الأدب الجاهلي بين تطوّر الدّلالة وتضايفه

 د. عمر زرفاوي وخالد عبد الوهاب 

  1. في دلالة لفظ “أدب

 يقف الباحث عن دلالة لفظ “أدب” في المعاجم اللّغويّة على أكثر من دلالة تتعدّد بتعدّد اشتقاقاته؛ أوّلها “الأَدْبُ”، وهو” أن تجمع النّاس إلى طعامك، وهي المأدَبَة والمأدُبَة، والآدِبُ الدّاعِي» (1)، وهو المعنى الذّي تضمنّه قول “طرفة بن العبد” :(2)

نَحْنَ في المَشْتَاةِ نَدْعُو الجَفَلَى                     لاَ تَرَى الآدِبَ فِينَا يَنْتَقِرْ

ومن هنا يتضح أنّ أصل “الأَدْبُ “الدّعاء، ومنه قيل للصّنيع يدعى إليه النّاس” مَدْعَاة ومأدَبَة، أو مأدُبَة(3)، وقد جاءت على صيغة منتهى الجموع في قول” صخر الغيّ”:(4)

كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيرِ في قَعْرِ عُشِّهَا                     نَوَى القَسَبِ مُلْقَى عِنْدَ بَعْضِ المَآدِبِ

         ومن خلال هذين الشاهدين الشّعريين تتجلى لنا الدّلالة الحسيّة للفظ “أَدْبُ”، وهي الدّلالة التي تسيّدت زمنا من العصر الجاهليّ لتتضايفَ بعد ذلك مع الدّلالة المجازيّة( التّهذيب الخلقي)، ويعضّد هذا الرأي قول “شوقي ضيف”: «وأقرب منه أن تكون هذه الكلمة انتقلت من معنى حسّي؛ وهو” الدّعوة إلى الطّعام” إلى معنى ذهني، وهو” الدّعوة إلى المحامد والمكارم”، شأنها في ذلك شان بقية الكلمات المعنوية التي تستخدم أوّلا في معنى حسّي حقيقي، ثم تخرج منه إلى معنى ذهني مجازي»(5).

         وتدليلا على ذلك الانتقال من المعنى الحسّي أو الدّلالة الحسيّة إلى الدّلالة الذهنيّة(المجازيّة) نورد قول” بلعاء بن قيس” الكنانيّ:(6)

 أَصْبَحْتُ آتِي الذّي آتِي وَأَتُْركَهُ         وَبَاتَ أَكْثَرُ رَأْي النَّاسِ مُرْتَابَا

وَإِنْ أَمُتْ وَالفَتَى َرهْنٌ بِمَصْرَعِهِ        فَقَدْ قَضَيْتُ مِنَ الآدَابِ آرَابَا

         وحتّى لا يظن القارئ أنّ تضايف الدّلالتين؛ الحسيّة( الدّعوة إلى الطعام) والذهنيّة المجازية (الدّعوة إلى المحامد والمكارم) يعود إلى تطوّر الدّلالة بمجيء الإسلام  فإنّ معايشة الشاعر(صخر الغيّ)، وحضوره حرب” الفُجَّار” الثانيّة يؤكِّد- بما مجال للشّكّ فيه- ذلك التّضايف في العصر الجاهليّ نفسه، وإذا كان “شوقي ضيف “يرى أنّه« ربّما استخدمت الكلمة في العصر الجاهليّ بهذا المعنى الخلقي»[بل ويؤكّد] أنّه لم تصلنا نصوص تؤيّد هذا الظّن»(7) فإنّ كتب السِّيَر والتَّراجِم تورد حادثة اتّهام” هند بنت عتبة بن ربيعة “بالزّنا، وهي الحادثة التي تؤكّد ذلك التّضايف بين الدّلالتين، فعند خِطْبَتِها وصف لها أبوها أبا سفيان قائلا: «بدر أرومته، وعزّ عشيرته، يؤدّب أهله، ولا يؤدّبونه»، فأجابته: «وسآخذه بأدب البعل، مع لزوم قبّتي، وقلّة تلفتي»(8).

         وتجدرُ الإشارة إلى أنَّ دلالة “التَّهذيب الخُلُقي” ترتبط من حيث الأصل الاشتقاقيّ بمادة( الأَدَبُ )، ولا يمنع ذلك اقترانها بمادة “الأَدْبُ”، وذلك لاشتراكهما في أصل واحد؛ “فالأَدْبُ “دعوة إلى الطّعام، و” الأدَبُ” دعوة إلى تحصيل المحامد والمكارم.

         والمأدبة- بضمّ الدّال وكسرها- لا يقتصر معناها على الدّلالة الحسيّة بل يتعدّاه إلى الدّلالة الذهنية المجازية(المعنوية)، ويجلي ذلك حديث “عبد الله بن عباس”- رضي الله عنه-: «إنّ هذا القرآن مأدبة اللّه في الأرض فتعلّموا من مأدبته»(9). وما اشتمل عليه حديث “تُرجُمان القرآن” من معان يؤكّد تضايف الدّلالتين (التهذيب الخُلُقي)و(التّعليم) خلال الفترة الإسلاميّة إلاّ أنّ الرأي لا يؤخذ مأخذ الجزم، ولا ينفي تداول دلالة” التّعليم” في العصر الجاهلي، وهو ما يذهب إليه الباحث” محمد أبو الأنوار” قائلا: «هناك استنئاس قويّ الدّلالة حول استخدام هذه الكلمة استخداما يدل على أنّها لم تكن مرتجلة عند استعماله لها بل يدّل على شيوعها و الفها»(10). وقد اعتمد الباحث في استئناسه على مرويّة مفادها؛ «أنّ عليّا- كرّم الله وجهه-  قال لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يا رسول الله :” نحن بنو أب واحد، ونراك تُكَلِّم  وفود العرب بما لا نفهم أكثره، فقال الرسول-صلّى الله عليه وسلم- :”أدّبني ربّي فأحسن تأديبي، وربّيتُ في بني سعد “» (11).

         ومن مشتّقات الجذر اللّغوي “الأَدَبُ”: “أَدَّبَ، وَتَأَدَّبَ”، بمعنى” عَلَّمَ”، و” تَعَلَّم”، وقد جاء في الأثر عن “معاويّة بن أبي سفيان”- رضي الله عنه- قوله: «يجب على الرّجل تأديب ولده، والشِّعْرُ أعلى مراتب الأدب» (12)، وفي هذه الفترة استّمر التّضايف بين الدّلالتين(الخلقية) و(التّعليمية)، فكان أن ظهرت «طائفة من المعلّمين تسمّى بالمؤدّبين، كانوا يعلّمون أولاد الخلفاء ما تطمح إليه نفوس آبائهم فيهم من معرفة الثقافة العربية، فكانوا يلقّنونهم الشّعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم، وأيامهم في الجاهليّة والإسلام»(13).

         وقبل أن نعرّج صوب العصر العبّاسي لتقصّي تطوّر دلالة لفظ “أدب” لا بأس من الإحاطة بمعان أخرى لها مثل معنى “العَجَبُ”، جاء في لسان العرب: «جاء فلان بأمر أدْبْ، مجزوم اللاّم، أي بأمر عجيب » (14). وقد ذهب الباحث” محمّد أبو الأنوار” إلى تأويل  هذا المعنى فربطه بالكلام الفنّي الجيّد، مؤكّدا إعجاب واعتزاز العربيّ به، فقال: «لعلّنا إذا تذكّرنا هذه الحقيقة التي تقف وراء اعتزاز  القبيلة بالشّاعر إذا نبغ فيها(*)فإنّنا نستطيع القول بأنّ الكلام الفنّي الرّائع كان بالضرورة يمكن وصفه بأنّه كَلَامٌ “أَدْبْ” أي قول عجيب بما فيه من رفعة وتميّز»(15).

          وبرّر الباحث منطلقه التّأويلي بالرّجوع إلى آيِّ القرآن الكريم قائلا: «وحينئذ لا يمكن نفي الوصف بكلمة “الأَدْبْ” عن الأقوال التي كانت تعجبهم وتبهرهم خاصة وأن وصف الكلام البليغ الأخّاذ بمعنى” العَجَبُ ” ، وارد في القرآن الكريم في قوله تعالى:” قل أوحي إليّ أنّه استمع نفر من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولا نشرك بربّنا أحدا” [ الآيتان 1و 2،سورة الجنّ]، وإذا فوصف الكلام الجيّد بلفظ “أَدْبْ” بمعنى عجب أمر وارد إلى حدّ بعيد» (16).

         وعودة إلى ما كنّا فيه من تقصّي ذلك التّطوّر الدّلالي للفظ “أدب” عبر العصور الأدبية بقي لنا أن نقف على دلالاتها واستعمالاتها في العصر العباسي حيث يتفق لفيف من الباحثين على أنّ اللفظ جرى استعماله عناوين لمدوّنات تضمنّت حكما ونصائح وتوجيهات مثل “الأدب الكبير” و”الأدب الصّغير” لعبد الله بن المقفع كما أُطلِقت على الكتب التي تتناول التقاليد والرّسوم التي ينبغي أن تُراعَى في أيّ مهنة مثل” أدب الكاتب” لابن قتيبة (17). ويذكر” شوقي ضيف” من خلال رصده لتطوّر الكلمة دلاليا أنّ القدامى ألّفوا كتبا نسبوها إلى هذا المعنى، مثل” البيان والتبيين” للجاحظ، و”الكامل” للمبرّد(18).

         وما كاد ينتهي القرن الرّابع الهجري حتّى أخذ لفظ “أدب” دلالة اصطلاحيّة تَفْرِقُ بين” العلوم الدّينية “(ا)، و”العلوم الدنيويّة”، فقد أطلقها القدامى على علوم العربية؛ علم الصّرف والنّحو، واللّغة والمعاني، والبيان، مع ما يتصل بها من علميّ العروض والقوافي(19)، ولأنّ لكلّ مرحلة حضارية طابعها الخاص الذّي يظلّل علومها ومعارفها فقد أخذ اللفظ دلالة تتواقف مع النّمط الثقافي والحضاري الحديث، فبعد الاتّصال بالغرب تشكّل معنيان عام وخاص، فأمّا العام فيراد به «جميع ما كتب في لغة ما سواء في العلوم أو في الشّعر أو النثر الفنّي أو في أيّ فرع من فروع المعرفة من تاريخ أو جغرافيا أو فلسفة أو دين أو طبّ أو فلك، وما إلى ذلك من وجوه النّشاط الفكري المُدَوَّن في لغة من اللّغات »(20). وأمّا الخاص فهو «ما نعنيه الآن بكلمة ” أدب” أي الشّعر والنثر الفنّي» (21). ومجمل القول من كلّ ما تقدّم أنّ دلالة لفظ “أدب”:

         أوّلا: تنوّعت بتنوّع مشتقاتها، وقد يتشارك معنيان في جذر لغويّ واحد، مثل معنى” الدّعوة” في مادة “الأَدْبُ”، و “الأَدَبُ”، “فالأَدْبُ” دعوة إلى الطّعام، و” الأَدَبُ ” دعوة إلى المحامد والمكارم.

         ثانيا: هناك تضايف (تمازج وتداخل) بين الدّلالات المستنبطة بين كلّ عصر وتابعه.

         ثالثا: للفظ “أدب” طاقة تأويلية كبيرة كانت السّبب في ذلك التّضايف المستّمر بين دلالتها المتنوّعة ممّا أكسبها صفة اللفظ المفتوح على المعاني الممكنة ، والتي يتم تحديدها وفق سياقات الاستعمال.

          وبعد أنّ فصلنا الحديث عن لفظ” أدب”، ووقفنا على تطوّره الدّلالي وتضايف دلالته عبر العصور الأدبية المختلفة بقي لنا تتبع وصف” الجاهلي”، الذّي يمنح موصوفَه “الأدب” دلالة خاصة. ولكشف تلك الدّلالة الخاصّة سيكون البحث عن الدّلالة اللّغوية لمصطلح “جاهليّ” منطلقا إجرائيا يكفل الإحاطة بمختلف تجلياته الدّلالية.

  • في مفهوم مصطلح “جاهليّة“:

         يقف الباحث عن الدّلالة اللّغوية لمصطلح “جاهليّة” على حقيقة مؤدّاها؛ اقترانه بالأصل الاشتقاقي” جَاهِلٌ” لا الجذر اللغوي “جَهِلَ” كما يظنّ البعض، ولعلّه من الصّعب تأكيد أو إثبات ورود المصدر الصّناعي” جاهليّة” في كلام العرب قبل الإسلام( شعرها ونثرها، أمثالها وحكمها، وصاياها وخطبها…)، فالمصدر” جاهليّة” نسبة إلى اسم الفاعل “جَاهِلٌ”، وليس إلى “جَهِلَ” مصدرا كان أم فعلا، ووروده على تلك الصّيغة الاشتقاقيّة قَصَر ذكره على القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وبعض الخطب التي قيلت في مستّهل الدّعوة المحمديّة.

         وذلك ما حدا بمحمد عابد الجابري- مقرّا ما أورده الألوسي في” بلوغ الأرب”- إلى القول: «” الجاهليّة” مصطلح إسلامي يقصد به، ليس فقط الجهل؛ بمعنى عدم العلم وانتفاء المعرفة، بل أيضا ،(…) ما يرافق الجهل وينتج عنه[كالفوضى] وانعدام الوازع الجماعي سياسيا كان (الدّولة) أو خلقيّا»( الدّين) »(22)، إذا، فالجهل المقصود ليس الجهل المعرفي بمقدار ما هو الجهل العقدي/ الدّيني أو كما قيل:” الجهل المنافي للحلم لا الجهل المنافي للعلم”.

         ولمصطلح” الجاهليّة” في الثقافة العربية دلالتان، دلالة خلقيّة ودلالة دينية، الأولى تشكّلت قبل مجيء الإسلام، والثانية كانت نتيجة لتلك القطيعة العقدية بين الإسلام وما قبله، وسعيا وراء الإحاطة العلميّة الشاملة سنرجئ الحديث المفصّل عن الدّلالة الدّينية للمصطلح إلى حينه لنتقصّى مختلف الدّلالات المجاورة لها مهما يكن الأصل الاشتقاقي(فعلا أم مصدرا).

  • الدّلالة اللّغوية:

         يقف الباحث في متون المعاجم اللّغويّة العربيّة على دلالة واحدة مشتركة لفعل “جَهِلَ” ومصدره” الجَهْلُ” مفادها؛ «الجهل نقيض العلم وخلافه»(23)، وهو المعنى الذّي يخلص إليه القارئ لمعلّقة “عنترة بن شداد العبسيّ”: (24)

هَلاَّ سَأَلْتِ الخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ                إِنْ كُنْتِ جَاهِلَةً بِمَا لم تَعْلَمِي

يُخْبِرْكٍ مَنْ شَهِدَ الوَقِيعَةَ أَنَّنِّي                أَغْشَى الوَغَى وَأَعِفُّ عِنْدَ المَغْنم

ب- الدّلالة الخُلُقيّة:

         تتضح الدّلالة الخلقية من خلال ذلك التّقابل بين” الجَهْلِ” و” الحِلْمِ”، ويمكن استخلاصها من الوقوف عند أبيات شعريّة ثبتت نسبتها إلى العصر الجاهليّ كقول” مهلهل بن ربيعة” التغلبي: (25)

يَا حَارُ(ب) لَا تَجَهَلْ عَلَى أَشْيَاخِنَا          إِنِّا ذَوُو السُّورَاتِ وَالأَحْلَامِ

وقول حفيده؛ عمرو بن كلثوم:(26)

أَلَا لَا يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا                     فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا

وقول داعية السّلام؛ “زهير أبي سلمى”:(27)

وَإِنَّ سِفَاهَ الشَّيْخِ لَا حِلْمَ بَعْده              وَإِنَّ الفَتَى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُمِ

وقول الشّنفرى (ثابت بن أوس):(28)

وَلَا يَزْدَهِي الأَجْهَالُ حِلْمِي وَلَا أَرُى           سَؤُولًا بِأَعْقَابِ الأَقَاوِيلِ أَنْمُلُ

          ومن المعاني الواردة لفعل “جَهِلَ” ومصدره “الجَهْل” في عدد من المعاجم اللّغوية قولهم: «جَهِلَتِ القِدْرُ: اشتّد غليانها، نقيض تَحَلَّمَت»(29)، وإذا جاز لنا  أن ننقل اللّفظ من الحقيقة إلى المجاز فنستبدل لفظ” القدر” بلفظ” النفس” أمكننا القول:« جهلت النّفس: اشتّد غليانها، نفيض حَلُمَت». فالإنسان الجاهليّ ذو نفس فائرة لا تسكن؛ نفس كانت وراء اشتعال فتيل الحروب واستمرارها سنوات طويلة.

ج- الدّلالة الدّينيّة:

         واستكمالا لما بدأناه عن الدّلالة الدينية لمصطلح” جاهليّة” فإنّنا نجد وروده في القرآن الكريم مضافا إليه في أربع مواضع، مضاف إلى مفعول مطلق في موضعين لتبيين النّوع؛ (نوع الظنّ ونوع التّبرج)، «يظنون باللّه غير الحقّ ظن الجاهلية»[سورة آل عمران، الآية 154]، «وقرن في بيوتكن ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى»[سورة الأحزاب، الآية 33]، ومضاف إلى توكيد لفظي، «إذ جعل الذّين كفروا في قلوبهم  الحميّة حميّة الجاهليّة»[سورة الفتح،الآية25]، ومضاف إلى مفعول به مقدّم، «أفحكم الجاهليّة يبغون»،[سورة المائدة، الآية 50].

          وفي الحديث النبوي الشريف روي عن النّبي- صلّى الله عليه وسلّم- قوله لأبي ذّر الغفاري لمّا عيّر رجلا بأمّه: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة»(30)، وقوله في حجّة الوداع: « أيّها النّاس ،إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا وإن كلَّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث، وربا  الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربا العبّاس بن عبد المطلّب فإنّه موضوع كلّه» (31).

د- الدّلالة الاصطلاحيّة:

         وتأكيدا لما  خَلُص إليه “الألوسي” في كتابه” بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب”، وما أقرّه” محمد عابد الجابري” في ” تكوين العقل العربي” من أنّ المصطلح إسلاميّ خالص يذهب أهل النّظر من الباحثين إلى تحديد دلالته الاصطلاحيّة تحديدا ينصرف إلى تلك «الحالة الخُلُقيّة التي كانت حاضرة في نفوس العرب، والأعراب منهم بصورة خاصة، جماعها الغلّو في تقدير الأمور والإسراف وسرعة الغضب والتّهوّر والأنفة والحميّة والمفاخرة، فقد كان من العرب  من يفرط في الكرم حتّى يغدو سرفا وتبذيرا، ويغلو في الشّجاعة  حتّى تعود حماقة وتهوّرا، ويجاوز معنى النّجدة إلى الظّلم» (32).

         وقد جاء فيما يخص الدّلالة التاريخية الزّمنية قول صاحب اللّسان: «زمن الفترة ولا إسلامَ… أي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل باللّه- سبحانه وتعالى- ورسوله وشرائع الدّين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتّجبّر، وغير ذلك»(33).ولا يحسب القارئ أنّ لفظ” الفترة” مقبوس” لسان العرب” يشير دلاليّا إلى الإطار الزمانيّ المطلق للّفظ بل يشير إلى إطار زماني مخصوص لما ورد في القرآن الكريم: «على فترة من الرّسل»،[سورة المائدة، الآية19].

         وبناء على ما سبق، فمصطلح” الجاهليّة” يحيل إلى «الفترة خلت من الرّسل بين عيسى ومحمّد »(34)، ويذكر” الألوسيّ “في “بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب” أنّ أيّام الفترة «هي الزّمن بين رسولين»(35) ، وفي مجال الدّراسات الأدبيّة يقسّم مؤرّخو الأدب تلك الفترة قسمين: (36)

*- الجاهلية الأولى: وهي الفترة التي تمتّد إلى الوراء حقبا وأزمانا  لا نعلم من أمر الأدب فيها شيئا.

*- الجاهليّة الثانيّة: وهي التي تلي زمانيا الجاهليّة الأولى، وتشغل نحو مائتي سنة قبل ظهور الإسلام، وهي الفترة التي وصل إلينا  منها شعر بعض شعرائها أو كثير منه، وتبدأ بزمن نشوب “حرب البسوس” بين قبيلتي بكر وتغلب حيث أقدم الأشعار التي يمكن أن نرجّح صحتّها.

الهوامش والإحالات:

  1. لسان العرب، مادة (أدب).
  2. الموسوعة العالمية للشعر العربي على الرابط: www.adab.com
  3. لسان العرب، مادة (أدب).
  4. الموسوعة العالمية للشعر العربي على الرابط: www.adab.com
  5. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي(العصر الجاهلي)، دار المعارف بمصر، القاهرة، ط22، ص08.
  6. الموسوعة العالمية للشعر العربي على الرابط: www.adab.com
  7. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي( العصر الجاهليّ)،ص09.
  8. أبو علي القالي، الأمالي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1980، ص 104.
  9. المبرد، الكامل، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ج3، دار نهضة مصر، القاهرة، 1977، ص59.
  10. محمد أبو الأنوار، من قضايا الأدب الجاهلي، مكتبة الشباب، المنيرة، القاهرة، ط1،1976، ص10.
  11. ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج1، مطبعة عيسى الحلبي، مصر، 1935، ص 47.
  12. ابن رشيق، العمدة، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد،ج1، مطبعة الجيل، بيروت، 1972، ص59.
  13. محمد صالح الشنطي، الأدب العربي القديم(عصوره واتجاهاته وتطوّره ونماذج مدروسة منه)،دار الأندلس للنشر والتّوزيع، المملكة العربية السّعوديّة، ط1، 1992،ص10.
  14. لسان العرب، مادة (أدب)
  15. جاء في “العمدة” لا بن رشيق، ج1،ص65: «كانت القبيلة إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل وهنّأتها وصنعت الأطعمة واجتمع النّساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر  الولدان. لأنّه حماية لأعراضهم، وذبّ عن أحسابهم وتخليد لمآثرهم وإشادة لذكرهم. وكانوا لا يهنّئون إلاّ بغلام يولد أو شاعر ينبغ فيهم أو فرس تنتج ».
  16. محمد أبو الأنوار، قضايا الأدب الجاهليّ، ص08.المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
  17. محمد صالح الشنطى، الأدب العربي القديم(عصوره واتجاهاته وتطوّره ونماذج مدروسة منه)،دار الأندلس للنشر والتّوزيع، المملكة العربية السّعوديّة ، ط1، 1992،ص10.
  18. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، (العصر الجاهلي)، ص08.
  19. عبد العزيز نبوي، دراسات في الأدب الجاهليّ، مؤسّسة المختار للنّشر والتوزيع، القاهرة، ط3، 2004، ص11.
  20. المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
  21. المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
  22. محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط1، 1985،ص57.
  23. لسان العرب، مادة (جهل) .
  24. الزوزني، شرح المعلّقات السبع، الشركة الجزائرية اللبنانيّة، الجزائر، ط1، 2007، ص 326.
  25. الموسوعة العالمية للشعر العربي على الرابط: www.adab.com
  26. الزوزني، شرح المعلّقات السبع، ص 280.
  27. الزوزني، شرح المعلّقات السبع، ص 170.
  28. الموسوعة العالمية للشعر العربي على الرابط: www.adab.com
  29. لسان العرب، مادة( جهل).
  30. ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج1، ص 192.
  31. محمد صالح الشنطى، الأدب العربي القديم(عصوره واتجاهاته وتطوّره ونماذج مدروسة منه)،ص08.
  32. مصطفى عبد الشافي الشّوري، الشّعر الجاهليّ، كلية الآداب، جامعة عين شمس، مصر، ط1، 1999،ص ص18- 19.
  33. لسان العرب، مادة (جهل).
  34. دائرة المعارف الإسلاميّة، مادة( جاهليّة).
  35. الألوسيّ، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، ج1/ص15.
  36. عبد العزيز نبوي، دراسات في الأدب الجاهليّ، ص16.

ا- يورد” عبد العزيز نبوي “في كتابه” دراسات في الأدب الجاهلي” ملاحظة مفادها؛ “أن القدماء لم يطلقوا كلمة “أدب” على العلوم الدّينية”.

ب- منادى مرخم أصل المنادي (يا حارث).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *