الأستاذة ناغش عيدة
سنتناول في هذا البحث أسلوب الاستفهام ومستوياته البلاغية، في الحديث النبوي، وقد خصصنا هذا الأسلوب (الاستفهام) بالدراسة لكونه من الأساليب العربية التي تمتاز بالأسرار البلاغية، والنكت البيانية، ففي طياتها ما يدعو إلى تأملها، والغوص في دقائقها وأسرارها، فقد جرت به ألسنة البلغاء من العرب في الشعر والنثر والخطب والرسائل، وحتى في القرآن فإن ظاهرته لا تخفى، وسنحاول الوصول إلى الإجابة عن سؤال مفاده: ما هي جوانب الخطاب التي اهتمت بها الدراسة البلاغية في تناولها أسلوب الاستفهام؟
1 – أهمية علم البلاغة:
يسمى هذا العلم بالبلاغة لأنّ بمعرفته يبلغ المتكلم الغاية، وهي الإفصاح عن مراده بكلام سهل وواضح، ومشتمل على ما يعين على قبول السامع له، ونفوذه إلى نفسه.
كان القرآن الكريم العامل الأساس في نشأة علم النحو، وكذلك كان العامل الأساس في نشأة علم البلاغة، فإذا كان اللحن في النطق والقراءة ساق بعض الغيورين على الدين واللغة على وضع علم النحو فقد دعا الحرص على فهم القرآن الكريم واستكشاف أسراره، ومكنوناته بعض اللغويين إلى وضع علم البلاغة، وإلى جانب عامل الدين توجد عوامل أخرى ساهمت في نشأة هذا العلم[1] منها: الخلاف الذي نشأ بين علماء اللغة والأدب وتباين آرائهم في مقاييس الكلام الحسن فمنهم من يراها في الكلام الرصين الجامع بين العذوبة والجزالة، ومنهم من يراها في الكلام الموشّى بصنعة البديع.
وتتميز البلاغة باختيار المعاني والألفاظ، والجمل، والأساليب بما يقتضيه المقام والمقال فيكون الإيجاز في محل الإيجاز، والإطناب في محل الإطناب، والتوكيد في محل التوكيد،مع انتقاء أحسن الكلام لما يناسب الموضوع المختار، وكذا مراعاة جمهور المتلقين من السامعيـن أو القارئين بما يوافق عقولهم ومستوياتهم الاجتماعية.
2 – الاستفهام في الدراسات البلاغية عند القدماء والمحدثين:
لم تكن الدراسات اللغوية في بداياتها قد فُصِلَت عن بعضها فنجد المُؤلَّف الواحد يتناول في ثناياه مسائل نحوية وصرفية وأخرى بلاغية، ولهذا فإنّه من الصعب عزل النحاة عن البلاغيين عند الحديث عن مسألة بلاغية، إذ نجد أنّ النحاة كان لهم باع طويل في مجال الدراسات البلاغية فمثلاً سيبويه ( ت180هـ) يُعدّ من النحاة وله آراء بلاغية عن الاستفهـام وأيضاً المبرد وغيرهما ولكي لا يكون تكراراً لما سبق سنذكر من عُرفوا باشتغالهم في علم البلاغة أكثر من اشتغالهم بعلم النحو.
ونبدأ بابن قتيبـة (ت 276هـ) والذي تناول أسلوب الاستفهام بطريقة متغيرة عمن سبقوه كسيبويه وأبي عبيدة وغيرهما، إذ ذكره في باب مستقل، لكن ضمن مبحث الخروج على مقتضى الظاهر كما اكتفى بالإشارة إلى ثلاثة أغراض بلاغية هي: التقرير والتسوية والتوبيخ وقد ذكر ابن قتيبة في كتابه (أدب الكاتب) أن الكلام فيه أربعة: أمر وخبر واستخبار ورغبة.[2]
وتحّدث ابن خالويه (ت370 هـ) عن الاستفهام وذكر أغراضه وهي: التوبيخ والتسوية والإيجاب والأمر، ثمّ استدل على كل نوع بشاهد من القرآن.[3]
ومرّ الرمّاني (ت 386 هـ) في كتابه (النكت في إعجاز القرآن) مروراً سريعاً بأسلوب الاستفهام عندما عرض لبعض أمثلته في باب البيان مكتفياً بالتلميح إلى بعض معانيه,[4]
وبحث أبو هلال العسكري (ت395هـ) في موضوعات مستقلة كثيرة في البلاغة إلا أنه لم يتوقف عند أسلوب الاستفهام، بل أشار إليه إشارة عابرة في باب الخبر والوصف في صورة الاستفهام، [5] على عكس ابن فارس الرازي ( ت395هـ) الذي أولى أسلوب الاستفهام عناية خاصة فجعله المبحث الثاني من باب ( معاني الكلام) وأفرد له قسماً خاصّاً عرض فيه تعريفه وسبب تسميته والمعاني البلاغية التي حققها خروج صيغه عن أصل وضعها.[6]
وقد لاحظ ابن فارس أن الاستفهام نوعان: الأول قائم على الأصل اللغوي، وهو الاستفهام الحقيقي والذي يكون ظاهره موافقاً لباطنه، كسؤالنا عما لا نعلمه، فنقول: ما عندك؟ ومن رأيت؟ والثاني هو الاستفهام المجازي، وأشار إلى خروجه عن الأصل اللغوي إلى معان مجازية، وهذه المعاني كثيرة أطال في استقصائها حتى أوصلها إلى خمسة عشر معنى.[7]
وإذا تأملنا في كتب من جاؤوا بعد ابن فارس فإننا نجد أن عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) بذل عناية واضحة في دراسته لأسلوب الاستفهام وتناوله من زاوية فنية تتعلق بالتقديم والتأخير حيث قال: ”… ومن أبين شيء في ذلك – يقصد التقديم والتأخير- الاستفهام بالهمزة، فإن موضع الكلام على أنك إذا قلت (أفعلت؟) فبدأت بالفعل كان الشك في الفعل نفسه، وإذا قلت: أأنت فعلت؟ فبدأت بالاسم كان الشك في الفاعل من هو وكان التردد فيه”[8]
ثمّ أتى السكاكي (ت626هـ) وتحدّث حديثاً مفصلاً عن أسلوب الاستفهام فأفرد له مبحثاً مستقلاً وأشار إلى المعاني المجازية فذكر منها الاستخفاف، والتحقير، والتعجب، والاستبطاء والإنكار والتهديد، والتوبيخ، والتنبيه، والتقرير[9] ويتحدث عن أدواته ومعانيها فيقول:”للاستفهام كلمات موضوعة وهي الهمزة وأم وهل وما ومن وكيف وأي وكم وأنّى ومتى وأيّان بفتح الهمزة وبكسرها”.[10]
أمّا الخطيب القزويني (ت739هـ) فإنه في كتابه (الإيضاح) تجاوز التعريف وقفز مباشرة إلى التفصيل، ففصّل في استعمال هذه الألفاظ بين التصور أو التصديق أو كليهما معا، كما أنّه تعرض للأغراض البلاغية التي يخرج إليها الاستفهام فقال: «… ثم هذه الألفاظ كثيراً ما تستعمل في معان غير الاستفهام بحسب المقام[11]“…، ثم مثل لهذه المعاني بأمثلة تؤيد آراءه.
وأتى الإمام يحي بن حمزة العلوي (ت749هـ) بعد القزويني فتطرق في كتابه (الطراز) إلى مفهوم الاستفهام بشكل دقيق جدّاً حيث قال: «… والاستفهام معناه طلب المراد من غير على وجه الاستعلام، فقولنا طلب المراد عام فيه وفي الأمر، وقولنا على جهة الاستعلام يخرج منه الأمر فإنه طلب المراد على وجه التحصيل والإيجاد إلا أنه على نوعين، أسماء وحروف”[12]
أمّا السبكي (ت773هـ) فقد تعرض هو أيضا لأسلوب الاستفهام في (كتابه عروس الأفراح) إلا أنّ ما جاء به لا يختلف كثيراً عما جاء به القزويني عن موضوع الاستفهام فقال: «… الاستفهام أحد أنواع الطلب، استفعال، فهو طلب الفهم، وقد يخرج عن ذلك لتقرير أو غيره، وله ألفاظ ذكرها المصنف وهي الهمزة وهل ومن وأيّ وكم”[13]…، ثم وقف وقفة مطولة مثلما فعل السابقون مع ألفاظ الاستفهام من حيث معانيها ومجالات استخدامها.
وذكر البغدادي (ت1093هـ) في خزانة الأدب أن (هل) في الأصل بمعنى (قد) فكَون (قد) حرف استفهام إنما تكون بهمزة الاستفهام ثم حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال إقامة لها مقامها وقد جاءت على الأصل في قوله I: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾ [الإنسان :الآية1] (أي قد أتى)[14].
وتحدث البلاغيون المحدثون عن أسلوب الاستفهام ونذكر منهم فضل حسن عباس فقد جعل في كتاب (البلاغة العربية فنونها وأفنانها) مبحثا طويلا بعنوان الاستفهام في نقاط مرتبة فبدأ بمفهوم البلاغة ثم تحدث عن الفرق بين أدوات الاستفهام وما يستفهم عنه بكل أداة، بعدها تناول الحديث عن الأغراض والمعاني التي تخرج إليها أدوات الاستفهام.[15]
ومن المحدثين من أتى بالجديد أو خالف السابقين في بعض الآراء ومن هؤلاء: عبده عبد العزيز قليقلة في كتابه البلاغة الاصطلاحية حيث يعلق على من سبقه من البلاغيين في حديثهم عن (هل) فيقول إنّه: «… من التقعّر الذي لا لزوم له، بل لا أساس له جعل بعض البلاغيين (هل) نوعين: هل البسيطة: وهي التي هي يسأل بها عن وجود شيء أو عدمه مثل: هل الإنسان الكامل موجود؟ وهل الحركة موجودة؟ وهل المركبة التي يسأل بها عن وجود شيء لشيء مثل: هل النبات حساس؟ هل الحركة دائمة؟ هذا ما قالوه، وبإمعان النظر فيه نجد أن لا فرق بين هل البسيطة وهل المركبة لا في تعريفيهما ولا في أمثلتهما، فنحن في الحالتين نسأل بـ (هل) عن ثبوت الوجود للإنسان الكامل أمتحقق هذا الوجود أم لا.[16]
كما يذهب عبد العزيز قليقلة إلى أبعد من ذلك فيرد كلام القزويني في تعليقه عن خروج معنى آية كريمة وبيت شعري إلى التقرير فيقول: «.. لكن القزويني يلوي ذراع الآية ويلوي ذراع البيت بقوله… ولا عجب فهو القزويني صاحب الإيضاح، ويظهر أنه إيضاح بإبهام المعنى لا بكشفه وبإدخال طالب البلاغة في المتاهات”[17]
كما نجده قد عارض البلاغيين في استعمالاتهم لمصطلحي التصديق والتصور فيقول عن ذلك: ” إنّه من الغزو التتري من العلوم الأخرى للبلاغة، وإنه وقوع البلاغيين تحت تأثير العلوم الأخرى ولو لم يكن الأمر كذلك لسموا التصديق إسناداً ولسموا التصديق مسنداً أو مسنداً إليه”.[18]
ويأتي أحمد الحملاوي في كتابه (شذا العرف في فن الصرف) ليعيب على بعض كتب البلاغة لأصحابها قدم راسخة في هذا العلم، لأن هذه الكتب ترصد لنا أغراضاً تضيق دلالة الاستفهام في معنى واحد، وقد يكون المعنى المشار إليه غير دقيق، وهذا ما عابه على أحمد الهاشمي في كتابه جواهر البلاغة في معنى الاستئناس مثلا، ممثلا بقوله : ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾[طه17] فيرى أن هذا المعنى غير دقيق فالاستئناس، استفعال أي طلب الأنس وأحد معاني (استفعل) الطلب حقيقة أو مجازاً،[19] فالسائل هو الحق ولا يجوز أن يطلب من موسى الأنس لانتفاء الاحتياج في حق الله I، ولا يمكن أن يكون الاستفهام حقيقيا لاستحالة عدم علم الله تعالى بما في يد موسى وهذا لا يجوز في حق الله تعالى، ولذا لا ينبغي أن يُقال إن قصد السؤال هنا الاستئناس بل الإيناس فالفاعل له هو الله تعالى والمستأنس بالسؤال وهذه إحدى دلالات أو معاني صيغة أفعل -أي:آنس هنا- أي التعدية، وهي تصيير الفاعل بالهمزة مفعولا.
هذه إذا لمحة موجزة لبعض آراء البلاغيين القدماء والمحدثين حول أسلوب الاستفهام لأننا لو استطردنا أكثر لم يكن المقام ليتسع، وسنتطرق الآن إلى الأغراض البلاغية عند البلاغيين.
3 – المعاني البلاغية للاستفهام عند البلاغيين:
يُعدّ الاستفهام أحد الأساليب الإنشائية التي تدخل في باب علم المعاني، وهذا الأسلوب يخرج عن معناه الأصلي إلى معان سياقية مختلفة، ويعتبر خروج أسلوب الاستفهام عن معناه الأصلي من صميم البحث البلاغي، وفي هذا الصدد تعدّدت الآراء حول كونها خروجا من باب المجاز أو من باب الكناية أو من مستبعات التراكيب”.[20]
ويعدّ سعد الدين التفتزاني أول من أثار مسألة خروج أسلوب الأساليب الإنشائية عن معانيها الأصلية فقال وهو يتحدّث عن الاستفهام” ثمّ إنّ هذه الكلمات الاستفهامية كثيراً ما تستعمل في غير الاستفهام مما يناسب المقام بمعونة القرائن وتحقيق كيفية هذا المجاز، وبيان أنه من أيّ نوع من أنواعه مما لم يحم أحد حوله”.[21] كما قال إن هذا الموضوع لم يحم أحد قبله أي لم يبحث قبله.[22]
اعترض على هذا الرأي وهو القول بالمجاز بعض المحققين منهم محمد أبو موسى الذي يرى أن البلاغيين تكلفوا في التقاط العلاقات بين المعنى الأصلي للاستفهام والمعاني البلاغية التي يفيدها، كما أنهم قد أتبعوا أنفسهم والدارسين بعدهم في محاولة الوصول إلى علاقات بين طلب الفهم وبين طلب هذه المعاني دون الوصول إلى رأي مقنع.[23]
كما يرى أيضا أن المعنى الأصلي للاستفهام وهو طلب الفهم من المخاطَب وإثارته وتحريك ذهنه يظل باقيا عند إفادة الاستفهام لتلك المعاني البلاغية ومزية أداء هذه المعاني بطريق الاستفهام على أدائها بطرقها المعهودة، إنّما ترجع إلى بقاء معنى الاستفهام في تلك الأدوات.[24]
وقال في هذا الصدد عبد القاهر الجرجاني بعد ذكره جملة من المعاني البلاغية التي يفيدها الاستفهام: «واعلم أنّا وإن كنّا نفسر الاستفهام في مثل هذا بالإنكار فإنّ الذي هو محض المعنى أنّه ليتنبّه السامع حتى يرجع إلى نفسه فيخجل ويرتدع ويعي بالجواب، إمّا لأنه قد ادّعى القدرة على فعل لا يقدر عليه، فإذا أثبت دعواه قيل له فافعل فيفضحه ذلك، وإمّا لأنه جوّز وجود أمر لا يوجد مثله فإذا ثبت على تجويزه قبح على نفسه وقيل له: فأرناه في موضع وفي حال، وأقم شاهداً على أنه كان في وقت.”[25]
ويرى بسيوني عبد الفتاح أنّه كان ينبغي لمتأخري البلاغيين أن ينتبهوا لمثل هذا فيقرروا أنّ المعاني التي يفيدها الاستفهام معان بلاغية يفيدها بمعونة السياق وقرائن الأحوال، بدل القول بأنها معان مجازية وتكلّف علاقات واهية بين طلب الفهم وبين تلك المعاني.[26]
ورأى ركن الدين محمد بن علي الجرجاني أننا لا نستطيع القول إن الأسلوب الاستفهامي يفيد معنى واحداً كالتعجب مثلاً بل هناك عدة معان تنبعث من الأسلوب الاستفهامي فمثلا في قوله: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة:28] نجد أن الاستفهام يفيد إنكار الكفر والتعجب من وقوعه، والتوبيخ على أنهما في الغفلة والجهالة فلو قيل إنّ إفادة الاستفهام في الآية الكريمة معنى التعجب إفادة مجازية والتُمِستْ له علاقة بين طلب الفهم والتعجب فماذا يقال عن بقية المعاني التي يفيدها؟.[27]
ويرى محمد أبو موسى أن الصياغة الإنشائية نفسها قد تأتي في سياقين مختلفين فيلمح منها معاني مختلفة عنها في سياق آخر، فالأمر في قوله I: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [فصلت40]، فالأمر هنا يفيد التهديد، وهذا ما ذكره الخطيب القزويني وكذلك المفسرون والنحاة كما يرى أن الصياغة نفسها وردت في كلام الرسول وهي تحمل معنًى مبايناً لما في الآية قال في أهل بدر:«لعلّ الله اطلًعَ إلى أهل بَدرْ فَقَال: اعْملٌوا ما شئتمْ فقد غفرت لكم«، وفي الأمر هنا نهاية الرضا والقبول عن هؤلاء الصحابة، بينما نجد الصيغة الكنائية قلما تخلف معناها لأن المعنى مرتبط بالصيغة نفسها، وليس مرتبطاً بالسياق، وإن كان السياق معمقا للمعنى وموسعاً له ولكنه لا يجعله مبايناً لسياق مختلف.[28]
ونستخلص أن ما سبق ذكره هو تصريح بخروج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى معان أخرى مجازية,
4- إفادة الاستفهام العديد من المعاني:
أفرد الزمخشري هذا النمط من أسلوب الاستفهام المجازي بالحديث، ورأى أنه قد يجتمع التقرير والتوبيخ والتعجب كما في قوله : ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة 2/44]، فقال: (أتأمرون) الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجب من حالهم،[29] وقد يفيد الإنكار والتعجب كما في قوله I: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة 2/28)[30]
ولعل الجمع بين عدد من الأغراض في أسلوب الاستفهام المجازي، كان ناتجاً من اشتماله على مقاصد عدة، وإذا كنا قد استطعنا إثبات الأنواع السابقة للاستفهام المجازي فإنّ القرائن السياقية قادرة على إيجاد أنواع أخرى له، وتلك الأنواع التي جمعت من الدراسات البلاغية افتقرت إلى أنماط أخرى عند الدارسين الذين عنوا بعلوم القرآن وبلاغته، فأثبتوا أنواعاً أخرى غيرها، وإن ساقوا بعض أنماط سابقة كما أنّهم قسّموا الاستفهام المجازي تقسيمات مغايرة كما نجده مثلاً عند الجرجاني، والزمخشري والزركشي وغيرهم.
وتعدّ قراءة عبد القاهر الجرجاني للنص القرآني متميّزة في هذا المجال، فقد اعتبر الجملة القرآنية باعتبار أساليبها ظاهرة لغوية بلاغية معجزة تختزن في بنيتها إشارات لا متناهية من الصور الفنية الدلالية فكانت نظريته (نظرية النظم) بداية لعلوم جديدة، رصد فيها أثر البنية اللغوية ولاسيما الأثر النحوي والصوتي والصرفي، فانتهى إلى تقسيم جديد لأساليب الاستفهام المجازية في النّص القرآني في باب التقديم والتأخير والحذف والوصل والفصل.[31]
وأضاف الزمخشري جملة من أساليب الاستفهام الأخرى إلى ما جاء به البلاغيون، واتفق معهم في شرح بعض الأقسام منها:
1 ـ خروج الاستفهام المجازي إلى معنى التفخيم.
2 ـ خروج الاستفهام المجازي إلى تبكيت المخاطَب.
3 ـ خروج الاستفهام المجازي إلى التحقيق.
4 ـ خروج الاستفهام المجازي إلى الاستبعاد.
5 ـ خروج الاستفهام المجازي إلى الإنكار.
6 ـ خروج الاستفهام المجازي إلى التوبيخ.
7 ـ خروج الاستفهام المجازي إلى عدد من المعاني.
وانفرد بالحديث عن خروج الاستفهام المجازي إلى غرض آخر، وهو أن يكون الجواب هو المقصد من السؤال، وذلك لأن للجواب أثراً في سياق الكلام، كما في قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً﴾ [مريم:8] الغرض منه هنا توكيد المعنى وإزالة أي توهم لدى السامع،[32] فالزمخشري لم يكتف بالنظر إلى نمط التأليف وإنما بحث في الدلائل والإشارات السياقية للنص القرآني، فخرج لنا بمفاهيم بلاغية بديعة في تفسيره للقرآن الكريم في كتابه الكشاف، أما الزركشي فقد قسّم الاستفهام إلى قسمين:[33]
القسم الأول: الاستفهام بمعنى الخبر: ولـه نوعان: أولهما للنفي ويسمّى الاستفهام الإنكاري، فالمعنى منفي في أسلوب الاستفهام وتصحبه (إلا) كقوله : ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الأحقاف: الآية 35]، وثانيهما للإثبات ويسمى التقرير، ويأتي النفي بعد الاستفهام كقوله : ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: جزء من الآية 172[.
فالنفي أكد معنى الاستفهام الذي جاء للإثبات، وقد يجتمع مع الاستفهام أغراض أخرى كالافتخار، والتوبيخ والعقاب، والتبكيت، والتسوية، والتعظيم، والتهويل، والتسهيل، والتخفيف والتفجع والتكثير والاسترشاد.
القسم الثاني: الاستفهام بمعنى الإنشاء: وله أنواع كثيرة، منها الطلب والنهي والتحذير والتذكير والتنبيه والترغيب والدعاء والعرض والتحضيض، والإيناس، والتهكم، والاستهزاء، والتحقير والتعجب والاستبعاد والتوبيخ والاستبطاء والتيئيس.
وفي النهاية نشير إلى أن الأغراض البلاغية للاستفهام غير متناهية، بل هي متجددة بتجدد السياق، والمقام، والمقاصد، وليس الاستفهام في هذا وحده بل معه الأغراض البلاغية للأساليب الإنشائية الأخرى، فالمثال الواحد قد يؤدي غرضين أو أكثر، بغلبة غرض على غرض آخر.
ومن خلال هذا العرض لبعض آراء القدامى والمحدثين في ما يتعلق بأسلوب الاستفهام، تبيّن لنا ما لهذا الأسلوب من أهمية في البلاغة العربية، والحديث النبوي لا يخلو من هذا الأسلوب كيف لا وهو أسلوب تشويقي ينبه السامع لما يريد أن يقال له، فقد وردت فيه عدة نماذج جاء فيها أسلوب الاستفهام لخدمة أغراض معينة، وإبراز دلالات خفية تخدم المعنى، وما هذه النماذج التي سنباشر تحليلها في المبحث الثاني من هذا الفصل إلا غيض من فيض.
5- الأغراض البلاغية التي يخرج إليها الاستفهام في الأحاديث النبوية:
تخرج صيغ الاستفهام عن معانيها الحقيقية إلى معان أخرى، تفهم من سياق الكلام، وقرائن الأحوال، ومن أهم هذه المعاني ما يلي:
5: 1- التقـرير: هو حمل المخاطَب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنـده «لكأن مضمون الكلام المطلوب تقريره أصبح عند المخاطب مستقرا ثابتا، فتقرير الإنسان بالشيء جعله في قراره وقررت عند الخبر حتى استقر، ويقال أقررت الكلام إقرارا أي بيّنته حتى عرفه”.[34]
ومنه أُخِذَ معنى التقرير فهو طلب السائل من المسؤول أن يقر بثبوت أو نفي مضمون الاستفهام ويعترف به اعترافا مستقرا، يشبه استقرار الماء في الأرض، بحيث لا يتأتى للسامع أو المسؤول إنكار بعد ذلك.
ولذا عرّفه أهل البلاغة أنّه «استفهام غايته حمل السامع على الإقرار،”[35]والاعتراف بأمر قد استقر عند ثبوته أو نفيه، وقد توخّى الرسول هذه الدلالة في بعض استعمالاته لأسلوب الاستفهام كما في الحديث الذي رواه ابن مسعود قالَ: قال رسولُ اللَّه : « أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِليه مِن مَالهِ؟»قالُوا: يا رَسولَ اللَّه ما مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِليه، قال: « فَإِنَ مَالَه ما قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثهِ ما أَخَّر.”[36]
إنّ طـرح سؤال إجابته معلومة على المخاطبين، ثم إجابتهم على هـذا السؤال، يؤدي إلى إلزامهم بما سيترتب عن هذه الإجابة، ويستعمل هذا الأسلوب لإقامة الحجة على الخصم وإفحامه، ذلك أن تراجعه عما قاله بعد أن أجاب وشهد عليه من سمعه وفي هذا الحديث أجمع الصحابة على أن مال أي واحد منهم أحب إليه من مال وارثه، ولما كان المال الذي لا يتصدق به المرء ويحفظه مكنوزا عنده هو الذي يؤول إلى ورثته فهو متناقض حين يدّعي أنّ ماله أحب إليه من مال ورثته، فهو يحب مال ورثته (أي الذي سيرثه ورثته بعدما خزنه) بحيث يحافظ عليه كل المحافظة ولا يتصدق به على المحتاجين فالاستفهام في هذا الحديث يفيد الطلب والتقرير عدا عن إفادته التنبيه والتشويق لما سيقال.
والتقرير من أبرز الأغراض التي يسلك النبي لأجلها أسلوب الحوار ومن ذلك التقرير الذي ورد في الحديث الذي رواه جابر أنَّ رسول الله مَرَّ بالسُّوقِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ* فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُم يُحِبُّ أنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدرْهَم؟» فقالوا: مَا نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ ثُمَّ قَالَ: « أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ » قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْباً، إنَّهُ أسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ ميِّتٌ! فقال: « فوَ اللهِ للدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ”.[37]
يسأل الرسول في هذا الحديث الصحابة سؤالا معـروف الجواب ليشهدهم على أنفسهم وليهتموا بما قاله لهم وليراعوا عظمته وهذه ميزة التقرير بالاستفهام أن فيه انتزاعا بالإقرار من المخاطب، وإقـرار المخاطب بمضمون الاستفهام ثبوتا أو نفيا آكد من ذكره بأسلوب الخبر، ثم أن أسلوب الاستفهام يحقق عنصر التفاعل بين المتكلم السائل والمستمع المسؤول، وهو ما نلمسه في استفهام النبي .
إنّ طبيعة الاستفهام من تصديق أو طلب قد تختفي وراء السياق، إذا كان العلم بالمسؤول عنه متحققا بالنسبة للسائل، ولذا يخرج الاستفهام عن حقيقته.
ومما جاء أيضا للتقرير مرادا به التثبت والتحقيق أو حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد استقر عنده قول النبي في الحديث الذي رواه أَبو هريرة ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يقول: «أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْرَاً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ؟» قالوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا”.[38]
أراد الرسول في هذا الحديث أن يدخل على نفوس المؤمنين مدخلا يؤنسها بهذه الأداة الاستفهامية، فالهمزة تهيئ الأذهان وتثيرها لمعرفة المسئوول بها عنه، وفي دخولها على (رأيتم) التي هي بمعنى أخبروني دلالة على أنه كالعلم الذي تراه العين وتدركه الحواس، فالهمزة جاءت لتقرير المعنى وتوكيده، ومن شواهد ذلك أيضا ما رواه أبو ذر جندب بن جنادة أنَّ ناساً قالوا: يا رسُولَ اللَّهِ ذَهَب أهْلُ الدُّثُور بالأجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بَفُضُولِ أمْوَالهِمْ قال : «أوَ لَيْس قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ ؟ إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدقَةً، وكُلِّ تَكبِيرةٍ صدقة، وكلِّ تَحْمِيدةٍ صدقةً، وكلِّ تِهْلِيلَةٍ صَدقَةً، وأمرٌ بالمعْرُوفِ صدقةٌ، ونَهْىٌ عنِ المُنْكر صدقةٌ وفي بُضْعِ أحدِكُمْ صدقةٌ» قالوا: يا رسولَ اللَّهِ أيأتي أحدُنَا شَهْوَتَه، ويكُونُ لَه فيها أجْر؟ قال: «أرأيْتُمْ لو وضَعهَا في حرامٍ أَكَانَ عليهِ وِزْرٌ ؟ فكذلكَ إذا وضَعهَا في الحلاَلِ كانَ لَهُ أجْرٌ”.[39]
فقوله (أليس) أسلوب إنشائي طلبي نوعه استفهام ويخرج للنفي والتقرير وعبر بلفظ الاستفهام لإنكار النفي في (ليس) وذلك للمبالغة في الإثبات، والمراد تقرير ذلك في النفوس فالحديث به إثبات وليس نفيا، لأن الهمزة تفيد الإنكار الذي يفيد النفي وليس النفي فيصبح نفي النفي إثباتا.
ويُؤتَى بأسلوب الاستفهام بغرض تقرير المخاطب بالخطأ الذي وقع فيه، فقد يقع أحد الصحابة في خطأ ما فيريد النبي أن يتأكد من حقيقة وقوعه فيه وسبب ذلك ليبني يعد ذلك حكمه، ومن الشواهد على ذلك ما ورد في قصة الثلاثة الذين خلفوا وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية حين تخلفوا مع من تخلف من المنافقين عن غزوة تبوك، فلما رجع النبي جاءه المنافقون يعتذرون ويحلفون، فقبل رسول الله علانيتهم ووكّل سرائرهم إلى الله إلا أنه لا يفعل ذلك مع أصحابه الذين يعلم النبي صدق إيمانهم وبعدهم عن النفاق بل يحاورهم ويسألهم عن حقيقة تخلفهم وسببه، قال كعب بن مالك راوي القصة: فجئته فلما سلّمت عليه تبسَّم تبسُّم المغضب، ثم قال: «مَا خَلَّفَكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ؟» وهذا الاستفهام التقريري يحمل أيضا معاني التعجب والإنكار على المخاطَب الذي لا شك في إيمانه وصدقه وليس له عذر في التخلف، حيث تيسر له ما يستطيع به المسير مع الرسول وأصحابه قال كعب : بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إنّي لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك) فقال رسول الله : «أمَّا هَذَا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فيكَ”,[40]
خرج الاستفهام في هذا السياق إلى الاستفهام المجازي، فالرسول قرّر كعب بن مالك بسؤاله لأنه يعلم عنه أنّه قد حضّر فرسه وعدته للمعركة، وفي الوقت نفسه نجد أن هذا الأسلوب يشوبه شيء من الإنكار على كعب، والقرينة على ذلك قول كعب (فَلَمَّا سَلَّمْتُ عليه تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ) أضف إلى أن الرسول لم يسأل باقي المتخلفين، وإنما سأل كعبا بن مالك ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية .
5 : 2- التحضيض والحث: الحث هو الحض على فعل شيء على وجه السرعة هذا ما يستفاد من معنى (حثّ) في معجم اللسان، والحث في الاستفهام يراد به دعوة المستفهم للمخاطب إلى فعل شيء حسن على وجه الاستعجال وأورد له السيوطي قوله : ﴿أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[ التوبة الآية: 13] تحت معنى التحضيض وهو بمعنى الحث.[41]
ومن الأحاديث التي ورد فها أسلوب الاستفهام بهذا الغرض قوله لعلي بن أبي طالب وفاطمة وقد طرقهما ليلا: «أَلاَ تُصلِّيان”،[42]حث لهما على قيام الليل لما في قيام الليل من الخير وصلاح القلوب غير أنه أخرجه بصيغة الاستفهام وليس بغيرها من الصيغ كأن يقول: قوما الليل، وهذا تلطفا منه وتوددا في حثهما على قيام الليل رغبة في مسارعتهما إلى الاستجابة لِما حضهما عليه فلم يخرجه بصيغة الأمر حتى لا تذهب بهذا التلطف في النصح، أو يفهما الأمر على غير حقيقته فيقوما على كره منهما ولهذا أخرجه الرسول بصيغة الاستفهام ليشعرهما بحريتهما في الاستجابة أو عدمها.
ويأتي التحضيض بعدّة أدوات ومنها ما يتعلق بالاستفهام (هلا، ألا، ألم وأما) وهذه الأدوات إذا دخلت على أمر مستقبل وكان فيها معنى الطلب فهو تحضيض، أما إذا دخلت على ماضٍ فهو تنديم، ومن شواهد الحديث في هذا الغرض ما رواه عبد الله بن عمر قال: اشتكى سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ شكوى له، فأتاه النبي يعوده مع عَبدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوفٍ، وَسَعدُ بْنُ أَبي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله فبكى النبي ، فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا فقال: « ألاَ تَسْمَعُونَ؟ إنَّ الله لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَينِ، وَلاَ بِحُزنِ القَلبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهذَا- وَأشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- أَوْ يَرْحَمُ وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه”[43]،(قول النبي) “ألا تسمعون؟) تحضيض على سماع ما يقوله وهم في حال البكاء ولعل النبي فهم من بعض أصحابه الإنكار فأراد أن يبين الفرق بين الحالتين”،[44]ومن التحضيض حديث جابر بن سمرة أن النبي خرج عليهم فَقَالَ: «ألاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا؟» فَقُلنَا: يَا رَسُول اللهِ، وَكَيفَ تُصَفُّ المَلائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ في الصَّفِّ”.[45]
فلعل النبي رآهم لم يحسنوا الصف في الصلاة فأراد أن يحضهم على ذلك ويرغبهم فيه فقال لهم: «ألا تصفون؟» بصيغة التحضيض، وقوّى رغبتهم بالتشبيه بصف الملائكة وتقييد الصف بكونه عند الله وهذا حضٌ عظيم، ولذا كان له أثر في نفوس الصحابة فاشتاقت نفوسهم أن يكونوا كذلك فسألوا عن صف الملائكة عند ربهم والله أعلم.
5 :3 – التشويق والإثارة: الإثارة والتشويق يلتقيان لغويا في معنى تهييج المشاعر وتحريكها غير أن الإثارة تهييج للمشاعر على الإطلاق سواء من غضب أو من غيره فـ «ثار الشيء ثورا وثورانا وتثور: هاج ويقال: ثارت نفسه: جاشت.”[46]
أما مادة الشوق فتعني« نزاع النفس إلى شيء، والشوق حركة الهوى، ويقال: شقّ إذا أمرته أن يشوق إنسانا إلى الآخرة وشاقني شوقا وشوقني: هاجني”.[47]
والتشويق من الأغراض التي يأتي لها الاستفهام حينما يقصد المتكلم إلى ترغيب المخاطب واستمالته، نحو ما سيلقيه إليه بعد الاستفهام، وتحريك مشاعره إلى أمر محبوب يرغب فيه السائل.
كثر هذا الغرض في الحديث النبوي، وأكثر ما ورد منه قد دخلت فيه همزة الاستفهام على (لا) فاكتسب معنى العرض، أو معنى الاستفتاح بحسب المقام مثل: (ألا أدلكم؟)، ومن أمثلة التشويق في الحديث النبوي الحديث الذي روى فيه أبو هريرة أن الرسول قال: «ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رسولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ”.[48]
يفيد الاستفهام هنا التنبيه والتشويق لما سيقال، وليس خافيا أن النبي لا يسأل أصحابه ليتعلم منهم الأمور الدينية، فسؤاله إياهم لا يمكن أن يكون على وجه الحقيقة أي أنه لا يمكن أن يكون استفهاما يفيد مجرد الاستفهام ومعرفة الإجابة بل لابد أن يخرج الاستفهام إلى معان أخرى، من أهمها التنبيه والتشويق وأحيانا التقرير ومرات التوبيخ، والأمثلة على ذلك في الأحاديث النبوية كثيرة جدا منها ما رواه عمر بن الخطاب قال: قدم على رسول الله بسبي فَإِذَا امْرَأةٌ مِنَ السَّبْيِ تَسْعَى إِذْ وَجَدَتْ صَبياً في السَّبْيِ أخَذَتْهُ فَألْزَقَتهُ بِبَطْنِهَا فَأَرضَعَتْـهُ فَقَالَ رَسُول الله:«أتَرَوْنَ هذِهِ المَرْأةَ طَارِحَةً وَلَدَها في النَّارِ؟» قُلْنَا: لاَ وَاللهِ، فَقَال: «للهُ أرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هذِهِ بِوَلَدِهَا”.[49]
يفيد الاستفهام في هذا الحديث التنبيه والتشويق، فهذه الحالة العاطفية التي يراها الصحابة رأي العين جعلتهم يتعاطفون معها، فأي شخص يرى مثل هذه المرأة لا يسيطر على عينيه أمام هذا الموقف الأمومي، وهنا يستغل الرسول هذا الموقف المؤثر الذي قلما يتكرر ليوصل فكرة عظيمة، وهذه الفكرة يريد أن يثير انتباه السامعين إليها فيسألهم: «أترون هذه طارحة ولدها في النار؟» والإجابة على هذا السؤال لا ريب فيها ولا جدال، لكن السؤال يثير التشويق إلى حده الأقصى فتأتي الجملة الاسمية لتريح الذهن من التوتر لسماع هذا الخبر المنتظر بعد الاستفهام التشويقي «الله أرحم بعباده من هذه بولدها.
وكذلك من الأساليب الاستفهامية التي تفيد التشويق في الأحاديث النبوية ما نجده في الحديث الذي رواه ابن مسعود قال: كُنَّا مَعَ رَسُول الله في قُبَّة نَحْوَاً مِنْ أربَعِينَ فَقَالَ: «أتَرْضَونَ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ؟» قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهلِ الجَنَّةِ؟» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بيَدِهِ، إنِّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ. وذلك أنَّ الجنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ومَا أنْتُم في أهْلِ الشِّركِ إلاَّ كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأحْمَر”.[50]
في هذا الحديث يفيد الاستفهام معلومة مفادها أن المسلم هو الذي يدخل الجنة، وقبل أن يخبرهم ما يريد يسألهم سؤالا معلوم الإجابة مسبقا، فمن من الصحابة لا يأمل دخول الجنة؟ والدليل على ذلك قولهم (نعم)، وهنا يصغي الحضور لسماع ما يود قوله وبينما يصل الإصغاء ذروته ويصل الشوق للمعلومة القادمة، يخبرهم الرسول بأن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة.
وقد توخّى الرسول معنى الإثارة والتشويق في الحديث الذي رواه أَبو هريرة أنَّ فُقَراءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسُولَ اللهِ ، فقالوا: ذَهَبَ أهْلُ الدُّثورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أمْوَالٍ يَحُجُّونَ، وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ. فَقَالَ : «ألاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبَقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُون أَحَدٌ أفْضَل مِنْكُمْ إِلاَّ منْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ؟» قالوا: بَلَى يَا رسول الله قَالَ: «تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ » فَرَجَعَ فُقَراُء المُهاجِرين إلى رَسُول الله فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْواننا بِما فعلنا فَفَعلوا مثله، فَقَالَ رَسول الله «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء”.[51]
حقّق الاستفهام لتضمنه ما يُشتُاق إلى معرفته الإثارة، وهيج شعور الصحابة بقرينة أنّ الصحابة تشوقوا إلى أن يخبرهم الرسول بما شوقهم إليه فقالوا: بلى يا رسول الله فكان شوقهم إلى أن يعرفوا كيف سيخصهم الرسول بهذه الخيرية بعد أن اشتكوا إليه استئثار الأغنياء بالثواب لاجتماعهم معهم في العبادات، وتميزهم بقدرتهم على العتق، وتقديم الصدقات فتلهفت أنفسهم لمعرفة ما العمل الذي سيجعلهم يتميزون عنهم به بل يسبقونهم ومن لا تميل نفسه إلى هذا الخير؟
أمّا سرّ اختيار الاستفهام أسلوبا للتعبير عن هذه المعاني بدلا من الخبر كأن يقول مثلا: «سأعلمكم بما تدركون به من سبقكم…» فلأن في إيثار التعبير بالاستفهام – في هذا المقام- بلوغا بالإثارة والشوق في نفوس السامعين إلى أقصى حد فيستولي على نفوس جميع سامعيه، أما أسلوب الخبر فقد لا يتحقق له ذلك، لأن الاستفهام بطبيعة صيغته فيه جذب للانتباه فإذا اجتمع جذب الانتباه والتشويق، بلغت الإثارة قِمَّتَها، كما أن أسلوب الاستفهام يحقق التواصل بين المتكلم والمتلقي فيصبح المتلقي فاعلا بدوره في الحوار، على عكس الأسلوب الخبري حيث يكون المتلقي مستمعا فحسب، دون وجود تفاعل مع المخاطَب (المتكلم).
ولا يلزم في الاستفهام الذي يراد به التشويق أن يجيب المتلقي بما يريد المتكلم (بما يوافق أغراض المتكلم) فالقصد من هذا الأسلوب استدراج المتلقي للانتباه إلى ما يلحق الاستفهام من كلام وكثيرا ما يواصل المتكلم كلامه دونما انتظار الرد،[52] كما في قوله : «يا أبا موسى أَلا أَدُلُّك على كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجنَّةِ؟» بلى يا رسول اللَّه، قال: «لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ”.[53]
فكثيرا ما يأتي التشويق في مقام التعليم حيث يكون المخاطب جاهلا بالخبر وحريصا على المعرفة فيكون للاستفهام وقع في نفسه فيستميله ويدفعه إلى الحرص على التعلم والرغبة في تحصيله، خاصة إذا كان من أهل الحرص عليه والصحابة كانوا حريصين على تعلم أمور دينهم كما أن النفس الإنسانية غالبا ما تستجيب للإثارة، فالرسول يستعمل أسلوب الاستفهام التشويقي ليستفهم الصحابة عن شيء لا يعرفونه تشويقا لهم إلى معرفته والتساؤل عنه وأيضا يسألهم عن الشيء المعلوم دلالته عندهم ليضيف إليه دلالة جديدة هي أولى من الدلالة الأولى المعهودة لديهم، فيشعر الصحابة أن النبي سيضيف شيئا ولذا هم يحترسون في الجواب، وأيضا رغبة منه في أن يستثير رغبتهم في التعلم والمعرفة حينما يستفهم ومن أمثلة ذلك في السنة النبوية ما رواه زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُديْبِيَةِ في إِثْرِ سَمَاءٍ كَانتْ مِنَ اللَّيْل، فَلَمَّا انْصرَفَ أَقْبَلَ عَلى النَّاسِ فَقَال: « هَلْ تَدْرُون مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ. قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤمِنٌ بي وَكَافِرٌ، فأَمَّا مَنْ قالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمتِهِ، فَذلِكَ مُؤمِنٌ بي كَافِرٌ بالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قالَ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا وَكذا فَذلكَ كَافِرٌ بي مُؤمِنٌ بالْكَوْكَبِ.”[54]
ورد التشويق في هذا الحديث بصورة الاستفهام لما فيه من تنبيه، وإثارة نفسية لتقبل المعلومات والنفس الإنسانية تستجيب للإثارة،[55]ولما كان الصحابة لا يعرفون الإجابة كانوا يردون العلم إلى الله ، والرسول في هذا المقام لا يستفهم لأنه يريد الإجابة بل لأجل التشويق، فقد أراد أن يشوق الصحابة في ذكر هذه الحقيقة لهم، وأن يجعلهم يتلهفون شوقا إلى معرفة ماذا قال ربهم.
5: 4 – الإنكــار: جعل الجرجاني الإنكار أحد أربعة مقاصد للاستفهام المجازي،[56] فمن استعمال الإنكار بما يكون قوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ [القيامة:3] ، وقوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴾ [البلد:7]. ثم يخلصُ إلى التقرير في الآيات الثلاث التابعة ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)﴾ ونلاحظ الإنكار الذي يبلغ حد التوبيخ في الاستفهام السابق ولهذا يصبح التوبيخ جزءاً أصيلاً في الاستفهام الإنكاري حتى سمي عند الدارسين بالإنكار التوبيخي,[57]
قد يأتي الاستفهام النبوي للإنكار وهو نوعان: إنكار إبطالي، ويُؤتى به لتكذيب المخاطب أو إبطال قوله كقوله : ﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً﴾ [الاسراء:40] أي: لم يكن من الله اصطفاء ولا اتّخاذ والنوع الثاني: إنكار توبيخي يأتي لتوبيخ المخاطب على ما وقع منه من فعل مذموم.[58]
لم يرد الإنكار التكذيبي في الأحاديث الواردة في المدونة أما الإنكار التوبيخي فقد تكرر وروده كثيرا في الأحاديث النبوية الواردة في كتاب رياض الصالحين ومن شواهد ذلك الحديث الذي رواه ابن مسعودٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَومُ حُنَينٍ آثَرَ رسولُ الله نَاساً في القسْمَةِ فَأعْطَى الأقْرَعَ بْنَ حَابسٍ مئَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَة بْنَ حصن مِثْلَ ذلِكَ، وَأَعطَى نَاساً مِنْ أشْرافِ العَرَبِ وآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ في القسْمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: واللهِ إنَّ هذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُريدَ فيهَا وَجْهُ اللهِ، فَقُلْتُ : وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله ، فَأَتَيْتُهُ فَأخْبَرتُهُ بمَا قَالَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كالصِّرْفِ، ثُمَّ قَالَ : « فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَالم يَعْدِلِ اللهُ وَرسولُهُ ؟» ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبر» فَقُلْتُ: لاَ جَرَمَ لاَ أرْفَعُ إِلَيْه بَعدَهَا حَدِيثاً،[59] وأيضا الحديث الذي رواه أبو هريرة أن رسول الله مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أصابِعُهُ بَلَلاً، فقال: «مَا هذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟» قال: أصَابَتهُ السَّمَاءُ يَا رسول الله قال: «أفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوقَ الطَّعَامِ حَتَّى يرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا“,[60]
فالاستفهام هنا إنكار من الرسول ، فهو ينكر على العربي غشه وذلك بإخفائه الطعام الفاسد تحت الصحيح ليظهر فقط البضاعة السليمة، وفي هذا الإنكار مسحة من التقريع والتبكيت، فقد قام هذا الأعرابي بعملية غش وهذا أمر مرفوض في ديننا الحنيف، ولما كان هذا الموقف يجب استنكاره، ولما كان أسلوب الاستنكار لابد من أن يكون بطريقة حكيمة وبأسلوب حسن فلا يستحسن أن يقال له أنت غشاش، وكان عليك أن تضعه فوق الطعام فالرسول (في هذا المقام) أوصل الفكرة بأسلوب فيه رأفة رحمة، فهو حين يعاتب يعدل إلى أسلوب الاستفهام الذي يخفف من حدة العتاب.
وأيضا من هذا القبيل نجد الحديث الذي رواه أبو سِرْوَعَةَ -عُقبَةَ بنِ الحارِثِ- والذي تَزَوَّجَ ابنَةً لأبي إهَابِ بن عزيزٍ، فَأتَتْهُ امْرَأةٌ، فَقَالَتْ: إنّي قَدْ أرضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ : مَا أعْلَمُ أنَّك أرضَعْتِنِي وَلاَ أخْبَرْتِني، فَرَكِبَ إِلَى رسول الله بالمدينة فسأله فَقَالَ رسول الله : « كَيْفَ وَقَد قِيلَ؟» فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجاً غَيْرَهُ”.[61]
ذكر ابن حجر أن النبي يعاتب وينكر بأسلوب الاستفهام للتخفيف من حدة الإنكار على أصحابه،[62]وهو هنا ينكر على عقبة عدم مفارقته لزوجه بعدما قيل ما قيل فهو بهذا يوجه إليه أمرا بطريقة غير مباشرة مفادها (ما دام قيل ما قيل فعليك مفارقتها) ولكنه بإنكاره عليه ذلك فهم عقبة المراد من قول الرسول والدليل أنه فارقها وتزوجت غيره.
كما نجد الإنكار التوبيخي في استفهامه في الحديث الذي رواه أُسَامة بن زيدٍ قَالَ: بعثنا رَسُول الله إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا القَوْمَ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَلَحقْتُ أنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشَيْنَاهُ، قَالَ: لاَ إلهَ إلاَّ الله، فَكفَّ عَنْهُ الأَنْصَاري، وطَعَنْتُهُ برُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ، بَلَغَ ذلِكَ النَّبيَّ فَقَالَ لِي: « يَا أُسَامَة، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ؟» قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا كَانَ متعوِّذاً، فَقَالَ: «أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ؟» فما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمنْيَّتُ أنِّي لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ اليَوْمِ”.[63]
لقد أثار باستنكاره ما لم يكن حاضرا في ذهن أسامة حين أقدم على قتل الرجل بعد تلفظه بالتوحيد، إذ من غير الممكن التوصل إلى معرفة ما في القلوب من النوايا والدوافع فما كان عليه في ذلك الموقف سوى الكف عن الرجل، والأخذ منه بالظاهر، بلا تكلف البحث عن النوايا والمقاصد.
وذكر ابن حجر أن « زجره بصيغة الاستفهام الإنكاري (أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) ثم اعتذار أسامة بقوله: إنما كان متعوذا، وإعادة النبي الإنكار عليه، في هذا اللوم تعليم وإبلاغ في الموعظة حتى لا يقدم أحد على قتل من تلفظ بالتوحيد، وفي تكريره ذلك والإعراض عن قبول العذر زجر شديد عن الإقدام على مثل ذلك.[64]
وفي هذا الحديث نجد الرسول قد استعمل أسلوب النداء بالحرف (يا) في مقام الإنكار لما فيه من مد يسهم في إبراز الإنكار صوتيا.
ونجد أيضا إنكاره على أسامة في موقف آخر، وذلك حينما شفع في المَرأَةِ المخزومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ فقال له : « أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله تَعَالَى؟!» ثُمَّ قامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: « إنَّمَا أهْلَك مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ الله، لَوْ أَنَّ فَاطمَةَ بِنْتَ مُحمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعتُ يَدَهَا”.[65]
فالاستفهام هنا توبيخي والمعنى: «لا ينبغي أن يكون منك ذلك؟[66] ” والإنكار هنا جاء منه «لأنه سبق له الشفاعة في الحد قبل ذلك”.[67]
وأيضا لأنّ النبي تناول الأمر من جهة أنه حد من حدود الله المنصوص عليها في القرآن الكريم فكيف أمكنه التجاوز بطلب الشفاعة فيه؟ هو الذي جعله يتشدد في إنكاره، ثم إنه عمّم القضيةحين قام وخطب في الناس ليبين لهم مدى خطورة انتشار ظاهرة المحاباة والتمييز في تطبيق الأحكام على الناس في الأمم والمجتمعات، وأنه سبب هلاكها.
ومثل هذا نجده في الحديث الذي روته عائشة (رضي اللَّه عنْهُا) قَالَتْ: سَمِعَ رسولُ الله صَوْتَ خُصُومٍ بِالبَابِ عَاليةً أصْوَاتُهُمَا، وَإِذَا أحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَر وَيَسْتَرْفِقُهُ في شَيءٍ، وَهُوَ يَقُولُ: والله لا أفْعَلُ، فَخَرجَ عَلَيْهِمَا رسولُ اللهِ فقال: « أيْنَ المُتَأَلِّي عَلَى اللهِ لاَ يَفْعَلُ المَعْرُوفَ ؟» فقال: أَنَا يَا رسولَ اللهِ ، فَلَهُ أيُّ ذلِكَ أحَبَّ.”[68]
ولعل النبي في هذا الموقف كره للرجل قطع نفسه عن فعل الخير فأنكر عليه ذلك توبيخا واستخدم أسلوب الاستفهام في الإنكار لما في الاستفهام من استثارة للنفس وشدة التنبيه لها لعلها أن تتأمل في سوء صنيعها، فالنبي يعاتب وينكر بأسلوب الاستفهام للتخفيف من حدة الإنكار على أصحابه.[69]
وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص قَالَ: رأى النَّبيُّ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فقال: “أُمُّكَ أمَرَتْكَ بِهَذا؟ » قلتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: « بَلْ أَحْرِقْهُمَا”.[70]
قال النووي في شرحه هذا الحديث: « قوله : «أُمُّكَ أمَرَتْكَ بِهَذا؟» معناه أنَّ هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن وأمّا الأمر بإحراقهما فقيل: هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل.[71]
5: 6- النفــي: تدور كلمة النفي لغة حول الطرد والإبعاد، ويقال: «نفيت الرجل وغيره أنفيه نفيا إذا طردته ونفى الشيء نفيا: جحده، وفي الحديث «المدينة كالكير تنفي خبثها» أي تخرجه،[72] “هذا المعنى اللغوي للكلمة مراد كذلك في الاستفهام الذي يقصد النفي من سؤاله فيطلب من المسؤول أن يستبعد نقيض النفي وهو الإثبات بل عليه أن يقر بالسلب أي: سلب مضمون الحكم الذي تضمنه الاستفهام وشرط دلالة الاستفهام على النفي أن يصح «حلول أداة النفي محل أداة الاستفهام”.[73]
وقد كثر خروج الاستفهام إلى النفي في كلام العرب وأشعارها، وفي القرآن الكريم، ولعل هذا الأسلوب يثير المتلقي، ويضفي على أسلوب الاستفهام جمالية وروعة كقوله : ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[ آل عمران: الآية 135 ] أي (لا يغفرها إلا الله) وكقوله : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ [ البقرة: 255 ] أي (لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه) وكقوله : ﴿ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾[الرحمن: 60] أي: (ما جزاء الإحسان إلا الإحسان).[74]
ومن أمثلة ذلك في السنة النبوية الحديث الذي رواه أَبو هريرة قوله : « أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْرَاً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ ؟» قالوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ، قَالَ: « فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا”[75] القصد من أسلوب الاستفهام في هذا الحديث النفي وإنّما آثر الرسول التعبير عنه بأسلوب الاستفهام حثا للصحابة على التفكير والتدبر في أثر الوضوء والصلوات الخمس والدرن المنفي بقاؤه قد يكون ماديا فيكون الأمر خاصا بالتفكر في آثار الوضوء، وقد يكون معنويا والمراد الذنوب التي يغسلها الوضوء وتمحوها الصلاة، ولذلك عقب على إقرارهم بالنفي بقوله: «فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا”
وسر عدوله عن النفي الصريح إلى أسلوب الاستفهام أنّ النفي الصريح قد لا يأبه له الصحابة، لكن إقرارهم هم بنفيه فيه مزيد من التذكير لهم، فإقرارهم بالنفي أوقع في نفوسهم وأبلغ من أن يعبر عنه بالنفي الصريح.
5 : 7- الأمـــر: يخرج الاستفهام إلى أسلوب مجازي يسمى الأمر، فيزيده إيحاءً جمالياً، لأن المقصود ليس الاستفهام الحقيقي كما في قوله : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ ]المائدة :91] أي (انتهوا) وهذا نحو قوله في [آل عمران: 20]:﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾ أي (أَسلموا) وكقوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾[النساء جزء من الآية 75] أي (قاتلوا في سبيل الله).
ورد أسلوب الاستفهام بمعنى الأمر في مواضع منها قوله لصاحب الجمل: « أفَلاَ تَتَّقِي اللهَ في هذِهِ البَهِيمَةِ الَّتي مَلَّكَكَ اللهُ إيَّاهَا؟ فَإنَّهُ يَشْكُو إلَيَّ أنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ » وهذا الحديث رواه عبد الله بن جعفر وهو يروي فيه أن الرسول استتر بحائش نخلِ ليقضِيَ حاجتَه فَإذا فِيهِ جَمَلٌ فما إن رأى رسول الله حتى جَرْجَرَ وذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فأتاه النبي فَمَسَحَ سَرَاتَهُ”.[76] وَذِفْرَاهُ فَسَكَنَ فقال:«مَنْ رَبُّ هَذَا الجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الجَمَلُ؟» فجاء فتى من الأنصار فقال هذا لي يا رسول الله فقال له ما سبق ذكره أي: اتق الله في هذه البهيمة”.[77]
5 : 8- الإعلام والتبشـير: من الطبيعي أن يسال السائل ليعلم ما لا يعلم أو ما يريد أن يعلم، وهذا هو الأصل في الاستفهام «فمن جزع من الاستبهام فزع إلى الاستفهام »، أمّا أن يعمد المتكلم إلى استعمال أسلوب الاستفهام لأجل الإعلام فهذا قمة البلاغة، وهو ما يؤكد سعة اللغة العربية لكل أنواع التراكيب الفنية، والرسول يعمد إلى هذه الطريقة حين يريد أن يسمع المخاطب بخبر يتضمن بشرى تخص المخاطَبْ أو تخصهما معا، ومن ذلك الحديث الذي رواه عمرو بن العاص قال: فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإسلامَ في قَلْبِي أتَيْتُ النبيَّ فقُلْتُ: ابسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعُك، فَبَسَطَ يَمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي، فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قلتُ: أردتُ أنْ أشْتَرِطَ فَقَالَ « تَشْتَرِط مَاذا ؟» قُلْتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي، فقال : «أمَا عَلِمْتَ أن الإسلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأن الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا، وَأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ”.[78]
وأيضا حين بشر النبي الصحابة بأنّ سورة الإخلاص تعادل ثلث القرآن، فاستهل كلامه بالاستفهام فقال: «أَيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَقْرَأَ بِثُلُثِ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟» فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رسولَ الله؟ فقال: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ ثلث القرآن» [الآيتين: 1و2 من سورة الإخلاص”.[79]
لم يستعمل الرسول الأسلوب الخبري لأنّه لا يثير انفعال المتلقي «وإنّما تثير الانفعالات العبارات الإنشائية من أمر ونهي واستفهام وتعجّب وعرض وحضّ إلى غير ذلك من العبارات الإنشائية”.[80]فقد كان بإمكانه أن يخبرهم مباشرة بأن من قرأ سورة الإخلاص كمن قرأ ثلث القرآن ولكنّه آثر استعمال الأسلوب الإنشائي لأنّه يثير الانفعال، ويحرك القلب والوجدان.
5: 9- الاستدراج: الاستدراج استفعال من درج، وأصلها ترتيب الشيء فوق شـيء ومنه دَرَج البناء ودرَّجه مراتب بعضها فوق بعض، واستدرج فلان فلانا أي أدناه منه على التدريج ومنه قوله : ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الاعراف182.[81]
فالاستدراج انتقال بالمستدرج من أمر إلى آخر أو من حال إلى آخر بطريقة من طرائق الكلام حيث لا يشعر أو يعلم المستدرج، والقصد من الاستدراج إقامة الحجة على المستدرج وإلزامه بها سواء بحق أو بباطل ويستعمل الاستفهام في الاستدراج لدفع المسؤول إلى جواب يكون حجة عليه.
ومن ذلك ما روته أم المؤمنين جويرية بنت الحارث (رضي الله عنها)أنّ النبيدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: «أصُمْتِ أمْسِ ؟» قالت: لا، قال: « تُرِيدِينَ أنْ تَصُومِي غَداً؟» قالت: لا، قال: «فَأَفْطِرِي”[82]
فأسئلة النبي ليست لطلب العلم بل هي أسئلة العارف لا أسئلة من لا يعرف، وهذا ما ذهب إليه ابن الصايغ بقوله: «قد توسعت العرب فأخرجت الاستفهام عن حقيقته لمعان أو أشربته تلك المعاني”،[83]ومن ذلك أيضا نجد الحديث الذي رواه عمرو بن العاص قال: أقبلَ رَجُلٌ إِلَى نَبيِّ الله فقال: أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ وَالجِهَادِ أَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى، فقال: «هَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أحَدٌ حَيٌّ؟» قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلاهُمَا، قال: «فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى؟» قال: نَعَمْ، قال: «فارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ ، فَأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا”.[84]
5: 10 – الاستدراك: تدور معاني «درك» حول الإدراك لما سبق بمعنى اللحاق والوصول إلى الشيء «قال الليث: الدرك إدراك الحاجة ومطلبه … واستدرك ما فات وتداركه بمعنى[85]، ” واستدرك الشيء بالشيء حاول إدراكه به”.[86] فالاستدراك: طلب إدراك أمر ما أو كلام سابق في حوار بين السائل والمسئوول، ويكون حين يعمد السائل إلى استعادة ما قال رغبة منه في زيادة بيان أو إيضاح فكرة، وترسيخ حكم أو تغييرا له، وقد استعمله الرسول في بعض المواقف ومثال على ذلك الحديث الذي رواه عنه أبو قتادة عن رسول الله أَنَّهُ قَامَ فيهم فَذَكَرَ لَهُمْ أنَّ الجِهَادَ في سبيلِ الله، وَالإِيمَانَ بالله أفْضَلُ الأعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سبيلِ الله، تُكَفَّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله : «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سبيلِ اللهِ، وَأنْتَ صَابرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيرُ مُدْبر»، ثم قال رسول الله : «كَيْفَ قُلْتَ؟» قال: أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سبيلِ الله أتُكَفَّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله : «نَعمْ، وَأنْتَ صَابرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيرُ مُدْبِرٍ، إلاَّ الدَّيْنَ فإنَّ جِبريلَ u قَالَ لي ذلِك.[87]“
والقصد من الاستفهام بقوله «كَيْفَ قُلْتَ؟» استعادة طرح السؤال مرة أخرى وهذا استدراك لمزيد تنبيه وزيادة تأكيد على ما زاده على إجابته في الحديث الأول وهو الدين تنبيها على أنّ حقوق الناس ولاسيما الدّين لا يكفرها الجهاد والشهادة في سبيل الله”.[88] ولذلك كان رسول الله إذا مات الميت سأل:« هل ترك لدينه من قضاء»؟
إنّ حرصه أن يستدعي السائل فلأن الأمر تشريع واطمئنان على التبليغ، أمّا حرصه أن يستدرك السائل باستعادة ما سأل من قبل بأسلوب الاستفهام فَلِمَا يتميز به أسلوب الاستفهام من قدرة على تنبيه المسؤول واستثارته وحثه على الإصغاء لما سيجيب به في المرة الثانية ولو استدرك بقوله مثلا (هذا جبريل يقول: إلاّ أن يكون عليك دين﴾ لاقتصرت الدلالة على الإضافة وافتقد الكلام ما يحققه الاستفهام من تنبيه وإثارة واستدراك، والله أعلم.
5 :11- التعجـب: التعجب من مادة «العٌجب والعَجَب» بمعنى «إنكار ما يرد عليك لقلة اعتياده، وأصل العجب في اللغة كما قال الزجاج أن الإنسان إذا رأى ما ينكره، قال قد عجبت من كذا، فهو يتعجب من الشيء إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه سببه، ومن ذلك قوله : ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [سورة ق الآية: 2]فهم يتعجبون من قول الرسول منذرا إياهم بأنهم سيبعثون للحساب، لأنهم اعتادوا على ما درج عليه آباؤهم من اعتقادهم بعدم البعث.”[89] وقد يرد التعجب بمعنى إظهار الاستحسان والإعجاب للشيء، قال ابن منظور: «والتعجب أن ترى الشيء يعجبك تظن أنَّك لم تر مثله فهو استعظام أمرٍ ظاهر المزية خافي السبب، وإذا خرج من أسلوب النحو السماعي والقياسي إلى الاستفهام فإنما يراد به المبالغة في إظهار التعجب، وهذا الأسلوب كثير في القرآن الكريم كقوله :﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5] وقوله : ﴿أَو َعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 63″.[90]
ويأتي التعجب إمّا لإظهار العجب استغرابا ودهشة لعدم الألف والاعتياد على الأمر المتعجب منه، أو لأن ما يتعجب منه ليس له سبب معلوم لوروده عند السائل وقد تشتد حدته فيقترن به الاستنكار، وأما أن يرد التعجب بمعنى إظهار الاستحسان والإعجاب فيكون تعجبك لإعجابك به فتسأل سؤالا «القصد فيه إلى بيان الاستغراب ويجري هذا الاستفهام عادة بعد حصول الظاهرة موطن التعجب”.[91]
وقد ورد هذا النوع من الأسلوب الاستفهامي في الأحاديث النبوية الواردة في رياض الصالحين ومن شواهد ذلك ما جاء في الحديث الذي رواه أنس ، قَالَ: كَانَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ يَشتَكِي، فَخَرَجَ أبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أمُّ سُلَيم وَهِيَ أمُّ الصَّبيِّ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إليه العَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ منْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصَّبيَّ فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رسولَ الله فَأخْبَرَهُ، فَقَالَ: «أعَرَّسْتُمُ اللَّيلَةَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا»، فَوَلَدَتْ غُلاماً، فَقَالَ لي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبيَّ ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِتَمَراتٍ فَقَالَ: «أَمَعَهُ شَيءٌ؟» قَالَ: نَعَمْ، تَمَراتٌ، فَأخَذَهَا النَّبيُّ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فِيِّ الصَّبيِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبدَ الله”.[92]
قال النووي: « وهذا السؤال للتعجب من صنيعها وصبرها وسرورا بحسن رضاها بقضاء الله تعالى[93] ” ستفهم النبي من الصحابي استفهاما فيه تعجب من حسن صنيع الزوجة الصابرة بقضاء الله وقدره، وهذا يدعو الزوج إلى الرضا عنها لا إلى الغضب والشكوى منها، ومنه فالتعجب شعور داخلي، تنفعل به النفس حين تستعظم أمرا نادرا لا مثيل له. “
: 12 – التوبيـخ والتقريـع: التوبيخ من وبّخ أي لام وعذل وأنّب «يقال: وبخت فلان بسوء فعله توبيخا،[94] ” والتقريع التأنيب والتعنيف وقيل الإيجاع باللوم، وقرعت الرجل إذا وبخته وعدلته”[95] “والتقريع أشد في اللوم لبلوغه درجة التعنيف والتوبيخ قد يكون أقل من ذلك في الشدة، ويدور معنى (قرع) حول «نزع الشيء وسلبه والضرب وإنزال الأمر الشديد بالمقرع ومنه القارعة علما على يوم القيامة وهي في اللغة: النازلة الشديدة تنزل عليهم بأمر عظيم”.[96]
يكون التوبيخ والتقريع إذا ابتغى السائل بسؤاله إنزال عقاب نفسي بالمخاطب لصدور شيء مشين منه كان الأجدر به أن لا يصدر منه، ويكون التوبيخ إمّا لجعل المخاطب يرتدع عن أمر بدر منه فيستفيد من التوبيخ فيتجنب ذلك الأمر، وبذلك يكون قد استفاد من ذلك التوبيـخ وإما أن يكون قد فات أوان الردع، ولن يستفيد من التوبيخ سوى إنزال العقاب النفسي عليه والتقريع لم يصدر أبدا عن النبي فهو معصوم من هذا وإنما صدر عنه التوبيخ لتعليم الصحابة من أخطائهم، ومن الشواهد على ذلك الحديث النبوي الذي روي فيه أن النبي استعمل ابن اللتبية على صدقات بني سليم، فلما قدم ابن اللتبية إلى رسول الله وحاسبه قال: هذا الذي لكم وهذه هدية أهديت لي، فقام رسول الله على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أَمَا بَعْد فَإِنيّ اسْتَعْمِل الرَجُل مِنْكُم عَلَى العَمَلِ مِمَا وَلاَّنِي الله فَيَأْتِي فَيَقُول: هَذَا لَكُمْ وَهَذِهِ هَدِيَة أُهْدِيَت إِلَيَّ أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ أُمِهِ وَاللهِ لاَ يَأْخُذ أَحَد مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْر حَقِهِ إِلاَّ لَقِيَ الله تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَة فَلاَ أَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُم لَقِيَ الله يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاء أَو بَقَرَة لَهَا خُوَار أَو شَاة تَيْعَر»، ثم رفع يديه حتى رُؤي بياض إبطيه فقال: « اللَّهُم هَل بَلَغْت؟» ثلاثا.[97]
وبخ الرسول في هذا الحديث الصحابي ابن اللتبية موجها من خلاله رسالة إلى جميع الصحابة وإلى من يجيء بعدهم من الناس كافة رسالة مفادها رفض الرشـوة ولو خاطبه الرسول فقال له: (هذا ليس من حقك لأنك لو جلست في بيتك ولم تكن موظفا في جمع الصدقات ما جمعت هذا الذي تقول أنه لك) لما كان فيه أي توبيخ ولكان كلاما طويلا غير مفحم غير أن هذه الصيغة الاستفهامية أوصلت الرسالة بطريقة حالت دون محاولة ابن اللتبية النقاش في الأمر.
5 :13- العتــاب: العتاب أدنى درجات اللوم، ولا يكون إلا بين الأصفياء من أحباب أو أخلاء ومن ذلك قول الشاعر:
أُعاتبُ ذا المودة مِن صَديـقٍ إذا ما رَابـَنِي منْهُ اجـتنـابُ
إذا ذَهَبَ العتابُ فَليــسَ ود ويبـقى الودُّ ما بقِيَ العتـَابُ[98]
يكون مقام العتاب إذا فرط من المعتوب عليه شيء يكرهه العاتب فيعاتبه رغبة في «رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب،[99] فهو بهذا يتضمن إنكار لما بدر من المعتوب عليه ولكن مرجع ذلك إلى العلاقة الوطيدة والخاصة التي بينهما- صداقةً كانت أم حبّاً- وهذا ما يدفع بالعاتب إلى الترفق والتلطف في مقام العتاب والعتاب قد يكون باللفظ الصريح كما في قول الشاعر المذكور سابقا.
وقد يكون العتاب دون ذكر الألفاظ التي تدل عليه وهذا هو الأبلغ والأقوى تأثيرا في المخاطب، ويكون أقوى بلاغة حينما يرد بأسلوب الاستفهام لكون إخراجه بصورة السؤال والجواب يبدو فيه المتكلم أنه في هذا المقام يستفسر فحسب عما بدر من المخاطب ليتفطن إلى الأمر، وهذا فيه من اللباقة والأدب إضافة إلى المحافظة على المشاعر وعدم إحراج الشخص الذي تعاتبه.
وعلى هذا جاء عتابه للصحابة في قوله: «أفلا كنتم آذنتموني؟» والاستفهام هنا جاء بعد سؤاله عن امرأة كانت تُعنَى بأمور المسجد”.[100] في أمور التنظيف افتقدها الرسول فلمّا سأل عن أمرها قيل له إنها ماتت فكان هذا الاستفهام عتابا لهم على تصغيرهم شأنها ثم قال لهم بعد ذلك أن دلوني على قبرها، فدلوه فصلى عليها ثم قال: «إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم”
5: 14 – تحديد المفاهيم وتصحيحها: في بعض المواقف يستدرج الرسول الصحابة ليوقفهم على خطأ فهمهم أو نقصه ويحدد لهم المفاهيم على ضوء الإيمان بالله وبرسوله هذا الإيمان الذي هدم الكثير من الأمور المألوفة المحايدة للحق فيسألهم عن الأشياء المعهودة ويشعر الصحابة أن النبي سيضيف شيئا ولذا هم يحترسون في إجابتهم.
ومن أمثلة ذلك ما ورد عن النبي حين قال للصحابة: « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قالوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال: « ذِكْرُكَ أخَاكَ بِما يَكْرَهُ» فقال رجل: أفَرَأيْتَ إنْ كَانَ في أخِي مَا أقُولُ؟ قال: « إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فقد اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ”[101]
وعن أَبي هريرة أَن رسولَ اللَّه قال: «أَتَدْرُون من الْمُفْلِسُ؟»قالُوا: الْمُفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فقال: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ ويأْتِي وقَدْ شَتَمَ هذا، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ، وهَذا مِن حسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حسناته قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرحَتْ علَيْه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ”[102]
أراد الرسول في هذا الحديث أن يقدّم للمفلس مفهوما جديدا معنويا وليس ماديا أما الصحابة فقد احترسوا في الجواب بقولهم: (المفلس فينا) وكأنّهم أدركوا أنّ النبي سيعطي مدلولا للفظ غير ما يعهدونه.
يقول محمد الغزالي في هذا المفلس إنّه كالتاجر الذي “يملك في محله بضائع بألف وعليه ديون قدرها ألفان، وكيف يُعدّ هذا المسكين غنيا؟.. والمتدين الذي يباشر بعض العبادات، ويبقى بعدها بادي الشر، كالح الوجه قريب العدوان، كيف يُحسَب امرأ تقيا”.[103]
ومن ذلك أيضا الحديث الذي رواه أَنسٍ قال: دَخَلَ النَّبِيُّ الْمسْجِدَ فَإِذَا حبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فقالَ: «ما هَذَا الْحبْلُ؟»، قالُوا: هَذا حبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَترَتْ تَعَلَقَتْ بِهِ، فقال النَّبِيُّ : «حُلّوهُ، لِيُصَلِّ أَحدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذا فَترَ فَلْيرْقُدْ”[104]
يريد النبي من هذا الحديث تعليم الصحابة وتعليمنا الاقتصاد في الطاعة حتى لا تنقطع لأن عبادة الله ليست بالكم والكثرة وإنما بالكيفية التي نعبد بها الله ونطيعه ونتبع أوامره كما أراد لنا على منهج الرسول وفي هذا قال الحافظ ابن حجر: «وفي هذا حث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق فيها”.[105]
نلاحظ من خلال قراءتنا الأحاديث النبوية أن الرسول كان يستعين في تعليم الصحابة وتوجيههم وإرشادهم بما يطرأ من أحداث، أو بما يمر بهم من مواقف عملية في الحياة اليومية فيتخذ منها أمثلة واقعية يستمد منها العبرة والحكمة التي يريد أن يوصلها إليهم، ولا شك أنّ هذا الأسلوب في التعليم أشد وقعا، وأعمق أثرا في النفس من مجرّد النصيحة أو الموعظة التي تحدث دون أن تصاحبها مواقف عملية معينة تلفت النظر وتشد الانتباه.
5: 15- التلطّف والإيناس: يريد المتكلم أن يؤانس من يخاطبه، فيطرح عليه أسئلة يجره بها إلى المحادثة، مع أن المتكلم عالم بجواب أسئلته، وكثيرا ما يرد أسلوب الاستفهام في الحديث النبوي إيناسا للمخاطب وتلطفا معه، وتسكينا لنفسه، وإراحة لصدره، في مقام يكون فيه المخاطب بحاجة إلى مواساة ومثال ذلك ما ورد عن عائشة (رضي اللَّه عنْهُا)في حديثها عن فاطمة (رضي اللَّه عنْهُا)حينما جاءت أباها فأسر لها أمرا فبكت، ثم أسر لها الثانية فضحكت، فسألتها عائشة(رضي اللَّه عنْهُا)عن سبب بكائها في المرة الأولى وضحكها في المرة الثانية فأبت أن تخبرها،فلما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى سألتها عائشة (رضي اللَّه عنْهُا) عن سبب بكائها وضحكها فقالتْ (رضي اللَّه عنْهُا): أمَّا الآن فَنَعَمْ أمَّا حِيْنَ سَارَّنِي في المَرَّةِ الأُولَى فأخْبَرَنِي أنّ جِبْريلَ كَانَ يُعَارِضُهُ القُرآنَ في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَأنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ، وَإنِّي لا أُرَى الأجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأيْتِ فَلَمَّا رَأى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ أمَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤُمِنِينَ، أَوْ سَيَّدَةَ نِساءِ هذِهِ الأُمَّةِ؟» فَضَحِكتُ ضَحِكِي الَّذِي رَأيْتِ”.[106]
ويرد أسلوب النداء مع أسلوب الاستفهام بغرض الإيناس، فالرسول استعمل هذا الأسلوب ليسلي عن فاطمة (رضي اللَّه عنْهُا) وهذا ما فعله مع أم المسيّب حين عادها في مرضها فقد ورد عن جابر أن رسول الله دخَلَ على أُمِّ السَّائبِ، أَوْ أُمِّ المُسَيَّبِ فقَالَ: «مَالَكِ يا أُمَّ السَّائبِ أَوْ يَا أُمِّ المُسيَّبِ تُزَفْزِفينَ؟» قَالَتْ: الحُمَّى لا بارَكَ اللَّه فِيهَا، فَقَالَ: «لا تَسُبِّي الحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايا بَني آدم، كَما يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبثَ الحدِيدِ.”[107]
5: 16- الاستبعاد: وهو نمـط بلاغي للاستفهام المجازي يوضح فيه المتكلم أن حدوث أمرٍ ما يكاد يكون متخيلاً أو مستحيلاً، وقد يجتمع الاستبعاد والتعجب في الاستفهام المجازي كما في قوله : ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُـوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيـبٌ﴾ [هود: 72]، وهو «استبعاد من حيث أنَّ الله أجرى الولادة في صغيرات السن من النساء وفي الشباب لذلك استبعدت ولادتها وتعجبت لشأن ذلك الاستبعاد”.[108]
ومن المعاني التي يأتي من أجلها الاستفهام في البيان النبوي تصوير بُعدَ المستفهم عنه أن تصل إليه القدرة وإخراجه هذا الإخراج أتم تقريرا للبعد من مجرد الخبر.
فعن أبي سعيد الخدري قال: قَالَ رَسُول الله : «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإذْنَ مَتَى يُؤمَرُ بالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ » فَكَأنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلَى أصْحَابِ رسولِ الله فَقَالَ لَهُمْ: « قُولُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ”.[109]
ومثل ذلك أيضا ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «يَا أَيُّهَا النَّاس إِنَّ الله تَعَالَى طَيّب لا يَقْبلُ إلاَّ طَيِّباَ وإِنَّ الله تَعَالَى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: الآية 51] وقال : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾[البقرة: الآية 172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعث أغبر يمد يَدَهُ إِلىَ السَّمَاءِ: يارب يارب ومَطْعَمَهُ حَرَام ومَشْرَبَهُ حَرَامْ ومَلْبَسَهُ حَرَام وُغُذِّيَ بِالحْـرَام فَأَنَّى يُسْتَجَاب لِذَلِك؟”[110] أي أستبعد حدوث الاستجابة.
: 17- تنشيط الذهن: تنشيط ذهن السامع ونفي الرتابة عن النص من مزايا أسلوب الاستفهام، وهو بذلك يندرج ضمن الالتفات بمعناه العام، ومعنى الالتفات في مصطلح علماء البلاغة هو العدول من أسلوب في الكلام إلى أسلوب آخر مخالف للأول، ولهذا العدول أثر في إحضار المتلقي وإشراكه، لأن الكلام إذا ما نقل من أسلوب إلى أسلوب، كان له أثر في إيقاظ السامع، ومنشطا لذهنه.
ورد الاستفهام لهذا الغرض في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل قال: بينا أنا رديف النبي ليس بيني وبينه إلا أَخِرَة الرَّحلِ فقال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: «يا معاذ بن جبل»، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «هل تدري ما حق الله على عباده؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا»، ثم سار ساعة، ثم قال: «يا معاذ بن جبل»، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال:«حق العباد على الله أن لا يعذبهم.”[111]
لما كان العلم الذي يريد النبي أن يخبر به معاذ يحتاج إلى تنبه واهتمام جاء على صيغة الحوار ليكون معاذ أكمل استعدادا واشتياقا لتلقي الخبر والاهتمام به، فقدم النبي لذلك نداء معاذ مرّتين لتأكيد الاهتمام بما يخبره به، فيبالغ في تفهمه وضبطه، وقد ورد النداء في القرآن الكريم لأغراض كثيرة، وفي هذا يقول الزمخشري: «كل ما نادى الله له عباده من أوامره ونواهيه وعظاته وزواجره ووعيده واقتصاص من أخبار الأمم الدارجة عليهم وغير ذلك مما أنطق به كتابه أمور عظام وخطوب جسام ومعان عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم إليها.[112]
“وقد استعمل الرسول أسلوب النداء، والنداء هو طلب إقبال المنادى بحرف من حروف النداء، وحروفه: (يا) للبعيد والقريب، وهي أكثر حروف النداء استعمالا، ولا يقدر عند الحذف سواها، ولذا عدها النحاة أم الباب، وأصل حروف النداء، ولم يرد في القرآن من حروف النداء إلا هي ونودي بها للبعيد والقريب، (والهمزة وأي) للقريب و(آ، وأي، وأيا وهيا، وا) للبعيد وتختص (وا) بالندبة، وقد تستعمل للنداء المحض[113]، والأصل في الخطاب أن يبدأ المتكلم بالنداء تنبيها للمخاطب أن يصغي إليه، خاصة إذا كان أمرا ذا بال ولذا غلب أن يلي النداء أمر أو نهي أو استفهام أو إخبار بحكم يخص المخاطب.
5: 18 – الإخبار والتحقيق: يُستعمل الاستفهام أسلوبا من أساليب الإخبار، وهو يدخل في طريقة الإعلام غير المباشر فالإخبار هو الإعلام بالشيء، ويستعمل لإثبات أمر ما، لذا ارتبط بالتحقيق في أسلوب الاستفهام لأنه يتجه إلى إطلاع السامع أو تثبيت خبر لديه، أو أنه يرمي إلى كليهما معاً كقوله :﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ [الشعراء: 18] والمعنى (إننا قد ربيناك فينا وليداً).[114]
وكما يستعمل فيه غالباً (همزة الاستفهام)، كما ورد في المثال السابق فكذلك يستعمل فيه (هل) كما في قوله:﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾[الإنسان:1] والمعنى (قد أتى على الإنسان).[115] ومن استعمالها مع النفي قوله I: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾(القيامة: 40)
وقد كثر الاستفهام المتعلق بالإخبار في أحاديث الرسول ، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّه قال: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعاً، هَل تَنْتَظِرُونَ إلاَّ فَقْراً مُنْسِياً أَو غِنَى مُطغِياً أَوْ مَرَضاً مُفسِداً، أو هَرَماً مُفَنِّداً، أَو مَوتاً مُجْهزِاً، أَو الدَّجَّالَ، فَشَرُّ غَائِب يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وأَمَرّ”.[116]
ونجد هذا الغرض متضمن في الحديث الذي رواه ابن عمر أنَّ رسول الله عاد سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَمَعَهُ عَبدُ الرَّحْمانِ بْنُ عَوفٍ، وَسَعدُ بْنُ أَبي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَبَكَى رسولُ الله ، فَلَمَّا رَأى القَوْمُ بُكَاءَ رسولِ الله بَكَوْا، فَقَالَ: «ألاَ تَسْمَعُونَ؟ إنَّ الله لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَينِ، وَلاَ بِحُزنِ القَلبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهذَا أَوْ يَرْحَمُ» وَأشَارَ إِلَى لِسَانِهِ.[117]
جعل الرسول من أسلوب الاستفهام وسيلة ناجحة وفاعلة في ذكر الكثير من الأخبار التي تهم المسلمين في دينهم ودنياهم في شتى الأغراض، والسرّ في ذلك أنّ الخبر إذا ذكر من خلال أسلوب الاستفهام، فإنّه يستقر في الأعماق، ويرسخ في الأذهان، ويؤثر في المخاطب تأثيرا بالغا، إذ يجعل الاستفهام من المخاطب طرفا فاعلا في القضية المطروحة وفي الخبر المذكور وفي ذلك دلالة على أن المتكلم ضن بهذا الخبر، لأهميته لديه، ولذلك فهو لا يريد أن يذكر هذا الخبر ذكرا عابرا، فيذكره من خلال أسلوب الاستفهام.
من خلال هذا التحليل المبسط لهذه النماذج من الأحاديث النبوية يمكننا أن نستخلص مجموعة من النتائج وهي كالآتي:
- وجدنا أنّ أسلوب الاستفهام يألف كثيرا الأساليب الإنشائية الأخرى كالنداء والأمر والنهي ولكن أكثر ما يصحب الاستفهام منها ويأتي معه في سياق واحد هو أسلوب النداء، كما نجده يرد مع أسلوب التكرار، وهذا يجعله أسلوبا مرنا يألف سائر الأساليب الكلامية الأخرى.
- عمل الرسول على ابتكار أساليب تواصلية فعالة، حيث نجده ينوع هذه الأساليب بحسب المقام والسياق، مما يجعله يتجاوب مع النفس البشرية في أبعادها المختلفة والمتنوعة فمرة يخاطب في هذا السياق العقل، ويرشده إلى إعمال الفكر والنظر، والتفكر في الخلق واستنباط السنن الكونية، ومرة يخاطب فيه الروح بأشواقها وتطلعاتها، وآمالها وآلامها، ومرة يرشده إلى الاستدلال المنطقي، ومرة يفتح عينيه على البديهيات وغيرها من الأساليب مما جعل من الأحاديث النبوية منظومة تواصلية بالغة التأثير في المتلقي .
- تفاوتت المعاني البلاغية لأسلوب الاستفهام في رياض الصالحين من حيث الكثرة والقلّة فثمة معان كثر ورودها في المدوّنة ومنها: التشويق، والتقرير، والإنكار، والحث والتعريض والنفي، وثم معان قلّ ورودها في المدوّنة ومن هذه المعاني: الاستبعاد وهناك معان لم ترد في المدونة ومنها: التحقير والتكثير.
- خلا كلام الرسول من الاستفهام الإنكاري التكذيبي، فشواهد الإنكار كلها من الإنكار التوبيخي، ولعل السرّ في ذلك أنّ إنكاره أصحابه إنما كان تعبيرا عن غضبه أو عدم رضاه عن سلوك صدر منهم، ما كان ينبغي أن يكون، وعلى ذلك فقصارى هذا الإنكار لا يعدو أن يكون توبيخا، ولم يبلغ بهم الحال على أن يأتوا من الأفعال، فينكر عليهم بسببها إنكارا إبطاليا تكذيبيا.
قمنا في هذا الفصل بدراسة بلاغية للأغراض المجازية التي يخرج إليها أسلوب الاستفهام وحاولنا من خلاله الوصول إلى الإجابة عن سؤال مهم وهو: ما الجانب الذي نال اهتمام أكثر من طرف هذه الدراسة البلاغية لأسلوب الاستفهام؟ ووجدنا أن البلاغة اهتمت بجميع أقطاب العملية التواصلية من متكلم ومخاطَب والرسالة المراد إيصالها إلى المخاطَب.
(الأستاذة: ناغش عيدة ، أستاذة مؤقتة بجامعة محمد بوﭬرة بومرداس)
الهوامش
[1] مصطفى أحمد المراغي، علوم البلاغة، البيان والمعاني والبديع، ط1. لبنان: 1402 هـ-1982م، دار الكتب العلمية، بيروت، ص ص7- 8.
[2] محمد بن عبد الله بن مسلم ابن قتيبة، أدب الكاتب، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، ط4. مصر: 1382هـ-1963م، مطبعة السعادة، ص4.
[3] الحسين بن أحمد بن خالويه، الحجة في القراءات السبع، تح: عبد العال سالم مكرم، ط6. بيروت: 1417هـ- 1996م، مؤسسة الرسالة، ص327، ص328.
[4] علي بن عيسى الرماني، النكت في إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن. تح: محمد خـل الله ومحمد زغلول سلام، د ط. مصر: 1387هـ- 1968م. دار المعارف، ص98.
[5] أبو هلال العسكري، الصناعتين، الكتابة والشعر، تح: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، د ط. القاهرة: د ت، عيسى البابي الحلبي، ص450.
[6] أحمد ابن زكريا ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تح: محمد الشويمي، د ط. بيروت: 1383هـ- 1964م، مؤسسة بدران للطباعة والنشر الصاحبي في فقه اللغة، ص289.
[7] المصدر نفسه، ص292.
[8] عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز. ص111.
[9] يوسف بن محمد بن علي السكاكي، مفتاح العلوم، تح: عبد الحميد هنداوي، د ط. بيروت: 1420هـ- 2000م، دار الكتب العلمية ، ص418، ص427.
[10] المصدر نفسه، ص 308 وما بعدها.
[11] جلال الدين محمد بن سعد بن عبد الرحمن القزويني، الإيضاح، د ط. لبنان: د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1 ص234.
* وهذه المعاني هي: الاستبطاء، التعجب، التنبيه على الضلال، الوعيد، الأمر، التقرير، الإنكار، التهكم والاستبعاد والتحقير.
[12] يحي بن حمزة العلوي، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وحقائق الإعجاز، د ط. مصر: 1914م، مطبعة المقتطف ص286.
[13] بهاء الدين السبكي، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، ط4. لبنان: 1412هـ- 1992 م، دار البيان العربي ودار الهادي بيروت، ج1، ص423.
[14] عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، تح: عبد السلام هارون، مصر: 1397هـ- 1977م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص261.
[15] فضل حسن عباس، البلاغة العربية فنونها وأفنانها، ط2. الأردن: 1409هـ- 1989م، دار الفرقان، ص173.
[16] – عبده عبد العزيز قليقلة، البلاغة الاصطلاحية، ط3. القاهرة: 1992م، دار الفكر، ص163.
[17] عبده عبد العزيز قليقلة، البلاغة الاصطلاحية، ص169.
[18] المرجع نفسه، ص160.
[19] أحمد الحملاوي، شذا العرف في فن الصرف، د ط. بيروت: د ت، المكتبة الثقافية، ص44.
[20] عبد المتعال الصعيدي، بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، د ط. 1999م- 1420هـ، مكتبة الآداب ج2، ص38.
[21] سعد الدين التفتزاني، المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم، تح: عبد الحميد الهنداوي، ط1. بيروت: 1422هـ- 2001م، دار الكتب العلمية، ص419.
[22] المصدر نفسه، مقدمة الكتاب.
[23] محمد أبو موسى، البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسات البلاغية، ط2. القاهرة: 1988م مكتبة وهبة، ص365.
[24] المرجع نفسه، ص365.
[25] بد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص ص110، 120.
[26] بسيوني عبد الفتاح فيود، دراسات بلاغية، ط1. مصر: 1419ﮬ- 1998م، مؤسسة المختار للنشر، ص60.
[27] الجرجاني، ركن الدين محمد بن علي، الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة، تح: ابراهيم شمس الدين، ط1. بيروت: 1423 ﮬ- 2002م، دار الكتب العلمية، ص96.
[28] محمد أبو موسى، دلالات التراكيب، ص248، وما بعدها.
[29] الزمخشري، الكشاف، ج1، ص277 .
[30] المصدر نفسه، ج1، ص269.
[31] لجرجاني، دلائل الإعجاز، ص112، ص 120.
[32] الزمخشري، الكشَاف، ج2، ص503.
*لم يفرد الزمخشري، فصلا للاستفهام في كتابه الكشاف، إنّما جاء موزّعا حسب وروده في الآيات القرآنية.
[33] بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ط3. القاهرة: 1980م، دار الفكر للطباعة والنشر ، ج2، ص ص341، 351.
[34] أبو الفضل جمال الدين ابن مكرم ابن منظور، لسان العرب، تح: أمين محمد عبد الوهاب ومحمد صادق العبيدي، ط3. بيروت: د ت، دار إحياء التراث العربي ، مادة (قرر).
[35] الأزهر الزناد، دروس في البلاغة العربية نحو رؤية جديدة، ط1. الدار البيضاء: 1992م، المركز الثقافي العربي ص112.
[36] أبو زكريا محي الدين يحي بن شرف النووي، رياض الصالحين، تح: أبو عبد الرحمن عادل ابن سعد، د ط. باب الواد الجزائر: د ت، دار الرشيد للكتاب ، ص165.
*– قوله كَنَفَتَيْهِ أيْ: عن جانبيه، وَالأَسَكُّ: الصغير الأذُن.
[37] رياض الصالحين، ص143.
[38] المصدر نفسه، ص275.
[39] رياض الصالحين، ص45.
[40] المصدر نفسه، ص ص17-18.
[41] ابن منظور، لسان العرب، مادة (حثث).
[42] رياض الصالحين، ص295.
[43] رياض الصالحين، ص403
[44] ابن علي ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ط2. بيروت: 1997م، دار الكتب العلمية ، ج3، ص 175.
[45] رياض الصالحين، ص282.
[46] ابن منظور، لسان العرب، مادة (ثور).
[47] المصدر نفسه، مادة (شوق).
[48] رياض الصالحين، ص273.
[49] المصدر نفسه، ص131.
[50] رياض الصالحين، ص134.
[51] المصدر نفسه، ص 171
[52] الأزهر الزناد، دروس في البلاغة العربية نحو رؤية جديدة، ط1. الدار البيضاء: 1992م المركز الثقافي العربي، ص117.
[53] رياض الصالحين، ص423.
[54] المصدر نفسه، ص415.
[55] بسيوني عبد الفتاح فيود، علم المعاني، د ط. القاهرة: د ت، مكتبة وهبة، ج2، ص127.
[56] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 114، ص119.
[57] جمال الدين بن هشام الأنصاري، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تح: مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، ط5. بيروت: 1979م، دار الفكر ، ج1، ص25.
[58]الزمخشري، الكشاف، ج1، ص24.
[59] رياض الصالحين، ص27.
[60] المصدر نفسه، ص385.
[61] نفسه، ص 176.
[62] ابن حجر، فتح الباري، ج2، ص197.
[63] رياض الصالحين، ص123
[64] ابن حجر، فتح الباري، ج12، ص ص240-241.
[65] رياض الصالحين، ص188.
[66] ابن حجر، فتح الباري، ج1، ص94
[67] المصدر نفسه، ج12، ص112.
[68] رياض الصالحين، ص86.
[69] ابن حجر، فتح الباري، ج2، ص197
[70] رياض الصالحين، ص429.
[71] أبو زكريا محي الدين يحي بن شرف النووي، المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج ط1. عمان: 2002 م، دار ابن حزم ، ج7، ص246.
[72] ابن منظور، لسان العرب، مادة (نفى).
[73] عبد العزيز عبد المعطي عرفة، من بلاغة النظم العربي، دراسة تحليلية لمسائل المعاني، ط2. بيروت: 1405هـ- 1984م عالم الكتب، ص124.
[74] الزمخشري، الكشاف، ج1، ص385، ص 384.
[75] رياض الصالحين، ص275.
* قوله: (سراته): أيْ: سِنَامَهُ. قَوْله ( ذِفْرَاهُ ): هُوَ بكسر الذال المعجمة وإسكان الفاءِ، وَهُوَ لفظ مفرد مؤنث.
[76] قَالَ أهل اللغة: الذِّفْرى: الموضع الَّذِي يَعْرَقُ مِن البَعِيرِ خَلف الأُذُنِ، وَقوله: ( تُدْئِبهُ) أيْ: تتعِبه.
[77] رياض الصالحين، ص259.
[78] المصدر نفسه، ص 205.
[79] نفسه، ص269.
[80] قطبي الطاهر، الاستفهام البلاغي، ط2. الجزائر: 1992م، ديوان المطبوعات الجامعية، ص64.
[81] ابن منظور، لسان العرب، مادة (درج).
[82] رياض الصالحين، ص421.
[83] جلال الدين السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ط1. مصر: 1979م، المطبعة الأزهرية ، ج2، ص79.
[84] رياض الصالحين، ص104
[85] ابن منظور، لسان العرب، مادة (درك).
[86] المصدر نفسه.
[87] رياض الصالحين، ص322.
[88] يحي بن شرف النووي، المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج، ط1. عمان: 2002م، دار ابن حزم، ج7، ص30.
[89] ابن منظور، اللسان، مادة (عجب).
[90] المصدر نفسه.
[91] الأزهر الزناد، دروس في البلاغة العربية، ص114.
[92] رياض الصالحين، ص27.
[93] النووي، المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج، ص 234.
[94] ابن منظور، اللسان، مادة (وبّخ).
[95] المصدر نفسه، مادة (قرع).
[96] المصدر نفسه.
[97] رياض الصالحين، ص78.
[98] أوردهما ابن منظور في لسان العرب، مادة (عتب).
[99] ابن منظور، لسان العرب، مادة (عتب).
[100] هناك شك من الراوي إن كان هذا الحديث عن امرأة أم عن شاب.
[101] رياض الصالحين، ص367.
[102] رياض الصالحين، ص80.
[103] محمد الغزالي، خُلق المسلم، ط 15. د ت، مكتبة رحاب، ص12.
[104] رياض الصالحين، ص56.
[105] ابن حجر، فتح الباري، ج3، ص37.
[106] رياض الصالحين، ص197.
[107] رياض الصالحين، ص414.
[108] الزمخشري، الكشاف، ج2، ص281
[109] رياض الصالحين، ص128.
[110] رياض الصالحين، ص442.
[111] رياض الصالحين، ص131.
[112] لزمخشري، الكشاف، ج1، ص96.
[113] قيس اسماعيل الأوسي، أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين، د ط. بغداد: 1988م بيت ا
لحكمة للنشر والتوزيع ، ص224.
[114] الزمخشري، الكشاف، ج1، ص180.
[115] المرجع نفسه، ص194.
[116] رياض الصالحين، ص183.
[117] نفسه، ص249.