السيد/ زبير بي يم
الحركة النسوية عند العرب يتم اعتبارها غالبا من خلال منظورين، منظور إسلامي ومنظور غربي. أما النسوية العربية من المنظور الغربي فنطاقها واسع بسبب تخليط جميع مزاعم النسوية الغربية مع العادات عند العرب. أما النسوية العربية من المنظور الإسلامي فهي تعمل ضمن حدود العقائد الإسلامية الأساسية. و من رواد النوع الثاني من الحركة النسوية العربية الكاتبة المشهورة بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن.
عائشه عبد الرحمن هي أديبة الفقهاء وفقيهة الأدباء واشتهرت بلقبها “بنت الشاطئ” الذي اختارته كإسم مستعار لكتابتها. كانت مسيرة بنت الشاطئ وتحولها من طفلة صغيرة تلهو على شاطئ النيل إلى أستاذة للتفسير والدراسات العليا في الجامعات والكليات بمصر وخارجها تاريخا ملحميا بطوليا. لم تكن بنت الشاطئ كاتبة ومفكرة وأستاذة وباحثة فحسب؛ بل نموذجًا نادرًا وفريدًا للمرأة المسلمة التي حررت نفسها بنفسها بالإسلام. سجلت عائشة عبد الرحمن بحياتها ومؤلفاتها نموذجا رائعا لتحرير المرأة بمبادئ الحركة النسوية، لكن بدون تجاوز حدود العقائد الإسلامية.
أعمال عائشة عبد الرحمن تتنوع ما بين المقالات والدراسات والقصص والروايات ولكن معظم أعمالها تمركز حول دراسات دينية بصورة المقالات والمحاضرات والكتب. ألفت كتبا كثيرة في تاريخ الإسلام على وجه عام وفي شخصيات نسوية من التاريخ المحمدي صلى الله عليه و سلم على وجه خاص. ولم تشتهر بنت الشاطئ بقصصها ورواياتها، بقدر اشتهارها بمقالاتها الدينيّة ودراساتها النقديّة.
القاسم المشترك بين كتب عائشة عبد الرحمن هي نزعتها الإنسانية وعدم دعمها في الآراء والمواقف والتزامها بتعاليم الإسلام وإرشاداته في تأليفها. كتبت عائشة عبد الرحمن معظم كتبها استنادا على الحقائق التاريخية وإن جمّلت بالملامح الجمالية.
حيث إن عائشة عبد الرحمن قد ألفت مؤلفات قيمة في الشخصيات النسائية من تاريخ الإسلام، يجدر لإلقاء الأنظار على آرائها و مواقفها بالنسبة إلى إدعاءات النسويين والنسويات.
وفي قضية اعتبار المرأة كمواطنة ثانوية وإعطاءها المرتبة الثانية في المجتمع والأسرة بينما الرجل أو الولد يسيطر على المكانة الأولى في المجتمع، تقول بنت الشاطئ “”ذلك أنه قد شاع فينا أن المرأة في الجاهلية قد كانت متاعا للرجل، و أنها عانت من صنوف الاستعباد والاستبداد ما أنقذها منه إلا الإسلام….. و وأد البنات و انتقال الزوجات كالميراث من الآباء إلى الأبناء، وما إلى ذلك من مظاهر الضعة و الهوان”[1].
وباالنسبة إلى مسألة التمييز بين الجنسين، تعتقد بنت الشاطئ أن هذا التمييز الذي ترجع جذورها إلى العصر الجاهلي لا يزال يبقى حتى في العصر الحديث. تقول بنت الشاطئ ” ” قد يقال هنا إن تغيير الوضع الاقتصادي لا يمنع كراهة الأنثى خوف عار قد يلحق بأهلها من سلوكها، أو خشية تفتت مال الأسرة عن طريق الميراث، فنرد على هذا بأن البنات مكروهات حتى في البيئات المتحللة التي لا تكترث بالسلوك، و في الأسر الفقيرة التي لا جاه لها ولا مال، وفي المجتمعات الاشتراكية التي تحد من الملكية، و تحدد الدخل، ولا تعترف بجاه موروث. و ما ذاك إلا لأن كراهتهن ميراث قد انحدر إلينا من قديم الحقب، و عادة نشأت في الأصل بحكم البيئة و أثر العوامل المادية، ثم أخذت مجراها في عواطفنا على طول الزمن، فلم يعد من السهل التخلص منها، حتى مع تغيير البيئة و زوال العوامل المادية”[2].
و تعلق بنت الشاطئ على تقاليد المجتمع المعاصر في التمييز بين الجنسين “وكالذي نشهده اليوم في البيئة الرجعية المحافظة، تعلم الفتاة وتأذن لها في الخروج و الاحتراف وقد تأبى في الوقت نفسه على خاطبها أن يراها. وشبيه به ما نشهده في المجتمع الشرقي: ترقى المرأة فيه إلى منصب الأستاذية بالجامعة و ينكر عليها عضوية المجامع الإسلامية والعربية، مع الترحيب بها (سكرتيرة) و موظفة إدارية! و يضيق أشد الضيق بظهورها في المؤتمرات الإسلامية، ولا يحرك ساكنا إذ يراها تشتغل في الملاهي الليلية أو تشرب الخمر علنا في الحانات والمراقص … و تظهر عارية في المصايف!!”[3]
موقف بنت الشاطئ عن الذين يستدلون بالقرآن و الأحاديث النبوية لمنع المرأة حقوقها أيضا يسلط الضوء على آراءها النسوية. تقول بنت الشاطئ بقول قاس خلاف هذه الظاهرة “و كانت الشريعة الإسلامية الغراء هي النبع الأول الذي استمد منه دعاة التحرير أدلتهم و أسانيدهم لدفع ما حاق بالمرأة الشرقية في العصور المتأخرة من ظلم، و تحطيم الأغلال التي كبلتها باسم الدين، والدين منها براء..”[4]
تصور بنت الشاطئ ألوانا مختلفة من التمييز التي عانتها في مختلف مراحل حياتها كبنت و زوجة و أم في سيرتها الذاتية “على الجسر بين الحياة و الموت”. تقول بنت الشاطئ إن ولادتها كالبنت ما كانت حسب توقعات أسرتها حيث إن والديها كانا يتوقعان ولدا بعد أختها الكبرى حيث نقلت في كتابها : “سمعت فيما سمعت من أخبار الأسرة قبل مولدي أن أبي تمنى عندما حملت أمي جنينها الأوّل أن يهبه الله غلامًا ذكيًا يتلقى ميراث البيت من علوم الدين”[5]. وهي أيضا تقول إن والدها ما وافق على إلحاقها بالمدرسة بعد التعلم الإبتدائي في مدرسة اللوزي الأميريّة للبنات، ولكن عائشة عبد الرحمن لم تكتف بالتعلم الابتدائي الذي حصلت عليه من المدرسة الأميرية، وإنما تطلعت لأن تكمل تعليمها في المدرسة الراقية رغم منع والدها. وعن تلك التجربة المتميزة تقول عائشة: “كان والدي ينتزعني من ملعب حداثتي، ويلزمني من قبل أن تحل عني تمائم الصبا، صحبته في مجلسه بالبيت، أو في مكتبه الجامع (جامع البحر) وكان يسميه الخلوة، ولعلي التقطت في تلك المرحلة المنسية بعض الآيات والسور القصار، من طول ما سمعته يتلو القرآن الكريم. والتقطت معها كلمات مما كان يتحدث به وزملاؤه وتلاميذه من العلم والإسلام”.[6]
وفقا لآراء النسويين بأن المجتمع البطريركي يتجاهل عن الحقيقة الأصلية حيث إنهم يرفضون أكبر حقيقة بأن السلسلة الإنسانية لا تبقى على قيد الحياة إلا بفضل المجتمع النسائي ولكنهم يستحيون أن يعترفوا و يعتبروا بهذه الحقيقة.
تقول بنت الشاطئ إنه إذا قمنا بالعثور على منبع هذا التمييز، ننتهي إلى الجاهلية بنفسها. كمثال لهذا تقول بنت الشاطئ “حين يذكر النسب يتجه تفكيرنا غالبا إلى الآباء و الأجداد دون الأمهات و الجدات”[7]
كرد لهذا الموقف ما زالت عائشة عبد الرحمن ترفع أصواتها في الكتب و المقالات. و يبدو أنها ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم “إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد” في بداية الكتاب “أم النبي” إثباتا لرفعة درجة النساء في المجتمع الإنساني[8]. و هي تضيف تمجيدا لمستوى أمومة لآمنة أم أفضل البشر صلى الله عليه وسلم ” إنما أنا إبن امرأة من قريش تأكل القديد ” فيحقر كبرياء الأباطرة و الملوك و يسمو بأمومتك إلى أفق لا يتطاول إليه ترف الغنى و لا شموخ الجاه إذ يجعل منك أيتها الأنثى الوديعة المتواضعة والأم الطيبة الرؤوم مبعث أنسه و روح إنسانيته و آية محبته و موضع إجلاله و إعتزازه.[9]
و هي تحاول أن تثبت مبدأ “لولا المرأة، و انقطعت السلسلة الانسانسة” حيث تكتب في مقالتها في “الأهرام”:- “إن هناك شخصيات نسوية غير قليلة في شتى مراحل التطور البشري، منها أم البشرية أمنا حواء، و معها يقدم القرآن الكريم شخصية المرأة من أمهات الأنبياء وأصحاب الرسالات الكبرى مثل أم إسماعيل عليه السلام وأم موسي عليه السلام وامرأة عمران وأم المسيح عليه السلام وأم اليتيم الهاشمي محمد خاتم النبيين والمرسلين عليهم السلام.
في ضوء ما سبق، ممكن أن تعد عائشة عبد الرحمن من رواد الحركة النسوية في الأدب العربي. لكن غالبا ما تعتبر هي من الكاتبات الاسلامية وتعد نوال السعداوي رائدة الحركة النسوية في الأدب العربي. هذا لندرة دراسة مؤلفات عائشة عبد الرحمن من منظور النسوية. بهذا البحث يمكن لنا القول بأن عائشة عبد الرحمن قد أتت بادعاءات الحركة النسوية في الأدب العربي قبل السيدة نوال السعداوي و غيرها بسنوات، حتى يمكن اعتبار بنت الشاطئ كرائدة الحركة النسوية في الأدب العربي أو على الأقل، كرائدة الحركة النسوية الإسلامية نظرا إلى التزامها بحدود الإسلام وقوائده. الله ورسوله أعلم.
(زبير. بي.يم، باحث في فسم اللغة العربية وآدابها، جامعــة اللغــة الإنجليـزيـة واللغــات الأجنبيــة، حيـــدرآبــاد- الهنـــد)
المصادر والمراجع
1. عبد الرحمن، عائشة ، الدكتورة – “على الجسر بين الحياة و الموت” – دار الكتاب العربي، بيروت – 1985 م
2. عبد الرحمن، عائشة ، الدكتورة -“نساء النبي صلى الله عليه وسلم- ط/ 5 – دار الهلال – القاهرة، مصر – 1971 م
3. عبد الرحمن، عائشة ، الدكتورة – “أم النبي ” صلى الله عليه وسلم : دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان 1958 م
4. عبد الرحمن، عائشة ، الدكتورة “بنات النبي صلى الله عليه وسلم” – دار الريان للتراث، القاهرة ، مصر – 1970 م
5. السعداوي، نوال، الدكتورة و عزت، رؤوف ،هبة – “عن المرأة والدين والأخلاق” – مكتبة مدبولى الصغير- القاهرة- 2006م
6. وكيلي، هادي – “إسلام وفمينيسم” (مجموعة المقالات- ترجمة عربية) – دار المعارف- القاهرة- 2006م.
[1] عبد الرحمن، عائشة، الدكتورة – “أم النبي ” صلى الله عليه – ص – 32
[2] الرحمن، عائشة، الدكتورة – “بنات النبي صلى الله عليه وسلم” — ص40
[3] عبد الرحمن، عائشة، الدكتورة – “بنات النبي صلى الله عليه وسلم” — ص 35
[4] عبد الرحمن، عائشة، الدكتورة – “بنات النبي صلى الله عليه وسلم” — ص40
[5] عبد الرحمن، عائشة، الدكتورة – “على الجسر بين الحياة و الموت” – ص 19
[6]” عبد الرحمن، عائشة، الدكتورة – “على الجسر بين الحياة و الموت” – ص 24
[7] عبد الرحمن، عائشة، الدكتورة – “أم النبي “ صلى الله عليه وسلم – ص: 45
[8] عبد الرحمن، عائشة، الدكتورة – “أم النبي “ صلى الله عليه وسلم – ص: 21
[9] عبد الرحمن، عائشة، الدكتورة – “أم النبي “ صلى الله عليه وسلم – ص: 21