الشعر والذكاء الاصطناعي حديث عن ’خيال‘ الآلة و’مكننة‘ القصائد

ملخص البحث:

يتوقف هذا المقال عند التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، في علاقة بالمستجدات التقنية التي أفرزت وسائط جديدة فرضت رهانات حارقة وتحديات غير مسبوقة حول علاقة الإنسان بمختلف أشكال التعبير الأدبي والفني؛ مع التركيز على علاقة الشاعر بالعملية الإبداعية وما تبشر (أو تنذر به) الوسائط الجديدة من آفاق تواصلية وتعبيرية غير مسبوقية، وكيف تحولت علاقة المبدع بخياله وذاكرته، في علاقة بخيال وذاكرة الآلة، وصولا إلى النقاش حول الأسئلة التي تتناول طرق وصيغ الكتابة الإبداعية، بشكل خاص.

وبقدر ما يرصد المقال علاقة الإنسان بالآلة والمستجدات التكنولوجية المتسارعة التي يبقى الذكاء الاصطناعي آخر صيحاتها، فإنه ينتصر لما يميز الإنسان الذي “يفكر داخل جسد”، عن الآلة التي تفتقر للروح وللمخيلة، بشكل يستحضر قناعة ما فتئت تتعمق، حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على أن ينتج قصائد بحمولة عاطفية “تضاهي” مثيلتها الإنسانية.

الكلمات المفتاحية: التكنولوجيا – الشعر – الشاعر – المشاعر – الذكاء الاصطناعي – الآلة – الخيال – الذاكرة – الإنسان –  الراهن – المستقبل – التعبير – العاطفة – المحاكاة – التفكير – ..

مقدمة:

خلال محاضرة ألقاها بمكتبة الإسكندرية، قبل عقدين، حول “مستقبل الكتب”، أشار أمبرطو إيكو[i] إلى أنه كان لزاما عليه في العديد من المقابلات أن يجيب عن أسئلة، من قبيل: “هل ستؤدي الوسائط الإلكترونية الجديدة إلى موت الكتاب أو انقراضه؟”، و”هل ستؤدي شبكة الإنترنت إلي موت الأدب؟” و”هل ستقضي حضارة النصوص ذات الروابط[ii] التي نجدها على شبكة الإنترنت على فكرة “التأليف”؟”.

في سياق تعاطيه مع مثل هذه الأسئلة، في علاقة بالوسائط الإلكترونية التي ظهرت وقتها، رأى إيكو أنه “حتى بعد اختراع الكتابة لم تكن هي الوسيلة الوحيدة التي نحصل منها على المعلومات”، إذ كان هناك كذلك اللوحات والصور المطبوعة المنتشرة والتعليم الشفهي وغيرها، سوى أن الكتب أثبتت أنها “أكثر المصادر ملاءمة لنقل المعلومات”. أما الخبر السار، يضيف إيكو، فيقول إن “الكتب ستبقي ولن نستغني عنها، ليس في الأدب فقط بل في جميع الحالات التي يحتاج فيها المرء للقيام بقراءة دقيقة لنص ما، ليس فقط ليحصل منه على معلومات ولكن ليفكر في المعلومات التي يقدمها له الكتاب ويتأملها”[iii].

رأى إيكو أن ينتصر للإنسان، في طبيعته وطبائعه، مستحضرا التاريخ ودروسه، مشيرا إلى “العديد من الاختراعات التكنولوجية التي لم تؤد إلى انقراض ما سبقها من اختراعات”[iv]؛ مع انتقاده الفكرة القائلة بأن “التكنولوجيا الجديدة تمحي من الوجود كل ما سبقها”، معتبرا أنها “فكرة بسيطة وساذجة”.

ما بين تاريخ إلقاء إيكو لمحاضرته وراهننا التكنولوجي، المتسم بتطور هائل على المستوى الرقمي، جرت مياه كثيرة تحت جسر الإبداع، الشيء الذي دفع عددا من المبدعين والمهتمين إلى طرح أسئلة حارقة، تحت ضغط التحول الذي يعرفه العالم على مستوى التواصل ووسائطه الجديدة، والتي لم تكن تخطر على بال أحد؛ إلى درجة أن الحديث عن الحاضر والمستقبل أخذ أبعادا لم يكن بالإمكان تخيلها، في أوقات سابقة، بشكل عدّل من طبيعة الأسئلة التي تثار حول الكتابة الإبداعية بشكل عام، وهي أسئلة يتعلق أقصاها وأقساها، على مستوى الكتابة الشعرية، بالتحول الطارئ على مستوى النقاش الذي انتقل من تتبع “زمن الشعر” إلى مساءلة “زمن الشاعر”، ومن سؤال “ماذا نكتب؟” إلى سؤال “من يكتب؟”، في وقت تعددت فيه عناوين ما ينشر في الجرائد والملاحق والمجلات عن علاقة الذكاء الاصطناعي بالشعر؛ وهي عناوين يلاحظ عليها أنها تأتي في صيغة أسئلة ضاغطة، من قبيل: “الذكاء الاصطناعي والشعر.. هل انتهى زمن الشاعر؟”، و”الذكاء الاصطناعي.. هل يكتب الأدب والشعر؟”، و”الذكاء الاصطناعي والشعر… أي علاقة؟”، و”الشعر والذكاء الاصطناعي.. حياة أخرى!؟”، و”هل يجيد الذكاء الاصطناعي كتابة الشعر؟!”، و”الذكاء الاصطناعي.. هل يكتب الأدب والشعر؟”.

هي أسئلة، من بين أخرى، بقدر ما يشدد أصحابها على صعوبة التنبؤ بما قد يصل إليه العلم، أو الإجابة الفورية إما بـ”نعم” أو “لا” عن مضمون تلك الأسئلة، نجدها تشدد على أن الذكاء الاصطناعي إذا كان لا يستطيع، في الوقت الراهن[v]، كتابة قصيدة شعر، فإنه “بالتأكيد سيفعل ذلك مستقبلا، وإن فشل الآن، فربما يستطيع قريبا جدًا”[vi]. بل إن هناك من يستبق المستقبل، ليقول بأن الشعر الذي “سيكتبه” الذكاء الاصطناعي “سيكون نظمًا بلا روح.. ومضاهاة نصية بلا عاطفة من الكاتب.. سيكون كالاستنساخ هو ولكنه ليس هو”[vii].

خيال الآلة

التفكير في الشعر، هو من دون شك، فعل مستمر ومتجدد، يفرض على كل مرحلة تاريخية أن تفكر فيه انطلاقاً من “ذاكرة تحققه وإنجازاته”[viii]؛ لذلك ارتبط زمناً طويلا بمعطى الوزن وصرامته وبرهان البحث عن تخوم وأراض مجهولة[ix]، قبل أن يبدأ في التخفف من كل ذلك، مع مستجدات الآونة الإلكترونية، بمبرر ربط العملية الإبداعية بالتحولات الجارية على مستوى الكتابة الشعرية، والتي دفعت إلى التساؤل عن مصير من يكتب قبل البحث في شكل ومضمون وصيغة ما يُكتب.

لا يتطور الشعر بمعزل عن زمنه. هذه حقيقة لا يمكن التغاضي عنها. بالنسبة للشعر العربي، وعلى مدى تاريخه الطويل، لا يمكن إلا أن نخرج بما يؤكد هذه القناعة التي تجد صداها في شكل ومضمون وطريقة تلقي القصيدة. لذلك، ذهبت دراسات ومتابعات نقدية عديدة حول الشعر ومفهومه، إلى التأكيد على صعوبة إعطاء تعريف نهائي وموحد للشعر، من منطلق أن تنوع الأشكال والوظائف يجعل من الصعب إعطاء تعريف قار للشعر، الذي يتخذ على مدى القرون والقارات واللغات، كل الوجوه الممكنة والمتناقضة[x]، كما لو أن أي تحديد لا يبدو قادراً على احتواء هذا التعدد؛الشيء الذي يفسر سبب خروجنا بما يشبه الاقتناع بتراكم تصورات متغيرة للشعر، استمرت ليس، فقط، من فترة إلى أخرى، أو من بلد إلى آخر، بل، أيضاً، من نص إلى آخر[xi]، بشكل يعني أن “كل قصيدة جديدة يمكنها أن تضع محل السؤال تعريف الشعر، نفسه”[xii]: الشعر، هذا المفهوم الذي “لا يستقر على حال”[xiii]، الذي يبدو مرتبطاً بتسمية القصيدة، التي هي “بعيدة عن أن تكون ثابتة عبر التاريخ”[xiv]؛ وهو ما يعني أن التحديد الراسخ والمطمئن للشعر لم يعد ممكناً[xv].

