التحليل الاجتماعي لأدب مي زيادة

محمد عبد الرحمان .او 

مي زيادة أديبة وشاعرة، ورائدة نسائية، ذائعة الصيت، لبنانية ولدت في فلسطين، وحققت شهرتها في مصر، خاصة عن طريق صالونها الأدبي, ودورها في تمكين المرأة المصرية وتقويتها. ورسمت ميّ زيادة من خلال دراستها الموضوعات الاجتماعية التي عالجت في أدبها.

ولدت ماري[1] ابنة الياس زيادة في الناصرة بفلسطين سنة 1886م حيث كان أبوها اللبناني الأصل يدرس في أحد المعاهد الحكومية. انتقلت أسرتها إلى لبنان لما بلغت الرابعة عشرة من عمرها، فأدخلت مدرسة الراهبات في عنطورة. ثم انتقلت مع الأسرة إلى مصر حيث تولى أبوها ادارة المجلة “المحروسة”. وقد قوي ميلها إلى اللغة العربية، بل كانت تحسن تسع لغات أوروبية منها الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإسسبانية والإيطالية واليونانية الحديثة .

وفي سنة 1910م أصدرت كتابها الأول بالفرنسية “أزهار حلم” باسم ايزيس كوبيا المستعار، ثم بدأت تنقل إلى العربية بعض القصص الألمانية والإنكليزية, ثم عادت إلى لبنان ثم إلى مصر وأسهمت في تحرير مجلة ” المحروسة”. فاشتهر وطار صيتها بين أرباب الأدب والثقافة أمثال لطفي السيد، واسماعيل صبري، وطه حسين، وخليل مطران، ومصطفى صادق الرافعي وغيرهم. كتبت مي مقالات وأبحاثا مختلفة نشرتها في “الأهرام” و”الهلال” و”المقطم” و”المقتطف” وكانت مولعة بكتابات جبران خليل جبران، فراسلته وراسلها، وأحبته وأحبها. و”الشيء الراهن أن العلاقات التي نشأت بينهما كانت سامية وقوية، تجاوزت حد الصداقة إلى المحبة التي نشأ بين الأرواح[2] “. توفيت سنة 1941م.

شخصيتها

وكانت مي زيادة شخصية الأنوثة الجذابة الفاتنة وعذوبة الصوت والكلمة والنورانية والنغم الصدّاح. وقال حنا الفاخوري نقلا عن الدكتور زكي مبارك:”الآنسة مي هذه شخصية صحيحة النسب إلى حوّاء. هي شخصية نسائية في كل شيء. قلبها قلب امرأة، وعواطفها عواطف امرأة، وأسلوبها في الكتابة والخطابة والحديث أسلوب فتاة خلوب، تعرف كيف تغزو الصدور والقلوب، هي فتاة مخضرم جمعت بين الشمائل المصرية والشامية، واطلعت على آداب كثيرة لأمم مختلفة، وعرفت كيف كان يفكر العرب وكيف يفكر المصريون والفرنسيون والإنكليز والألمان”[3].

آثارها: ولها آثار أدبية كثيرة ومنها :- “أزهار حلم” ، و”باحثة البادية[4]” و” كلمات وإشارات” و” سوانح فتات” و”المساوات” و”الصحائف” و”بين الجزر والمد” و”ظلمات وأشعة” و”ابتسامات ودموع[5]” و” الحب في العذاب[6]” و”رجوع الموجة[7]“.

الكاتبة الاجتماعية

تعتبر القيم الاجتماعية محصلة لتجربة الأفراد والجماعات خلال مسارها التطوري في مواجهتها للظروف التي صادفتها. ووظيفة الفن الأدبي أن تغوص في أعماق الحياة الاجتماعية لأنه ينبع من حياة الناس حتى يصبح جزءا منها وليس ناقلا لصورها فقط[8]. أما المجتمع يتطلعون إلى من يقوم بدور التعبير عن آلامهم وآمالهم. استخدمت مي زيادة قلمها لمعالجة القضايا الاجتماعية وتحقيق ذات المرأة وترقيتها. فعالجت مواضيع مختلفة في دراستها وكتاباتها, ومن أهمها حقوق المرأة وواجباتها وتعليم المرأة ومكانة المرأة في المجتمع وتأثيرها. بدأت مي حياتها الإجتماعية بأن أعدّت في بيتها صالونا كان يجتمع فيه كبار الأدباء, وأهل الرأي في يوم الثلاثاء من كل أسبوع وكان هذا الصالون في شارع عدلي فى القاهرة.

كانت مي ذات مواهب أدبية فريدة وقد أعطى الله لها ذوقا فنيا وعمقا في التفكير وكانت تعالج الأدب نظرا وعملا. وكانت مي مخلصة لبلادها وابناء بلادها، وكان لها تأثير عميق في الفن والأدب. وكانت كاتبة الاجتماعية التي جمعت في طبيعتها حكمة الفيلسوف وخيال الشاعر ونظرة المصلح الاجتماعي. مالت إلى المجتمع ومعالجة مشاكل المجتمع في عمق وعطف. كتبت كتبا وأبحاثا التي تظهر فيها آرائها الاجتماعية. وكان لها يد قوية في حركة التحرير العالمية وتحطيم نير العبودية. ولها مساهمة مرموقة في اليقظة العالمية في عالم المرأة والمطالبة في حقوقها وباشتراكها في العمل، واليقظة الإنسانية في سبيل الإنسان وسائر حقوقه. وكان سلاحها لإصلاح المجتمع ويقظته عقل مفكر.

انضمت مي إلى الحركة النسائية واشتركت في الاجتماعات التي كانت تعقدها في الجامعة المصرية القديمة. “والمرأة في نظر مي، خلقت لتكون امرأة، ومن طبيعة وجودها أن تكون جميلة ولا بد للمرأة من أن تصقل جمالها بالزينة والأناقة والكياسة[9]“. وفي رأي مي زيادة المساوات بين الرجل والمرأة بدعة وحماقة لأن المساوات بين الرجل والمرأة عدوان على المرأة وعلى الرجل أيضا لأن فخر الرجل في كمال رجولته وفخر المرأة في كمال أنوثتها. أن الرجولة قوة ونضال وحرص على الظفر، فالأنوثة عطف وحنان ومحبة. فالمرأة عند مي”هي منشودة الرجل ونبلها موضع اتكاله، وعذوبتها مستودع تعزيته، وبسمتها مكافأة أتعابه[10]“. دعت مي إلى تحرير المرأة والإقرار بحقوقها وحرصت على الاعتراف بفضل الرجال من أنصار المرأة.

الكاتبة مي زيادة من القليلات التي دافعت عن حقوق المرأة, والتي كانت بقلمها تصرخ بأعلى صوتها , منتقدة التراث والعادات القبلية البالية, كانت صوتا لا يهدأ من أجل تعليم المرأة كيف تناضل ,وكيف تستطيع أن تحصل على حقها ليس كشريك أساسي في الحياة مع الرجل ,بل كونها الأساس في تربية المجتمع. ينظر إلى المرأة بصفتها حرمة تعيش حصارا مخيفا بين مطرقة المجتمع وتقاليده، وسندان التمرد على أنماط الفكر التقليدي، فضلا عن شعورها بغربة دائمة بفعل انتماءاتها المتعددة.

عالجت في كتاباتها جوانب شتى للتمييز ونادت بمساواة الإنسان مع تنوع الطبقات والكفاءات لأنها نتيجة الطبيعة لتنظيم المجتمع. لقد لاحظت مي أن تنظيم طبقات المجتمع قد يختلف من نظام إلى آخر، وقد حاولت توضيح مبدأ السعي إلى المساواة والعدالة من خلال مجتمعات, أبرزها المجتمع الأرستقراطي والمجتمع الديموقراطي[11]. تحدثت مي عن الاشتراكية أيضا اعتبرتها دعوة من دعوات العدالة والمساواة. ظهرت آثار الاشتراكية السليمة في أفكار مي زيادة وكتاباتها.

ناولت مي الديموقراطية عن طريق تنازع القوي الطبيعية. فرقت مي بين ديموقراطية الحاضر وديموقراطية الماضي. عالجت مي زيادة السلوك الفكري والثقافي والاجتماعي من خلال موضوعين الأول: أهمية الفكر والثقافة ودورها في المجتمع والثاني: دور الصحافة في النشاط الإنساني. وناولت في كتابتها قضية الفقر نظرا إلى اتصالها بحياة الإنسان. ناولت القضية الاجتماعية والجنسية مثل الزواج وقضية الأخلاقية خلال مخلفاتها القيمة.

قامت مي لتنمية المجتمع خاصة لحقوق النساء وواجباتهن. أطلق أدباء عصرها على مي “عروس الأدب النسائي” لما كانت لها من ثقافة وعلم، ونادت بتحرير المرأة وطالبت بحقوق المرأة المهدورة والتي نادت بها الأديان، والتي ساوت بين الرجل والمرأة ورأت أن من أهم حقوق المرأة التعليم الذي يهذب طباعها وينمي ملكتها. كانت مشحونة بحلم التنوير والتطوير ومأخوذة بالمعرفة. ومزودة بكنوز من تراث ومن الآداب العالمية.

وهي في كل ما كتبت تجد طموح الأقلام المستنيرة إلى التجديد الأدبي إبداعا في الشكل التعبيري وفي المضمون الفكري، فضلا عن أنها تجسد طموح امرأة العربية إلى الحياة وطموح الأمة إلى الوصول. لقد عالجت مي زيادة موضوعات كثيرة في مؤلفاتها فبدت منها امرأة ذات منظور اجتماعي .

الهوامش

1- اختارت فيما بعد اسم “مي ” مختزلا من ” ماري زيادة ” أي منحوتا من أول حرف وآخر حرف لاسمها الأصلي ” ماري”

2- الفاخوري، حنا: الجامع في تاريخ الأدب العربي الأدب الحديث : دار الجيل بيروت ( ص : 252)

3- نفس المرجع (ص: 253)

4- درست فيه ميّ شخصية ملك حفني ناصف ونظريتها الاجتماعية

5- منقولة عن الألمانية

6- منقولة عن الإنكليزية

7- منقولة عن الفرنسية

8- تيّم ، منى الشرافي: الأدب ميّ زيادة في مرايا النقد : الدار العربية للعلوم ناشرون ، ط 1 : 2010م (ص :137)

9- الفاخوري ،حنا : الجامع في تاريخ الأدب العربي الأدب الحديث : دار الجيل بيروت ( 261)

10- ظلمات وأشعة ( ص:7)

11- تيّم ،منى الشرافي: الأدب ميّ زيادة في مرايا النقد : الدار العربية للعلوم، ط 1 : 2010م (ص : 152)

المراجع

  1. باسل أبو حمدة: ثقافة: مي زيادة الشاعرة في اتحاد الكتّاب: التاريخ 11 أكتوبر 2011 http://www.albayan.ae/five-senses/culture/2011-10-11-1.1517627
  2. تيّم، منى الشرافي: الأدب مي زيادة في مرايا النقد:الدار العربية للعلوم، ط 1 : 2010م
  3. الدكتور حمدي السكوت: قاموس الأدب العربي الحديث : دار الشروق ،ط 2 2009م
  4. زهير قوطرش : مي زيادة المرأة دافعت عن حق المرأة:في الخميس 28 مايو 2009
  5. http://www.ahlcom/arabic/show_article.php?main_id=5333
  6. زيادة، مي : إبتسامات ودموع : دار العلم للملايين ، ط 2، 2001م
  7. الفاخوري، حنا: الجامع في تاريخ الأدب العربي الأدب الحديث : دار الجيل بيروت 2005م
  8. مريم نجمه: الحوار المتمدن العدد: 3165 2010 / 10 / 25 ،16:53 ،المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=233098

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *