السيد/ محمد صباح الوتودي
إن قضية المرأة قد نالت اهتماما كبيرا في عقول المفكرين و وجدان الأدباء في جميع الأوساط العالمية ، وهناك سبب رئيسي لهذه الظاهرة . وذلك أن المرأة لها تأثير كبير على عقولهم و على أراءهم القيمة التي تتكون منها آراء المجتمع العامة.
كان الرائد العظيم رفاعة الطهطاوي يدعو إلى تأييد المرأة وهو من أوائل من دعا في العصر الحديث إلى تعليم المرأة . وكان متأثرا بما رآه في فرنسا من صورة المرأة والأوضاع الاجتماعية تجاه المرأة .فرأى أن حياة المرأة الفرنسية مما ينبغي أن تكون عليه المرأة المصرية ، وألف كتابا يدعو إلى هذه الفكرة : ” المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين ” سنة 1832 م . فالدعوة المحورية في هذا الكتاب هي تعليم المرأة المصرية. وقد ألف قاسم أمين كتابين في هذه القضية . الأول : تحرير المرأة ’ سنة 1898’ والثاني : المرأة الجديدة سنة 1900 م . هذان الكتابان قد أثارا جدلا كبيرا حول هذه القضية . قد ربط قاسم أمين بين قضية المرأة وقضية الأمة بالذكر الخاص عن التأخر الذي تنعس فيها الأمة العربية .يقول:” بين تلازم انحطاط المرأة وتوحشها ، وبين ارتقاء المرأة وتقدم الأمة ومدنيتها ” [1]
ولقد اهتم يوسف السباعي اهتماما تاما بالغا بقضية المرأة و عالج كل أنواع أعماله هذه القضية سواء كانت قصة أو رواية أو مسرحية . المرأة عند يوسف السباعي كانت موضوعا مهما ومركزا للتواصل . فدعى إلى الحرية الكاملة في الحقوق والعواطف وهي التي تحمل كل إنسان جنينا في ضعفه وتحميه حتى في قوته .تقول لوسي يعقوب حول كتابات واقعية عن المرأة ليوسف السباعي :” قد يعتقد الكثيرون ، أن موقف السباعي من المرأة في حياته وفي أدبه .. كان موقفا محددا بنوعية الفكر ، والارتباط بالمرأة ، ففي مفهوم الناس ، أن السباعي لم يرتبط في حياته إلا بامرأة واحدة فقط كانت خيال طفولته ، وحلم شبابه ، وأمل رجولته ومستقبله ، هذه المرأة هي التي صورها في معظم قصصه وروايته ،المرأة الشامخة ، المتعالية ، ذات الأنفة والكبرياء ،المحبة ، الصابرة المتفانية ، هي القريبة وهي الحبيبة وهي الزوجة في النهاية ، وإلى آخر العمر ..كانت له نظرة ،كان له موقف ، وكان يتوارى في كل هذا خلف خجله ومن وراء صمته وتأمله ..قطعا ، لقد تآلف قلبه مع من تآلف وتخيل وتاه وحلم وتمنى وأحب وعاش مع خيالات فتيات في عمر الزهور ، وفي رقتها إنهن رحيق الحياة ، ومادة القلم الحاني الرومانسي ، ولم يكن خيال المرأة الوحيدة التي ارتبط بها في النهاية ، هوالخيال الوحيد ، والحلم الأمثل ..بل كان هذا الخيال ،يمثل له الحقيقة التي يتمنى أن تتحقق ، وصورها في قصصه ورواياته ،هي من الواقع ، ونسيجها من الخيال ، أحبها واقعا وخيالا ، ومزجها واقعية ورومانسية في قصص بهامن الواقعية الشيئ الكثير وبها من الخيال ..الشيئ الأكثر! ” .[2]
فأعماله الروائية أيضا تشغل بقضية المرأة المصرية مثلا رواية ” رد قلبي ” و ” ابتسامة على شفتيه ” و ” نحن لا نزرع الشوك ” و ” لست وحدك ” . على رأيه أن المرأة هي التي تحرك الرجل تدفعه إلى الأعمال وإلى المجال المتعدد في الحياة ويقول السباعي عن المرأة في هذا المعنى : ” وليس هناك من ينكر أنه ما من مطمع للرجل في هذه الحياة إلا كانت الرعبة الدافعة إليه هي إرضاء المرأة مهما حاول الرجل إنكار ذلك ” [3] إن أمور المرأة تملأ بالأسرار التي تصعب على فهمها .فإذا حاول أحد من الكاتبين الولوج إلى أعماق عالمها لا يستطيع أن يصل إلي أكملها . ألف يوسف السباعي مجموعة قصص قصيرة ” اثنتا عشرة امرأة ” وهذا الكتاب يتضمن اثنتا عشرة قصة تحت العناوين التالية . امرأة صابرة ، امرأة خاسرة ، امرأة نائمة ، امرأة محرومة ، امرأة ورماد ، امرأة وظلال ، امرأة غيرى ، امرأة ضالة ، امرأة ثكلى ، امرأة شريفة ، امرأة غفور، امرأة . قد حاول يوسف السباعي في هذه المجموعة القصصية أن يخوض إلى أعماق النساء محاولا لتشريح المرأة وتحليلها من كل ناحية متباينة . وهناك مجموعة قصصية أخرى ليوسف السباعي بعنوان ” اثنا عشر رجلا ” ويقول في مقدمته : ” لقد كتبت ما كتبت عن النساء ، ورغم كل ما كتبت لا أستطيع إلا أن أعترف أنني عاجز أمامهن ، وأني ما استطعت فهمهن بعد “[4]. عندما يعالج قضايا المرأة في أعماله فإنه يفصلها ويفسرها من جوانب أساسية عديدة في حياة كل امرأة ، وعلى الرغم من اهتمامه بالجوانب المختلفة ، يركز معظم اهتمامه على الجوانب العاطفية والوجدانية بالنسبة للنساء حتى قال عنه علاء الدين وحيد : ” من أشهر الأدباء العرب الذين يكتبون في الحب إن لم يكن أشهرهم ” . [5]
المرأة المصرية بدأت أن تشارك في الحياة العامة ، و تتدخل في الأمور السياسية و تتسابق مع الرجال في المجالات المختلفة مثلا في مجال العلم والتعليم ومجال المهن العامة في قطاعات الحكومة والخاصة. ومن هذه الأوضاع أضحت قضايا المرأة تتركز في أعمال الأدباء والمبدعين على الجوانب العاطفية وأحوالها داخل الأسرة سواء كانت أما أو بنتا أو أختا و على معظم الأشياء التي تتصل المرأة بالرجال .فمن هنا نبدأ أن نبين أهم المجال الذي دار حوله هذه القضية هو الزواج .
المرأة والزواج عند يوسف السباعي :
الحب السليم الذي يبينه الكاتب في قصصه يصل إلى مرتبة أخرى،هو الزواج وهو نتيجة طبيعية للحب. خاصة في تلك الحالة الإجتاعية بدلا مما يحدث في هذه الأيام في أماكن كثيرة ، ذلك أن يعيش العاشقان معا بدون زواج ولا عقد . و هذا هو من خصائص الوعي الاجتماعي الحالي والذي لم يحدث بمصر في عصر الكاتب يوسف السباعي . ولكن في كثير من الأحيان يقف الكاتب يوسف السباعي مع حالة الحب بين العاشقين قبل الزواج ويلقي اللوم الشديد على هؤلاء الراغبين في الزواج الذي يتكون من الحب والذي ينتهي إلى الفشلة بعد الزواج . فهذه الفكرة له اتخذ من الحضارة الغربية ويريد تنفيده في بلده أيضا .
يقول الكاتب يوسف السباعي بهذه الفكرة في قصة له بلسان بطلة :” أنا أعرف أنه ليس للزوجة أن تطمع في ذلك الحب المشتعل المتأجج الذي كانت تأمل فيه وهي فتاة حاملة ــــــ إني لأذكره منذ عام وقد جلس أمامي قبل الزواج بوجهه المتألق الذي يفيض بالبشر ، وابتسامته التي تشيع في النفس السعادة الهناء ، وصوته العميق الذي سبب لي سعادة العمر ونعيم الحياة ، وتزوجنا ومرت الأيام وإذا بي أرى عمله يستغرق كل وقته ، وإذا بي أراء يعشق مهنته أكثر مما يعشقني ، وإذا بي أراني نسيا منسيا ” [6]
وفي قصة أخرى له يبين نفس الأحاسيس على لسان بطل القصة ، يقول البطل عن الفرق بين حالة قبل الزواج وبين حالة بعده :” ما أشبه الزواج بمصيده ! وما أشبهنا قبل الزواج بفأر خارج المصيدة يغرينا منها ذلك الطعم الشهي اللذيذ، السهل المنال وندخل المصيدة ونتمتع بأكله لحظة أو لحظات ولا نكاد ننتهي من أكله حتى نتطلع إلى خارج المصيدة ، زاهدين في كل ما فيها ، وبنفوسنا لهفة إلى الخروج منها ولكن أنّى للفأر أن يخرج من المصيدة ” [7]
قد قلنا أن يوسف السباعي كان يرمي بالسخف والحمق والجنون على من يريد الزواج لأنه اعتبر الزواج والحياة بعدها مصيبة عظيمة في أحوال خاصة. يصف هذه الكارثة في قصة له ” في أبو الريش ” من مجموعة قصصه ” بين أبو الريش وجنينة ناميش ” وهو يذكر عن حياة الشيخ علي لوز كأن حياته كان في السعادة والفرح والتمتع قبل الزواج وانقلبت الحياة بعدها ، يكتب :” أصبه الله بشر ما يصيب به عباده ، وابتلاه بالكارثة الكبرى الزواج ” [8]
وإن كان يوسف السباعي يبين أن الزواج كارثة كبرى كما قلنا عن آراءه في القصص السابقة ، فإنه يقول في قصة أخرى له أن الزواج والحياة ما بعده هو طريق للاستقرار والسكن العائلي . ويقول الكاتب في هذا المعنى على لسان بطل قصة ” خريف امرأة ” من مجموعة أطياف : ” أبغي الهدوء والاستقرار أريد حياة ناعمة غير مضطربة أريد شريكة تعيننى على الحياة ولا تعين الحياة ، على أريد امرأة تذهب عني الهم وتمسح بيدها الحنون أحزاني وأشجاني أريدها تعهد لي طريق الحياة أريد بيتا هادئا جميلا ألجأ إليه عندما ترهقني الأعمال فأحس بمن يلقاني فيه بابتمامة تذهب مالتعب والضيق أريد أما لأولاد يملأون البيت تغريدا وترنيما كأنهم بلابل في جنة مزدهرة أريد قلوبا تحزنها غيبتي وتفرحها أوبتي أريد عيونا تدمع لحزني ويؤيرقها مرضي وينبعث منها ضوء يهديني سواء السبيل هذا هو ما يعنيه الزواج بالنسبة لي وبالنسبة لأي رجل “[9]
نقرأ هنا رأيين له في موضوع واحد ، وفي موضع يقول أن الزواج سبب لكارثة كبرى وفي موضع آخر يقول أنه يقود الفرد إلى الإستقرار والسكن العائلي . فماذا رأيه الحقيقي؟ نقول أن الرأي الثاني هو الرأي الحقيقي له ، بل يتخذ من آراءه حسب طبيعة قصته وأبطالها . وعلى رأيه أن يكون الزوج أصغر من الزوجة سنا أو يوافق سنه مع سنها . وإذا كان بالعكس يكون هناك مشكلات تفسد الحياة بعد الزواج ، في هذا قال أن الزواج كارثة كبرى إذا كان الزوج أكبر من الزوجة سنا . وإذا كان الزوجة أكبر منه سنا فيكون الزواج قائدا إلى السرور والسعادة والإستقرار والسكن .
حرية المرأة في الزواج:
إن الأسرة مؤسسة عظيمة في المجتمع وتتكون هذه المؤسسة من تجمع رجل وامرأة في علاقة زوجية . وإن لم تكن تتألف على أساس الحب والمودة فتنهار العلاقة الزوجية بأيام قليلة، وإن كانت على أساس الحب والمودة فيطول بقاء العلاقة إلى الموت بدون قيد ولا مشاكل . وعلى هذا يتكون رأي يوسف السباعي ،ذلك أن تكون للمرأة حرية كاملة في اختيار شريكها في الحياة كما للرجال حرية كاملة في أمورهم .أما الحرية للنساء في اختيار زوجها لم تكن هناك على حد كبير في الوعي الاجتماعي العام بمصر في ذلك الزمن الذي عاش فيه يوسف السباعي .
يكتب يوسف عن كراهية المرأة في هذه القضية على لسان بطلة “عايدة” في قصة ” إني راحلة ” بمناسبة ما تعود به زوجه توتو من الأخلاق السيئة . وكان ابن رئيس الوزراء ، ولكن رغم ذلك لم تحب عايدة بهذه العلاقة التي حدثت من قبل أعضاء أسرتها. وأظهرت عن كراهيتها في حياتها معه قائلة :”إن زوجي الحقيقي هو ذلك الرجل الذي ربطتني به مواثيق الحب “[10] . وهو أحمد الذي أحب إليها من توتو بسبب الحب الخالص النقي . ولذا فكرت أن حياتها مع أحمد هي مشروعة وحياتها مع توتو غير مشروعة ، بعد أن تقول هذه الأشياء لتوتو تفر منه إلى أحمد . وتقول عن مهمتها هذه : ” إن ما فعلته مشروع في عرف نفسي أما ما فعلت فيما مضى فقد كان هو الفسق لا محالة الفسق المشروع بالإكراه إكراه العقود الزوجية ” [11]
هذه الكلمات ليوسف السباعي تبدو لنا أنه كان ينادي شديدا لحرية النساء في اختيار شركاءهنّ في الحياة وأن تعطى المرأة هذه الحرية هو مشروع وعدا ذلك غير مشروع . وذلك بسبب أنها أباحت لرجل غير محب لها ، رقيع مخنث أن يتمتع بمجرد جسمها العفيف ، وحرمت على أحمد المحب لها أن يقربها . وفي الحقيقة أن يوسف السباعي يسخر من مثل هذه العادات التي التزم بها المجتمع . وأراد أن يبدل هذه العادات بنداء الحرية للنساء . ويغضب الكاتب عن علماء الدين الذين يؤيدون على مثل هذه الأمور ويقول غاضبا على لسان عايدة :
” أتذكرون ذلك الشيخ المعمم الذي قرأ وكتب وأباح لي بكتابته أن أرقد في فراش إنسان غريب وأرتمى في أحضان رجل لا تربط بين قلبينا صلة ، ولا يشد روحينا عهد أو ميثاق ؟ ذلك العقد التافه هو الذي كان ينقصني لكي يجعل مني في نطركم امراة شريفة ويجعل مما تسمونه فسقا عملا مشروعا تأتونه حين ترغبون “.[12]
في مثل هذه السخرية ، يسخر الكاتب حقا من العادات والتقاليد غير مباشرة قائلا إنها فاسدة غير مشروع .ويغضب عن رجل محب في المرأة ، الذي يريد من حبيبته الزواج ويبرر أنه هو الخير من أن يكون حبهما بدون عقد متين . فيظهر الكاتب غضبه على لسان بطلة في قصة “حديث مجنون ” من مجموعة ” هذا هو الحب” . تقول البطلة لعاشقها حين قال عن فكرته : ” ماذا تعني بمتزوج ؟ أتعني هذه العقود التي يكتبها الإنسان فيربط بها رجل بامرأة مدى الحياة ؟ يا للسخف ! أتظن هذه العقود تمنعني من أن أحبك أو تمنعك من أن تحبني ؟ لا..لا..”[13] .هذه القصة تتكون من الوعي الاجتماعي للمجتمع المسلم الشرقي وهم يرفضون عن العلاقات بين الجنسين بلا عقود زواجية . فمن هذا الوعي تتكون فكرة البطل لا كرها بعاداتهم بل خوفا من معاملاتهم معهما خلال حياتهم بلا عقود . يريد السباعي أن ينتهي مثل هذه الفكر من المجتمع العام .
هذه الظاهرة كانت يشيع في المجتمع ضغطا على الفتاة لتتزوج إجباريا بمن يأتي به أهلها , ولكن بعض الفتاة لا تتوافق مع الأهل وهن لا يستطعن أن تظهر ما هو في وجداناتهم من الأحلام خائفات عن عادات المجتمع ، فتفشل العلاقة في بضع أيام . وبهذا السبب قد انهار العلاقة بين عايدة وبين ابن رئيس الوزراء في قصة إني راحلة كما ذكرنا من قبل . تفر البطلة من الزوج بعد أن بدت خيانته لها في حياتها الزواجية . و هذه الأشياء كلها من الكبائر على حسب المجتمع العام ولكنهم هم الذين يخلقون الفرصة بأفكارهم الضيقة . هذه القضية الزواجية قد اهتم بها النقاد والكتاب اهتماما كبيرا بقول بعضهم ضد الكتابين لمثل هذه الأشياء في أعمالهم الأدبية وأبطال القصص العاطفية . يزعمون أن هؤلاء الناس الذين لا يوافقون مع عادات المجتمع وتقاليدهم قد استحقوا الإنتقادات من قبل المجمتمع .
يقول د.طة وادي عن رواية إني راحلة ليوسف السباعي , وعن بطلتها عايدة :
” تشهد مأساتها وترى قدرها ومع ذلك لا تحاول له ردا هي أو البطل الذي يشاركها فن الرواية ، حين تخطب لا تحاول هي أو هو دفع القدر ، بل حتى مجرد البوح بحبها ، ويتركها تتزوج ويتزوج هو أيضا ، بعد أن أثبتا أنها لا يجيدان إلا البكاء والحزن ، ولذلك فهما جديران بالموت الذي كتبه المؤلف عليها بريقة ” ميلو تراجيدية ” في نهاية الرواية”.[14]
وفي رواية إني راحلة ليوسف يبين لنا ما يتعرض له الشباب المصري الذي يفكر في التوجه السلبي تجاه حياة زوجية بأعمالهم السلبية في حياتهم. هذه الظاهرة كانت شائعة بمصر حين ذاك. وإذا نظرنا إلى الوعي الاجتماعي العام لمصر اليوم نجد أنهم أتوا إلى حالة اجتماعية إيجابية من ذلك الوعي الاجتماعي التي كانت المرأة فيها شيء يتلاعب بها مجتمع الرجال. فاليوم إن المرأة المصرية لها حرية كافية في أمورها خاصة في اختيار شريكها في الحياة. وتلعب دورا هاما في بناء رأي المجتمع العام بقوتها العلمية والعملية، وسبب تحويل الأحوال الاجتماعي إلى مرتبة راقية ، لا شك هو التدخل الفني والفكري من قبل الأدباء والمبدعين .
إن الكاتب يوسف السباعي قد أراد من المجتمع النسائي أن تكون كلماتهن قوية تجاه سلبيات المجتمع بغض النظر إلى أعضاء الأسرة أو الأقرباء أو من يقود المجتمع من وراء سدّ الديانات . ويقول الكاتب إرادته هذا على لسان بطلة القصة ” ترضية ” من مجموعة “خبايا الصدور ” حين أراد أهل أسرته أن زوجوها بمن هو من أسرة ذات شرف ومال كثير فهي تقول : ” لقد ضحوا بي في سبيل أغراضهم ، لقد تزوجوا هم صاحب الملايين أما أنا فقد كنت طمعا لصيدهم ، كانوا كلهم مغرضين غير شرفاء ، فلماذا نكون نحن وحدنا شرفاء ؟ لقد سخر منا القدر عندما حاولنا أن يسلك كل منا إلى الأخر سبيلا شريفا وصمم على أن يضع بيننا هذه القنطرة من المال ” [15] والبطلة في هذه القصة تقول لحبيبها بعد كل من المشكلات التي تعرضتها من أهلها بسبب هذه العلاقة ـــــ وهي غير مشروعية على حسب اعتقاد الأسرة ـــــ : ” كنت أعرف أنك هنا ولو تكروني لجئت إليك امرأة شريفة , أصبحت زوجتك ” . [16] هذا ما يريد الكاتب يوسف السباعي من العاشقين كلهم في نيل حقوقهم.
يكتب السباعي عن تجربة أخرى للحب الطاهر في قصة هذه الربوة من مجموعة في مبكي الهوى . ذلك أن الفتى والفتاة يتعارفان عند شاطئ البحر وسقطا في الحب الطاهر حتى صمموا على الزواج . وفي هذه الفترة قد عزم أهل الفتاة على تزويجها من إنسان آخر غير حبيبها وفضلت الموت على الزواج والحياة بين يدي حبيبها . وفي الحقيقة ، قد فقد الأهل عضوة منهم بدلا من أن يرواها في الحياة السعيدة . فالمذنب هنا الأهل ولا شك فيه .
ونفس الحادثة قد حدثت في قصة شبح في فراش حيث البطلة تفر مع حبيبها غامرة بحبه ولكنها أعيدت من قبل الأهل وضيقوا عليها الخناق ، ثم اختاروا لها زوجا آخر بدون إذنها . لأنهم خالوا أنها ستنسى ما مضى من حياتها ولكن أن الفتاة أنهت الحياة في ليلة زفافها وهي تقول :” كنت أشعر كأني أزف إلى القبر .. لقد كنت حزينة يائسة ، كنت أتمنى الموت ولكني لا أستطيعه .. ولكني أخيرا استطعت أن أخلو لنفسي بضع لحظات تناولت فيها سما وفررت من الزفاف ومن الحياة ” [17]
الأحوال الاجتماعية التي اعتزمها المجتمع والأسر العادية تعلقا بالزواج قادتهم إلى كوارث كثيرة في كثير من العلاقات الزواجية. فمثلا ، قصة “حالة يأس ” من مجموعة ” مبكي العشاق” فيه نمى الحب بين رجل وامرأة . والشاب يريد أن يسافر إلى خارج البلد ويوعدها بالزواج بعد أن يعود من الخارج ’فانتظرت سنوات له ولكن في هذه المدة بدأ أهل أسرتها يرفضون ويصرون على الزواج من رجل آخر . وهذا الرجل على حسب قولهم رجل نموذجي كريم الأصل وصاحب الثروة الكبيرة والجاه بين الناس . وعلى تقنعهم المتداول لها صممت لأن تنسى ما مضى وتتزوج مع الرجل الذي تقدم لها أهلها . ولكن بعد الزواج عرفت أن له علاقة مع الخادمة وتعود منه إلى البيت وتفشل ما بينه وبينها من العلاقة الزواجية . يري الكاتب يوسف السباعي أن يقول في هذه القصة أن العادات الاجتماعية لا بد أن تتبدل وإلا يكون العلاقات الزواجية فاشلة تامة .
وأن يعطي المجتمع للشباب والفتيات حقهم في اختيار شريكهم في الحياة بإقرار ما يريدون من علاقاتهم مع العاشقين الذين لهم التجارب التام بعضهم ببعض أكثر من تجاربهم مع من تقدم لهم أهلهم للزواج.
(محمد صباح الوتودي، باحث في قسم الدراسات العربية ، جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، حيدرآباد، الهند)
الهوامش
[1] . قاسم أمين : تحرير المرأة ، ط : المركز العربي للبحث والنشر بالقاهرة 1983 ، ص : 9
[2] – لوسي يعقوب ، يوسف السباعي فارس الرومانسية ، الدار المصرية اللبنانية ،ص 56و57
[3] . يوسف السباعي : مقدمة اثنا عشرة امراة ط3 الخانجي بالقاهرة 1948 ص7
[4] . يوسف السباعي : مقدمة قصص قصيرة ” اثنا عشر رجلا”
[5] . علاء الدين وحيد : يوسف السباعي بين الأيام والليالي ، الكتاب الذهبي ، روز اليوسف 1979 ص188
[6] . يوسف السباعي : اثنا عشر رجلا ، قصة : رجل كريم ص 214،215
[7] . المرجع السابق ، قصة : رجل كافر ص 116،117
[8] – يوسف السباعي : بين أبو الريش وجنينة ناميش ، قصة : في أبو الريش ص 15
[9] – يوسف السباعي مجموعة أطياف ، قصة : خريف امرأة ص 242و 243
[10] – يوسف السباعي ، إني راحلة ص 290
[11] – المرجع السابق ، ص 290
[12] – المرجع السابق ، ص 290
[13] – يوسف السباعي : مجموعة هذا هو الحب ، قصة : حديث مجنون ص 51
[14] – د . طه وادي ، صورة المرأة في الرواية المعاصرة . دار المعارف 1984 ص 150
[15] – يوسف السباعي ، مجموعة خبايا الصدور ، قصة : ترضية ص 293و294
[16] – المرجع السابق :ص 294
[17] – يوسف السباعي : مجموعة من العالم المجهول ، قصة : شبح في فراش ص 46
المراجع :
1. قاسم أمين : تحرير المرأة ، ط : المركز العربي للبحث والنشر بالقاهرة 1983
2. لوسي يعقوب ، يوسف السباعي فارس الرومانسية ، الدار المصرية اللبنانية
3. يوسف السباعي : اثنا عشرة امراة ط3 الخانجي بالقاهرة 1948
4. يوسف السباعي : اثنا عشر رجلا
5. علاء الدين وحيد : يوسف السباعي بين الأيام والليالي ، الكتاب الذهبي ، روز اليوسف 1979
6. يوسف السباعي : اثنا عشر رجلا
7. يوسف السباعي : بين أبو الريش وجنينة ناميش
8. يوسف السباعي مجموعة أطياف
9. يوسف السباعي ، إني راحلة
10. يوسف السباعي : مجموعة هذا هو الحب
11. طه وادي ، صورة المرأة في الرواية المعاصرة . دار المعارف 1984
12. وسف السباعي ، مجموعة خبايا الصدور
13. يوسف السباعي : مجموعة من العالم المجهول