في آونتنا الإلكترونية، يبقى طبيعيا أن يتزايد منسوب التخوف المستفز والأسئلة الحائرة حول علاقة الإنسان بالراهن، من جهة التطورات المتسارعة على مستوى التكنولوجيات الحديثة التي خلطت الأوراق، فارضة إعادة النظر في جملة من المعطيات حول علاقة الإنسان بالآلة، ضمن راهن “يلهث فيه قادمُه يكاد يلحقُ بسابقِه، وتتهاوى فيه النظُم والأفكار على مرأى من بدايتها، وتتقادم فيه الأشياء وهي في أوج جدّتِها”[xvi]، بشكل ينقل لـ”عصر تتآلف فيها الأشياء من أضدادها”[xvii]، من سماته الإعلاء من ثقافة الاستهلاك، الإقبال على الجاهز من السلع؛ السريع على المأكل والمشرب؛ التدبير المفوض على مستوى الخدمات؛ والتعاقد على مستوى الوظائف العادية، بل وحتى الشركات العسكرية والوكالات الخاصة للتعاقد العسكري (حتى لا نقول المرتزقة) للقتال وخوض الحروب بالنيابة مقابل المال، في عدد من مناطق الصراع والنزاع.

عهد جديد

يتعلق الأمر، هنا، بإبحار في “عهد جديد تُشترى فيه التجارب الإنسانية بشكل متزايد على هيئة وصول إلى شبكات متعددة الأوجه في المجال السايبري[xviii]. إنه زمن عولمة المال، والصناعة، والتجارة، والاتصال والثقافة”[xix]، الذي يبقى من أبرز من سماته “حالة السرعة”[xx]، و”العيش بطريقة لم تكن قابلة للتصديق، منذ نصف قرن فقط”[xxi]، حيث “الإنسانية بأجمعها تسير نحو نمط حياة يصبح فيه لجبروت المال وبطش القرار السياسي وعنف السرعة وقساوة الآلة ما يبعد الإنسان عن الإنسان”[xxii].

لم يكن لراهن بهذا الشكل إلا أن يُوَلد مزيدا من الدوخة، خصوصا بعد أضحت البشرية تقف عند “فجر حقبة جديدة”[xxiii]، تعمل خلالها الثورة التكنولوجية على تغيير حياة البشر بسرعة هائلة، تتغير فيه بشكل كبير “الطرق التي نعمل ونتعلم بها، وحتى تلك التي نعيش بها سوياً”[xxiv]. دوخة لم توفر قطاعا، بما في ذلك الأمن والبيئة والبحث العلمي والتربية والتعليم والصحة والثقافة والتجارة، إلى جانب الاستخدام المتزايد التعقيد للبيانات الضخمة، ضمن راهن يمر فيه الذكاء الاصطناعي بنمو هائل[xxv]، في وقت صار فيه بإمكان الآلة أن تزيد من قدراتنا المعرفية أو الميكانيكية، مع حديث عن إمكانية أن تؤدي إلى الاستغناء عنا[xxvi]، الشيء الذي دفع إلى تناسل الأسئلة حول سبل مواجهة القوة الهائلة لأجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، من قبيل[xxvii]: “ما هي الميزة التي سيدّعيها البشر؟”، و”هل ينبغي زرع الأقطاب الكهربائية في أدمغتهم لمساعدتهم على الاحتفاظ بمكانتهم؟”، و”ما هي المهام التي سيتخصص بها الإنسان ولا تستطيع الآلات القيام بها: الحب أم الضحك أم البكاء، مع المخاطرة بترك الخوارزميات تتولى مسؤولية الذكاء الجماعي للنظام”؟، فيما تتطلب الإجابة، في الحد الأدنى، “إعادة النظر في تلك الأسئلة التي قامت الفلسفة والبيولوجيا بسبر أغوارها لقرون: ما هو الإنسان، ليس قياسا بالآلهة أو الحيوانات، بل قياسا بالتقنيات التي أنتجها هو نفسه”[xxviii]؛ مع إبداء ملاحظة بسيطة، تقول إن “الإنسان جسد وعقل، ينتج بشكل عفوي نظريات عن العالم”[xxix]، بينما “الآلة ليست جسدا ولا عقلا، أي أنه ليس لها جسد ولا مشاعر، وتفتقر للروح، لعدم امتلاكها المخيلة الإبداعية للبشر”[xxx]؛ وهو مايعني أننا “لفهم الدور المحتمل للآلات إزاء البشر، يجب أن نضيف عنصرا حاسما آخر: الإنسان ليس فقط عقلا، فهو خلافا للآلات، يفكر داخل جسد”[xxxi].

وبهذا، لا يمكن لعلاقة الإنسان بالآلة إلا أن تدفع إلى تخيل كيفية توزيع المهام بينهما “توزيعا “فعالا””[xxxii]، بحيث تصير للإنسان المهام التي تحتاج إلى الفطرة السليمة في ما يتعلق بالعلاقات مع الآخرين، وحساسية هذه العلاقة، فضلا عن الإبداع في العلوم أو الفنون؛ بينما تصير للآلة المهام التي تحتاج إلى عمل إحصائي شاق، وحساب الظروف التي تجعل من المحتمل أن تنجح اجتماعا ما، علاوة على المهام والإجراءات التي تنفذ بروتوكولات لإدارة المواقف العادية[xxxiii].

يتعلق الأمر، هنا، بالذكاء الاصطناعي الذي يأخذ صيغة “الحدود الجديدة للإنسانية”[xxxiv]، التي بمجرد عبورها، سنكون مع “شكل جديد من الحضارة الإنسانية”[xxxv]، مع الأخذ بعين الاعتبار أن “المبدأ التوجيهي”[xxxvi] للذكاء الاصطناعي ليس أن يصبح مستقلاً أو أن يحل محل الذكاء البشري؛ لذلك تعالت أصوات بضرورة أن تتأكد البشرية من تطوير الذكاء الاصطناعي من خلال “نهج إنساني قائم على القيم وحقوق الإنسان”[xxxvii]، تبعا لسؤال حاسم يطرح نفسه على إنسان اليوم، حول نوعية المجتمع الذي نريده غدا”[xxxviii].

وللوقوف على حجم التحديات والرهانات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، في علاقة بالتطور الرقمي المتسارع، ربما يتعين علينا أن نعود سنوات قليلة إلى الوراء، مستحضرين كيف اتفق أغلب المتتبعين للشأن الثقافي على أهمية “التحرير” النفسي والفكري، الذي قامت به المواقع والمنتديات الإلكترونية، فضلا عن الشبكة الواسعة من الصداقات التي أتاحتها أمام المبدعين[xxxix].

هذه النقلة التكنولوجية، وقتها، سواء على مستوى النشر أو التواصل، جعلت الأدباء بين مرحب ومتردد. وهو واقع أرجعه البعض إلى جملة من الحواجز النفسية والذهنية، فضلا عن قصور غير مبرر، عند البعض، في التعاطي مع النشر والتواصل الإلكتروني.

هذا التردد الذي ميز التعاطي مع “الثقافة الإلكترونية”، لدى مبدعين محسوبين على أجيال سابقة، سبق أن اختصره الشاعر المغربي ادريس الملياني في عدد من الأسئلة الساخرة، حين كتب: “قد تكون الكتابة الإلكترونية مفيدة، ولكن ما الذي يتغير في القصيدة؟ هل تخرج عن بنائها القديم عندما تدخل في الموقع الجديد؟ وهل هي من قبيل الكتابة الآلية، السوريالية، بالحلم واللا وعي وما إلى ذلك من اللاءات؟ وما الذي يضفيه الإنترنت على الشعر وما الذي يضيفه إلى الشاعر؟ وما الذي يميز شاعر الموقع والعنوان الإلكتروني عن آخر ليس له إلا صندوق البريد وعنوان البيت؟ وما الإنترنت؟ هل هو نهاية التاريخ؟ أم مجرد وسيط بسيط كالجريدة والكتاب؟”[xl].

هي شهادة من بين أخرى لعدد من الكتاب المغاربة، أظهرت انخراطا في عوالم الإنترنت، بعد فترة تهيب، عكست، في جانب كبير منها، دوخة كان لها وقع الدهشة، قبل أن يتحول هذا الانخراط إلى ضرورة من ضرورات الحياة والإبداع.

أسئلة حائرة

وأخذا بعين الاعتبار سرعة التحول التي طبعت العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا في السنوات الأخيرة، تبدو استعادة بدايات تعرف الكتاب المغاربة على الكومبيوتر، مثلا، كما لو أنها تتعلق بزمن غابر، مع أن الأمر يتعلق بسنوات قليلة انصرمت، حتى أننا ما إن بدأنا بمحاولة استيعاب ما يطرحه الإبداع الرقمي من مستجدات، ونناقش علاقة الورقي بالرقمي، فيما يخص النشر والكتابة، حتى جاء مستجد الذكاء الاصطناعي ليباغتنا بما يفجره من أسئلة ويثيره من تحديات حول مستجدات الراهن البشري، في علاقة بالإبداع الشعري، مثلا، ومن ذلك[xli]: “هل سيضع الذكاء الاصطناعي الشعراء في قيلولة مفزعة؟”، و”هل سيصبح الشعر بحرا من الصفيح، وذا أحضان مهجورة؟”، “وهل سنقرأ، في المستقبل القريب، قصائد “مُمَكْنَنَة” تلتصق بالحصى المصقول، تَلمع وتَبرق وتُبهر وتُذهل، لأن “لا شيء فيها يختنق”، ولأنها مولودة من الاتساق؟”.

لا شك أن السؤال “حين يتحدد يفتح إمكانية الجواب”[xlii]. السؤال الذي لا ينبثق عن ماهية شيء من الأشياء، كما يكتب مارتن هايدغر[xliii]، إلا “عندما يصبح الشيء -الذي توضع ماهيته موضع السؤال- غامضاً وملتبساً”، و”تصبح العلاقة بين الإنسان، وما هو موضوع التساؤل واهنة أو مزعزعة”.

لذلك، وتبعا لكل الأسئلة التي تناسلت بفعل مستجدات التكنولوجيا، فقد صارت الممارسة الشعرية، بشكل خاص، والإبداعية، بشكل عام، أمام واقع جديد، يتمثل في أن “بإمكان الذكاء الاصطناعي، عبر برمجيات حاسوبية تعالج كميات لا متناهية من البُنَى الشعرية، أن يتخذ “قرارا” يفضي إلى قصائد لها وقع الطعنة على “الذخيرة الشعرية” التي أنجزها البشر عبر التاريخ”[xliv]؛ كما صار بإمكانه “أن يكون أكثر دقة في تسديد “الإبهار” والجمال والقوة إلى القارئ”[xlv].

وحيث أن لكل جديد رهبة تفرض تخوفا من التغيير، فإن مستجد الذكاء الاصطناعي في علاقة بالشعر لا يمكن إلا أن يثير أسئلة تعبر عن منسوب مرتفع من الارتباك، ضمن العلاقة التي يمكن أن تربط القصيدة بالذكاء الاصطناعي، ومن ذلك: “هل بوسع الذكاء الاصطناعي بالفعل أن ينافس تلك القصيدة التي يرتكبها شاعر لا يتردد في إلقاء نفسه إلى بحيرة تماسيح؟ هل بوسعه أن يتجاوز ذلك الشعور الإلهي الذي يكتنف هؤلاء الشعراء “الأنبياء” الذين لا يتراجعون أمام الحجارة أو السياط؟ هل بوسعه أن يتحول إلى هياج يأكل النار التي تتفصد منه، ليرتفع نحو أبعاد شعرية وفلسفية أخرى غير مطروقة؟ هل بوسعه أن يقطع المسافة بين “لَهُ أيْـطَلا ظَبْـيٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ وإِرْخَاءُ سَرْحَانٍ وَتَقْـرِيْـبُ تَتْـفُلِ” و”من أخذ النظرة التي تركتها أمام الباب؟”، وأن يتملكها وينزاح عنها ويمحوها، ويجعلها مُغْرَوْرقة بالتلاشي والغياب؟”[xlvi].

تبعا لمثل هذه الأسئلة الحائرة، لا أحد كان يتوقع، بعد النقاش الذي انطلق قبل سنوات حول تحديات الإبداع الرقمي، أن تصل التكنولوجيا إلى هذا المستوى غير المسبوق من التطور الذي يهدد مضمون العملية الإبداعية برمتها؛ كما أنه لا أحد، اليوم، بمقدوره أن يرسم مسارا واضحا لسير الأمور في المستقبل المنظور، بعد يوم، بعد شهر أو حتى سنة، على أقصى تقدير، وذلك في سياق الطفرة التكنولوجية المتسارعة والأسئلة الحائرة المرافقة لمستجد الذكاء الاصطناعي، الذي شكل “اختراقا خطيرا في مجال التكنولوجيا”[xlvii].

وفي سياق دوخة الراهن، صرنا إلى ما يشبه الاقتناع بعدم الاطمئنان إلى المستقبل بالنسبة للإنسان. ربما يكون القول الذي نُقل عن الكاتب البريطاني جورج أورويل -والذي شدد فيه على أنك إذا أردت تصوّر المُستقبل؛ فما عليك سوى أن تتخيّل حذاء عملاقًا يدهس على وجهٍ بشريٍّ إلى الأبد- يبقى أقرب مضمون يعبر عن كل تلك المشاعر التي تثيرها المستجدات التقنية المتسارعة في علاقة بالإنسان.

وبعيدا عن السياق الذي جاء فيه كلام جورج أورويل والمرامي التي سعى إليها، فإنه لا يمكن لصيغة كلامه إلا أن تلخص لحالة الدوخة التي انتابت العالم بعد أن “غير الانترنت والعصر الرقمي جذريا من أنماط حياتنا”[xlviii]، بشكل عزز المخاوف بخصوص العصر الجديد، الذي تم النظر إليه على أنه غامض ومتنوع، رميت خلاله الإيديولوجيات والحقائق غير القابلة للتغير والقوانين الصارمة جانباً، لتفسح المجال لإنجازات من كل نوع[xlix]، يتمخض عنها ما يشبه خلاصات تصف العالم الجديد، بأنه “عالم قـلــبَ عاليه سافله”[l].

مستقبل الشعر وشعر المستقبل

حاول كثيرون استشراف مستقبل الممارسة الإبداعية، فجاءت توقعاتهم دون التهديد، أو لنقل التحدي الذي يمثله “تسونامي” الثورة التكنولوجية على الإنسان والإنسانية، اليوم قبل الغد.

في منتصف القرن الماضي[li]، مثلا، كتب الشاعر الفرنسي بوريس فيان أن “الشاعر الآلي لا يخيفنا”[lii]. يتعلق الأمر، هنا، بما اعتُبر “آلة قادرة على إبداع الشعر”[liii]، ما جعلنا أمام “صورة ستسكن المتخيل الجماعي لوقت طويل”[liv]، بشكل يرمز إلى “ريبة شديدة تجاه الأدب الرقمي”[lv].

بالنسبة لفيليب بُوطز، فـ”أن “تنتج” الآلة أدبا وأن تمضي أبعد من ذلك فتبدع شعرا فهذا ما يثير أحيانا الإحساس بنوع من التدنيس لأن الأمر يفهم بمثابة تخل عن القسم الأشد إنسانية فينا، وهو الجزء المعبر عما هو أكثر صدقا وعدلا والمعبر بالخصوص عن جميع أحاسيسنا ومشاعرنا”[lvi].

وقبل نحو ثلث قرن من الآن، كتب الشاعر السوري أدونيس أن الحديث عن شعر المستقبل، الذي نفكر فيه بوعي أو بلا وعي منا، قد يهم القارئ والناقد ولا يهم الشاعر[lvii].

في حديثه عن “مستقبل الشعر” و”شعر المستقبل”، لامس أدونيس كثيرا مما نعيش اليوم على إيقاعه ووقعه، بتشديده على “المجهول” الذي ينتظر الشعر، خصوصا حين كتب: “لهذا المجهول صورة تتغير باستمرار، وبشكل متسارع. وهو تسارع سيتزايد في القرن المقبل. وفي ظني أن الإعلام، بوسائله العديدة المتنوعة، والتقنيات في مختلف أشكالها وأبعادها آخذة في احتلال الظاهر الكوني والإنساني مما سيؤدي أكثر فأكثر، إلى الفصل بين الإنسان وهذا المجهول، أعني بينه وبين ذاته العميقة”[lviii].

وقتها، لم تكن ثورة التكنولوجيا قد فرضت جنونها، بشكل نوعي ومؤثر على مستوى إبداع وتلقي القصيدة.

لكن، الجميل مع بوريس فيان وأدونيس أنهما أكدا أن لكلام الشعراء ميزة التطلع إلى المستقبل، بشكل يعاند حكم الزمن وينصت إلى التحولات؛ مع تسجيل أن أدونيس احتفظ، في توقعاته حول “مستقبل الشعر” و”شعر المستقبل”، بمكانة مؤثرة، بل كاملة للشاعر في عملية الإبداع، وذلك على عكس ما نناقشه، اليوم، من تطورات تكنولوجية تفتح المجال، في زمن الذكاء الاصطناعي، أمام كل من استبدت به رغبة كتابة الشعر، أن “يبدع” شعرا، ولو من خلال وسيط إلكتروني.

ربما سيكون من المفيد والمهم، لو طرحنا، اليوم، سؤالا على أدونيس حول “مستقبل الشعر” و”شعر المستقبل”، كما تحدث عنه قبل سنوات. المستقبل الذي صار حاضرا، حتى أنه لم يعد بإمكاننا وضع مسافة طويلة بينه وبين المستقبل الذي نتوقعه اليوم، مادام أن المستقبل أضحى يفاجئنا باستمرار، ليجبرنا على إعادة النظر في كثير من القناعات والأفكار.

في مقابل المضامين التي رصد بها بوريس فيان وأدونيس مستقبل الشعر، صارت هناك قناعة اليوم، بأنه “لا أحد يستطيع أن يجزم في شيء يتعلق بالمستقبل في زمن يقترح أربابه طرد الـشعراء من المدينة وتوظيف الروبوتات لكتابة الأغاني والقصائد العاطفية”[lix]. أكثر من ذلك، لم يعد السؤال متعلقا، بالشعراء ومستقبلهم، بل صار يتعلق بـ”مستقبل الوجود البشرى”[lx] ككل.

ضمن هذا الوضع المتحول، تطرح مستجدات الذكاء الاصطناعي أسئلة مختلفة عن كل سابقاتها، تتعلق بأساس العملية الإبداعية. ليس بـ”ما” يُكتب، بل بـ”من” يَكتب. لم يعد الأمر متعلقا باختلاف الأشكال وخصومات الشعراء وصراع الأجيال وتبدل الحساسيات، بل بما هو أخطر على الممارسة الإبداعية بشكل عام، من منطلق أن التطور التقني بسرعته وتداعياته أضحى يهدد الإبداع البشري، بدليل أننا بعد أن ناقشنا، على مدى سنوات، سؤال جدوى الشعر في زمن العولمة، صرنا اليوم، في سياق علاقة الذكاء الاصطناعي بالإبداع الأدبي والفني بشكل عام، نطرح سؤال “هل انتهى زمن الشاعر؟”، بعد أن برزت في السنوات الأخيرة، مع تطور التكنولوجيا، أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على “كتابة” الشعر، وتحليل النصوص الأدبية، وترجمة القصائد، وتأليف الموسيقى، بشكل يفتح الباب أمام آفاق جديدة للممارسة الشعرية، ويطرح أسئلة جديدة حول العلاقة بين الإبداع البشري والتكنولوجيا.

لا شك أن إحساس الشعراء بأن أوضاع الشعر لا تسُرّ، قد زاد منسوبه على مدى السنوات الأخيرة، خاصة وأننا نعيش عصراً يمكن أن يُعدَّ “فاتحة لـعصر الكائنات الإلكترونية”، وإنتاج “الإنسان الرقمي”، و”الآلة الشاعرة”، ضمن عالم افتراضي، توفّره وسائل الاتصال وشبكات المعلومات، ويضع الخيال على المحكّ[lxi]، فيما يعني القول بشعر يقرأه الجميع ويكتبه الجميع، بحسب المهتمين، شيئاً واحداً: القضاء على الشعر[lxii].

على علاقة بـ”الآلة الشاعرة”، رأت آراء، قبل نحو عقد ونصف، أن العلم يتقدّم بسرعة، إلى درجة أنك قد تصبح حاسوبا متحرّكاً، تحمل تحت جلدك شرائحَ إلكترونية تصلك بالعالم، ما يمكّنك من أن تعيش في عالم افتراضي طَوَال الوقت، ويمكنك أن تفكّر في أن الحاسوب الشخصي سيصير أحد اختراعات العصر الحجري[lxiii].

وعلى علاقة بشعر يقرأه الجميع ويكتبه الجميع، نشير إلى أن الأمر يحيل على مشاريع ومقترحات انطلقت قبل سنوات، نمثل لها باثنين، الأول: “كيف تكتب قصيدةخطوة بخطوة؟”، الذي كان عنوان دعوة على الإنترنت لتعلم كتابة الشعر، توصي بالتقيد بعشر خطوات، وصفها المقال بأنها مبسطة وسهلة؛ أما الثاني: “كيف تكتب قصيدة مبدعة وشيقة بنفسك؟”، فهو عنوان لدعوة تُبسط عملية كتابة الشعر، مما جاء في توطئتها: “أن تكتب قصيدة بنفسك ليس أمرا شديد الصعوبة”.

علينا أن نشدد، هنا، على أنه على الرغم مما تثيره مثل هذه الدعوات من ردود فعل منتقدة من قبل من يعتبرون أنفسهم شعراء، فإنه يحسب لها، على الأقل، أنها ظلت تخاطب الإنسان في ذاته ومشاعره، محتفظة له بالسيادة والقيادة على مستوى الفعل الشعري.

اليوم، لا شك أن ما نعيشه، من حديث متزايد عن الذكاء الاصطناعي، يبقى مجرد تحصيل حاصل للمسار التاريخي للبشرية، في انتقالها عبر مجموعة من الوسائط، مادام أننا نعيش في زمن يتسم بتسارع الخطوات وانفلات خيوط السيطرة من يد الإنسان، بعد أن طالت المستجدات التكنولوجية عددا من المفاهيم الأساسية التي شكلت رصيدا للإنسانية، خصوصا ما تعلق منها بالذاكرة والهوية في انتصارها للإنسان، فردا وجماعة. لذلك، يستدعي منا العصر الحالي، الذي هو “عصر جميع الأوهام”[lxiv].

في سياق هذا الوضع المتسم، على مستوى تداول الكتابة الإبداعية، بانحسار دور الشعر وتراجع مكانة الشاعر، مع تأثر مفهوم الكتابة الإبداعية، بشكل عام، بالوسائط الجديدة، لا نملك، اليوم، في عالمنا العربي، إلا تذكر زمن غابر كانت فيه للشعر قيمة مؤكدة وللشاعر مكانة معتبرة. أ لم نقرأ لابن رشيق القيرواني، في “العمدة”، أن القبيلة من العرب كانت “إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها”، مع إشارته إلى أنهم “كانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج”[lxv]؟ أما في علاقة بالنبوغ والتميز وشرط الصنعة، فيذكر الجاحظ أن “من شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولاً كريتًا وزمنًا طويلاً، يردد فيها نظره، ويُجيل فيها عقله، ويقلب فيها رأيه، اتهامًا لعقله، وتتبعاً على نفسه، فيجعل عقله، زماماً على رأيه، ورأيه عيارًا على شعره، إشفاقًا على أدبه، وإحرازًا لما خوّله الله من نعمته”[lxvi].

قصائد برعاية الذكاء الاصطناعي

اليوم، بعد أن تغيرت الأحوال، وأعطى الإنسان للآلة زمام أمره، فلم يعد الأمر متعلقا بانحسار دور الشعر وتراجع مكانة الشاعر، أو المفاضلة بين المنظوم والمنثور قديما، وبين الشعر والرواية حديثا، بل بكتابة الشعر، في علاقة بمن يكتب وكيف يكتب. ومن ذلك، أن شركة “غوغل” الأميركية العملاقة لخدمات الانترنت، طورت قبل أربع سنوات، منظومة جديدة للذكاء الاصطناعي، ذكرت تقارير إخبارية[lxvii] أنه يمكنها أن تساعد في “تأليف الأبيات الشعرية”. ونُقل عن الموقع الإلكتروني “فيز دوت أورغ”، المتخصص في التكنولوجيا، أن “غوغل” قامت بـ”تغذية المنظومة، التي تحمل اسم “فيرس باي فيرس” أي “بيت بعد بيت”، بعشرات الآلاف من الأشعار والأبيات التي نظمها أعظم شعراء العالم، حتى أصبح بمقدورها تأليف الأبيات الشعرية مع مراعاة قواعد النحو والإملاء”[lxviii]. و”من أجل الاستفادة من المنظومة الجديدة، يقوم مستخدم البرنامج بكتابة أول بيت من القصيدة بمفرده ثم يختار من بين أسماء 22 شاعرا شهيرا مسجلين على البرنامج، فتقوم المنظومة باقتراح أبيات شعرية من تأليفها حسب أسلوب الشاعر الذي تم اختياره”[lxix].

ومن بين الشعراء الأميركيين المسجلين على المنظومة الجديدة التي تتيح للمستخدم “إمكانية اختيار الشكل الشعري المراد اتباعه في التأليف، وكذا اختيار القافية المراد الالتزام بها”[lxx]، نجد إيميلي ديكسون، وروبرت فروست، وباول لورانس دونبار وإدغار آلان بو.

ونقل الموقع عن مهندس بشركة “غوغل”، قوله إنه “تم تدريب المنظومة، بحيث يمكنها أن تفهم معنى الأبيات التي تمت كتابتها، على مستوى اللفظ، مع إمكانية اختيار أفضل الأبيات التي تتناسب مع البيت السابق”[lxxi]. وأضاف أنه “حتى في حالة تناول موضوع غير شائع في الشعر الكلاسيكي، سوف تبذل المنظومة أقصى جهدها من أجل تقديم اقتراحات تتلاءم مع الموضوع الجديد”[lxxii].

وفضلا عن هذه المنظومة التي طورتها “غوغل”، بإمكاننا أن ندخل، اليوم، على أي رابط، لنقرأ، على سبيل المثال: “افتخر بنفسك وعِش إحساس شاعر حائز على جائزة باستخدام منشئ القصائد من (Canva)، وهي أداة مُنشئ نصوص برعاية (OpenAI). سرِّع العملية الإبداعية الكامنة بداخلك وأطلق العنان لسحر كلماتك ببعض الأفكار الموجزة”[lxxiii].

“أطلق العنان لرحلتك الإبداعية”، هكذا نقرأ، قبل أن نواصل: “استحضرْ روح الإلهام باستخدام مُنشئ القصائد من (Canva)، … استخدِم منشئ القصائد الذي صُمِّم لتحويل أفكارك إلى إلهام، لوضع أسس التعبير عن العبقرية الأدبية بنقرة واحدة. هل تريد بعض الأفكار لتبدأ؟”[lxxiv].

متى كان الإبداع بكل هذه السهولة؟ ومتى كان بإمكان أي كان أن يصير شاعرا، بنقرة واحدة؟ ماذا عن الفرزدق، وقوله: “تمرُّ عليّ الساعة وقلع ضِرس من أضراسي أهون عليّ من عمل بيت من الشعر”[lxxv]؟.

ينقل قول الفرزدق لتجربة شاعر متمرس، يجد صداه في كتابات النقاد العرب القدماء. ومن ذلك ما كتبه ابن رشيق، في “العمدة”: “وقيل: عملُ الشعر على الحاذقِ به أشدُّ من نقل الصخر، ويقال: إن الشعرَ كالبحر أهونُ ما يكون على الجاهل أهولُ ما يكون على العالم، وأتعبُ أصحابه قلباً من عرفه حق معرفته، وأهلُ صناعة الشعر أبصرُ به من العلماء بآلته من نحو وغريب ومثل وخبر وما أشبه ذلك ولو كان دونَهم بدرجات”[lxxvi].

بين الأمس واليوم، وفي استحضار لما يقترحه علينا التاريخ من دروس وعبر، تبقى هناك حقيقة يتعين علينا إدراكها، تتمثل في أن الأمور في تحول عميق لا يُعرف مداه، ولا توجد إمكانية لتخيل مستويات تطرفه في تطوره، بعد أن صرنا إلى مستجدات تتعلق بمصير ومستقبل الإنسان، ولدت ريبة وخوفا لدى الأفراد والجماعات، في عالم يغرق أكثر فأكثر في عدم اليقين. عالم هش، بقدر ما تتهدده الكوارث والمجاعات والأوبئة والحروب، يوما بعد آخر، يتخفف، شيئا فشيئا، من مشاعره، بشكل يبدو معه الإنسان كما لو أنه يتهيأ لعقد صفقة أو توقيع حلف مع الشيطان[lxxvii]، يبيعه روحه مقابل سعادة زائفة.

لقد جرت العادة أن ينطلق الشاعر من معيشه ومشاعره، من تجاربه وذاكرته التي تتلخص حسب المتخصصين في “قدرة النَّفْس على الاحتفاظ بالتجارب السابقة واستعادتها”. وبما أن كل تعلم يحتاج للذاكرة، فإنه “لا يمكن فصل الذاكرة عن الذكاء”.

على مستوى الإبداع الشعري، لا يمكن للذكاء الاصطناعي إلا أن يأتي مرادفا لكل ما تحيل عليه مفردات وحالات التصنع، وافتقاد البديهة والتخفف من روح وطبيعة الأشياء في تلقائيتها، بساطتها ودفئها الإنساني. أ ليس الشعر، كما يقال، وسيلة للتعبير عن الأحاسيس العميقة، والتجارب الشخصية، الشيء الذي يعني أنه “حالة ثقافية إنسانية، تعكس تجارب ومواقف ورؤى الشاعر بشكل دقيق ومعقد، لدرجة يصعب معها، على الذكاء الاصطناعي، أن يفهم هذه العواطف، أو أن ينتج قصائد ذات محتوى عاطفي أصيل تضاهي مثيلاتها الإنسانية”[lxxviii].

في علاقة الشعر بالذكاء الاصطناعي، يمكن أن ننطلق من معطى أولي يتعلق بأن هذا الأخير يفتقر إلى الإلهام، وأنه “يواجه صعوبات جمة، حينما يطبق في مجال الشعر”[lxxix]، مع إمكانية أن تمكن التكنولوجيا من المساعدة في عملية الإبداع والتداول، التي يتعين أن يبقى خلالها الإنسان المنطلق والمنتهى؛ بحيث “يمكن” للذكاء الاصطناعي أن “ينتج قصائد جديدة … فيها قسط من التعبير الشعري؛ إلا أنه مع كل هذا التطور الخارق، الذي أنجزه الإنسان ضد الإنسان أحيانا، يجب أن نقر بأن الذكاء الاصطناعي (إلى الآن، على لأقل) غير قادر بالمرة على اختراق تجربة العواطف البشرية، بالقدر نفسه الذي يستطيعه الشاعر البشري”[lxxx]، علاوة على أن “هذا الذكاء الذي يبدو للبعض خارقا، هو كطفل صغير في طور التعلم، إذا ما زوده شخص ما بمعطيات خاطئة أو أخطاء إملائية أو نحوية أو لغوية، فإن ما سيكتبه سيكون كارثة إبداعية لا صلة لها بالشعر إطلاقا”[lxxxi].

وبعيدا عن التكنولوجيا، قريبا من الشعر وما ظل يمثله على مستوى ذاكرة الأفراد وحياة الجماعات، يتم الشديد على أن الإبداع الشعري يقع، في العمق، “خارج “الإنتاج المُمَكْنَن” أو الآلي”[lxxxii]، لأنه “ليس مجرد تدوير للمنجز الشعري، وليس مجرد قاموس وتركيب وإيقاع”[lxxxiii]؛ كما أنه “ليس نوما هانئا وكسولا مع آلاف القصائد في فراش واحد”[lxxxiv]، الشيء الذي يجعلنا نفرق في الجوهر بين “الشعر الاصطناعي” و”الشعر البشري”؛ حيث “الكتابة بالدم الفائر والمالح لا تشبه الكتابة بالزيت والكهرباء”[lxxxv]، و”الكتابة بأعصاب تسيل على الركب ليست هي الكتابة بأذرع يابسة ومحايدة”[lxxxvi]. ما يعني أن هذا الشعر الذي نراه بشريا “لن يفقد حاسة الشرف”[lxxxvii]، لــ”يظل حرا طليقا خارج الاتساق والترويض، وخارج الدقة المزعجة والإتقان السهل، متحيزا إلى الجنون والارتعاش والمشقة وغبار المكانس”[lxxxviii]؛ كما “سيظل مضيئا تحت السماء المطفأة التي يقترحها علينا الذكاء الاصطناعي”[lxxxix].‎ وهو ما يؤكد الحاجة إلى “أن نحافظ على ما هو “بَشَري” في الشعر”[xc]، و”أن نقترفه بوعي تام بضراوة كل الأذرع المهددة والمزاحمة والمنافسة التي تعلن قدومها الضاج بالذكاء والمككنة”[xci]، وهو ما يعني ضرورة التخلص من البرمجة والتدوير في الكتابة الشعرية[xcii].

مخيّلة الكمبيوتر ومخيّلة الشاعر

في ورقة عنونها بـ”الذكاء الاصطناعي ضدّ محمد الماغوط”[xciii]، بقدر ما شدد الناقد والمترجم السوري صبحي حديدي على تمكن الذكاء الاصطناعي من إنجاز “قفزات نوعية ملموسة، ومبهرة أحياناً”، مكنته من “التنافس مع الذهن البشري”[xciv]، مع النجاح في “أداء مهامّ عديدة شديدة التعقيد والتطلّب ضمن نطاقات متنوعة لا تبدأ من التقنيات المختلفة ولا تنتهي عند إنشاء النصوص”؛ رأى أن هذا المستجد التقني “ما يزال يتعثر في ميدان كتابة الشعر”[xcv].

توزعت أفكار ورقة صبحي حديدي على ثلاثة أجزاء، استعرض في أوّلها سلسلة “افتراضات تنظيرية”[xcvi] حول علاقة الذكاء الاصطناعي بالشعر عموماً، وبمحاولات كتابة قصيدة. أما ثانيها فجاء تطبيقيّ الوظيفة؛ مشيرا إلى أنه، باستخدام أداة إنشاء القصائد المعروفة باسم (Canva) برعاية (OpenAI)، تم “تجريب” كتابة أربع فقرات شعرية “تحاكي” فقرات موازية في قصيدة “أغنية لباب توما” لمحمد الماغوط، من مجموعته “حزن في ضوء القمر”، التي صدرت في 1959[xcvii].

وأوضح حديدي أن الاختيار وقع على نصّ الماغوط تحديداً، لأنه ينتمي إلى شكل قصيدة النثر، الشيء الذي من شأنه أن يجنّب منشئ النصوص عراقيل العروض العربية وصعوبات الإيقاع الموزون[xcviii].

واقترح حديدي في ثالث أجزاء ورقته سلسلة مقارنات بين نصّ الماغوط وما حقّقته نصوص (Canva)، مشيرا إلى أن التجربة “تعمدت” إغفال علامات الوقف والتشكيل في هذه المفردات، بغية “إتاحة الفرصة أمام الكمبيوتر لاستكناه المعنى وتشعباته وروابطه على نحو تلقائي وبعيد عن التوجيه، أياً كان”[xcix]. وللغرض هذا ذاته، يضيف حديدي، تم تجنب أدوات الجرّ والعطف والنداء، وما إليها[c].

يشير حديدي إلى خلاصة أولى تخصّ ما سماه “الفقر الواضح في المخيّلة الكمبيوترية، بالمقارنة مع مخيّلة الماغوط”[ci]، الشيء الذي يحيل على سؤال: “إذا كان مخزون المجاز الذي يُغذّى به برنامج الكتابة هائلاً ومتنوعاً وشاملاً لميادين شتى، فهل هذا يعني تلقائياً أنّ الطاقات التصويرية للشاعر الاصطناعي سوف تكون بدورها هائلة ومتنوعة وشاملة؟”[cii].

شدد حديدي على أن ورقته “لا تنطلق مسبقاً من القاعدة التقليدية السائدة التي تقول إنّ الكمبيوتر لا يعطي إلا من مخزون ما يُغذّى به من مادّة محرضة على الشعر”[ciii]؛ مشيرا إلى أنها “تنحاز إلى رأي موازٍ يمنح الكمبيوتر فضيلة الشكّ في احتمالات كامنة لا نهائية من القدرة على التباري مع المخيّلة البشرية”[civ]. وبهذا المعنى، فإنّ النظرة إلى “التحدي الافتراضي”[cv] بين منتَج الذكاء الاصطناعي وقصيدة الماغوط، تبقى “أقرب إلى التفاؤل بالمستقبل منها إلى التعنت في ترجيح كفّة المخيّلة الشعرية البشرية، والانحياز إلى إبداعها بصفة حصرية أو تكاد”[cvi].

على سبيل الختم

أظهرت تجربة “الذكاء الاصطناعي ضدّ محمد الماغوط” أن الأمر يتعلق بـ”إنشاء النصوص”، انطلاقا من سلسلة “افتراضات تنظيرية” حول علاقة الذكاء الاصطناعي بالشعر عموماً، وبمحاولات كتابة قصيدة؛ مع تجريب كتابة فقرات شعرية تحاكي فقرات موازية في قصيدة نثر للماغوط، تم الحرص خلالها على تجنيب منشئ النصوص عراقيل العروض العربية وصعوبات الإيقاع الموزون، مع تعمد إغفال علامات الوقف والتشكيل في المفردات، وتجنب أدوات الجرّ والعطف والنداء، وما إليها.

يتعلق الأمر بـ”إنشاء” يخالف فكرة ومضمون الإبداع الذي يعني “إيجاد الشَّيْء من عدم”[cvii]، أو “ابتكار، إيجاد شيء غير مسبوق بمادّة أو زمان”[cviii].

لقد رأينا كيف أننا يمكن أن ننطلق في رصد علاقة الشعر بالذكاء الاصطناعي، من معطى أولي يتعلق بأن هذا الأخير يفتقر إلى الإلهام، وأنه “يواجه صعوبات جمة، حينما يطبق في مجال الشعر”[cix]، مع تشديد عدد من الباحثين على أن الذكاء الاصطناعي غير قادر، حتى الآن، على لأقل، على “اختراق تجربة العواطف البشرية، بالقدر نفسه الذي يستطيعه الشاعر البشري”[cx]، علاوة على أن هذا “الذكاء” إذا ما زوده شخص ما بمعطيات خاطئة أو أخطاء إملائية أو نحوية أو لغوية، فإن “ما سيكتبه سيكون كارثة إبداعية لا صلة لها بالشعر إطلاقا”[cxi].

لقد انتهى حديدي، في معرض المقارنة أو المنافسة بين الذكاء الاصطناعي وشاعر “حزن في ضوء القمر”، إلى خلاصة شددت على ما سماه “الفقر الواضح في المخيّلة الكمبيوترية، بالمقارنة مع مخيّلة الماغوط”، الشيء الذي يعني أن هذا المستجد التقني “ما يزال يتعثر في ميدان كتابة الشعر”، بل إن هناك من يقول بأن الشعر الذي قد “يكتبه” الذكاء الاصطناعي في المستقبل “سيكون نظمًا بلا روح”، و”مضاهاة نصية بلا عاطفة”، و”كالاستنساخ هو ولكنه ليس هو”[cxii].

إن الشعر لا يتطور بمعزل عن زمنه، كما رأينا، حيث أنه استطاع أن يصمد في وجهه التحولات والإبدالات المتعلقة بالزمن والحساسيات والأشكال، من دون يفقد جوهره الذي يتعالى على الوسائط والتحديدات. لذلك، نجد أنفسنا، اليوم، إزاء قناعة تؤكد اتفاقا بين المبدعين والنقاد حول الشعر ومفهومه. أ لم يكتب خورخي لويس بورخيس، في كتابه “صنعة الشعر”، تحت عنوان “لغز الشعر”، أننا “نعرف ما هو الشعر. نعرف ذلك جيدا إلى حد لا نستطيع معه تعريفه بكلمات أخرى، مثلما نحن عاجزون عن تعريف مذاق القهوة، واللون الأحمر أو الأصفر، أو معنى الغضب، الحب، الكراهية، الفجر، الغروب أو حب بلادنا. هذه الأشياء متجذرة فينا بحيث لا يمكن التعبير عنها إلا بهذه الرموز المشتركة التي نتداولها”[cxiii]؟

ما عبر عنه بورخيس، سيعبر عنه الشاعر المغربي جمال بدومة، في قصيدة حملت عنوان “سبب الشعر”، يقول فيها: “املأ يديك بالهواء .. املأهما إلى الآخر .. هل يعرف بودلير؟ قل لي. وما سبب الشعر؟ أشياء غامضة في السقف .. قل لي ما سبب الشعر .. واملأ يديك في الهواء”[cxiv]. “هو الشعر”، يقول شاعر مغربي آخر، هو أحمد لمسيح، الذي شدد على أن الشعر “هو الذهاب إلى الموت رقصاً على خيط من رماد، دمعة مخفية في أهداب الطفولة، نداء المجهول، استجابة الصرخة للعدم، ماء كامن في الصخر، قبر بابه جرح. هو الوهم. هو الحياة في المحو. هو كلام يخيط كلاما ليمحو كلاما من أجل كلام، يلبس فيه الكلام الكلام ويمضي إلى جحيمه في زهو وانتشاء”[cxv].

لا يمكن لمثل هذه المشاعر المنتصرة للشعر الذي يصعب ضبطه وتحديده، إلا أن يعني، في آونتنا الإلكترونية، أننا بصدد “حالة ثقافية إنسانية، تعكس تجارب ومواقف ورؤى الشاعر بشكل دقيق ومعقد، لدرجة يصعب معها، على الذكاء الاصطناعي، أن يفهم هذه العواطف، أو أن ينتج قصائد ذات محتوى عاطفي أصيل تضاهي مثيلاتها الإنسانية”[cxvi].

د. عبد الكبير الميناوي (أستاذ باحث في الأدب الحديث الكلية متعددة التخصصات _ أسفي جامعة القاضي عياض / مراكش _ المغرب)

هوامش:


[i] أمبرطو إيكو، مستقبل الكتب، على الرابط:  https://alsafahat.net/blog/?p=170

[ii] hypertexts

[iii] أمبرطو إيكو، مستقبل الكتب، ر. س.

[iv] ر. ن.

[v] نميل، في تعريف “الراهن”، إلى الأخذ بالتحديد الذي قال به عبد اللطيف الوراري، أي “الزمن الرهين لوقته ولحظته. الآن، الحاضر والمتعين حالا ومآلا”، أي “ما انتهى إليه زمن الكتابة في الشعر، في سيرورات متشعبة ترفد أكثر من معنى، أكثر من تاريخ؛ وهو، بهذا المعنى، ما يفتأ يتغير ويتحول، بحيث يستمر في التشييد وإعادة البناء الذي لا يكل، شبيها بذلك التوتر الدائم الذي لا يهدأ بين الحاضر وما هو ضد الحاضر لأجل أن يظل الحاضر مغايرا” – عبد اللطيف الوراري، في راهن الشعر المغربي / من الجيل إلى الحساسية، منشورات دار التوحيدي، الرباط، ط.1، 2014، ص. 23.

[vi] تزفيطان تودوروف، الشعر دون نظم، مجلة فصول، المجلد 15، العدد 2، القاهرة، 1996، ص، 268.

[vii] م. ن، ص، ن.

[viii] عبد الكبير الميناوي، “قصيدة النثر” شكلاً متمرداً… وملتبساً، جريدة الشرق الأوسط، لندن، عدد سبتمبر 2020، ص. 21.

[ix] أحمد صعيد طنطاوي، الذكاء الاصطناعي.. هل يكتب الأدب والشعر؟، على الرابط: https://gate.ahram.org.eg/News/4808133.aspx

[x] La Poésie, Formes et Fonctions, E. Armand Colin, 1ère édition, Paris 1989, 6.

[xi] تزفيطان تودوروف، الشعر دون نظم، م. س، ص، 268.

[xii] Dessons (Gérard), Introduction à l’Analyse du Poème, E. Bordas, Paris, 1991, p. 3.

[xiii] محمود درويش، حيرة العائد، دار رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2007، ص. 109.

[xiv] Dessons (Gérard), Introduction à l’Analyse du Poème, p. 3.

[xv] محمد بنيس، الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها _ التقليدية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1991، ص. 26.

[xvi] نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات / رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، سلسلة عالم المعرفة، الرقم 265، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآدابـ الكويت، يناير 2001، ص. 9.

[xvii] م. ن، ص. ن.

[xviii] جيريمي ريفكن، عصر الوصول / الثقافة الجديدة للرأسمالية المفرطة، ترجمة صباح صديق الدملوجي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط.1، 2009، ص. ص. 35. 36.

[xix] محمد بنيس، الحق في الشعر، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط. 1، 2007، ص. 15.

[xx] م. ن، ص. ن.

[xxi] م. ن، ص. ن.

[xxii] م. ن، ص. 11.

[xxiii] أودري أزولاي، نحو أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، على الرابط: https://www.un.org/ar/44267

[xxiv] ر. ن.

[xxv] ر. ن.

[xxvi] دانيال كوهين، الإنسان الرقمي والحضارة القادمة، ترجمة علي يوسف أسعد، منشورات صفحة سبعة، الجبيل، السعودية، ط. 1، 2022، ص. 24

[xxvii] م. ن، ص. ن.

[xxviii] م. ن، ص. ن.

[xxix] م. ن، ص. ص. 24. 25.

[xxx] م. ن، ص. 39.

[xxxi] م. ن، ص. 31.

[xxxii] م. ن، ص. 46.

[xxxiii] م. ن، ص. ص. 46. 47.

[xxxiv] أودري أزولاي، نحو أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ر. س.

[xxxv] م. ن، ر. ن.

[xxxvi] م. ن، ر. ن.

[xxxvii] م. ن، ر. ن.

[xxxviii] م. ن، ر. ن.

[xxxix] ترى زهور كرام أن الزمن الراهن يشهد شكلا جديدا في التجلي، بسبب الثقافة التكنولوجية، التي غيرت إيقاع التعاملات الفردية والجماعية، كما سمحت، بفضل وسائطها الإلكترونية والرقمية، بجعل الكل منفتحاً على بعضه، ضمن شروط الثقافة الموحدة رقمياً _ زهور إكرام، الأدب الرقمي .. أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية، دار رؤية للنشر والتوزيع، بيروت، ط.1، 2009، ص.14.

[xl] ادريس الملياني، سديانة الشعر، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط. 1، 2003، ص. 35.

[xli] سعيد منتسب، الشعر والذكاء الاصطناعي.. حياة أخرى!؟، على الرابط:

[xlii] إلياس خوري، دراسات في نقد الشعر، دار ابن رشد، بيروت، ط. 1، 1979، ص. 9.

[xliii] مارتن هايدغر، ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقا؟ – هيدرلين وماهية الشعر، ترجمة فؤاد كامل عبد العزيز ومحمود رجب السيد، راجعها على الأصل اليوناني وقدم لها عبد الرحمان بدوي، دار النهضة العربية، بيروت، 1964، ص. 39.

[xliv] سعيد منتسب، الشعر والذكاء الاصطناعي.. حياة أخرى!؟، ر. س.

[xlv] ر. ن.

[xlvi] ر. ن.

[xlvii] محمد الديهاجي، الذكاء الاصطناعي والشعر… أي علاقة؟، جريدة القدس العربي، لندن، عدد 21 سبتمبر 2023، ص. 19.

[xlviii] إلزا غودار، أنا أوسيلفي لإذن أنا موجود / تحولات الأنا في العصر الافتراضي، ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، ط. 1، 2019، ص. 31.

[xlix] جيريمي ريفكن، عصر الوصول / الثقافة الجديدة للرأسمالية المفرطة، م. س، ص. 361.

[l] م. ن، ص. 362.

