اللغة العربية والعلوم الإسلامية في كيرالا بين المبدأ والتطوّر

د. محمد أنظر 

اللغة العربية إحدى اللغات السامية، ولها ارتباط وثيق بحياة المسلم الروحية والمادية في أي بلدة سار الإسلام بها، وهي لغة العالم الإسلامي من جزيرة العرب إلى الأندلس ومنها إلى الصين، وحينما استوطن العرب الهند دخلت معهم هذه اللغة الهند، ومع انتشار الإسلام انتشرت معه اللغة العربية في نواحيها، واستقرت في أرجائها، فالمسلمون جاؤوا بهذه اللغة إلى الهند.(1)

مداولة أهل كيرالا للألفاظ العربية:

كان تجّار العرب الذين قدموا كيرالا هم الذين جاؤوا بهذه اللغة إلى هذه البقعة أولا، وتكلموا بها في أسواقها قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام صار لهذه اللغة ارتباط وثيق به. يقول الدكتور ويران محي الدين الفاروقي:

“وعند كثير من المسلمين بكيرالا عادة قراءة القرآن في كل صباح أو مساء، حتى أنه كانت فيها قديما عادة توظيف القارئين لقراءته، وكانوا يعتقدونه تبركا، ومن عادات نراها بين مسلمي كيرالا قراءة بعض المواليد في أيام خاصة، مثل يوم الاحتفال لختان الصغار، ويوم دخولهم في المنازل الجديدة، وفي الأيام التذكارية السنوية لموت أقربائهم، ويوم احتفال مواليد الرسول أو غيره من الرجال المتصوفين المشهورين وغيرها، وإذا بلغ الفتى سن الزواج فيأتي إليه مناسبة لاستعمال الكلمات العربية حيث خطبة الزواج وصيغها تلقى غالبا في اللغة العربية”.(2)

والمسلم حين يتلاقى أخاه المسلم يرحبه بالترحيب العربي الإسلامي قائلا السلام عليكم، وكلمة الفرح والشكر والتعجب والاسترجاع التي يلقيها الرجل المسلم في المناسبات المختلفة إنما هي في العربية، ويعرف كل هذه الترجيعات جميع المسلمين ويلقونها، سواء فيه الخاصة والعامة، توارثوها كابرا عن كابر، ولهذه الكلمات التقاليدية العربية أثر بليغ من تراجمها في أية لغة أخرى.(3)

وقد تسبب استخدام المسلمين ومداولتهم للألفاظ العربية في انتشار الكلمات العربية في بلدة كيرالا، وشاع استخدامها حتى أن دخلت بعضها في لهجاتها المحلية، ثم في لغاتها الأهلية، وانسجمت تلك الألفاظ بلغات الهند كلها، وفيها مليالم، حيث لا يمكن اليوم ردها إلى أصلها العربي لانسجامها في تلك اللهجة أو اللغة.

الحلقات العلمية في المساجد

استهل المسلمون أولا الكتاتيب لتعليم القرآن والتعاليم الدينية للأطفال والحلقات الدراسية في المساجد، ثم تطورت بعض تلك الحلقات كمراكز العلوم الكبيرة، وسميت بالدروس المساجدية.

اعتنق بعض أهالي كيرالا الإسلام، واجتمعوا لدراسة الإسلام في الحلقات الدراسية التي انعقدت في كل مسجد، ويعتبر وجود هذه الدراسة الدينية منذ ظهور الإسلام وبدء المساجد في هذه البقعة، والجدير بالذكر أن الحلقات الدراسية في المساجد كانت مبدأه أولا في عهد الرسول صلوات الله عليه، وأما إقامة المعاهد الدينية والمكتبات الدراسية بجنب المعابد فكانت أيضا من عادات الهندوس في الهند أخذوها من أهل بوذا.(4)

أصبحت المساجد في كيرالا مراكز التعليم والتدريب الدينية، وتتابعت الحالة إلى عدة قرون متتالية، وارتفع بعضها من علماء وأدباء إلى ذروة الشهرة مثل عبد الله بن عبد الرحمن المليباري وعبد الله بن أحمد الكاليكوتي، واشتهر عدد كبير من هؤلاء العلماء بتأليفاتهم العربية في النثر والنظم، مثل القاضي أبو بكر بن رمضان، والشيخ زين الدين بن علي وأمثالهما.

و من المراكز الشهيرة في كيرالا للدروس الإسلامية ودراسة اللغة العربية كانت فنان (Ponnani) المعروفة بلقب “مكه مليبار”، والذين برزوا منها كان منهم شهاب الدين أحمد بن عثمان اليمني وأحمد زين الدين بن محمد الغزالي (م 994هـ / 1585م)، ومن أقدم الدروس المساجدية جامع كاليكوت وجامع شاليات وغيرها.

ومن المراكز القديمة درس مسجد بتانور الذي أقيم بجامعها سنة 1390م، ولم يزل هذا المركز قائما على ذروة شهرته إلى أن حطمته الحكومة الإنكليزية وحبست مدرسيها سنة 1340هـ / 1921م إثر الثورة المليبارية. وهناك مراكز أخرى للتعليم والتربية في كيرالا، وكانت تدرس في هذه المراكز جملة العلوم والدراسات الإسلامية من تفسير القرآن وعلومه، والحديث وأصوله، والفقه والتصوف والقصائد العربية وقواعد اللغة العربية والسيرة النبوية والمنطق والمعاني وعلم الكلام وعلم الأفلاك والنجوم وعلم الحساب والجغرافيا والتاريخ وغيرها.(5)

والأمر الذي ينقص أهمية هذه الدروس المساجدية هو عدم وجود مناهج دراسية منظمة لكثير منها وأكثرها كان يجري على نظام ومناهج مدرسيها، إلا أن هناك منهجا فخريا عاما منسوبا إلى فخر الدين رمضان الشالياتي. وعقب الثورة المليبارية قام بعض مصلحي الأمة المسلمة بإقامة جمعية أيكيم (الإتحاد) وجمعية العلماء بكيرالا (1393هـ / 1924م)، وجمعية العلماء بسمست كيرالا (1926م). إنهم أقاموا المدارس الدينية والكليات العربية، فهذا النشاط أدى إلى نقص أهمية الدروس المساجدية.

المدارس الدينية

تم نقل بعض الدروس الابتدائية من الحلقات الدراسية بالمساجد إلى الكتاتيب، وكان الطلاب يتمرنون فيها قراءة القرآن بدون معانيها وحفظ بعض الأدعية والأذكار حيث كانت تلك الكتاتيب من دون نظام ولا ترتيب، وما كانت الكتاتيب تعتني بتدريس اللغة العربية، وفي أوساط القرن العشرين قد جرى بعض التطورات في التعليم الديني بأيدي بعض المصلحين مثل الشيخ السيد شاللاكت كنج أحمد الحاج (م 1338هـ / 1918م)، وإنه حرض المسلمين على تعليم صغارهم اللغة العربية في جميع مدارسهم ولغة مليالم لغتهم الأم في وقت واحد، كي يتفوقوا في كليهما معا، وإنه ألف بعض الكتب الدراسية وفق منهاجه الجديد، وجعل لكل صف شرعة ومنهاجا، ونتيجة لهذا ارتفعت في شتى أنحاء كيرالا مدارس جديدة تحولت من الدروس المساجدية الصغيرة أو الكبيرة ثم ارتفع شأن بعضها إلى أن سميت بالكليات فيما بعد.

وعلى هذا النحو ارتفع مستوى مدارس ابتدائية دينية، وتبدلت الكتاتيب بعد فترة بمدارس مدنية بمساعدة مالية من الحكومة المحلية، فالدراسات الدينية بها انحصرت إلى خارج وقتها الرسمي صباحا، فتفكر المسلمون بهذا الشأن الحرج، وأكملوا مشاريع المدارس الدينية في كيرالا بنجاح نادر، ولها اليوم مناهج دراسية مقررة تحت جمعيات تعتني بها كثيرا.

رأت جمعية العلماء بعموم كيرالا من واجبها إقرار المناهج الدراسية المناسبة لهذه المدارس الدينية التي توسعت إلى شتى أنحاء الولاية، فاتفق العلماء على مشروع يحل هذه المشكلة، وأسسوا سنة 1371هـ / 1951م مجلس التعليم الإسلامي برئاسة العالم القدير محي الدين كتى المولوي بفرونا، ومعظم المدارس الدينية في كيرالا مسجلة تحت هذه الجمعية، ومن سوء الحظ انقسمت هذه الجمعية إلى قسمين: قسم باسم جمعية العلماء بكيرالا وجمعية سمست كيرالا، ولكل منهما جمعية ومجلس للتعاليم الإسلامية، ويجري كل منهما على حدة في جميع الأمور، وهناك في كيرالا بعض المدارس المستقلة التي لا تنسب إلى أي حزب أو طائفة، والتعليم الديني في المدارس العالية المدنية أو الثانوية يدفع الطالب إلى الالتحاق بالكليات للفنون والعلوم التي فيها تسهيلات لدراسة العربية أو الكليات العربية.

الكليات العربية

تحولت بعض من المدارس المساجدية إلى كليات عربية، فحاليا توجد في كيرالا نحو مائة كلية عربية، ثمة كليات أقرتها الجامعات والحكومة وكليات غير مقررة، وبعض الكليات المقررة تمنحها الحكومة رواتب الأساتذة كلها مباشرا، وبعضها تحصل على مساعدة مالية قليلة مقررة، وأما الكليات غير المقررة فإنها منسوبة إلى جمعيات العلماء والجماعة الإسلامية و جمعية العلماء لعموم كيرالا، وأصحاب ندوة المجاهدين، ومنها ما لا ينسب إلى أي حزب من الأحزاب.

ومن أقدم هذه الكليات كلية دار العلوم بوازكات، ومنشأها من درس مسجد فيها، ثم صارت مدرسة كبيرة، ثم ارتقت إلى مستوى كلية. يقال إنها أسست سنة 1872م، وفي سنة 1912م فوض تدريسها إلى الشيخ شاليلاكت كنج أحمد المولوي فأحسن رعايتها بها، وبعد أن غادرها الشيخ الشاليلاكتي إثر الرمي بالعتاب أقام كلية أخرى ببلدة مناركات على منهجه الجديد. أقرت جامعة مدراس كلية دار العلوم بوازكات سنة 1942م أول كلية في مليبار تهيئ طلبتها لشهادة أفضل العلماء، وأغلقت الكلية وأزيل إقرارها من الجامعة سنة 1946م لبعض الخلافات الداخلية، وفيما بعد تتابعت الحالة إلى أن أقرتها جامعة كاليكوت سنة 1972م وأصبحت كلية مقررة.

وقد كانت افتتحت في آلواي جنوب كيرالا سنة 1914م كلية عربية بجهد السيد الهمداني، ولكنها لم تدم لعدم القائمين بها.

في أواخر الثلاثينيات في القرن العشرين للميلاد شرع أبو الصباح أحمد علي الأزهري (1971م) كلية عربية باسم روضة العلوم سنة 1942م في آنكايم قريب منجيري وأقرتها جامعة مدراس سنة 1944م، وكلية فاروق للعلوم والفنون والمعاهد العلمية الأخرى بجوارها من أعمال الشيخ أبي الصباح.(6)

ومن الكليات المقررة القديمة كلية مدينة العلوم بفولكل التي تم تأسيسها سنة 1947م، أسسها المولوي ام سي سي عبد الرحمن وأخوه ام سي سي حسن.

هناك بعض من الكليات الأوائل العربية المقررة أنشئت قبل المنتصف الثاني من القرن العشرين في كيرالا وبعض منها أقيمت بعدها، وتهتم جميع هذه الكليات بتعليم اللغة العربية، وتوسيع نطاقها في أرجاء كيرالا.

كليات غير مقررة

هذه كليات مستقلة في كيرالا يقوم بمصالحها لجان خاصة، ومن الكليات المنسوبة إلى السلفيين أو جمعية العلماء أو ندوة العلماء بكيرالا، الجامعة الندوية بأدونا وكلية المجاهدين بفارالي وكلية بستان العلوم بكيفا منغلم والكلية السلفية بألمبلاد وكلية الصباح بكوكور.(7)

ومن الكليات المنسوبة إلى الجماعة الإسلامية الكلية الإصلاحية بثيندا منغلور (1952) والجامعة الإسلامية بشانتابورام والكلية العالية بكاسركوت، وهي من الكليات الأوائل، ولهذه الجماعة كليات أخرى.

ومن الكليات المنسوبة إلى جمعيات أهل السنة والجماعة: الجامعة النورية بفيضاباد وخريجوها يمنحون شهادة المولوي والفيضي، ويخدمون الأمة كمدرسين أو معلمين أو كدعاة إسلامية، وكلية معونة الإسلام بفناني والكلية الرحمانية بكدمبري والكلية الأنورية بفطشرا وكلية جنة العلوم بفالكات وغيرها من الكليات المنسوبة إليهم.

وحاليا في كيرالا نحو مائتي كلية عربية، وفيها كليات الشريعة الإسلامية، والخريجون من هذه الكليات العربية يشتغلون بالتدريس في الكليات العربية أو الدروس المساجدية أو التعليم في المدارس المدنية وغيرها.

اللغة العربية في المدارس المدنية

على الرغم من أن المدارس المدنية في كيرالا كانت تبخل في شأن تدريس اللغة العربية، إلا أنها بمرور الزمن أطلقت قيودها وأزيلت موانعها واحدا بعد واحد، وتوسعت دائرتها وشرعت دراستها طول الولاية وعرضها، واعترفت حكومة كيرالا أهمية اللغة العربية، وجعلتها موضوعا داخل المناهج المدارسية، وهي تهتم في المدارس المدنية بتوظيف المعلمين لتدريس اللغة العربية، فلا يخلو في كيرالا حاليا مدرسة ابتدائية إلا وفيها مدرس للعربية بوجه العموم.

العربية في الجامعات:

يستغل الطلاب المتخرجون في الدارسة الابتدائية والعالية والثانوية من المدارس فرصتهم لدراسة العربية مع المواد الأخرى في كليات كيرالا وجامعاتها، ويختار الطالب اللغة العربية كلغة ثانية أو كموضوع يتخصصه للدراسة في البكالوريوس أو الماجستير، كما يستطيع الطالب إكمال دورة التدريب في تدريس اللغة العربية بعد مرحلة البكالوريوس.

فحوى القول إن كيرالا لا تزال تحظى بفرصة تعليم اللغة العربية وتعلمها من بدايتها إلى نهايتها، ونشأ في كيرالا من يعرف اللغة العربية و يجيدها، ومن نبغ في آدابها وعلومها قديما وحديثا فتولدت نتائج أفكارهم وحصيلات تأملاتهم نثرا ونظما، ثم تطورت كل منهما تطورا كاملا.

تطور العلوم الإسلامية في كيرالا

استهل المسلمون في كيرالا لأعمال الدعوية مع تجارتهم، ونظرا إلى تصاعد عدد المعتنقين الجدد للإسلام شعروا بضرورة تزويدهم بتعاليم الإسلام والعقائد والعبادات، وتوجه عدد كبير من علماء اليمن والأقطار العربية الأخرى إلى كيرالا اتباعا لمسيرة مالك بن دينار و أسرته إليها وأقاموا بها، وتم إنشاء مراكز لتعليم العربية وتدريب الدين، عقدت حلقات دراسية في المساجد، تحت إشرافهم حيث كان المسلمون المحليون يدرسون العلوم الإسلامية والعربية للإكثار من المعلومات الدينية.

دور الأسر المليبارية في تطوير العلوم الإسلامية

وبهذا الشأن قد قامت أسرتان من كيرالا بما فيها أسرة القضاة بكاليكوت وأسرة المخاديم بفناني (Ponnani) بالنشاطات العلمية والأدبية وفعاليات تطوير اللغة العربية وآدابها، وذلك منذ القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر بشكل مستمر، وإنهم قاموا بإعداد العلماء في عدد لا بأس به، وهؤلاء العلماء كانوا عاكفين على التعليم والتدريس ومكبين على التأليف والتدوين ، وكانت أسرة السادات الباعلويين الذين جاءوا من اليمن واستوطنوا بمنفرم قريب ترورنغادي، وأسرة السادات البخاريين الذين استوطنوا بجاواكاد هي الأخرى من الأسر العربية التي سكنت هناك ولعبوا دورا بارزا في تنمية اللغة العربية وآدابها ، وبالهدوء والتأني أنشئت المعاهد العربية والمؤسسات الإسلامية الأخرى وترعرعت إلى غاية من التطور والازدهار، حتى شهدت الطبقة المثقفة من كيرالا في المنتصف الأول للقرن الرابع عشر الهجري قيام كلية بي ايس ايه، حيثما تلقوا العلوم والدراسات واستطاعوا تقديم خدماتهم الجليلة نحو الأدب العربي.

وفي الأسطر التالية نعتني أولا بإبراز مجهودات هذه الأسر الكيرالية التي شاركت فيها بانجازاتها العلمية والثقافية في علوم التفسير، والحديث، والفقه، والسير، والتراجم، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاجم، والشعر، وغيرها.

(أ) أسرة القضاة بكاليكوت

القضاة في كيرالا كانوا من سلالة مالك بن حبيب. ألف القاضي زين الدين رمضان بن القاضي موسى الشلياطي (899هـ) كتابا باسم “عمدة الأصحاب ونزهة الأحباب”، وهذا الكتاب الذي يعد من أوليات الكتب العربية في كيرالا، يبحث عن فلسفة العقائد والعبادات والأوراد وعوامل الرفاهية والفقر وعظمة الروحانية. نظم القاضي أبوبكر بن القاضي رمضان الشلياطي (المولود بعام 845هـ) تخميس قصيدة بانت سعاد في عام 885هـ ،وألف السلسلة الفخرية عام 890هـ ، وأعد مقررا دراسيا كان انتخب للتدريس في جمعه مسجد في فنّاني.

والقاضي محمد بن القاضي عبد العزيز ألف أكثر من خمسين مؤلفا في الصرف والنحو والتصوف والفقه وغيره، ومعظم هذه الأعمال منظومة، وأهمها “فتح المبين”، ومن أعماله نثرا: مقاصد النكاح، و زبدة المفاخر في مناقب الشيخ عبد القادر، والفصيحة في الوعظ والنصيحة، ونصيحة الإخوان مدخل الجنان، وصراط النبي، وما إلى ذلك.

والقاضي محي الدين ابن علي (1266هـ) نظم قصيدتين وألف كتابا في النثر وهو قول الحق والسلامة.

القاضي أبو بكر بن القاضي محي الدين المعروف بالقاضي أبو بكر الكونهي ألف ثمانية كتب ومنها سبعة في المنظومة ومن مؤلفاته, وتنبيه الإخوان في أحكام الزمان ومعارف السالك وموانئ الأوقاف وتنوير الفؤاد.

العلماء الذين نهلوا العلم من مناهل أسرة القضاة في كاليكوت هم أحمد بن محمد الكاليكوتي (1287هـ) صاحب كشف الغمامة بمعرفة الأذان والإقامة، ومحي الدين ابن علي (1305هـ) صاحب مجموعة الفتاوى، وعلي بن محمد الكاليكوتي (1334هـ) صاحب القصائد المتعددة بما فيها قصيدة المخمس أيضا.(8)

(ب) أسرة السادات الباعلويين

الأسرة الثانية بكاليكوت اشتهرت بأسرة باعلوي، قدمت من اليمن أولا ثم تنقلت إلى مام بورم قريبا من تيرورانغادي بكيرالا. أثرى أعضاء هذه الأسرة المكتبات العربية بالمؤلفات العربية بعدد لا بأس به، الشيخ محمد الجفري (1222هـ) أول شخص من هذه الأسرة قدم إلى كاليكوت في عام 1159هـ، وسيد علوي بن جيفري (مام بورم تهنكل)، وسيد فضل بن علوي من هذه الأسرة الكريمة. ألف الشيخ ابن محمد الجيفري (1922م) سبعة كتب في النثر والشعر العربي، ومن أهمها: كنز البراهرين (1199هـ)، وله “بيان الفقيه” و “بيان التصوف” و”شرح رزّانات” في موضوع التصوف.

سيد فضل ابن العلوي (المولود في سنة 1240هـ) كان عالما كبيرا ومناضلا عظيما، وله كتاب باسم “السيف البتّار”، نُفيَ إلى استانبول في عام 1270هـ بسبب مشاركته في ثورة ضد الانكليز بجهد ونشاط، وتوفي هناك عام 1318هـ، وله مصنفات أخرى مثل عقد الفرائد وهلال الإحسان لتزيين الإنسان (هذا الكتاب خلاصة لـ أدب الدين والدنيا للإمام الماوردي (425هـ))، و بوارق الفطانة لتقوية البطانة وعدة الأمراء والحكام لإهانة الكفرة و عبدة الصلبان.(9)

(ج) أسرة المخدومية بفناني

نالت أسرة المخاديم في فناني بين علماء كيرالا مكانة مرموقة، واشتهرت بفضل علمها وتضرعها وخدمتها للإسلام، وأثرت في تاريخ كيرالا العربي كثيرا. وقد ذاع صيت المركز العلمي الذي أنشأته هذه الأسرة باسم مكة الصغيرة. وفي الواقع قام الشيخ زين الدين ابن علي بإنشاء هذا المركز، ولقب بالمخدوم أولا ثم لقبت أسرته بالمخاديم، ولد الشيخ زين الدين بن علي في كوتشي في عام 871هـ، وجاء أجداده من اليمن ونزلوا أولا في المعبر الذي يقع على ساحل كارو مندال، وجاء والده إلى كوتشي وتوطن بها، وأما الآخرون من هذه الأسرة فإنهم استوطنوا فناني، وله قصيدة طويلة باسم تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان.

ومن أسرة المخدوم ايضا، أحمد زين الدين بن محمد الغزالي، صاحب كتاب تحفة المجاهدين الذي اشتهر شرقا وغربا، وقد ترجم روليندسن هذا الكتاب إلى الإنجليزية في عام 1833م.

وأتم عبد العزيز المعبري بن زين الدين بن علي شرح ألفية لابن المالك، الذي تركه والده ناقصا، كما شرح هداية الأذكياء لأبيه باسم مسلك الأتقياء، ولخصه باسم إرشاد الأولياء.

شرح الشيخ عثمان بن جمال الدين المعبري (991هـ) شرحا لعين الهُدى باسم قطر الندى، وكتب أحمد زين الدين الجُبائي في التصوف: ذخائر الإخوان في مواعظ شهر رمضان، وتبشير الواعظ، وتحفة الواعظين، وفيض الحافظ، وفي الطب: “مغانم الإخوان في بيان العضويات والحيوان”، كما له كتاب باسم مناقب إبراهيم أدهم، ونظم رثاء لأقربائه، وكتب عبد العزيز بن عبد الله عمدة التعريف نظم مختصر التصريف للزنجاني (نظما)، والبهجة الثانية (نظما)، وكتب مخدوم إبراهيم بن زين الدين بالعربية حاشية على قصيدة التثبيت للإيمان، والسيوطي ورسالة في مسائل الذبح، وله نفيسة المصرية ، فاطمة الزهراء، وأصحاب الكهف، وغيرها.

وقد ساهم العلماء من فناني مثل القاضي عمر بن علي (1273هـ) و محمد إلياس المعروف بإمبي جي مُسِليار (1349هـ) و تُنّام وي تل محمد بن علي (1343هـ) وأحمد بن محمد الشيرازي في تطوير الأدب العربي كثيرا.

القاضي عمر بن علي (المتوفى سنة 1273هـ) المعروف بعمر القاضي من عباقرة الشعراء وفحولهم الذين أنجبتهم كيرالا، كتب مؤلفات مثل مقاصد النكاح وكتاب الذبح والاصطياد ونفائس الدرر، ونظم قصائد كثيرة بموضوعات متعددة.

أحمد محمد الشيرازي (1326هـ) من فنّاني ألف سبعة كتب كما له ثلاثة شروح: ألفية بن مالك، و تفتازاني أعلى الزنجاني، وشرحا على قطر الندى، كما كتب شرحا لفتح المعين، ونظم قصيدتين على مناقب الشيخ الرفاعي. (10)

(د) أسرة السادات البُخاريين بجاواكاد

أحمد جلال الدين البخاري ورد إلى فالافادنم وأقام بها في عام 798هـ، وأنشأ بعض العلماء من هذه الأسرة مركزا للعربية في كديّورم قريبا من چوگھاٹ. وسيد حامد بن محمد (1352هـ) ينتمي إلى هذه الأسرة، ومن مؤلفاته مطالع الهدى بمطامع الاهتداء، والبندق على أهل الدين و الزندق، ومبلغ العمل من المراعاة وأدب الأكل، وله بعض الكتب على شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم، وله على شمائل سيد أحمد البخاري ومالك بن محمد القريشي أيضا، كما له مجموعة الفتاوى، وألف سيد محمد بن مصطفى البخاري وابنه محمد البخاري بعض الكتب. (11)

العلماء الآخرون من كيرالا

هناك علماء آخرون من مختلف مناطق كيرالا قاموا بإسهامات جليلة في إنشاء مراكز لتعليم العربية، ولهم مؤلفات وكتب ومنهم: الشيخ عبد الرحمن بن علي (1322هـ) وأحمد الفاروري (1331هـ)، وأحمد كويا الشالياتي (1347هـ)، وعبد القادر الفضفري (1385هـ)، وأحمد نور الدين (1365هـ)، ومحمد عبد الباري (1385هـ)، ومحي الدين العلوائي (1417هـ)، وعبد الرحمن العيد روسي، وكيه ايم المولوي، وچالي لاكت كُنهي أحمد حاجي, محمد کوتي مُسِلیار، ومحمد بن حسّان، وحيدر بن محمد، وإبراهيم بن محي الدين، وعلي بن فريد، وغيرهم من العلماء الأفاضل الذين خدموا العربية وآدابها.

الصوفية والتسامح الديني في كيرالا

منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رحب أهل كيرالا برجال الدين الإسلامي، حيث سمح ملوك كيرالا بتغيير دين رعاياهم بطريقة سلمية، للاحتفاظ بالمصالح التجارية، وتوارث الناس اعتقادهم جيلا بعد جيل. كان أول مسجد بني فيها المسجد الذي شيد في كودنغلور، التي صارت فيما بعد عاصمة ملوك شيران. انتقلت الدعاة الأوائل، مالك بن دينار وأصحابه إلى كولم الجنوبي ثم إلى شاليم و بندلايني وشريكندا برم و ايوملا (ماداي) وكاسركود ومانغلور وباكنور (بهاركور) وغيرها من المناطق في السواحل الغربية وشيدوا المساجد.(12)

بقي التسامح الديني في كيرالا، حسب ابن بطوطة رحّال القرن الرابع عشر، قرونا بين الهندوس والمسلمين بدون تغيير كبير، وتزايد هذا التسامح الديني بفضل أعمال الصوفيين وعلماء الدين الإسلامي، وانجذب المجتمع الهندوسي (وبالأخص المنبوذون والذين كانوا في الطبقة السفلى في المجتمع) بسبب النظام الطبقي الموجود فيهم إلى الإسلام.

ولما جاء البرتغال إلى مليبار في نهاية القرن الخامس عشر أتوا معهم بعداوة العصور الوسطى تجاه الإسلام إلى كيرالا، فدمّروا كثيرا من قرى المهابلا المسلمين في ساحل البحر، كما تعرضت النساء والأولاد لاضطهادهم المختلف، وأهلكوا في البحر وفود الحجاج بعداوتهم الدينية.

جمع ساموتري معارضته المستمرة بمساعدة كنج علي مركار ضد البرتغال وأدرك الصوفية والعلماء هذه الظروف السياسية واضطروا للمحاربة أو الجهاد جماعيا ضد البرتغال وحماية الدين الإسلامي آخذين دروس التسامح الديني والاتحاد، ونرى أن هؤلاء الصوفية وعلماء الدين أخذوا على عاتقهم مسؤولية تنظيم الناس في القرى ضد الثقافة البريطانية، وانتقل بعض الصوفية إلى القرى الداخلية، واستقروا هناك عاملين دعاة التسامح الديني والانسجام بين الهندوس والمسلمين.

يوجد مركزان للصوفية وعلوم الدين في كيرالا: أحدهما فنان والآخر ترورنغادي. فنان هو مسقط رأس الشيخ زين الدين المخدوم، وله مؤلفات دينية وتاريخية، وأهمها قرة الأعين والأجوبة العجيبة وأحكام النكاح ومنهاج الإرشاد وفتح المعين وتحفة المجاهدين وغيرها من أمثال هذه الكتب. كتاب تحفة المجاهدين كتاب تاريخي، بيّن المؤلف فيه أحوال كيرالا وتاريخها عند اعتداء البرتغال عليها.(13)

كان محمد بن عبد العزيز، قاضي كاليكوت شاعرا وفيلسوفا وصوفيا ومصلحا اجتماعيا، توفي سنة 1025هـ ، ساعد كثيرا في تنمية الأدب العربي المليالمي وإزالة المشاكل الدينية الموجودة والخلاف في طرق صوفية كيرالا، ومن المعتقد أنه كان تابعا لسلسلة في الطريقة الصوفية القادرية.

ولد قاضي عمر المليباري (1765 ـ 1857م) في أسرة شهيرة، وكان تعليمه تحت إشراف ممي كوطي القاضي أحد أعضاء أسرة مخدوم في فنان، وقاضي ممي كوطي أرشده إلى طريقة قادرية، وأصدر كثيرا من الفتاوى الدينية نظما ونثرا. كان متبصرا وصوفيا، وكان يبدي عداوة شديدة ضد البريطانيين وحكمهم. حُكِم عليه بالحبس في سجن شاوكاد، وذلك في قضية شكوى من أحد موظفي قسم الضرائب وعدم دفعه الموظفين الضرائب وحث الآخرين من أهل الإسلام لعدم أداء الضرائب وسوء سلوكه نحو الموظف نيبو حاكم مقاطعة فناني. وكان القاضي من الذين يحترمه الهندوس والمسلمون سواسية.(14)

ترورنغادي مركز ديني ذات شهرة كثيرة، عاش فيها الصوفية وعلماء الدين والفلاسفة، ولم تكن تحمل فكرة التفرقة أبدا، وكانوا يعملون دائما لايجاد التسامح الديني، وشاركوا مشاركة رئيسية في تصعيد الشعور المعادي ضد البريطانيين، وكانت صوفية ترورنغادي من أتباع السيد علوي وابنه السيد فضل بن علوي وغيرهما كانوا علماء ومفكرين، وصل سيد علوي إلى هنا من جزيرة العرب سنة 1767م وعمره 17 سنة، واستقر في ممبرم التي كان يقيم فيها خاله سيد حسن جعفري وهو أحد أعضاء أسرة علوي القاطن في بلد تارم اليمن.(15)

سيد علوي تنغض أيضا أشاع بين الناس، مثل عمر قاضي وغيره، روح الجهاد ضد البريطانيين، وبرغم اكتشاف البريطانيين دور سيد علوي في عصيان مهابلا من سنة 1801 ـ 1817م ضد البريطانيين فلم يعتقلوه خوفا من إثارة غضب الشعب ضدهم، ولأن الكثير من أتباعه كانوا هنادك.

وقد أسس ابنه سيد فضل بن علوي جامع مسجد ممبرم، وكان عامل الانسجام بين الهندوس والمسلمين، وكان مناضلا للبريطانيين، وحظرت سلطات المحافظة فتواه “هداة الأمراء”، غادر هو وأسرته مليبار إلى جزيرة العرب سنة 1852م. فتنغض صاحب العلم الديني والتصوف والربانية، ووجود هؤلاء جعل منطقة ترورنغادي مركزا لعلماء الإسلام والدعوة السرية.

ملخص البحث

قصارى القول إن صوفية هذه المنطقة وأخلاقها الفاضلة مهّدتها للتطور الكامل بين عامة الناس ولعبت دورا كيرا في إشاعة التسامح الديني والتوافق بين الناس، وسعى الهندوس والمسلمون للعمل بنصائح هؤلاء الأصفياء، وإن هؤلاء الصوفية قد خالفوا البريطانيين وناضلوهم بسبب معاملتهم المتعصبة نحوهم، فشكل أصحاب الدعوة السرية والصوفية حماة الإسلام بشكل الشعراء والعلماء، وأقبلوا لخدمة الفقراء والمضطهدين في كيرالا.

وإن فضل علماء كيرالا في إثراء اللغة العربية بإنتاجاتهم ومؤلفاتهم الثمينة ثابت ومتين. و عبر القرون الماضية ألفت مئات من الكتب العربية بأيدي علماء كيرالا في المواضيع المتنوعة من التفسير والحديث والفقه وأصول الفقه والنحو والبلاغة والتاريخ والتصوف والحساب والفلك وغيرها نظما ونثرا.

ومن نافلة القول إن الأسر التي تولت زمام اللغة العربية ونشرها نظما ونثرا في كيرالا من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر الهجري هي أسرة القضاة بكاليكوت وأسرة المخاديم بفناني وبعدهما أسرة السادات الباعلويين الذين جاءوا من اليمن واستوطنوا بمنفرم قريب ترورنغادي، وأسرة السادات البخاريين الذين استوطنوا بجاواكاد. وتبعا لنشاطات هؤلاء السادات والعلماء والصوفية الأبرار انتشرت في البلاد مراكز كثيرة من حلقات الدروس في المساجد، وأنجبت هذه المراكز كثيرا من العلماء والأدباء والكتاب البارزين ثم إنهم أنتجوا كثيرا من خيرات العلم والفن، وأقاموا مدارس وكليات وجامعات للمواطنين المليباريين والأقليات الإسلامية.

المراجع:

  1. نفيس أحمد الصديقي، المسلمون بالهند (إنكليزية)، ص 18 ـ 19.
  2. الدكتور ويران محي الدين الفاروقي: الشعر العربي في كيرالا ـ مبدؤه وتطوره، عرب نت، كاليكوت، الطبعة الأولى مارس، سنة 2003، ص 44 ـ 45.
  3. فون عرينيبوم جي أي، الإسلام (إنكليزية)، ص 42.
  4. ايلم كولم كنجن بلا: بعض القضايا في تاريخ كيرالا (مليالم)، ص 221 نقلا عن الشعر العربي في كيرالا لويران محي الدين، ص 46.
  5. الأستاذ وي محمد: مجلة تذكارية لكلية فاروق بمناسبة مهرجانها الفضي، ص 112.
  6. مجلة تذكارية لكلية فاروق سنة 1973م، ص 18، نقلا عن الشعر العربي في كيرالا لويران محي الدين، ص 54.
  7. مجلة تذكارية لكلية مدينة العلوم بفولكل، سنة 1981م، ص 146 ـ 147، نقلا عن الشعر العربي في كيرالا لويران محي الدين، ص 55 ـ 56.
  8. الدكتور نثار أحمد الأنصاري الأستاذ المشارك في القسم العربي بجامعة لكناؤ: “الشعر العربي في الهند – منذ عام 1857م حتى الآن”، ص 160 ـ 161 (وهذه رسالة الدكتوراه باللغة الأردية التي تم تقديمها إلى القسم العربي بجامعة لكناؤ، عام 2010م).
  9. المصدر السابق، ص 161 ـ 162.
  10. المصدر السابق، ص 162 ـ 164.
  11. المصدر السابق، ص 164 ـ 165.
  12. سي ان أحمد مولوي و ك ك محمد عبد الكريم: ميراث العظيم لآداب مهابلا، نقلا عن تراث مسلمي مليبار للدكتور ك ك ن كروف، (تعريب: الدكتورة زهرا بي ماتومال والأستاذ محمد كلنجا تودي)، معهد مليبار للبحوث والتنمية، ودكرا، كاليكوت، الطبعة الثانية 2011م، ص 60.
  13. مذكرة المولوي ملاحظة 3 كتاب 146 ـ 50 نقلا عن تراث مسلمي مليبار، ص 63.
  14. حياة عمر القاضي ومؤلفاته (صدر في وضينكود كتاب ـ 1989م) نقلا عن تراث مسلمي مليبار، ص 64 ـ 65.
  15. دكتور ك ك ن كروف: تراث مسلمي مليبار،(تعريب: الدكتورة زهرا بي ماتومال والأستاذ محمد كلنجا تودي) ص 66.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *