إنتاج الفعل اللغويّ بين توليدية تشومسكي وإنجازية أوستين

 أ.فاتح زيوان و فضيلة فاسخ  

تمهيد:

لقد دعت الضرورة في البحث اللغوي المعاصر إلى تبني نظريات جديدة تتماشى والتطـورات المعلومية والتكنولوجية ، وذلك نظرا للتَّداخل الحاصل بين مختلف حقول المعرفة، مُنتجا بذلك مناهج بحثٍ تفاعلت مع الظاهرة اللغوية لتُباين وظائفها التواصلية.ولا يظهر دور اللغة في التواصل إلا باستعمالها الذي تتنوّع فيه الآليات وتتباين من خلاله المعارف والخبرات، ومن ثَمّ فإنه يمثل في الحقيقة جدلية بين الثابت والمتغير، يكتسب فيها ثابت النظام حركية فعل التواصل، لينتج أفعالا وسلوكات لغوية تؤدي إلى تغيير الواقع.وبين النظام والتواصل، ظهرت تلك النظريات لتفارق العلاقة التي تربط بينهما من بينها ما قدمه الفيلسوف الألماني جون أوسنين(John Austin) ونظريته في أفعال اللغة، والتنظير التوليدي التحويلي لمؤسسه نوام تشومسكي(Noam Choamsky)،خاصة ما قدّمه في أبحاثه الأخيرة عن البرنامج الأدنوي،وتساؤُل أوستين: كيف ننجز أفعالا بالكلمات؟ فيه من التقابل ما يجعل الكلمة أداة تحقّق الاستعمال والفعل غايته، وبين الغاية والوسيلة مسافة، كلما تناقصت إلى حدّها الأدنى كان التواصل بها ناجحا. لأجل ذلك سنعرض في هذه الدراسة: قراءة لأهم المصطلحات التي شكلت موضوعنا، ثم الأسس الفلسفية للنظريتين ؛ ثم نوضح في الأخير تفسير استعمال كلّ من تشومسكي وأوستين للغة.

أولا- قراءة في دلالات المصطلحات: -الإنتاج/الإنجاز:PRODUCTION/Performance

1.    الإنتاجPRODUCTION  

انتقل مفهوم الإنتاج من دلالته الأصلية في مجال الاقتصاد إلى دلالته في مجال اللغة على توليد الكلام وهو في اللغة يدل على التوليد؛ حيث جاء في مقاييس اللغة لابن فارس (ت395هـ) “نَتَجَ: النون والتاء والجيم كلمة واحدة: النِّتَاج، ونُتِجَت الناقة، وننتجها أهلها، وفرس نَتُوج استبيان نِتَاجها”(1).أما في لسان العرب: “النِّتَاج في جميع الدواب، والولود في الغنم،… يقال نُتِجَت الناقة أُنْتِجُهَا: إذا وليت نِتَاَجها، فأنا نَاتِجٌ وهي مَنْتُوجَة…التهذيب عن الليث لا يقال نَتَجَت الشاة إلا أن يكون إنسان يلي نِتَاجَهَا، ونَتَجت الناقة أُنْتِجُها: إذا ولدتها…وأما أَنْتَجَت فمعناه: إذا حملت وحان نِتَاجُها…”(2). نستنتج من ذلك أن كُلّا من النتاج والإنتاج يأخذ معنى واحدا هو التوليد. وأن عملية الإنتاج تتطلب طرفين منتجا ومتلقيا.

وفي الاصطلاح: هو مصطلح يستعمل في إطار النشاطات الإنسانية للدلالة على العملية التي من خلالها، يحوِّل الإنسان الطبيعة والأشياء(3).أما دلالته في مجال اللغة فهو: “عملية توليد أو إنتاج مقولة بواسطة القواعد النحوية للغة ما”(4).وهو لصيق بالإنتاجية التي هي: “ظروف إنتاج الدلالة، وحملها على الدال المتواضع عليه بتسويقه فيما بعد عند كل عملية إبلاغ يُخير بحمل دلالة قيمية ووظيفة متعلقة بالمدلول المتواضع عليه في بيئة إنتاجه”(5).ما يمكن أن نفهمه من هذه التعريفات هو أن الإنتاج : سلوك إنساني يسعى به إلى تغيير الأشياء من حوله، وإعطائها قيمة نفعية، وهو في اللسانيات: القدرة على توليد الكلام، أما الإنتاجية فربطت فعل الإنتاج بالعملية التواصلية التي تتطلب مراعاة ظروف ومقام الإنتاج والكيفية التي يتم من خلالها استعمال اللغة، وبذلك نخلص إلى أن ظروف الإنتاج نحدد استعمالنا للغة،وأنّه فعل تبدلي مستمر.

 2.     الإنجاز(performance)

جاء في مقاييس اللغة: “نَجَزَ: النون والجيم والزاي: أصل صحيح يدل على شيء في عجلة من غير بطء، يقال: نَجَزَ الوعد يَنْجُزُ، وأَنْجَزْتُهُ أنا: أعجلته…وأعطيته ما عندي حتى نَجَزَ آخره أي: وصل إليه آخره، وبِعه ناجِزا بتَاجِز كقولهم يدا بيدٍ: تعجيل بتعجيل، والمُناجزة في العرب أن يتبادر الفارسان أي يعجلان القتال ولا يتوقفان”(6). وفي اللسان لابن منظور “نَجَزَ، نَجِزَ ونَجُزَ الكلام: انقطع، ونَجَزَ الوعد يَنْجُزُ نَجْزا: حضر…قال ابن السكيت: كأن نَجَزَ فنى وانقضى…وقد أَنْجَزَ الوعد ووعد نَاجِزٌ ونَجِيزٌ وأَنْجَزْتُهُ أنا، ونَجِزْتُ به، وإِنْجَازُكَهُ: وفاؤك به…ونَجَزَ الحاجة وأَنْجَزَهَا: قضاها، ولأُنْجِزَتّكَ نَجِيَزَتَكَ أي:لأجزينك جزائك، والمُناجزة في القتال: المبارزة…وقال أبو المقدام السلمى:أَنْجَزَ عليه وأوجز عليه وأجهز عليه بمعنى واحد”(7). إذن فالدلالة اللغوية للإنجاز تأخذ عدة معاني منها: الاستعجال، الانتهاء، الانقطاع، قضاء الحاجة، المواجهة بين طرفين، الجزاء، الإيجاز.

واصطلاحا، وبالأخص في اللسانيات التوليدية حدٌ للثنائية ملكة/ إنجاز، إذ تعبِّر الملكة عند تشومسكي عن معرفة المتكلم، السامع المثالي بالقواعد الضمنية للغته، بينما يمثِّل الإنجاز التجسيد الفعلي لتلك القدرات الذهنية في سياق محدّد فهو يؤكد أن: “…البحث في الاستعمال اللغوي الفعلي يجب أن يتنّبه إلى التأثير المتبادل لعدد من العوامل، لا تمثِّل الكفاءة الأساسية للمتكلم السامع إلا واحدا منها”(8).والانجاز بذلك هو فعل استعمال الملكة اللغوية لكن بشروط ومؤثرات خارجة عن نطاق اللغة، تحدد تلك الاستعمالات.

والإنجاز يوافق الكلام عند ف دو سوسور (1857-1913) حيث يرى أن: الكلام مجموع ما يقوله الأفراد، يتضمن النشاطات الفردية الخاضعة لرغبة المتكلم، والأفعال الصوتية التي تخضع هي الأخرى لإرادة المتكلم، وهذه الأفعال لابد منها لتحقيق تلك النشاطات(9)،وعليه فإن دو سوسور يؤكد على أن الكلام هو إنجاز فعل يخضع لقصدية المتكلم، والتي لا يمكن تحققها إلا من خلال فعل القول الذي تتنوع فيه استعمالات اللغة. أما جون سورل (juan Searle)فيذهب إلى أن التكلُّم هو سلوك مقصود تضبطه قواعد وقوانين، وأن هذا السلوك يتمثّل بإنجاز أفعال لغوية وفق القواعد التي تحكم استعمال تلك العناصر(10). وبذلك فالإنجاز هو: مجموعة أفعال محكومة بقوانين يريد بها المتكلم تحقيق مقاصده وهذا ما يتوافق مع مفهوم دو سوسير للكلام. وعليه فالإنجاز؛ فعل موجز ومُكثَّف يضمُّ أفعالا قصديّة تؤدي إلى استمرار العملية التواصلية، والعلاقة بين الإنتاج والإنجاز هي علاقة تضمُّن، إذ أن الإنتاج اللغوي يتضمن تركيبة أفعال مُنجزة يوظف فيها المتكلم قدراته الذهنية ومعارفه لتحقيق أغراضه التواصلية.

    الفعل اللغويّ/استعمال اللغة Acte de Langage/Emploi de Langage 

الفعل اللغوي : يعد الفعل اللغوي المكوِّن الأساسي لنظرية لغوية، كانت فاعلة في توجيه البحث اللساني ومتفاعلة مع غيرها من النظريات، أرسى دعائمها الفيلسوف الانجليزي جون أوستن ثم طورها من بعده ج سيرل، وهو فعل ينخرط في شبكة من المفاهيم التي تضمن تحقُّقه وإنجازه،فيعرفه مانغنو بأنه: “الوحدة الصغرى التي بفضلها تُحقق اللغة فِعلا بعينه (أمر، طلب، تصريح، وعد،…) غايته تغيير حال المتخاطبين”(11). ومنه ميز أوستين بين ثلاثة أنواع من الأفعال في الحدث الكلامي: -الفعل القوليّ أو العبارة: وهي التمثيل المادي لسنن اللغة الداخلي.

·         الفعل اللاقولي أو اللاعبارة: وهو تأويل العبارة في سياق تلفُّظها.

·         فعل التأثير بالقول (أثر العبارة): ويتمثل في ردود أفعال المتخاطبين(12).

وفي ذات السياق يتطرق بول ريكور (Paul Ricoeur) لفعل الخطاب، ويرى أنه يقوم حسب أوستين وسيرل “على تراتبية أفعال تابعة، موزعة على مستويات ثلاثة: مستوى الفعل التعبيري أو الافتراضي، ومستوى الفعل اللاتعبيري، ومستوى الفعل التعبيري المولَّد”(13)،وبالتالي فإن فعل اللغة هو فعل منجز في إطار التواصل يتصف بأنه: يحمل ضِمنيا قصدية المتكلم والقدرة على تغيير الواقع،وهو ثلاثي الأبعاد: بعد قولي وبعد إنجازي وبعد تأثيريكما أن أساسه الفعل القولي الذي يتضمن بقية الأفعال ،إضافة إلى أنه فعل مولَّد من عدد محدود من الأصوات  المشكلة في تراكيب ذات معنى لُينتج عددا لا نهائيا من الأفعال اللغوية في أثناء التواصل.

فقولنا مثلا: “افتح الباب” يمثل حسب أوستين فعلا لغويا يحمل قصدا ينوي به المتلفظ تغيير حال متلقيه، فهو  فعل مكون من ثلاثة أفعال: -فعل القول: هو ما صدر من أصوات مادية شكلت تركيبا إسناديا مكون من الفعل (فتح) مسندا إلى فاعل(أنت) ومفعول (الباب)، وهو يحمل دلالة معنية.

الفعل الإنجازي: وذلك أن هذا القول جاء فعله بصيغة الأمر(افتح)الذي تضمّن قوة إنجازية تؤثر في المتلقي.

الفعل التأثيري: هو رد فعل المتلقي إزاء هذا القول بعد تأويله، فقد يفهم على أنه أمرا لكنه يضمر أفعالا أخرى ناتجة عنه، متعلقة بالمتلقي كالخوف، التحذير، التهديد.

وإجمالا لما سبق يمكننا القول بأن: الفعل اللغوي هو عملية إنتاجية، متزامنة ومستمرة لملفوظات منجزة في سياق اتصالي معين، وهو إجراء استعمال قصدي واختياري للغة، يخص المخاطِب الذي يريد التأثير في متلقيه، في ظل شروط سياقية تؤمنها المعرفة المشتركة بينهما.

استعمال اللغة:

تتجاوز اللغة بطبيعتها الترميزية تلك الأهداف الظاهرة -كتحقيق التواصل مع الآخرين والوصول لأغراض معينة- إلى إنجاز أفعال تخرج بها من دائرة الثوابت إلى نطاق التغير والحركية المستمرة، وذلك لن يحدث إلا من خلال فعل الاستعمال الذي يعطي للرموز اللغوية قيمتها، هذه القيمة تتغير بتغير السياقات، واستعمال اللغة بذلك “هو توظيف العناصر اللغوية والمعجمية أو الجمل بمختلف أنواعها في الكلام المنطوق أو المكتوب، ويطلق أيضا هذا المصطلح على الكلمة الواحدة التي تحمل دلالات مختلفة تبعا لاختلاف السياق الواردة فيه”(14). أي أنه يعني الطرق والإستراتيجيات التي هي:”محاولة التكيف مع عناصر السياق المحيطة بالفعل”(15) حيث يتم توظيف عناصر اللغة عن طريق اختيار ما يناسب استعمالها أثناء عملية التلفظ بالخطاب. بمنظور فلسفي يميز: ل. فتجنشتاين (L.Wittgenstein) (1889-1951) بين نوعين من استعمال اللغة: استعمال نظمي لا تكون فيه الأسماء دالة على الأشياء إلا إذا استعملت في قضايا أولية، مرتبة ترتيبا منطقيا، واستعمال اجتماعي لعناصر لغوية تحقق أغراضا تحكمه عناصر السياق المختلفة (مرسل، مرسل إليه، الزمان، المكان)(16). إنه بذلك نشاطا لغويا فعالا، يتم تفعيله بمنظومتين متداخلتين: منظومة قواعدية تحكم الشكل المادي الذي تجسده العلامات اللغوية، ومنظومة خارجة عن قواعد اللغة توجه استعمالها حسب السياقات الخارجية. ومنه فالعلاقة بين الفعل والاستعمال في اللغة هي علاقة اتصال وتكامل، لأن استعمال اللغة لن يتحقق إلا بالأفعال القولية التي تشترط قصدية المتكلم، كما أن الأفعال الكلامية لا تظهر إلا من خلال الاستعمال.

الأسس الفلسفية:

 1- نظرية أوستين:  

ارتبط ظهور نظرية أفعال اللغة بذلك التحوّل في نمط الفكر الفلسفي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، حيث انتقل فيه البحث من نظرية المعرفة ونقد مختلف الأنساق إلى فهم اللغة وتحليلهاباعتبارها أساسا للفهم، ويرجع الفضل في ذلك إلى مجموعة من فلاسفة اللغة، الذين أسهموا بوجه أو بآخر في نشأة هذه النظرية، من بينهم: غوتلوب فريجه (1925-1848) (Gottlob Frege) ولودفيغ فتجنشتاين (1889-1951) ضمن ما يعرف (بالفلسفة التحليلية)(17).

1:1: ج  فريجه: طوّر من خلال مؤلفه الموسوم بـ(أسس علم الحساب) النظرية الفلسفية المعروفة باسم: منطوقية (Logicisme) حيث استهدفت تأويل الرياضيات بمبادئ منطقية، مميزا بذلك بين اللغة العلمية واللغة العادية، إضافة إلى تأسيسه لعلم الدلالة ثم التداولية انطلاقا من مفهومه للروابط الدلالية والتواصلية(18). ففرق بين المعنى والمرجع، وربط المعنى بالصدق ربطا تاما من جهة وقام بتمثيل بناء  الجملة من حيث الوظيفة ومبدأ السياق من جهة أخرى (19).فبتمييز فريجه بين اللغة العلمية التي هي لغة أحادية المعنى صريحة مباشرة، تشير إلى حقيقة في الواقع، واللغة العادية التي تتسم بالمرونة وتعدد المعنى الذي أكسبها إمكانات هائلة لتحقيق وظائفها التواصلية، استطاع أوستين أن يفسر استعمال اللغة العادية من خلال الكشف عن تعدد الأفعال الناتجة انطلاقا من فعل لغوي واحد.

  1: 2: ل فتجنشتاين: ربط المعنى بالاستعمال في تحليله للغة العادية، “وجعل مهمة الفلسفة وصف الاستعمال الشائع للغة، ودراسة حالات ورودها”(20). لأن تعدد استخدام الوحدات اللغوية في عملية التواصل يؤدي بالضرورة إلى وجود اختلافات، يكشفها السياق الذي ترد فيه، وبذلك تصبح دراسة اللغة من صميم فلسفتها،وقد مثّل للّغة في ملاحظاته بغرفة قيادة القطار، يقول: “اللغة مثل غرفة قيادة القطار، حيث الحركات المختلفة يتم تنفيذها بواسطة المقابض، الكلمات تطابق تلك المقابض”(21). وهو بهذا التمثيل يوضح العلاقة التي تربط المعنى بالاستعمال، فكما أن وظيفة المقبض الواحد تتغير بتغير حركة ذلك المقبض، كذلك الكلمة يتغير معناها بتغير طريقة استعمالها، والغرض منها، ومن ثم أصبح للكلمة الواحدة أكثر من مدلول، كما يمكن لعدة كلمات أن تدل على شيء واحد. إن هذا التداخل الدلالي للعلامات يعكس بوضوح مرونة استخدام اللغة(22). التي تحولت عند فتجنشتاين من مصدر لسوء الفهم إلى أساس الفهم الصحيح للغة، لأن “فهم لفظ معين هو فهم معنى استعمالاته الفعلية، وكيف يصاغ في سياقات مختلفة”(23)؛ أي أن فعل استعمال اللغة قوامه إدراك المعنى، والقدرة على توظيفه توظيفا صحيحا يلاءم شروط التواصل، وبالتالي فإن معرفة معاني الألفاظ هي في الآن نفسه معرفة بما يكون به استعمالها.

إذن من خلال ما تقدم يمكننا القول: أن نظرية أفعال اللغة هي نتاج لفكر فلسفي قائم على أسس رياضية منطقية، وذلك بتمييز ج.فريجه بين اللغة العلمية واللغة العادية واشتغاله على الأولى، فأما هو عند ل. فتجنشتاين، أن ينقل توجه البحث من اللغة المنطقية الصارمة-الاصطناعية- إلى دراسة اللغة العادية، حيث أسهما معا في الكشف عن تعدد المعنى والجانب الوظيفي الفعال في اللغة، فيما يعرف بألعاب اللغة، إضافة إلى وجود عمليات ذهنية تفسر استعمالها.

2 – نظرية تشومسكي:

شكلت الفلسفة العقلانية إحدى المرجعيات الأساسية لفكر تشومسكي، ويرجع الفضل في ذلك إلى الأفكار التي قدمها الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت (1596-1650) (René Descartes) ثم ما نظرته مدرسة بورويال النحوية (Port Royal)، كما كان لآراء الفيلسوف الألماني ويليام فون همبولدت (1761- 1835) (Wilhem Von Hamboldt) أثرا واضحا في صياغة مقولاته النحوية، إضافة إلى الأبحاث التي أنجزها جيمس هاريس (1709-1780) وتتلخص أهم أفكارهم كما يلي:

ديكارت وفطرية اللغة: أخذ تشومسكي عن ديكارت عدة أفكار أسهمت في تكوين جهازه المفاهيمي أبرزها:  تطويره لنظرية عامة في الرياضيات، وتأكيده على فطرية اللغة، ومفاد ذلك أنه: “انتقل من الرياضيات العامة التي كانت معروفة في عصره إلى فكرة رياضيات عالمية”(24). ومنها قدم تشومسكي فكرته المتعلقة بالنحو العالمي  بدل النحو المخصوص، أما فطرية اللغة فقد أكد ديكارت على “وجود بنيات لغوية تصورية مجردة جاهزة للاستعمال عند الإنسان”(25). بمعنى أن الإنسان يمتلك تفكيرا  مجردا، قوامه قوالب لغوية يتم تفعيلها بالاستعمال، ومن ثم فإن الفعل اللغوي عنده مرتبط دائما بالعقل، حيث يقول “إن معرفة الكلام لا تحتاج إلا إلى شيء من العقل  جد قليل”(26)؛ أي أن هناك عمليات ذهنية تفسر فعل الكلام عند الإنسان إذ تعمل على شحنه بقوة لغوية مقصودة وموجهة.

بور روابال ودلالة اللغة على الفكر: تأثر نحاة بور رويال بفلسفة ديكارت العقلانية، ويبدو ذلك واضحا من خلال تصورهم الدال على أن هناك تطابقا تاما بين    البنيات اللغوية والبنيات الصورية(27). وبالتالي إمكانية وجود نظرية عامة للنحو تشترك فيها جميع اللغات رغم اختلافها،وترى هذه المدرسة أن: “النحو فن الكلام، والكلام  يفسر أفكار المرء بالإشارات التي اخترعها البشر لهذا الغرض”(28)؛ أي أن اللغة عملية إبداعية يتم من خلالها إنتاج الكلام بواسطة مجموعة من الرموز لتعبر عما يدور في أذهان البشر، وهي بذلك  نشاط يكتسب فاعليته بأمرين: أولهما شكلها المادي الذي تمثله الأصوات والتراكيب المنتجة، وثانيهما وظيفة تلك العناصر اللغوية وكيفية استعمالها للدلالة على الأفكار المختزنة في الذهن،وقد أكد ذلك كل من أنطوان أرنولد (1612-1694) (Antoine Arnauld) وكلود لانسلو (1645-1694) (Claude Lanceld) في مؤلفهما الموسوم بك: (النحو العام والعقلي) في قولهما بأن فعل اللغة يمثل “الجانب الروحي للكلام، لأن أكبر مزايا الإنسان بالقياس لباقي الحيوانات الأخرى، هو الاستعمال الذي تقوم به للدلالة على أفكارنا”(29)، وهما يثبتان بهذا القول أن فعل الاستعمال هو الذي يحدد دلالة اللغة التي هي في الآن نفسه دلالة الفكر.

هاريس وجدلية الفعل اللغوي: استطاع (هاريس) من خلال مؤلفه المرسوم بـ: (هيرميس) وهو متأثرا بالتصور الديكارتي أن يبين طبيعة الفعل اللغوي، حيث أنه يضمر  قوة وحركة تعبر عن الذات المتكلمة، فكما أن قدراتنا الذاتية صنفان  هما: إدراكنا الذي يربط تصورنا للأشياء بمعانيها، وإراداتنا التي تعبر عن حالاتنا النفسية(30). فإن  استعمالاتنا اللغوية هي الأخرى تنقسم إلى صنفين هما: استعمال نعبر فيه عن إدراكنا للمعاني،واستعمال يعكس إراداتنا المختلفة مثل: الاستفهام، الطلب، الأمر،…الخ (31). ومن ثَمّ فإن أفعال اللغة حسب جيمس هاريس صنفان: أفعال إخبارية يتم من خلالها إعلام الآخرين بمكنونات النفس وأفعال إنجازية –بتعبير أوستين- تؤدي بدورها إلى توليد أفعال أخرى متعلقة بالمخاطب، كالقبول، الرفض، الخوف،…الخ. وانطلاقا من التمييز بين فعل الذات وفعل الإنجاز، فرّق تشومسكي بين الملكة اللغوية والأداء الكلامي، فقام بدراسة الملكة اللغوية، وفهم مختلف إوالياتها في أبحاثه الأولى المتعلقة باللغة، ثم فسّر استعمالها في أبحاثه الأخيرة بنظرة جديدة من خلال مؤلفه المرسوم بـ: (آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل).

ومجمل القول فإن هذا العرض للروافد الفلسفية التي شكلت فكر كل من تشومسكي وأوستين، كشف عن التداخل والتقارب بين نظرية الفعل اللغوي وأبحاث تشومسكي خاصة منها الأخيرة التي ركزت على الجانب الاستعمالي للغة ومعرفة العمليات الذهنية التي توجه ذلك الاستعمال، إضافة إلى أن نظرية أوستين قامت على أساس رياضي، وهو في نفس الوقت المبدأ العام لنظرية تشومسكي والمتمثل في مبدأ اللانهائية، وهذا ما أكده إيفلين (Ivelin) حيث يرى بأن نظرية الفعل اللغوي قائمة على الفرضية الآتية: “تماما مثلما نحن قادرون على أن ننطق عددا لا نهائيا من الجمل مستخدمين عددا محدودا من البنية النظمية، فإن هناك عددا لا نهائيا من النطوق، كل منها يمكن أن يصنف على أنه يعمل عددا محدودا من الأشياء”(32). ومعنى ذلك أنه إذا كان بإمكاننا إنتاج عدد لا نهائي من الجمل انطلاقا من وسائل لغوية محدودة، فإن هناك عددا لا نهائيا من الملفوظات، كل منها ينجز عددا معينا من الأفعال التي يكشف عنها مقام إنتاجها.

