خدمات شكيب أرسلان في الأدب العربي الحيث

السيد/ مطهر حسين  

عاش شكيب ارسلان في حقبة من الزمان ذات أهمية كبرى في تاريخ  الأدب العربي الحديث. فإنه ما كاد عصر الكبار من رواد نهضتنا يشرف على المغيب في لبنان حتى أنجبه القدر فنشأ في أخر عهدهم، ورافق في حياته جميع التطورات الفكرية والاجتماعية التى حدثت في الشرق العربي. وقد شارك بقلمه ولسانه في هذه التطورات، فترك ورائه اثرا عميقا من أدبه النثرى و الشعري1.

عاش ما يقرب من ثمانين عاما أنفق منها أكثر من ستين عاما في القراءة و الكتابة و الخطابة و التاليف و المراسلة و النظم ، فكتب في عشرات المجلات و الصحف مئات المقالات و البحوث ، و كتب الاف الرسائل و ألقى مئات الخطب ، وادلى بمئات التصاريح و الأحاديث و البيانات ، ونظم عشرات القصائد ، و اصدرت عشرات الكتب ما بين تاليف و ترجمة و شرح وتحقيق وتقديم وتعليق في مجالات عديدة و متنوعة و تعبر عن ثقافته الموسوعية وقدراته الفكرية ، و على الرغم من مشاغله السياسية الا ان حياته كلها كانت قراءة وكتابة لدرجة  أنه لا يدع الكتابة في حله و ترحاله2. واعتبره يوسف أسعد داغر علما من أعلام اليقظة السياسية و الثقافية في العالمين العربي و الإسلامي، وساهم في ابراز عبقرية الأمة العربية في الآداب و العلوم و الفنون و عمل ايقاظ الشعوب الشرقية و تحريرها3.

كان عالما بالأدب و التاريخ و الفلسفة و السياسية، و قد نعت بأمير البيان، و كان عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق، ومصلحا اجتماعيا من الدرجة الاولى، ساهم في ابراز عبقرية الامة العربية في العلوم و الآداب و الفنون كما عمل على ايقاظ الشعوب الشرقية و تحريرها السياسي، فهيأ بمساعيه المتصلة فجر الانبعاث السياسي العربي4.

لو رأينا حياة شكيب ارسلان من الولادة الى الوفاة لوجدنا على انه لم يقض الاوقات الا بالتأليف والكتابة والخطابة والمقالة والرسالة ايضا تقريض الشعر. و لذا انه نادى لإقامة الاجتماع و الجامعة والرابطة لتحفيظ الممالك العربية و الاسلامية.

كما قال احمد الشرباصي ” يقول الأستاذ عبد العزيز عزت عن شكيب :” وهو اول من نادى عن عقيدة و ايمان بتكوين جامعة عربية تعمل على تضامن العرب كافة واسعادهم و استقلالهم ، كان يقول ان شريعة الرسول عليه السلام  التي تسوي بين المسلم و غير المسلم في بلاد الاسلام : (لهم ما لنا وعليهم ما علينا )تجعل مواطنينا غير المسلمين تواقين للاستقلال معنا ، وتاريخ الدولة الاسلامية أعظم شاهد على هذه المساواة في جميع الحقوق و تمام الحرية.

ويقول الاستاذ حبيب جاماتى :” و كان شكيب عن نهضة الجزيرة العربية وأمله في ان تكون منقذة لأخواتها البلاد العربية فيقول (…. و تندج اخواتها التى انبسطت عليهن أيدي الاستيلاء الاجنبي، واصبحن لا يملكن لأنفسهن امرا، فتزحزح عنهن هذا الرق الذر يرسفن فيه ، وتتم بذلك الجامعة العربية التي هي نكتة الحياء ، ونشيدة امالنا في هذه الدنيا “5. نفخ شكيب ارسلان روحا جديدا في الادب العربي بتأليفاته المتعددة بلا وقفة في جميع الميدان الادبية كما كتب قاسم بن خلف الرويس بقول العميد الادب العربي الدكتور طه حسين عزارته الانتاج الفكري .

قال طه حسين :” من الكتاب من اذا كتب فكأنه يغترف من بحر ، و منهم  من اذا كتب فكأنه يقد من صخر و مهما تعددت الأنواع فأقلها في كل امة هو النوع الاول و عدد هذا النوع في الامة العربية قليل جدا، فمن تعرف منهم ؟ أما انا فاني أعتقد أنه اذا لم يكن في الامة العربية من هذا النوع الذي يغترف من البحر الا اثنان فلا بد ان يكون احدهما ، بل اولهما الأمير شكيب ارسلان ، بل انى ارى أن لفظة اغتراف قليلة عليه ، أ يكون اغترافا من البحر ما نراه كل يوم من اثاره؟ ألا ليس هذا اغترافا و لكنه تدفق.

و قد ظل في زيارته الى مصر سنة 1912م في القاهرة أربعين يوما  كتب خلالها اربعين افتتاحية لجريدة المويد ، وذكرت جريدة الشوري  أنه خلال ستة اشهر كتب في مرسين 570 مكتوبا وحبر 40 مقالة  وترجم عن الفرنسية كتابين في  500 صفحة  وكل ذلك بخط يده.

وقال شكيب ارسلان عن نفسه (( انه لا يضيع دقيقة واحدة من وقته و انه يتلقى أكثر من ألفي مكتوب من دورالسنة و ينشر من التاليف بضعة الاف من الصفحات المطبوعة تاليفا”6.

كان كان يكتب على موضوعات مختلفة ، بما فيها الادب و التاريخ  و السسياسة و الاجتماع و الرحلات و التراجم و غيرها، معانيه في هذه الكتب تختلف باختلاف موضوعاتها ، فهو اذا كتب في الادب كانت معانيه في أغلب الاحيان متاثرة بالمعانى المنقولة عن غيره من السابقين و المعاصرين ، اذا كتب في السياسة كانت معانيه بعيدة الغور عميقة الفهم ، لأنه يكتب عن خبرة و تجربة و مشاهدة واتصال بالأحداث ، واذا كتب عن الرحلات حمل الينا المعانى الضالة على التدقيق فيما شاهد ، و التحقيق لما سمع ، اذا كتب في التراجم فانما من الذكريات و الخواطر و اجترار للماضى  مع حديث نفسه ، وربط شخصه بشخص مترجم له فتتجلى المعانى الذاتية ، واذا كتب في اللغة قد تتجلى فيه روح المعجميات و ظهرت النزعة الفلسفية في النقل و المحافظة و احترام الماثور.

مما لا شك فيه أن شكيب أرسلان  كان كاتبا بارعا و أديبا ماهرا في العصر الحديث ، و انفرد بمنهجه و أسلوبه، وكانت حياته حافلة بالجهود الممتازة في سبيل الادب و السياسة و النضال ضد الاستعمار ،مؤلفاته زاخرة بروائع التاريخ ترسم فيها أمجاد العرب و فتوحاتهم و اثارهم الخالدة ، لذلك لا يبارى احد في سعة انتاجه ووافر اطلاعه و جمال بيانه”7.

ليس في هذه العجالة التي نتناول فيها ناحية الأمير شكيب ارسلان الادبية من مجال يكفي لدراسة نثره و شعره وهو ملقب بأمير البيان و حامل لواء الصناعتين. كان رحمه الله ذا مقدرة عجيبة على الانشاء تعينه و قريحة فياضة ، فاذا ما جلس يكتب أتته الألفاظ.

اخذ البلاغة رأسا عن القران الكريم  ، سهر مع الجاحظ و ابن المقفع ، كما طالع و درس في فنون الأدب و الأغاني لأبى الفرج الاصفهاني. أن هذه العوامل أو هذه المراجع التى ذكرتها و ما شابهها لونا أسلوبا كانت و ربما ما زالت تكون في الكاتب العربي ملكة البلاغة العربية ، الا ان المعروف عن الامير شكيب  انه قرءكثيرا و اخذ عن كثير فمذهبه في الكتابة كما ذكرت هو من صنع نفسه وهو ثمرة جهاد طويل و درس شاق اختلطت فيه مذاهب بمذاهب و تداول عليه ادباء و ادباء من كتاب العرب الأولين.

هذا ما يبدولى  في الامير شكيب من حيث اقتداره الغريب على الانشاء اولا و مذهبه في الكتابة ثانيا. أما الامر الثالث فهو انك غالبا ما تشم في انشائه رائحة العرب و الاسلام و المدينة الاسلامية و لا ترى شائبة للتقليد فيه بل بالعكس فقد كان رحمه الله  فيما ينقله او يقتسبه من الآراء و الاقوال ينسب الفضل الى صاحبه.

واخيرا فيما يعترض الكاتب اليوم من المعانى الجديدة الصور المستحدثةفي الادب والفن التي لم يعرفها القدماء ، فقد كان الامير شكيب يسعى الى تخطى العق بات و كثيرا ما افلح فجاءت عبارته خالية بقدر الامكان من غريب اللفظ و وحشي التركيب ، وقد يأتي باللفظ الغريب فيضعه موضعا يجعله مالوفا فلا يمجه السمع و لا ينكره الفهم . و كان اسلوبه على الغالب بليغا بلا تقعر او تعقيد و سهلا بلا ضعف او ركاكة. واما شعره فقد امتاز ببلاغته و صحة مبناه أكثر من معانيه الشعرية ، ولهذا كانت قيمته الادبية في صناعة النظم اكثر من الخيال الشعري الذى يستمده الشاعر من اللاوعي و يتعدى مشاعرنا و احساسنا الروحي.

وأما ما اكتسبه من شهرة واسعة في عالم الادب فراجع الى انه كان مكثرا في الكتابة وما انفك طول حياته عن مبادلة الادباء و الشعراء في العراق و مصر و المغرب و سائر بلاد الشام ، وما خلفه من الاثار نثرا و شعرا في اكثر صحف العالم العربي و مجلاته مما خلد ذكره و طبقت شهرته الخافقين”8.

         ننظر الى تاليفاته مثلا النظم و النثر ايضا بمراجعة خاصة الى مقالاته و رسائله فنجد كثيرا من العناصر الابتكارية التى تدل على خدماته العظيمة في الادب العربي . كما اقتبس محمد على طاهر بيان على الغاباني.

 “الامير شكيب ارسلان من المجاهدين الافذاذ الذين يعدون على الاصابع في بلاد الشرق و العروبة، وقد ملا طباق الارض دعاية للاسلام و دفاعا عن المسلمين ، وعرف ببلاغة الاسلوب ، واشرق الديباجة حتى سمى بحق ((أمير البيان)). تشهد بذلك مؤلفاته الكثيرة ، ومقالاته الفياضة بالعربية و الفرنسية ، رسائله التى لا تحصى في العلم و الادب ، و السياسة و الوطنية”9.

فان الكتابة كانت له سكرو مادام منهمكا في الكتابة خاصة في المقالة .كما قال احمد الشرباصي ” وكان من عادة شكيب ان يسهب و يتوسع في مقالاته ، لان المعلومات لديه كثيرة ، والقلم بيديه  سيال ، و الجلد عنده موفور ، وهو يكتب لفكرة و دعوة أن يلح في نشرها و بسطها ، وان يتوسع في تائيدها و الدفاع عنها.

و شكيب سريع الكتابة حاضر البديهة ، لا يحتاج الى تمهل حين يكتب مقالته ، و لا يحتاج الى مراجعة ،او الى تبييض مسودات ، وربما يكتب مقالته من صفحات ، المطبعة تنتظر ، فيجفع اليها الورقة ، دون معاودة او مراجعة ……….

وهذا يناسب الاسلوب الصحفي الناجح ، لأن الكاتب الصحفي يخاطب جمهور القرءة ، وهم من سواد الشعب ، وليسوا بمتخصصين او متفاصحين يحتاجون الى تجويد العبارة و جزالة الاسلوب ، ويخيل الى ، ان هذا الاسلوب الصحفي عند شكيب كان يوثر في تاليفه ، فتبدو عبارته في مواطن من مؤلفاته ، وكأنما هى كتابة صحفية ، وليست عبارة تأليف .

وقد تناول  شكيب في مقالاته مختلف الموضوعات وما بين قريب و بعيد فهو ينتقل في هذه المقالات بين مسائل السياسة ، و القومية  و الدين  و الأدب ، النقد ، و الاجتماع ،و المفاكهة ، والاخوانيات ، و غيرها”10.

أثار و اندماج لأمير البيان

كانت خدماته و جهودته و مساعداته مملوءة  بنواحي متعددة . مثلا كمؤلف ،مترجم، محقق و كاتب مقدمة الكتب ، فقسم قاسم بن خلف الرويس خدماته  بأربعة اقسام ، اولا- التاليف ، ثانيا-التحقيق و التعليق ، ثالثا-الترجمة و رابعا –المقدمات-

اثار شكيب ارسلان المطبوعة:

اولا:التاليف:

الباكورة:ديوان شعر(1887م)- مظفر باشا (1907م)-الى العرب : بيان للأمة العربية عن حزب اللا مركزية(1914م)- أعمال الوفد السوري الفلسطيني (1923م)-سورية الشهيدة (1925م)- المطالعات في اللغة و الادب :مقالات لخليل السكاكيني و ردوده عليها (1925م)- المحادثات مع دوجوفنيل في باريس (1926م)-  لماذا تأخر المسلمون و لماذا تقدم غيرهم ؟ (1930م)- الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج الى اقدس مطاف(1350هـ\1931م)- تاريخ غزوات العرب في فرنسة و سويسرة و ايطالية و جزائر البحر المتوسط(1352هـ\1933م)- ديوان الامير شكيب ارسلان (1354هـ\1935م)- شوقى او صداقة أربعين سنة (1355هـ\1936م)-الحلل السندسية في الاخبار و الاثار الاندلسية (1936م)-  السيد رشيد رضاء او اخاء أربعين سنة (1937م)- الوحدة العربية (1937م)- النهضة العربة في العصر الحاضر (1937م)-عروة الاتحاد بين اهل الجهاد(1941م)- رسالة البلاشفة او رحلة روسية-رسالة رحلة المانية – رسالة عن ضرب الفرنسيين لدمشق – مقالات شكيب – سيرة ذاتية(1969م).

ثانيا: التحقيق والتعليق:

الدرة اليتيمة لابن المقفع 1893م- المختار من رسائل ابى اسحاق الصابى 1898م- حاضر العالم الاسلامي :تأليف لوثروبستودارد و ترجمة عجاج نويهض 1343هـ\1925م- محاسن المساعى في مناقب الامام ابى عمر الأوزاعى (1933م)- روض الشقيق في الجزل الرقيق: شعر نسيب ارسلان، و أردفه بنسب الأسرة الأرسلانية 1355هـ\ 1935م- تاريخ ابن خلدون 1355هـ\1936م.

ثالثا: الترجمة:

أخر بني سراج : رواية من تاليف شاتوبريان 1344هـ\1925م و طبع برفقها خلاصة تاريخ الاندلس لشكيب ، وكتاب أخبار العصر في انقضاء دولة بنى نصر لمورخ مجهول ، و اثارة تاريخية رسمية في اربعة كتب سلطانية اندلسية-أناتول فرانس في مباذلة : تاليف جان بروسون 1345ه\1926م.

رابعا: المقدمات:

مقدمة لكتاب عبد القادر المغربي (البينات في الدين و الاجتماع و الادب و التاريخ ) 1926م- مقدمة لكتاب جمال الدين القاسمى (قواعد التحديث في فنون الحديث)1925م- مقدمة بالفرنسية لكتاب أدمون رباط ( التطور السياسي لسورية تحت الانتداب ) 1928م- مقدمة لكتاب محمد غمراوي ( النقد التحليلي لكتاب الادب الجاهلى ) 1929م- و مقدمة لكتاب محمد الحسين ال كاشف الغطاء ( اصل الشيعة و اصولها ) وله كلام ضمن كتاب مصطفي صادق الرافعي ( تحت راية القران )11.

والحق أن نضال الأمير شكيب أرسلان ودوره في الحركة الوطنية والإصلاحية المعاصرة  أصبح منذ سنوات موضوعا للبحث، وأنجزت حوله دراسات كثيرة في الغرب والشرق، وكلها أقرت بجهوده، وبيّنت بصماته خاصة في مسار كفاح المغرب العربي من أجل التحرر والاستقلال في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين.

خلاصة المقالة

ان شكيب أرسلان كان عالما بارزافي العالم العربي والإسلامي كمفكروشاعر وسياسي في بدايات القرن العشرين وكانت له مواقف واضحة تجاه الأحداث التيعاصرها في تلك الفترة وخاصة مع بداية ظهور الفكرة القومية وإحياء فكرة الجامعةالإسلامية.وهو أحد الشخصيات الأدبية الهامة التي تنوعت مجالات اهتماماته فتمكن من اختراق العديد من المجالات حاصدا من الثقافة والعلوم فعرف كأديب، شاعر، صحفي، مؤرخ، داعية، سياسي ومترجم، وأمير من دروز لبنان، وقد حمل شكيب أرسلان على مدار حياته هموم المسلمين وهموم أمته فعمل على الدفاع عنهم ومناقشة قضاياهم وتعريف العالم بهم، وبحث أرسلان في السياسة الإسلامية قبل انهيار الدولة العثمانية،هذا بالإضافة لدعوته للوحدة الإسلامية والوحدة الثقافية.

الهوامش:

1. الفنون الادبية و أعلامها في النهضة العربية الحديثة-انيس المقدسي-صفحة-258

2. سوانح أفكار لأمير البيان شكيب ارسلان-قاسم بن خلف الرويس صفحة-20     

3. اعلام الوطنية و القومية العربية –مير بصرى-صفحة-222-221

4. تاريخ الادب العربي – حنا الفاخوري-صفحة-309

5.شكيب ارسلان داعية العروبة و الاسلام-احمد الشرباصي-صفحة-123-122

6. سوانح أفكار لأمير البيان شكيب ارسلان-قاسم بن خلف الرويس صفحة-22

7. البعث الاسلامي –الدكتور مبشر عالم –المجلد-62-ص-85-(ابريل2016م)

8. ذكرى الامير شكيب ارسلان المراثى وحفلات التأبين و اقوال الجرائد- محمد على طاهر –صفحة-153-152

9. المصدر السابق- صفحة-11

10. شكيب ارسلان داعية العروبة والاسلام- احمد الشرباصى- صفحة-303-302

11. سوانح أفكار لأمير البيان شكيب ارسلان-قاسم بن خلف الرويس صفحة-28-27

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *