام المعقدة التي تتطلب تفكيرًا بشريًا”.[5]

خلال مسيرتي في مجال الترجمة، أدركت أن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة حقيقية في كيفية تعاملنا مع النصوص اللغوية. حيث يوفر للمترجمين مجموعة متنوعة من الأدوات التي تسهل عملية الترجمة، مثل أنظمة الترجمة الآلية، وقواميس المصطلحات، وأدوات تدقيق اللغة. تعزز هذه الأدوات من سرعة العمل ودقته، مما يتيح للمترجمين تقديم نتائج أفضل للعملاء.

أما أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools) فهي تُعد من أهم هذه الابتكارات. توفر هذه الأدوات بيئة عمل متكاملة، تتيح للمترجمين تنظيم مشاريعهم بكفاءة، ومراجعة النصوص، وتطبيق أنظمة الترجمة المساعدة، مما يقلل من الأخطاء ويزيد من الاتساق في الترجمة. تعتبر أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT) جزءًا أساسيًا في عملية الترجمة الحديثة. فهي تعزز الإنتاجية، وتضمن التناسق، وتحسن الجودة العامة للترجمة. من خلال تسهيل التعاون بين المترجمين، تساعد هذه الأدوات في إدارة المشاريع الكبيرة بشكل فعال وتقلل من أوقات التسليم. أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب “هي شكل من أشكال الترجمة يتم فيه استخدام برنامج حاسوبي لدعم وتسهيل عملية الترجمة، وتُعرف أحيانًا بالترجمة بمساعدة الآلة أو الترجمة الآلية المعاونة”.[6]

أدوات CAT هي برمجيات تستخدم لدعم المترجمين في عملية الترجمة. تُعرف هذه الأدوات بأنها برمجيات تدعم المترجمين من خلال توفير ذاكرات الترجمة، وقواعد البيانات المصطلحية، وغيرها من الموارد، مما يساهم في تحسين دقة وكفاءة الترجمة. كما يشير أنطوني بيم، أستاذ دراسات الترجمة، إلى أن “أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب تُصمَّم لتحسين عملية الترجمة، مما يسمح للمترجمين بالتركيز على جودة الترجمة بدلاً من المهام المتكررة. وتسهّل التكامل بين الترجمة البشرية والمساعدة الآلية.”[7]

تجسد هذه التعريفات أهمية أدوات CAT في تعزيز كفاءة ودقة عملية الترجمة، من خلال دعم المترجمين بالموارد اللازمة وإتاحة بيئة عمل تعاونية.

مزايا و مميزات أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب

تحتوي أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب عادةً على ذاكرة ترجمة تُخزّن النصوص السابقة وترجماتها لسهولة الرجوع إليها أثناء العمل. وتُعتبر قواعد المصطلحات أيضًا جزءًا لا يتجزأ من أدوات الترجمة، حيث تعطي المترجمين القدرة على إعداد معاجم ثنائية اللغة خاصة بهم في مجالات مواضيعهم.

يمكن أن تضم أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب العديد من المزايا المختلفة، فبعضها يتعامل مع مختلف أنواع المستندات، مثل عروض الباوربوينت، دون الحاجة لتحويل النص لصيغة ملف مختلفة. وتوفر بعض الأدوات المساعدة على الترجمة إمكانية الوصول إلى قواعد بيانات المصطلحات عبر شبكة الإنترنت أو تساعد المترجم على إدارة ذاكرة الترجمة بشكل أفضل. و من أهم مميزات أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب:

  1. ذاكرة الترجمة (Translation Memory): تعتبر ذاكرة الترجمة إحدى المزايا الأساسية لأدوات CAT. حيث تقوم بتخزين العبارات والترجمات السابقة لتسهيل إعادة استخدامها في المشاريع المستقبلية. كلما زاد استخدام الأداة، زادت فعالية ذاكرة الترجمة من حيث تقليل وقت الترجمة وزيادة الاتساق.
  2. إدارة المصطلحات (Terminology Management): تساعد أدوات CAT في إنشاء وإدارة قواعد بيانات المصطلحات، مما يضمن استخدام المصطلحات الصحيحة والموحدة عبر جميع الوثائق. توفر هذه القواعد الوصول السهل للمترجمين لمصطلحات محددة، مما يزيد من دقة الترجمة.
  3. تدقيق لغوي وملاءمة نحوية (Grammar and Style Checking): تحتوي العديد من أدوات CAT على ميزات تدقيق لغوي تلقائي تساعد في الكشف عن الأخطاء اللغوية والنحوية أثناء الترجمة. تساعد هذه الميزات المترجمين في تحسين جودة النص المترجم وضمان خلوه من الأخطاء.
  4. تنسيق النصوص (Text Formatting): تتضمن أدوات CAT القدرة على الحفاظ على تنسيق النصوص الأصلية، مما يضمن أن النص المترجم يظهر بنفس الشكل والمظهر. هذه الميزة هامة في الوثائق التي تحتوي على تنسيقات معقدة مثل جداول أو رسوم بيانية.
  5. النشر المكتبي (DTP): تسمح لك أدوات CAT بترجمة أي صيغة لمستند وإخراج الترجمة النهائية مع بذل القليل من الجهد على التصميم، مما يحافظ على التنسيق الأصلي.
  6. دعم لغات متعددة (Multi-Language Support): تدعم معظم أدوات CAT مجموعة واسعة من اللغات، مما يسهل على المترجمين العمل على مشاريع متعددة اللغات بشكل فعال. تتيح هذه الميزة للمترجمين نقل النصوص بين لغات مختلفة بسلاسة.
  7. تقارير الأداء (Performance Reporting): تقدم أدوات CAT تقارير مفصلة عن الأداء، بما في ذلك سرعة الترجمة وعدد الكلمات المترجمة. يمكن أن تساعد هذه التقارير المترجمين في تقييم أدائهم وتحسين أساليبهم.
  8. المرونة (Flexibility): يمكن استخدام أدوات CAT في مجموعة متنوعة من أنواع المحتوى، بما في ذلك النصوص التقنية، الأدبية، التسويقية، وغيرها. تتيح هذه المرونة للمترجمين التعامل مع مشاريع مختلفة دون الحاجة إلى أدوات متعددة.
  9. زيادة الإنتاجية (Increased productivity) – عند استخدام أداة الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT)، يعمل المترجم على المحتوى الجديد بينما يستفيد البرنامج من ذاكرات الترجمة (TMs) الموجودة بناءً على حد مطابقة محدد مسبقًا. وهذا يمكّن المترجم من إنجاز الترجمة بسرعة للوفاء حتى بأقصر المواعيد النهائية.[8]
  10. الترجمة الآلية (Machine Translation): تعتبر الترجمة الآلية ميزة اختيارية في أدوات CAT، حيث يمكن استخدامها كنقطة انطلاق للمترجمين، مما يسرّع عملية الترجمة.

هناك العديد من الأدوات التي تندرج تحت مظلة الترجمة المدعومة بالحاسوب، وتختلف هذه الأدوات في وظائفها وميزاتها حسب احتياجات المترجمين والمشاريع. ومع ذلك، هناك بعض الأدوات التي أثبتت فعاليتها بشكل كبير وأصبحت جزءًا أساسيًا في عمل معظم المترجمين المحترفين. يتم استخدام هذه الأدوات عن طريق تثبيتها بجاهز الحاسب الآلي بعد شراءها من أكبر الشركات المصنعة لها. ويعتمد المترجمين حول العالم على هذه الأدوات للحصول على ترجمة صحيحة و سريعة في نفس الوقت. ومن بين هذه الأدوات ما يلي:

SDL Trados (إس دي إل ترادوس): يُعد Trados من أشهر أدوات الترجمة وأكثرها استخدامًا. هذا البرنامج من إنتاج شركة SDL، إحدى أكبر الشركات في مجال برمجيات الترجمة المدعومة بالحاسوب. يتميز Trados بسهولة التعلم والتحكم في ذاكرته الترجمية، ويستطيع قراءة أكثر من 70 صيغة ملف مختلفة.[9]

SmartCAT (سمارت كات): تُعد SmartCAT أداة ترجمة مجانية بالكامل، وتوفر ذاكرة ترجمة قابلة للتعديل. تتميز الأداة بأنها توفر منصة تجمع بين المترجمين والعملاء، مما يسهل العثور على مشاريع الترجمة. كما توفر سعة تخزين مجانية لمشاريع المستخدمين، ويعتمد عليها أكثر من 70 ألف مترجم حول العالم.

MemoQ (ميموكيو): أُطلقت أداة MemoQ في عام 2006 من قبل شركة MemoQ Translation Technologies الهنغارية. وعلى الرغم من أنها ليست معروفة مثل Trados، إلا أنها أداة قوية ومدفوعة تُستخدم من قبل الكثير من المترجمين المحترفين. تأتي الأداة بإصدارين رئيسيين: Translator Pro Editor وProject Manager Edition، وكلاهما يعمل على نظام التشغيل Windows.

XTM Cloud (إكس تي إم كلاود): تُعد XTM Cloud منصة ترجمة سحابية تتيح للمترجمين والمديرين إدارة مشاريع الترجمة بسهولة من أي مكان، وتدعم التعاون بين الفرق. هي منصة شاملة توفر جميع الأدوات اللازمة لإدارة الترجمة بكفاءة على نظام واحد. تشمل ميزاتها أداة الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT)، وذاكرة الترجمة التي تضمن إعادة استخدام النصوص لتعزيز الاتساق، وإدارة المصطلحات لضمان دقة الاستخدام، وأدوات ضمان الجودة للكشف عن الأخطاء وتحسين الدقة. كما تدعم المنصة إدارة المشاريع من خلال تتبع المهام وتوزيعها، وإعداد سير العمل وفق احتياجات كل مشروع، بالإضافة إلى تقارير تفصيلية. يعتمد XTM Cloud أيضًا على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء، ويوفر أدوات لإدارة الاستفسارات، التكاليف، والمستخدمين، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للشركات التي تحتاج إلى حلول سحابية مرنة وقابلة للتخصيص.

Memsource (ميم سورس): توفر Memsource أدوات ترجمة فعالة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتُستخدم على نطاق واسع في الترجمة المؤسسية لزيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف.

Dubverse (دبفيرس): تُركز Dubverse على الترجمة والتعليق الصوتي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتُستخدم بشكل رئيسي في ترجمة المحتوى المرئي والوسائط الرقمية.

Wordfast (ووردفاست): تحتوي على أدوات ذاكرة مستقلة مثل Wordfast Classic، التي تعمل بسهولة مع ملفات Microsoft Word. تُعد هذه الأداة مثالية للمترجمين الذين يفضلون أدوات بسيطة وسهلة الاستخدام.

OmegaT (أوميجا تي): تُعد OmegaT واحدة من أشهر أدوات الترجمة المجانية مفتوحة المصدر، وتُستخدم من قِبل عدد كبير من المترجمين المحترفين. تعمل هذه الأداة على أنظمة تشغيل متعددة مثل Windows، وMac، وLinux.

المبحث الثاني

في هذا المبحث، سنقوم بتحليل ترجمة بعض الجمل من الإنجليزية إلى العربية، مع التركيز على مدى فعالية أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT tools) في تحقيق ترجمة دقيقة ومناسبة. سنستعرض كيف يمكن لبعض الأدوات أن تقدم ترجمات حرفية أو تعتمد على أسلوب الترجمة المعنوية، وسنقارن بينها لتحديد الأداة الأفضل بناءً على جودة الترجمة وسلاستها. من خلال هذه التحليلات، نهدف إلى فهم كيفية تأثير الأدوات المستخدمة على نتيجة الترجمة ومدى دقتها في نقل المعاني والثقافات. الآن دعنا نبدأ في تحليل النصوص.

تحليل ترجمة النص الإنجليزي إلى العربية عبر أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools)

تُعد ترجمة الجمل التي تحتوي على تعبيرات اصطلاحية مثل “It’s been raining cats and dogs” تحديًا في الترجمة بين اللغات؛ إذ تعتمد الترجمة الجيدة على فهم المعنى المقصود وليس الترجمة الحرفية للكلمات. في هذا التحليل، نستعرض مجموعة من الترجمات المقدمة من عدة منصات، بما في ذلك أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools) مثل Trados وMemoQ، والمترجمات الأخرى مثل Google وBing، مع تقييم أدائها.

النص الأصلي: “It’s been raining cats and dogs since this morning!”.

الترجمات المختلفة:

Microsoft Bing: لقد كانت تمطر القطط منذ هذا الصباح!

Google Translate: لقد تم هطول المطر بغزارة منذ هذا الصباح!

Yandex Translate: كانت تمطر القطط والكلاب منذ هذا الصباح!

Reverso: لقد كانت تمطر القطط والكلاب منذ هذا الصباح!

Trados: لقد كان المطر يهطل بغزارة منذ هذا الصباح!

Smartcat: إنه يمطر بغزارة منذ هذا الصباح!

MemoQ: لقد أمطرت بغزارة منذ هذا الصباح!

Matecat: لقد كان يسقط المطر بغزارة منذ هذا الصباح!

Dubverse: لقد كان المطر يتساقط بغزارة منذ صباح اليوم!

المعنى المقصود: التعبير الإنجليزي “raining cats and dogs” هو تعبير اصطلاحي يعني هطول الأمطار بغزارة شديدة، وليس له علاقة فعلية بالقطط أو الكلاب. لذلك، فإن الترجمة المثلى إلى العربية هي: “تمطر بغزارة شديدة منذ هذا الصباح.”

تختلف الترجمات التي قدمتها بعض المترجمات العامة مثل Microsoft Bing وGoogle Translate وYandex Translate. على سبيل المثال، قام Bing بترجمة الجملة إلى: “لقد كانت تمطر القطط منذ هذا الصباح!”، وهي ترجمة حرفية تفتقر إلى الفهم السياقي الصحيح، مما يجعلها غير مفهومة باللغة العربية. ياندكس بدوره قدّم ترجمة مشابهة: “كانت تمطر القطط والكلاب منذ هذا الصباح!”، وهو ما يدل على عدم قدرة النظام على إدراك المعنى الاصطلاحي. هذه الترجمات توضح كيف أن بعض أنظمة الترجمة الآلية تعتمد على الحرفية بدلاً من السياق.

من ناحية أخرى، قدّمت Google Translate ترجمة أكثر قربًا من المعنى الصحيح: “لقد تم هطول المطر بغزارة منذ هذا الصباح!”، إلا أن تركيب الجملة يبدو غير طبيعي تمامًا. كذلك، منصة Reverso استخدمت الصياغة الحرفية في ترجمتها، ما يجعل النص غير مناسب للاستخدام العملي. ومن بين هذه الترجمات، قدّمت Smartcat جملة أقرب إلى الصواب: “إنه يمطر بغزارة منذ هذا الصباح!”، لكن ما زالت هناك مساحة للتحسين في الأسلوب.

أما بالنسبة لأدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools)، فقد قدمت أداءً متميزًا في هذا السياق. Trados، على سبيل المثال، قدّم الترجمة: “لقد كان المطر يهطل بغزارة منذ هذا الصباح!”، وهي ترجمة دقيقة تتجنب الحرفية وتنقل المعنى بشكل سليم. كذلك، جاءت ترجمة MemoQ مشابهة: “لقد أمطرت بغزارة منذ هذا الصباح!”، لكن اختيار الفعل “أمطرت” قد لا يكون هو الأكثر شيوعًا في السياقات اليومية. أداة Matecat استخدمت صياغة قريبة من الأسلوب الطبيعي: “لقد كان يسقط المطر بغزارة منذ هذا الصباح!”، فيما قدّمت Dubverse ترجمة سلسلة وملائمة: “لقد كان المطر يتساقط بغزارة منذ صباح اليوم!”

يتضح من هذه المقارنة أن أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools) مثل Trados وMemoQ وDubverse تتمتع بقدرة أعلى على فهم السياق وتقديم ترجمات دقيقة مقارنة بالمترجمات الآلية العامة مثل Bing وYandex. يعود ذلك إلى أن أدوات CAT تعتمد على ذاكرة الترجمة وتضمن اتساق النصوص، مما يجعلها مثالية للمترجمين المحترفين الذين يسعون إلى الدقة والاتساق في العمل.

تحليل ترجمة النص الإنجليزي “As you sow, so shall you reap” إلى العربية عبر أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools)

يُعد هذا التحليل جزءًا من دراسة أوسع تتناول كيفية ترجمة التعبيرات الاصطلاحية، مع التركيز على ترجمة الجملة الإنجليزية “As you sow, so shall you reap” إلى اللغة العربية. يُعادل هذا التعبير المثل الشعبي بالأردية: “جیسی کرنی ویسی بھرنی”. يهدف هذا التحليل إلى استكشاف كيفية تميز الترجمات المختلفة في نقل المعنى المقصود ومدى اقترابها من روح النص الأصلي، بالإضافة إلى انسجامها مع القيم الثقافية واللغوية التي نجدها في الأحاديث النبوية، مثل: “كُنْ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَزْرَعُ كَذَلِكَ تَحْصُدُ”[10]، أو “كما تدين تدان”[11].

المعنى المقصود: يشير هذا التعبير إلى أن عواقب الأفعال تعود على صاحبها، فما يقوم به الإنسان اليوم سيحدد ما سيجنيه في المستقبل. ويعادل هذا المفهوم في العربية الأمثال المعروفة: كما تزرع تحصد و كما تدين تُدان. فالتعبير يؤكد على أن النتائج تأتي وفقًا للأفعال، وأن الخير أو الشر الذي يقوم به الإنسان يعود إليه بنفس المقدار.

الترجمات المختلفة:

Microsoft Bing: كما تزرع حتى تحصد

Google Translate: كما تزرع تحصد

Yandex Translate: كما تزرع حتى تحصد

Reverso: كما تزرع حتى تجني

Trados: كما تزرع تحصد.

Smartcat: كما تزرع كذلك تحصد

MemoQ: ما تزرعه تحصده

Matecat: على قدر ما تزرع، تحصد.

Dubverse: ما تزرعه هو ما تحصده.

تحليل أداء الترجمات المختلفة لجملة “As you sow, so shall you reap” يُظهر تباينًا في فهم المعنى المقصود ومدى الدقة في نقل العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة. بالنسبة إلى ترجمة Microsoft Bing وYandex Translate التي جاءت بصيغة “كما تزرع حتى تحصد”، فهي تُعد ترجمة حرفية غير موفقة. إذ أن استخدام كلمة “حتى” يوحي بشرطية الحصاد بناءً على زراعة معينة، وهو ما لا يتوافق مع المعنى الأصلي الذي يؤكد على وجود علاقة سببية مباشرة وغير مشروطة بين الفعل والنتيجة.

أما ترجمة Google Translate وTrados التي جاءت بصيغة “كما تزرع تحصد”، فقدمت ترجمة دقيقة ومباشرة تنقل المعنى بوضوح. هذه الصيغة شائعة في اللغة العربية وتُعد مكافئة لتعبير ديني مألوف: “كما تُدين تُدان”، الذي يعكس فكرة عدالة الجزاء، حيث يعود كل فعل على صاحبه بنفس المقدار. وتظهر ترجمة Trados وعيًا بالسياق اللغوي والثقافي، مما يجعلها خيارًا موثوقًا ومناسبًا.

وفيما يتعلق بترجمة Reverso، التي استخدمت عبارة “كما تزرع حتى تجني”، فهي جيدة من حيث البناء اللغوي، لكنها قد تُوحي بمعنى مادي أو اقتصادي أكثر مما يُراد إيصاله في السياق الأخلاقي أو السببي للتعبير الأصلي. ولذلك، قد لا تكون هذه الصيغة الأمثل إذا كان الهدف هو التركيز على العلاقة الأخلاقية بين الفعل والنتيجة.

أما ترجمة Smartcat التي جاءت بصيغة “كما تزرع كذلك تحصد”، فهي قريبة جدًا من الحديث الشريف: “وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَزْرَعُ كَذَلِكَ تَحْصُدُ”. يُظهر استخدام كلمة “كذلك” تناغمًا سببيًا واضحًا بين الفعل والعاقبة، بما يعكس عمق المعنى الأخلاقي والديني الموجود في الثقافة الإسلامية. هذه الترجمة ليست دقيقة فحسب، بل تنقل أيضًا روح التعبير الأصلي وتنسجم مع القيم الثقافية والدينية.

من ناحية أخرى، قدّمت MemoQ وDubverse ترجمتين واضحتين؛ جاءت ترجمة MemoQ بصيغة “ما تزرعه تحصده” وهي صيغة موجزة ومباشرة، في حين استخدمت Dubverse جملة ذات طابع تأكيدي أقوى: “ما تزرعه هو ما تحصده”، مما يعزز العلاقة بين الفعل والنتيجة. هاتان الترجمتان، رغم اختلاف طفيف في الأسلوب، تنقلان المعنى الأصلي بدقة وتشابهان الحديث الشريف من حيث تأكيد العلاقة السببية.

وفيما يتعلق بترجمة Matecat التي جاءت بصيغة “على قدر ما تزرع، تحصد”، فقد أضافت هذه الصيغة بُعدًا كميًا أو نوعيًا للعلاقة بين الزرع والحصاد. ورغم أن هذا التأويل قد يكون مفيدًا في سياقات معينة، إلا أنه لا يعكس بدقة المعنى الأصلي الذي يركز على السببية المباشرة بين الفعل والنتيجة.

بالمجمل، تُعد ترجمات Smartcat وTrados وDubverse هي الأقرب إلى الحديث الشريف: “وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَزْرَعُ كَذَلِكَ تَحْصُدُ”[12]، حيث تنقل هذه الترجمات فكرة أن النتائج تأتي وفقًا للأفعال التي يقوم بها الإنسان. كما تتماشى هذه الترجمات مع التعبير العربي الشائع “كما تدين تُدان”، مما يعكس ليس فقط العلاقة السببية، بل أيضًا فكرة العدالة الأخلاقية التي يتضمنها السياق الديني والأخلاقي.

ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن نعتمد بالكامل على الأدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (CAT Tools) أو الترجمة الآلية، إذ إن الترجمة بمختلف أنواعها – سواء كانت تحريرية أو شفهية أو آلية أو علمية أو تقنية أو أدبية أو طبية أو عسكرية أو فقهية – ليست مهمة سهلة. بل هي عملية معقدة للغاية تتطلب مهارات وخبرات عميقة. فالمترجم لا بد أن يمتلك القدرة على تقديم ترجمة صحيحة، وهو أمر لا يتحقق إلا بإجادة تامة للغة المصدر كلغته الأم، مما يُمكّنه من فهم المعاني والمصطلحات بدقة. وإتقان الترجمة ليس مسألة نظرية فحسب، بل يحتاج إلى تدريبات مكثفة وممارسة مستمرة لفترة طويلة.

الترجمة تتكوّن من عمليتين أساسيتين: فهم النص الأصلي والتعبير عنه باللغة الهدف. أي خلل في واحدة من هاتين العمليتين سيؤدي إلى ترجمة غير دقيقة. فإذا لم يفهم المترجم النص الأصلي فسيخفق في تقديم ترجمة جيدة؛ لأن الترجمة هي في حقيقتها تفسير للمعاني بلغة أخرى. وعلى الجانب الآخر، إذا لم يكن المترجم بارعًا في التعبير باللغة الهدف – سواء على المستوى المعجمي أو المصطلحي أو التركيبي أو الأسلوبي – فإنه سيقع في أخطاء فادحة، بعضها قد يبدو مضحكًا أو يسبب تشويشًا وإزعاجًا.

إضافة إلى ذلك، يجب على المترجم أن يكون مدركًا لقواعد اللغتين العربية والإنجليزية على حد سواء، ليتمكن من الربط بين اللغتين بشكل متقن. فقد يكون المترجم متمكنًا من اللغة الإنجليزية، لكنه يعاني من ضعف في إتقان اللغة العربية، مما يؤدي إلى اختلال في اختيار العبارات والجمل المناسبة أثناء الترجمة.

إن المشاكل التي قد تنشأ في عملية الترجمة تعود إلى أن المكافئ المعنوي (Semantic Equivalent) في اللغة الهدف قد لا ينقل الرسالة بنفس الدقة التي جاءت في النص الأصلي. وقد تختلف القوالب اللغوية والأساليب بين اللغتين، أو تكون المعلومات والافتراضات المشتركة بين المترجم والقارئ غير متطابقة. هذه التحديات تصبح أكثر تعقيدًا إذا كانت الثقافات بين اللغتين، مثل العربية والإنجليزية، مختلفة بشكل جذري. فاختلاف البنية اللغوية والأسلوبية بين اللغتين يجعل عملية الترجمة بينهما صعبة وتتطلب مهارة فائقة. يمكن تصنيف الصعوبات والمشكلات التي تواجه المترجمين إلى أربعة أقسام رئيسية:

  1. مشاكل الألفاظ أو المفردات / Lexical problems

ومن المشاكل التي تصادفها الترجمة هي اختلاف المعاني بين المترادفات في اللغة الواحدة. فعلى المترجم أن يهتم بتوافق معنى الكلمة مع سياق الجملة؛ لأن السياق في اللغة العربية هو المحدد الأساسي لطبيعة الأسلوب. وفي حالة الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية والعكس، قد يتعرض المترجم لوجود مفردة في اللغة الإنجليزية لها أكثر من معني، لذا ينبغي أن يستخدم المعنى الذي يتناسب مع النص المترجم، واختيار الكلمة المناسبة والأقرب في المعنى. فقد يراد من  كلمة “رياضة” -مثلًا- الرياضة بدنية أو الرياضة روحية أو  الترويض أو مادة الرياضيات، فإذا ما حصرنا معناها في أنها رياضة بدنية، وبدأنا في عملية تحليل معنى هذا المصطلح ومحاولة إيجاد ما يعادله في اللغة الإنجليزية، نجد أن المقابل هو sport. وفي المقابل قد تكون كلمة Bank  ركامًا أو منحدرًا أو شاطئًا أو صفًّا أو مصرفًا، فإذا ما حصرنا معناها في الجزء من الأرض الممتد امتداد النهر؛ كان المقابل باللغة العربية هو شاطئ. وهكذا فلا بد للمترجم من السير وفق هذه الاستراتيجية لكي يتجنب الوقوع في الأخطاء، ولكي تكون ترجمته أقرب شيء إلى الصواب.

قد يقع المترجم في الترجمة الحرفية للنصوص التي تقوم على نقل النص كلمة بكلمة دون مراعاة اختلاف الأساليب اللغوية من لغة إلى أخرى، إلا أنه ينبغي على المترجم أن يراعي المعنى الذي يريده الكاتب، وأن يترجم روح النص معنى وتعبيرًا. وعادةً ما تكون الترجمة الحرفية من اللغة العربية إلى الإنجليزية والعكس سيئة. فمثلا هناك بعض الكلمات يمكن أن تختلف معانيها باختلاف الحالات التي تذكر فيها، مثل:

Section > باب – شعبة – جزء

Record > وثيقة – ملف – محضر

هيئة > authority – agency – organization

ولا بد هنا من اختيار المعنى المناسب حسب السياق الذي وردت فيه الكلمة.  وتأتي هنا صعوبة أخرى في اختيار المعنى المراد من الكلمة بين المعاني الموضوعة لها في القاموس. وعلى سبيل المثال، نجد في الجملة:

“Dozens of people were killed”  أن كلمة dozen تعني “اثنا عشر”. ولا يمكن في هذا السياق ترجمة الجملة هكذا: “قتل اثنا عشرات من الناس”، وإنما يجب البحث عن أقرب عدد في اللغة العربية مقابل لهذا العدد، وهو الرقم “عشرة”. وبذلك يمكن ترجمة الجملة السابقة هكذا: ” قُتل عشرات الأفراد”.

وهناك بعض الكلمات التي لا تقبل الترجمة من منظور ترجمة الكلمة، أي بكلمة واحدة مقابلة، فمثلا كلمة privatization  قد وضعت لها ترجمات عديدة في اللغة العربية، مثل “الخصخصة” أو “التخصيص” أو “التخصيصية”. وهذه كلها ترجمات غير دقيقة للكلمة، ذلك أن اللغة الإنجليزية تميل لإضافة الزوائد affixes -سواء كانت بوادئ prefixes أم لواحق suffixes – إلى الكلمة الأصلية، حتى تتم مواءمة استخدامها في موقعها من الجملة. ولذلك تعتبر أكثر من كلمة واحدة وإن بدت في ظاهرها غير ذلك. وبذلك تكون الترجمة الدقيقة للكلمة السابقة “التحول للقطاع الخاص”.[13]

وهكذا نجد أن ترجمة الكلمة بالكلمة لا يعد في أحيان كثيرة أسلوبا صحيحا، إذ إنه لا يعكس المكافئ المباشر وفقا لكل من خصائص اللغة وثقافتها.

ننتقل بعد ذلك إلى صعوبة أخرى تتمثل في اختيار المعنى المراد من الكلمة من بين التعبير الاصطلاحي idioms. وتمتاز كل لغة بوجود بعض التعبيرات التي اصطلح على معنى معين لها، وفي مناسبة مشابهة لتلك التي قيل فيها. ويعد التعبير الاصطلاحي وحدة بنيوية مترابطة، لا يصح تغيير كلماته بكلمات أخرى، أو تقديمها أو تأخيرها عن مواضعها، ومن ذلك تعبير: “وضعت الحرب أوزارها”، بمعنى انتهت وتوقفت، فهنا لا نستطيع تغيير كلمات هذا التعبير لنقول مثلا “حطت الحرب أوزارها”، أو “وضعت المعركة أوزارها”، أو “وضعت الحرب أثقالها”.

ومن الشائع أن مثل هذه التعبيرات الاصطلاحية لا تقبل الترجمة، وتنشأ الصعوبة أثناء ترجمة هذا النوع من التعبيرات عادة بسبب عدم الإطلاع على ثقافات شعوب مختلفة تتحدث بلغات أخرى. ولذا على المترجم أن لا يكتفي بالتحكم في اللغتين المنقولة والمنقول إليها، بل يتمتع كذلك بحس ثقافي في اللغتين معاً، وأول شيء يجب عمله عند ترجمة أحد التعبيرات الاصطلاحية، هو البحث عن التعبير الاصطلاحي المقابل في اللغة الأخرى. حينما لا نجد المقابل فعلينا أن نحاول ترجمة التعبير الاصطلاحي المذكور ترجمة عادية، مع إيضاح كل المعاني المتضمنة فيه لتظهر في الترجمة. فمثلا: “إذا بليتم فاستتروا”، إذ له مقابل في الإنجليزية، فلا ضرورة للمحاولة المترجم ترجمته من نفسه، ومقابله هو: When the ass kicks, never tell

ويأتي في المقابل فالتعبير الاصطلاحي:  “It is raining cats and dogs”. فالمعنى الحرفي له هو: تمطر قططا وكلابا، ولكن المعنى الاصطلاحي هو: تمطر بغزارة.

وحينما لا يمكن ترجمة مثل هذه التعبيرات بصورة مباشرة، فيمكننا أن نحتفظ بالكلمة الأصلية بعد وضعها بين علامتي تنصيص، أو نحتفظ بالتعبير الأصلي مع وضع ترجمته الحرفية بين قوسين.

  • مشاكل النحو أو التركيب اللغوي / Grammatical and structural problems

تحدث مثل هذه المشاكل النحوية خلال الترجمة نتيجة التعقيدات النحوية للغة المصدر واختلافها مع نحو اللغة الهدف. ومن بين أهم هذه المشاكل:

ترجمة الأزمنة:  ففي اللغة الإنجليزية لا يوجد سوى شكلين اثنين للفعل، وهما :

مضارع / present

ماض / Past

He likes / takes

He liked / took

ويمكن التوصيل إلى تقسيمات أخرى للفعل، وهي the perfect و the progressive باستخدام فعلين من الأفعال المساعدة auxiliaries وهما to be و to have. ويُستخدم للإشارة إلى الزمن في المستقبل shall و will.

ترجمة الصفات والأحوال المركبة: إن ترجمة الصفات والأحوال المركبة قد تمثل عقبة أمام المترجم إذا لم يستطيع إيجاد المرادف المقصود في اللغة الهدف بالإضافة إلى مشكلة ترجمة الضمائر.

كما توجد صعوبات نحوية كبيرة في الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، تتمثل في تأخر الصفة على الموصوف، ذلك أنه في اللغة الإنجليزية لا بد أن تتقدم الصفة على الموصوف. ومثال ذلك في العربية: الرجل الكبير. وتتمثل كذلك في تأخر الفاعل في الجملة الفعلية. فيقال مثلا: لا يلبث أن ينكشف زيفه. ومن المعلوم أن الجملة الإنجليزية تبدأ بالفاعل، وهكذا.

واللغة العربية ملأى بالاختلافات الدقيقة، وتمتاز كل من الأسماء والأفعال فيها بالمرونة. وتظهر عدم القابلية للترجمة حينما يكون من المستحيل إيجاد خصائص معادلة من الناحية الوظيفية للحالة المعروضة في نص اللغة المصدر فيمكن نقلها إلى المعنى السياقي في نص اللغة المنقول إليها. مثلا نقول في الإنجليزية: “My father is a teacher”، ويقابلها في اللغة العربية: “والدي معلم”. وهكذا يتضح الفرق بجلاء بين سياق اللغتين، فلا يوجد في جملة العربية فعل أو أداة للتعريف والتنكير.

وكذلك قد يواجه المترجم مشاكل وصعوبات في ترجمة الجمل الاسمية والفعلية وكذا الجمل الشرطية. فلا بد إذا أن يكون المترجم على علم بالمعاني والكلمات والقواعد النحوية والمحددات اللغوية في اللغة الأصلية واللغة المنقول إليها.

  • مشاكل الأسلوب / Stylistic problems

إن الأسلوب أو طريقة كتابة نص ما في لغة المصدر يمكن أن يخلق مشاكل وصعوبات مختلفة للمترجم، وذلك حين تظهر كلمة أو جملة على غير الاعتياد في مقدمة الجملة، مثل: “التفاحة أكلت” بدلا من “أكلت التفاحة”. والغرض من هذا الضرب من الكلام هو التأكيد على ما قُدِّم من الكلام فاعلا كان أو مفعولا به، فالغرض هنا التأكيد على التفاحة وليس الأكل.

ومثال آخر هنا: The government and people of India فإن البعض يترجم هذه العبارة المذكورة هكذا: “حكومة وشعب الهند”، لكن الصواب في اللغة العربية هو: “حكومة الهند وشعبها”.  فهذا يعني إضافة مضاف واحد إلى المضاف إليه، وإضافة المضاف الآخر إلى ضمير يعود على ذلك المضاف إليه.

وهناك اختلافات أخرى بين العربية والإنجليزية من حيث نظام الزمن، مبني للمعلوم أو مبني للمجهول، التعريف أو التنكير، والتركيز، واستخدام الأسماء الموصولة، وغيرها من الاختلافات.

  • مشاكل الثقافة / Cultural problems

قد يواجه المترجم بعض التحديات الثقافية أمام بعض العبارات العربية التي ليس لها ما يقابلها في اللغة الإنجليزية، وكذلك العبارات الإنجليزية التي ليس لها ما يقابلها في اللغة العربية. وفي حال لم يكن المترجم قادرا على فهم ثقافة اللغة التي يترجم منها فقد يقع في سوء الفهم. ويرتبط هذا الموضوع بمشكلة عدم قابلية ترجمة untranslatability تلك الكلمات من اللغة المصدر Source Language إلى اللغة المنقول إليها Target Language. فعلى سبيل المثال، مصطلح التيمم، وهو “ممارسة طقوس الوضوء باستخدام الرمل أو الغبار بدلاً من الماء في حالة عدم توفر مياه صالحة للوضوء”، وهو من المصطلحات التي ليس لها مفهوم مماثل في اللغة الإنجليزية. كذلك هناك كلمات أخرى في الدين الإسلامي مثل “مفتي” و “زكاة” و “عدة” و “محلل” و “سلطان” ليس لها مفهوم مماثل في اللغة الإنجليزية.

وبالمثل في الثقافة الأوربية، هناك مفهوم boy friend و girl friend، وهي مفاهيم غير موجودة بالمرة في الثقافة العربية. أما في الثقافة الهندية؛ هناك كلمات مثل “سندور” و “ساري” ليس لها مقابل في اللغة العربية والإنجليزية.[14]

وكذلك قد يترجم بعض المترجمين مصطلح Secretary Under الأمريكي إلى  “السكرتير الأسفل” بدلًا من  “نائب الوزير”؛ وذلك بسبب قلة الاطلاع  وضعف الثقافة العامة، وقد تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي تستعمل كلمة “سكرتير” بمعنى “وزير”.

هكذا يقع بعض المترجمين في أخطاء عند ذكر المصطلحات،  وأحيانا يصطنعون كلمات لها من عندهم. 

وأحد الحلول المقترحة لعلاج هذه المشكلة هو أن نلجأ إلى أسلوب transliteration، أي كتابة الكلمة في اللغة المنقول إليها Target language حسب طريقة نطقها في اللغة المصدر Source language. ويمكن شرح هذه الكلمة بين قوسين أو في الهوامش.  فمثلا كلمة “عدة” يمكن ترجمتها بالكلمة iddat مع إعطاء شرحها هكذا: The period during which a divorced or widowed woman cannot be married (in Islam). وكذلك يمكن ترجمة كلمة “سندور” بالكلمة “Sindoor” مع شرحها هكذا:  Sindoor is a traditional red or orange-red colored cosmetic powder from India, usually worn by married women along the parting of their hair. 

خاتمة:

وختامًا، يتناول البحث تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي في عملية الترجمة، مسلطًا الضوء على دورها في تعزيز الكفاءة والدقة. يركز البحث على فوائد أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب، مثل ذاكرة الترجمة وقواعد المصطلحات، وكيف تسهل الحصول على ترجمات أفضل. كما يهدف البحث إلى توضيح الفرق بين الترجمة الآلية والترجمة المدعومة بالحاسوب، مؤكدًا على أهمية الرقابة البشرية في عملية الترجمة. علاوة على ذلك، يقدم البحث تطبيقات عملية، مبرزًا كيفية دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في سير العمل المختلفة للترجمة لتحسين الإنتاجية. في النهاية، يسلط البحث الضوء على أهمية احتضان هذه التقدمات التكنولوجية من أجل رفع جودة خدمات الترجمة.

) محمد أويس، الباحث بقسم الدراسات العربية، جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، حيدرآباد(

هوامش:


[1] Russell, S. Human compatible: Artifcial Intelligence and the problem of control. London: Penguin, 2020.

[2] McCarthy, J. “A Proposal For The Dartmouth Summer Research Project On Artificial Intelligence.” AI Magazine, vol. 27, no. 4, 2006, pp. 12-14.

[3] Stuart Russell & Peter Norvig. Artificial Intelligence: A Modern Approach. Hyderabad: Pearson Education, 2021.

[4] Turing, A. M. “Computing Machinery And Intelligence.” Mind A Quarterly Review Psychology And Philosophy, vol. 59, no. 236, 1950, pp. 433-460.

[5] IEEE. Semiconductors and Artificial Intelligence. https://irds.ieee.org/topics/semiconductors-and-artificial-intelligence.

[6] Michał Kornacki, Computer-Assisted Translation (CAT) Tools in the Translator Training Process. Bristol: Peter Lang, 2018. P. 104.

[7][7] ينظر: أنطوني بيم. المنهج في تاريخ الترجمة. القاهرة: المركز القومي للترجمة. 2010.

[8] Michał Kornacki, Computer-Assisted Translation (CAT) Tools in the Translator Training Process. Bristol: Peter Lang, 2018. P. 105.

[9] ينظر: منى عبده الزغير عبده عبد الله. أدوات الترجمة المدعومة بالحاسوب (الميوموكيو/MemoQ). المجلة العربية علم الترجمة، العدد الثاني. يوليو، 2022. صص. 86-96.

[10] ينظر: أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل البخاري. الأدب المفرد. المملكة العربية السعودية: دار الصديق للنشر والتوزيع، 1997. رقم الحديث: 138.

[11] ينظر: ابن عدي. الكامل في ضعفاء الرجال. الكتب العلمية – بيروت-لبنان. 1997. ص 350. (حديث ضعيف أو موضوع وباطل عند البعض. وأورده السيوطي في “ذيل الأحاديث الموضوعة” ( ص 149 رقم 728 ) وقال: “إنه من أباطيل إسحاق بن نجيح”)

[12]ينظر: أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل البخاري. الأدب المفرد. المملكة العربية السعودية: دار الصديق للنشر والتوزيع، 1997. رقم الحديث: 138.

[13]ينظر: يوسف، محمد حسن. كيف تترجم؟. الكويت. 2006. ص. 99

[14] ينظر: المرجع نفسه، ص. 104.