تفسير استعمال اللغة بين تشومسكي وأوستين:

1-تصور أوستين:

لقد رسم أوستين أبعاد نظريته من خلال محاضراته التي نُشرت في كتابه الموسوم بـ: (كيف يكون القول فعلا)، حيث أولى فيها اهتماما بالغا لدور اللغة وأفعال الكلام في صنع وتجسيد الأحداث في الواقع، مؤسسا بذلك لدراسات لغوية معاصرة،وكان محصول أفكاره أن رفض ما وقع فيه فلاسفة المنطق الوضعي الذي نعته بالمغالطة الوصفية،مفرقا بين الجمل التقريرية والجمل الإنشائية،كما وضع شروطا لنجاح وتحقق العبارات(33). فلم تعُد قيمة الملفوظات في مدى صدقها أو كذبها بل بالقبول أو عدمه، كما أقرّ “بأن كل جملة تامة مستعملة تقابل إنجاز فعل لغوي واحد على الأقل”(34)؛ أي أن هناك فعلا على الأقل منجزا متزامنا مع الملفوظ المستعمل في العملية التواصلية، ومن ثم قسم أوستين أفعال اللغة إلى ثلاثة أنواع كما أشرنا سابقا هي: فعل القول، والفعل المتضمن في القول والفعل الناتج عن القول،وقد ميّز بين نوعين من الجمل هي:الجمل التقريرية والجمل الإنشائية(35)،حيث فرّق بين ما هو تقريري وما هو إنشائي فحدّد الأولى بأنها تنقل حقائق الكون كما هي في الواقع، يمكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب، بينما الثانية لا تصف الكون، ولا يمكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب بل تنجز أفعالا، تمتاز بأنها تستند إلى ضمير المتكلم في زمن التلفظ، كما أنها تتضمن أفعالا مثل: أمر، وعد، أقسم… كما قدّم خمسة أنماطا مختلفة للفعل الإنجازي حسب قوتها الإنجازية، سواء كانت صريحة أو ضمنية، وهي:

‌أ.  أفعال الأحكام والقرارات القضائية: هي أفعال دالة على أحكام صادرة عن هيئة عليا في مؤسسة اجتماعية معينة كأحكام القضاء في المحكمة مثلا.

‌ب. أفعال الممارسة التشريعية: هي أفعال دالة على ممارسة السلطة والقانون، يفرض فيها الخطاب سلطنه على المتلقي، فهي أفعال توجيهية، نصبة، إرشادية، نحو: الأمر، النهي…

‌ج.  أفعال الوعد والالتزام: هذا النوع من الأفعال يحيل إلى التزام المتكلم بفعل شيء ما كالوعد والضمان والتعهد، تعكس نيته وقصده.

‌د.  أفعال السلوك: “هي أعمال تتفاعل مع أفعال الغير، نحو: الشكر، الرأفة، النقد، التحريض…”[i]

‌ه.  أفعال العرض والإيضاح: تستعمل هذه الأفعال في إقناع الآخرين بعرض وجهات نظر معينة، ومثال ذلك: التأكيد والنفي والوصف والإحالة… وعن خصائص الفعل اللغوي فقد خصّ أبو بكر العزاوي في مؤلفه ‘اللغة والحجاج’ الفعل اللغوي بأنه فعل إنجازي قانوني مؤسساتي، تحكمه قوانين القصدية والسياق والعرف الاجتماعي(36)؛ بمعنى أنه فعل يهدف إلى تغيير الواقع عن طريق اللغة، في ظل الممارسات التشريعية العرفية والتي تخلق نوعا من الحقوق والواجبات الخاصة بكل مؤسسة اجتماعية، يتم تحديدها بفهم مقاصد المتعلمين وظروف إنتاجها المختلفة. وعليه فتصور أوستين لأفعال اللغة يؤكد على أنها: مجموعة من الإجراءات الذهنية التي تتفاعل فيها عوامل خارجية (حدث التواصل، ظروف اجتماعية، وأخرى داخلية عوامل نفسية، ملكة لغوية)، تؤدي في النهاية لصياغة مقاصد ذاتية محققة في الواقع، وهذه الإجراءات تُفعَّل في حالة لا نهائية من التغيُّر الذي يستدعيه التواصل مع المحافظة على ثوابت النظام العامة.

2- تصور تشومسكي:

ينطلق تشومسكي في مؤلفه (اللغة ومشكلات المعرفة) من فرضية مفادها  أن متكلم لغة بعينها يمتلك نظاما معرفيا ممثلا باستراتيجية ما في ذهنه، وفي شكل تركيب مادي معين.فدارت حولها مجموعة نقاشات من بينها: سريان ذلك النظام في الاستعمال، وكان تحليله لهذا الانشغال هو وجود آليتين متكاملتين هما الإدراك الذي يتعلق بتفسير  ما نسمعه ونقرأه، والإنتاج الذي يرتبط بفعل القول والأسباب التي تؤدي بنا لقول ما نقوله، وهذا التحليل يمثل برنامج نظرية أو نظريات في الإنجاز(37) ؛  أي أن هناك آليات إجرائية تتحكم في إنتاج الأقوال وإدراكها، يعكسها حسب تشومسكي البرنامج الأدنوي الذي ستعرض لمفهومه وأساسياته، ومختلف مكوناته فيما يلي:

1- مفهوم البرنامج الأدنوي:

ظهر البرنامج الأدنوي كصيغة نظرية لآخر أبحاث تشومسكي في اللسانيات التوليدية ما بين (1993-1995) إلى يومنا هذا، وقد ارتبط مفهومه بمبدأ “الاقتصاد عامة والاكتفاء بالأدنى الضروري خاصة”(38)؛ حيث تم اختزال مراحل النظرية إلى أدنى عدد ممكن من التمثيلات، وهو نموذج قائم على عدة فرضيات أهمها أن “اللغة تمتلك صوتا ومعنى”(39)،إذ تم اختزال مستويات التمثيل إلى مستويين: الأول تمثله الأصوات المنتجة، والثاني تشكله الدلالات المنجزة بالاستعمالات اللامحدودة لتلك الأصوات؛ أي الدور الذي تقوم به أجهزة الإنجاز “فكل تعبير مولّد يتضمن مستويين بينيين: واحد يقدم المعلومات والتعليمات للأجهزة النطقية الإدراكية، والآخر للأجهزة المفاهيمية القصدية”(40)،ومفاد ذلك أن الاستعمالات المختلفة المنجزة للغة تخضع لنوعين من العمليات الذهنية: تقوم الأولى بإدراك التمثيلات الصوتية وتحولها إلى أصوات، والثانية يتم من خلالها إخضاع تلك الأصوات للتأويل والفهم،وهذا ما ذهب إليه الأزهر الزناد حيث أكّد أن تشومسكي قسم نُظُم الملكة اللغوية إلى قسمين: نظام (عرفاني)(41)يقوم بتخزين المعلومات والتعليمات،ومجموعة من نظم  استعمالها بطرق مختلفة(42).إذن فالعلاقة بين نظام اللغة وتفعيله في التواصل، تؤكد أن استعمال اللغة ما هو إلا عملية مكملة للعمليات الذهنية السابقة الذكر، لذلك اعتبر تشومسكي أن أجهزة الأداء جزءا من الملكة اللغوية.

2- أساسيات البرنامج الأدنوي:

يؤسس تشومسكي مشروعه الأدنوي الذي أقر بأنه لم يرق بعد إلى سمة النظرية بل هو برنامج بحث، يسعى من خلاله إلى كشف العلاقة بين استعمال اللغة ومعرفتها، وقد قام على مسلمات أساسية تمثلت فيما يلي:

1. “اللغة قريبة جدا من الكمال”(43)؛ أي أن جهاز اللغة يمثل نسقا شاملا، ذا تصميم وهندسة أمثل.

2. تقوم الأنساق الخارجية المتمثلة في النظام النطقي الإدراكي، والنظام المفاهيمي القصدي بدور الوسيط الذي ينقل التمثيلات اللغوية إلى إطار الاستعمال.

3.  “إن النظريات الحوسبية التمثيلية هي النظريات الطبيعانية الأفضل تأسيسا حول اللغة واستعمالها”(44)؛ ومعنى هذا الاقتراض أن أفضل حل لمعالجة اللغة الطبيعية ورصد مختلف الحالات الذهنية لغة الحساب التي تنفُذ إلى الأنظمة الأكثر تعقيدا كأنظمة اشتغال الذهن، خاصة تخزين واسترجاع المعلومات في الذاكرة.

4. تقوم الأنساق الخارجية بعملية انتقاء المعلومات التي تقدمها الملكة اللغوية، كما أن جميع التمثيلات تخضع لمبدأ الاكتفاء بالأدنى الضروري مي العناصر التمثيلية(45)، ويعني هذا الافتراض أن إنتاج اللغة (الأفعال القولية) يخضع لمبدأ الاختبار، بشرط أن تتحقق في مختلف تلك الاختيارات قواعدالأمثلية.

3-  مكونات البرنامج الأدنوي :

تنبني اللغة في المقاربة الأدنوية على مكونين متكاملين هما: المعجم والنظام الحوسبي، حيث يقوم المعجم بتزويد ملكة اللغة بكل السمات الخاصة بالمفردات، ليقوم النسق الحوسبي بعمليات توليد العبارات التي تتوفر فيها شروط المقروئية، هذه الأخيرة التي أشار إليها تشومسكي بأنها “شروط تفرضها الحاجة لأجل الأنظمة الخارجية لاستعمال التمثيلات التي تقدمها ملكة اللغة”(46)؛أي أنه إذا توفر في المداخل المعجمية مسببات الأمثلية فإن النظام الحوسبي يبدأ اشتغاله بأدنى التمثيلات والاشتقاقات، لتباشر أجهزة الانجاز عمليات الاختيار.

يتضمن البرنامج الأدنوي مجموعة من التصافحات بين النظام العرفني ونظام الإنجاز، والتي تنتج عنها تزاوجات (ص،م) في شكل مصفوفة حيث تمثل ص شكلا صوتيا، وتمثل م شكلا منطقيا دلاليا، هذه الأزواج تزود المعجم بالسمات التمييزية  للعناصر المعجمية والتي ينتقيها النظام الحوسبي لإنتاج العبارات القولية ذات الشكل الصوتي الدلالي،والتصافح هو “علاقة بين مكونين يكون بموجبها تأويل عنصر أو عناصر من المكون الواحد إلى عنصر أو عناصر من المكون الآخر”(47)؛ أي وبتعبير معلوماتي هناك علاقة قائمة بين كائنين أو ب تمثل هذا التصافح، حيث تتأسس على اجتماع خصائص الكائن أو المكون (أ) و خصائص الكائن أو المكون (ب)، وهذه العلاقة تتحقق كلما توفرت شروط التصافح، وهي حسب الأدنوية كما حددها تشومسكي شروط المقروئية التي تفرضها أنظمة الإنجاز، والنموذج الآتي يوضح ذلك:

نموذج تصوري للتصافحات(48).

إذن ومن خلال ما تقدّم يمكننا القول أنّ تفسير تشومسكي لاستعمال اللغة قارب إلى حدّ كبير تصور أوستين حول أفعال الكلام،ويبدو ذلك واضحا من خلال المرجعيات ا لفلسفية التي أظهرت اشتراكهما في نفس المبدأ –اللا نهائية – لنصل إلى أن أفعال اللغة تخضع في إنجازيتها  للاختيار الأمثل للوحدات المعجمية .

الإنجاز ومظاهر الأدنوية في رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

1- التعريف برسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

تطور فن الرسائل بانتشار الفتوحات الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة، وتعددت مضامينه، خاصة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان يدير حكومته بالمكاتبات، باثا من خلالها توجيهاته وأوامره لعماله، وفي ذات السياق أشار العقاد إلى أنه: “أنشأ حكومة، ورتب لها الدواوين، ووضع أصول القضاء والإدارة، واتخذ لها بيت مال،ووصل بين أجزائها بالبريد”(49). فهذه الرسائل هي نسق من الخطابات الموجهة من ذات متكلمة تملك سلطة القرار، إلى متلقين ملزمون بتنفيذ القرارات، وهي مجموعة من الملفوظات المتوالية التي تشكِّل في ترابطها بناءا لغويا، يتم تأويلها بالرجوع بها إلى ظروف إنتاجها، وقد اشتملت مضامين جديدة، استدعتها حاجة الأجهزة الإدارية التي استحدثها في حكومته، فكانت بيانا على سياسته التشريعية،وبراعته القيادية،وأهم تلك المضامين : أحكام القضاء ومختلف قواعده، دستور الحرب والسلم وأهم استراتيجياته، قيم العدل، رسائل خاصة بالأمان والوصايا. مكاتبات بتدبير الشؤون المالية ، وتولية العمال.

2- أفعال اللغة في رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

1- فعل القول:

يقوم الفعل القولي على تظافر ثلاثة أفعال متزامنة هي على التوالي: الفعل الصوتي، والفعل التركيبي، والفعل الدلالي، ويظهر التفاعل بين مكوناته في رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، من خلال طريقة بنائه اللغوي، فالفعل الصوتي بسماته التي انتقاها بدقة محكمة، أوجدت أسجاعا، ساهمت في بناء التوازي والتناوب بين الجمل عن طريق علاقات دلالية مختلفة، كالتضاد مثلا في رسالته لسعد بن أبي وقاص(50). بعد اختياره لحرب فارس، والتي وردت فيها التراكيب الآتية: (فانصرفتم من أدنى مدرّة من أرضهم إلى أدنى حجر من أرضكم،كنتم عليهم أجرأ و بها أعلم وكانوا عنها أجبن وبها أجهل)، ومثال ذلك أيضا ما ورد في رسالته لأبي موسى الأشعري(51): (مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، إلاّ صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا)،وفي مكاتباته لبعض عماله(52): (عاد مرجعه إلى الرضا والغيطة)، (عاد أمره إلى الندامة والحسرة)، (حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة)،إضافة إلى أنها أفعال إيقاعية تحدثت تأثيرها في نفس المتلقي، وهذا ما حدث في مكاتبته لرجل من أهل الشام(53). كان يشرب الخمر، وقد دعّمها بالآية الكريمة ﴿غَافِر الذَّنْب وَقاَبل التَوب شَديد العقاب ذي الطول لا إلَهَ إلا هُوَ إليْه المَصيْر﴾ غافر/آ2، فكان وقعها عليه شديدا عندما قرأها قال: “غافر الذنب قد وعدني الله عز وجل أن يغفر لي، وقابل التّوب شديد العقاب قد حذرني الله عز وجل عقابه، ذي الطول، والطول الخير الكثير” بدا متأثرا بكلام الله سبحانه وتعالى وكانت ردة فعله البكاء، ثم تاب عن فعله. إذن فعل القول من خلال هذه النصوص هو فعل تأسيسي أسّس لعالم من الموضوعات الجديدة في عهد  عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ويتعدى العصر ليكون دائما في حالة إنتاجية مستمرة، لذلك كان نظاما قابلا للاستعمال في كل زمان ومكان كلما توفرت شروط الإنتاج،وهو فعل مُنتج لأفعال تتعدى مجرد القول إلى الفعل الإنجازي وما يترتب عنه من تأثير في المتلقي كما سنوضحه في العنصر الموالي.

2- الفعل المتضمن في القول، الفعل الإنجازي :

نلج أحكام القضاء وأسسه عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه من خلال رسالتين بعث بهما إلى أبي موسى الأشعري وهما على التوالي: (إنّ القضاء فريضة محكمة وسنّة متّبعة. فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلّم بحقّ لا نفاذ له، آس بين الناس في مجلسك ووجهك… البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، الصلع جائز بين المسلمين.ولا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك،وهُديت فيه لرشدن…، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم…. اعرف الأمثال والأشباه،وقس الأمور عند ذلك…،واجعل للمدّعي حقا غائبا أو بيّنة… ،فإنّ ذلك أنفى للشكّ… .المسلمون عدول بعضهم على بعض،…، فإن الله قد تولّى منكم السّرائر…،ثمّ إياك والقلق والضّجر…؛ فإنه من يخلص نيّته فيما بينه وبين الله تعالى ولو على نفسه،يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للناس بما يعلم الله منه خلاف ذلك هتك الله سِتْره،وأبدى فعله. فما ظنك بثواب غير الله في عاخل رزقه وخزائن رحمته.والسلام عليك)(54)،(لا تستقضينّ إلا ذا مال وذا حسب، فإن ذا مال لا يرغب في أموال الناس، وإن ذا حسب لا يخشى العواقب بين الناس)(55).

إن السلطة التي أحقها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنفسه بالخلافة وسلطة المعارف والخبرات المحمولة في نظامه اللغوي، أسهما معا في اعتماد الأمر بكل صيغه كبناء لغوي أراد به استدعاء الفعل بالقول ممن يخضعون لسلطته،وتعددت بذلك استعمالاته لملفوظاته،ففي هذين النصين استعمل فعل الأمر بصيغ صريحة مختلفة، والغالب فيها صيغة الأمر المباشرة (افعل)، وصيغ أخرى كشبه الحملة، والفعل المبني للمجهول، ومن الشواهد على ذلك كما قوله: افهم، قس، آس، إلزم، تقدّم، انظروا، عليك بالبيّنات، هُديت، وتندرج هذه الأفعال حسب أوستين على أساس قوتها الإنجازية في نمط الممارسة التشريعية؛ لأن المرسِل  في هذا السياق بصدد ممارسة سلطته المباشرة على الهيئة القضائية،وذلك بتوجيه التعليمات الواجب والمُلزم تحقيقها لإقامة مؤسسة قضائية قائمة على كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلة الله عليه وسلم. ومع الأمر نجد النهي ملازما له، ومن أمثلة ذلك (لا يمنعك قضاء، قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك)، (ولا تستقضين إلا ذا مال وذا حسب) وهي نواهٍ تستدعي ترك أفعال لتجنّب العواقب، ففي الفعل التركيبي الأول أسهمت أداة النهي ‘لا’ في شحن الفعل الماضي ‘راجعتَ’ بقوة إنجازية متضمنة فيه وهي قوة فعل الأمر المُقدّرة بـ: (راجعْ نفسك،) وكذلك الأمر بالنسبة للفعل التركيبي الثاني، فقد اقترنت الأداة ‘لا’ بالفعل تستقضين بطريقة مباشرة، هذا الفعل الذي يتضمن قوة أمرية مقدرة بالفعل ‘استقض’. وما نلاحظه في هذين الفعلين أن موضع الأداة ‘لا’ بعيد خطيا عن الفعل (راجعت) في الفعل  التركيبي الأول، بينما لا تظهر هذه المساقة بين الأداة والفعل تستقضين في الثاني، وهذا يوحي بأن المرسِل (عمر بن الخطاب رضي الله عنه) نزل منزلة المرسل إليه (أبي موسى الأشعري) مع محافظته لرتبته السلطوية في الخطاب عن طريق تلك المسافة الخطية ،وبالموازاة مع الفعل الإنجازي. كان للفعل التقريري دورا أساسيا في توجيه أفعال المرسل إليه.

 ففي النص الأول مثلا أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه تثبيت مفهوم القضاء لدى أبي موسى الأشعري، فبدأ نصّه بالتقرير مستعملا التأكيد غرضا تواصليا في قوله (إن القضاء فريضة محكمة وسنة متّبعة)، وفيه أقرّ حقيقة لا جدال فيها بأن منبع القضاء وأحكامه  هو كتاب الله سبحانه وتعالى ثم سنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، وكقوله (إن ذا مال لا يرغب في أموال الناس)، (إنّ ذا حسب لا يخشى العواقب بين الناس)، والذي أراد من خلالها تثبيت معان في نفس متلقيه لأنه بصدد البناء والتأسيس لنظام القضاء وقد أبدع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فاستعمل صيغا متعددة للتأكيد، منها الصريح اللفظي وغير الصريح المعنوي، ومثال ذلك في الأول تكرار وحدات معجمية بعينها: (الفهم الفهم)الذي قصد به الإنشاء،إذ أن التأكيد هنا خرج عن غرضه التقريري ليدُل على الإنشاء، فالتأكيد بالاسم (الفهم) أعطى قوة إنجازية مقدّرة بفعل متضمن في القول: ألزم (الفهم)، أما في التوكيد غير الصريح المعنوي ومقاله في قوله: “والصلح جائز  بين المسلمين إلا صلحا حرّم حلالا وأحلّ حراما”، “ولا أرى التأخر إلا خيرا لك”، وهي من الصيغ المركبة المعنوية للتوكيد، حيث دلّ الفعل الأول على الحصر الذي حصر عدم جواز الصلح بين المسلمين في أمرين لا ثالث لهما، ويبقى للقاضي حسن تدبيره للكشف عنهما وإصدار الحكم بعدم جواز الصلح، بينما في الفعل الثاني فقد تضمّن أسلوب القصر قوة إنجازية نحول فيها التوكيد المعنوي إلى فعل إنجازي أراد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه توجيه القاضي إلى الرأي الأصوب.

 وفي الرسالتين التين بعث بهما قائد الجيش سعد بن أبي وقاص تظهر استراتيجيّته في الحرب، وهما على التوالي:  (فتعاهد قلبك وحادث جندك بالموعظة والنية الحسنة…والصبر الصبر فإن المعونة تأتي من الله على قدر النيّة،والأجر على قدر الحسبة. والحذرالحذرعلىماأنتعليه…)(56)،(إني آمرك ومن معك بتقوى الله على كل حال إن تقوى الله أفضل العدة على العدو و آمرك و من معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم عدوكم فإنّ ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم  إنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ولو لا ذلك لم تكن لنا يهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم… اسألوا الله العون على أنفسكم  أسأل الله ذلك لنا ولكم)(57)،وتستمر الموازاة بين التقرير والإنشاء لتعبّر عن التوازن الفكري والقيادي لدى المرسِل، فكانت ملفوظاته تحمل معنى الفعل الصريح والمباشر في قوله “إني آمرك”؛ إذ يؤكد أن الفعل المراد إنجازه هو فعل الأمر دون غيره، وهذا التعالق المقصود بين أداة التأكد وصيغة الأمر يُفضي  بالضرورة إلى تثبيت المعنى في نفس المرسل إليه، والذي  تم تسنينه بتقديم فعل التأكيد على فعل الأمر، ليدلِّل على القوة الإنجازية التي اكتسبها فعل التأكيد منه،بالإضافة إلى أساليب الإغراء والتحذير،إذ دلّ الملفوظ “الصبر الصبر” على ممارسة إغرائية أراد بها تنبيه متلقّيه إلى ما فيه الخير.فتحولت بها قوة الفعل من ثبات الدخل المعجمي بسماته الصوتية القوية والمنتقاة بدقة إلى دينامية الفعل الإنجازي، من خلال المُغرى به (الصبر) الذي شكّل مقصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه،ليس على سبيل الترغيب والتشويق المنوطين بفعل الإغراء، ولكنّه أراد إلزام سعد بن أبي وقاص بالصبر، فكانت اللفظة الثانية  بمثابة التأكيد اللفظي الذي يُبرّر ذلك اللزوم، خاصة وأن المقام مقام حرب وقتال مع احتفاظ فعل الإغراء بوظيفته، كذلك الأمر بالنسبة للملفوظ “الحذر الحذر”الذي أراد به التنبيه إلى ترك ما فيه الهلاك في ساحة القتال. وما يمكن استخلاصه من الفعل الإنجازي  (اسألوا) ، أن قوّته الإنجازية هي محصول  ثلاث قوى تكاثفت في ملفوظ واحد لتشمل: الأمر والسؤال والدعاء، وهي قوة تتناقص شدتّها تدريجيا من فعل التوجيه (الأمر) الذي هو خارج عن إرادة المرسل إليه، إلى الاستعلام عن ذلك الفعل الذي يجهله، إلى أن يتحقق فعل الدعاء بعد اكتمال المعنى لديه، وهو طلب العافية من الله سبحانه وتعالى، لذلك تناقصت تلك القوة من اللزوم إلى الاستعلام عما هو مجهول إلى طلب ما هو مدرك في الذهن.

وفي النص إلى الموالي لا مناص للمتلقي من تأثير ملفوظاته، فالكلمة فيها تعلو ذاتها ،وتعني أكثر مما تقول،لتخترق زمن إنتاجها: ( إلزم الحقّ، يُنزلك الحقّ منازل أهل الحقّ، يوم لا يُقضى إلاّ بالحقّ)(58). فقد اختار المرسل لبِنائه فعلين إنجازيين، يتوسّطهما فعل تقريري ، كما أنه استعمل الكلمة المعجمية (الحق) أربع مرات، موزعة بدقة على الأفعال الثلاثة: مرة في الأوّل، ومرّتين في الفعل التقريري، ومرة في الفعل الثالث،مما يؤكّد دورها المحوري في تحقيق الغرض المقصود، إذ قام بتوجيه خطابه إلى معاوية بن أبي سفيان ليضعه أمام إلزام واجب النّفاذ وهو الالتزام بالحق في قوله: (ألزم الحق)، الذي اقترن فيه فعل الأمر إلزم باللفظة المحورية الحق ليكسبها قوة إنجازية ، تحوّلت بموجبها من ثبات المعنى المعجمي إلى حركية دلالتها في سياق النص الداخلي والخارجي، كما كان ورودها في الفعل التقريري مرّتين لتؤدي وظيفة إغرائية قُصد بها الترغيب والتشويق في العدل من خلال الجملة الفعلية التي هي نتاج عملية الالزام بالحق والتي أرادها تأكيدا لفظيا ليُثبِّت معناها في النفس ، في حين كان ورودها في الفعل الإنجازي الثاني مرة واحدة لتكْتسب قوّتها وإنجازيتها من الفعل المبني للمجهول (يُقضى) في قوله: (يوم لا يُقضى إلا بالحق)، فالمرسل هنا بصدد إقرار حقيقة مطلقة، هي أن قضاء  الله سبحانه وتعالى قضاء بالحق لا غير ذلك، فكان توجيهه بأسلوب خيري يُنم عن معرفته المسبقة وأثرها في إنتاج خطابه والتي كان مرجعها الكتاب والسنة.

وللبينة الشرطية دورا في تنويع استعمال اللغة عنده،فقد بعث إلى أبو عبيدة يمده بالمشورة في دخول الدروب خلف العدو في قوله : (أنت الشاهد وأنا الغائب، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، إن رأيت الدخول إلى الدروب صوابا فابعث إليهم السرايا ادخل معهم بلادهم  وضيق عليهم مسالكهم ، إن طلبوا إليك الصلح فصالحهم…..)(59)؛ففعل الشرط في قوله (إن رأيت الدخول إلى الدّروب صوابا) خلّص المرسل إليه من السلطة المباشرة للمرسِل وترك له حرّية القرار، على أن يمدّه بالمشورة استنادا على ما سيقرّره، لتبقى قوّة أفعاله الإنجازية كامنة في ملفوظاته،يتم استخراجها بعد اتخاذ أبي عبيدة القرار الصائب.كانت أوامره ضابطة لقواعد الحملة،لأنّه “يضع القواعد العامة للحملة، ويختار لها القائد الضليع، وهو بعد هذا لا يعفي نفسه من التبعة، ولا يعفي القائد من واجب الرجوع إليه في المواقف الحاسمة”(60).

وتعتبر وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه للخليفة من بعده من اهم الوثائق التاريخية في تاريخ الإسلام، لما تجمله من أبعاد بالغة الأهمية (سياسية، دينية، اقتصادية، اجتماعية)،  وستعتمد في تحليلينا واستخراج الأفعال الإنجازية منها على ما قدّمه علي محمد محمد الصلابي في مؤلفه (فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، ص ص 630-634)، الذي قسّمها إلى خمسة أبعاد.

1-البعد الديني: ويتضمن الوصية بتقوى الله وخشيته في السّر والعلن والقول والعمل، وشاهد ذلك: (أوصيك بتقوة الله، أوصيك بتقوى الله والحذر منه، أوصيك أن تخشى الله)، وقد ورد في هذه الملفوظات الثلاث الفعل الإنجازي (أوصيك) الذي يدلّ على أنه فعل مُنجز من ذات تملك سلطة التوجيه والتأثير على متلقي الرسالة، وهي ملفوظ صريح تم استعماله بطرق مختلفة للتعبير عن الغرض المقصود، فارتبطت في التركيب الأول بشبه الجملة (بتقوى الله) التي تتضمّن فعلا لا قوليا تمثّل في صيغة الأمر (اتق الله)، بينما اقترنت في الثاني بأسلوبين متضادّين هما الإغراء والتحذير في آن واحد مما أكسب الخطاب قوة إنجازية؛ فهو من ناحية يُفرغ ذهن المرسل إليه باستخدام سياق عاطفي تمثل في إغراءه بما يترتب عن تقوى الله،  ومن ناحية أخرى يملؤه بفعل التحذير، ومن ثمَّ يحدث نوع من التضاد الإيجابي الذي يجعل من الخطاب ناجحا،بينما اقتربت في الثالث بأنْ المصدرية الدّالة على الاستقبال، وهو ما يتوافق مع موضوع ودلالة الوصية، لأن فائدتها ستعود على من يأتي من بعده، كما تضمّن هذا البعد ضرورة إقامة حدود الله تعالى مستخدما لذلك أداة النهي (لا) ،بالإضافة إلى الدعوة للاستقامة في الأمور كما في قوله: (استقم كما أُمرت) محققا بذلك فعلا إنجازيا تمثّل في الأمر بالاستقامة وتأكيده مرة أخرى بصيغة الأمر الصريح المبني للمجهول، وذلك بغرض اتّباع الوصية وعدم إهمالها.

2- البعد السياسي: وفيه أورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصاياه في شكل أوامر لإقامة العدل والمساواة، والعناية بالمسلمين المهاجرين والأنصار، في مثل: اجعل، اقبل، تجاوز.

3-  البعد العسكري: أقرّ فيه بضرورة الاهتمام بالجيش وإعداده إعدادا يتناسب وعِظم المسؤولية لضمان أمن الدولة وسلامتها، والقيام على راحة المقاتلين وفضاء حوائجهم، يقول: (التفرغ لحوائجهم وثغورهم)، وهذا الفعل التركيبي الذي استأنفه المرسل بصيغة المصدر: (التفرغ) يحمل قوة إنجازية تضاهي قوة الجيش الواجب أن تكون، والمتمثلة في الفعل (تفرّغ).

4- البعد الاقتصادي والمالي: يحمل هذا البعد العناية بتوزيع الأموال بين الناس بالعدل وعدم تكليف أهل الذمّة فوق طاقتهم، إضافة إلى ضمان الحقوق المالية للناس وعدم التفريط فيها، ومثال ذلك قوله: (ولا تكلّفهم فوق طاقتهم إذا أدّوا ما عليهم إلى المؤمنين)، (لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم)، (أن تأخذ حواشي  أموالهم فتُرد على فقرائهم) ،وهنا استخدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه النواهي المقترنة مرة بأداة الشرط (إذا) ومرة بأداة الحصر( إلا) ليُفعِّل خطابه بقوة إنجازية تضمّنت توجيه المتلقي لفعل الترك، كما ورد  الملفوظ الثالث تقريريا أدّى وظيفة فعل الأمر (خذ) المتضمن في (أن تأخذ) كذلك دلالة الأمر في الفعل المبني للمجهول تُرَد والتقدير فيها: رُدَّ.

5-  البعد الاجتماعي: وفيه تناول الاهتمام بالرعية، واجتناب الأثرة والمحاباة واتّباع الهوى، لمِا فيها من مخاطر تؤدي إلى انحراف الراعي وفساد المجتمع، كما أوصى باحترام الرعية وتوقيرها والتواضع لها، وقد استعمل أدوات لغوية وافقت الغرض المقصود وهي: التحذير والنهي،في قوله (أناشدك الله إلا ترحّمت على جماعة المسلمين) استأنف المرسل كلامه بالفعل الإنجازي (أناشدك) الذي أراد به توجيه المتلقي إلى الترحّم بالعباد عن طريق الاستفهام والقسم الطلبيّ الدال على معنى الأمر، كما نجده يستخدم المجاز في قوله (اركب الحق) مما أغطى لبنية الخطاب قوة إنجازية من خلال الصورة البلاغية  التي يحملها هذا الملفوظ وهي الاستعارة المكنية، حيث صرّح المرسل بالمشبّه (الحق) وحذف المشبّه به (الحصان) وأبقي على قرينة تدلّ عليه وهي الركوب، فدلّل على ضرورة تحقيق العدل بين الناس والعمل به بركوب الخيل، لأن قوة الحصان تعطي راكبه الثقة في النفس كذلك الحاكم العادل يستمدّ مكانته وقوته بين الناس من تحقيق العدل بينهم.

من خلال ما بقي من الرسائل سنحاول إيجاد أهم الأفعال اللاقولية المتضمنة فيها، وذلك بالاعتماد على التنوع الأسلوبي لمعنيي النداء والشرط الذين كان لهما دورا فعّالا في نجاح التواصل بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعماله، ولأنه كان يملك سلطة القرار فقد كان يُعين العامل منهم بعد طول دراسة ومشاورة، ثم يسأل الناس عن أعمالهم، وفي هذا المقام بعث بكتاب إلى عماله يطلب منهم أن يوافوه إلى الموسم (موسم الحج)، وعند حضورهم توجه للناس بخطابه مُستأنفا بـ(أيها الناس) وهو ملفوظ حُذفت منه أداة النداء (يا) الدالة على التنبيه ؛ لأن المخاطِب يدرك مُسبقا  انتباه الناس إليه، خاصة وأن التواصل هنا شفويا مباشرا، وقد ورد في بداية الكلام، لأن موضوع الرسالة المتمثل في الاستعلام عن مظالم الناس من الولاة هو غاية ومقصد المخاطب من الكلام، كما دلّ السياق اللغوي لهذا النص أن المقصود بالنداء هم عامة الناس دون العمال، والقرينة على ذلك ضمائر الإشارة مثل: (هؤلاء، هم)، التي تحيل إلى مرجع خارج هذا السياق، دلّت عليه ظروف إنتاجه (الزمان:موسم الحج، المكان: مكة المكرمة، العمال). ولعل ما يمكن استخلاصه مما سبق هو أن الفعل الإنجازي فعل مُتحوّل تتزايد شدّته وتتناقص في رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه تِبعا لظروف إنتاجها كما أنه يعتمد كثيرا على الصيغ الصرفية لمختلف الأدوات اللغوية، فهو بذلك فعل مشتق من معجم تم انتقاءه بدقة محكمة تَبرز من خلاله تنوّعات الاستعمال.

3- الفعل الناتج عن القول: الفعل التأثيري:  

إذا كان فعل القول في رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أنتجت حركيته قوة إنجازية تتفاوت شِدّتها بين الزيادة والنقصان، وما دامت هذه النصوص تشكِّل خطابا موجها من ذات تملك السلطة إلى ملتقين يخضعون لها، فإن فعل التأثير بالقول يظهر من خلال استعماله لقناة الاتصال في بداية الرسائل ووسطها وفي نهايتها،خاصة التي وُجدت وسطها والتي وردت بصيغة الشرط: (إذا بلغك كتابي هذا)؛ إذ أن المرسل إليه ينتابه نوع من الخوف الداخلي الذي ينتج عنه بالضرورة عدم مخالفة الأوامر والنواهي الواردة فيها، خاصة وأنها موجهة من سلطة أعلى منه، كما يظهر من خلال تنوّعات استعمال الأدوات اللغوية، والتي تفاوتت قوتها الإنجازية من نص إلى آخر؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدرك جيدا متى يكون صارما بأدواته اللغوية، ومتى يكون ليّنا، نجده يورد أوامره ونواهيه بصيغ مختلفة بغية تحقيق أغراضه التواصلية. فصيغ الأمر المختلفة أخضعت المرسل إليه لسلطة المرسل المتعارف عليها (الخليفة) من جهة وسلطة اللغة الناتجة عن قوة فعل الأمر، فكان صريحا في مثل قوله:(آمرك، إني آمرك،) الذي وافق مقام الحرب، وقوله (مُر)، الذي يحمل قوة فعلية مباشرة إضافية لفعل الأمر الصريح من الخليفة، مما نتج عنه توجيه المنفعة لصالح المرسل وهي تحقيق العدل والمساواة بين الناس، كما نجده غير مباشرا تضمّن أفعالا إنجازية مختلفة منها: التعليم، الإرشاد، النصح، الانتهاء عما هو مخالف للشريعة وغيرها، والشواهد على ذلك كثيرة منها: (افهم، اعلم، ألزم…الخ)، وفيه تتوجه المنفعة لمصلحة المرسل إليه الدينية والدنيوية،وبصيغة المبني للمجهول جعل المرسل إليه يتنبّه لأمور كان غافلا عنها في مثل: )هُديت، تُرد،) إضافة إلى أن أثره تعدى المرسل إليه العيني إلى متلقي ذهني موجود بفعل معرفة المرسل الدينية المكتسبة من الكتاب والسنة، أما النهي فيجري مجرى الأمر في التأثير، لذلك نجده ملازما له، مُشكلا تضادا إيجابيا أدّى إلى قيام المرسل إليه بفعل ما هو محمود وترك ما هو ضار له.

وللإغراء والتحذير أثرهما الواضح في المتلقي؛إذ تشكّل الإغراء من خلال هذه النصوص بتكرار ألفاظ  معجمية بعينها، وكان ذلك بطريقتين أولها: تكرارا متتابعا دون وجود فواصل زمنية في السياق اللغوي في مثل: (الفهم الفهم، الصبر الصبر، الوفاء الوفاء، الحذر الحذر)، ليتم تنبيه المرسل إليه لمعاني تلك الألفاظ وإبداء ردة فعل انجاحها، وثانيها ورودها بتكرار متقطّع في السياق في مثل (إلزم الحق، ينزلك الحق منازل أهل الحق، يوم لا يقضى إلا بالحق)، فالأثر في الأولى مباشرا، يستجيب قيه المرسل إليه بردة فعل الصبر او التعلم أو الحذر أو الوفاء، بينما في الثانية يكون الأثر فيها نسبيا، فقد يتحقق الأثر لحظيا كما قد يتحقق بعد مدة زمنية، أو قد لا يتحقق العدل في مجتمع ما، بينما يؤثّر التحذير في المرسل إليه في مثل (أحذرك، إياك، وقد حذرتك)، مما سيؤدي به في النهاية إلى ترك الفعل المُحذّر منه، وكان لوجودهما-الإغراء والتحذير- متّصلين في سياق واحد أثرا،أراد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه حقّق التوازن في نفس متلقيه. وفي ذات السياق كان الدعاء من الآثار المترتّبة عن الأفعال الإنجازية في هذه النصوص،سواء كان   بصورته الصريحة في قوله (ادعوا)، إذ يُبدي المرسل إليه ردة فعله بالدعاء،أو بصورته المُضمرة في مثل (اسألوا) فيستجيب في هذه الحالة بردة الفعل نفسها غير أن الأثر الناتج عن الملفوظ الثاني سيكون أكثر شدة من الأول لأنه مدفوع بقوة حرفية (السؤال)، وقوة صيغة (الأمر). ولأنّه كان حكيما في بناء رسائله، استطاع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدفع بالمتلقي إلى فعل التّنبّه، باستعمال النداء، وقناة الاتصال،في مثل قوله : (أما بعد)، (إذا أتاك كتابي هذا)، (السلام), ففي رسالته لسعد بن أبي وقاص حين افتتح العراق، والتي دار مضمونها حول تقسيم الغنائم بدأهابـ: (أما بعد) التي أراد بها تنبيه المرسل إليه، بأهمية موضوع الرسالة، ثم أعقبها بقوله: (قد بلغني كتابك) ليتّضح أن فعل التنبيه قد تحقّق عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي تكشف عنه أداة التحقيق (قد) ومقام إنتاج الرسالة، وفي وسطها يورد ملفوظه (إذا أتاك كتابي هذا) لتزداد شدة تنبيهه لتوجيهات المرسل (عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، والذي ساعد على تلك الشِّدة استعمال التركيب الشرطي الذي جعل ما بقي من الرسالة جوابا لها، ليختمها بملفوظ (السلام) الذي دلّ استعماله على تنبيه المرسل إليه (سعد بن أبي وقاص) بانتهاء الخطاب.

ومحصول القول من خلال ما تقدم هو أن: أفعال اللغة في رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أظهرها الاستعمال الذي قوامه: صرفية اللغة الناتجة عن الانتقاء الجيد لتوصيل المعنى المقصود، فلو لا التوظيف المحكم للمعجم لما كانت الرسائل مؤثرة بمعانيها المستمرة على المتلقي.

3- مظاهر الأدنوية في رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

اخترنا رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى معاوية بن أبي سفيان: (إلزم الحق، ينزلك الحق منازل أهل الحق، يوم لا يُقضى إلا بالحق) وسننطلق من مقولة عبد القاهر الجرجاني (ت471 ه)التي فحواها “إذا وجب لمعنى أن يكون أوّلا في النّفس وجب للّفظ الدّال عليه أن يكون مثله أوّلا في النطق”(61). وهذا مفاده أنّ المعنى النفسي أساس إنتاج الأقوال وحاملا لقصدية المتكلم، وباعتماد معطيات البرنامج الأدنوي التي أوردها مصطفى غلفان في مؤلفه: اللسانيات التوليدية من النموذج ما قبل المعيار إلى البرنامج الأدنوي مفاهيم وأمثلة، ص 420، يمكن أن نتصوّر نموذجا لمعالجة هذا النص من خلال ثلاث إجراءات، كلّ منها مسؤول عن تنفيذ مستوى معيّن من مستويات التّمثيل الحوسبي وهي: (إجراء الانتقاء، وإجراء الضم والمطابقة والنقل وإجراء التّهجية)، التي تتكامل فيما بينها لتؤدي في النهاية إلى إنتاج فعل قولي مُنجز من قِبل المرسل ونتفاعل هذه الإجراءات كما يلي:

يتزامن وجود معنى الحق في نفس المرسل مع ملكته اللغوية ليتم انتقاء السّمات والوحدات المعجمية، فينتج بذلك، وحدات معجمية منتقاة مُمثلة فيما اصطلح عليه تشومسكي بـ: التعداد (NUMERATION). فيبدأ اشتغال النّسق الحوسبي على التّمثيل المُشفّر في التّعداد بإجراء عمليات الضّم والمطابقة والنّقل، منتجة قولا منسجما دلاليا،وبما أنّ الكلام يخضع في إنتاجه لمحدّدات الزمان والمكان يجب وجود تزامن بين القول الناتج والعناصر السياقية كلفظة (يوم) الدالة على الزمن حتى يتم فحصه في إجراء التهجية، مُنتجا بذلك فعلا قوليا منجزا ا من قبل المرسل على سبيل الاستعارة الحاسوبية، وحسب التصور الذي اقترحناه سابقا، فإن التعداد هو بمثابة الوسيط بين المعجم والنظام الحوسبي، إذ يمثل نتاج عملية الانتقاء، ومنه فالمعالجة في هذا السياق تتم بمرحلتين: مرحلة الانتقاء المعجمي ومرحلة الاشتغال الحوسبي، فمرحلة الانتقاء المعجمي، ينقسم المعجم المشكّل لنص الرّسالة من نوعين من المقولات: مقولات ذات مضمون دلالي، تتمثّل في مجموعة الأسماء والأفعال: (الزم، الحق، ينزل، الضمير، أهل،يوم، يقضى)، ومقولات وظيفية تمثلها الحروف (لا، إلا)،وكل واحدة معجمية من هذه الوحدات لا تدخل التّعداد إلا وهي مزودة بسماتها الضرورية وقد أكّد تشومسكي في هذا السياق أن السّمات لا تدخل التعداد بشكل اعتباطي ولكن تدخل فقط السّمات التي يكون لها تأثيرا في التركيب المُنتَج(62). وفي هذا النص شكّلت لفظة (الحق) محور النص فكان ورودها فيه أربع مرات، ومن ثم فإن تمثيلها على الشكل(وم، ق): (الحق،4)؛ حيث تمثّل (وم): وحدة معجمية، بينما تمثل(ق) قرينة عددية دالة على عدد مرات استخدامها في التركيب ويكون التعداد لهذا النص كما يلي:

تع:( الحق 4، الزم، ينزل، أهل، ضمير المخاطب، يوم، لا، يقضى، إلا). وكل وحدة من هذه الوحدات لا تدخل التعداد إلا وهي مزوّدة بسماتها الصرفية،ويشتغل النظام الحوسبي في هذا المستوى من التمثيل كما يلي:

1.  تحمل لفظة: الحق القرينة العددية 4 التي تدلّ على أربعة استعمالات بالمكونات: (الزم، ينزلك، أهل، إلا) على التّوالي، فعندما يتم استعمال لفظة الحق مع المُكون إلزم ليشكل الحالة البدئية للتمثيل تُختزل القرينة العددية إلى الرمز “3” فيصبح التعداد الجديد على النحو الآتي تعداد: (الحق 3، ينزلك، منازل أهل، يوم، لا ، يفضى، إلا)،وينتج التركيب:(إلزم الحقّ) . ثم يتم استعمال (الحق) مع المكون، (ينزلك)، فتُختزل القرينة العددية إلى الرمز” 2،” وتستمر العملية إلى أن تصبح القرينة العددية مساوية للصفر،ليتشكّل في الأخير النصّ كاملا. وببرمجة الحاسوب فإن هذه المعالجة تتم بإنشاء قاعدة بيانات للوحدة المعجمية المُراد انتقائها من الحقل الذي تنتمي إليه أين يتحقق شرط تعين تلك الوحدة، إضافة إلى تحديد سماتها المطلوبة بشكلها المُقتَصَد،عن طريق خوارزمية الاستدعاءات (SQL/ Structura Querry Langage)(63)،الذي يشتغل بتعليماته: (انْتَقِ SELECT، منFROM:،أين يتحقق الشرط WHERE ، و AND) على التوالي، منتجا وحدات معجمية بسماتها الدلالية التي يحتاجها التركيب،وتعمل هذه الخوارزمية في هذا النص كما يلي:

1-انتق (و م).

2-  من حقل الأسماء.

3- أين يتحقق الشرط (و م=” الحق”).

4-  و (و م=” مفرد”).

5-    و (….).

فيتمّ تحديد السّمات اللازمة عن طريق التعليمة الأخيرة إلى أن يكتمل التّمثيل. بينما تتم المعالجة بالتّعليمات: انتقِ، ضُم، أُنقل في مرحلة الاشتغال الحوسبي،بواسطة حلقة من الحلقات التكرارية-نظام حوسبي- ،حيث يتم اشتغالها على التعداد  تع ،إذ يتم استدعاء البرنامج السابق SQL لإجراء الانتقاء المعجمي ،فيتم ضمّ الوحدة المعجمية (الحق) إلى المكوّن الفعلي (إلزم)، لأن قوة فعل الأمر تجذب إليها المكون الاسمي، واكتسبت تلك الوحدة (الحق) بذلك سمنة المفعولية ،في حين أن دمجها مع الفعل المضارع أدّى إلى تغيير وظيفتها من المفعولية إلى الفاعلية، لأنها اكتسبت قوتها من الفعل التوجيهي (إلزم) وفي التوظيف الثالث كانت في موضع الإضافة، في حين تم ضمّها إلى بنية الحصر لتعود لوظيفة المفعولية في التوظيف الرابع،ومن ثمّ فإنّ غلبة وظيفة المفعولية للوحدة المعجمية (الحق) داخل المتوالية النصية يؤكد على قصد المرسل ورغبته في التأثير في المرسل إليه.وبالنقل تنتقل الوحدة المعجمية من موضع إلى آخر ليس لخصائصها التمييزية التي تميزت بها، ولكن موضعها داخل التركيب يستدعي وجودها فيه، لأن حاجة فعل الأمر الموجِّه تتطلب وجود مفعولا به، فأسند لها وظيفة المفعولية، كما أن حاجة وجود التركيب الفعلي (ينزلك) الذي تقدّم فيه المفعول به تطلّب وجود فاعل لفعل الإنزال، وحتى يُمارس هذا التركيب تأثيره في المرسل إليه، جعلها في موضع إغرائي لاستمالة المرسل إليه ليكون من أهل الحق، أما في الموضع الرابع فإن الفعل المبني للمجهول (يُقضى )تطلب تحديد مفعولا به بأداة الحصر إلاّ، ليكتمل تقرير الحقيقة المطلقة هي فضاء الله سبحانه وتعالى بالحق يوم القيامة، ومنه فإن عمليتي الضم والنقل قد حققتا معا انساق النص وتماسكه.

4-  أفعال الذاكرة وخصائص الترعة العقلية :

نقصد بأفعال الذاكرة طرائق بناء المعلومات داخل النصوص، وهي في الوقت ذاته تلك الآثار الظاهرة على نظام اللغة المستعمل، والتي تكشف عنها مواضع مختلف الوحدات اللغوية في التراكيب، أما خصائص النزعة العقلية فهي تلك الخصائص التي تميّز أسلوب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والتي تعكس العلاقة القائمة بين نظامه اللغوي وطرائق التفكير عنده. وقد قسّم علماء النفس الذاكرة إلى قسمين،حسب معيار الزّمن: ذاكرة قريبة المدى. وذاكرة بعيدة المدى(64). وهي في هذه النصوص تظهر في مستويين: مستوى السياق النظمي ومستوى السياق المقامي. فعلى مستوى السّياق النّظمي،استعمل الذاكرة قريبة المدى، ليبلّغ قصده إلى المرسل إليه، ولكي يضمن سرعة وصول المعنى بأبسط السبل،كان استعماله المتكرر لوحدة معجمية بعينها كقوله: (الصبر الصبر، الفهم الفهم، الحذر الحذر، الوفاء الوفاء…)خاضعا للتّتابع الزمني في إنتاجها، وهي بذلك ذاكرة مباشرة،توجّه مقاصده،كما نجده يضع الملفوظ بشكله المجمل ،بمّ يعمد إلى تفصيل معلوماته،وشاهد ذلك ما ورد في نصّه لأبي موسى الأشعري: (لا تستقضينّ إلا ذا مال وذا حسب فإن ذا مال لا يرغب في أموال الناس، وإن ذا حبب لا يخشى العواقب بين الناس)، فعرض المعلومة بشكلها المجمل (ذا مال وذا حسب)،ثم قام بتحليل كل حدّ على حدا (ذا مال لا يرغب في أموال الناس)، (ذا حسب لا يخشى العواقب بين الناس) وفي هذا الأسلوب استعمال لفظي قريب المدى استدعى استحضار المعنى المناسب وتقريب الغرض من الملفوظ. كما نجد لها أثرا واضحا في خطبته التي ألقاها على المجاهدين الذين رافقوا سعد بن أبي وقاص إلى حرب العراق،حيث قال: (إن للعدل أمارات وتباشير) ،وهي معلومة مجملة قام بتحليل حدودها (فأما الأمارات: الحياء والسخاء)، (وأما التباشير: فالرحمة) وكقوله (فبابُ العدلِ الاعتبار، ومفتاحه الزهد) ثم يحلل: (والاعتبار: ذكر الموت)، (والزهد: أخذ الحق)، إضافة إلى أنّه يعمد إلى آخر كلمة في التّركيب السّابق ليَبني عليها تركيبه اللّاحق، باستعمال ذاكرة قريبة المدى ليضمن به انتباه المرسل إليه إلى المعنى المقصود ،وهو بذلك مُحدثا فعلا تأثيريا عليه فنجده يقول (وقد جعل الله لكلّ أمر بابٌ، ويسّر لكلّ باب مفتاحا)، وأيضا في قوله (إلزم الحق ينزلك الحق منازل أهل الحق، يوم لا يقضى إلا بالحق)؛إذ عملت هذه الذاكرة على توجيه المرسل إليه إلى قصد المرسل، وإبداءه لردة فعل مباشرة وهي الالتزام بالعدل،بالإضافة إلى قناة الاتصال التي كان ورودها منتظما في الرسائل ، بينما يكشف توزيع الوحدات اللغوية عن الذاكرة النّصية بعيدة المدى،فتوزيعها في نص أحكام القضاء الموجّه لأبي موسى الأشعري يعكس تلك الذاكرة؛ إذ أن لفظة (القضاء) كان ورودها في بداية النص، لترد مرة أخرى وبنفس الصيغة الصرفية في وسط النص لتُحكم تماسكه الدّلالي، كما نجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وصيته للخليفة من بعده يورد تركيبه الإبتدائي (أوصيك بتقوى الله لا شريك له) بصيغ مختلفة متباعدة،مما جعل النص متّسقا من جهة، ومن جهة أخرى يعمل عل استمالة المرسل إليه، في حين يكشف السياق المقامي عن المعارف والخيرات السابقة المختزنة في الذاكرة،فقد أورد جلال شمس الدين في مؤلفه (علم اللغة النفسي مناهجه ونظرياته وقضاياه، ص 128)، أنّ الخبرة لا تُستدعي كما هي بل يعاد بناؤها،وتكشف وحدات اللغة في هذه النصوص عن الذاكرة قريبة المدى، ومن شواهد ذلك، قوله في رسالته لأبي موسى الأشعري في أحكام القضاء: (لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك، وهُديت فيه لرشدك) فقد دلت القرائن اللغوية المتمثلة في ظرف الزمان الماضي، والفعل الماضي، والفعل المبني للمجهول على أن زمن وقوع الحديث جد قريب من زمن إنتاج النص، وشاهد ذلك أيضا مرجعيته في نصّه إلى عماله الذي قال فيه (وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيّد من نفسه) ،فعمر رضي الله عنه كان استحضاره لتجربته القريبة من عهد خلافته توجيها مباشرا للناس في تقديم مظالمهم، والشواهد على هذه الذاكرة كثيرة يصعب تحديدها جميعا. وقد كشف السياق المقامي في قوله (فإن مراجعة الحق قديم)، حيث دلّت لفظة (قديم) على ذاكرة بعيدة المدى؛لأنه كان سفيرا للحق قبل إسلامه ،وفي قوله لأمير الجيش النعمان بن المقرن: (فإن رجلا من المسلمين أحبّ إليّ من مائة ألف دينار) استعمل فيه ذاكرة بعيدة المدى لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتغل بالتجارة في الجاهلية فكان استعماله اللغوي نتيجة لذلك دالاً عليه بعبارة (مائة ألف دينار)، وشاهد ذلك أيضا ما أوصى به سعد بن أبي وقاص في وصايا الحرب بقوله: (فرُب قوم مسلّط عليهم شرّ منهم، كما سلّط على بني إسرائيل لما عمِلوا بمساخط الله كفرة المجوس، فجاسوا خلال الديار، وكان وعدا مفعولا) وفي ذلك استدعاء لمعرفة اكتسبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كتاب الله، والتي تضمنت قصّة عذاب بني إسرائيل بأيدي كفرة المجوس، فاستدعاء الخبرة والتجارب السابقة في نصوص عمر بن الخطاب رضي الله عنه. إنما هو إعادة بناء وإنتاجية مستمرة أرادها لبناء دولة إسلامية يحكمها نظام مؤسّس، وقد تم تصنيفها هنا حسب زمن وقوع الأحداث التي تحوّلت فيما بعد إلى تجارب وخيرات، فكلما اقترب زمن وقوع الحدث من زمن إنتاج هذه النصوص كانت ذاكرة قريبة المدى، وكلما ابتعد زمن وقوع الأحداث عنها كانت ذاكرة بعيدة المدى. إذن فهذه الصور المُختزنة في الذاكرة النصية، إنما هي أفعال محرّكة للقوة الإنجازية لأفعال التوجيه (الأمر، النهي، النداء، الإغراء، والتحذير…)، كما أن خطابه من خلالها لم يكن ناجحا لو لا حُسن تدبيره في استدعاء المعلومة المناسبة في الموضع المناسب وبالقالب المناسب. أما عن النزعة العقلية لفكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه،فتعكسها حركية الذاكرة النصية، عبر مداها الزمني القريب منها والبعيد التي تؤدي إلى تفعيل عمليات عقلية نشطة تستحضر كفاءة المتلقي النحوية والمعرفية،كما أنّ بناء هذه النصوص محكوم بآليات إجرائية،ذات أسلوب يتخلّص به عبر موضوعات النص الواحد بسهولة، فنجده يعتمد السّجع المعقلن، ليضمن به استمالة متلقيه ،وعمليات الاستقراء التي تظهر في أساليب التعليل والتفسير (الشرط، الأمر، الإغراء، والتحذير…)،إضافة إلى شيوع ظاهرة التضاد(65) بين الألفاظ والتراكيب مما نتج عنه نوع من التضاد الإيجابي على مستوى المعاني والمقاصد. فاعتمد مبدأ التقليبات بين الألفاظ داخل التركيب الواحد، بواسطة الاشتقاق الأمثل في المستويين الصوتي والدلالي في مثل قوله (حرّم حلالا أو أحلّ حراما)،وهذا التركيب تمّ تمثيله بأدنى حد من التمثيلات اللغوية؛لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد تثبيت المعنى في المتلقي ،فشكّل العبارة  بوحدتين معجميتين هما:الحلال والحرام فقط ،وهذا مظهر من مظاهر الأدنوية. ومن ثمّ تبدو القدرة التواصلية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه  مزيج بين خصائص شكلية وأخرى تواصلية ، تتفاعل مع بعضها البعض لتنتج علائق تبني وتحقق هذه القدرة، وبهذا المنظور فهي قدرة واحدة شاملة ذات هدف واحد،تتكون من تفاعل نسق من القدرات، شكلت فيها الملكة اللغوية بؤرة النشاط التواصلي(66)؛بمعنى أن الاستعمال المتعدد للغة يفعِّل عددا من الملكات غير اللغوية في عمليتي إنتاج أفعال اللغة (الخطاب) وفهمها،والمخطط الآتي يوضح هذا التصوّر(67):

فكفائته اللغوية تعكسها نصوص ذات بناء فني متميّز، ذو تصميم أمثل وهندسة لغوية محكمة، مبنية على مبدأ التوازي والتناظر بين وحداتها اللغوية، وهي نصوص موجزة أراد من خلالها عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- تغيير الواقع من حوله، بتأسيس دولة إسلامية قائمة على تعاليم الكتاب والسنة وخبراته ومعارفه التي اكتسبها قبل الإسلام وبعده ، وبخاصة في أمور القيادة والحرب.

ويتشكل بناؤها العام من خلال ملفوظاته في مستواها مشكلة من مجموعة أصوات،أنتجها المرسل، تأتلف مع بعضها البعض لتشكل بُنى تركيبية مختلفة، تحكمها علاقات التوازي والتضاد(68)، مما أكسبها إيقاعا معنويا، أنتجه استخدام بعض الأسجاع المعقولة والمقصودة،والتي تظهر قدرة عمر بنالخطاب رضي الله عنه الإبداعية،مما أكسبها شعرية خاصة للتأثير في المتلقي،كقوله (أجرأ-أعلم) و(أجبن-أجهل)، (حياته، أهوائه)، (الندامة، الحيرة)،في حين حدّد مستواها التركيبي ذلك التوازي والتناظر على أساس التوزيع المتساوي تقريبا بين الخبر والإنشاء في أغلب هذه النصوص، فتشكّلت الملفوظات الخبرية من الجمل الاسمية، الدالة على الثبات والسرد الذي يناسب إقرار الحقائق الدينية والسياسية والاقتصادية، والأسس العامة، كأحكام القضاء وتعاليم القيادة في الحرب وطرق المعاملات المالية، أما الملفوظات الإنشائية فقد مثلتها الجمل الفعلية الدالة على الحركة والدينامية التي تُظهِر بوضوح إجرائية هذه الرسائل من خلال أفعالها التوجيهية(الأمر، النهي…)،لتكتمل الجوانب الدلالية بتفاعل المستويين السابقين؛حيث أن عملية انتقاء السمات التمييزية للأصوات المنتجة، والإيقاع الناتج عن التوازي والتضاد، والتناوب بين الثبات والحركة، أسهما معا في تأويل الملفوظات وفهمها فهما صحيحا خاصة وأن استراتيجية عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- في خطابه كانت مباشرة صريحة وموجهة، كما أنّ نزعته العقلية التي ميزت فكره والذي كشف عنها نظام اللغة،تبرز كفاءته المنطقية ؛لأنّ أسلوبه أسلوب عقلي، مبني على أسس منطقية، معتمدا على تقنيات الشرح والتفسير والتحليل، بغية الإقناع؛ فيأمر وينهى ويوجّه ليحقق رغبته في تثبيت وإقامة دولة إسلامية، مستعينا بمعارفه التي كوّنها من خبراته السابقة خاصة في أمور القيادة العسكرية والحرب، ومعارفه الجديدة بعد إسلامه، وفي هذا السياق حوّل عمر بن الخطاب رضي الله عنه تجاربه وخبراته إلى علامات؛ حاملة لمعارفه المختلفة،تنقلها الكلمات والعبارات للآخرين للعمل بها.فنجده يتخلّص من موضوع إلى آخر ،ويرتحل عبر رسائله مستحضرا نظاما معلوميا يتمّ تفعيله كلما احتاج المقام ذلك ،مكتسبا ، مُدرِك تماما لواقع المجتمع الإسلامي أنذاك، لذا أقام حكومته وسياسته على أسس لها مرجعياتها الفكرية المختلفة،حيث عمل على تسييرها بإتقان، فكان توظيف لغته بالشكل الملائم لمقام التواصل، وهو من قال فيه العقاد أنه “كان يقول،ويعني ما يقول، ويعمل بما يقول”(69)؛ ولأنه كان ذا مكانة عظيمة بين أفراد مجتمعه قبل الإسلام وبعده، ولا يعيّن أحدا في حكومته إلا بعد دراسة وتنقيب،فإنّه استطاع عبر ملفوظاته تسيير شؤون دولته، بتوجيه خطابه، بالطريقة المناسبة في المقام المناسب لتحقيق أغراضه التواصلية فرسالته إلى أبي موسى الأشعري في أحكام القضاء، اختار لها منهجا يناسب موضوعها،كما أنه أصاب في توجيه تعاليمه الخاصة بأحكام القضاء لرجل تتوفر فيه صفات الحكمة والفطنة وحسن التدبير.

ومجمل القول، نخلص بعد هذه القراءة الموجزة في رسائل عمرو بن الخطاب رضي الله عنه جملة من النتائج البحثية، وهي::-

  • أنّ الفعل اللغوي عملية إنتاجية متزامنة، ومستمرة لملفوظات مُنجزة في سياق اتصالي معين، يُفعِّله الاستعمال. 
  • إنتاج اللغة يتضمّن تركيبة أفعال مُنجزة ،تتّسم بالإقتصاد،يوظف فبها المتكلم قدراته الذهنية ومعارفه لتحقيق أغراضه التواصلية. وهذا ما يتجلى في الرسائل.
  • ·       تنوع استعمال الأدوات اللغوية في رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان فاعلا في نجاح خطابه.
  • ·       رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه  تعكس استراتيجيته في التّفكير مثّلها نظام اللغة عنده.
  • الأساليب الإخبارية والجمل التقريرية شكّلت ثوابت نظام اللغة المستعمل عند عمر بن االخطاب رضي  الله عنه،في حين شكّلت الجمل الإنجازية متغيرات فعل التىاصل.
  • ·       قوة الكلمة ترفع من إنجازية الأفعال القولية .
  • العمليات الذهنية تسهم بشكل كبير في تفسير استعمال اللغة.
  • المنطلقات المعرفية كشفت عن التداخل بين  كل من تشومسكي وأوستين.
  • تمثيل العمليات العقلية باستعمال الأدوات اللغوية في الرّسائل، أظهر مواطن الأدنوية في استعمال الوحدات المعجمية. 
  • استدعاء الذّاكرة بنَوعيْها القريبة والبعيدة المدى،هو الذي يقف وراء استعمال النظام اللغوي.  

إذن فالفعل اللغوي ينتقل من الإنتاج الذي تحكمه عناصر داخلية، كنظام اللغة وأفعال الذّاكرة إلى الإنجاز الذي تفعّله عناصر خارجية، يحددها السياق.

الهوامش:

1.  إبراهيم شمس الدين، معجم مقاييس اللغة. منشورات محمد علي بيضون ، دار الكتب العلمية ط 1 مادة (نتج).

2. لسان العرب، دار صادر للطباعة والنشر، ط1 ، بيروت ، مادة (نتج).    

3. رشيد بن مالك، قاموس مصطلحات التحليل السيميائي عربي-انجليزي-فرنسي. دار الحكمة ، الجزائر، 2004 ، ص 146.

4. مبارك مبارك، معجم المصطلحات الألسنية. دار الفكر اللبناني ، بيروت ، 1995 ، ص 238.

5. بحري محمد الأمين، سيميائية المسكوت عنه في الرواية الجزائرية من إنتاجية الدال إلى تسويق المدلول: روايات طاهر وطار وأحلام مستغانمي أنموذجا محاضرات الملتقى الدولي الخامس للسيمياء والنص الأدبي، قسم اللغة والأدب العربي ، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2008 م                

6. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مادة (نجز)             

7.  لسان العرب، ص 144، مادة (نجز)

8. بريجيته بارتشت،مناهج علم اللغة من هرمان إلى نعوم تشومسكي. تر:سعيد حسن بحيري، المختار للنشر والتوزيع ،ط1، القاهرة ،2004،ص 287.

9. La parole…est la somme de ce que les gens disent.et elle comprend :a)des combinaisons individuelles dépendant de la volonté de ceux que parlent, b) des actes de phonation également volontaire nécessaires pour l’exécution de ces combinaisons » : cours de linguistique générale, p38.

10. أبو بكر العزاوي، اللغة والحجاج.العمدة في الطبع ، ط1 ، 2010 ، ص 117.

11. دومينيك مانغنو،المصطلحات المفاتيح في تحليل الخطاب. تر: محمد يحياتن،منشورات دار الاختلاف ، ط1 ، الجزائر ، 2008 ، ص 07.

12. فيليب بلائشيه، التداولية من أوستن إلى غوفمان. تر: صابر الحباشة، دار الحوار للنشر والتوزيع ، ط1 ، سورية ، 2007 ، ص 59.

13. بول ريكور، من النص إلى الفعل أبحاث التأويل.تر: محمد برادة،حسان بورقية،عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية ، ط1 ، قاهرة ، 2003 ، ص81.

14. محمد الهادي بوطارن،المصطلحات اللسانية والبلاغية والأسلوبية والشعرية.دار الكتاب الحديث ، القاهرة ، 2008 ، ص 176.

15. عبد الهادي بن ظافر الشهري، إستراتيجيات الخطاب( مقاربة لسانية تداولية)،دار الكتاب الجديد المتحدة ، ط1 ، بيروت، ص 55.

16. جمال حمود، فلسفة اللغة عند فتجنشاين.منشورات دار الاختلاف، ط1، الجزائر، 2009 ، ص 307.

17. مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب. نتج عن الفلسفة التحليلية ثلاث فلسفات فرعية هي: الظاهراتية اللغوية، فلسفة اللغة العادية والوضعانية المنطقية، ص 22.

18. فيليب بلانشيه، التداولية من أوستين إلى غوفمان. تر: صابر الحباشة، ص ص19-20.

19. ك.تلووف.ك.نوريس.ج أوزيورن،موسوعة كمبريدج في النقد الأدبي للقرن العشرون (المداخل التاريخية والفلسفية والنفسية)، مراجعة وإشراف، رضوى عاشور، تر: إسماعيل عبد الغني وآخرونن ، المجلس الأعلى للثقافة ، ط1 ، 2005 ، ص90 .

20. فيليب بلاتشيه، التداولية من أوستين إلى غوفمان، تر: صابر الحباشة، ص 21.

21.  لودفيج فتجنشتاين، نقلا عن: جمال حمود: فلسفة اللغة عند فتجنشتاين، ص 307.

22. جمال حمود، فلسفة اللغة عند فتجنشتاين، ص 309.

23. الزواوي بوغرة، الفلسفة واللغة نقد المنعطف اللغوي في الفلسفة المعاصرة، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط1 ، بيروت ،2004 ، ص 102.

24.  بيير دوكاسيه، الفلسفات الكبرى، تر: جورج يونس، منشورات عويدات ، ط3 ، بيروت ، باريس ، 1983 ، ص 104.

25. مصطفى غلفان وآخرون،اللسانيات التوليدية من النموذج ما قبل المعيار إلى البرنامج الأدنوي،ص 05.

26. رونيه ديكارت، نقلا عن: مصطفى غلفان، اللسانيات التوليدية، ص 06.

27. مصطفى غلفان، اللسانيات التوليدية. ص 07.

28. بوررويال، كتاب النحو. ص 41، نقلا عن روي هاريس وتوليت جي تيلر: أعلام الفكر اللغوي، التقليد الغربي من سقراط إلى سوسور، تر: أحمد شاكر الكلابي، ص 147.

29.نقلا عن: مصطفى غلفان وآخرون: اللسانيات التوليدية، ص07.

30. مصطفى غلفان وآخرون، اللسانيات التوليدية، ص 11.

31. مصطفى غلفان وأخرون، ص 11.

32. جلال شمس الدين، علم اللغة النفسي (مناهجه ونظرياته وقضاياه)،  ص 180.

33. أوستين، نظرية أفعال الكلام العامة (كيف ننجز الأشياء بالكلام)، تر:عبد القادر قنيني، افريقيا الشرق، ط1 ،مصر ، 1991، ص 17.

34. آن ريبول، جاك موشلار،  التداولية اليوم (علم جديد في التواصل)، تر: سيف الدين دغفوس وآخرون، ص 31.

35.  التداولية اليوم ، ص 31.

36. فيليب بلانشيه،  التداولية من أوستين إلى غوفمان، تر: صابر الحياشة، ص 45.

37. اللغة والحجاج، ص ص ص 118-119-120.

38. الأزهر الزناد، نظريات لسانية عرفنبة، دار محمد علي للنشر ، ط1 ، تونس ، 2010 ،  ص 54.

39. نوم تشومسكي، آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل، تر: عدنان حسن، دار الحوار للنشر والتوزيع ، ط1 ، سورية ، 2003 ، ص 45.

40. نوم تشومسكي: آفاق جديدة لدراسة اللغة والعقل، ص 79.

41. العرفنة: هي الطريقة التي يشتغل بها الفكر البشري (ينظر: القاموس الموسوعي للتداولية: ص 56)، تقوم بمعالجة المعلومات في الدماغ، تشتغل اشتغال الحاسوب، حيث تُشفر المعلومات في شكل تمثيلي رمزي تشتغل بها الخوارزميات في لغات البرمجية (ينظر: الأزهر الزناد: نظريات لسانية عرفانية، ص 34) والتي تم إسقاطها هنا فيما يعرف بالاستعارة الحاسوبية.

42. الأزهر الزناد، نظريات لسانية عرفنية، ص 54.

43. نوم تشومسكي،آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل، تر: عدنان حسن، ص 17.

44. نوم تشومسكي: آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل، تر: عدنان حسن، ص 76.

45. مصطفى غلفان وآخرون،  اللسانيات التوليدية (من النموذج ما قبل المعيار إلى البرنامج الأدنوي مفاهيم وأمثلة)، ص 486.

46. نوم تشومسكي، آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل، تر: عدنان حسن، ص 18.

47.الأزهر الزناد، نظريات لسانية عرفنية، ص 55.

48. استخدمنا هذا النموذج لتوضيح الفكرة، وهو مرحلة أساسية في تصميم النظام المعلوماتي بطريقة ،

MERISE LEAN PARICK MATHERON : Comprendre MERISE (pontils Conceptuels et organisationnels), p p 39-52 

49. العقاد، عبقرية عمر، منشورات المكتبة المصرية، بيروت، ص105.

50. عبقرية عمر، ص 108.                                                                 

51. الجاحظ: البيان والتبيين، تح: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، د.ط، بيروت، ج2، ص ص 49-50.

52. ابن الجوزي: مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تح: علي محمد عمر، مكتبة الخانجي، ط1، القاهرة، 1417هـ-1997م، ص 147.

53. ابن الجوزي: مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ، ص 147.

54. الجاحظ: البيان والتبيين؛ تح: عبد السلام محمد هارون، ص49-50

55. محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة،دار النفائس،ط5،بيروت،1405ه-1985م ص 437.

 56. http :nahiy ,wordqress.com نوفمبر 2001.                    

57. محمد حميد الله: موسوعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ص ص 413-414.

58. ابن الجوزي، مناقب عمر بن الخطاب، ص 150 .

59.  العقاد: عبقرية عمر، ص109.

60. العقاد: عبقرية عمر، ص 109.

61. دلائل الإعجاز في علم المعاني، ص 53

62. تشومسكي: نقلا عن: مصطفى غلفان وآخرون، اللسانيات التوليدية من النموذج ما قبل المعيار إلى البرنامج الأدنوي، ص 370.

63. برنامج حوسبي يعمل على هندسة قاعدة بيانات خاصّة بعنصر معيّن،يتمّ استدعاؤه من قِبل برامج أخرى كلّما دعت الضرورة.

64. جلال شمس الدين: علم اللغة النفسي (مناهجه، نظرياته، قضاياه)، ص 169.

65. سمر الديوب: جماليات التضاد في رسالة العليقة عمر بن الخطاب إلى قاضي البصرة أبي موسى الأشعري، مجلة جامعة أمّ القرى لعلوم اللغات وآدابها، سورية، ع3، 2010، ص 262       

66. أحمد المتوكل: الوظيفية بين الكلية والنمطية، دار الأمان للنشر والتوزيع، ط1، الرباط ،1424ه-2003م ،ص20.

67. أحمد المتوكل: الوظيفية بين الكلية والنمطية،ص21.

68. ينظر:يمنى العيد:في معرفة النص، منشورات دار الآفاق الجديدة، ط3، بيروت، 1985، ص:183

69.عبقرية عمر،ص 112 .

(أ. فاتح زيوان: أستاذ محاضر جامعة العربي التبسي ، تبسة، فضيلة فاسخ – طالبة جامعة العربي التبسي ، تبسة.)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *