د. محمد فضل الله شريف
تقديم:
كان لعلماء المسلمين دور عظيم هام في تحرير بلاد الهند، فمن انتبه إلى هذا الخطر العظيم فتح على خان المشهور بالسلطان تيبو، وقد خاص معارك كثيرة معهم، ولكن ثورة عام 1857 عندما انبته المواطنون محاولات الانجليز الفاسدة، فحاربوا ضد الانجليز، وقد ساعدهم على استمرار القتال مع الانجليز فتوى العلماء فمن ساهم من العلماء المسلمين الكبار آنذاك مولانا يحي عظيم آبادي، ومولانا عبد الرحيم عظيم آبادي، ومولانا محمد جعفر تهانيسري، ومولانا فضل حق خير آبادي، ولكن القد قد ساعد الانجليز، وإلا تذهب سلطتهم، فعند ذلك أذاق الانجليز العلماء والمسلمين سوء العذاب، إن سبعة وعشرين ألفا من المسلمين قتلوا شنقا، فمن قتلوا وشردوا، ونفوا، وعذبوا، وأجلوا، فمن هؤلاء العلماء على رأسهم السيد سيد أحمد شهيد، ومولانا أحمد الله، ومولانا لياقت على، والحاجي امداد الله التهانوي، ومولانا محمد قاسم النانوتوي، مولانا رشيد أحمد الكنكوهي، والحافظ ضامن شهيد، وكان مولانا جعفر ، ومولانا يحي علي والعلامة فضل حق خير آبادي، والمفتي عنايت الله الكاكوري، والمفتي مظهر كريم الدريابادي، ومولانا محمد حسين، ومولانا رياض الحق، وغيرهم نفوا إلى جزيرة اندومان، وجلوا إلى أماكن مختلفة، فمن الذين أبلوا بلاء حسنا في هذا الصدد شيخ الهند مولانا محمود حسن وأصحابه، وحركتهم الرسائل التحريرية، فمن الذين خاضوا في حركة تحرير بلاد الهند بقوة وثبات مولانا حسين احمد المدني، فسجن مرارا ، ومنهم مولانا عبيد الله السندهي، تلميذ الشيخ العلامة محمود حسن قد ساهم في تحرير بلاد الهند، وساعد شيخه في إرسال الرسائل الحريرية، فمن الذين ساهموا في حركة الرسائل الحريرية من تلاميذ شيخ الهند مولانا سيف الرحمن، مولانا أحمد علي اللاهوري، مولانا سيد هادي علي، مولانا آزاد سبحاني، مولانا عزيز كل بشاوري، مولانا منصور انصاري، مولانا أحمد الله، مولانا ظهور محمد خان، مولانا غلام محمود، مولانا أبو الحسن تاج محمود، مولانا محمد صادق كرانجوي، مولانا فضل ربي، مولانا محمد اكبر، مولانا فضل محمود، مولانا أحمد جكوالي، شاه عبد الرحيم رائفوري، مولانا محمد مبين الديوبندي، ثم استقلت الهند من براثن الاستعماري الانجليزي فممن لا يستهان دورهم أخيرا في استقلال البلاد فنهم مولانا حسين احمد المدني، ومولانا أبو الكلام آزاد ، ومولانا محمد علي جوهر ، ومولانا محمد شوكت علي وغيرهم.
لن ينسى التاريخ، بل يخلد عبر صفحات الدهر ما أدى علماء العربية من الدور البارز في تحرير بلاد الهند من براثن الاستعمار الغربي الغاشم. قد ناضلوا وحاربوا في أدوار مختلفة، وقدموا نفسهم وغاليهم وترخيصهم في سبيل إجلاء الاستعمار المحتل من بلادهم، لأنهم كانوا على علم تام، ومعرفة قوية أنهم كانوا حكام هذه البلاد حين احتلها الانجليز، وابتلعوها قطعة قطعة وجزءا جزءا.
