إبراهيم عبد القادر المازني وأدب الرحلة.

محمد شاهد  

الأدب العربي يختزن بمختلف الآداب المكتوبة العربية نثرا وشعرا منذ زمن الجاهلية إلى يومنا الحاضرالأدب الروائي، والأدب القصصي، والأدب الفكاهي، والأدب المسرحي، والأدب النقدي، وأدب الرحلة وما إلى ذلك. أما أدب الرحلة فله مكانة عظيمة في استفتاء المعلومات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية، وهو ذو أثر عميق في الأدب العربي وهو يعد مصدرا من المصادر التاريخية الأدبية والجغرافية وكانت الرحلة عونا للمؤرخ والجغرافي على حد سواء، إذ أن أغلب الجغرافيين المسلمين  كانوا رحالين وسجلوا مشاهداتهم وملاحظاتهم للأقاليم المختلفة التي وطؤوها، فقد كان للرحلة دور في صقل منهج هؤلاء وتأكيد الوقائع والأحداث بالمشاهدة والملاحظة، وأدت بالتالي إلى اتساع أفق صاحبها لكثرة ما زار من البلدان واختلط بالعلماء وأصحاب المعرفة فجاءت رحلته بذلك في أسلوب أدبي رفيع.

يقول ابن منظور عن الرحلة: “الرحلة في اللغة الترحيل والارتحال بمعنى الأشخاص والازعاج يقال رحل الرجلُ إذا سار” [1]. فالرحلة بمعنى السير والضرب في الأرض وجاءت الرحلة بمعنى الارتحال أي الانتقال من مكان لآخر، وأدب الرحلة هو لون أدبي ذو خصوصية تميزه عن غيره من الألوان الأدبية النثرية، وهو ذو قيمة تعليمية يختزنها صاحبها، فهي – كتب الرحلات – تثقف القارئ وتثري فكره ومعلوماته عن منطقة مّا أو مجتمع مّا وذلك حين تصوّر ملامح حضارة المنطقة في عصر محدد، كما يقول شوقي ضيف في كتابه الرحلات:

“إن الرحلات من أهم فنون الأدب العربي، لسبب بسيط، وهو أنها خير رد على التهمة التي طالما اتهم بها هذا الأدب، ونقصد تهمة قصوره في فن القصة ومن غير شك من يتهمونه هذه التهمة لم يقرؤوا ما تقدمه كتب الرحلات من قصص عن زنوج أفريقية وعرائس البحر وحجاج الهند وأكلة لحوم البشر وصناع الصين وسكان نهر الفولجا وعبدة النار والإنسان البدائي والراقي مما يصور الحقيقة حينا، ويرتفع بنا إلى عالم خيالي حينا آخر”[2].

فأدب الرحلة هو الأدب الذي يصور فيه الأديب ما حدث له من أحداث في أي سفر أو مكان، أوما يقابله من أحوال ووقائع في خلال سفر ما إلى أحد المدائن والبلدان، فيصف الرحلة في تأليفه ما يلاحظه من عادات البشر وسلوكهم وطبائعهم وسجاياهم وأخلاقهم كما يهتم بذكر الأحوال الاجتماعية والسياسية والتاريخية والاقتصادية وما إليه، لذلك لكتب الرحلة شأن كبير في العلوم والفنون الأدبية وغيرها، وتعد هذه الكتب من أهم المصادر منها، لأن الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهدة المباشرة في معظم الأحوال ثم يكتب في مذكراته. فهناك في الأدب العربي أدباء كثيرون لعبوا دورا ملموسا ومساهمة فعالة في إنماء أدب الرحلة لأنهمألفوا كتبا كثيرة في أدب الرحلات في مختلف العصور المختلفة، ومنهم: إبن جبير الأندلسي (ولد 1156م) ألف رحلته “تذكرة الأخبار عن اتفاق الأسفار” المعروف باسم “رحلة ابن جبير”،والإدريسي (1099-1160م) فألف رحلته باسم “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”، وابن بطوطة (1304-1377م) فقد ألف رحلته باسم “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، ومحمد حسين هيكل (1888-1956م) صاحب “في منزل الوحي”، ورفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873م) صاحب “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، وأمير شكيب أرسلان (1869-1946م) ألف رحلته باسم “إرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس المطاف”، وأحمد فارس الشدياق (1804-1887م) اشتهر بكتابه “الواسطة في أحوال مالطة”، وحسين فوزي (1900-1988م) صاحب “السند باد العصري”، وتوفيق الحكيم (1898-1987م)سمي رحلته “زهرة العمر”، وأنيس منصور (1924-2011م) صاحب “حول العالم في200 يوم”، والمقدسي (336-380هـ) صاحب “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم”، وياقوت الحموي (574-626هـ) صاحب “معجم البلدان”، وأبو الريحان البيروني 973-1048م) صاحب “تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مزدولة”، وإبراهيم عبد القادر المازني (1889-1949م) صاحب “رحلة الحجاز” وكذلك هناك في الأدب العربي القديم وكذلك في العصر الحديث قائمة طويلة للأدباء الرحالين الذين لهم إنجازات كبيرة في أدب الرحلات.

أريد أن أتوجه إلى إبراهيم عبد القادر المازني وكتاب الشهير في مجال الرحلات وهو باسم “رحلة الحجاز”، إبراهيم عبد القادر المازني هو شاعر كبير وناقد عظيم وكاتب روائي مصري ولد في مصر سنة 1889هـ وعرف كواحد من كبار الكتاب في عصره كما عرف بأسلوبه الساخر سواء في الكتابة الأدبية أو الشعر العربي وله مكانة مرموقة  في مجال أدب الرحلات أيضا فقد ألف كتابا رائعا في أدب الرحلات سماه “رحلة إلى الحجاز” ويسرد فيه أحداث وواقعات التي وقعت أثناء سفره عام1930م إلى الحجاز لأداء العمرة، فيذكر جميع التفاصيل لهذه الرحلة في هذا الكتاب بالإضافة إلى وصف المدن التي زارها، فيتحدث عن العادات والتقاليد الشائعة في الأطعمة والملبس ويصف أيضا شوارع جدة ومكانها ثم يغادر إلى مكة المكرمة حيث يتحدث عن الإحرام وعن البيت الحرام وعن دخوله في الكعبة، فيسجل في كتابه كل ما يشاهده في السبل والضواحي والطرق التي زارها ويهتم به من دور وقصور وأودية ومساجد وآثار ومناظر روحانية. وأما في نهاية هذا الكتاب يتحدث عن مراحل التطور والتوسع والنمو والتقدم في بلاد الحجاز، وعن الحكومة التي سلكت طريق التقدم والتطور ويذكر أيضا الخدمات التي توفر الحكومة للشعب السعودي وأهل الحجاز.

رحلته إلى الحجاز: تعتبر رحلته من أروع الرحلات الأدبية، وقد استخدم المازني فيها أسلوبا سهلا، يأنس به الجمهور ويجذب القارئ إلى استمرار في قراءتها فهولا يشعر إلا وقد ينتهي من قراءة رحلته كلها من البداية حتى النهاية. وقد بدأت هذه الرحلة في بداية شهر شعبان، من قناة السويس على الباخرة، ووصل إلى ميناء ينبع في 4 يناير 1930م الموفق ثلاثة 3 شعبان عام 1348هـ كما يقول المازني:

“وفي الساعة السادسة من صباح السبت 4يناير أيقظني أحد الزملاء وأبلغني أن الشاطئ قد ظهر”.[3]

 واصطحب معه في هذه السفرة عديد من كبار الشيوخ والكتاب منهم: خير الدين الزركلي (1893-1976م) صاحب كتاب الأعلام الشهير، وأحمد زكي باشا (1867-1934م)، وعبد الحميد حمدي (1885-1950م)، ومحمود أبو الفتح (1893-1958م)، وغيرهم من الصحفيين والأدباء للمشاركة في الاحتفال الأول بذكرى جلوس الملك عبد العزيز، وقد شارك المازني كمندوب عن جريدة السياسة المصرية.

لم يوزع المازني كتابه “رحلة الحجاز” على الفصول والأبواب مثل الكتب العادية، بل تحدث في رحلته تحت عناوين خاصة، فبدأ رحلته بذكر أول مدينة في الحجاز التي نزل فيها أي مدينة ينبع تحت عنون “في الطريق إلى ينبع” ولما وصل إلى مدينة جدة، فتحدث عنها تحت عنوان “في جدة” وهكذا لما غادر إلى مكة تحدث عنها تحت عنوان “في مكة” و”بين مكة والكندرة” كما تحدث عن وادي فاطمة تحت عنوان “في وادي فاطمة” و هكذا عنون بضعة صفحات” في بيت العويني” واختتم الكتاب بالخاتمة في الأخير، والمازني يمتاز في رحلته بإتيان الكلمات والجمل السهلة والدقيقة، وأسلوبه النثري الأدبي، يمتاز بالسهولة والسخرية والطلاقة في التعبير كما يمتاز بالتفصيل في ذكر العادات والتقاليد الشائعة في اللباس والأكل في الحجاز وما حولها، ومقابلته مع الأمير فيصل. وذكر مقابلته…. حتى لم يترك شيئا فشيئا حتى تحدث عنه

ومن المناسب أن أقدم هنا نموذجا من هذا الكتاب لكي يثبت مكانة هذا الكتاب في الذهن ويرسخ عظمته ويكرس جلالته، لأنه هذا الكتاب مجموع صحيح من عدة الفنون الأدبية وهو يحتوي على الرواية والقصة والجغرافية والعلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كما يتناول عادات العرب الحجازيين وأخلاقهم، فيذكر أحوال مدينة جدة بالتفصيل ويسجل كل ما زاره وما شاهده هناك، كما أنه حين دخل في حدود مدينة جدة وكان البحر أمامه هائج فبين حالة البحر في شعره بأروع أسلوب حيث يقول:

“فانتقضت قائما وقد فرحت وسرني أن البحر أولانا التفاتا، وجعلت أروح وأجئ بقدر ما أستطيع في هذا الحجر الضيق الذي يسمونه حجرة النوم وأرفع صوتي بقول ذلك البدوي الساذج.

والبحر صعب المراس جدا          لا جعلت حاجتي إليه!

أليس ماء، نحن طين؟                     فما عسى صبرنا عليه؟.[4]

وقد تحدث المازني عن العبادات للحجازيين وتقاليدهم السائدة في اللباس والأكل كما ذكرنا سابقا ومن أمثلة ذلك ما قاله عن كيفية الجلوس على المائدة ترتيبا عشوائيا غير منظم،وعن أنواع الطعام أيضا كما هو يقول:

“وهم لا يراعون في الجلوس إلى الموائد ترتيبا معينا، وكانوا معنا على الأقل أحذق وأدق مجاملة من أن يتوخوا ترتيبا، فكان من شاء يجلس حيث يشاء حتى لا يشعر أن غيره مفضل عليه أو مقرب دونه أو مختص بإيثاره. والقوم في الحجاز لا يأكلون سوى مرتين في الأربع والعشرين ساعة: مرة حوالي الساعة العاشرة، والثانية حوالي الرابعة أو الخامسة. وأحسب أن جو البلاد هو الذي اقتضى هذا التخفيف، ولكنهم توخوا مثل عاداتنا في مصر من أجلنا. وغيروا مألوفهم وجروا على مألوفنا”[5]

ويستمر المازني في وصف طعامهم بأسلوب أدبي رفيع حيث يقول:

“والأطعمة التي تناولناها فيها صنعة حسنة وذوق يجمع بين الأسلوبين العربي والتركي. وقد يحدث أن يقدم لك بضعة ألوان طعام حلو فتحسب أنك قد قاربت النهاية ويسرك ذلك فرارا من كظ المعدة بألوان عدة لا آخر لها بعد الحلوى يكرون إلى اللحوم والخضر وما إلى ذلك على نحو ما كان يجري هنا في الأعراس على الطريقة التركية القديمة”[6].

ويصف أيضا عن شوارع جدة وطرقها التي هي مكتظة بالصخور غير مبلطة وغير مرصوفة حيث يقول في ذلك:

 “إن الطرق غير مرصوفة كما هي في مصر ولكنها نظيفة على الجملة”.[7]

ولقد قدم المازني صورة فوتوغرافية للمدن والقرى التي مرّ بها فمثلا نجد في رحلته أن جدة كلها صحراء جرداء، ليس فيها نهر أو جدول واحد، فيعتمد سكانه على المطر والآبار في معيشتهم، فأما المطر فهو ليس في يد الناس بل الله سبحانه وتعالى سلطان عليه ينزل حيث يشاء ومتى يشاء وما يشاء وأمره بيد الله كله، وأما الآبار كان من حيث التعداد كثيرا من قبل ولكن الأتراك لما أجبروا إلى الرجوع من بلادهم واضطروا إلى العودة من أوطانهم  فخربوا أكثرها وهدموها، وعلى أن الآبار مهما كثر عددها لا تسد حاجات البلاد ولا تشبع حوائجهم  لأنها تقف وتنشف وتجف فالحكومة العربية السعودية بدأت تفكر الآن في استخدام الآلات الحديثة لاستخراج الماء من الأرض لكي تستوفوا حوائجهم كله، وكذلك يقول إن جدة ليس يوجد فنادق فيها للضيوف الوافدين إليها يمكن أن ينزلوا فيها، بل الوارد إليها من الخارج ينزل في بيوت الأقرباء حيث يقول:

“وليس في جدة فنادق ينزل فيها القاصدون إليها؛ وإنما ينزل الناس في بيوت الأهالي، فمن شاء استأجر منزلا بأسره، ومن كان يسعه ذلك قنع بغرفة مؤثثة، على مثال “الفندق” في مصر مع فروق طبيعية”.[8]

والمازني يرتكز أيضا عن إباءتهم خاصة لأن الأغنياء لا يتصنعون الفقر ولا يخفون مالهم ولا يكتمون ثروتهم، وكانوا لا يضايقون الناس بمظاهر الترف ولا يزعجونهم بإظهار الفخر، وهم يتظاهرون المتربة من قبل ورقة الحال طمعا لتحصيل الأموال وخوفا من الخوة والابتزاز كما هو يقول:

“وقد كان الناس على ما علمت في العهد السابق يخفون أموالهم ويتظاهرون بالمتربة ورقة الحال خوفا من الابتزاز أو الاقتراض الذي هو في حكم الاغتصاب والمصادرة، أما الآن فيقول لي بعض الأصدقاء: إن الحكومة في آخر العام قد تقفر خزائنها فتحتاج إلى المال فتقترض من الأعيان حتى إذا جاء موسم الحج ردت إليهم ما أقرضوه بلا ربا”.[9]

وقد أجاد المازني وأحسن في وصف مكة المكرمة حينما وصل إليها بالإضافة إلى الحديث عن المسجد الحرام وعن دخول الكعبة كما يصف المسجد الحرام وأبوابه من أية ناحية ما، ومن الأشياء التي يمتاز بها المازني قيامه بالمقارنة بين الأشياء المختلفة فمثلا قارن بين الأزهر وبين الحرم حيث يقول:

“وللحرم عدة أبواب، ينحدر منها المرء إلى صحن رحيب جدا ويدور بالكعبة، كصحن الأزهر إلا أنه أوسع كثيرا، وأرضه رمل حصى، ولكنه حول الكعبة مبلط، وكذلك ما بين الأبواب وهذا المطاف”.[10]

 وكذلك سجل ما شاهده في طريق مكة والمناطق التي زارها وما تحفل به من دور وقصور وأودية ومساجد وآثار ومشاهد روحانية كما يصف وادي فاطمة بأروع أسلوب يقول:

“ووادي فاطمة واد – كما هو ظاهر بالبداهة – ولكنه غير ذي زرع كثير، فيه نخيل وأعناب، وفيه موز وباذنجان، وطماطم وليمون، وملوخية وبامية”.[11]

ومن يطالع رحلة المازني فيجد فيها متعة ذهنية وأدبية إذ تتجلى فيها عناصر الأدب المختلفة كما أن المازني يتحدث كالقصة المربوطة والمحبوكة في هذه الرحلة بأسلوب قصصي ويصف الأماكن بسرد قصصي، كما وصف لنا قرية ينبع بأسلوب قصصي حيث يقول:

“وركبنا زورقا إلى المدينة، وهي صغيرة فقيرة، وبها مساجد كثيرة أشهرها مساجد: ابن عطاء، والخضر، والسنوسي، وأهلها وكلاء للتجار أو عمال لهم، وليس فيها زرع ولا ضرع، وبها آلة لتصفية ماء البحر للشرب يسمونها “الكندنسة” وهي لفظة محرفة عن الكوندنس، فاستقبلنا قائم المقام الشيخ مصطفى الخطيب وهو من أهلها وكان عاملا عليها في عهد الحسين لم تنحه الحكومة السعودية ترفعا منها عن حماقات العزل والتأمير، وزرنا دار الحكومة وهي أبسط ما تكون: بضعة مكاتب في الدور الأرضي، وفي الدور الذي فوقه غرفتان إحداهما للقاء مقام وسجادة لشبابيكها ستائر وفي الأخرى مكتبان صغيران”[12].

وقد ظهرت فيه روحه السخرية واللعب والدعابة والمرح وقد تجاوز في بعض الأماكن التي لا تليق في الأماكن المقدسة حيث يقول:

“ولم يكن في الدكاكين أحد لأنه كان وقت الصلاة، وكان الطريق غاصا بالأطفال يمشون وراءنا ويحفّون بنا في خرق ممزقة ومراقع لا تكاد تستر شيئا، فتساءلت: ماذا يحمي هذه المتاجر أن يسرق منها هؤلاء الغلمان الفقراء؟ فقيل لي: إنه لا خوف منهم لأنه ما من أحد يجرؤ أن يسرق شيئا”[13].

ومن الخصائص والمميزات التي يمتاز بها رحالتنا وأديبنا المازني منها استخدامه أسلوب حواري أدبي حيث يقول في رحلته ومن نماذج ذلك ما يلي:

“واستعرت من زميل لي مبرأة، وملت إلى الحاجز على ظهر السفينة وأرهفت أقلامي، ثم لم أجد لي عملا بعد ذلك فأقمت حد المبرأة على حديد الحاجز ورحت كأني أقطع، فسمعت قائلا يقول لي:

رفقا بالسفينة يا صديقي، أو بمبراتك إذا كان أمر السفينة لا يعنيك! فالتفت فإذا إنجليزي في مثل ثياب الربان.

 فقلت له:

“المبرأة عارية آن أن أردها”.

 فابتسم قال: “بعد أن شحذتها”؟

 فسألته وأنا أشير إلى رجل في مقدمة الباخرة:

 “من هذا الرجل ذو الوجه الأمرد والنظرة الوحشية”؟

 فقال: “هذا القائد… لقد كان ضابطا في البحرية البريطانية وأبلى في الحرب الكبرى بلا حسناء، وقد سُرّح وهو الآن يعمل في هذه الباخرة”[14]

ومما لا مجال للشك أن كتاب المازني “رحلة إلى الحجاز” مفيد للجغرافيين أيضا إذ هذا الكتاب يختزن بفن الجغرافية أيضا لأنه قد ذكر عن حدود الحجاز وموقعه كما هو يتحدث عن طريق إلى مكة، وذلك لأن رحلته هي أشبه إلى مذكرة يومية  تفعم بذكرياته في مدن الحجاز فأريد أن أعرض هنا ما قاله عن طرقات المؤدية إلى مكة التي تدل على جغرافيتها وهو يقول:

“والطريق إلى مكة طريقان واحد للسيارات وهو حسن ومكبوس بما نسميه “وابور الزلط” وقد رأينا (الوابور) يستريح عند سفح الجبل، والآخر للجمال والمشاة، على يميننا ويسارنا والجمال التي رأيتها صغيرة وهي أشبه بالبعران في بلادنا”[15].

وفي الختام أقول إن هذه الرحلة من أجود الرحلات في الأدب العربي الحديث، وهي إضافة جيدة في مكتبة الأدب العربي، وأسلوبه فيها سلس وسهل، وسلك الكاتب فيها طريق القصة المربوطة، كما يمتاز المازني في رحلته باستخدام الكلمات والألفاظ والعبارة البسيطة والدقيقة، كما يمتاز هو بأسلوبه النثري الأدبي الذي يمتاز بالسهولة والسخرية، والطلاقة في التعبير كما نجد في رحلته ذكر العادات والخصائل والتقاليد الشائعة في مظاهر الحياة في الحجاز وما حولها وذلك بالتفصيل والدقة والصدق بالإضافة إلى ذلك يمتاز كتابه باستخدام أسلوب الحوار والمحادثة الذي لم نجده في معظم الرحلات العربية الحديث.

فبالجملة نقول إن “رحلة الحجاز” للمازني رحلة أدبية علمية تصور لنا الحجاز تصويرا رائعا إذ ذكر فيها المازني الحجاز وعادات أهلها، وتقاليدهم، وشعائرهم، وطرق عبادتهم إضافة إلى أحوالهم السياسية والاقتصادية والجغرافية وأسلوبه في رحلته هذه أدبي رفيع جميل وعلمي رقيق. فرحلته مفيدة للجميع من المؤرخين والجغرافيين والاقتصاديين والأدباء. 

(محمد شاهد الباحث في قسم اللغة العربية وآدابها ،الجامعة الإسلامية علي كره)


[1] لسان العرب، بيروت، دار صادر، ج/، ص276

[2] شوقي ضيف، الرحلات، دارالمعارف، الفاهرة، ص6

[3] إبراهيم عبد القادر المازني، رحلة الحجاز، ص20

[4] نفس المصدر، ص33،32

[5] نفس المصدر، ص46،45

[6] نفس المصدر، ص46

[7] نفس المصدر، ص46

[8] نفس المصدر، ص38

[9] نفس المصدر، ص47

[10] نفس المصدر، ص66

[11] نفس المصدر، ص116

[12] نفس المصدر، ص22،21

[13] نفس المصدر، ص22

[14] نفس المصدر، ص14

[15] نفس المصدر، ص57

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *