البلاغة الرقمية: النظرية والتحليل

ملخص البحث:

لم يظهر الدرس البلاغي الرقمي في الجامعات العربية إلا في وقت متأخر مقارنة مع الجامعات الغربية، والأمريكية خاصة، بحيث أنجزت أبحاثا كثيرة في هذا الموضوع خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي. ومن هنا، جاءت هذه الدراسة لتسهم في منجز الدرس البلاغي الرقمي العربي من خلال الحديث عن مستويين اثنين، هما: المستوى النظري الذي يبحث في المرجعيات والأصول التي تستند إليها البلاغة الرقمية. والمستوى الثاني، يتعلق بتقنيات التحليل البلاغي الرقمي لمختلف الخطابات والنصوص الرقمية.

وبعد الدراسة، توصلنا إلى أن النظرية الخطابية الأرسطية تشكل مرتكزا مهما في الدرس البلاغي الرقمي من حيث التنظير. وبالمقابل، استعمل الدرس البلاغي الرقمي تقنيات حديثة مستمدة من النظريات المعاصرة في التحليل والممارسة. وبهذا، يكون الدرس البلاغي الرقمي مسايرا للمستجدات المعرفية، ولكن دون إغفاله للنظريات الأصيلة.  الكلمات المفتاحية: البلاغة – الرقمية – النظرية – التحليل

مقدمة:

تتناول هذه الدراسة موضوع البلاغة الرقمية (Digital Rhétorique) التي ظهرت بعدما وجدت أشكال أدبية رقمية جديدة، وهو ما يقتضي إحداث سيرورة جديدة في المجال البلاغي لمواكبة تلك الأعمال ودراستها دراسة بلاغية تكشف عن جماليات ذلك الإبداع وأسسه الفنية، ولا شك أن مثل هذه الدراسات الجديدة التي تشتغل على المادة الإبداعية الأدبية الحديثة والمتطورة ستنعكس على طريقة العمل وقواعد التحليل وآليات النظر، فضلا عن المفاهيم والمصطلحات.

ولذلك سأقف عند بعض الدراسات التي حاولت خوض غمار هذه التجربة فصنفت في البلاغة الرقمية، من خلال الوقوف على الأصول التي اعتمدت عليها تلك المحاولات، والكشف عن الممارسات التحليلية والأدوات الإجرائية التي يستسعين بها بعض الدارسين لإقامة الدرس البلاغي الرقمي على المستوى التطبيقي.

1- إطار الدراسة:

اخترت للحديث عن البلاغة الرقمية الجمع بين بعض المؤلفات التي تعنى بقضايا البلاغة الرقمية من حيث النظرية والممارسة، وقد وقفت قدر الإفادة في الموضوع عند أعمال تمثل الثقافة الأنجلوساكسونية الأمريكية البريطانية، والثقافة الفرنكوفونية الفرنسية، والثقافة العربية. ويمثلها على التوالي، ايمان دوغلاس [1](Eyman, Douglas) مؤلف كتاب (البلاغة الرقمية: النظرية، الطريقة، الممارسة)، والكسندرا سايمر[2] (Alexandra Saemmer) مؤلفة كتاب (بلاغة النص الرقمي). وعبد المجيد جميل[3] مصنف كتاب (البلاغة الرقمية). والملاحظ أن بعض الأعمال استغرق إنجازها سنوات من العمل وجهدا معتبرا، فقد أشار (ايمان دوغلاس) إلى أن الكتاب فـي أصله أطروحة دكتوراه أنجزها في أربع سنوات بإشراف الدكتور جيم بورتر[4]. وقال جميل عبد المجيد متحدثا عن كتابه: (خمس سنوات قضيتها في رحلة البحث.. والحمد لله أن هيأ لي في كل مكان من الأسباب ما أعانني على إنجاز البحث”[5].

2- البلاغة الرقمية: النظرية

تعدّ البلاغة الرقمية حقلا معرفيا جديدا فرضته الابتكارات العلمية والتكنولوجية الحديثة التي ظهرت نهاية القرن الماضي، ومن المعلوم أن أي حقل معرفي يجب أن يقوم بداية على أسس نظرية. والبلاغة الرقمية لم تولد خلقا جديدا، بل عرفت نوعا من التجديد، حيث انتقلت من نص ورقي مكتوب وخطاب شفهي إلى نص رقمي تصحبه تقنيات جديدة، وبهذا تكون البلاغة الرقمية مزيجا من التليد والوليد. ومادامت البلاغة الرقمية محتفظة بالنظرية البلاغية القديمة، فكيف استطاعت أن تفيد منها رغم تجديد مفهومها وخطابها وآلياتها؟

2-1: البلاغة الرقمية: المفهوم والمصطلح

عرفت الدراسات الغربية الأوربية والأمريكية البلاغة الرقمية “منذ العقد الأخير من القرن العشرين”[6]، وهو تاريخ متقدم جدًا مقارنة مع الدراسات العربية التي لازال هذا الموضوع فيها بكرا.

وإذا كان الغرب سباقا إلى الدرس البلاغي الرقمي فمن البدهي أن تكون صياغة المصطلحات والمفاهيم من اقتراح الغربيين أنفسهم، إذ يكاد أغلب الدارسين يتفقون على أن صياغة مصطلح (البلاغة الرقمية) من اقتراح ريتشارد لانهام (Richard Lanham) في مؤتمر عُقد سنة 1989، حيث قدّم فيه “محاضرة موسومة بـ (البلاغة الرقمية: النظرية والممارسة والملكية) ويبدو أن هذا هو أول استخدام لمصطلح (البلاغة الرقمية)”[7]. وإلى هذه المسألة يشير جميل عبد المجيد حيث قال عن اقتراح المصطلح: “إن تعبير (البلاغة الرقمية) إنما يعزى سكه إلى ريتشارد لانهام[8]؛ حيث أورده في محاضرة له حول (البلاغة الرقمية: النظرية والممارسة، والخاصية) في أكتوبر 1989″[9].

والملاحظ أن دوغلاس استعمل فعل (يبدو) الذي يجعل الباب مفتوحا للاحتمال والنسبية، بينما وظف جميل عبد المجيد فعل (يعزى) الذي يدل على النسبة إليه والإسناد له، مما لا يدع مجالا للشك.

وجدير بالإشارة إلى أن البلاغة الرقمية تعدّ تخصصا “مهما في الجامعات الأمريكية والغربية منذ العقد الأول من القرن”[10] الحالي، وهو تخصص يندرج ضمن قسم “اللغات والإعلام والاتصال”[11]، ولذلك لم يعد إشكال المفهوم والتعريف مطروحا في الدراسات الغربية، فقد كانت البلاغة الرقمية وحدة من الوحدات الدراسية المقررة بالجامعة.

يقول دوغلاس عن تجربته الدراسية: “في سنة 2003 كانت إحدى الدورات التي أخذتها كطالب دراسات عليا تسمى (البلاغة الرقمية) التي تدرسها دانييل ديفوس”[12]. أما في الجامعات العربية فإن الدرس البلاغي الرقمي لم يجد مكانته العلمية بعد، ويظل الحديث عن هذا الموضوع في الجامعات العربية عبارة عن اجتهادات فردية.

2-1-1- مفهوم البلاغة الرقمية: 

عرّف دوغلاس إيمن (Douglas Eyman) البلاغة الرقمية بأنها “تطبيق النظرية الخطابية (كأسلوب تحليلي أو إرشادي للإنتاج) على النصوص الرقمية”[13]. حصر التعريف البلاغة الرقمية في التطبيق والتحليل بداية، وهي المهمة التي اضطلعت بها البلاغة اليونانية والعربية، وأكد التعريف أيضا على قضية الإرشاد للإنتاج؛ أي البلاغة الرقمية تعنى بجهة إنشاء الخطاب وإنتاجه، وكأننا بهذا التعريف أمام نفس الأهداف البلاغية القديمة، لكن العنصر الذي ينماز به التعريف هو النصوص الرقمية وليس النصوص المكتوبة أو الخطاب الشفهي. ومن هنا، تكون البلاغة الرقمية -حسب تعريف دوغلاس- امتدادا للدرس البلاغي من جهة مع اعتبار الفارق على مستوى مادة الاشتغال.

وينزع التعريف أيضا نحو الاحتفاظ بقومات التعريف القديم للبلاغة، حيث عرف أرسطو الخطابة بقوله: “الريطورية قوة تتكلف الإقناع الممكن في كل واحد من الأمور المفردة”[14]. فمدار البلاغة عند أرسطو هي الإقناع بطريق: كيف تقنع؟ ولماذا تقنع؟ والجواب عن سؤال كيف هو جواب عن طريقة بناء وإنتاج النص الخطابي المقنع، في حين أن الجواب عن سؤال لماذا هو اتجاه نحو معرفة الطرائق التي استعملها الخطيب حين حمل المستمع على الاقتناع والتصديق بدعواه، وقد حافظ دوغلاس في تعريفه على التصور الأرسطي؛ فاعتبر “قوة البلاغة، كما أراها، هي أنه يمكن استخدامها كطريقة تحليلية ودليل لإنتاج خطاب مقنع”[15].

ينظر دوغلاس إلى البلاغة نظرة لا تخرج عن مفهومها الذي أعطي لها منذ أرسطو، حيث تقوم على جهتين اثنتين، هما: دليل الإنتاج، وطريقة التحليل. وهذا لا يعني أن المؤلف وقف عاجزا عن صياغة التعريف لمفهوم البلاغة الرقمية، بل كان على وعي تام بالتبيان بين المفهومين، ولذلك عدل دوغلاس عن تبني التعريف القديم لصياغة مفهوم البلاغة الرقمية، ففي “الدراسات البلاغية، يمكن اعتبار النص بمثابة حاوية للحجج أو الفصل المقنع، ولكن هذا التقليد عادة ما يرتبط أيضًا بالنصوص المطبوعة (أو نصوص الكلمات المنطوقة)؛ أما بالنسبة للبلاغة الرقمية، فيجب أن نرى النص في ضوء شموليته”[16].

وبالمقابل، لم يسع دوغلاس إلى الانفصال التام عن المفهوم القديم للبلاغة مادام مفهوم البلاغة الرقمية مشكلا من عنصرين اثنين: الأول، هو البلاغة، وهو مفهوم يجب أن يحافظ على دلالته الأولى. والثاني، مفهوم جديد يجب بيانه.

ومن التعريفات أيضا قول جميل عبد المجيد: “البلاغة الرقمية هي استخدام تكنولوجيا المعلومات لخلق حِيَّلٍ تعبيرية ينشأ عنها في الاتصال معنى ومعنى المعنى وقيم جمالية وتفاعل وتأثير”[17].

يقوم هذا التعريف على مقومات ثلاثة، هي: 1-الوسيلة، 2- المقصد أو الهدف، 3- الغاية. فالوسيلة، هي استخدام تكنولوجيا المعلومات، والهدف منها، هو خلق حيّل تعبيرية، والغاية محددة في خمسة عناصر، هي: 1-إنشاء المعنى، 2- إنشاء معنى المعنى، 3- خلق قيم جمالية، 4- إنشاء التفاعل، 5- إحداث التأثير.

ولعل هذا التدقيق في المفهوم عند جميل عبد المجيد يأتي من إفادته واطلاعه على كثير من التعريفات والدراسات الغربية التي تناولت موضوع البلاغة الرقمية، ولذلك يعتبر تعريفه ثمرة الجهود الغربية السابقة، بل إن هذا التعريف جاء متأخرا زمنيا، فقد صُدر كتاب المؤلف سنة 2021، وهذا يعني أن المفهوم قد أصبح تصوره واضحا وبدت معالمه بارزة بعد استثمار الجهود الغربية السابقة حول ذات المفهوم.

فإذا نظرنا إلى تعريف البلاغة الرقمية محاولين المقارنة بينها وبين غيرها من التعاريف القديمة[18] والمعاصرة[19]، نكاد لا نعثر على إضافات جديدة بحيث يمكن الفصل والتمييز بين البلاغة والبلاغة الرقمية، فعبارة (استخدام تكنولوجيا المعلومات) الواردة في التعريف السابق، عبارة واسعة تشمل كل استعمال للتكنولوجيا في إنتاج الخطاب، ولا يمكن اعتبارها ماهية المعرّف، كما هو معروف في صياغة التعاريف، وخاصة التعريف المنطقي. وقد تفطن دوغلاس لهذه المسألة، فأشار إلى المهمات الأساسية للبلاغة الرقمية كي يفهم القارئ وظيفة البلاغة الرقمية ومدار أجرأتها وتفعيلها.

وفي حديثه عن المهمات الأساسية للبلاغة الرقمية توقف المؤلف عند العناصر التي أشار إليها قبله الباحث جيمس زابين (James Zappen)، وهي:

  • “استخدام الاستراتيجيات البلاغية في إنتاج النص الرقمي وتحليله
  • تحديد خصائص وسائل الإعلام الجديدة وإمكانياتها وقيودها
  • تشكيل الهويات الرقمية
  • إمكانية بناء مجتمعات اجتماعية “[20].

وأضاف دوغلاس إلى هذه القائمة العناصر الآتية:

  • “التحقيق وتطوير البلاغة التكنولوجية
  • استخدام الأساليب البلاغية لكشف واستجواب الأيديولوجيات والتكوين الثقافي في العمل الرقمي
  • فحص الوظيفة البلاغية للشبكات”[21].

وعليه، يمكن القول: إن تعريف البلاغة الرقمية لم يأخذ مفهوما موحدا يحدد ماهية المصطلح، وتبقى تعريفات البلاغة الرقمية تخضع لتصورات أحادية واجتهادات فردية كشأن تعريفات البلاغة عبر امتدادها التاريخي اليوناني والعربي.

2-1-2- مصطلح البلاغة الرقمية:

وإذا كان مصطلح البلاغة الرقمية مركبا وصفيا معلوم الموصوف (البلاغة) فإن اللفظ الواصف (رقمي) يحتاج إلى بيان، فهو يشير “إلى ترميز المعلومات في أرقام ثنائية (بت)، والتي قد تشغل حالتين متميزتين فقط (تشغيل أو إيقاف، 1 أو 0)”[22]، ويرجع أصل مصطلح (الرقمي) “إلى أصابعنا وأرقامنا، وهي إحدى الطرق الأساسية (..) التي من خلالها نفهم العالم ونكتب إلى العالم”[23]. ويعني لفظ: (الرقمي Digital) في اللغة اللاتينية “الأصابع أو أصابع القدم (..) أو (ترميز المعلومات)”[24].

وبعد الجمع بين مفهومي اللفظين، اعتبر دوغلاس أن البلاغة “طريقة تحليلية وطريقة إنتاج لإنشاء أعمال تواصلية مقنعة يتم سنها عبر هذه الأشكال الجديدة من وسائل الإعلام والتوزيع”[25].

وتحدث دوغلاس في الفصل الأول من كتابه عن مصطلح البلاغة الرقمية وعلاقته بغيره من المصطلحات المجاورة، نحو الخطاب الرقمي والعلوم الإنسانية الرقمية والنص المرئي والعلامات السيميائية، وأشار دوغلاس إلى مجموعة من المحاولات التي قام بها الباحثون من أجل تحديد مفهوم مصطلح البلاغة الرقمية[26] والتي يتقاطع مفهومها أحيانا مع مصطلحات أخرى، منها (النص) و(النص التشعبي) و(النص الرقمي) و(البلاغة) وغيرها من المصطلحات، ونبّه على أن استقرار المصطلح يتطلب فترة زمنية معتبرة تأخذ فيها المصطلحات مسارها التداولي إلى يحصل حولها شبه اتفاق على مستوى الاستعمال، فهناك من يعتبر “العمل الحالي نحو تطوير الخطاب الرقمي قد أدى (..) إلى (مزيج من مكونات منفصلة أكثر أو أقل بدلاً من نظرية كاملة ومتكاملة في حدّ ذاتها. ومع ذلك، توفر هذه المكونات المنفصلة مخططًا جزئيًا على الأقل لمثل هذه النظرية التي لديها القدرة على المساهمة في (..) النظرية البلاغية والنقدية”[27].

ويمكن الإشارة في الختام إلى أن بعض الدراسات الأمريكية استعملت مصطلحات أخرى بدلا من البلاغة الرقمية، منها (البلاغة الكهربائية Electric Rhetoric) و (البلاغة الحسابية  computational Rhetoric) و (البلاغة التقنية Technorhetoric)[28]؛ إلا أن هذه المصطلحات لم تعرف تداولا واسعا وممتدا مقارنة مع مصطلح البلاغة الرقمية. يقول دوغلاس: “على الرغم من أن ويلش (1999) استعملت (البلاغة الكهربائية) كعنوان لدراستها؛ إلا أن استخدامها كمصطلح وصفي للتحليل البلاغي للنصوص الإلكترونية لم يشهدا استعمالا واسع النطاق”[29] في الدراسات الأنجلوسكسونية والفرنكوفونية فضلا عن الدراسات العربية.

3- مرتكزات البلاغة الرقمية:

ترتكز البلاغة الرقمية على أسس نظرية تستمد مقوماتها من الأصول التي أرساها أرسطو للريطوريا اليونانية التي ظلت مرجعا لكل النظريات البلاغية التي جاءت بعده، وتستند البلاغة الرقمية على النظرية البلاغية المعاصرة، وخاصة على مستوى التحليل.

3-1- البلاغة اليونانية:

رغم تطور البلاغة الرقمية لازالت تعتمد في بناء نظريتها الجديدة على الإرث الأرسطي ونظريته الخطابية، فالبلاغة “الرقمية تستمد نظريتها وأساليبها أولا وقبل كل شيء من تقليد البلاغة نفسها”[30]، ومعلوم أن مدار البلاغة القديمة كان حول خطاب الإقناع والإمتاع، وكان نظر البلاغة إلى هذين العنصرين من جهتين اثنتين: الأولى، طريقة الإنشاء والبناء. والثانية، طريقة تحليل النص الإبداعي الأدبي وتفسيره، وفي كلتا الحالتين لم يخرج ذاك المنجز عن النسق اللغوي سواء كان مكتوبا أو منطوقا، وفي الحالتين معا تسعى البلاغة أيضا إلى البحث عن مستويين اثنين هما: الأول، جهة التداول والحجة؛ لأن الخطابة أو الريطورية في تعريف أرسطو “قوة تتكلف الإقناع الممكن في كل واحد من الأمور المفردة “[31]. والمستوى الثاني، جهة التخييل والصورة. تلك هي الدائرة العامة للبلاغة اليونانية، فهل يعدّ كافيا ما قدّمته من أدوات التحليل وعناصر البناء ومقامات الخطاب – وغير ذلك مما ارتبط أساسا بما أسميناه الدائرة العامة للبلاغة القديمة- للتعامل مع مستجدات العصر، ولاسيما الذكاء الاصطناعي وما يوفره من إمكانات هائلة في طرائق التعبير الشعري والخطابي الحجاجي؟

شهدت المادة التي تتعامل معها البلاغة نوعا من التغيير؛ ففي الفترة السابقة كانت المادة لغوية سواء كانت منطوقة أو مكتوبة، أما اليوم فقد أصبحت المادة رقميةً أضافت إلى الكتابة والنطق عناصر أخرى، مثل الصورة والحركة والأضواء، وغير ذلك ممّا يوفره الحاسوب من التقنيات الرقمية، ولا يمكن أن تتخلف البلاغة ما دامت تسعى إلى إيجاد طرائق التعبير الجميل، وما دامت تسعى كذلك إلى تحليل مختلف أنواع الخطابات، فهي تتعدى الخطاب الأدبي التخييلي والإقناعي الحجاجي إلى أنواع أخرى تقوم بدورها على الحجاج، نحو الإعلام الرقمي، والإشهار الرقمي، لكنها تختلف عمّا ألفته البلاغة القديمة التي عالجت قضايا خطابية ثلاثة: (احتفالية وقضائية وسياسية)، أما اليوم فقد توجهت البلاغة – بالإضافة إلى ما سبق- نحو الخطاب الإشهاري والتجاري والسياحي والرياضي والإعلامي وغيرها من الخطابات الإنسانية.

ورغم التحول الذي عرفه الخطاب والمادة البلاغة، لازال هناك من يجمع في نظريته بين القديم والجديد، “فحتى وقت قريب، لم تتجاوز الروابط بين البلاغة الكلاسيكية والوسائط الرقمية تطبيق التحليل البلاغي التقليدي لدور الروح والشفقة والشعارات في النصوص الرقمية”[32]. وفي سياق الحديث عن العلاقة بين البلاغة الأرسطية والبلاغة الرقمية أشار دوغلاس إلى كتاب (جيمس زابن) الموسوم بـــ (الخطاب الرقمي: نحو نظرية متكاملة)[33] الذي استخدم في نظريته وسائل الإقناع الثلاث عند أرسطو (الايتوس، الباطوس، اللغوس)، ومن النماذج التي أوردها دوغلاس حول مسألة العودة للبلاغة التقليدية، كتاب الباحثة كاثلين ويلش (Kathleen Welch) الذي يحمل عنوان: (البلاغة الكهربائية: البلاغة الكلاسيكية واللفظية ومحو الأمية الجديدة)، حيث برهنت فيه بحجج قوية على “قيمة البلاغة الكلاسيكية كأساس لتحليل أشكال التواصل الحديثة”[34]، وترى أن ذلك يقدّم قيمة معتبرة، فهي تعتمد “على العلاقات بين البلاغة والتاريخ والسياسة (..) ولا تعالج الخطاب العام والخاص فحسب، بل تعالج أيضا العلاقات المعقدة بين التعبير والفكر”[35]. وبالمقابل، قامت محاولات تسعى إلى تجاوز النظريات القديمة، لكنها باءت بالفشل، وقد أوضح هذه الفكرة مايكل كوهين (Michael Cohen) سنة 2002 حين قال: “لم ينجح أحد بعد في صياغة (خطاب للفنون الرقمية)، والحقيقة أن النصوص الرقمية لا يوجد شيء يمكن الاعتماد عليه مثل تقليد الخطاب الكلاسيكي”[36]. ولا يقف دوغلاس عند البلاغة اليونانية فقط بل يرى في البلاغة الرومانية منجزا معرفيا يمكن الإفادة منه؛ فاعتبر “نموذج شيشرون مناسبا أيضا بشكل خاص لفهم الخطاب الشبكي”[37].

ومن العناصر الأساسية التي أفادت منها النظرية البلاغية الرقمية، مقومات بنية الخطابة الأرسطية التي تشتمل على “ثلاثة أمور تحتاج إلى اهتمام خاص فيما يتعلق بالقول: الأول: هو مصادر الأدلة، والثاني: الأسلوب، والثالث: ترتيب أجزاء القول”[38]، فهذه الأجزاء تعتبر العمود الذي لا يحيد عنه التصور الأرسطي، مقابل حديثه عن عنصرين آخرين اعتبر دورهما متمّما للعناصر الثلاث السابقة، وهو ما نبيّنه باختصار وفق الترتيب الآتي:

  1.  الإيجاد: هي المهمة الأولى التي يقوم بها الخطيب -حسب التصور الأرسطي- لإنشاء نص بلاغي، حيث يبحث عن الحجج المناسبة للخطاب الذي يروم إنشاءه فضلا عن مستوى المخاطبين ونوعهم وسنّهم.

والإيجاد أو الاختراع عند دوغلاس ليس مجرد مجموعة من الموارد التي يمكن نشرها لتطوير الحجة، بل هو أيضا عنصر يحقق “التفاعل مع نصوص وسائل الإعلام الجديدة ومن خلال الخطاب الاجتماعي عبر الانترنيت”[39]، ولا يقف دور اختراع الحجج أو الإيجاد في البلاغة الرقمية عند مسألة التفاعل، بل “يؤدي الاختراع في الخطاب الرقمي إلى أنوع جديدة من النصوص، وأشكال جديدة من المعنى، وممارسات جديدة للإنتاج، ومؤسسات جديدة محتملة”[40].

  •  الترتيب: يعتبر عنصرا مهما، لكونه يشكل مدار مكونين آخرين هما: عرض الدعوى أو القضية، ثم تقديم الحجج والأدلة على صحة الدعوى والبرهنة عليها. ويضاف إلى هذين العنصرين الاستهلال والختام، وهما ليسا ضروريين عند أرسطو. أما الترتيب في نظرية البلاغة الرقمية فهو مرتبط بشكل صريح بالاختراع، حيث يسهل “تطبيقه”،[41] ولذلك اعتبر دوغلاس الترتيب في البلاغة الرقمية “فنا منتجا، وليس مجرد طريقة لتنفيذ حجة منطقية متماسكة”[42]، فقد تسمح بعض التقنيات بإعادة الترتيب للعناصر الرقمية “كما هو الحال في مناقشة النص التشعبي”[43]، وبذاك يؤدي الترتيب في البلاغة الرقمية “وظيفة بلاغية لكل من مستخدمي وصانعي النصوص الرقمية”[44].

إن الفرق بين عنصري الترتيب والاختراع في النظرية الأرسطية يتمثل في اهتمام أرسطو  كثيرا بالاختراع أكثر مقارنة مع الترتيب الذي لم يوله أهمية كبيرة، والعكس صحيح في البلاغة الرقمية، حيث ينصهر فيها العنصران ويرتبطان ارتباطا وثيقا، ولهما نفس “القدر من الأهمية لإنتاج النص الرقمي”.[45]

  •  الأسلوب: يحث أرسطو على اختيار أسلوب يناسب جنس الخطاب القولي الذي يتوخى التأثير أو الإقناع، بحيث يستطيع المتكلم من خلال خطابه نقل الاعتناق الحاصل في المقدمات، لكونها تتنزل في حيز المشترك، إلى الدعوى التي يقدمها الخطيب، فيحمل السامع بعد الاقتناع أو التأثر على الفعل أو عدم الفعل أو التخلي والحياد عن السلوك أو غير ذلك مما يروم الخطاب البلاغي تحقيقه.

ويكتسي الأسلوب أهمية معتبرة في البلاغة الرقمية، حيث “يجب أن يهتم الخطاب الرقمي بفهم جميع العناصر المتاحة لتصميم المعلومات والمستندات، بما في ذلك اللون واختيار الخط والتخطيط، بالإضافة إلى إمكانية تصميم الوسائط المتعددة مثل الحركة والتفاعل والاستخدام المناسب للوسائط”[46]، وبهذا يكون الأسلوب أحد المبادئ الأساسية التي تنبني عليها البلاغة الرقمية، فبالرغم من التجديد الحاصل في الوسائل يظل المبدأ ثابتا، ولا يمكن للبلاغة الرقمية أن تستغني عنه، وذلك ما عبر عنه “بريندان رايلي (Brendan Riley) بقوله: الكتابة الرقمية هي الأسلوب ((digital writing is style”[47].

  •  التذكر: يقصد به في الخطابة اليونانية الحفظ، وقد استعاضت عنه البلاغة الرقمية بالتخزين، وتجاوزت وظيفة الحفظ، بل تحول عنصر التذكر “من الذاكرة كمخزن للمعلومات فقط إلى اعتبار الذاكرة مجموعة من الممارسات”[48] العملية التي تتجاوز الأداء الفردي إلى خدمة متنوعة للبيانات مثل التوزيع والنشر والتفاعل وغيرها من الجوانب الأدائية.
  •  الإلقاء: هو إلقاء المحفوظ وتذكره وعرضه، ويتعلق كذلك “بطريقة استعمال الصوت ليكون مكيفا مع كل نوع من الانفعالات”[49]، فضلا عن مواصفات تخص نوع الصوت ومناسبته للمقام، وقد تم الاحتفاظ في البلاغة الرقمية بالمبادئ التي أوردها أرسطو حول هذا العنصر، لكن دوره أصبح أكثر تطورا بفضل التقنيات التي تجعل أداء الخطاب أكثر جمالية وفعالية وجاذبية مقارنة مع الطريقة التقليدية التي تعتمد على إلقاء الشخص.

ومن النماذج التي استثمرت نظرية أرسطو في دراسة النص الرقمي كتاب (بلاغة النص الرقمي: أشكال القراءة وتوقعات الممارسة/ Rhétorique du texte numérique. Figures de la lecture, anticipations de pratiques )) لألكساندرا سايمر(Alexandra Saemmer)  التي اعتمدت في دراستها على التقنيات الخمس التي تحدث عنها أرسطو لإنشاء الخطابة مع مراعاة التطور الحاصل في النص الإبداعي”[50].

وتجدر الإشارة إلى أن مكونات النص الخطابي عند أرسطو -التي سبق ذكرها- لم تكن محل نقاش بين المعاصرين حول أهمية الإفادة منها، بل كانت الخطابة الأرسطية بشكل عام نظرية احتلت مكانة متميزة، وفرضت نفسها على التنظير البلاغي الرقمي، وقد ذكر دوغلاس أن الباحثة إليزابيث لوش (Elizabeth Losh) ربطت ممارسات الإنتاج الرقمي بالمبادئ البلاغية الكلاسيكية، وناقشت الطرق التي يمكن من خلالها تطبيق البلاغة الكلاسيكية على النصوص الرقمية، فأشارت إلى أن “الخطباء منذ الإغريق قد اعترفوا بالمكانة المركزية للجمهور في الإنتاج البلاغي، لكن النشر الرقمي يجعل من الممكن الآن تقديم نداءات أكثر استهدافا مما يمكن للمرء أن يقدمه عند التحدث إلى حشد من المتفرجين غير المتجانسين”[51].

ولا يعني هذا أن البلاغة الرقمية مدينة للخطابة الأرسطية ولا تنماز عنها إلا باستعمال التقنيات الجديدة، بل الأمر ليس كذلك، فقد بيّن دوغلاس أن العناصر الخمسة للخطابة الأرسطية في علاقتها بالبلاغة الرقمية محددة من جهة واحدة هي جهة الإنتاج فقط، ولا سبيل للحديث عن جهة التحليل، يقول دوغلاس: “هناك قدر كبير من التداخل بين الاختراع والترتيب، والاختراع والأسلوب عند التفكير في إنتاج المؤلفات الرقمية”[52] وليس تحليلها، ولذلك وصف دوغلاس أرسطو بأنه “أفضل مهندس معلومات في عصره”[53]، وذلك بالنظر إلى ما صاغه من التقنيات والتصورات التي لا زالت سارية المفعول على مستوى إنتاج الخطاب البلاغي. وعليه، يمكن القول: إن البلاغة الرقمية تستمد مقوماتها الإنتاجية من نظرية أرسطو مع تعديل طرق الأداء التي تلائم ما يعرفه النص الرقمي من تطورات. وبالمقابل، تعتمد البلاغة الرقمية على النظريات المعاصرة في قراءة النصوص الرقمية وتحليلها.  

ومن هنا، جاء الانقسام بين العلماء الذين تحدث عنهم دوغلاس؛فمنهم من ركز على البلاغة الكلاسيكية، ومنهم من فضّل الانخراط في النظرية المعاصر،وذكر -على سبيل المثال- من الفريق الأول كاثلين ويلش (Kathleen Welch)  التي استخدمت إيسقراط كشخصية رئيسة في الخطاب الكلاسيكي مدافعة عن “إعادة نشر الخطاب الكلاسيكي، ومدافعة أيضا عن إعادة نشر الخطاب الكلاسيكي السفسطائي كخطوة رئيسية في تطوير نظرية بلاغية يمكن أن تفسر الإمكانات المقنعة لوسائل الإعلام الإلكترونية”[54].

ورغم الانقسام الحاصل بين الباحثين، فإن دوغلاس – بوصفه باحثا في البلاغة الرقمية- يعترف بصعوبة تطبيق مبادئ وقواعد البلاغة القديمة على الخطاب الرقمي نظرا للاختلاف الحاصل بين الأشكال الجديدة للنص الرقمي والنص المطبوع، ولذلك يجب دائما “أن نفكر فيما إذا كان بإمكاننا تطبيق الأساليب البلاغية التقليدية على هذه الأشكال الجديدة أو ما إذا كانت هناك حاجة إلى تطوير أساليب ونظريات جديدة”[55] تستطيع تحليل الإنتاج الرقمي تحليلا بلاغيا ملائما لطبيعة المنتوج الإبداعي وغاياته.

إن تطويع الأشكال الأدبية الرقمية للدرس البلاغي الأرسطي على مستوى التحليل سيؤول حتما إلى الفشل، فما أوردته النظريات البلاغية القديمة كان ضمن سياق تاريخي واجتماعي وسياسي مختلف تماما عمّا نراه اليوم، وهذا لا يعني طيّ صفحات ذلك المنجز البلاغي نهائيا، بل يمكن الإفادة منه من حيث البناء والإنتاج، وذلك بحسب ما توفره من آليات وقواعد ومبادئ منسجمة ومؤطرة للخطاب الرقمي وقابلة للتوظيف والاستعمال، مع الحرص على عدم تطويع المحتوى الرقمي الإبداعي للموروث البلاغي. 

وتجب الإشارة إلى أنه لا يمكن للنظرية البلاغية الرقمية أن تنطلق من الفراغ، بل لابد من إطار نظري معرفي تؤسس عليه النظرية الجديدة مفاهيمها وطرائقها، فإذا كانت النظرية الأرسطية سارية المفعول إلى اليوم، تتم العودة إليها حين الحديث عن البلاغة والبلاغة الرقمية مع وجود تمايز بين أشكال الخطاب والنصوص واختلاف السياق وظروف النشأة، فإن ذلك لا يمنع من الإفادة منها؛ فالتطور الذي يعرفه في الدرس البلاغي ليس إلا امتدادا للأصل وليس كيانا مستقلا يسعى إلى بَذِّ شأو مقدّم.

3-2- النظرية البلاغية المعاصرة:

يقصد بالنظرية المعاصرة “الأدبيات التي تعتمد على النظرية البلاغية المعاصرة –من فوكو، إلى دريدا، إلى كوفينو، إلى دولوز وغوتاري- لإعلام النصوص الرقمية والوسائط الجديدة والأنظمة والشبكات”[56]. ولا يمكن أن ننكر “تأثير النظرية البلاغية المعاصرة على البلاغة الرقمية”[57]، فما قدمته تلك النظرية من مفاهيم ورؤى ومقاربات لا تستنكف البلاغة الرقمية عن الإفادة منها، وذلك بحكم المعاصرة والاهتمام البلاغي المشترك بينهما إنتاجا وتحليلا؛ إلا أن الحديث عن هذه النظرية يتطلب دراسة مستقلة، فلا يمكن تناولها في هذه الدراسة، لكن سنكفي بذكر بعض العناصر منها فقط.

3-2-1 نظرية ما بعد الحداثة والوضع البلاغي:

أثمر تطور التقنيات الرقمية وظهور النصوص الرقمية والمساحات الشبكية للخطاب الرقمي “تجديد الاهتمام بالوضع البلاغي”[58] الذي يقدم الأسئلة أكثر من الإجابات. يقول دوغلاس: “إن إعادة تشكيل الوضع البلاغي من خلال نظرية ما بعد الحداثة تقدّم في النهاية أسئلة أكثر من الإجابات، لكنها أسئلة مثمرة تم تناولها على مدى العقد الماضي، وتستمر في تشكيل نظرية البلاغة الرقمية”[59]. ومن مقتضيات هذا الوضع أن يكون الجمهور متأثرا بالخطاب وفاعلا منتجا للمواقف. ويعتبر بيتزر لويد (Bitzer Lloyd) من الدارسين الذين تحدثوا عن هذه المسألة في كتابه (الوضع البلاغي، الفلسفة والبلاغة)[60].

يتضمن بناء بيتزر لويد للوضع البلاغي ثلاثة عناصر رئيسية: الحاجة الملحة والجمهور والقيود. 1- ينتج عن الحاجة الملحة الوضع، الذي “يتحكم في الاستجابة البلاغية. ليس البلاغة وليس القصد المقنع، ولكن الوضع هو مصدر وأرضية النشاط البلاغي. 2- يجب أن يكون الجمهور – حسب بيتزر- قادرًا على التأثر بالخطاب وأن يكون وسائط للتغيير. 3- القيود: تتكون من الأشخاص والأحداث والأشياء والعلاقات التي هي أجزاء من الموقف لأن لديهم القدرة على تحديد القرار والعمل اللازم لتعديل الحاجة الملحة[61].

وقد ردّ عليه وناقش أفكاره ريتشارد فاتر (Richard Vatz) من خلاله مؤلفه (أسطورة الموقف البلاغي: الفلسفة والبلاغة)[62].

3-2-2 الخطاب الرقمي والهوية الرقمية:

حاول الخطاب الرقمي تشكيل هويته بعد ظهور التقنية الحديثة التي أعقبها ظهور أشكال خطابية مغايرة عما كان معهودا منذ فترة طويلة، فلم يعد الفرد الذي يتعامل بشكل رقمي ذاك الشخص الذي كان يَمْثُل في المجتمع الأثيني أمام حشد من الناس، ويتعرّفون عليه نفسيا واجتماعيا وحركيا، وغير ذاك ممّا تتشكل منه صورته الأخلاقية عبر ملفوظات خطابه، فضلا عن تفاعله وطريقة تصرفه. أما اليوم، فقد أصبح الفرد يتعامل وفق أنماط حديثة يحتل فيها التفاعل مركزا بارزا، لكن المتلقي أو المتفاعل يواجه آلة ومحركات بحث وليس أشخاصا طبيعيين. ومن هنا، يكون المتلقي والمبدع عنصرين مختلفي الأدوار؛ حيث أصبح المنتج مستقبلا في الآن ذاته، والمستقبل يعمل على إعادة الإنتاج عبر متوالية تفاعلية رقمية مستمرة في الزمان. وهذه القضية حاضرة بقوة فـي التحليل البلاغي الرقمي الذي لا يقف على مستوى التحليل، عند المنتوج الرقمي خطابا كان أو نصا، بل يـحاول الإحاطة بالموضوع من جانبين اثنين، هما: جانب المحتوى المنشأ، وجانب التفاعل مع المحتوى الذي يترك بدوره مستويات متعددة من الإنتاجات البلاغية مع استعمال أنماط متباينة من أشكال التواصل والتعبير. ومن هنا، كانت طبيعة الخطاب الرقمي ذات أوجه متعددة تشكل في مجملها هوية رقمية تتفاعل فيها العناصر تفاعلا إيجابيا سواء في مرحلة الإنتاج أو في مرحلة التلقي التي تتحول بدورها إلى مرحلة إنتاجية أخرى، ولذلك أشير إلى بعض مستويات التحليل البلاغي الرقمي بوصفه أبرز مكون من مكونات الخطاب الرقمي الذي تتشكل منه هويته.

4- مستويات التحليل البلاغي الرقمي:

يرتكز التحليل البلاغي الرقمي على مستويات كثيرة تتعدّد بتنوع استعمال التقنيات والرسوم والصور، وغير ذلك مما تسمح به أدوات التعبير الرقمية التي يوفرها الحاسوب. وسأقف عند بعض المستويات بشكل مختصر، منها:

4-1- المقام في البلاغة الرقمية:

أصبح المقام في البلاغة الرقمية مختلفا عمّا سبق؛ فالمبدع يوجه خطابه إلى قارئ يتلقى الخطاب منفردا منعزلا، وليس إلى جماعة مجتمعة في مكان واحد، وخطابه يمكن إعادة الاستماع إليه مرارا، فلا سبيل إلى الحرص على الاستماع والإنصات حين يذاع للوهلة الأولى، فقد أصبح تلقي الخطاب اليوم أكثر تطورا واختلافا عمّا قبله، فتجده مصحوبا بإضافات حديثة مثل الموسيقى والصوت المتغير والصور المعبرة والإضاءة.. ممّا يجعل المتلقي أمام عدد هائل من الإضافات الدالة، ويتجاوز ذاك الخطاب المتلقي المحلي إلى المتلقي العالمي، فيتعدى اللغة والجنس وغيرهما من الاعتبارات التي يقتضيها المقام في البلاغة القديمة[63] التي تحاول في الغالب التأثير والإقناع والإبلاغ. وبالمقابل، نجد المتلقي يتعامل مع النص الرقمي من أجل إتمامه وملء الفراغات من أجل إعادة إنتاج المعنى، وأن يعطي للنص معنى المعنى، وذلك في سياق تفاعل مستمر بين المنشئ والمتلقي، ولعل هذا المقصد يتقاطع مع التصور البلاغي لدى ريتشاردز حين سعى إلى نقض فكرة التأثير والإقناع، وجعل وظيفة البلاغة هي “أن تكون دراسة لطرق سوء الفهم في التوصيل اللغوي”[64].

يبقى الإشكال مرتبطا بمدى قدرة الأدوات البلاغية القديمة وقواعدها على تحليل الوسائط الرقمية الجديدة، فهل تسعفنا تلك الأدوات على فهم ما تقدّمه أنظمة الحوسبة الجديدة التي يتفاعل معها الإنسان تفاعلا يتأثر به أيّما تأثر، أو يقتنع بما تمليه عليه تلك البرمجيات التفاعلية؟ فاليافعين على سبيل المثال يتفاعلون مع ألعاب الفيديو التي تقدم مجموعة من المباريات الافتراضية لكرة القدم، وتجعل هذه اللعبة المتلقي جزءا منها؛ حيث ينخرط فيها من خلال تقليد دور لاعب كرة القدم ضمن فريق افتراضي يواجه فريقا آخر، وهي برمجيات تعرف بــ (Play Station)، فهؤلاء ينخرطون تماما مع تلك اللعبة، فيقيمون لذلك مواعد ومباريات وفوزا مستحقا، وغير ذلك ممّا يجعل تلك الفئة تعيش عالما افتراضيا خاصا بها، ولا يقل أهمية عن عالم الكبار. ومن هنا، تصبح “البلاغة أداة لتجديد الإنسانية”[65] من خلال البحث عن سبل تحقيق المتعة والمنفعة لدى مستعملي الرقميات.

إنّ المقام البلاغي في هذه الحالة يدفع اليافعين “إلى اتخاذ خطوة وإجراءات بعينها كي يكون متفاعلا مع اللعبة ومحققا مكاسب وانتصارات، وتدفع به -على نحو غير مباشر- إلى نقل ما يمارسه في اللعبة إلى أرض الواقع. إنها بلاغة من نمط أو نوع خاص يطلق عليه بوجست (البلاغة الإجرائية Procédural Rhétoric)”[66].

نخلص من الحديث عن المقام في البلاغة الرقمية إلى أن وضع المتلقي اليوم لم يعد شبيها بوضع المتلقي زمن أرسطو أو الجرجاني، بل تحول إلى فاعل حقيقي يمارس الفعل ويؤثر ويتأثر ويعيد الإنتاج، وهو أيضا قارئ ومستمع ومشاهد للصورة والصوت والكتابة في آن واحد، ويتمتع بحق الرّد والتعليق والتأويل في مساحة زمنية لم تكن متاحة من قبلُ.

4-2- المحتوى الرقمي:

يتم التركيز في هذا المستوى على النظر في مجموعة من الاعتبارات الزمنية والمنهجية والتأويلية، بحيث ينظر في:

– الفاصل الزمني بين نشر محتوى الرقمي والتعليق عليه

– الفاصل الزمني بين التعليقات نفسها

– محتوى التعليقات، وعلاقته بالمحتوى الرقمي المنشور: الضحك، السخرية، الإعجاب، النقد، المعارضة، الموافقة، التشجيع، النصح، التحذير…

– طريقة العبير وعلاقته بالمنشور: أفكار، صور، رموز…

– تأويل المحتوى الرقمي وتحديد أبعاده، مقابل الاقتصار على دلالته.

إن المحلل البلاغي لا يتعامل مع المحتوى الرقمي بوصفه منتوجا أدبيا صرفا حجاجيا أو تخييليا، بل يتعامل مع محتوى انصهرت فيه مجموعة من الفنون والتقنيات، مثل الصورة والصوت والموسيقى، وغيرها من العناصر التي تستدعي تعاملا يختلف عمّا ألفه المحلل البلاغي حين كان يشتغل على المادة الأدبية، وذلك في إطار يقوم على الشعري التخييلي أو النثري بنمطيه: الحجاجي والحكائي، وإن كان ثمة تداخل بين التداولي والأسلوبي فإنه لا يخرج عن مبدأ التبعية والتأكيد للخطاب الأصلي.

أصبحت اليوم مهمة البلاغي أكثر تطورا وتعقيدا وصعوبة، إذ يلزمه الانفتاح على مختلف الخطابات، والتوسع في أدوات التحليل، والإفادة من الحقول المعرفية المجاورة للبلاغة، ولا يمكن أيضا تجاوز ما قدّمته البلاغة القديمة من آليات التحليل. هكذا يكون المحتوى الرقمي قد أصبح في عصرنا الحالي ممتدا وشاسعا يتعدى الخطاب الأدبي إلى خطابات أخرى لا تسعى إلى مخاطبة الوجدان أو تغليب الظن وتقوية التصديق فقط، بل تروم أيضا تحليل الخطاب الذي يحمل الفرد على الإسهام في أدوار الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وإن كان يتقـــاطع مـــع أهــــداف الخـطـاب الأدبي إلا أنه يربو عنه في الفعل “على أساس تحقيق مصلحة الجميع”[67]. ومن هنا، يكون التحليل البلاغي “أمام إبدال جديد، فهل نحن في مستوى التحدي”؟[68].

4-3- النص التشعبي:

يتم التعامل في التحليل البلاغي الرقمي مع الفضاء الاجتماعي الجديد (النص التشعبي Hypertext) وهو “عرض المعلومات في شكل شبكة من العقد المترابطة، يتمتع القراء فيها بحرية الإبحار (navigate) بطريقة غير خطية (non-linear) تسمح بتعدد المؤلفين، وطمس وظائف المؤلف والقارئ، وأعمال ممتدة مع حدود مترامية ومسارات متعددة للقراءة”[69]، وتكمن مهمة استعمال النص التشعبي في إنشاء وخلق “عُقد وروابط ومسارات ينشأ عنها في الاتصال التوثيق لإيقاع التصديق والتحفيز لإثارة العواطف، والتنويع لتحقيق الفهم والإفهام”[70]، فهذه التقنية تسمح للمستعمل بتصفح مجموعة من الشرائح والصفحات المختلفة ذات الصلة بموضوع واحد دون التقيد بمبدأ الترتيب، فتصبح “كل من (العقدة) و(الرابط) مهمة للخطاب الرقمي لأنها تستاء من شكلين بلاغيين متاحين للتحليل، لكن الشبكة نفسها هي التي أصبحت الشكل الأكثر قوة من حيث إمكانياتها وقيودها والطرق التي تتوسط بها المواقف البلاغية، وتؤثر على البيئات البلاغية، وتؤثر على تشكيل الهوية الرقمية”[71].

وعلى المستوى التطبيقي قدّم مارك بيرنشتاين (Mark Bernstein) استقرأ أحد عشر نمطا هيكليا أو بنيويا من التطبيقات على النص التشعبي في مجال الرواية[72]، هي: الحلقة (Cycle) – المحيط (Contour) – الطباق (Counterpoint) – عالم المرآة (The Mirro World) – التشابك (Tangle) – الغربال (Sieve) – التوليف (Montage) – المجاورة (Neighborhood) – الفصل/ الوصل (Split/Join) – الرابط المفقود (Missing Link) – خدعة الإبحار (Navigational Feint).

شكال والأاوانأ

4-4- بلاغة التلاعب:

هي محسن رقمي يعمد من خلاله المستعمل إلى استعمال تقنيات لإضفاء جمالية بصرية على النص بفضل إضافة الألوان والصور والموسيقى… ويقتضي هذا العنصر من حيث التحليل، تحديد الملاءمة بين العناصر الشكلية والمحتوى الذي يهدف النص الترويج له، حيث يتعدد بتنوع الخطابات والمخاطبين؛ كمراعاة الجنس (ذكور، إناث) والفئة العمرية (أطفال، شباب، كبار، السن..) والمناسبات (أعياد، احتفالات، أحزان..) والجهات (رسمية، غير رسمية، محلية، أجنبية، عالمية..) ومجالات التخاطب (إشهاري، سياحي، اقتصادي، سياسي، ديني..).

4-5- البلاغة المتعددة:

يقول جميل عبد المجيد: “يمكن أن نكون إزاء ضرب آخر من (البلاغة المتعددة)، ضرب لا تستند بلاغته إلى الوسائط المتعددة، بل تستند إلى الوسائط ذات السياقات المتعددة، وهذا الضرب شائع في مجال المعارضة السياسية والنقد الاجتماعي، كتلك المقاطع الساخرة المتداولة على (يوتيوب) والمتبادلة بين الناس على (واتس آب)، ويظهر فيها جزء من خطاب مسئول سياسي يعقبه جزء من مشهد مسرحي كوميدي لممثلين (..) فيبدو وكأنه تعليق أو تعقيب أو ردّ فعل على خطاب المسئول السياسي فيثير ما يثير من ضحك وسخرية واستهزاء”[73].

يقوم مقترح دراسة البلاغة المتعددة عند عبد المجيد جميل على التفاعل الذي يفضي إلى محاور أخرى، هي: محور التفاعل –  محور الاستبدال – محور التوزيع[74].

فالتحليل في البلاغة المتعددة يأخذ بعين الاعتبار تداخل الخطابات وتعددها في النص الرقمي، ويسعى إلى الكشف عن التماثل القائم بين المقاطع التي تعقب الدعوى المعروضة باعتبارها حججا ضمنية تحاول تقويض القضية المعروضة أو تعزيزها من أجل إقناع المتلقي بالفكرة التي يدافع عنها منشئ الخطاب، وتهدف بعض الأحيان المحتويات المقدّمة في البلاغة المتعددة غرضا إمتاعيا يثير الضحك والسخرية والاستهزاء.

خاتمة:

جل الدراسات المنجزة حول البلاغة الرقمية غربية الانتماء والتأسيس، ولم يظهر الاهتمام بهذا الموضوع في الساحة العلمية والفكرية العربية إلا بعد ثلاثة عقود على ظهورها في الغرب؛ ولم يتبوأ الدرس البلاغي الرقمي مكانه المستحق في الجامعة العربية بعدُ مقارنة مع الانتشار الذي يعرفه في الجامعات الأجنبية الأوربية والأمريكية.

تعتمد النظرية البلاغية الرقمية على الإرث الأرسطي وما قدمته من مفاهيم حول بناء الخطاب الإقناعي وطرق الاستدلال ومقومات النص البلاغي، فلا تنفك البلاغة الرقمية عن ذاك المنجز اليوناني، وخاصة على مستوى البناء النظري. وبالمقابل، ترتكز نظرية البلاغة الرقمية على مستوى التحليل البلاغي على النظرية المعاصرة وما تقدمه من آليات تنسجم مع نوعية الخطاب الرقمي وما يزخر به من تقنيات حديثة تفرض على التحليل البلاغي نوعا من التطور والملاءمة، وذلك في سياق مغاير لما عهده الدرس البلاغي التقليدي، حيث يتغير دور المتلقي والمنتج معا. وبالمقابل، لم تتجاوز نظرية البلاغة الرقمية بعض الإجراءات والقواعد الموروثة على مستوى التحليل. 

هوامش:


[1] ينظر: الرابط أدناه، ايمين دوغلاس (Eyman, Douglas) أمريكي يعمل مدير برامج الكتابة والبلاغة بإحدى الجامعات الأمريكية جورج ميسون (GMU)، يهتم بالبلاغة الرقمية والتواصل التقني والعلمي والوسائط الجديدة وتأليف الويب: https://english.gmu.edu/people/deyman — تاريخ الاطلاع: 06/ 02/ 2024.

[2] ينظر: الرابط أدناه، ألكسندرا سايمر (Alexandra Saemmer) هي أستاذة جامعية في علوم المعلومات والاتصالات في جامعة باريس 8، مختبر التميز في الفنون والوساطات الإنسانية (Labex Arts-H2H). وهي أيضًا مؤلفة للأدب الرقمي. https://www.eyrolles.com/Informatique/Livre/rhetorique-du-texte-numerique-9791091281461/ -:  — تاريخ الاطلاع: 13/ 02/ 2024.

[3] جميل عبد المجيد أستاذ النقد الأدبي الحديث بكلية الآداب، جامعة حلوان مصر، من مؤلفاته: نحو تحليل أدبي ثقافي (2010)، مقدمة في شعرية الإعلان (2001)، بلاغة النص (1999)، البديع بين البلاغة الربية واللسانيات النصية (1998) البيان في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها (2007).

[4]  Eyman, Douglas. Digital Rhetoric: Theory, Method, Practice. University of Michigan Press, 2015. P: 06.

[5]ينظر: جميل عبد المجيد، البلاغة الرقمية، دار كنوز المعرفة، الأردن، ط 1، 1442ھ/ 2021م، ص 9، 10.

[6] ينظر المرجع نفسه، ص 08.

[7]  Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 24.

وأشار الباحث في موضع آخر إلى مؤتمر 1989 الذي ركز على مسألة “تأثير التكنولوجيا على الدراسات الأدبية (..) وقد تم النظر في الطرق التي سهلت بها أجهزة الكمبيوتر أشكالا جديدة من النصوص، وأشكالا جديدة من تدريس اللغة الإنجليزية، وأشكالا جديدة من التفكير النقدي، وأشكالا جديدة من الرقابة الإدارية، وأشكالا جديدة من المعرفة. وفي الفئة الأخيرة ظهر مقال ريتشارد لانهام (البلاغة الرقمية: النظرية والممارسة والملكية”.  ينظر:

 Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 14.

[8]ينظر: ترجمته على الرابط: https://www.gf.org/fellows/all-fellows/richard-a-lanham/   — تاريخ الاطلاع: 03 فبراير 2024.

[9]ينظر: جميل عبد المجيد، البلاغة الرقمية، ص 17.

[10] ينظر: المرجع نفسه، ص 16.

[11] ينظر: المرجع نفسه، ص 16.

[12]  Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 16.

[13]ينظر: عبده حقي، ما هي البلاغة الرقمية؟ (نص مترجم)، الرابط: https://abdouhakkisite.blogspot.com/2021/04/blog-post_15.html — تاريخ الاطلاع: 03 فبراير.

[14] ينظر: أرسطو طاليس، الخطابة الترجمة العربية القديمة، حققه وعلق عليه: عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات الكويت، دار القلم بيروت لبنان، 1979م، ص 09.

[15] Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 16.

[16] ينظر: المرجع نفسه، ص 21.

[17]ينظر:جميل عبد المجيد، البلاغة الرقمية، ص 43.

[18] ينظر: على سبيل المثال تعريف البلاغة عند أبي حيان التوحيدي. قال: “البلاغة ضروب: فمنها بلاغة الشعر، ومنها بلاغة الخَطابة، ومنها بلاغة النثر، ومنها بلاغة المَثَل، ومنها بلاغة العقل، ومنها بلاغة البديهة، ومنها بلاغة التأويل”. أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تحقيق أحمد أمين واحمد الزين، مؤسسة هنداوي، ج02، ص 334. ويهمنا من هذا التعريف إشارته إلى قضية التأويل التي ستحظى باهتمام بالغ في البلاغة الرقمية، فكل متلق يمكن له أن يؤول النص ويعطيه معنى، فتتعدد معاني الخطاب بتعدد القراء.

[19] منها تعريف محمد العمري: “البلاغة هي علم الخطاب الاحتمالي الهادف إلى التأثير أو الإقناع أو هما معا إيهاما أو تصديقا”. انظر: محمد العمري: البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول، إفريقيا الشرق، ط2، 2012، ص 06. فقد جمع التعريف بين الخطابية والأسلوبية كما ورد في تعريف البلاغة الرقمية التي تنصهر فيها الأجناس الأدبية الإمتاعية والإقناعية.

[20]  Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 44.

[21] ينظر: المرجع نفسه، ص 44.

[22]  Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 19.

[23] ينظر: المرجع نفسه، ص 19.

[24]ينظر: المرجع نفسه، ص 19.

[25] ينظر: المرجع نفسه، ص 29.

[26] ينظر: تعريفات البلاغة الرقمية لكل من (جيمس زابن) و (هيس) في مقال: شيماء عبد الحميد عبد الغني محمد، (استخدام البلاغة الرقمية في معالجة المواقع الإخبارية الدولية للقضايا العربية؛ دراسة تحليلية وميدانية)، «مجلة كلية الآداب، جامعة الزقازق مصر»، عدد 97، عام 2021، ص 444.

[27]  Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 29.

[28] ينظر: المرجع نفسه، ص 41 -42.

[29] ينظر: المرجع نفسه، ص 42.

[30]  Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 12.

[31] ينظر: أرسطو طاليس، الخطابة، ص 09.

[32] Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 62.

[33] ينظر: المرجع نفسه، ص 62.

[34] ينظر: المرجع نفسه، ص 28.

[35] ينظر: المرجع نفسه، ص 28.

[36] ينظر: المرجع نفسه، ص 29.

[37] ينظر: المرجع نفسه، ص 66.

[38]ينظر: أرسطو. الخطابة، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط2، 1986، ص 193.

[39] Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 68.

[40] ينظر: المرجع نفسه، ص 68.

[41] ينظر: المرجع نفسه، ص 68.

[42] ينظر: المرجع نفسه، ص 70.

[43] ينظر: المرجع نفسه، ص 68.

[44] ينظر: المرجع نفسه، ص 68.

[45] ينظر: المرجع نفسه، ص 70.

[46]  Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 70.

[47] ينظر: المرجع نفسه، ص 71.

[48] ينظر: المرجع نفسه، ص 72.

[49] ينظر: بنوهاشم الحسين، بلاغة الحجاج الأصول اليونانية، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2014، ص 329.

[50] ينظر: امحمد واحميد، (البلاغة العامة وتحليل الخطاب الرقمي)، «مجلة البلاغة وتحليل الخطاب، مجلة فصلية علمية محكمة»، ع 16، عام 2022، ص 23.

[51] Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 38- 37.

[52] ينظر: المرجع نفسه، ص 64.

[53] ينظر: المرجع نفسه، ص 64.

[54] ينظر: المرجع نفسه، ص 62.

[55]  Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 18.

[56] ينظر: المرجع نفسه، ص 70.

[57] ينظر: المرجع نفسه، ص 70.

[58] ينظر: المرجع نفسه، ص 75.

[59] Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P. 76.

[60]  Bitzer, Lloyd. (1968) The Rhetorical situation. Philosophy and Rhetoric, I: I-14.

[61]  ينظر:

 Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P75:.

[62] Vatz, Richard E. (1973). The myth of the rhetorical situation. Philosophy and Rhetoric, 6(3): 154–61.

[63]نقصد بالبلاغة القديمة البلاغة اليونانية والبلاغة العربية وما يقدمان من أدوات التحليل أو البناء والإنشاء.

[64] آيفور أرمسترونغ ريتشاردز، فلسفة البلاغة، ترجمة: سعيد الغانمي، ناصر حلاوي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2002، ص 05.

[65]  L’intelligence émotionnelle un art rhétorique

Victor ferry

Ulb, groupe de recherche en rhétorique et argumentation linguistique (GRAL). Et Benoit SANS

FNRS, groupe de recherche en rhétorique et argumentation linguistique (GARL)

«Le langage et L’Homme, Vol. L, N2 (décembre 2015)» P : 156.

[66] ينظر: جميل عبد المجيد، البلاغة الرقمية، ص 29.

[67]   Lugrin, Gilles; Les Genres de l’espace payant dans la presse publique; In: Des discours aux textes; Lane, Philipe (Dir); Publication Univ Rouen Havre; 2006; P 209.

[68] ينظر: سعيد يقطين، من النص إلى النص المترابط مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط01، 2005، ص 12.

[69] Christopher Keep, Tim McLaughlin, Robin Parmar: The Electronic Labyrinth, term (Hypertext) (http://www2.iath.virginia.edu/elab/: الرابط)نقلا عن  البلاغة الرقمية، جميل عبد المجيد، ص 156.

[70] ينظر: جميل عبد المجيد، البلاغة الرقمية، ص 172.

[71] Eyman (Douglas), Digital Rhetoric. P.81.

[72] ينظر: جميل عبد المجيد، البلاغة الرقمية، ص 160.

[73] ينظر: المرجع نفسه، ص 113.

[74] ينظر: المرجع نفسه، ص 117.

قائمة المصادر والمراجع:

  • أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين، مؤسسة هنداوي.
  • أرسطو طاليس، الخطابة الترجمة العربية القديمة، حققه وعلق عليه: عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات الكويت، دار القلم بيروت لبنان، 1979م
  • أرسطو. الخطابة، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط2، 1986
  • امحمد واحميد، (البلاغة العامة وتحليل الخطاب الرقمي)، «مجلة البلاغة وتحليل الخطاب، مجلة فصلية علمية محكمة»، ع 16، عام 2022
  • آيفور أرمسترونغ ريتشاردز، فلسفة البلاغة، ترجمة: سعيد الغانمي، ناصر حلاوي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2002
  • بنوهاشم الحسين، بلاغة الحجاج الأصول اليونانية، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2014
  • جميل عبد المجيد، البلاغة الرقمية، دار كنوز المعرفة، الأردن، ط 1، 1442ھ/ 2021م
  • سعيد يقطين، من النص إلى النص المترابط مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط01، 2005
  • شيماء عبد الحميد عبد الغني محمد، (استخدام البلاغة الرقمية في معالجة المواقع الإخبارية الدولية للقضايا العربية؛ دراسة تحليلية وميدانية)، «مجلة كلية الآداب، جامعة الزقازق مصر»، عدد 97، عام 2021
  • محمد العمري: البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول، إفريقيا الشرق، ط 2، 2012