السيد / محمد غلام الرحمان
ملخص البحث
إن اهتمام المسلمين باللغة العربية كان عظيما، فعندما فتحت العراق والشام ومصر وغيرها من البلاد، ودخل أهلها في الإسلام أقبلوا على تعلّم هذه اللغة إقبالا شديدا حيث تركوا لغاتهم الأصلية، فأصبحت هذه البلاد تعرف بالبلاد العربية، ولم يكن اعتناء الأعاجم باللغة العربية أقل من غيرهم؛ وذلك لحرصهم الشديد في فهم الإسلام الذي آمنوا به من قلوبهم عن طريق الكتاب والسنة والفقه الإسلامي، حتى برز فيهم أئمة في التفسير والحديث والفقه والأدب حيث أصبحت أقوالهم حجة فيما اختصوا به، ولم يكن اعتناء علماء المسلمين في شبه القارّة الهندية خاصّة في جمهورية بنغلاديش الشعبية أقل من غيرهم، أيام الاستعمار البريطاني وبعد خروجه من البلاد، وذلك عن طريق إنشاء المدارس الإسلامية والمعاهد الدينية التي بلغ عددها آلافاً ما بين ابتدائية وثانوية وعالية، وكل هذه المؤسسات التعليمية مناهجها تشتمل على مواد اللغة العربية والعلوم الأدبية، وهذا البحث يهدف إلى إبراز وكشف أوضاع اللغة العربية وتقييمها، مع بيان مناهج تعليمها في المؤسسات التعليمية المختلفة من المدارس الإسلامية والمعاهد الدينية ومراكز تعليم اللغات في جمهورية بنغلاديش الشعبية، وقد توصّل البحث إلى أنّ اللغة العربية شهدت تطوّرا بارزاً ملموساً في المؤسسات التعليمية البنغلاديشية في السنوات الأخيرة، ولو كان الجهد قليلا إلا أنه مشكور بالنسبة للعصور السابقة.
مقدمة البحث:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن اللغة العربية هي وعاء العلم والمعارف الإسلامية، وهي اللغة التي تم بها تدوين العلوم الإسلامية الأصيلة، وبها نزل مصدر الشريعة الإسلامية الأوّل، ودوّنت السنة النبوية المطهرة التي هي مصدر الشريعة الإسلامية الثاني، ومنبع فهم الدراسات الإسلامية، لقول الله سبحانه وتعالى [1]، وقوله تعالى[2]، وبها تمّ تأليف الكتب الإسلامية التي تعتبر هي الأم والمصادر الأساسية المعتمدة في كل الفنون الإسلامية: من كتب التفاسير وشروح الحديث والفقه وأصوله والسيرة وكتب أصول الدين وغيرها، وما زالت العلوم الإسلامية تفهم عن طريق اللغة العربية والعلوم المتصلة بها من عصر النبوة إلى زماننا هذا، حتى صار ما يمكن الفهم الصحيح للعلوم الإسلامية إلا بفهم اللغة العربية، وحتى قيل إن اللغة العربية من الدين؛ لشدة ارتباط معارفها بالعلوم الإسلامية والشعائر التعبّدية.
وقد اهتمّ المسلمون في شبه القارّة الهندية خاصّة علماء جمهورية بنغلاديش بهذه اللغة العربية لكونها هي أفضل اللغات؛ فهي اللغة التي نزل بها القرآن الذي هو أفضل الكتب، ولغة الإسلام الذي هو خير الأديان، ولغة الأمة الإسلامية التي هي خير الأمم، ولغة الحضارة الإسلامية التي هي أعرق الحضارات وأنفعها للبشرية، وهي باقية بقاء العصور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ وذلك لأنها محفوظة بحفظ الله تعالى القائل .[3]
وهذا البحث يهدف إلى إبراز وكشف أوضاع اللغة العربية وتقييمها، مع بيان مناهج تعليمها المختلفة في المؤسسات التعليمية البنغلاديشية من المدارس الإسلامية والمعاهد الدينية ومراكز تعليم اللغات، وقد سار الباحث في إنجاز هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي، والمنهج الاستنباطي والاستقرائي، والمنهج التاريخي للوصول إلى الهدف المذكور، ويشتمل البحث على مقدمة وخمسة مباحث وخاتمة:
· المبحث الأوّل: اللغة العربية في المدارس الحكومية البنغلاديشية
· المبحث الثاني: اللغة العربية في المدارس الأهلية البنغلاديشية
· المبحث الثالث: اللغة العربية في الجامعات البنغلاديشية
· المبحث الرابع: اللغة العربية في المعاهد والمراكز الحكومية والأهلية
· المبحث الخامس: تقييم تعليم اللغة العربية في المؤسسات التعليمية البنغلاديشية
وفي الخاتمة ذكر الباحث أهم النتائج والتوصيات التي توصل إليها من خلال البحث والدراسة، وأتبع الخاتمة بقائمة المصادر والمراجع التي اعتمد عليها في القيام بالبحث، والله الموفق والمعين.
المبحث الأوّل: اللغة العربية في المدارس الحكومية البنغلاديشية:
كان التعليم الديني والقرآني في جمهورية بنغلاديش يتمّ عن طريق المساجد، والكتاتيب، ومجالس العلماء، والمدارس وغيرها،[4] وكانت المساجد والكتاتيب مراكز التعليم الابتدائي، وكان يتعلم فيه تلاوة القرآن الكريم وقراءته مع التجويد، وأحكام الطهارة والصلاة والصيام وغير ذلك من أحكام الشريعة، ومبادئ اللغة العربية واللغة الفارسية، وفي الأيام الأخيرة أدخلت اللغة البنغالية ضمن مواد المكاتب،[5] وكانت هناك مكاتب خاصة لتحفيظ القرآن الكريم، حيث يتفرغ فيها الطلاب لحفظ القرآن الكريم كاملاً إلى جانب تعلّم مبادئ اللغة العربية والفارسية ونبذ من أحكام الشريعة.[6]
وقد ارتبط تاريخ التعليم الإسلامي في بلاد البنغال بتاريخ المدرسة المسماة بـ((مدرسة كلكتا))، أو ((مدرسة كلكتا العالية))، أو ((الكلية المحمدية))، ونقلت فيما بعد إلى داكا- عاصمة بنغلاديش- فعرفت باسم ((مدرسة داكا العالية))، فقد كانت المؤسسة الرسمية الوحيدة للتعليم الإسلامي لفترة، وحولها تدور المخططات والمناقشات والمباحثات حول التعليم الإسلامي، وكانت تمثل عند المسلمين المؤسسة الوحيدة للتعليم الإسلامي.[7]
إن الامتحانات العامة في مختلف المراحل التعليمية للمدارس الحكومية الإسلامية في بلاد البنغال كانت تجرى تحت هيئة خاصة الملحقة بالمدرسة العالية بكلكتا، ثم بداكا، وكان النظام أن يكون مدير المدرسة العالية رئيس هذه الهيئة، وبعد استقلال بنغلاديش قامت حكومة بنغلاديش في عام 1978م بفصل هذه الهيئة عن المدرسة العالية وتأسيس هيئة مستقلة باسم ((مجلس التعليم لمدارس بنغلاديش))، وخصصت لها مباني مستقلة،[8] فكانت خطوة إيجابية كبيرة تجاه تطوير التعليم الإسلامي، إذ تفرغت له هذه الإدارة المستقلة، ومن مهامها الإشراف على المدارس والمؤسسات التعليمية الملحقة بها ومراجعتها، والنظر في مستوى التعليم فيها، والاعتراف بالمدارس الجديدة التي تؤسس على نظامها، وتطوير مناهجها ومقرراتها، ووضع الكتب الدراسية لها، وفي السنوات الأخيرة انتقل الإشراف للمرحلة الفاضل ((الليسانس)) ومرحلة الكامل ((الماجستير)) من هذا المجلس إلى ((الجامعة الإسلامية كوستيا))، بمعنى الآن أن ((مجلس التعليم لمدارس بنغلاديش)) يشرف على المرحلة الإبتدائية ومرحلة الداخل والعالم فقط.
مقررات التعليم الإسلامي ومناهجه في مختلف المراحل التعليمية في المدارس الإسلامية البنغلاديشية، على النحو التالي:[9]
المرحلة الابتدائية: مدتها خمس سنوات، يدرس فيها الطالب: تلاوة القرآن الكريم وتجويده، ومبادئ الإسلام، واللغة العربية: نحو وصرف، واللغة البنغالية، واللغة الإنجليزية، والحساب، وفي الصفين الأخيرين يضاف كتب العلوم وعلم الاجتماع.
مرحلة الداخل: (المرحلة المتوسطة/ الثانوية السفلى): مدتها خمس سنوات، يشترك الطلاب في نهايتها في اختبار عام على مستوى البلد تعقد تحت إشراف الهيئة المسماة ((مجلس التعليم لمدارس بنغلاديش))، ويتعلم الدارس في هذه المرحلة: القرآن الكريم تلاوةً وتجويداً، واللغة البنغالية، والإنجليزية، والرياضيات، والتاريخ، والعلوم، وقواعد اللغة العربية من النحو والتصريف وأصول الترجمة، والنصوص والمطالعات، والعقائد والفقه، ويمكنه دراسة اللغة الأردية أو الفارسية كمادة اختيارية إضافية، وفي السنتين الأخيرتين من مرحلة الداخل يختار الطالب أحد الأقسام الأربعة وهي: القسم العام، قسم العلوم، قسم التجويد، قسم التحفيظ.
مرحلة العالم: (الثانوية العليا): ومدتها سنتان، وفي نهايتها يشترك الطلاب في اختبارات عامة تعقد على مستوى البلد تحت إشراف الهيئة المذكورة، ويمنح الناجح ((شهادة العالم))، وتعادل الشهادة الثانوية العليا، فيحق له الالتحاق بالمرحلة الجامعية في إحدى الجامعات، ويتعلم الدارس في هذه المرحلة: القرآن الكريم، والحديث ومصطلح الحديث، والفقه، وأصول الفقه والفرائض، واللغة البنغالية، واللغة الإنجليزية، واللغة العربية: نصوص، واللغة العربية: قواعد، والتاريخ الإسلامي، والبلاغة والمنطق، والدراسة في هذه المرحلة تكون في أحد الأقسام الثلاثة: القسم العام، قسم العلوم، قسم المجوّد الماهر.
المرحلة الجامعية: (مرحلة الليسانس): ومدتها ثلاث أو أربعة سنوات، وفي نهاية كل سنة يشترك الدارس في اختبارات عامة على مستوى البلد تعقد تحت إشراف ((الجامعة الإسلامية كوستيا))، ويمنح الطالب الناجح في السنوات الثلاثة أو الأربعة ((شهادة الليسانس))، وهي تعادل في بعض الوظائف التعليمية شهادة البكالوريوس العام التي يحصل عليها من الجامعات العامة، ويدرس الدارس في هذه المرحلة: اللغة البنغالية، تفسير القرآن وأصول التفسير، والحديث وأصول الحديث، وعلم الكلام، والبلاغة، والأدب العربي، والفقه وتاريخ علم الفقه، وأصول الفقه، وبعض المواد الاختيارية، مثل التاريخ الإسلامي، والفلسفة الإسلامية، أو الإدارة العامة والسياسة، أو الاقتصاد.
مرحلة الكامل: (الدراسات العليا المتخصصة): مدتها سنتان، ويشترك الدارس في نهاية كل سنة في اختبارات عامة على مستوى البلد تحت إشراف ((الجامعة الإسلامية كوستيا))، ويمنح الطالب الناجح في السنتين ((شهادة الماجستير))، وفي هذه المرحلة خمسة أقسام وهي: قسم الحديث، وقسم الفقه، وقسم التفسير، وقسم الأدب العربي، وقسم تجويد القرآن.
وفي قسم الأدب العربي يدرس الطلاب: في النثر العربي القديم: البيان والتبيين للجاحظ، ونهج البلاغة للشريف الرضي، وفي الشعر العربي القديم: ديوان امرئ القيس وديوان النابغة الذبياني، ولامية العرب للشنفرى وجمهرة أشعار العرب للقرشي، وفي النثر العربي الحديث: مختارات من وحي بغداد للرافعي، والعبرات للمنفطولي وفي الشعر العربي الحديث: مختارات من ديوان شوقي، وديوان حافظ إبراهيم، وديوان الرصافي، وفي البلاغة والعروض والقافية: إعجاز القرآن للباقلاني، ودلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة للجرجاني، والكافي في علم العروض والقوافي، وفي النقد الأدبي: نقد الشعر ونقد النثر لقدامة بن جعفر، وتاريخ النقد الأدبي عند العرب لأحمد إبراهيم، وفي الكتابة والخطابة: مختارات من كتاب الصناعتين، وفي تاريخ اللغة العربية وآدابها: تاريخ الأدب العربي للزيات، إلى جانب موضوعات من التاريخ الإسلامي.
المبحث الثاني: اللغة العربية في المدارس الأهلية البنغلاديشية:
إنّ عدداً من المدارس ظلت خارجة عن الجهود الحكومية ومناهجها ومقرراتها، وتسمى ((المدارس القومية)) أو ((المدارسة الخارجية))، أو ((مدارس الدرس النظامي))، وأنها تتمسك بـ((الدرس النظامي))، وأنها تعتمد كلياً على معونات المسلمين، وقد زاد عددها خلال السنوات الأخيرة، ففي إحصائية حكومية لعام 1992م أن في البلاد حوالي ثلاثة آلاف مدرسة من هذا القبيل،[10] وأن عدد المدارس من هذا النوع يزداد يوماً بعد يوم إلا أن الباحث لم يحصل على إحصائية دقيقة في السنوات الأخيرة.
وقد تمكن عدد من قادة العلماء المشرفين على هذه المادة من وضع إدارة تحت مسمّى بـ((وفاق المدارس العربية))، وانضمّ إلى هذه الجمعية عدد كبير من المدارس الأهلية، رغم أن عدداً أخرى لم يزل خارج الجهود التنسيقية، وتدار حسب آراء القائمين عليها فيما يتعلق بالمناهج والمقررات ونظام التعليم.
وقد بذلت إدارة ((وفاق المدارس العربية)) بعض الجهود في تحسين المناهج التعليمية والمقررات للمدارس التابعة لها، ومدة الدراسة في هذه المدارس 16 سنة: المرحلة الابتدائية: خمس سنوات، والمرحلة المتوسطة: ثلاث سنوات، والمرحلة الثانوية العامة: سنتان، والمرحلة الثانوية العليا: سنتان، ومرحلة الفضيلة: سنتان، ومرحلة التكميل: سنتان، وأما المناهج والمقررات فهي:
– في الابتدائية: يتعلم الطالب مبادئ اللغات البنغالية والأردية والعربية والإنجليزية، والفارسية، والحساب، والجغرافيا، والتاريخ، والفقه والعقيدة.
– في المرحلة المتوسطة: يستمر في تعلم هذه المواد مع التوسع في اللغة العربية والفقه، وإضافة المنطق.
– في الثانوية العامة: يدرس المواد السابقة مع إضافة البلاغة، وأصول الفقه وترجمة القرآن الكريم، وإلغاء الفارسية والإنجليزية، وتستمر تلك المواد في مرحلة الثانوية العليا.
– في مرحلة الفضيلة: يدرس الطلاب تفسير الجلالين، ومشكاة المصابيح، وكتيبات في علوم القرآن ومصطلح الحديث، والفقه وأصوله، ونصوص اللغة العربية، وكتب في الحكمة والفلسفة اليونانية وعلم الكلام والاقتصاد.
– في مرحلة التكميل: يعكف الطلاب على دراسة متون الكتب الستة في الحديث، وبعض الكتب الأخرى.
المبحث الثالث: اللغة العربية في الجامعات البنغلاديشية:
إن تأسيس جامعة إسلامية كان من أهم مطالب الأكاديميين والشعب المسلم البنغالي منذ منتصف القرن العشرين، طالبوا به الحكام الإنجليز، ثم حكام باكستان، وكونت لجان عديدة لدراسة الموضوع وقدمت تقارير واقتراحات جادة لتأسيسها إلا أنها ظلت حبراً على الورق دون أي خطوة إلى التنفيذ.[11]
وبعد استقلال بنغلاديش بذلت مساع مشكورة تجاه تأسيس جامعة إسلامية في بنغلاديش، وفي عام 1977م كونت الحكومة لجنة لدراسة موضوع إنشاء جامعة إسلامية في بنغلاديش، وبناء على تقرير هذه اللجنة تم تأسيس الجامعة الإسلامية في بنغلاديش في عام 1980م ،[12] باسم ((الجامعة الإسلامية كوستيا))، وفي هذه الجامعة كلية أصول الدين، إلى جانب الكليات العامة العصرية مثل كلية العلوم، وكلية العلوم الاجتماعية، وكلية العلوم التجارية، وكلية القانون والشريعة الإسلامية، والدراسة في كلية أصول الدين باللغة العربية، وفيها ثلاثة أقسام: قسم القرآن الكريم، وقسم الحديث النبوي، وقسم الدعوة، وطلاب الكليات الأخرى يدرسون مادة ((الدراسات الإسلامية والعربية)) كمادة إجبارية من متطلبات الجامعة، ومن أشهر الجامعات التي تعتني بتعليم اللغة العربية وتعلّمها:
– جامعة داكا
– الجامعة الإسلامية كوستيا
– الجامعة الإسلامية العالمية شيتاغونغ
– الجامعة الإسلامية بنغلاديش
– جامعة شيتاغونغ
– جامعة راجشاهي
– جامعة دار الإحسان
– الجامعة الوطنية لبنغلاديش وتحت رعايتها كليات مختلفة في أنحاء البلاد
إن هذه الجامعات العامة المذكورة يوجد فيها أقسام مستقلّة للغة العربية وآدابها لنيل شهادة الليسانس والماجستير والدكتوراه، ثم إن هذه الجامعات تشجع الطلاب الدارسين فيها اتجاه البحث والتحقيق والكتابة والتأليف باللغة العربية؛ وذلك أن الطلاب الذين يدرسون في مراحل الماجستير والدكتوراه بقسم اللغة العربية مطالبون بكتابة رسائلهم حول الموضوعات الخاصّة بالأدب العربي، وبما أن تدريس اللغة العربية في هذه الجامعات لا يهدف إلا إلى الناحية الأدبية، فإنها تركز عنايتها بتعليم مواد النثر العربي والشعر والنقد والقواعد والعروض والبلاغة وتاريخ الأدب، وبما أنّ الحكومة تشرف على هذه الجامعات وتتولى الإنفاق عليها، فإنها تتمتع بكثير من التشجيعات والتسهيلات التي لا تتوفر المدارس والمعاهد الأهلية.
وإضافة إلى ذلك أن هناك توجد أقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات المذكورة وغيرها التي تقوم بتدريس العلوم الإسلامية لنيل شهادة الليسانس والماجستير والدكتوراه، وتدرّس فيها آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والعلوم العربية الإسلامية مع التراجم البنغالية والإنجليزية، كما تدرّس فيها اللغة العربية كمادّة إجبارية في درجة الليسانس، وأيضا أن هناك نجد بعض الجامعات التي تقوم بتدريس اللغة العربية الحديثة وتعطي الشهادات والدبلومات للناجحين في امتحاناتها.
المبحث الرابع: اللغة العربية في المعاهد والمراكز الحكومية والأهلية:
وهناك يوجد عدد من المعاهد والمراكز الحكومية والأهلية التي تقوم بتدريس وتعليم اللغة العربية إضافة إلى الجامعات والمدارس الحكومية والأهلية المذكورة، ومن أشهرها:
أوّلا: معهد اللغات الحديثة العالمية: وهذا المعهد تحت رعاية جامعة داكا، ويقوم هذا المعهد بتدريس اللغات الحيّة في العالم من اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والكورية وغيرها من اللغات الشائعة في العالم، ويستعمل هذا المعهد بأحدث طرق تعليم اللغات الحديثة من السمعية والبصرية وغيرها.
ثانيا: معهد التربية والثقافة الإسلامية: وهذا المعهد يقوم بتدريس اللغة العربية مع المواد الأخرى من الدراسات الإسلامية والعربية، ويشجعون الطلاب بمحادثة اللغة العربية في دائرة المعهد، والطلاب يمارسون بالمحادثة بعضهم مع بعض.
ثالثا: مركز الفجر: وقد تمّ تأسيس هذا المركز في العاصمة على أيدي بعض خريجي جامعة الأزهر الشريف وجامعة القاهرة مصر سنة 2010م، لتعليم اللغة العربية وتدريسها ونشرها في أنحاء البلاد كلّها، ويقوم هذا المركز بتدريس اللغة العربية الحديثة باستخدام أحدث الطرق السمعية والبصرية.[13]
رابعا: وهناك أيضا مركز للغة العربية للمدنيين يعني خريجي جامعات المدينة المنوّرة وأم القرى وجامعة الإمام محمد بن سعود وغيرها من الجامعات الأخرى في المملكة السعودية، وأن هذا المركز يهتم بكتب اللغة العربية للناطقين بغيرها المتداولة في المملكة السعودية.
إضافة إلى هذه المعاهد والمراكز يوجد هناك أيضا مركز أبو بكر الصديق، ومركز الإبانة، ومعهد النهضة العالمية لتعليم اللغات وغيرها من المراكز والمعاهد في أنحاء البلاد.
المبحث الخامس: تقييم تعليم اللغة العربية في المؤسسات التعليمية البنغلاديشية
إذا نظرنا إلى أوضاع مناهج الدراسات الإسلامية والعربية في المؤسسات التعليمية البنغلاديشية نجد فيها المبالغة في العلوم العقلية، وإهمال المواد الأساسية الإسلامية، وإهمال اللغة العربية، وإنّ اللغة العربية ما زالت تدرس للغة، ولا تعطى نصيبها من العناية، بل العناية تنصب على الإنجليزية، مما جعل الطالب لا تكون حصيلته من العربية كافية في فهم المراجع العربية الأصيلة، وفي التأليف أو التدريس باللغة العربية.
فكان من الواجب في المدارس الحكومية والأهلية أن يعتنى بالعربية قبل كل شيء، ومن نتائج ضعف مناهج تعليم الغة العربية عدم ظهور الحركة اللغوية والأدبية العربية في جمهوريّة بنغلاديش، بخلاف الهند أو باكستان، فقد برز كثير من علمائها في مجال التأليف والإعلام والإنشاء بالعربية، ولا نكاد نجد في بنغلاديش علماء بارزين قادرين على البحث والتمحيص والاستنباط، وتقديم الجديد، فالغالب أنهم يشتغلون في تدريس الكتب الدراسية وشرحها للدارسين، وإذا وجدنا فيهم مؤلفاً فالغالب أن ينحصر تأليفه في مجال وضع حواشي أو تعليقات على الكتب الدراسية.[14]
ومن السلبيات التي استمرت في قطاع التعليم الإسلامي عدم وجود ترتيبات لتدريب المعلمين في هذا القطاع، فالتدريس في هذا القطاع قاطبةً يعتمد على الأساليب القديمة من الحفظ والتلقين، دون العناية بتنمية مهارات الطالب العقلية والبحثية واللغوية، كما أن المدرسين يغفلون عن الأساليب والوسائل الحديثة في التعليم. ومن أبرز الإنجازات في تطوير التعليم الإسلامي في بنغلاديش اتخاذ الخطوات الفعلية لتدريب المعلمين العاملين في هذا القطاع، وقد أسست الحكومة مؤخراً معهداً لتدريب المعلمين ملحقاً بـ((مجلس التعليم لمدارس بنغلاديش))، وقد بدأ المعهد مهامه متواضعاً، وهو في حاجة إلى تطوير وتوسعة.[15]
وقد اتضح لدى الباحث بعد إمعان النظر والتفكر في المناهج والمقررات السائدة في المؤسسات التعليمية المختلفة في جمهورية بنغلاديش، ومن خلال إجراء الاتصالات المباشرة وغير المباشرة، والمقابلات الشخصية مع الأساتذة والخريجين في هذه المدارس، والجامعات والمعاهد، ومراكز تعليم اللغات[16] هذه الأمور التالية، وجدير بالذكر أن الباحث أحد الخريجين في المدارس الحكومية تحت إشراف هيئة ((مجلس التعليم لمدارس بنغلاديش)).
سيكون التقييم هنا على العموم لا على الخصوص؛ لأن هذا يتطلب استقراءً تاماً لجميع مناهج تعليم اللغة العربية وتعلّمها في المدارس الحكومية وغير الحكومية، والجامعات والمعاهد والمراكز لتعليم اللغات في جميع أنحاء البلاد، وأنى لي ذلك؟ وهو يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً موسعاً، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
أوّلا: من ناحية المناهج والمقررات: إنّ المناهج والمقررات الموجودة حاليا في المؤسسات التعليمية البنجلاديشية غير كاف وغير منسق في كافة المراحل الدراسية في المدارس الحكومية والأهلية والجامعات والمعاهد ومراكز تعليم اللغات، ولكن المناهج والمقررات في المدارس الأهلية أحسن من المدارس الحكومية، فالمدارس الحكومية تهتم بالأدب العربي أكثر من القواعد العربية في حين أن المدارس الأهلية تهتم بالقواعد العربية أكثر من الأدب العربي، بمعنى أن المدارس الحكومية يدرّس فيها العربية دون أي اهتمام بالقواعد العربية وأن المدارس الأهلية يدرّس فيها القواعد العربية دون التطبيق، ولكن طلبة المدارس الإسلامية والعربية البنغلاديشية سواء من المدارس الحكومية أو غير الحكومية يعرفون القواعد العربية أكثر من الأدب العربي والقراءة والكتابة والتطبيق.
ثانيا: من ناحية المتعلّم أو الطلاب: في الحقيقة أن أكثر الطلاب ليست لديهم أية رغبة أكيدة ومحاولة جادة لتعليم اللغة العربية، ولكنهم يتعّلمون حسب المناهج والمقررات حتى يستطيعوا لاجتياز المراحل المختلفة في المدارس والجامعات؛ لأن اللغة العربية ليست لها أية أهمية في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية إلا في بعض القطاعات الخاصّة، وأيضا الحكومة البنغلاديشية العلمانية لا تهتم باللغة العربية ولا تشجّع لتعليم اللغة العربية، وفي نفس الوقت هناك بعض الطلاب الذين لديهم الرغبة الأكيدة للالتحاق والدراسة في الجامعات المختلفة في الدول العربية والإسلامية، مثل جامعة الأزهر الشريف وجامعة القاهرة في مصر، وجامعة المدينة المنوّرة وجامعة أم القرى في المملكة السعودية، وجامعة الكويت، وجامعة قطر وغيرها من الجامعات، هم الذين يجتهدون بكل جدّ وجهد وطاقات حسب استطاعتهم لتعليم اللغة العربية الحديثة ويلتحقون بالمراكز والمعاهد الخاصّة.
ثالثا: من ناحية الأساتذة أو المعلّمين: إن بعض المدارس والجامعات أو الهيئات والمراكز فيها أساتذة يحسسون ضعف المناهج والمقررات في اللغة العربية، ويريدون أن يتطوّر المناهج والمقررات، ولكنهم لم يجدوا الأساتذة أو المعلّمين ذوي الخبرة والمهرة للتدريس بهذه المناهج العصرية؛ إذ لايوجد هناك أية جهة خاصّة لتدريب المعلّمين في تدريس اللغة العربية بأسلوبها وأساليبها الحديثة والمتطوّرة في الدولة.
رابعا: من ناحية المهارات اللغوية الأربعة: ومن المعروف أن للغة أربع مهارات، هي: الاستماع والكلام والقراءة والكتابة، وللأسف الشديد أن في معظم المناهج والمقررات السائدة في المدارس الإسلامية الحكومية والأهلية، والمعاهد والجامعات والمراكز اللغوية في الدولة لا توجد فيها موادّ لكسب وتقوية مهارتي الاستماع والمحادثة في اللغة العربية، وأما مهارتي القراءة الكتابة فيكسبهما الطلاب من هذه المناهج السائدة 30% على وجه التقريب، وهذا أقل بكثير من المطلوب، والله أعلم.
خاتمة البحث:
بعد هذه الجولة الهادئة ذكر الباحث في الخاتمة أهم النتائج والتوصيات التي توصّل إليها من خلال هذه الدراسة الموجزة، وذلك فيما يلي:
أوّلاً: شهدت اللغة العربية من حيث الاهتمام بها تطوّراً بارزاً ملموساً في المؤسسات التعليمية البنغلاديشية من المدارس الدينية الحكومية وغير الحكومية والجامعات والمعاهد والمراكز لتعليم اللغات المختلفة في السنوات الأخيرة، وإن كان الجهد فيها قليلا إلا أنه مشكور بالمقارنة مع العصور السابقة.
ثانياً: إنّ المقررات الدراسيّة للغة العربية بمختلف مراحلها في المؤسسات التعليمية البنغلاديشية غير كاف وغير منسق لتعليم اللغة العربية كلغة للفهم والتخاطب والكتابة على الوجه الأكمل والأتمّ؛ لأن بعض المقررات الدراسية في بعض المراحل لا تتناسب مع المراحل نفسها.
ثالثاً: مشاكل تعليم اللغة العربية وتعلّمها في المؤسسات التعليمية البنغلاديشية تتعلّق بالمناهج والكتب الدراسية وطرق التدريس والبيئة والأزمات المالية والاقتصادية، ولكن هذه المشاكل كلّها قابلة للحلول بفضل الله أوّلاً ثمّ بالتعاون مع جهود وخدمة العلماء الربّابيين المخلصين وأهل الخير ثانياً.
رابعاً: ينبغي الاهتمام بطرق التدريس الحديثة والمعاصرة في تعليم اللغة العربية وتعلّمها في المؤسسات التعليمية مع الاستفادة من تجارب الدول الإسلامية والعربية التي تتقدّم يوما بعد يوم في مثالية التطوّر والتقدم في تحقيق الهدف المنشود.
خامساً: العناية التامّة بدراسة اللغة العربية في جميع المراحل الدراسية في المؤسسات التعليمية البنغلاديشية، وجعلها مادّة أساسية، تدرس كلغة للفهم والتخاطب والكتابة.
سادساً: ضرورة إنشاء معهد للغة العربية في البلاد الذي يشرف على تعليم اللغة العربية في كافّة المؤسسات التعليمية من الجامعات والمعاهد والمدارس وغيرها.
سابعاً: ضرورة إنشاء أندية للغة العربية في جميع أنحاء جمهورية بنغلاديش الشعبية لنشر اللغة العربية عامّة ولكسب وتقوية مهارتي الاستماع والمحادثة باللغة العربية خاصّة.
المصادر والمراجع
– القرآن الكريم.
– تقرير اللجنة الاستشارية لتعليم المسلمين للحكومة الإنجليزية بالهند عام 1931-1934م ضمن كتاب ((تقارير عن التعليم الإسلامي والمدارس الإسلامية في بلاد البنغال))، المؤسسة الإسلامية بنغلاديش، 1985م.
– خوندكار أبو نصر محمد عبد الله جهانغير، مناهج التعليم الإسلامي ومدارسها في بنغلاديش: تاريخ ومقارنة، مجلة دراسات الجامعة الإسلامية، المجلد الثامن، الجزء الثاني، يونيو 2000م.
– سكندر علي إبراهيمي، التعليم الإسلامي في بنغلاديش: ماضيه وحاضره، المطبعة الزكية، 1991م.
– عبد المنان طالب، الإسلام في بنغلاديش، المطبعة العصرية، داكا، (دون تاريخ).
– عبد الحق الفريدي، تعليم المدارس في بنغلاديش، بنغلا إكاديمي (الأكاديمية البنغالية)، داكا، 1985م.
– الموسوعة الإسلامية المختصرة، المؤسسة الإسلامية بنجلاديش، داكا، (دون تالريخ).
– النظام التعليمي في بنغلاديش، تقرير نشره في دائرة المعلومات التعليمية والاحصائيات لبنغلاديش، عام 1992م.
– المقابلات الشخصية والاتصالات المباشرة وغير المباشرة مع كلّ من محمد نور الإسلام: أستاذ في اللغة العربية بمعهد النهضة العالمية لتعليم اللغات، محمد عبد الله محمود: خريج في معهد التربية والثقافة الإسلامية، محمد مسعود حسين: خريج في المدارس الحكومية، محمد بذل الرحمن: خريج في المدارس الأهلية والحكومية، مهدي حسن: خريج في جامعة داكا، محمد صديق الباري: خريج في المدارس الحكومية، (بين مايو – أغسطس من هذه السنة).
[1] – سورة يوسف: الآية 1-2.
[2] – سورة طه: الآية 113.
[3] – سورة الحجر: الآية 9.
[4] – انظر: الموسوعة الإسلامية المختصرة، المؤسسة الإسلامية بنغلاديش، داكا، صفحة: 57.
[5] – انظر: عبد المنان طالب، الإسلام في بنغلاديش، المطبعة العصرية، داكا، صـ 840-841.
[6] – انظر: تقرير اللجنة الاستشارية لتعليم المسلمين للحكومة الإنجليزية بالهند عام 1931-1934م ضمن كتاب ((تقارير عن التعليم الإسلامي والمدارس الإسلامية في بلاد البنغال))، المؤسسة الإسلامية بنغلاديش، 1985م، صـ 30.
[7] – انظر: خوندكار أبو نصر محمد عبد الله جهانغير، مناهج التعليم الإسلامي ومدارسها في بنغلاديش: تاريخ ومقارنة، مجلة دراسات الجامعة الإسلامية كوستيا، بنغلاديش، المجلد الثامن، الجزء الثاني، يونيو 2000م.
[8] – انظر: عبد الحق فريدي، تعليم المدارس في بنغلاديش، بانغلا إكاديمي (الإكاديمية البنغالية)، داكا، 1985م، صـ 69.
[9] – انظر بالتفصيل: سكندر علي إبراهيمي: التعليم الإسلامي في بنغلاديش: ماضيه وحاضره، المطبعة الزكية، 1991م، صـ 90-94، وعبد الحق فريدي، تعليم المدارس في بنغلاديش، بانغلا إكاديمي (الإكاديمية البنغالية)، داكا، 1985م، صـ 70-73.
[10] – انظر: النظام التعليمي في بنغلاديش، تقرير نشره في دائرة المعلومات التعليمية والاحصائيات لبنغلاديش، عام 1992م.
[11] – انظر: عبد الحق فريدي، تعليم المدارس في بنغلاديش، بانغلا إكاديمي (الإكاديمية البنغالية)، داكا، 1985م، صـ 79-82.
[12] – انظر: سكندر علي إبراهيمي، التعليم الإسلامي في بنغلاديش: ماضيه وحاضره، المطبعة الزكية، 1991م، صـ 94-95، وعبد الحق فريدي، تعليم المدارس في بنغلاديش، بانغلا إكاديمي (الإكاديمية البنغالية)، داكا، 1985م، صـ 82.
[13] – رئيس مؤسسي هذا المركز الأستاذ محمد زين العابدين، وقد توفي سنة 2011م بعد تأسيس هذا المركز بسنة إصر حادثة سيارة في محافظته، رحمه الله رحمة واسعة وأدخله الله فسيح جناته.
[14] – انظر: عبد الحق فريدي، تعليم المدارس في بنغلاديش، بانغلا إكاديمي (الإكاديمية البنغالية)، داكا، 1985م، صـ 75.
[15] – انظر: خوندكار أبو نصر محمد عبد الله جهانغير، مناهج التعليم الإسلامي ومدارسها في بنغلاديش: تاريخ ومقارنة، مجلة دراسات الجامعة الإسلامية، المجلد الثامن، الجزء الثاني، يونيو 2000م.
[16] – محمد نور الإسلام: أستاذ في اللغة العربية بمعهد النهضة العالمية لتعليم اللغات، محمد عبد الله محمود: خريج في معهد التربية والثقافة الإسلامية، محمد مسعود حسين: خريج في المدارس الحكومية، محمد بذل الرحمن: خريج في المدارس الأهلية والحكومية، مهدي حسن: خريج في جامعة داكا، محمد صديق الباري: خريج في المدارس الحكومية.