وأول من انتبه لهذا الخطر الهائم الملك الشهم والغيور الفاتح العظيم ” فتح علي خان” المشهور بالسلطان تيبو(1213ه، 1799) الذي عرف بدقة ملاحظته، وبعد نظره بأن الإنجليز سيجعلون بلادهم لقمة سائغة لهم يسيغونها إن لم يقم أحد في وجههم بقوة منظمة، وصمود كامل، فحاول كثيرا لإخراج الانجليز من البلاد، وخاض معارك كثيرة، وحارب الانجليز مدة طويلة طيلة حياته حتى سقط صريعا في المعركة.
ثورة عام 1857م
ثم انتشرت وعمت في بلاد الهند ثورة عظيمة – ثورة عام 1857 – انتشار النار في الهشيم، لما رأى المواطنون وانتبهوا إلى محاولات الإنجليز الفاسدة، وخطرهم الداهم، واستشعروا انتهابهم لثروة البلاد، وانتهاكهم بكرامة أهاليها، واعتداءهم على ربّات الخدور، واغتصابهم عرضهم وأراضيهم، وامتصاصهم بدمهم، وسوء صنيعهم في الحكم عليهم، فإبان ذلك انفجر بركان ثورة عظيمة دامية في البلاد، وامتد لهيبها إلى جميع أنحاء الهند، وانتشرت كالنار الهشيم، خاصة كانت على أشدها في العاصمة دهلي، وما حولها من ولاية اتربراديش، حتى استولى الجيش والأهالي على معظم الأماكن الاستراتيجية، ونشبت معارك دامية بين الجيش البريطاني والثوار، واستمر القتال عدة أشهر، أبلى فيها الثوار والأهالي بلاءا حسنا، وقد ساعدتهم على ذلك فتاوي علماء العربية، وإعلانهم وجوب الجهاد ضد المحتل، ومشاركتهم في الثورة فعلا،[1] وكان ممن ساهم مساهمة كبيرة من العلماء الكبار في هذه الثورة مولانا يحي عظيم آبادي، ومولانا عبد الرحيم عظيم آبادي ، ومولانا محمد جعفر تهانيسيري، ومولانا فضل حق خيرآبادي وغيرهم.[2]
حقا هذه ثورة هائلة جبارة كادت تذهب بالسلطة البريطانية في سيلها الجارف، إلا أن القدر ما ساعد الهند وتمكن الجيش الانجليزي بأخذ زمام الأمر بيدها رأسا، وأما أنواع المظالم وصنوف الشدائد والأهوال التي صبها الجيش الانجليزي على الأهالي وعلى العلماء وما أذاقوهم من سوء العذاب والذل والهوان فهي من أفظع الهمجية والضراوة بالدم الإنساني، وكانت مجزرة هائلة جددت ذكرى مذابح جنكيز وهلاكو، وقد قتلوا من أبناء الملك الشبان المأسورين بعد ما أعطوهم الأمان والعهد والميثاق بهمجية وقساوة، وقد شنق منهم ثلاثة وعشرون من أبناء الأسرة الملكية، فيهم مرضى، وشيوخ وعجز، وأهانوا الملك المغول الأخير، وحاكموه محاكمة مهينة ذليلة، فحكموا عليه بالنفي المؤبد إلى “رنجون” حيث مات طريدا وشريدا . إن سبعة وعشرين ألفا من المسلمين قتلوا شنقا، واستمرت المجزرة سبعة أيام متواليات لا يحصى من قتل فيها، وكان بينهم علماء قتلوا وشردوا ونفوا وعذبوا وأجلوا، وشنقوا، وسفكت دمائهم مع من حاربوا ضد الانجليز. هكذا دفع المسلمون والعلماء أبهظ ثمن وأغلاه لهذا الجهاد.
دور علماء العربية في تحرير بلاد الهند في المراحل الأولى
يقول أبو الحسن علي الندوي:
” وقد صرح السر وليم هنتر بأن جمرات الجهاد التي أشعلها السيد أحمد الشهيد (1246ه) هي التي ألهبت نار هذه الثورة. وقد كان من أكبر العلماء والمشائخ الذين قادوا الثورة وأشهرهم مولانا أحمد الله، ومولانا لياقت علي، وهما اللذان تزعما الحركة، وكان الجنرال بخت خان هو القائد العام ونائب الملك ، وكان للحاج إمداد الله التهانوي، ومولانا محمد قاسم النانوتوي، ومولانا رشيد أحمد الكنكوهي، والحافظ محمد ضامن الشهيد، وغيرهم من العلماء والمشائخ سهم فيها، وخاضوا في بعض المعارك”.[3]
ويضيف قائلا: ” كما حاكم الإنجليز في الهند كل من ظنوا به أقل اتصال بهذه الجماعة- الجماعة السيد الإمام أحمد الشهيد – وحاكموا جماعة من العلماء الأجلاء والمثقفين والوجهاء والتجار في بتنة، وتهانيسر، ولاهور سنة 1281-1864، نفي الشيخ مولانا أحمد الله العظيم آبادي 15/يونيو سنة 1865 إلى جزيرة أندومان، ومكث هناك في هذه الجزائر سبع عشرة سنة، ثم مات ودفن في مكان موحش في الجزائر، والشيخ مولانا عبد الرحيم الصادق بوري من الذين نفوا إلى اندومان مع مصاحبيه مولانا أحمد الله ومولانا يحي علي العظيم آبادي، فألغى التعذيب 10/مارس 1883م، فرجع قافلا إلى بيته في بتنة بعد إمضاء تسع عشرة سنة في المنفى، وقد هدم بيته، وقد سُلبت أرضه وأملاكه، فلما وصل إلى بيته فرأى ما رأى من تقلبات الزمان، وقال كئيبا وحزينا هذه الأشعار بالعربية:
يا منزلا لعب الزمان بأهله فأبادهم بتفرق لا يجمع
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم بقي الذين حياتهم لا تنفع.
فلبى دعوة الله عز وجل 24/اغسطس سنة 1923م قبل صلاة المغرب.
أما مولانا يحي علي فكان من الذين أصدر الحكم للنفي إلى جزيرة اندومان، وهو نقل من انبالة إلى لاهور، ومن هنا إلى ملتان، وكراتشي، وسجون ممبي، ثم انتقل إلى جزائر اندومان، فوصل إلىها 11/يناير 1866م، فما إن أمضى هناك سنتين إلا وأصابه المرض الشديد، فانتقل إلى جوار رحمة الله 20/فبرائر سنة 1868ء، فحضر جنازته نحو أربعة أو خمسة آلاف من المسلمين.
ومولانا محمد جعفر أُرسل مع مولانا يحي علي وميان عبد الغفار إلى جزائر اندومان 11/يناير سنة 1866م، فعمل هناك كمحرر وكاتب، فهُيئ له بيت وخادم، فحاول أن يدعو أهله فلم يتمكن على ذلك، فتزوج هناك بامرأة، وبعد مماتها بإمرأة أخرى، ثم صدر أمر إطلاق سراحه بعد ثماني عشرة سنة، فرجع إلى انبالة، فتوفي سنة 1905. [4]
وكان العلامة فضل حق خير آبادي قد قبض عليه، وحكم عليه بالإعدام، والطرد إلى جزيرة اندومان 1859م وقد فُوضت إليه هناك مهمة الكناسة، ثم لما اطلع الانجليز على تبحر علمه، فعُزل عن هذا العمل، وهو من العلماء الأجلة ، صاحب التصانيف الكثيرة، فوافته المنية بعد إمضاء سنتين في المنفي أكتوبر سنة 1861م.
كانت هناك جماعة من العلماء الآخرين الأجلاء كالمفتي عنايت الله الكاكوري، والمفتي مظهر كريم الدريابادي، ومولانا محمد حسين ، مولانا رياض الحق، وقد عاد العالمان الأولان منهم بعد أن مكثا مدة طويلة في الجلاء. والآخران وافتهما المنية في المنفي. وكان مولانا إمام بخش الصهباني، ومولانا رضي بدايوني قتلا بالرصاص، ومولانا مبارك علي حبس في السجن، وكان مولانا قاسم النانوتوى قد صدر الأمر بالقبض عليه، وكان يتردد إلى نانوتة وديوبند، ولكن لم تصل إليه يد الانجليز، (قاد حركة التحرير، والثورة على الاستعمار البريطاني في مستهل عام 1857م ؛ فكان قائد قوات المسلمين في ساحة «تهانه بهون» و «شاملي» وقد أبلى فيها بلاءً حسناً، سجّله التاريخ بحروف ذهبية). وكان حاجي إمداد الله المهاجر المكي فترك الهند وهاجر إلى مكة، كذلك مولانا رحمت الله كيرانوي قصد المكة المكرمة، وأسس مدرسة باسم المدرسة الصولتية،[5] ومولانا رشيد أحمد الكنكوهي اتهمه الانجليز بالثورة والخروج على الحكومة الانجليزية سنة 1276ه، فأخذوه ثم حبسوه في السجن ستة أشهر ببلدة مظفر نجر، ولما ظهرت براءته، أطلقوه من الأسر، واشتغل ما بقي من حياته في الدرس والإفادة العلمية.
شيخ الهند مولانا محمود حسن وأصحابه وحركة الرسائل الحريرية:
كان أعلم العلماء في العلوم النافعة، وأحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأصوله وأعرفهم بنصوصه وقواعده.
وضع خطة محكمة لتحرير الهند من مخالب الاستعمار الإنجليزيّ عام 1323هـ / 1905م، وكان يودّ أن يستعين فيها بالحكومة الأفغانية والخلافة العثمانية . وقد هيّأ لذلك جماعة من تلاميذه تمتاز بالإيمان القوي، والطموح، والثقة بالنفس، والتوكل على الله، والحزم وثقوب النظر. وكان من بينها الشيخ عبيد الله السنديّ (المتوفى 1363هـ / 1944م) والشيخ محمد ميان منصور الأنصاري (المتوفى 1365هـ / 1946م) وكان الاتصال يتم بينه وبين تلاميذه وأصحابه المناضلين عن طريق الرسائل التي كانت تُكْتَب على الحرير الأصفر، ومن هنا عُرِفَ نضاله ضدّ الاستعمار بـ «حركة الرسائل الحريرية» . ولتنفيذ خطته سافر رغم كبر سنه إلى الحجاز عام 1333هـ / 1915م , وقابل في المدينة المنورة كبار المسؤولين عن الخلافة العثمانية؛ ولكن من سوء الحظّ اطلعت حكومة الاستعمار الإنجليزي على الرسائل الحريرية عام 1334هـ / 1916م، وألقت عليه القبض عن طريق الشريف حسين أمير مكة – الذي كان قد خرج على الدولة العثمانية – في صفر 1335هـ / نوفمبر 1916م و معه عدد من تلاميذه وأصحابه ، من بينهم الشيخ السيد حسين أحمد المدني المتوفى 1377هـ / 1957م، والشيخ عزيز كل، والحكيم نصرت حسين، والأستاذ وحيد أحمد، وسُفِّروا إلى «مالطه» وسُجِنُوا بها؛ حيث لبثوا فيها نحو 3 سنوات وشهرين، وأطلق سراحهم في جمادى الأخرى 1338هـ / يناير 1920م، ووصل الشيخ إلى الهند يوم 20/ رمضان 1338 هـ الموافق 9/ مايو 1920م وتلقّاه الناس بحفاوة غير عاديّة، وغلب عليه لقب «شيخ الهند» واستُقْبل في كل مكان استقبالاً لم يعهد الناس مثله .
ورغم كبر سنه وضعفه ومرضه وكونه مُحَطَّمًا لطول الأسر في الغربة، لم ير أن يستجم في وطنه ديوبند، وإنما ظل يزور ويجول في أرجاء البلاد يدعو الشعب إلى النضال ضد الإنجليز ومقاطعتهم ، من خلال خطبه و محاضراته .
ثم اشتد به المرض والضنى حتى استأثرت به رحمة الله تعالى في صباح يوم 18/ ربيع الأول 1339هـ الموافق 30/ نوفمبر 1920م ؛ وذلك في دهلي حيث كان يتلقى العلاج. ونقل جثمانه في اليوم التالي إلى ديوبند، ودفن بجوار أستاذه العظيم الإمام محمد قاسم النانوتوي المتوفى 1297/ 1880م في المقبرة الجامعية التي عرفت بـ “المقبرة القاسمية”.[6] مولانا حسين أحمد المدني:
كان مولانا عالما جليلا، نابغا في العلوم الدينية. وقد أسر الشريف حسين أمير مكة الشيخ محمود حسن وأصحابه ومنهم مولانا حسين أحمد، على إيعاز من الحكومة الهندية الإنجليزية حين سافروا للحج، وسلّمهم إليها، فنقلتهم إلى مصر، ثم إلى “مالطا” حيث مكث سجيناً نحو ثلاث سنوات في خدمة أستاذه وفي العبادة والمطالعة، وصدر الأمر بإطلاق سراحهم سنة 1338ه. ولما حمي وطيس حركة تحرير البلاد خاضها بقوة وثبات. وألقى خطباً مثيرة حماسية ضد الاستعمار، يجول في البلاد والأمصار، ثم سُجن سنة 1340ه، وحوكم في كراتشي محاكمة مشهورة، وحكم عليه بسجن سنتين مع الاشتغال بالأعمال الشاقة، وأطلق سنة 1342ه. وصرف همته إلى تأئيد القضية الوطنية، ومساعدة جمعية العلماء التي كان من أكبر أعضائها، فقاد حركة العصيان المدني سنة 1351ه، وسجن لستة أشهر ثم أطلق، ورأس عدة حفلات سنوية لجمعية العلماء، وفي سنة 1360ه قامت الحركة الوطنية على قدم وساق، وطلب المؤتمر الوطني من الانجليز أن يغادروا البلاد، وألقى الشيخ حسين أحمد خطبا حماسية، فألقي القبض عليه سنة 1361ه، وبقي معتقلا نحو ثلاث سنوات، متحملا للأذى، مشتغلا بالعبادة، حتى جاء الأمر بالإطلاق رمضان سنة 1364ه، فعاد إلى ما كان عليه من كفاح وجهاد، وخالف الدعوات إلى تقسيم الهند.
وبالرغم من هذه الخدمات الوطنية والسياسية، اعتزل الشيخ بعد الاستقلال ولم يأخذ منصباً، ولا وظيفة في الحكومة ، وعكف على الدرس، والدعوة إلى الله ، وقد أنعم عليه رئيس الجمهورية بلقب فخري يسمى بــ «بدم بهوشن» فرفضه قائلاً : إنه لا ينسجم طريقةَ أسلافه. حتى وافاه الأجل 13جمادي الاولى سنة 1377ه.[7]
مولانا عبيد الله السندهي:
وهو من الذين قدموا كفاحهم ونضالهم في تحرير البلاد من الانجليز، كان عالما جليلا، جاب كثيرا من البلاد وجال في أرجاء المعمورة لتحرير بلاد الهند، وكان من الذين حملوا رسالة الجهاد والثورة على الانجليز بإيعاز من شيخه العلامة محمود حسن الديوبندي إلى خاصة تلاميذه، وسافر إلى حدود أفغانسان ليحمل أمير أفغانستان على محاربة الانجليز والهجوم على الحكومة الانجليزية في الهند، ثم بدأ عبيد الله يشكل فرقة متطوعة لهذا الغرض سماها جنود الله، وأرسل في هذه المدة رسائل سرية إلى شيخه، اشتهرت فيما بعد بالرسائل الحريرية، وبعد جهد جهيد تنكرت الحكومة الأفغانية للشيخ عبيد الله بإيعاز من الانجليز وفرضت عليه رقابة، وألزمه دارا، ثم نشبت الحرب بين أفغانستان والانجليز، ونالت أفغانستان الاستقلال، بقي عبيد الله ينتهز الفرصة لتحقيق غايته وإثارة الحكومة الأفغانية على تأييد القضية الهندية، قابل لهذه الأغراض القائد التركي المعروف بجمال باشا، ثم بدأ مجال العمل يضيق ويقتصر للشيخ عبيد الله وزملائه وتلاميذه من أمر الانجليز، فسافر من هناك إلى ماسكو، ومكث هناك، وقابل بعض الزعماء لطلب مساعدتهم لإجلاء الانجليز، فلما يئس من روس توجه سنة 1341 إلى تركيا لإكمال خطته التحريرية الجهادية، وقابل عصمت باشا رئيس وزراء تركيا، حتي يئس من الوصول إلى نتيجة، فسافر إلى مكة، وأقام بها يقضي أوقاته في الدرس والمطالعة، والإفادة، ثم سُمح له للعودة إلى الهند، قضى أيامه الأخيرة في الهند في دهلي في الدرس والإفادة حتى وافاه الأجل سنة رمضان 1363ه.
وقد ساهم في حركة الرسائل الحريرية كثير من العلماء العربية من تلاميذ شيخ الهند مثل مولانا سيف الرحمن، مولانا أحمد علي اللاهوري، مولانا سيد هادي علي، مولانا آزاد سبحاني، مولانا عزيز كل بشاوري، مولانا منصور انصاري، مولانا أحمد الله، مولانا ظهور محمد خان، مولانا غلام محمود، مولانا أبو الحسن تاج محمود، مولانا محمد صادق كرانجوي، مولانا فضل ربي، مولانا محمد اكبر، مولانا فضل محمود، مولانا أحمد جكوالي، شاه عبد الرحيم رائفوري، مولانا محمد مبين الديوبندي وغيرهم”.[8]
استقلال الهند في الآونة الأخيرة ودور العلماء فيه:
تحررت الهند أخيرا سنة 1947م، وغادر الإنجليز إلى بلادهم، ووقف المسلمون والهندوس جنبا بجنب في حركة التحرير. ولكن مما لا يستهان به دور العلماء البارزين في استقلال الهند، مثل مولانا حسين أحمد المدني، ومولانا أبو الكلام آزاد، ومولانا محمد علي جوهر، ومولانا شوكت علي وغيرهم، نحن نذكر نبذة عن دورهم في استقلال البلاد.
مولانا محمد علي جوهر:
محمد على جوهر هو صحفي وشاعر مسلم هندي، وكان من بين الشخصيات الرائدة في حركة الخلافة، سافر محمد علي على رأس وفد من مسلمي الهند إلى إنجلترا في عام 1919م لكي يقنع الحكومة الإنجليزية لكي تؤثر على القومي التركي مصطفى كمال حتى لا يخلع السلطان التركي، الذي كان خليفة المسلمين. رفض البريطانيون مطالبه وهذا أدى في النهاية إلى تشكيل حركة الخلافة التي نادت جميع المسلمين في كل أنحاء الهند إلى الاحتجاج ومقاطعة الحكومة.
قبل حصوله على اللقب مولانا، شكل محمد علي في عام 1921م، تحالفا واسعا من الوطنيين المسلمين مثل مولانا شوكت على، ومولانا أزاد، وحكيم أجمل خان، ومختار أحمد أنصاري ،و الهندي القومي المهاتما غاندي، الذي حصل على دعم الكونجرس الوطني الهندي والآلاف من الهندوس، الذين شاركوا المسلمين في تظاهرة من أجل الوحدة. دعم محمد علي كليا نداء غاندي من أجل حركة قومية مقاومة، والهم المئات من المحتجين و المضربين من الهند. وتم القبض عليه من قبل السلطات البريطانية وسجن لمدة سنتين بتهمة إثارة الشغب في اجتماع حركة الخلافة. وتم انتخابه كرئيس للكونجرس الهندي الوطني في عام 1923م.
و لكن خيب أمل مولانا محمد علي بعد فشل حركة الخلافة وتعليق للإضراب المدني في عام 1922م بسبب حادثة شاوري شاوري. حضر محمد علي مؤتمر الطاولة المستديرة لكي يظهر أنه الوحيد من يتكلم عن مسلمي الهند. ومات (رحمه الله) بعد المؤتمر في لندن في 4 كانون الثاني عام 1931م و تم دفنه في القدس بناء على وصيته. [9]
مولانا أبو الكلام آزاد:
كان مولانا آزاد من العلماء الكبار والكُتّاب العظماء في البلاد، فرأى عند ما يشتغل بالدراسة والكتابة أوضاع البلاد المتدهورة، والقضاء على السلطنة العثمانية، فثارت حركة الخلافة في الهند، فكان آزاد قد شارك في حركة الخلافة، وأشعلها بخطبه الساحرة، ومقالاته البليغة القوية، ورافق مستر غاندي الذي كان قد احتضن حركة الخلافة وفكرتها، مجاراة لعواطف المسلمين، وتأييدا لقضية عادلة، وأيّد أبو الكلام مبدأ ترك موالاة الحكومة الانجليزية، ومقاطعة البضائع الأجنبية، ومبدأ اللاعنف عدم الإعتداء، المبادئ التي دعا إليها الغاندي، فأقام عليها الدلائل الشرعية، وجال فيها وصال، فكان لها الرواج والقبول في الأوساط العلمية، واضطربت لها الحكومة الانجليزية، وقام بجولات واسعة مع غاندي وزعماء الخلافة في أنحاء الهند، وألقى الخطب الرنانة في المحافل الكبيرة.
ورأس مؤتمر الخلافة في آكره وأسرته الحكومة الانجليزية 1339ه، فأطلقته الحكومة سنة 1342ه، فتلقاه الشعب بحماس وترحيب، واختير رئيسا لحزب المؤتمر الوطني الهندي، الذي عقد في دهلي سنة 1342، ودعا فيه إلى توحيد صفوف أبناء البلاد واتحاد الطوائف الهندية على اختلاف دياناتها وعقائدها، وظلت هذه دعوته وعقيدته إلى آخر حياته.
وقد دبّ الخلاف في صفوف المؤتمر الوطني، واندلعت نيران الفتنة والخلاف بين المسلمين والهنادك، وحدثت اصطدامات عنيفة بين الطائفتين في طول البلاد وعرضها. ولما قويت دعوات حركة الرابطة المسلمة لباكستان، كان أبو الكلام ممن يعارضون هذه الفكرة. وبما كان أبو الكلام رئيس حزب المؤتمر الوطني الهندي طالب الانجليز بأن يغادروا البلاد في أسلوب مكشوف سافر، فألقت الحكومة القبض على جميع أعضاء المجلس بما فيهم أبو الكلام، دام هذا الاعتقال لثلاث سنوات، خلال ذلك غادر الانجليز الهند، وألفّت حكومة في المركز، فاختير أبو الكلام وزيرا للمعارف، فلما تقرر التقسيم، وحدثت اضطرابات هائلة، وحروب طاحنة، ومذابح طائفية تقشعر لها الأبدان، قصمت ظهر أبي الكلام، وهدأت ثائرته، وفترت همته ونشاطه، فلزم البيت، وبقي عضوا في مجلس المؤتمر التنفيذي، ووزيرا للمعارف الحكومية المركزية، حتى وافته المنية شعبان سنة 1377ه.[10]
[1] مسعود الندوي، تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند، دار العربية ، بيروت
[2] حركة تحرير البلاد والمسلمون لمولانا أسير أدروي: 47،دار المؤلفين ديوبند.
[3] العلامة أبو الحسن علي الندوي، المسلمون في الهند، 200، دار ابن كثير، بيروت.
[4] العلامة أبو الحسن علي الندوي، إذا هبت ريح الإيمان، من الشنق المنفي: 194، مؤسسة الرسالة ، بيروت.
[5] حركة تحرير البلاد والمسلمون لمولانا أسير أدروي: 66-91،دار المؤلفين ديوبند.
[6] العلامة أبو الحسن علي الندوي، الأضواء على الحركات والدعوات الدينية والإصلاحية …:39، المجمع الإسلامي العلمي.
[7] عبد الحي الحسني، نزهة الخواطر :8/1214، دار ابن حزم ، بيروت.
[8] حركة تحرير البلاد والمسلمون لمولانا أسير أدروي: 154-168،دار المؤلفين ديوبند.
[9] www.odabasham.net/show.php?sid=33978
[10] عبد الحي الحسني، نزهة الخواطر :8/1170، دار ابن حزم ، بيروت.