د. أوريد عبود
يدخل النص الروائي في علاقات تناصية مع نصوص قديمة أو نصوص حديثة تؤثث بنية النص المركزي وتسهم في تنويع لغاته وأساليبه، وتجدد شكله وبناءه العام وتعمل بذلك على كسر وحدة أسلوبه، وتساعد على إقامة نمذجة للسرد الروائي.”ففي الكتابة الفنية المعاصرة، عموما نوع من تداخل الأجناس الأدبية فيما بينها ينجم غالبا عن إحساس الكاتب أو عن ثقته بعجز الجنس الواحد عن استيعاب ما يريد طرحـه أو عكسه من تجربته الشعورية أو الإبداعية”([1]).
تحاور النصوص الحديثة النصوص القديمة، حتى وإن اختلفت أجناسها ولغاتها تدخل هذه النصوص الرواية بتفاوت في درجة الوضوح والغموض، وبتفاوت في الوظيفة حاملة معها دلالات حوارية.وهذا التوظيف للأجناسالأدبية يكون بطريقة مباشرة في الموقف والمعنى في النص القديم والنص الحديث، أو يكون بطريقة مختلفة من حيث السياق القديم والحديث.وعادة ما يكون هذا التوظيف بالتضمين والاقتباس، مع بعض محاولات التحوير.
تبحث الرواية الجزائرية عن طرائق جديدة متنوعة لمسايرة التغيرات التي يتعرض لها الواقع باستمرار. فهي بحث دائم وأفق مفتوح لهذه التنويعات، ما جعلها متميزة ومستقلة في تنظيم تقنيات اللغة والأساليب والرؤى. إنها تؤسس لمرحلة الإنسان الجزائري الذي يحمل تناقضات فكرية واجتماعية وإيديولوجية، تغذيها الخلافات والإحباطات والخيبات والأزمات.
تلخص أعمال عبد المالك مرتاض وابراهيم سعد الروائية تجربة الجزائر في مجال الكتابة السردية، التي استطاعت أن تبني لنفسها بنيات جمالية تعتمد على تجاوز المألوف والمتعاود.تجربة اعتصرت الواقع الجزائري، كاشفة عن التحول المهم في التصور الجمالي للعمل. تأخذ بالمتغيرات الحضارية وتعاين موقفهما من التراث المعرفي الثري وكأنهما بذلك يسعيان إلى انبثاق الرواية في شكل مغاير، مفارق من خلال ضرورة إبداء نوع من البعد عن القيم السائدة، وهذا يمثل جانبا مهما للحداثة الأدبية التي تعني قبل كل شيء الاشتغال على اللّغة([2]).
تنفتح روايات إبراهيم سعدي على أشكال أدبية متعددة، مما نتج السّياقات الحكائية وصيغها بشكل يجعل انفتاح الرواية على الممكنات الأدبية خصية نصية تستدعيها متواضعات السّرد وأبعاده التّخييلية.
الخطاب الدّيني: ارتبطت تكوينية الخطاب السردي لدى إبراهيم سعدي بحيثيات دينية، شكلت الخلفية الثقافية والإبداعية والمعرفية التّي تكوّن ضمنها النّص، وحضور هذا العنصر سمح للنص بإنتاج طاقة لغوية ودلالية متنوعة، وأول تجلّيات للخطاب الدّيني نجده في رواية (النّخر) وعلى وجه التّحديد في شخصية” دحمان” :” الذي كان على الدّوام مثالا للتقوى….يحاكي الجّدة منذ نعومة أظافره حركاتها أثناء أداء الصلاة والوضوء، ويحاول مثلها ترتيل الآيات القرآنية، شرع في صوم رمضان منذ الثامنة….هو دحمان الذّي كان ينهى الناس على الاقتراب من الخمر، يعرض عن ملذات الدّنيا، وطيباتها، يمشي في الطريق غامضا عينيه حتى لا يزني بهما، ويمتنع عن مشاهدة التلفزيون والأفلام خشية وقوع نظره على النّساء، قد يكشفن عن بعض مفاتنهن المحرمة.”([3])
إنّ حضور هذه العناصر الدّينية في عملية التّشكيل السّردي للنص يسمح بإنتاج طاقة دلالية متميّزة، يعمل المتلقي على استحضارها عبر البنيات السّردية النّاقلة للخطاب.
يقول السّارد في موضع آخر:
“…..وبعدها لبس جبته البيضاء الواسعة متّجها نحو الجامع الذي يعرف مختلف أرجائه عن ظهر قلب، بيته الروحي أيام الهدى والصّلاح….هاهو يتوضّأ، اتّخذ لنفسه مكانا للصلاة بين غيره من المصلين المتناثرين في خشوع هنا وهناك، فكلما فرغ من الصّلاة راح يبتهل إلى الله وهو لا يزال جاثيا على ركبتيه: اغفر لي يا رب العزيز ذنوبي، فكم اقترفت من خطايا ومحرمات، شربت الخمر….زنيت، توقفت عن أداء الصّلاة…رب اغفر ضلالي وانحرافي فبعد اليوم لن أسير سوى على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة….”([4])
تجلى التراث الدّيني بألفاظه وعباراته في هذا المقطع الذي يعكس حقيقة أزلية كونية تتمثل في المطلق واللانهائي، حيث كل شيء بما في ذلك الحياة والموت والسعادة والشقاء والخير والشر له معناه وغايته ومكانه ضمن قوانين الكون الإلهية وما “دحمان” سوى مثال صغير من هذا الكون، فبعد عذاب طويل، ها هو يصلي ويطلب العفو والرحمة فأزال عن قلبه اليأس والقلق ولن يسير إلاّ على هدي القرآن الكريم، “ذلك أن القرآن ظل على الدهر النص المجسد للإعجاز، إنّه الغاية التّي لا تدرك، والقرآن أيضا هو النّص الذّي حوّل مجرى تاريخ الإنسانية بما حواه من قيم ومبادئ وتمثل، ومن ثم فإنّ القرآن يمثل لحظة البدء والنور واندفاق المعجزة في الماضي.”([5])
يعدّ النص القرآني أنموذجا في الصياغة الأدبية والكلام العام، حاول إبراهيم سعدي استلهامه بوصفه بيانا إلهيا لا يضاهي بنصه الأفكار والأشياء والأخلاق، وقد تجلى ذلك بشكل مكثف في رواية” بوح الرجل القادم من الظلام، على لسان” منصور نعمان”، بالإضافة إلى توظيف أسماء الله الحسنى، يبرز ذلك في قوله: بسم الله الرحمان الرحيم﴿إذَا زَلْزَلت الأرضُ زِلْزَالها، وأَخْرجَت الأرضُ أثْقالها، وقَال الإنسَان ما لهَا، يومَئِذ تحدُث أخْبَارها، بأنّ ربّك أَوحَى لها، يوْمئِذ يصدرُ النَّاس أشْتاتًا ليروا أعْمالَهم، فمَن يعْمل مثْقال ذرَّة خيْرا يرَه ومنْ يعمَل مثقَال ذرَّة شرّا يرَه﴾. صدق الله العظيم.([6])
تبرز الآيات القرآنية الواردة في هذه الرواية حضور الثقافة الدينية للكاتب التي ارتبطت أشدّ الارتباط بمحيطه الفكري والاجتماعي، ذلك أن اشتغال العناصر الدينية في النص يعطي حضورا دلاليا للنظام الفكري الايديولوجي عبر لغة وأسلوب متعددين.
وظف الكاتب على لسان ” الحاج منصور نعمان” (الشخصية الرئيسة للرواية) أسماء الله الحسنى وهو يدعو الله العفو والمغفرة:” أرجو إلهي أن أكون قد نلت رضاك ووفيت بالعهد الذي أعطيته لك .
-أرجو ربي أن تشملني برعايتك وتحميني من شرور نفسي، أنا النّملة الحقيرة التّائهة في غياهب روحي.
-أنا العبد اليائس الذي لا يساوي جناح ذباب.
-إلهي أنت على كل شيء قدير.
أنت النور والدرب
أنت كل ما لن نكونه
أنت كل ما نتمناه وان ندركه
أنت الكل ونحن اللاشيء
أنت العليم، الحكيم، السميع، القهار، الجبار، المهيمن، الرحمن، الرحيم، الذّي له كل ما في السموات وما في الأرض.”[7]
لقد سعى ابراهيم سعدي إلى توظيف لغة الخطاب الديني مفردات وتراكيب وخصائص فنية وجمالية، وظهر اعتماد الكاتب جليا على إيقاع التراكيب القرآنية، فجاءت لغة السرد سلسلة ذات إيقاع موسيقى، خلقته المتوازنة.
وقد اعتمد القرآن في تعبيره على التصوير الحسي تقوية للمعاني ولإدراك المعاني المعدومة، فقد أثرت لغة القرآن الأدب العربي الأمر الذي جعل اللغة تكسب طابعا إسلاميا حضاريا.
نقرأ صورة أخرى من الخطاب الديني في رواية:”صمت الفراغ”، تتمثل في الترحم على الميت في قول الإمام:”…..يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، بعد بسم الله الرحمان الرحيم:﴿من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون﴾ صدق الله العظيم.
ثم والجميع يرفد( بمعنى يرفع) يديه نحو السماء:
-اللّهم اجعل مقتله نعمة له يوم الدين
-آمين
-اللهم ألهم ذويه الصبر والسلوان
-آمين
-اللهم اجعل حسناته تعلو سيئاته
-آمين
-اللهم اجعله آخر المقتولين والمفقودين
-آمين
-اللهم أعنا وانصرنا على المعتدين
-آمين
اللهم أصلح شؤون المسلمين.”[8]
إنّ استحضار القرآن في نصوص “سعدي” هو بؤرة الجدل وعصبه فشيوع القرآن- على الحقيقة وعلى المحاكاة- فهو دليل التجدر في الماضي ذلك أنه لم يقف الكاتب عن إيراد الشواهد القرآنية بل جاوزها إلى الكتابة على منوال القرآن إعجازا بإعجاز.
يحرز القرآن الكريم بإعجازه البياني على رتبة الدليل أو الشاهد الذي يلجأ إليه الأديب في الدراسات والأعمال الأدبية، إذ تبيّن للعرب بعد التدبر في معانيه وبلاغته أنّه يحتل من عالم الكلمة العربية قمة الإعجاز، إعجازه تكمن في أنه:” جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظم التّأليف مضمنا أصح المعاني.”[9]
لم يقدم القرآن الكريم رؤية، وقراءة جديدة للعالم فحسب، إنما شكل تأسيسا لكتابة جديدة، إنّه إبداع للعالم بالوحي، وتأسيس له بالكتابة، فتح النص القرآني أفاقا واسعة أمام شعرية الخطاب الروائي، لم يكن مجرد نص كوني روحي فكري بل هو أيضا: “ثقافة ورؤية فكرية شاملة، فإنّ كانت لغة القرآن نبوية أو إلهية من جهة كونها وحيا، فإنّها تنقل ما هو إنساني، إنّها التعالي المحايث.”[10]
اندمجت روايات ابراهيم سعدي مع الخطاب الديني البليغ، فالكتابة قبل كل شيء هي تجربة لغوية خاضها الروائي بكل عشق، بكل ألم لقد عرف خبايا اللغة تلهمه كل ما يريده منها، يشعر القارئ بمتعتها وبتدفقها وحواريتها، وهو يتعامل مع نصوص راقية في استخدام التراكيب وفي رسم صور جمالية،حملت في طياتها دفقات التجربة الجزائرية من آلام وسلام صور تمتع القارئ وتمنح له تنوّعا في اللغة والأساليب والصور.
2- الخطاب الشعري:
مكّنت الطبيعة المركبة للرواية من استثمار عدّة ميادين من المعرفة، فجعلت وجود الشعر فيها أمرا طبيعيا ونوعا من تحصيل الحاصل الذي تقتضيه الطبيعة المركبة لفن الرواية، بوصف الشعر واحدا من مظاهر التعدد اللغوي فيها.
للخطاب الشعري حضور بارز في روايات ابراهيم سعدي فقد ورد في رواية “صمت الفراغ ” على لسان “بلقاسم الذي قال:” سمعت بأذني صوت ناصر ابن قاسي الشاعر الذي جاء ليذبحني، أبياته محفورة في رأسي كالرصاص:
الليلة جئتك قاتل بالموس يا بلقاسم
نقطع رأسك ونشرب دمك وأنا غانم
ما بقى سماح، ما بقى نواح، ديني قائم
ما أنا ناسي ولا عاصي عليك ناقم
ساعتك جات يا بلقاسم
والله ما تكون في يوم خادم.”[11]
ولقد أورد الكاتب هذه الأفكار للتعبير ضمنيا عن نزاع أو خصومة بين ناصر بن قاسي وبلقاسم، حيث عندما عاد هذا الأخير إلى تربية “نورية” وجد كلّ أفراد عائلته قد ذبحوا ومادام هو أيضا شاعر نظم قصيدة مشهورة يهجو فيها “جعفر دوبا” الإرهابي وناصر ابن القاسي.
“ما تقول لي شي، ما تآسي
خليك من الدموع ولبكاء يا ناسي
أنا وراك، وين تروح ويا بن قاسي
تعيش ألف سنة ماني ناسي
ما نقبل إلا راسك ولا راسي”[12].
كما ورد مثال آخر لبلقاسم:
“اليوم نعيش حتى نرد الثأر
لا تترك لرض ولا دار
في قلبي المطروح نار على نار
ما يطفيها لا دموع ولا جار،
تاكل في قلبي نار على نار”[13].
إذا كانت لغة السرد تمضي بالأحداث إلى الأمام وهي في حركة دائمة، فإنّ لغة الشعر لا تسهم في تطوير الأحداث وتناميها عبر الزمان والمكان، بل توقف الحدث فاسحة المجال للخيال ذلك أن الخطاب الشعري يختلف عن الرواية ذات الطبيعة الامتصاصية للغات والفنون المختلفة، تدخل لغة الشعر إلى الرواية فتسهم في خلق التعدد اللغوي الذي يعني الجنس الروائي ويتم تحطيم الحواجز الوهمية الفاصلة بين الأجناس الأدبية.
وحتى عبد عالم مرتاض فإن عالمه الروائي ينهض على كم هائل من النصوص الغائبة والتراثية والثقافية والأدبية، بعضها يظهر بشكل واضح صريح، والآخر نلمحه من قراءاتنا، من ذلك مثلا المقامات والخطب، والوصايا إذ إن: “الكتابة الراهنة ليست في حقيقتها إلا استبدالا لكتابة سابقة على حد تعبير جوليا كريستيفا، والنص المائل ليس إلا مزيجا من نصوص أخرى كثيرة مجهولة كما يعبر هذه المرة رولان بارت”([14]).
نشرت روايات مرتاض شباكها في فضاء واسع من النصوص المتداخلة قصديا وحضوريا، التي تصب في شرايين المحكي الروائي، فتغذي سرديته ووصفه وحواراته: “إنّها نصوص ذات امتداد فاعل حاضر فيالحاضر والماضي، ومنهل عذب خصب لمختلف أنواع التفاعلات النصية من منطلقين رسمي وشعبي، فهي متغلغلة في حياة الناس البسطاء، وفي حياة المثقفين”([15]).
1. المقامة
وظف مرتاض جنسا أدبيا في رواياته وهو المقامة، ارتفع فيه إلى لغة فيها فن ومهارة، “ولج عالم البلاغة حيث أن هناك ارتقاء واضحا بالأساليب، ثمة جهد معتبر يتمظهر في حفريات اللغة، ونشدد على حفريات بسبب البحث الدقيق في الأصول والامتداد وإمكانات استغلال المعجم بشكل يعكس خصوصيات المؤلف وثقافته وزوايا نظره إلى المفردة المشتركة وضعا، بمعزل عن كيفية تشغيلها. وهنا تظهر مسألة القيمة السياقية التي تحدد قيمة العبارة داخل النسق لأن اللفظة جزء منه”([16]).
إنالمقامة فن من فنون الأدب العربي، يتصل بحياة الناس ويصور ما يجري فيها. ولا غرابة في أن يوظفه مرتاض في أعماله الروائية لأنه متمكن من ناحية القول، لذلك نجد بعض المقاطع الروائية مسرفة في التكلف، نالت منه اهتماما بالغا وحظيت منه بعناية كبيرة، ففيها الألفاظ الغريبة التي لا تتناولها الألسنة، ولا تتداولها التعابير، يقول في رواية “مرايا متشظية” : “عالية بنت منصور التي كانت متجلية على كرسي من النور، وبجانبها سرب من الحور… عالية التي دلهت الشيخ الأغر الأبر بجمالها، وكمالها ودلالها، ورقتها ونضارتها. وسحرها وإغرائها.فإذا هو كأنه مجرد عاشق يركع في محراب الجمال العظيم… وإذا هو كأنه لا صلى ولا صام. ولاصام ولا صلى. فبات كأي شخص من النّاس الذين يقعون في العصيان لأدهى المغريات…وعالية بنت منصور… مصدر النور والحبور”([17]).
تتحاور لغة مرتاض مع نصوص المقامات القديمة إلى درجة أن أسلوبه التزمه السجع والجناس، يوحي بفرط الإحساس عنده، ونفاذ إدراكه ومعرفة واسعة باللغة وحسن التصرف فيها، وبفنون البلاغة وحسن استعمالها.ثمإنّه عرف مجتمعه وسبر أغواره فكشفت هذه اللغة التي تتسم بالحيلة البيانية وبالأسلوب المنمق عن ظواهر شتى زحفت إلى عمق المجتمع كالنفاق والخديعة والمكر والإجرام.
تعد هذه اللغة امتدادا لطريقة الهمذاني، والحريري وابن العميد في الكتابة الفنية الهادفة في أحايين كثيرة إلى تقويم سلوك بعض المنحرفين، رغبة من المؤلف في تطهير المجتمع من هذا الصنف الذي عمل على نشر السلب والنهب وزرع الخوف والرعب في نفس المواطن الجزائري.
وكأن مرتاض بهذه اللغة المتنوعة يمنع عن الرواية استقلالها الذاتي، ويصيرها مشتقا لغويا، أوحيزا موافقا، تتأمل اللغة فيهاعدولها الذي لا ينتهي. والرواية في حالة كهذه صناعة لغوية تثير الإعجاب مثقلة بالسجع والجناس والطباق، متميزة بالتشاكل الصوتي والتكرار اللفظي:”تجنح إلى التمرد على طبيعتها النثرية وترتكب الكثير من الانفعالات الممتعة التي تثير حيويتها”([18]).
يقول مرتاض: “وإنّها لليلة حالمة طافحة، صاخبة غامرة. باللّذة والسعادة. والشراب والطعام. والرقص والغناء. والعطر والقبل… يقول لكل شيخكم المتأنق المتألق المتشدق تعطروا وتحلقوا وسرحوا شعوركم، ونظفوا ملابسكم قبل أن تأتوا إلى ساحة الاحتفالات الكبرى أمام قصر المشيخة العليا، ياعوام بني زرقان، وسادتها… ولا يأتين أحدكم إلاّ متعطرا مرتديا أجمل ملابسه. بعد حلق لحيته وتسريح شعره… تعطروا ثم تعطروا ثم تعطروا بأنيق العطر ورقيق الطيب يابني زرقان.حتى تعبق رابيتكم بالعطر الأنيق.حتى تنافسوا بذلك قصر عالية بنت منصور المعطر.وليحمل كل منكم وردة ناضرة يهديها إلى أول من يلقاه من بني جلدته من الزرق، حتى لا يبقى أحدمنكم إلاّ أهدى وردا. وأهدي له ورد… هكذا يريدكم شيخكم الأغر الأبر أن تكون علاقتكم مع بعضكم بعض. علاقة تواد وتراحم وتسامح. حتى لا تكونوا كأهل الروابي الآخرين الذين لا يزالون يتطاحنون ويتشاحنون فيغتال بعضهم بعض كل ليلة يسقط منهم ضحايا. ولا أحد يعرف ما أجل ماذا يتطاحنون؟([19]).
تدفقت المترادفات والمتضادات في هذا المقطع بفضل الاشتقاق اللغوي والتكرار الصيغي، وإقامة علاقات جديدة بين الصفة والموصوف. فهذه المسائل التي تبرزها تعابير مرتاض ومميزاتها تكشف بأنّ: “إبداعية أي نص أدبي لا يفسرها إلا الاهتداء إلى النموذج الأسلوبي الثاوي وراء، بنيته الصياغية، والذي يستصفي من خلال مراتب البناء بدءا بالأصوات والمقاطع والألفاظ وحتما بالمضامين الدلالية بعد المرور بالتراكيب النحوية المعقدة”([20]). إن حركة اللّغة لا تسير على الوتيرة نفسها فهي تفاجئنا باستمرار بتنوعها وباختلاف إيحائها وأثرها.
فاللغة في هذه الرواية الطويلة: “نسيج ذاتها، وهي متفردة في جمع مزيتين، ندر اجتماعهما في نص واحد، وخصوصا إذا كان النص نصا روائيا طويلا، التدفق الغزير من جهة، والانتقاء البالغ حدود اصطفاء المنتقى والمبتكر من جهة أخرى، فلا تقع كلمة على الورق قبل أن تشعرنا برحلتها التي أجرت لها نوعا من التقطير عبر معظم سلسلة متراكبة من الغربلة والتصفيات كفيلة بحجب ما تتداوله معظم النصوص الروائية المألوفة([21]).
انتشرت التشكيلات اللغوية في بنية الرواية لتعلن لغة ممتزجة بتشظي الأنا وانقسامها تشظيات دلالية رمزية، يعكسها التنوع اللغوي الذي تزخربه الرواية مما يمنحها: “إمكانات قرائية متعددة تنقل الخطاب الروائي من معيارية النثر إلى انزياحية الشعر، وتجعل المتلقي متواصلا وراغبا في لذة الاكتشاف”([22]). كما يعكس غموض الكاتب حول ما جرى في الجزائر خلال مرحلة الأزمة في التسعينات.
فكل نص: “كيفما كان نوعه يتم إنتاجه ضمن بنية اجتماعية محددة، وتكمن إنتاجيته في كون التفاعل يحصل معه في إطار البنية نفسها، وبانعدام هذا التفاعل، تنعدم إنتاجية النص… ونحن نتحدث هنا عن طريق اللغة، فالكاتب وهو ينتج نصه ينتجه ضمن لغة القوم الكتابية، وضمن قواعدها التي انطلاقا منها ينتجون خطابتهم ونصوصهم. بل وينتج أيضا نصوصه ضمن القواعد الكتابية التي يلتزم المجتمع بها، وتقوم كل المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتربوية بتحديها وتقريبها من الأذهان وتجذيرها في الوجدان منذ الطفولة، وتعهدها بالحفاظ عليها والحرص على استمرارها مع تطور الأجيال والعصور. وبهذا تغدو هذه البنيات والقواعد ثابتة، وحتى عندما ما تتحول، فإنّ تحولاتها تظل خارجية ولا تمس عمق هذه القواعد والضوابط”([23]).
إنّ ما حاول مرتاض أن يظهره في رواياته تأكيد لما قاله عبد القاهر الجرجاني الذي: “يؤكد العلاقة بين أنماط التعبير وخاصية الأسلوب، حيث كان هذا الأسلوب يقوم عادة على نظم العلاقات بين الكلمات، ثم يبين الجمل في شكل انحراف المألوف في التعبير من خلال تحليل المواصفات النحوية للأسلوب وارتباطها بالمقدرة الفنية الإبداعية عند الأديب”([24]).
يتم اختيارالألفاظ في صياغة أسلوب المقامة بطريقة خاصة ومحكمة، بحيث يراعى في ألفاظ الصياغة التلاؤم والانسجام. فهي في معظمها مختارة، موضوعة وضعا دقيقا في سنن الكلام.
إن لغة هذه المقاطع تبين أن مرتاض قد انتقى ألفاظها، صالحة لأنّ ينظم بها أجمل الشعر وأرقه، فهو يصطنع الجمل القصيرة والمتوازنة التي تكاد تكون متقاربة ومتماثلة في صيغتها. والمبالغة: “في انتقاء الألفاظ الحسان، ذات الظلال الشعرية، والأجراس الموسيقية الغنية، خاصية بارزة من خصائص صياغة الأسلوب في المقامة.وليس هذا غريبا في أسلوب يعول على السجع الملتزم الذي يشكل هو نفسه في حد ذاته، عنصرا من عناصر الشعر، ونعني به الموسيقى اللفظية ذات الرواء العجيب”([25]).
وهو ما أكده الجاحظ عن اللفظ في أنّه: “متى كان كريما في نفسه، متخيرا في جنسه وكان سليما من الفضول، بريئا من التعقيد، حبب إلى النفوس ، واتصل بالأذهان والتحم بالعقول، وهنئت إليه الأسماع، وارتاحت له القلوب، وخف على ألسنة الرواة وشاع في الأفاق ذكره، وعظم الناس خطره”([26]) .
تقوم الكتابة عند مرتاض عل ى الاحتفال باللغة تجريبا وممارسة وإبداعا، تحقق لنصوصه شعرية تقوم على العدول عن المألوف والمعتاد، وتمنح لها قدرة على الإيحاء الذي يجعلها منفتحة تتناسل وتتوالد مع كل قراءة ممكنة.
يقول مرتاض في رواية الحفر في تجاعيد الذاكرة: “وذلك الزمن … الذي يقال له الزمن، وبما لأنه مزمن فلا يتحرك … فلا هو يرى، ولا هو يسمع، ولا هو يشغل بتسجيل المحن، ولا هو قادر على محو الإحن …. ذلك هو الزمن … الذي يعادل وجها من وجوه التاريخ، ويمثل مظهرا من مظاهره … كأنه لم ينشأ قبل يومك هذا. كأنه وليد مثلك. كأنه لا يبرح غض الاهاب، طري الشباب. كأنه تخلص من زمنيته السحيقة التي ظلت تثقل كاهله عبر الدهور الموغلة في القدم فأراد أن يفلت من أثقاله الزمنية بأن ينشأ اليوم مثلك جديدا وليدا…
يلازمك زمانك حتى كأنه أنت، وتلازمه أنت حتى كأنك هو فأنتما في هذا الضحى في هذا الربيع، في هذا المكان النظير في غابة الحريقة التي سارعت نباتاتها وشجيراتها إلى التفتح والازهرار، بعد أن جادها الغيث المدرار، فتعبق الفضاء بأريجها المعطار – فأنتما إذنشيء واحد، كائن واحد، أو كأنكما، بل قل:إنكما كينونة واحدة مزدوجة التركيب، كيان واحد معقد الخلق، فأنتما متوحدان إلى حد الاندماج، وكما يتوحد نفس حبيبين متعانقين متعاشقين التقيا بعد اشتياق طويل”([27]).
تدل ألفاظ هذه المقاطع على براعة مرتاض في استخدامها. وكانت تسعفه في ذلك حافظة وبديهةحاضرة وذكاء حاد وإحساس مرهف باللغة ومترادفاتها وأبنيتها واستعمالاتها المختلفة، فما أن يتوجه إلى الكلام حتى تنهال عليه الألفاظ من كل جهة، فهو يضع الكلمات مواضعها في دقة،حيث قال إن عملية اختيارلغة الرواية ليس بالأمر الميسور: “ونحن نكتب مستويات المتلقين الذين نفترض وجودهم افتراضاما، وذلك على مذهب الأدب التعليمي الذي يذهبه النقاد العرب التقليديون والمتمثل في أن الأدب يجب أن ينهض بوظيفة تنويرية في المجتمع … ومع أننا نرى بأدبية اللغة حين تنشط عبر نفسها من أجل نفسها فإننا مع ذلك نميل إلى ألاّتكون هذه اللّغة عامية ملحونة، أو سوقية هزيلة، أو متدنية رتيبة ولكننا نميل إلى إمكان تبني لغة شعرية ما أمكن،مكثفة ما أمكن، موحية ما أمكن_ تصطنع الجمل القصار ما أمكن، وتكون مفهومة. إننا نطالب بتبني لغة شعرية في الرواية على أساس أن أي عمل إبداعي حداثي هو عمل باللغة قبل كل شيء”([28]).
إن القص عندما يستعير الشاعرية من الشعر لا يهدف إلى أن يستعيرها بمعناها الخيالي والعاطفي، بل يهدف إلى: “أن يلتصق بلغة الشعر وجوهره، وذلك عندما يجعل اللّغة غير محددة بل مفتوحة للدلالات والاحتمالات، عندما يجعل البطل فيها أو الصوت الذي يحكي بصفة، غير مستنفذ لقدراته وكل رغباته وكل تساؤلاته في إطار الفكرة الواحدة بحيث لا تنتهي المشكلة مع الكلمة الأخيرة، بل يجعلها تشع داخل القصة وخارجها، أما داخلها فهي تشع بين السطور ومع الصور والأقنعة والدلالات، وأما خارجها فهي تتحقق في امتداداتها مع القارئ الذي يقع العبء عليه في فك شفرة اللغة والكشف عن احتمالاتها ودلالاتها وصولا إلى مغزى الرسالة»([29]).
ومن هنا كان سجعه في جملته رشيقا، ليس فيه صعوبة ولاجفاء، كأنه يستمد من فيض لغوي لا ينفذ. فليس هناك معنى يعسر على مرتاض التعبير عنه، وليست هناك كلمات تختفي منه وراء حواجز اللغة ومتشابكاتها، بل الكلمات تقبل عليه من كل جانب ليختار منها ما يرسله هواه وما تريد له حاسته اللغوية.
تسعى كتابات مرتاض إلى الرد على رداءة الحاضر برونق الماضي، والنفخ في جسد الماضي من روح الحاضر. إن تجديد الكتابة عند مرتاض شرط من شروط مواكبة العصر إلاّ أنّالحداثة عنده لا تقوم إلاّ على جذور ممتدة من أرض التراث ليتحقق التواصل والتبادل اللفظي الحاصل بين ذات متكلمة تنتج ملفوظا موجها إلى ذات متكلمة أخرى([30]).
بحث مرتاض عن لغة مغايرة، مفارقة، موائمة، ليستقصي تجلياتها، فخرج عن المألوف، وأبدع نصا متعدد الأصوات والرؤى، نصا منفتحا على الحياة وقضايا المجتمع مستفيدا من التقنيات الجديدة للكتابة، مستنجدا بلغة التراث، وبفن المقامة المسجوع: “فحين نصدم في واقعنا نلجأ إلى الماضي لنستلهم منه حتى اللغة التي نتكلمها، ولذلك نجده يتمثل لغة التاريخ لمحاكمة التاريخ، فيغوص في الوقائع، ويتتبع أسبابها ويحاول أن يصل إلى الحقائق من خلال المقارنة والتحليل، وتلك لغة المؤرخ التي تتداخل مع لغة الحكي لتجعل القارئ يتابع الرواية بعقل الشغوف بالحقائق وخيال المستمتع بالغرائب”([31]).
إن تضمين النص الروائي لمقروء أدبي موروث من المقامة الذي يدمج الماضي والحاضر: “يخلق حالة من الإيهام، تكسر السياق الخطي المتتابع في السرد، وتوجد تعددية صوتية غير صوت الروائي أو السارد،ذلك باستبطان وعي الشخصيات بما يضيف إلى السياق الروائي في سعيه لإقامة علاقات مع الواقع، كما يضيف معرفة جديدة يعاد إنتاجها من خلال الرصيد الثقافي التراثي، حيث إن استحضار الموروث الأدبي وإعادة إنتاجـه هو ترتيب جديد لمقروئيته البلاغية والشاعرية والإيديولوجية، محققا هذا الاسترجاع قوانين تناص المعرفة الجديدة، بالإضافةإلى تأكيد سلطة المقول السابق في المقول اللاحق”([32]).
تنوعت نصوص مرتاض في أساليبها وصورها ولغتها، جمعت بين لغة رصينة تنهل من النصوص التراثية، ولغة معاصرة ترتقي إلى مدارك الأفكار والرؤى، حيث يعيد تشكيل النصوص التراثية بلغة جديدة فيتبادل فيه التأثير والتأثر ليتمازج النص الغائب بالنص الحاضر.
2. الوصــايا:
وظف مرتاض جنسا ادبيا آخر في روايته وهو خطاب الوصية لدعم التعدد اللغوي في ضوء تكثيف الكلمة الغريبة وهو فن نثري تراثي ، وضمنها يمكن أن نستمتع بلغة بليغة وبأساليب عديدة. فها هو منادي الربوة البيضاء في المرايا المتشظية يوجه أهلها ويوصيها بالالتزام ببعض الأعمال والسلوكات بتقديم البينة، ومحض النصيحة: “عليكم بالعمائم الأنيقة التي تبعث على الجلال والاحترام، وتحاشوا تغطية الرؤوس بالطاقيات الصغيرة. هي سلوك خاص بأكلة الأطفال وشاربي دماء البشر، وهي سلوك السوقة وأرذال النّاس. كما تتحاشون ارتداء الملابس الخضراء التي لا تدل إلا على عامية التفكير وسذاجة الرؤية إلى الأشياء التي كان أخضرها يبيت حجاجا واقعيا من النار التي تفتئون توقدونها فتؤججونها فتضرمونها فتخضؤونها حتى تبيت لها ألسنة ملتهبة محمرة متعالية في الفضاء حتى تبلغ أسباب السماء فتختلط ألسنة اللهب بعناقيد الشمس فتذوب الأرض بفعل النار، النار… وتجنبوا ارتداء الملابس الزرقاء التي ليست من ألوان الجمال. ولا مما ترتديه المرأة المؤنقة المتألقة، ولا المرأة العطرة المطرة. ولا المرأة الفتانة الريعانة. والتي تشبه النخلة العيدانة “([33]).
إن أساليب هذا الجنس الأدبي متنوعة تهدف إلى الترغيب في العمل بها، أو التنبيه لما يحدث في المجتمع من أمور غريبة مفاجئة. ثم إنّ المقطع السابق يقوم على مفارقة ضديدة بارزة من خلال التنافر الكبير الذي أوجده المؤلف بين الألوان وما تشير إليه، وأن هذا التعبير يصدم وعي المتلقي ويفاجئه من حيث إقامة علاقات لا منطقية بين الأشياء. ولعل الهدف من هذا التعبير عن الحالة المأساوية المتذبذبة التي يعيشها المواطن الجزائـري الذي يبقى مهددا بالموت والتناقضات. والفجوة التي تؤسسها الاستعارة لدى المتلقي ناتجة عن تشويش البنية الدلالية المألوفة التي اعتاد عليها، حيث أسند إليها سمات دلالية تناقض السمات المتعارف عليها. فالألوان (الأخضروالأزرق) بوصفها علامات تتوافر على مجموعة سمات دلالية كالخصوبة والهدوء، لكنها في السياق الجديد اكتسبت سمة جديدة (الملابس الخضراء التي تدل على عامية التفكير وسذاجة الرؤية) (اللون الأزرق لون القبح والمجوس) فتحولت الوظيفة الدلالية إلى وظيفة مناقضة تماما.
“إن انتقال الروائي من التوافق على مستوى نوع العلاقة إلى التعارض على مستوى زاوية الرؤية يكشف عن عمق قراءة الموروث الحكائي من جهة، والابتعاد عن تقليد ومحاولة تجاوزه عبر إخضاعه للسرد الروائي، واتخاذه أداة تعبير عن الواقع من جهة أخرى”([34]).
لا يهرب مرتاض إلى التراث ولا يقطع صلته به: “وإنما يسعى إلى تعميق تلك المعادلة الصعبة بين الماضي والحاضر، والتراث والحداثة فيحترم التراث دون أن يقدسه ويفيد منه دون أن يقلده”([35]).
جاءت اللغة في هذا المقطع من الوصية التي قدمت من منادى أهل الربوة البيضاء امتداد لنفسية المواطن الجزائري المريرة، فمزجت بين الداخل والخارج، وبين الماضي والحاضر، وتكفلت بعرض المشاعر والأحاسيس التي تجري في العالم الداخلي للذات. إنّ المؤلف وهو ينتقل من تناقضات المجتمع التي جسدتها الوصية يفجر إمكانات اللغة ليضئ بنية السرد.
استطاع السارد أن يغوص في عمق المجتمع الجزائري وأن يسبر أغواره ويكشف عن مظاهر انحطاط القيم وتراجع الأخلاق فيه بلغة تثير الغرابة والدهشة والتساؤل. لغة جاءت على لسان السلطان أخ المعلم أحمد الذي يوصيه بكيفية ممارسة التجارة وكيفية المعاملة مع الزبائن، بعد أن تخلى عن مهنة التعليم التي لم يجن منها غير السوء والفقر.
“فالنصيحة الأولى هي أنك تنبذ كل ما تعلمته من قيم الكتب نبذ النواة، وأن تبول على الفلسفة نهائيا، وأن تسلخ على كل القيم التي كنت تعيش لها طوال عشرين عاما!أنت تعرف أن القيم لا تبني قصورا، ولا تطيل أعمارا! أنصح لك على الأصح بأن تعد كل النّاس لصوصا وقطاع طرق لو يقدرون على مالك لاستولوا عليه كله وأنت تنظر ولا يرحمون…
– بالنسبة للبضائع التي ستتلف لك في الدكان، بفعل الدوار… ما ذنبك أنت إن بارت لك البضاعة في دكانك فلم يشترها أحد منك في وقتها المناسب؟ ألم تشتريها أنت في الأصل صالحة للاستهلاك؟أم أنت الذي كان أفسدها ؟… وكنت أريد أن أنصح لك بأن لا تثق في أحد من الزبائن إذا أراد أن يشري بضاعة من الدكان نسيئة. فإياك والنسيئة فإنها في عالم التجارة – لمن أعمال الشياطين
– واحذر أن تضعف أمام ابتسامات النساء الجميلات ، فإنّهن صويحبات يوسف، وما فعلت به، وما أدخلته به من السجن ….
– وكنت أريد أن أنصح لك بأن تبتسم للزبائن ابتسامة النفاق، ولا تقل إذا التمسوا شيئا في الدكان إنه غير موجود، فهو حتى لو كان غير موجود بالفعل والقوة، كما كنت لا تزال تقول في ندواتك، فهو مع ذلك موجود بالفعل والقوة أيضا! .. فالابتسامة التجارية هي التي توجده كائنا ما كان ! فأفشل التجار هم من يعبسون في وجوه زبائنهم حتى يخيفوهم!
– لا أريد إلا أن أمحضك النصيحة أن كنت من المنتصحين … إنّما الدين النصيحة.
فهل وعيت نصيحتي كما ألقيتها لك؟ إن لم تعها، إنّ وعيتها ولم تقتنع بها، فإنما أموالي جيوبي أوسع لها، وأنت سبيلك مهنة التعليم البائسة”([36]).
اكتسبت اللغة هنا حياة جديدة أكثر حيوية ودلالة، فدخلت معترك الحياة المادية المحسوسة بحيث لا نجد في هذا المقطع – ولا في المقاطع السابقة- لغة فرد بعينه أو فئة بعينها أو طبقة بعينها إنما لغة وعي اجتماعي عام أيضا لتنوع مستوياته ومواقعـه ورؤاه ما يجعلنا نقول إن لغة مرتاض تمتلك موقعا خاصا به وأسلوبا خاصا به، هي لغة الحياة العامة للمجتمع كما أحسها وتمثلها، لغة ترسمها هذه الوصايا ببراعة وإتقان كاشفة بذلك عن التناقضات المادية والمعنوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإيديولوجية التي يزخر بها الواقع المحسوس بعلاقاته المكانية والزمانية والبشرية وأبعاده المرئية وغير المرئية، واقع مفعم بالشوائب الضالة والنُتوءات الزائدة ترجمته لغة الوصية ووسائلها كالتعليل والتوكيد والاستشهاد.
اعتنى السارد بجودة العبارة والملفوظات الدالة على الترادف والتضاد. فهذا الجنس الادبي وسع مجال التعدد اللغوي بارتياده عالم الرواية، وحقق علاقات حوارية مع النصوص التراثية.تقدم لنا مفاتيح لقراءات تناصية”هناك أسباب كثيرة يمكن أن تقف وراء اتكاء الروائيين على مثل هذه التراكيب التراثية، وإلى جانب ذلك فهي تؤدي بعض الوظائف التعبيرية والجمالية الأخـرى فوجودها يشير مثلا إلى نوعية الأرضية الثقافية التي يقف فوقها الكاتب وعلى الأقل تشير إلى قطاع ما من هذه الأرضية، بغض النظر عن كيفيات توظيف ما يستجلبه الكاتب من الثقافة التراثية”([37]).
كما أنّ اتكاء الكاتب على لغة التراث يعكس قناعته بأن صياغات الأقدمين تتضمن قيما بلاغية، كما تشير أيضا إلى محاولة ربط الثقافة المعاصرة عموما، والشكل الروائي خصوصا، بالإطار الثقافي الأكثر اتساعا واشتمالا، أي الثقافة التراثية، فيتحصل آخر المطاف نوع من الزعم القائل بوجود روابط متينة بين الثقافة التراثية، وأشكال الانتهاج الثقافي المعاصر.
٣: الخطابة
يعكس هذا الجنس الأدبي الوارد بشكل مكثف في روايات مرتاض يعكس الطابع الحواري للغات، لأنّ الخطابة هنا تعمل على حث الشعب على العمل والنصيحة، والالتزام بالقوة واليقظة، مما كثف الأسلوب اللّغوي فيها بالاعتماد على المترادفات والتكرار والتعبير بجمل قصيرة.
يقول شال في رواية “وادي الظلام”، شيخ بني فرناس بعدما جمع عددا هائلا من الجنود للدخول إلى الجزائر والاستيلاء عليها، وخطب فيهم قبل أن يركبوا البحر قائلا:
“لا تقولوا: إني أرمي بكم البحر كالأيتام! لا تقولوا إني أرمي بكم في الفيافي والقفار! بل قولوا إني أرمي بكم إلى أرض خصيبة كالجنة! وإلى مدينة فيها الكنوز التي لا يصدقها العقل!… صدقوني! سترون بأعينكم، وليس الخبر كالعيان!ولكن دخول الجنة لا يكون بالمجان، بل سيكون بالتضحيات الجسام.
إن الجنة الموعودة محفوفة بالمخاطر! فاستعدوا لذلك ولا تكونوا من الجبناء الضعفاء… الأرض التي ستغزونها غنية بالثروات، واسعة الأرجاء، بعيدة الأطراف. فما شئتم من ذهب وفضة وما شئتم من قمح وعنب، ونخيل ورمان، ولن تسقوا من خمر ألذ خمورها. ولن تأكلوا تمرا أحلى ولا أجود من تمورها على وجه الأرض. أما قمحها فقل له النظير في القبائل، وقد علمتم ذلك !… فلا يفوتنكم، إن استطعم أن تحتلوها، أن تقيموا فيها الضياع ومعامل العنب…
اضربوا في الأرض، وكونوا من المغامرين!فالأمة التي لا تغامر لا تكتب التاريخ أبدا!وما أنتم بأقل ممن غامروا قبلكم فجابوا البحار، وخاضوا الحروب، وأصبحوا من الخالدين…. خذوا أهبتكم لخوض معرفة لا ندري كيف ستكون، ولكن الذي ندريه أن النصر في النهاية سيكون لنا! … فهيا اركبوا قواربكم، وليبارك الرب خطواتكم في هذا الغزو المربح الذي سيكون فاتحة خير لغزو القبائل الأخرى للجلولية …”([38]).
إن هذا الجنس الأدبي الذي ينتمى إلى هذا الخطاب الروائي، ومن ثم إلى لغة متنوعة السياقات، لا يأتي بهدف تليين الرتابة السردية للأحداث والشخصيات الروائية، أو بهدف تزويد المتلقي بفن الخطابة وعناصره وآثاره، وإنّما يأتي كعنصر ووحدة فنية جزئية تطعم البناء الروائي بإضاءات متفرعة حادة، تساعد على نموه واكتماله من جهة، وتخصب مجاله الدلالي واللغوي من جهة أخرى، فقد استغل المؤلف الأدوات البلاغية والمفردات ذات التداعيات الملائمة باستعمال لغة على درجة من الرفق والعمق.
تمكن مرتاض من الجمع بين الدلالات الفنية المتنوعة للعلاقات اللغوية لشخصية شال فهو يجسد طبيعتها ومزاجها ورؤيتها الداخلية في ضوء المؤثرات الاجتماعية السياسية الخارجية، ويجسد بها الموقع الاجتماعي الخاص في ضوء الموقع الاجتماعي العام المتمثل في الاستعمار الفرنسي الذي أراد استغلال ثروات الجزائر واستثمار أرضيها وخيراتها بعدما فشل في غزو الشمال، لعله ينجح في غزو الجنوب.
حظيت الخطابة في روايات مرتاض بمنزلة رفيعة لكثرة الأحداث التي عاشتها الجزائر وظهور الأحزاب السياسية. هذا الجنس الأدبي الذي ما خلا عصر منه بفضل أسلوبه المقنع والمؤثر في سلوك الناس وعقولهم وعواطفهم، وبفضل الظروف الاجتماعية والسياسية التي تمليها على الخطيب، والعرض المؤيد بالحجة والدليل والترتيب المنطقي في التفكير.
اتخذت رواية مرايا متشظية الخطابة أداة لاستمالة المتلقي وكشف بعض النوايا المخفية والنبرات المضمرة في نفوس الحكام والشيوخ، رغبة في بلوغ قصر عالية بنت منصور:
“يا عامة اسمعوا أو لا تسمعوا، ووعوا أو لا تعوا…
أمر النساء نرجئه إلى حين من الدهر. وعليكم الآن بالصوم فإنه يساعدكم على تحمل هذه المجاعة التي تضرب بطونكم منذ دهر طويل … الخبز اليابس مغص لكم الأمعاء. يبست أمعاءكم والحمد لله. وستزداد مع مرور الزمن يبسا أن شاء الله تعالى. وستعطل المجاعة منكم غريزة الشهوات. ولكن فكروا أثناء ذلك في قصر عالية بنت منصور، إن ساعدتموني على احتلاله وامتلاك ما فيه. وخصوصا التزوج من صاحبته. هنالك سأزوجكم جميعا سبعا، سبعا من صباياها. الفاتنات الساحرات. المقصورات في العرفات… ويا عوام الربوة الخضراء وما ولاها من رعايانا الجياع. والجهال. والمرضى ممن نرضى عليهم… وممن يرضون علينا أيضا”([39]).
ساعد هذا الجنس الأدبي على بلورة وظيفة اللغة ومظاهرها، فقد تكاملت عناصرها (جزئيا وكليا) فيما بينها لبناء العناصر الروائية، كما تكاملت في دلالتها بتلك العناصر الروائية على الرؤية الفنية ذات الأبعاد والآفاق المتنوعة في الخطاب الروائي عند مرتاض. لقد تمكن أن: “أن يخط لنفسه خصوصية إبداعية تنهل من استثمار للقدرات التعبيرية في اللغة العربية القائمة على محاولة اختراق المألوف ونبذ المعتاد للوصول إلى بنية لغوية تؤسس لعلاقات اسنادية تقوم على المشاكلة والمقابلة، وعلى الاتفاق والمفارقة لكي تستطيع أن تقرب من هذا الواقع المتردي العاكسة لتجربة حياتية قائمة في بنية لغوية فنية توصل إلى المتعة والجمال.
إنّها بنية تنبذ المألوف والمعتاد لترسم شبكة من العلاقات المتداخلة والمتشابكة والمتقابلة والمتعارضة لتقترب من المفارقة التي تؤسس لخطاب جمالي قائم على التشكيل في إطار طرائق التعبير المماثلة والمفارقة”([40]).
والملاحظ في هذه الخطب، أن الروائي لم يلتزم بمعمارية الخطبة في التراث الثقافي العربي، حيث لا نجد اقتباس شكلها القديم، بل نجده امتص الشكل القديم وجعله مندرجا في سياق الشكل الحديث المتماشي مع الموضوع، بحيث أن الخواص الشكلية للخطبة قدت من سجل الروائي وثقافته عن فن الخطبة، وليس من النص السابق، إذا ما استثنينا الصور البلاغية والسجع والموقع وجزالة اللفظ وقوته وصيغتي الترهيب والترغيب وغيرها.
عندما يتطرق الكاتب إلى الحقيقة الكلية، من الناحية النظرية يشير إلى إلزامية تمثيلها في صورة لغوية معينة، فقد ولج مرتاض إلى عالم الخطابة مستغلا بذلك المعجم بطريقة تكشف بنية المؤلف الثقافية كما تكشف المجاورة الوثيقة بين الوعي اللغوي وأشكال نقله إلى النص. ثمة تواصل بين النصوص المتبادلة من حيث العصر والجنس. فالنصوص الحديثة تستحضر النصوص الموروثة مجسدة بذلك مبدأ الحوارية فيما بينها.
استطاعت الرواية الجزائرية ان تقدم لنا رؤية تتسم بالمرونة والشمول، فلم تنغلق على الشكل التقليدي لكنها أزالت الحدود بين الأجناس الأدبية.
لقد اطمأن ابراهيم سعدي وعبد المالك مرتاض إلى شكل كتابي يلبي الوعي الجمالي باللغة العربية المتدفقة، ووجدا ما يرضيهما، ففي روايتهما إحالات تراثية مختلفة تشهد على إدراكهما لمدى أهمية الأجناس الأدبية في التجربة الروائية معبرة بذلك عن الهمّ الجزائري.
الهوامش:
[1]– د/صلاح صالح، سرديات الرواية العربية المعاصرة،المجلس الأعلى للثقافة، ط1 القاهرة 2003مص207.
[2]– Voir : Pierre Bourdieu, Les règles de l’art, Edition du Seuil, Paris, 1992, p105.
[3]-إبراهيم سعدي: رواية النحر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1990، ص69.
[4]-إبراهيم سعدي: النحر، ص157.
[5]-محمد القاضي : في حوارية الرواية، دار سحر للنشر، ط1، تونس، 2005، ص28.
[6]-إبراهيم سعدي: بوح الرجل القادم من الظلام، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2002، ص 107.
[7]-إبراهيم سعدي: بوح الرجل القادم من الظلام، ص288.
[8]-إبراهيم سعدي: صمت الفراغ، دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر، 2006، ص 46-47.
[9]-محمد زغلول: أثر القرآن في تطور النقد العربي، دار المعارف بمصر، ط3، القاهرة، 1986، ص275.
[10]-علي أحمد أدونيس: الشعرية العربية، دار العودة، بيروت 1981، ص36.
[11]-إبراهيم سعدي: صمت الفراغ، ص 70-71.
[12]-نفسه، ص71.
[13]– إبراهيم سعدي: صمت الفراغ، ص71.
[14]– عبدالمالكمرتاض،نظريةالنصالأدبي،دارهومهللطباعةوالنشروالتوزيع،الجزائر 2007،ص264.
[15]-رفقهدودين،توظيفالتراثفيالروايةالأردنيةالمعاصرة،وزارةالثقافة،ط1،عمان- الأردن1997، ص61.
[16]-السعيد بوطاجين،السردووهمالمرجع،مقاربات في السرد الجزائري الحديث ط1، منشورات الاختلاف، الجزائر 2005، ص 46.
[17]– مرايامتشظية،دار هومه، الجزائر 2000، ص141.
[18]– علي جعفرالعلاق،الشعروالتلقي،دارالشروقللنشروالتوزيع،عمان 1997، ص181.
[19]– مرايامتشظية،ص 149- 150.
[20]– فضل تامر،اللغةالثانية،المركزالثقافيالعربي،الدارالبيضاء 1994 ، ص94.
[21]– صالح صلاح، سرديات الرواية العربية المعاصرة، المجلس الأعلى للثقافة، ط1 القاهرة 2003م،ص252-253.
[22]– بسام قطوس،شعريةالخطابوانفتاحالنصالسرديفيرواية،إميلحبيبي، مقالة في مجلةأبحاث،ع2،عمان 1996،ص202.
[23]-سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي، النص والسياق، المركز الثقافي العربي، ط2، الدار البيضاء 2001، ص134.
[24]– عبدالسلام المسدي،الأسلوبيةوالأسلوب،الدارالعربيةللكتاب،ط2،تونس 1982، ص124.
[25] عبدالمالكمرتاض،فنالمقاماتفيالأدبالعربي،الشركةالوطنيةللنشروالتوزيع،الجزائر 1980،ص379.
[26]– أبوعثمان عمربنبحرالجاحظ،البيانوالتبيين،ج1، تحقيقوشرح:عبدالسلاممحمدهارون،دارالفكرللطباعةوالنشر،د.ت،ص157.
[27]– الحفرفيتجاعيدالذاكرة رواية دار العرب للنشر والتوزيع الجزائر 2005،ص8-9.
[28]– عبدالمالك مرتاض،فينظريةالرواية،سلسلةعالمالمعرفة،الكويت 1998، ص125-126.
[29]– نبيلة إبراهيم، فن القصة في النظرية والتطبيق، دار قباء للطباعة، 1986، ص244-245.
30- Voir : Les groupes de chercheurs, Les voies du langage, Paris, 1982- p 20.
[31]– آمنة بلعلى، المتخيل في الرواية الجزائرية، دار الأمل للنشر والتوزيع، ط1، تيزي وزو، الجزائر 2006، ص121-122.
[32]– محمدأنقار،تجنيسالمقامة،مقالةفيمجلةفصول،ع3، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1994، ص11.
[33]– مرايا متشظية، ص98.
[34]-محمد رياض وتار، توظيف التراث في الرواية العربية،الاتحاد كتاب العرب، ط1 دمشق 2000، ص56.
[35]– المرجع نفسه، ص56.
[36]– عبد المالك مرتاض، رواية وادي الظلام، دار هومه، الجزائر 2005، ص118-122.
[37]-صالح صالح، سرديات الرواية العربية المعاصرة، المجلس الأعلى للثقافة، ط1 القاهرة 2003م،ص174.
[38]– وادي الظلام، ص37-38.
[39]– مرايا متشظية، ص25.
[40]– محمد تحريشي، في الرواية والقصة والمسرح ( قراءة في المكونات الفنية والجمالية السردية)، دار النشر دحلب الجزائر2007، ص138.
المراجع والمصادر:
- إبراهيم سعدي: رواية النحر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1990.
- ______، بوح الرجل القادم من الظلام، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2002.
- . ________ ، صمت الفراغ، دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر، 2006.
- أبو عثمان عمر بن بحر الجاحظ،البيان والتبيين،ج1، تحقيق وشرح:عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر، د.ت.
- آمنة بلعلى، المتخيل في الرواية الجزائرية، دار الأمل للنشر والتوزيع، ط1، تيزي وزو، الجزائر 2006.
- آمنة بلعلى، المتخيل في الرواية الجزائرية، دار الأمل للنشر والتوزيع، ط1، تيزي وزو، الجزائر 2006.
- رفقهدودين، توظيف التراث في الرواية الأردنية المعاصرة، وزارة الثقافة، ط1، عمان- الأردن1997
- السعيد بوطاجين، السرد ووهم المرجع، مقاربات في السرد الجزائري الحديث ط1، منشورات الاختلاف، الجزائر 2005.
- فضل تامر،اللغة الثانية، المركز الثقافي العربي،الدارالبيضاء .1994.
- عبد السلام المسدي،الأسلوبية والأسلوب، الدار العربية للكتاب، ط2، تونس 1982.
- عبد المالك مرتاض، نظرية النص الأدبي، دار هومه للطباعة والنشروالتوزيع، الجزائر 2007.
- ________ ، رواية وادي الظلام، دار هومه، الجزائر 2005 .
- . ________ ، في نظرية الرواية، سلسلة عالم المعرفة، الكويت 1998.
- . ________ ، فن المقامات في الأدب العربي، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1980.
- علي أحمد أدونيس: الشعرية العربية، دار العودة، بيروت 1981.
- علي جعفر العلاق، الشعر والتلقي، دار النشر والتوزيع، عمان 1997.
- د/صلاح صالح، سرديات الرواية العربية المعاصرة،المجلس الأعلى للثقافة، ط1 القاهرة 2003م.
- محمد أنقار، تجنيس المقامة، مقالة في مجلة فصول،ع3، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1994.
- محمد زغلول: أثر القرآن في تطور النقد العربي، دار المعارف بمصر، ط3، القاهرة، 1986.
- محمد رياض وتار، توظيف التراث في الرواية العربية،الاتحاد كتاب العرب، ط1 دمشق 2000.
- محمد القاضي : في حوارية الرواية، دار سحر للنشر، ط1، تونس، 2005
- محمد تحريشي، في الرواية والقصة والمسرح ( قراءة في المكونات الفنية والجمالية السردية)، دار النشر دحلب الجزائر2007.