د. محمد يوسف الندوي
ولد القاص القطري جمال فايز بالدوحة سنة 1964م، وفي أم غويلينة نشأ وترعرع في أحضان والديه، بدت عليه بوادر الفطنة والذكاء وأحب سماع القصص الخيالية والشعبية وخاصة تلك التي تتعلق بعالم الغيبيات والجن والأرواح والصراع بين الإنسان والطبيعة، فوسّعت هذه القصص مداركه العقلية والفكرية ليسبق العقل سنه في المساهمات والإبداعات الثقافية المختلفة، كانت والدته الملجأ لهذه الأساطير حيث كانت تسرد عليه مجموعة من الحكايات والخرافات والأساطير فتأثر بها واشتاق إلى قراءتها ولكن الظروف الاقتصادية لم تسمح له باقتناء هذه الكتب ونمت علاقة بينه ودار الكتب القطرية للقراءة والاطلاع منذ نعومة أظفاره ليجد المجلة المفضلة وهي مجلة الأطفال “ميكي ماوس” وكانت من المجلات المحببة إليه، درس في مدرسة الخليج العربي الابتدائية ليساهم في عدد من الأنشطة التربوية وخاصة النشاط الصباحي في الإذاعة والصحافة المدرسية بجانب المسرح المدرسي، كل هذه المساهمات أثرت فيه فتوسعت مداركه الفكرية والعقلية[1]. تزوج الفنان القاص الممثل جمال فايز من إحدى كريمات إحدى الأسر القطرية وله من الأبناء “ريم” و”خلود” و”خالد” و”جاسم”.
حياته العلمية والعملية:
حصل جمال على درجة البكالوريوس من جامعة قطر عام 1988م ويعمل حاليا كرئيس لقسم النشاط الثقافي بالهيئة العامة للشباب إلي جانب عمله الصحفي في جريدة الراية، وقد انحصر إنتاجه المطبوع في القصة القصيرة التي مارس كتابتها منذ عام1986 م وقد اختارت الباحثة الأوكرانية لودميلا سافارا جالي أعماله القصصية موضوعا لبحثها الذي قدمته لنيل درجة الماجستير حيث حصلت على دبلوم الدراسات العليا ودرجة التخصص في اللغة العربية وآدابها من جامعة تفريدا الوطنية قسم اللغات الشرقية، وكان عنوان البحث تأثير الثقافة في الحياة الاجتماعية في أعمال جمال فايز كما اختيرت بعض أعماله القصصية للمسلسل الإذاعي قصص خليجية من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية، كذلك ترجمت بعض أعماله إلي عدة لغات وشارك في العديد من المهرجانات والملتقيات المحلية والخليجية والعربية وقدمت عن أعماله العديد من الدراسات النقدية لعدد من النقاد العرب المعروفين ومنهم الدكتور مراد مبروك وحسين نجم وأنور جعفر وسيد الوكيل وشعبان يوسف وعزة رشاد وعبدالله الحامدي وزهير غانم وغيرهم. كما فازت بعض قصصه في بعض المسابقات وحصلت علي درجات متقدمة أهلتها لنيل بعض الجوائز[2].
تترتكز قصص جمال فايز على موهبة واعية ليس للرسالة التي يمكن أن تؤديها القصة القصيرة فقط، ولكن أيضا لفهم المعيار الهندسي الذي يفترض أن تظهر به القصة القصيرة في هيكلها المعماري وفي بنيتها الأساسية خاصة بعد التحولات التي طرأت عليها نتيجة التجريب الواعي الذي خاض غماره كتاب القصة القصيرة الشباب في السنوات الأخيرة، وهو أمر له إيجابياته إذا تعاطى معه القادرون على استيعاب المضامين والأهداف التي ترمي إليها حركة التطوير كما نرى ليس في القصة القصيرة فقط، ولكن في جميع الفنون السردية وغير السردية.
واشتهر الفنان والقاص جمال فايز بمؤلفاته القصصية منذ عام 1986م, ومنها “يوم العيد” و”بشر من الأكفان” و” قرابين البحر” و”وباء الفؤاد” و”الحمائم البيض” و”زهرة” و”ضجيج الصمت” و”أرواح البيوت” و”قطعة سكر” و”تحت ظل النخيل” و”آخر البشر من لحم ودم” و”جذور الكرسي المتحرك” و”الرحيل والميلاد”. يقول الدكتور مراد مبروك عن قصص الفنان جمال فايز ” إن صورة الموروث الإنساني في مجموعة الرحيل والميلاد للكاتب جمال فايز والتي صدرت مؤخراً عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بدولة قطر ونعني في هذا الموضوع بتناول جانبين أو بعدين آخرين في هذه المجموعة وهما بعد الواقع الاجتماعي وبعد الواقع الرمزي أوما نطلق عليه الرؤية الحلمية التي تتطلع الشخصية إلى تحقيقها وما بين هذين البعدين تكمن حيرة الشخصية المعاصرة… ويؤكد الأستاذ شعبان يوسف عن أسلوب الفنان جمال فايز أنه ” في بعض القصص يعالج الكاتب هموماً اجتماعية عديدة، ليست بعيدة عن حالات الإحباط التي تدهم الأزواج وربما الأبناء وهي أيضاً ليست غريبة عن الأجواء العامة الوجودية التي تنتشر في ثنايا القصص “[3].
جمال فايز كاتب يتأهب لكي يضيف للقصة القصيرة في بلاده بعداً ورائحة جديدين وحقيقين وجميلين ويقول الكاتب عبدالرحيم كمال: ” يحيرني أمر الصديق والزميل المبدع جمال فايز فهو قاص جميل، يمتلك روح فنان حقيقي، يختزل الكون داخله، لا يبوح بسره حتى يخرجه كائناً أكثر جمالاً وبريقاً على الورق… وكثيراً ما أسأل نفسي: كيف يحتفظ جمال فايز داخل عقله ومشاعره بكل تلك الأحاسيس ويصنع لها شرنقة خاصة يحملها فيها أياماً، وربما شهوراً حبيسة داخله “[4]. يقول الكاتب الناقد أنور جعفر
” في يقيني أن جمال فايز وعي درس جيله جيدا لذا جاءت قصصه بهذا الشكل عميقة المغزى سهلة سلسة الأسلوب مكتوبة بلغة أقرب إلى لغة الحياة اليومية الصحفية والإذاعية ليست مثقلة بالمحسنات البديعية والوشي والزوائد البلاغية لغة تشعر معها بمدى تمتع الكاتب بحس الراصد المدقق الذي اعتاد مراقبة الناس والمجتمع بإمعان وترجمة ما يرصد ترجمة أمينة وصادقة بلغة أدبية شخصانية وذاتية لها بصمتها المميزة التي قد تصدمنا ربما ولكنها كما قلت شخصانية ذاتية لها بصمتها الخاصة وتراكيبها الحادة المشحوذة جيدا عن قصد وليس ذلك من قبيل المجاملة النقدية بقدر ما هو تقرير حقيقة واقعة تقول إن لكل أديب أصيل أسلوبه الخاص به المطبوع بالدماغ ينبثق ويحدد نفسه في أعمال الكاتب ثم ينعكس عبر وعيه بطرق عميقة لا تنفصل عن مضمون العمل” [5].
من تقنيات جمال فايز أيضاً عدم عنايته بوصف الفضاء المكاني وإن لجأ إلى الوصف فبأقل الكلمات كما أنه لا يعني بوصف الشخصيات ولا يسعى إلى اتحاد القارئ بالمكان أو الشخصيات وتلك من دلائل وعيه بقارئ العصر المغاير للقارئ القديم الذي كان يندمج ويذرف الدموع مع القصص الرومانسي والواقعي، قارئ اليوم الذي جاء بعد حربين عالميتين استخدمت في الثانية منهما القنبلة الذرية ففتكت بعشرات الألوف في لحظة وشوهت أضعافهم في لحظات تلك القنبلة التي تعتبر اليوم بالمقارنة إلى اليوم الأكثر فتكا وتطوراً لا شيئ.
وترجمت بعض أعماله إلى اللغات الروسية والسويدية والإنجليزية والفرنسية وتم إعداد قصتين من أعماله القصصية في عملين مسرحيين وأربع من أعماله القصصية للمسلسلة الإذاعية “قصص خليجية” من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتم اختيار أعمال أخرى له ضمن منهج اللغة العربية المدرسي في بعض المدارس المستقلة وله موقع في شبكة الإنترنت .
لقد استطاع جمال فايز أن يخطو بفنه وقدراته القصصية خطوة واسعة نحو امتلاك آليات القص بمفردات وتقنيات تواكب عصره بالإضافة إلى وعي حاد بالقارئ فقارئ اليوم المتعجل الذي يسأم سريعا فعل القراءة الجادة المتأنية لظهور وسائط جديدة بدأت تحل تدريجياً محل الكتاب ولتعدد مغريات عصر العلم والرفاهية التي أصبحت تتناوشه وتبعده باستمرار وإصرار وبكل الوسائل عن القراءة كما كان الشأن في الزمن الماضي الذي كانت فيه الروايات والقصص تصدر في مجلدات وتلك قضية عالمية تنبه إليها الكتاب منذ بدايات القرن فعندما اخترعت السينما وأخذت بعض الامتيازات التي كان يتمتع بها القصاص والروائي وأصبح بمقدور الفيلم أن يحكي القصص بشكل أكثر مباشرة وفي وقت أقل وبتفصيل أدق من أي نثر مهما كان معبراً وأصبح بمقدور الفيلم أن يقدم جوانب الشخصية بسهولة أكثر وتفوق في الوصف كما أمكن للفيلم في جلسة واحدة أن يقدم رواية تستلزم من وقت فراغنا أسبوعاً أو أكثر لقراءتها تطورت الرواية والقصة القصيرة سريعا لتواجه هذا المأزق لنقرأ أعمال جيمس جويس “عوليس” وكافكا وفي العربية تجاوز القراء “المنفلوطي- وجورجي زيدان” إلى تيمور ويحيى حقي ونجيب محفوظ ولما أطل الوسيط الثاني الأكثر انتشاراً وهو التليفزيون شعر الكتاب بأنه قد حل محل الروائي والقصاص لأن من يريد أن يستمتع بقصة يستطيع ببساطة أن يلجأ إلى هذا الجهاز ليرى الكم الهائل من السهرات والمسلسلات والأفلام [6].
الرحيل والميلاد:
قد كتب جمال فايز قصصا كثيرة متميزة كما ذكرت من قبل فـنريد هنا أن نكتب عن القصة القصيرة باسم “الرحيل والميلاد” بالتفصيل إشارة إلى بعض من الميزات والخصائص التي نجد فيها.
إن مجموعته الرحيل والميلاد تضم ست عشرة قصة قصيرة، وقصيرة جدا، هي أشبه باللوحات التي تدفعنا للتأمل العميق عندما لا نمر عليها مرور الكرام بل هي من النوع التي لا نستطيع أن نمر بها مرورا عابرا فهي تدعونا للتأمل والمشاركة في استنطاقها وفق ما نراه عبر ثقافتنا الذاتية دون أن نشعر باقتحام النص لمشاعرنا فثمة علاقة وشيجة بيننا وبين النص أشبه بمحاولة بناء جسر من الألفة والتلاؤم التلقائيين وحتى تلك الإسقاطات التي تبدو عفوية من الكاتب هي في الحقيقة موظفة بذكاء حاد يدفع المتلقي إلى التماس معها دون تقاطع مع أهدافها وغاياتها الظاهرة والخفية وجمال فايز هو من القلة من الشباب الذين كتبوا القصة القصيرة بروح تجريبية جديدة وهي وإن تجاوزت المفاهيم التقليدية للقصة القصيرة لكنها في النهاية تملك القدرة على إثبات أن التجريب الواعي هو حلقة في سلسلة التطور التي تمر بها الفنون… كل الفنون .
في قصته الرحيل والميلاد التي حمل الكتاب عنوانها نجد ما يسميه بعض النقاد الثنائية التي تمثلها على الدوام نقائض الأشياء أوكما سماها توفيق الحكيم التعادلية حيث الشر مقابل الخير والموت مقابل الحياة والهزيمة مقابل الانتصار والعدم مقابل الوجود وهي ثنائية تسود كل مظاهر الحياة، وفي الرحيل والميلاد يموت الرجل الذي يمثل الشر بينما يعيش الرجل الذي يمثل الخير ليشيع صديقه وقد كان بمثابة الضمير الرادع له عن ارتكاب الخطيئة، لكنه لم يصغ أبداً لصوت هذا الضمير وتكون النهاية أن يجد الصديق بعد أن فقد صديقه شجرة معمرة، تعرت من أوراقها وفروعها، إلا من بعض أغصانها المتخشبة، متوسطة الطول، على أحد أغصانها يوجد عش، حطت فيه عصفورة في حجم الكف، أخذت تطعم صغارها الثلاثة وبين الرجل الميت والعصفورة التي تطعم صغارها وجد بعض الكتاب هذه الثنائية بين الرحيل والميلاد رحيل الرجل وميلاد العصافير لكن ثمة معنى فلسفي يمكن طرحه وهو أن الموت يعني ميلاداً جديداً وأن غياب الشر يعني حضور الخير مع أن الطبيعة في جوهرها الكلي لا تعبر عن الثنائية إذ أن الثنائية هي من نتاج اللغة ذاتها هذه اللغة هي التي تضعنا أمام الفواصل الزمنية لنحدد ساعات الليل والنهار مع أن الزمن في حقيقته ممتد بامتداد الكون فلا الرحيل هو النهاية ولا الميلاد هو البداية[7].
ومن أجمل ما يميز هذه المجموعة القصصية الرحيل والميلاد أنها احتوت على ست عشرة قصة جاءت في إيقاعات سريعة وبجمل قصيرة وحوارات قصيرة مكثفة ومدلية بالمضمون الذي يبتغيه القاص وتتراوح هذه القصص بين ثلاثة محاور أومضامين … الأول هو الجانب الموروثي والآخر هو الاجتماعي والثالث هو الإيحائي أو الرمزي.
فـفي الجانب الأول الموروثي ويعني به حنين الشخصية إلي الموروث الماضي بعد أن هرب منه الجيل الحاضر ووصل إلي حد القطيعة عنه في بعض القصص أي أن هذا الجانب يصور طبيعة الواقع المعيشي عند بعض الشخصيات التي تهرب من موروثها وأصالتها وجذورها التاريخية وتحاول الانفصال عنه بكل السبل الممكنة كما في قصص وما تبقى من شظايا المحار ودويبات الباب الخشبي ويوم العيد والحمائم البيض، والرحيل والميلاد فـفي قصة ما تبقى من شظايا المحار نجد الشخصية التي تتحسر على الماضي الذي هجره الناس وقد أصبحت السفينة القديمة التي كانت مصدر رزق للمجتمع شبحا يهرب منه الجيل الحاضر وقد تغير في المدينة كل شيء وحملت الرافعات السفن القديمة ووضعتها في مكان بعيد بينما صاحب السفينة لايملك غير موال قديم يردده بين أونة وأخرى وصلاة الاستسقاء لم تعد تجدي شيئا في واقع لفظ كل موروثه وتبرأ منه.
وفي قصة دويبات الباب الخشبي الأب يرفض بيع البيت لكن الأبناء يصرون على بيعه ويتحقق لهم ذلك عندما يطرقون الباب ذات مرة فلا يرد ويجدونه جثة هامدة حينئذ يشرع الأبناء في التخلص من البيت الذي يجسد عراقة المكان وأصالته وفي قصة في يوم العيد نجد الأبناء الذين لايسألون في والدهم ولايوجد من يؤنس وحدة الأب وعزلته غير خادمة ويتحسر البعض على الخيام التي انقرضت وحلت محلها المباني الأسمنتية وفي الرحيل الميلاد لايحزن الأبناء على موت أبيهم ويتلقون العزاء بلا مبالاة بينما الذي يذكره صديقه في رحلة الحياة الذي يتعجب من سلوك الأبناء وهكذا نجد القصص التي تمثل هذا الجانب الموروثي تعكس فقدان القيم الإنسانية النبيلة لدى الأجيال المعاصرة التي لفظت الانتماء لحضارتها وفكرها وثقافتها وبيئتها الزمانية والمكانية بل أنها تسخر من كل مايمت بصلة لتراثها القديم حتي الأبناء يتلقون نبأ وفاة أبيهم بسخرية ولا مبالاة يقول أن مسح على وجهه ينطق الشهادتين اتجه إلي أبنائه الثلاثة يعزيهم في فقيدهم استاء من الذي رآه في وجوههم حاول بتعبيرات وجهه تذكيرهم بالحدث الجلل لكنهم واصلوا مبتسمين يشكرون المعزين مجيئهم إلى المقبرة تركهم مبتعدا يضرب كفا بكف وهكذا يحاول الكاتب تعرية سلبيات الواقع المعيشي.
وملخص القصة هو حال الإنسان الجشع الطماع البخيل الذي انتهت أيامه كما تعرت أوراق وفروع الشجرة المعمرة ولم يبق بعده إلا أبناء كأغصان الشجرة المتخشبة لا حياة ولا رجاء منهم لم يعرفوا معنى الحب والبر وأنما توارثوا الطمع والجشع بدليل شجارهم جوار المقبرة، وتعبيرات وجوههم التي لا تدل على الحزن لفقد أبيهم بل كانوا مبتسمين وهم يشكرون المعزين غافلين أنهم في حدث جلل ولهذا استاء الكهل صديق المتوفى من هذا المشهد وراح يضرب كفا على كف .
وقد جاء أسلوب القصة – كعادة جمال فايز فى قصصه – سلسا بسيطا وفصيحا في الوقت نفسه وكعادة جمال فايز أيضاً، جاءت الصور البلاغية فى القصة قريبة التناول مألوفة الاستعمال إلا أنها مختارة بعناية بحيث تخدم الجو العام للقصة ودلالاتها فهو يتحدث – مثلا – عن “حشرجة” الموال وعن “تكبل” السفينة بسلاسل الحديد وعن “زمجرة” السلاسل وعن “أنّات” الهواء الخارج من تجاويف السفينة… وهكذا بل إن العنوان نفسه يحمل شاعرية مرهفة ومغزى عميقا هذا وقد جاء بناء القصة سرداً خالصاً إذ ليس فى تركزها الشديد متسع لأي حوار.
ورغم هذا التركيز الشديد فى بناء القصة، فقد جاءت جياشة بالمشاعر ومؤثرة في خاتمتها التي يستغرق القارئ بعدها في تأمل عميق.. فالقصة نجاح أدبي بكل المقاييس.
الملامح الفنية :
نجد ملامح إبداعية في “الرحيل والميلاد” لقد تمثل إبداع كاتبنا بما يلي: – وحدة الحادثة- فهذا العمل مجزأ إلى وحدات مستقلة أو بعبارة أخرى إلى حوادث منفصلة وشكلت الحوادث عند القاص جمال فايز عنصراً أساسياً لقصص المجموعة حيث بعثت فيها الحركة والنشاط، كما برع القاص في تحريك شخوصه بمرونة فائقة فكانت كالعجينة يشكلها كما يشاء وقد بدا لنا تطور الأحداث طبيعياً معقولاً والأسلوب بسيط مليء بالحيوية والألفاظ الموحية وقد مزج الكاتب بين الواقع والخيال بإحكام وارتقت بنا المجموعة إلى مستوى من الجودة الفنية قلما نجدها في مجموعات أخرى وهو إلى جانب ذلك يحفل كثيراً باللغة والتعابير ويختار من بين الألفاظ أقواها والتشابه أكثرها تصويراً للموقف والحرص الشديد على اللغة وإلباسها ثياباً مميزة [8].
والكاتب يحرص أيضاً أن تكون شخصياته نامية غير ثابتة وشخوصه كذلك أكثر حياة من الذين نعايشهم وقد ظهرت هذه الحيوية في معظم قصصه، وحدة العمل القصصي ونعني به وحدة القصة العضوية فحوادث القصص متماسكة بخطة واحدة كقصة “الرحيل والميلاد”، لقد شوقنا الكاتب في كل قصة من القصص الست عشرة حتى تابعنا القراءة إلى النهاية فكان لانسجام مادة القصص ووحدتها أنْ وضعنا الكاتب في حالة قلق وترقب إلى ما ستؤول إليه الحوادث وتم ذلك بتنوع الصور وتفاوت درجاته والوضوح التام في العرض إضافةً إلى الدقة في توظيف عنصري اللون والحركة التأثر بالسابق واللاحق فجاء العمل القصصي عبارة عن نسيج محكم تتداخل فيه خيوطه ضمير الغائب هو الشائع في قصص المجموعة وحضور الكاتب لم نشهده إلا في قصتين هما: “وما تبقى من شظايا المحار” و “جذور الكرسي المتحرك” ودل عليهما ضمير المتكلم.
تأثير الثقافة في الحياة الاجتماعية في أعمال جمال فايز:
يسعى جمال فايز في أعماله الفنية إلى إحياء القيم الثقافية والاجتماعية فهو قد شعر بحاجة المجتمع إلى العودة لقيمه الأصيلة وشرع في رفع هذه القضية في قصصه التي تناول فيها مستويات مختلفة في آليات المجتمع لكي يستطيع الجيل الجديد أن يعود إلى الطريق الصحيح في هذا الزمن الصعب ويتجنب الأخطاء ويكون بقدرته أن يبني مستقبلاً زاهراً.
الهوامش:
[1] – حسن حسين رحلة مبدع قطري ، جمال فايز، بدأ ممثلا واستقر في عالم القصة القصيرة.جريدة الشرق القطرية ، صفحة آداب وفنون، 25/07/2004 م ..
[2] – خليل إبراهيم الفزيع، جمال فايز بين الرحيل والميلاد. من كتاب : في دائرة الإبداع ، أديبات و أدباء من قطر.دراسة نقدية ، الطبعة الأولي 2008م ، مطابع الشركة الشرقية للطباعة والصحافة والإعلام، السعودية ، ص 125.
[3] – المرجع السابق .
[4] – عبد الرحيم كمال الرحيل والميلاد. جريدة الراية ، العدد 7901 ، 25/12/2003 م ، صفحة 28
[5] – أنور جعفر ، جمال فايز والخروج من مأزق النص التقليدي. جريدة الراية ، العدد 7237، 19/02/ 2002 م ، صفحة 22.
[6] – المرجع السابق ص 22.
[7] – المرجع السابق.
[8] – أيمن خالد دراوشة، قراءة في مجموعة ” الرحيل والميلاد” لـ جمال فايز…..انعكاسات الماضي بلغة رشيقة ، جريدة الشرق القطرية، العدد 7235، 07/ 04/ 2008م، ص :37