نورة الصديق
ملخص البحث:
انتشر الأدب الرقمي وتطور بتطور التكنولوجيا وتقدم وسائلها حتى شمل كل مواقع التواصل الاجتماعي كلها وأصبح له جمهوره الخاص ومريدوه من الكتاب الأدباء، والتجأوا إلى المكتبات بالمواقع الإلكترونية لتقريب رؤاهم ومواقفهم للقارئ، ستعمل هذه المقالة على كشف مفهوم مصطلح الأدب الرقمي ودواعي انتشاره وخصائصه وأدواته وأنواعه المتعددة، واتخذت هذه المقالة القصة القصيرة جدا الرقمية أنموذجا بوصفه نوعا أدبيا رقميا يستهوي المتلقي الشغوف بالإبحار في العوالم الزرقاء والتجول داخل الشبكة العنكبوتية للبحث عن نصوص أدبية تلائم قدراته وتشفي غليله عبر مواقع مختلفة لرصد خصائص وأركان هذا اللون الأدبي الرقمي جديد، وإبراز الطريقة الرقمية الجديدة لسرده، وأهم التقنيات التي وظفها الكتّاب مثل الصور والموسيقى والفيديو والأصوات والوسائل السمعية والمرئية، مواكبين عصر السرعة والتحول والرقمنة، مما يجعل هذا الأدب أدب المستقبل يتم تطوير تجاربهم في ظل تحول المواقع الرقمية وتفاعلهم مع النص والقارئ وحسب تغير أنماط الحياة اليومية والهوية والأفكار …
الكلمات المفتاحية: الأدب الرقمي، الماهية، الرقمية، القصة القصيرة جدا.

مقدمة:
يرتبط التطور التاريخي للمعرفة وللحضارة عامة بتطور الفكر البشري وآليات تفكيره وأشكال تعبيره بفعل سعيه إلى تجديد رؤاه وانفتاحه على الخلق والإبداع والابتكار معبرا عن وعيه الكبير لهذا الانتقال، لتتجلى ثقافة رقمية وتكنولوجية جديدة غيرت منظومة سلوك الفرد والمجتمع في ظل فضاء معلوماتي معرفي رحب وخصب، وفي ظل تحول أدوات التواصل التي ساهمت في تطور أشكال التعبير المعبرة عن التحول السريع للتقنية والمعرفة ورؤيا العالم. أصبح فيه الأدب الرقمي مجالا مبتكرا في عالم الأدب ليستفيد من تطور التكنولوجيا الحديثة، ويواكب التحولات التكنولوجية، ويستثمر الكتاب تطوره لتحديثه أكثر وتعزيز استخدامه حسب تنوعه في تواز مع تطور البحث العلمي.
انتشر الأدب الرقمي بعد ظهوره منذ بداية الثمانينات، وأخذ مساحة واسعة بتطور التكنولوجيا ووسائلها حتى شمل كل مواقع التواصل الاجتماعي كلها وأصبح له جمهوره الخاص ومريدوه من الكتاب الأدباء (شعراء وروائيون وقصاصون)، منهم من تخلى عن الورقة والقلم والتجأ إلى هذه المكتبات بالمواقع الإلكترونية لتقريب رؤاهم ومواقفهم بأقصى سرعة، ومنهم من يكتب وينشر ورقيا وإلكترونيا، ومن اقتصر فقط على النشر الورقي…هذه المواقف المختلفة أفرزت آراء لنقاد ومختصين ومثقفين وأسماء ومصطلحات وتعاريف مختلفة ومتباينة أثرت على الساحة الثقافية والأدبية العربية في ظهور رواد لهذا الأدب الجديد الذي ستعمل هذه الورقة على كشف مفهوم مصطلح الأدب الرقمي من خلال جرد تعاريف بعض الكتاب والمهتمين به لرسم صورة واضحة عن مفهومه ودلالته ودواعي انتشاره وخصائصه، بعد أن تبلورت الإشكالية التالية: ما
- ـ مفهوم الأدب الرقمي
حظي الأدب الرقمي باهتمام مجموعة من الكتاب والدارسين وبالحديث عن مفهومه ومعانيه منذ ظهور الإنترنيت لتعدد أسمائه ومصطلحاته منها: أدب الإنترنيت، أدب الرقمنة، أدب التواصل الاجتماعي، الأدب التفاعلي، أدب البرامج والوسائل الإلكترونية، ومن بين الدارسين الذين عرّفوا مفهوم الأدب الرقمي نورد بعض التعاريف الدقيقة والواضحة للمتلقي منها:
تعريف مشتاق عباس معن: يقول “هو النص الذي يستعين بالتقنيات التي وفرتها تكنولوجيا المعلومات وبرمجيات الحاسوب الإلكتروني لصياغة هيكلته الخارجية والداخلية والذي لا يمكن عرضه إلا من خلال الوسائط التفاعلية الإلكترونية كالقرص المدمج والحاسوب الإلكتروني أو الشبكة العنكبوتية”[1]
في حين يرى السيد نجم أنه: كل نجم ينشر إلكترونيا سواء كان على شبكة الإنترنيت، أو على الأقراص المدمجة، أو عبر الكاتب الالكتروني أو البريد الإلكتروني وغيره في وسائل النشر الإلكتروني”[2]،أي أن هذه وسائل التواصل تسهم في نشر الأدب التفاعلي وذيع صيته ليوسع من قاعدة قرائه….
وفي تعريف فاطمة البريكي تقول فيه: “هو ذلك النمط من الكتابة الشعرية لا يتجلى إلا في الوسط الإلكتروني، معتمدا على التقنيات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة ومستفيدة من الوسائط الإلكترونية الحديثة المتعدد في ابتكار أنواع مختلفة من النصوص تتنوع في أسلوب عرضها وطريقة تقديمها للمتلقي”[3]،فالمبدع ينتج أدبه إلكترونيا، أي أن كل نص منشور عبر الوسائل الالكترونية تتفاعل معها المتلقي ويعلق بها أو يضيف إليها أو يشارك في إعادة إنتاجها من جديد إبداعًا أو دراسةً أو نقدًا، وهذا يجعل الأدب الرقمي يلعب دورًا مهما في إيصال إبداع الكاتب إلى المتلقي في أقصى سرعة ليتلقى آراءه وأفكاره.
ويعرفه أمجد حميد الله بأنه: “الأدب الذي يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة في تقديم جنس جديد يجمع بين الأدبية والإلكترونية، ولا يمكن أن يأتي لمتلقيه إلا عبر الوسيط الإلكتروني، أي من خلال الشاشة الزرقاء”[4]
بينما تعرفه الدكتورة زهور كرام قائلة “هو الذي يؤلف النص الرقمي يكون مستثمرا وسائل التكنولوجيا الحديثة ومشغلا على تقنية النص المترابط وموظفا مختلف أشكال الوسائط المتعددة وهو الذي يؤلف بين مجموعة من المواد ( اللغة، الصوت، الصورة، الوثائق، لغة البرامج) ليتيح للمتلقي حالة نصية تخييلية غير خطية لا يتحقق نوعها وجنسها التعبيري إلا مع القارئ”[5] وهو بمثابة انتقال سياقي وبنيوي ولغوي وأسلوبي في الظاهرة الأدبية”[6]، إذ تؤكد أن “الأدب الرقمي أو المترابط أو التفاعلي الذي يتم في علاقة وظيفية مع التكنولوجية الحديثة، لا شك أنه يقترح رؤى جديدة في إدراك العالم.”[7]
ويرى الناقد سعيد يقطين أنّ هذا الأدب “لا يتخلق إبداعًا وتلقيًا إلا من خلال الحاسوب الذي يحقق نتيجة التطور الحاصل على مستوى تكنولوجيا الإعلام والاتصال”[8] وقد أعدّه أدبًا جديدا و” ممارسة جديدة هي الآن بصدد تشكيل تاريخها المميز يشارك فيه المتلقي ويتفاعل معه وينتج أيضا”[9]
فالأدب الرقمي لون أدبي جديد انبثق من معين التكنولوجيا لا يقدم في صيغته الورقية، بل يولد في صيغته الإلكترونية وانتشر في الأوساط الأدبية الإلكترونية بفضل مهارة المتمكن من استخدام الحاسوب، ووسيلة هذا الأدب اللغة يعبر بها الكاتب عن الحياة والواقع والتجارب بلغة رقمية مشفرة، موظفا وسائط مختلفة، ومتيحا للمتلقي التنقل من روابطه المختلفة من خلال كلمات أو عبارات أو عناوين إلى نصوص أو مقالات في صفحات أو مقالات في صفحات أو مواقع أخرى تخول الولوج إليها بطريقة مسيرة وبدون عناء البحث.
- أنواع الأدب الإلكتروني
تنوعت المصطلحات والأسماء التي تطلق على الأدب الرقمي وانتشرت بين الكتاب والدارسين حسب مواضيع دراساتهم وزوايا نظرهم منها: الأدب الرقمي، أدب الأنترنيت، الأدب الآلي، الأدب التفاعلي، أدب الصورة الرقمية، النص المترابط، أدب الصحافة، الأدب الإعلامي، أدب الهاتف الذكي، الأدب التفاعلي كلها “تهتم بالعلاقة التفاعلية بين الراصد والنص على مستوى التصفح والتلقي والتقبل”[10]
يعتمد الأدب الرقمي عامة وكل أنواعه على وسائل الإعلام، ينشر ويوزع في كل مكان وزمان، وتتم علاقة تفاعل بين الكاتب والناشر والتلقي الرقمي، تتعدد وسائطه من صورة ونص وصوت، يترابط مع مجموعة ويتشعب مع مجموعة من النصوص التفاعلية ويتشابك بينها حسب جنسه الأدبي شعرا أو رواية أو قصة قصيرة ودراسات نقدية مختلفة، ومن أنواع الأدب الرقمي:
- الأدب الرقمي التفاعلي وهو الأدب الذي يتم إنتاجه ونشره على الإنترنيت، فيه يتفاعل القراء مع الكاتب عن طريق التعليقات والردود والأسئلة تفاعلا مباشرا أو غير مباشر من خلال نشر إبداع الكاتب وبتفاعله معه بطريقة خاصة أو تفاعله مع الكتاب الآخرين والقراء.
- الأدب الرقمي البصري: يستخدم هذا الأدب التفاعل مع المتلقي القارئ الصور والأفلام والقصص المصورة والرسوم المتحركة…
- الأدب الرقمي الصوتي: هو أدب ينتجه الكاتب عن طريق الصوت، وينشر القصص المسموعة والروايات الصوتية والقصائد الملقاة بالصوت والصورة….
- إن الأدب الرقمي يلعب دورا مهما بتعدد مواقع التواصل الاجتماعي وتطور المجتمع، له تأثير كبير على الواقع المجتمعي لتوسع مساحاته وانفتاحه على برامج التواصل الاجتماعي بإيجابياته وسلبياته.
دواعي انتشار الأدب الرقمي
انتشر هذا الأدب كالنار في الهشيم في المجتمع العربي بسرعة توازي سرعة العصر وتطور المجتمع لأسباب عديدة منها:
- غلاء أسعار دور النشر تعقد استراتيجيتها التسويقية بالطبع تحُول دون نشر الكتاب لإبداعاتهم، ولجوئهم إلى منصات التواصل للنشر والترويج والتسويق لأعمالهم المنشورة إلكترونيا أو حتى ورقيا…
- سمات العصر السريعة تفرض الاستهلاك الإلكتروني بدل الورقي لدواع اجتماعية واقتصادية..
- التطور التكنولوجي والمعلوماتي وانتشار الحاسوب الآلي وجعله مكتبة ضخمة أثر على الجانب الثقافي للمجتمعات.
- تنظيم الجامعات العربية للندوات والمؤتمرات في موضوع الأدب الرقمي.
- كثرة الدراسات الأدبية والنقدية وانتشارها حول نفس الموضوع.
- انبثاق روح العلم والمعرفة بين الطلبة والباحثين والدارسين الجامعيين وشغفهم بالقراءة والاطلاع وحب الإبداع والتطور الذاتي وانتشار آرائهم وإبداعاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
- انتشار المواقع العلمية والمعرفية وتأسيس المكتبات العالمية والرقمية وبروز دور النشر الرقمي.
- انتشار شبكة معلومات الانترنيت في العالم العربي سهل الحصول على أصناف الأدب الرقمي الغربي والعربي والاستفادة من كل ما هو جديد..
- نشر الكتاب لكتبهم ودراساتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
- كثرة القنوات الفضائية المغرية بالصور تؤثر على الشعوب على المستوى الثقافي.
- اتساع قاعدة رواد منصات التواصل الاجتماعي التي تخلت عن الورقي .
- حرية التعبير عن الرأي والكتابة أفرز واقعا كتابيا إلكترونيا لنشر صنف من النص الأدبي المتعلق باليوميات والشذرات الكتابية والخواطر ….
إن هذا الانتشار الشاسع للأدب الرقمي حفظ الأعمال الأدبية المتنوعة القديمة والحديثة، وخوّل للمتلقي للاطلاع على أمهات الكتب النادرة القابعة في المكتبات العريقة والبعيدة في البقاع الجغرافية التي يصعب الوصول إليها، كما أنه تنوير للمعرفة والعلوم بكل أصنافها وتقريبها للمتلقي بدون أدنى عناء منه.
خصائص الأدب الرقمي
ارتبطت إشكالية الأدب في ظل التطور التكنولوجي وتقدم الأدب التفاعلي من سؤال النص إلى إشراك المتلقي القارئ من خلال استخدام الروابط وتفاعله مع النص الذي يتصرف فيه ويبدع فيه، ويكمله حسب اهتمامه وحرفيته بعد أن ألغاه المبدع في أحد المواقع على الشبكة العنكبوتية، ليصبح بالتالي أدبا تشاركيا ليطمس حدود عناصر العملية الإبداعية ( المبدع/ النص/ المتلقي) ويصبح النص ملكا للجميع ( المبدع والمتلقي ) متيحا التفاعل بينهما عبر الحوار المباشر النقاش والردود والاقتراح والنقد وإكمال الإبداع ليصبح المتلقي القارئ المطور للنص.
يتميز هذا النوع الأدبي بمجموعة من الخصائص والمميزات نعرض أبرزها:
- شمولية الأدب وشساعة القاعدة الجماهيرية ومساحته في الثقافية العالمية.
- سهولة الوصول إلى تصفح الكتب الرقمية وولوج المكتبات العالمية على شبكات الإنترنيت والاطلاع عليها بدل الكتب الورقية التي تستدعي بحثا طويلا للعثور والاطلاع عليها.
- انفتاح الأدب الرقمي على الساحة الثقافية والفنية والعلمية صنعت المتلقي خلف شاشات الهواتف والحواسب ( يبحث، يقرأ، يطلع، يدرس، ينتقد، ينشر في مجال الأدب)..
- ملاءمة النص الأدبي الرقمي من خلال عرضه ونشره وقراءته ( نص، صوت، صورة) لذوق المتلقي العصري المتأقلم مع تطورات التكنولوجية الرقمية .
- تعدد مداخل آليات النشر الأدبي الرقمي المستثمرة من طرف الكاتب…
آليات الأدب الرقمي
يتطور الأدب الرقمي وفق تطور التكنولوجيا الحاسوبية والوسائط المتفاعلة مشكلا ثقافة مشهدية من خلال الوسائط الإلكترونية، وينتشر بتطور وتقدم العلم في جميع المجالات وبتعدد مداخل آليات نشره المستثمرة من طرف الكاتب منها:
ـ مواقع الفيس بوك: تعد منبرًا مباشرًا للكاتب يقرأ ما نشر من الإبداع الأدبي بتعدد أجناسه، يتضمن صفحات أدبية ومجموعات وواحات ومنتوجات خاصة بكل نوع أدبي، إضافة إلى مكتبات غنية بمختلف الكتب العلمية والأدبية بمواقع أدبية واجتماعية تلعب دورا كبيرا على الساحة الأدبية العربية.
غرف الدردشة الإلكترونية: تعمل على توطيد علاقات التواصل بين الكتاب والقراء والنقاد لمقاربة نصوص أو أعمال أدبية بعد عرضها ونشرها لتعزيز التفاعل بين المهتمين.
- الكتاب الإلكتروني: هو أداة فعالة بمثابة وسيط يعمل على نقل المعلومات وحفظها وهو يوازي وضعية الكتاب الورقي ويشبهه في الموضوع والنص الأدبي عامة.
- الدوريات: تتمثل في المجلات العربية والعالمية والكتب ونشرات الأخبار الأدبية التي تصدر بشكل دوري إما أسبوعيا أو شهريا أو فصليا أو سنويا.
- اليوتيوب: يعمل هذا الموقع على نشر كل المنتوجات الأدبية، حيث يعمل الكتاب والشعراء على نشر أعمالهم والترويج لها بعد مناقشتها وتصويرها في إطار الندوات والمؤتمرات.
– البريد الإلكتروني: هو وسيلة تواصلية تعزيز أواصر الحوار والتبادل والتواصل بين الكتاب والقراء .
- البرمجيات الخاصة بالنصوص الإلكترونية.
- – الذكاء الاصطناعي: يعتمده الكتاب في إنتاج نصوصهم الأدبية وتصحيح الأخطاء وتعديل بعض الأفكار ومقاربة بعض النصوص الأدبية.
اشكال الأدب الرقمي
ظهرت مجموعة من النصوص تختلف في منهجيتها وأساليبها وكثافة لغتها ندرج أبرزها:
- النصوص الإلكترونية التفاعلية: ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إدماج التكنولوجيا في مجال الأدب لتنتج نصوصا رقمية متنوعة الأنماط معتمدة على الآلات التكنولوجية في بنتيها الفنية.
- القصص المتحركة: هي مجموعة من الصور في الوسائط التواصلية أضيف إليها الصوت والفيديو والمؤثرات الصوتية والرسوم الكرتونية لإنتاج قصص للأطفال بأسلوب شيق.
- – القصص الترابطية: وهي قصص انتجها الكاتب باستخدام البرامج الحاسوبية في وسائط متعددة تتكون من الصور والنصوص والآليات التويترية والفيديو والصوتيات…
– الشعر الرقمي / القصيدة الرقمية: مجموعة من القصائد على الشبكة الرقمية، أي الشعر الحاسوبي الذي تفاعل معه المتلقي عن طريق تغيير المضمون والشكل حيث يتغير شكله وهندسته بعد النقر على كلمة أو نص قصير…. مثل “حفنات خمر” للقاص إسماعيل البويحياوي.
- المسرح الرقمي: هو تفاعل المسرح مع التكنولوجيا يهتم بالقضايا الاجتماعية والسياسية والسيكولوجية، ” منجز إبداعي يحتمل التأليف الجماعي، ويعتمد الحاسوب وشبكات الاتصالات… وشبكات الأنترنيت،أو يكون على قرص مدمج،… أو كتاب إلكتروني…”[11]
- الألعاب الادبية الرقمية وهي العاب معرفية لمشاركة المعرفة للطالب وتطوير وتحسين مهاراته العلمية والقرائية.
- الرواية الرقمية : استعمل فيها بعض الكتاب تقنيات رقمية ومؤثرات صوتية وسمع بصرية، منسوجة بلغة رقمية حركية حيث يضغط على كلمة في شكل رابط وعند النقر عليها يفتح نص جديد على اليسار مثل رواية “شات” لمحمد سناجلة، وهي روايات تتيح للقارئ التفاعل معها باتخاذ قرار يؤثر على مجرى الأحداث في الرواية وذلك بتغيير مجراها.
أدوات الأدب التفاعلي
من خلال ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تشمل الأدوات التفاعلية في الأدب الرقمي على :
- الصور والرسوم المتحركة للتعبير عن الرؤى والافكار.
- الفيديو والصوت لتوضيح الحدث في مقاطع فيديو أو تسجيلات صوتية .
- الروابط المستخدمة لربط النصوص ولفتح نصوص أخرى سواء كانت روابط داخلية أو خارجية.
- الرسوم البيانية لتوضيح الأفكار والأحداث.
- الخرائط الذهنية لتوضيح المفاهيم والشخصيات وبعض التعابير المبهمة.
- المقاطع الموسيقية للتعبير عن المشاعر والمواقف وترجمة أحاسيس الشخصيات في القصة.
- الرسائل النصية للتفاعل مع القارئ وإشراكه في الأدب الرقمي.
وهذا الأدب الرقمي يجلب إليه كل من هب ودب لنشر كل ما يكتبونه تافها كان أو جيدا أو رديئا وينشر بشكل واسع ليؤثر على صورة الأدب الرقمي وعلى كتابه وناقديه بشكل سلبي لعدم الحفاظ على حقوق الملكية الإبداعية والفكرية لكون مجموعة من النصوص تنسب إلى كتاب مزيفين مهووسين بالشهرة يسرقون النصوص والأفكار ويذيلونها بأسمائهم مما يؤثر سلبا عل. حركة الأدب التفاعلي، فتكثر النصوص النحيلة الجوفاء لكن البقاء للأجود ذو المعايير العلمية والمنهجية الادبية والمهارية.
2 ـ القصة القصيرة جدا الرقمية
إن النص الرقمي يفرض على المؤلف الرقمي الجمع بين الصوت والصورة والكلمة والحركة والايقاع ويتيح تفعيل الحواس ليصبح نصا تفاعليا متعدد المداخل النصية والقرائية ومنفتح النهايات المتعددة وفق متطلبات المؤلف والمتلقي، ويصبح بذلك “وثيقة رقمية تتشكل من عقد من المعلومات القابلة لأن يتصل بعضها بواسطة روابط”[12]، يجمع في بنائه الفني بين مقومات جمالية فنية وأبعاد رؤيوية حداثية جديدة.
تعد القصة القصيرة جدا الرقمية لونا أدبيا رقميا جديدا، وطريقة جديدة لسرد القصص القصيرة جدا بطريقة رقمية وبتوظيف الصور والموسيقى والفيديو والأصوات والوسائل السمعية والمرئية، وهي نوع أدبي رقمي يستهوي المتلقي الشغوف بالإبحار في العوالم الزرقاء والتجول داخل الشبكة العنكبوتية للبحث عن نصوص أدبية تلائم قدراته وتشفي غليله عبر مواقع مختلفة، وهي قصة تدور حول شخص أو حدث ما، سواء كان حقيقيا أو خياليا، ويتم فيها دمج هذه النصوص بالعناصر الموظفة فيها.
وتبرز مهارات الكاتب الاحترافية خاصة في مجال البرمجة وهذا ما أشار إليه الناقد سعيد يقطين عندما أكد أن الكاتب يجب أن يتعلم “برامج معقدة ليس أقلها الفوتوشوب والفلاش والباور دايركتور وعلم الجرافيكس….وأقول ملما على الاقل وليس بالضرورة مبرمجا وعالما محترما، الإلمام في المرحلة الحالية يكفي، لكن في المستقبل أرى أن يكون كلي المعرفة بوسائل ولغة العصر ومتابعا لكل جديد في هذا الإطار … مندمج في إبداعه الأدبي الصورة والصوت بمختلف الصيغ والأشكل التي تفتح له آفاقا جديدة في الإبداع والتعبير”[13]، إذ يقوم الكاتب في إبداعه الرقمي بمجموعة من الوظائف لإخراج عمله رقميا جاهزا للقارئ على شاشات الهاتف الذكي والحاسوب ليتفاعل معه، وقد حددها سعيد يقطين كالآتي”
-“يبدع النص : أي ينقله من مرحلة الكمون إلى التجلي النص العلاماتي.
- يضع التصور الذي سيكون عليه من خلال تصميم أجزائه ومكوناته وتنظيم علاقاته ( الرقام).
ـ ينقل النص والتصور من خلال برنامج معين ليجعله قابلا للرؤية والقراءة على الشاشة(الراقم)”[14]
ويصبح بذلك نصًا مكتوبًا على سطح الشاشة بلغة رقمية وبرامج متاحة داخل جهاز الحاسوب في تشكيل فني متضمن للصورة والصوت والحركة والكلمة واللون والموسيقى، ومنشورًا عبر وسيط إلكتروني، يقدم قراءةً تفاعلية مفتوحة يتفاعل معه ملايين المتلقين في لحظة واحدة، ويشاركون في تطور أحداث النص وابتكار نهايات متعددة حسب ذوق وخيال المتلقي.
لقد تفطن الكاتب الرقمي مصطفى لغتيري إلى متطلبات القصة القصيرة جدًّا في العصر الراهن لا يمتح للمتلقي وقتا للقراءة في الكتاب، وإنما في الهاتف أو الحاسوب عبر الولوج إلى روابط مرئية تسمح بالانتقال إلى عالم القصة عن طريق تنشيط الرابط ليتفاعل معها المتلقي تكنولوجيا ليصبح مبدعا تفاعليا بامتلاكه مهارات ومواهب فنية متعددة تجعله قادرًا على البرمجة وإنتاج نص تفاعلي مكتمل البناء الفني (الصورة، الصوت، الإيقاع، الحركة) مما يحتم عليه أن يكون ملما بعالم الحاسوب والتكنولوجيا ومتمكنا من لغة البرمجة والتقنية، ومن الإخراج المسرحي وكتابة السيناريو وتخزين إبداعه انطلاقا من النقر على رابط أو أيقونة لنشره وفتحه أو إغلاقه ليحقق إبداعه تفاعلية عالية.
انتشرت القصة القصيرة جدا الرقمية بشكل ملفت للانتباه في تزامن مع تطور التكنولوجيا وارتفاع رواد الهواتف الذكية، ويعمل الكاتب مصطفى لغتيري ( مبدعها) على روايتها وقراءتها خلال فترة زمنية تتراوح بين ثلاث دقائق وخمس دقائق ملتزما بالعناصر الأساسية للقصة القصيرة جدًّا الرقمية وهي موضوع القصة، الحدث، المحتوى العاطفي المشترك مع المتلقي، صوت الراوي لمساعدة المتلقي على فهم الأحداث، توظيف الموسيقى والصوت والصور والنصوص الفضاء الخارجي والفيديو، وهي عناصر متكاملة ومتعددة أنشأ من خلالها تجربة سردية تفاعلية يمتزج فيها البصري والسمعي والنصي، بواسطتها تجذب الجمهور القارئ لتجربة مشاهدة ممتعة وشيقة، كما يحمل هذا النص الرقمي الجديد جماليات فنية جديدة وحمولات ثقافية ومعرفية انبثقت من رحم التحول الحضاري العصري الذي أحاط بها وتشكلت في عوالمها مقومات شعرية للتذوق والتفاعل ضمن العناصر البنائية التي يقوم عليها، تلامس الصورة والصوت والحركة والإيقاع في انسجام مدهش وتناغم مبهر، وتصنع جمالية اللغة الشعرية التي تحتل موقعًا فريدًا في إنتاج النص وتتآلف حولها العناصر النصية الأخرى ضمن مغامرة في زمكان افتراضي رقمي، لتحظى بفرصة تجديد من حيث الحيوية والزمكان وإيجاد مداخل قرائية ومنهجية.
للكاتب الرقمي مصطفى لغتيري قاعدة شعبية كبيرة على الفيس بوك واليوتيوب من متابعيه وأصدقائه وبعد كل نشر يرتفع عددهم لاهتمامهم الكبير بالقصة الرقمية، يتفاعل هؤلاء المتابعين مع قصصه القصيرة جدا بأشكال متنوعة سيقف هذا البحث على التفاعل عن طريق الصورة منها بتعدد القراءات وأشكال التفاعل. وهذا لا يعني أن القصة القصيرة جدًّا الرقمية تفتقر إلى النقد، بل على الناقد أن يساير النص الرقمي في نفس مستوى الإلمام بالتكنولوجيا، حتى يتمكن من السيطرة على مفاهيم وأبعاد النص الأدبي الرقمي…لأن النص الأدبي التفاعلي وثيقة تحتوي واقعا وحدثا وموقفا من سيناريو الحياة… يتم الحفر في عمق النص بواسطة آليات متعددة لكشف مكوناته من هوية وثقافة، وجنس، وعرق، ولرؤية نقدية فاحصة…
تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دورا هاما في الإنتاج بديلاً عن المطبعة وأدوات الكتابة التقليدية، إذ يعد الفيس بوك بمثابة فضاء لكتابة جديدة أو مطبعة جديدة لا تحكمه الجودة والضوابط العلمية وتمرس النقد ليفتح أبوابه على مصراعيه للاهثين نحو نصوص قصيرة جدا ولغربان ينعقون نصوصًا أدبية رديئة مذمومة في مقابل نصوص مبدعة ذات جودة بعيدًا عن أقلام أو نقرات ناقدة كانت حاضرة سابقا في الكتابة الورقية، يحتضنها فضاء جديد ومعمار هندسي خاص بلقطات سينمائية متنوعة المشاهد المؤثثة طبيعيا، مما يعطيها هالة خاصة وقوة إبداعية تستفز المتلقي لاستنطاق لحظات التفاعل المباشر بينهما
أ ـ قصص مصطفى لغتيري في الفيس بوك
لقد اختار الكاتب مصطفى لغتيري العالم الافتراضي الأزرق حيث احترف في النصوص الموجزة، واختص في القصة القصيرة جدًّا الرقمية الحاضرة بشكل واسع في تفاعل مع قراء متابعين بآراء نقدية مختلفة، بلغتها المكثفة وحجمها القصير جدًّا عبارة عن ظلال نصوص وتراكمات لها وامتداد لنصوص سابقة لها، وتعد القصة القصيرة جدا لمصطفى لغتيري نموذجا للقصة التفاعلية في الوطن العربي وهو يستخدم الفيديو والصور والحركة والموسيقى والفضاءات المتعددة لرواية نصوصه التي تنم عن ثقافة عالية ومعرفة واسعة بالتراث الإنساني وتمكن من مهارات تكنولوجية حديثة، استخدم فيها لغة ذات بعد رقمي، في فيديو تصاحب كلمات النص التي يرويها أو يقرأها من المجموعة القصصية الصوت والصورة والمشهد المتحرك في دينامية سريعة مباغثة، ومن النصوص الرقمية التي نشرها في الفيسبوك نلفي:
نص “وطن” يلقيه في الشارع متكئا على سيارته بدون موسيقى، لكن يشوبها تشويش ونشاز صاخب أضعف من جمالية القصة القصيرة جدا. يقول الكاتب:
وأنا أجول في بلدي، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه.. في نفسي قلت ” ياه، كم هو شاسع و جميل هذا الوطن”.
وحين تأملت ناسه، بدوا لي بسطاء، وعلى سحناتهم حزن مقيم.
مرة أخرى تردد في أعماقي ” ترى أ يكفي قلب واحد لتحمل كل ذلك؟”.
https://www.facebook.com/share/r/1Q1S8ocgAE/?mibextid=oFDknk
ب ـ القصة القصيرة جدًّا في اليوتيوب
يعد القاص من المتمكنين من مهارات تكنولوجية حديثة عديدة خولت له الانفتاح على مجموعة من الوسائل التواصلية، استخدم فيها لغة ذات بعد رقمي، في فيديو تصاحب كلمات النص التي يرويها أو يقرأها من المجموعة القصصية بتوظيف الصوت والصورة والمشهد المتحرك في دينامية سريعة، ونلفي في أسفل الشاشة عنوان النص وصورة الكاتب يقرأ “غيمة” إذ يقرأ النص الرقمي داخل السيارة في مقابل المقود كفضاء مغلق عن تشويش الفضاء الخارجي، يقول الكاتب:
“من أعماق المحيط ، انطلقت غيمة داكنة ، تبحث عن مكان يستحق ماءها.. تواطأت الريح معها ، فسحبتها نحو اليابسة. فجأة لمحت الغيمة قطعة أرض يابسة ، قد علا الاصفرار ذؤابات نباتاتها .. مبتهجة هرولت الغيمة نحوها ، عازمة على ريها… حين أشرفت عليها .. جاهدت حاولت سقيها .. لكنها متأسفة اكتشفت أن طول الرحلة أنهكها ، فأضحت سحابة عجفاء شاحبة.”
وفي قصة “غزل” يجلس في فضاء المقهى العمومي ويقرأ النص بصوت هادئ وبقراءة متأنية تجلب القارئ لاستساغة السمع والغوص في دلالتها، فيها شخصية أدبية ويبني عليها حكاية نصه، يقول الكاتب:
“بعد قراءته لقصيدة غزلية لبشار بن برد مطلعها :
يا ليتي تزداد نكرا من حب من احببت بكرا
بحماس لا مثيل له انبرى الأستاذ لشرح القصيدة.. أخذت تلميذة قلما .. رسمت قلبا يخترقه سهم .. شردت الفتاة برهة ، ثم استفاقت على عبارة نطقها الأستاذ بصوته الجهوري العميق ” الحب عاطفة نبيلة” .. فجأة حانت منه التفاتة يقظة نحو الفتاة .. لمح القلم بين أناملها يداعب الورقة.. غاضبا وضع الأستاذ الكتاب ، وبحزم توجه نحوها.. مرتبكة أخفت الفتاة الورقة .. متوترا وقف بجانبها ، ثم بنبرة ساخطة خاطبها :
– ماذا تفعلين؟
وجلة أجابته :
– لا شيء أستاذ .
مصرا أردف قائلا :
-أريني الورقة.
حمرة الخجل خضبت وجنتيها .. ترددت برهة ، ثم ناولته الورقة.. تأملها لحظة .. استفزه القلب و السهم يخترقه .. جلد الفتاة بنظرة حانقة .. مزق الورقة ، ثم خاطبها قائلا :
– أنت فتاة قليلة الأدب”
وتستند قصة “خلاص” إلى المفارقة التي تعتمد الحدث، إذ يتحوّل الجلاد في طرفة عين إلى الضحية، ويحرم ضحية تبحث عن الموت من الوصول إلى مبتغاها إذ يمتد اليأس والاكتئاب إلى حد الرغبة في الانتحار، ووضع حد للحياة… فالمفارقة العجيبة، ذلك أن الصياد تجاهلها، رغم إصرارها ومثولها أمام فوهة البندقية التي صوبها إلى صدره، ويطلق على نفسه النار بسبب الشعور بالفراغ المادي والروحي دفع بهذا الصياد إلى الانتحار، لأنه وجد فيه راحة وخلاصا من أزماته النفسية…يقول السارد:
“أحدثت الطلقة صوتاً مدوياً، أفزع الطيور، فانتفضت هاربة…. وحدها عصفورة ـ كأنها تعاني من اكتئاب حاد ـ طارت في اتجاه الصياد، باحثة عن فرصة للخلاص.
متحسراً رفع الصياد عينيه، لمح العصفورة الضئيلة تحوم فوقه، استخسر فيها الطلقة، فتجاهلها…. لكن، حين لاحظ إصرارها، تأملها لحظة. وكأنها أوحت له بفكرة الانتحار،… وجه فوهة البندقية نحو نفسه، ثم… ضغط على الزناد”، إذ وظف القاص الموسيقى والإيقاع الصوتي لتتناسب مع موضوع القصة الرقمية حيث يريد أن يوصل للمتلقي حالة التيه والضياع والظلم ليحمل النص بذلك صورة حية ومشهدا ناطقا من الواقع المعيش.
وفي نص “بلقيس” التي يصور فيها الكاتب العطش الإنساني إلى الارتواء الشبقي بسبب الافتتان بغواية المرأة والإعجاب بجمالها الجذاب اشتهاء وحرقة، يقول:
“في قصر سليمان، حينما كشفت بلقيس عن ساقيها المرمريتين، كان هناك في مكان ما عين تختلس النظر، وترتشف بالتذاذ تفاصيل القوام البهي.
من مكانه، في إحدى شرفات القصر، رأى الهدهد ما حدث، فاعتصر قلبه الندم.
منذ ذلك الحين، أقسم الهدهد بأن لا ينقل مطلقا الأخبار بين البشر، وأن يلزم الصمت إلى أبد الآبدين”
يجلس القاص في فضاء المكتبة وهو يروي قصته على أنغام موسيقية زادتها تأثرا وجمالا، إذ جاءت بصوت شجي أعطت صورة متناسقة مع بعضها لكون تناغم الحواس السمعية والبصرية منح اللغة آفاقا جديدة منفتحة على المعنى وعلى مساحات تأويل تكبر ليغوص المتلقي بين ثنايا قصر سليمان عند استقباله لملكة سبأ بلقيس، إذ وظف الموسيقى بلحنها الشاعري عبرت عن مشاعر جياشة زادت الموقف حزنًا ومأساة لما تعيشه الشخصية، هذا التناسق بين الصوت واللغة والفضاء خلق نوعًا من الإثارة والتجاذب بين المتلقي والنص ليجد نفسه متعلقا بالنص وفي العالم الخيال الافتراضي.
استطاع القاص مصطفى لغتيري أن يؤثر في المتلقي ويجعله يبحر معه في هذه التجربة الرقمية الفريدة ليحس بآلامه وأحزانه ومواقفه في واقع متأزم، ويببن الوجه الآخر للإنسان المفعم بالأمل، كما أن لتعالق الفن مع القصة القصيرة جدًّا الرقمية أثر على المتلقي من خلال توظيف الكاتب للموسيقى والمشاهد وألوان الطبيعة وألوان الفضاء ليتفاعل معها حسب رؤيته من خلال تداخلها في بعضها البعض، ليكون لها بذلك انعكاسات دلالية ومعرفية تخول للمتلقي إنتاج دلالات أخرى ونص جديد.
في نص ” تناص” استحضر مبدأ الحوارية في النص التفاعلي ليتحاور المؤلف الرقمي مع المتلقي القارئ/السامع لنصه الذي يضيف نصا آخر، كما بينت نظرية التناص عند باختين وكريستيفا عن تداخل نصوص قصصية بوعي او غير وعي، تلاقحت في الأصوات واللغات والفيديو والصور، إذ قدمه في شكل فيديو مصور في حديقة يتجول فيها ويروي نصه وسط ممرات الأشجار وضجيج المدينة ووسائل التنقل. يقول السارد:
“في معر النعمان، كان أبو العلاء مكتفيا بذاته .. معتزلا الناس، يفكر بتمعن شديد في الجنة والجحيم ..
بعد ثلاثمائة عام ، وعلى بعد آلاف الأميال من المعرة ،شاء مكر التاريخ أن يجلس دانتي وحيدا ،ليفكر – باختلاف في التفاصيل طبعا – في نفس الموضوع تقريبا.. حدث كل ذلك ..فقط ليطرح بعد مئات السنين سؤال حقيقي:
– هل اطلع صاحب الكوميديا الإلهية على رسالة الغفران”
وفي قصة “تناص” يوظف الكاتب نوع الامتصاص يعيد صوغ النص السابق، من خلال هذا التناص عن كون دانتي اقتبس أفكار كتابه وموضوعه من “رسالة الغفران”، إذ يقارن بين أبو العلاء في تفكره وتمعنه الشديد “في الجنة والجحيم” وبين دانتي الذي كشف التناص عن سرقته الأدبية، يمتص النص الفكر الغربي المقلد للفكر العربي مجسدًا في فلسفة المعري حول موضوع الجنة والجحيم…
وفي نص”حرية ” يختار الكاتب السيارة ليروي قصته في فيديو مصور، فيها يصف اندحار الإسبان في حرب الريف بتشكيل لغوي مكثف لعبت فيه السخرية والمفارقة دورهما الأساسي بلغة ساخرة مفارقة يحتقر فيها العدو الإسباني ويشيد بهزيمته الساحقة وتبخر أطماعه التوسعية في الأراضي الريفية، فمن تاريخ الإسبان نسج قالبا قصصيا وجدانيا جعل منه تيمة متميزة في قصصه، من خلالها يعالج قضايا الشعب المغربي والهموم المستقبلية لأفراده، ويعبر عن همومه واستكناه المأزق السياسي والاجتماعي في مواجهة الواقع المرير والغد الغامض… مؤكدا أن مفهوم الحرية ليست “بالضرورة امرأة شقراء ذات عينين زرقاوين” يقول:
“مدججين بعتادهم الحربي، تقدم الإسبان نحو جبال الريف المنيعة..
بعد محاولات عدة للاختراق، نكصوا على أعقابهم مندحرين.
حينها فقط ، أدركوا أن الحرية ليست بالضرورة، امرأة شقراء، ذات عينين زرقاوين”
https://youtu.be/Muj3RYlAGGw?si= Xk0KeoN-W0RU_0-O
لقد جعل الكاتب من تاريخ الاستعمار الإسباني موضوع للقصة القصيرة جدا في تيمة الحرية ، ونسج قالبا قصصيا وجدانيا جعل منه تيمة متميزة في قصصه، من خلالها يعالج قضايا الشعب المغربي والهموم المستقبلية لأفراده، ويعبر عن همومه واستكناه المأزق السياسي والاجتماعي في مواجهة الواقع المرير والغد الغامض…
وفي الفضاء الأخضر العمومي بين أشجار النخل والصفصاف السامقة يروي القاص نصه ” المرآة” بصوت يحجبه هدير السيارات.. فيه تعبر المرآة عن الفراغ والخواء الإنساني وتغير الزمكانية وتغير أفكار وسلوكات الإنسان وتعدد وجوهه في صور مفارقة متناقضة. لتشكو المرآة من الإنسان الذي تغير في صورته، فبدأت ترى في وجهها البشاعة والقبح الآدمي والزيف البشري، أي إنها تعلن موت الإنسان الذي تشيأ بفعل غياب القيم، وتصبح المرآة هي التي تتأمل وجهها في الإنسان… وتتجلى المفارقة هنا حين نرصد الكاتب هذه الممارسة اليومية العادية عند كل الناس بالمقلوب.. فهو يجعل المرآة تحل محل الإنسان فيصبح هو عاكسا لها..، يقول:
” حين تطلعت إلى المرآة، لتتأمل وجهك فيها، أذهلك فراغها. مرتبكا تقهقرت إلى الوراء، فركت عينيك جيدا. من جديد حملقت في صفحتها الصقلية. بصلف تمدد الخواء أمامك.
بعد هنيهة، تبينت حقيقة الأمر: المرآة كانت تتأمل وجهها فيك”.
ونفس الشيء بالنسبة لنص «العرافة” يروي قصته في فيديو في شارع يعج بالأشجار والنباتات والورود المختلفة، يقول:
“في ساحة” جامع الفنا” بمراكش..تحن مظلة شاحبة، كانت العرافة جالسة ، تلفها غلالة من العتاقة ، و كأنها خرجت لتوها من بوابة الزمن العتيق.
دون ترددت قرفصت بجانبها… تناولت المرأة أوراقها. بدربة حركتها… مددتها أمامها… نظرت إليها مليا ، ثم قالت :
– أنت رجل محظوظ … ستفتح لك الدنيا احضانها… لكن حذر من النساء.
متثاقلا غادرت المكان، وقد تردد في دواخلي:
– أي حظ هذا بدون نساء؟”
ويمشي القاص الهوينى على عشب الحديقة العمومية مع هدير السيارات وزقزات العصافير بين الأشجار ويلقي نصه السردي “الموت” بقراءة متأنية رائعة يجذب القارئ بهدوئه ليتعلق بالنص ويحيى معه في عالم افتراضي، فيه جسد النص زيف الخوف من الموت وفنّد ادعاءات البطل الذي كان يتحاور مع ملك الموت مما تسبب في إرباكه ورغبته وهروبه، وبالتالي دهسه من طرف سيارة “يقول السارد:
“على هيئة رجل، تقدم الموت نحو شاب، يقتعد كرسيا على قارعة الطريق.. جلس بجانبه ، ثم ما لبث أن سأله:
ـ هل تخاف الموت ؟
واثقا من نفسه، أجاب الشاب :
ـ لا، أبدا إن لم يمت المرء اليوم، قطعا سيموت غدا.
بهدوء أردف الموت:
ـ أنا الموت.. جئت لآخذك.
ارتعب الشاب.. انتفض هاربًا.. لم ينتبه إلى سيارة قادمة بسرعة مجنونة، فدهسته..”
وفي قِصّة “مالك الحزين” التي تحيل شخصيّتها الأساسيّة على بيدبا وابن المقفع وأوسكار وايلد، من دون أن تفقد بوصلة توجيه الحكاية نحو هدفها النبيل…يقعد في بيته ماسكا بدفتي مجموعته القصصية “حدثنا القرد فقال…” ويقرأ نصه قراءة متأنية مؤثرة، في فيديو صوره في بيته، يقول:
“في مراكش…على أسوار قلعتها القديمة، كان مالك الحزين يتربّع على عرش المدينة… من عليائه يتأمّل تكاثر الحمام من حوله، وتناقض بنات جنسه، بشكل يهدّدها بالانقراض… برويّة كان يفكّر في الأمر، وهو يسترجع تلك الحكاية القديمة، حين أفتى أحد أسلافه لحمامة برأي، أنقذ فراخها من الثعلب، وأهلكه. فجأة حطّت بجانبه حمامة حزينة…متألّمة طفقت تبثّه شكواها، وتستعطفه المشورة…أشاح مالك الحزين عنها بوجهه وقال: لقد تغيّر الزمان يا صغيرتي”
يمارس مالك الحزين المعاصر التفكير، وهو متربع على عرش سور عتيق من أسوار مدينة مراكش يعاني مأزقا خطيرا جدا يتعلق بتهديد جنسه بالانقراض. وفي عمق لحظة معاناة الأزمة والاكتفاء بالتأمل في تجربة السلف الماضوي الناجحة في إنقاذ الحمام من أنياب الثعالب. يتأمل مالك الحزين التجربة ويستلهما ويتبرك بها لعله يكون الوريث الخلف الذي يحقق معجزة جديدة تجدد الأمل وتبعث الحياة….
استنتاج :
رغم انتشار الأدب الرقمي بشكل واسع والتسويق له يبقى الأدب الورقي ( الأدب الذي يكتب على الورق) ذا أهمية بالغة وروحا مهما لاستمرار وإنعاش حياة الإنتاج الأدبي عمد أغلب الكتاب في ظل العولمة والتطور التكنولوجي الرقمي بوصفه منهجا وعلما متكاملا ومصدرا أصليا ودقيقا في إيصال المعنى، كما أنه في تعايش مع الأدب الرقمي دون نفي خصوصيات أحدهما الأخرى، وهذا الأخير بوصفه ظاهرة أدبية معاصرة ومطلب حضاري يتأقلم مع مقلب مرحلة تاريخية تتسم بالسرعة والتحول والرقمنة، وهذا ما يجعله أدب المستقبل يتم تطوير تجربته ونمو مساره في ظل تحول موقع المؤلف الرقمي للنص والقارئ له ووظيفته مثل المشاركة في التأليف والإنتاج، والتكيف مع قفزات التطور للحاسوب الثابت والهاتف الذكي، وبالتالي تغير أنماط الحياة اليومية والهوية والأفكار والكتابة مشكل تعبيري إنساني للعواطف والهواجس حسب صفة كل واحد كاتبا كان أو قارئا.
إن القصة القصيرة جدًّا الرقمية سطعت بشكل كبير مع القاص مصطفى لغتيري تمكن بفضل مهاراته الفنية والسردية أن يمنح للقارئ ما يحتاجه في زمان يتسم بالسرعة حيث أعطى نفسا جديدا لهذا النص السردي الجديد الذي كسب قيمته الادبية تحت لواء تطور التكنولوجيا وما صاحب العصر من تغيرات وتطورات من خلال تعالقه مع الفنون البصرية والسمعية كالفيديو بالمشاهد والألوان والرسوم والموسيقى التي زادت القصة القصيرة جدا الرقمية التفاعلية جمالا وألقا، وما تحمله من دلالات وأبعاد جمالية وفنية أثرت في نفسية المتلقي الذي يدرك بوضوح معانيها الخفية ورموزها الغامضة. كما ظهرت القصة القصيرة جدا الرقمية بحلة جديدة تنبع ألقًا تؤثر على المتلقي بشكل سريع لما تتميز به من الانسجام والتناسق المبهر من خلال دمج الصوت والصورة الحية والموسيقى أضفى عليها رونقا بديعا. وظهرت كإبدال نص عن القصة القصيرة جدا الورقية، واكتسبت أبعادا رؤيوية جديدة وبناء فنيا وجماليات فنية استجابة لحاجيات الحياة المعاصرة تضاف إلى أركانها وخصائصها الفنية والبنائية، وترتبط باللغة الشعرية، التصور الفني، الإيقاع الصوتي، جماليات التعبير، المشاهد الطبيعية، الفضاءات المتنوعة، مفارقات… لتنفتح شعرية النص على آفاق التأويل لما يحبل به من رؤى سردية وشعرية تحقق الإمتاع والإقناع للمتلقي وتولد جماليا متنوعة تعبر عن قضايا الإنسان والكون والحياة.
أسهم إبداع القاص الرقمي مصطفى لغتيري في نصوصه الرقمية في نقل القصة القصيرة جدا من صورتها الكتابية (الكتاب/الورق) إلى الصورة الرقمية التفاعلية وأصبح متلقيها يلج إليها عبر الشاشة الزرقاء. ويتضح من خلال هذه النصوص الرقمية التوافق بين الأداء الفني والأدبي من جهة وبين الصوت والصورة من جهة والتكامل بينهما منح القصة القصيرة جدا الرقمية حيوية ودينامية. كما أن قراءتها تتأثر الحواس بشكل مباشر بالآلة الفنية والحالة النفسية.
) نورة الصديق طالبة سلك الدكتوراه، كلية عين الشق، جامعة الحسن الثاني(
هوامش:
[1] اياد الباوي وحافظ الشمري، الأدب التفاعلي الرقمي، ط1، ص19، بغداد، 2011.
[2] نفسه ص20.
[3] فاطمة البريكي، مدخل إلى الأدب التفاعلي، المركز الثقافي الغربي، ط1، المغرب، 2006، ص77.
[4] الأدب التفاعلي الرقمي، إياد الباوي، نفسه، ص21.
[5] زهور كرام، الادب الرقمي تحولات في نظام النص الادبي، مقال منشور في صحيفة الاديب الثقافية، العدد 183، ايار 2011، ص41.
[6] زهور كرام، نفسه، ص34.
[7] زهور كرام، الأدب الرقمي وتأملات مفاهيمية، ص22.
[8] سعيد يقطين، النص المترابط مستقبل الثقافة العربية نحو كتابة عربية رقمية، المركز الثقافي العربي، البيضاء، المغرب، ط1، 2008، ص19.
[9] المرجع نفسه، ص180.
[10] جميل حمداوي، الادب الرقمي بين النظرية والتطبيق، ج1، ط 1، النشر الألوكة، 2016
[11] نذير عادل، عصر الوسيط أبجدية الأيقونة، دراسة في الأدب التفاعلي، الرقمي، كتاب ناشرون، ط1، لبنان،2010،ص76.
[12] سعيد يقطين، نفسه، ص130.
[13] سعيد يقطين، نفسه، ص92.
[14] سعيد يقطين، نفسه، ص199.
المراجع:
- ـ أياد الباوي وحافظ الشمري، الأدب التفاعلي الرقمي، ط1، ص19، بغداد، 2011.
- ـ جميل حمداوي، الأدب الرقمي بين النظرية والتطبيق، ج1، ط 1، النشر الألوكة، 2016.
- ـ فاطمة البريكي، مدخل إلى الأدب التفاعلي، المركز الثقافي الغربي، ط1، المغرب، 2006.
- ـ زهور كرام، الأدب الرقمي تحولات في نظام النص الأدبي، مقال منشور في صحيفة الأديب الثقافية، العدد 183، ايار 2011.
- ـ زهور كرام، الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية، دار رؤية للنشر والتوزيع، ط2، 2023.
- ـ سعيد يقطين، النص المترابط مستقبل الثقافة العربية نحو كتابة عربية رقمية، المركز الثقافي العربي، البيضاء، المغرب، ط1، 2008.
- ـ نذير عادل، عصر الوسيط أبجدية الأيقونة، دراسة في الأدب التفاعلي، الرقمي، كتاب ناشرون، ط1، لبنان،2010.