[li] 1953.

[lii] Vian, Boris, Un robot-poète ne nous fait pas peur, Ateliers Geeks, Paris, 2023.

[liii] فيليب بوطُزْ، ما الأدب الرقمي؟، ترجمة محمد أسليم، مجلة علامات، العدد 35، مكناس، 2011، ص. 102.

[liv] م. ن، ص. ن.

[lv] م. ن، ص. ن.

[lvi] م. ن، ص. ن.

[lvii] أدونيس، النص القرآني وآفاق الكتابة، دار الآداب، بيروت، ط. 1، 1993، ص. 116.

[lviii] م. ن، ص. 117.

[lix] نوري الجراح، مصطلح “قصيدة النثر” غير مريح، حاورته مي نجيب، مجلة الثقافة العربية، العدد 409، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، سبتمبر 2024، ص. 12.

[lx] م. ن، ص. ن.

[lxi] طارق عبد الواحد، خيال الآلة ومستقبل الشعر، مجلة الغاوون، بيروت، العدد 22، كانون الأول، 2009، ص.17.

[lxii] أدونيس، زمن الشعر، دار الساقي، بيروت، ط. 6، 2005، ص. 127.

[lxiii] طارق عبد الواحد، خيال الآلة ومستقبل الشعر، م. س، ص.17.

[lxiv] إيف بونفوا، ما يهم الشعر هو تدمير الأيديولوجيات، على الرابط : http://www.jehat.com/Jehaat/ar/Ghareeb/5-12-10.htm

[lxv] ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ج.1، دار الجيل، بيروت، 1972، ص. 65.

[lxvi] الجاحظ، البيان والتبيين، ج. 2، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط.7، 1998، ص. 8.

[lxvii] منظومة ذكية من “غوغل” للمساعدة على نظم الشعر، جريدة الشرق الأوسط، لندن، عدد 29 نوفمبر 2020، ص. 17.

[lxviii] م. ن، ص. ن.

[lxix] م. ن، ص. ن.

[lxx] م. ن، ص. ن.

[lxxi] م. ن، ص. ن.

[lxxii] م. ن، ص. ن.

[lxxiii] مُنشئ القصائد عبر الإنترنت، على الرابط: https://www.canva.com/ar_eg/create/poem-generator/

[lxxiv] م. ن، ر. ن.

[lxxv] ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، م. س، ص. 204.

[lxxvi] م. ن، ص. 17.

[lxxvii] “وفقا للاعتقاد المسيحي التقليدي في الشعوذة، فإن الصفقة مع الشيطان هي اتفاق بين شخص بشري وبين شيطان أو روح شريرة، حيث يبيع الشخص روحه في مقابل خدمات شيطانية، وتتنوع طبيعة هذه الخدمات بحسب الحكاية أو القصة، ولكنها تشمل في أغلبها الشباب والمعرفة والثروة والشهرة أو السلطة. قديما كان يُعتقد أن بعض الأشخاص يقومون بهذا النوع من الصفقات كعلامة على الاعتراف بأن الشيطان هو سيدهم، وبدون أن يحصلوا على مقابل، إلا أنه حتى في هذه الحالة فإنها لا تزال تعتبر صفقة خطيرة، حيث أن ثمن صداقة الشيطان هو روح من يريد صداقته”: صفقة مع الشيطان، نقلا موقع “ويكيبيديا”، على الرابط: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9_%D9%85%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86

[lxxviii] محمد الديهاجي، الذكاء الاصطناعي والشعر… أي علاقة؟، م. س، ص. 19.

[lxxix] م. ن، ص. ن.

[lxxx] م. ن.

[lxxxi] م. ن.

[lxxxii] سعيد منتسب، الشعر والذكاء الاصطناعي.. حياة أخرى!؟، ر. س.

[lxxxiii] م. ن، ر. ن.

[lxxxiv] م. ن، ر. ن.

[lxxxv] م. ن، ر. ن.

[lxxxvi] م. ن، ر. ن.

[lxxxvii] م. ن، ر. ن.

[lxxxviii] م. ن، ر. ن.

[lxxxix] م. ن، ر. ن.

[xc] م. ن، ر. ن.

[xci] م. ن، ر. ن.

[xcii] م. ن، ر. ن.

[xciii] صبحي حديدي، الذكاء الاصطناعي ضدّ محمد الماغوط، جريدة القدس العربي، لندن، عدد 14 أبريل 2024، ص. 19.

[xciv] م. ن، ص. ن.

[xcv] م. ن، ص. ن.

[xcvi] م. ن، ص. ن.

[xcvii] م. ن، ص. ن.

[xcviii] م. ن، ص. ن.

[xcix] م. ن، ص. ن.

[c] م. ن، ص. ن.

[ci] م. ن، ص. ن.

[cii] م. ن، ص. ن.

[ciii] م. ن، ص. ن.

[civ] م. ن، ص. ن.

[cv] م. ن، ص. ن.

[cvi] م. ن، ص. ن.

[cvii] إبداع، على الرابط: https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A5%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%B9/?

[cviii] ر. ن.

[cix] محمد الديهاجي، الذكاء الاصطناعي والشعر… أي علاقة؟، م. س، ص. 19.

[cx] م. ن. ص. ن.

[cxi] م. ن.  ص. ن.

[cxii] م. ن، ص، ن.

[cxiii] خورخي لويس بورخيس، صنعة الشعر، ترجمة صالح علماني، دار المدى للإعلام والثقافة والفنون، بغداد – بيروت – دمشق، ط. 2، 2014، ص. 31.

[cxiv] جمال بدومة، نظارات بيكيت، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، ط.1، 2006، ص. 132.

[cxv]  أحمد لمسيح، اعتناق العشق، على الرابط: http://www.zajal-lemsyeh.com/idaat.html

[cxvi] محمد الديهاجي، الذكاء الاصطناعي والشعر… أي علاقة؟، م. س، ص. 19.

مراجع

  • كتب بالعربية أو معربة:
  • الجاحظ، البيان والتبيين، ج. 2، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط.7، 1998.
  • ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ج.1، دار الجيل، بيروت، 1972.
  • أدونيس، النص القرآني وآفاق الكتابة، دار الآداب، بيروت، ط. 1، 1993.
  • أدونيس، زمن الشعر، دار الساقي، بيروت، ط. 6، 2005.
  • عبد اللطيف الوراري، في راهن الشعر المغربي / من الجيل إلى الحساسية، منشورات دار التوحيدي، الرباط، ط.1، 2014.
  • محمود درويش، حيرة العائد، دار رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2007.
  • محمد بنيس، الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاتها _ التقليدية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1991.
  • محمد بنيس، الحق في الشعر، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط. 1، 2007.
  • نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات / رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، سلسلة عالم المعرفة، الرقم 265ـ منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآدابـ الكويت، يناير 2001
  • زهور إكرام، الأدب الرقمي .. أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية، دار رؤية للنشر والتوزيع، بيروت، ط.1، 2009.
  • ادريس الملياني، سديانة الشعر، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط. 1، 2003.
  • إلياس خوري، دراسات في نقد الشعر، دار ابن رشد، بيروت، ط. 1، 1979.
  • جمال بدومة، نظارات بيكيت، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، ط.1، 2006.
  • جيريمي ريفكن، عصر الوصول / الثقافة الجديدة للرأسمالية المفرطة، ترجمة صباح صديق الدملوجي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط.1، 2009.
  • إلزا غودار، أنا أوسيلفي لإذن أنا موجود / تحولات الأنا في العصر الافتراضي، ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، ط. 1، 2019.
  • دانيال كوهين، الإنسان الرقمي والحضارة القادمة، ترجمة علي يوسف أسعد، منشورات صفحة سبعة، الجبيل، السعودية، ط. 1، 2022.
  • مارتن هايدغر، ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقا؟ – هيدرلين وماهية الشعر، ترجمة فؤاد كامل عبد العزيز ومحمود رجب السيد، راجعها على الأصل اليوناني وقدم لها عبد الرحمان بدوي، دار النهضة العربية، بيروت، 1964.
  • خورخي لويس بورخيس، صنعة الشعر، ترجمة صالح علماني، دار المدى للإعلام والثقافة والفنون، بغداد – بيروت – دمشق، ط. 2، 2014.