الخماسية وسائر المقطعات الشعرية واستخدامها لدى الشاعر عمر بهاء الدين الأميري

السيد/ أنيس تي ك 

تقديم:

هذه دراسة تفتح بها أبواب العلم عن المقطعات الشعرية في اللغة العربية وتاريخها وأصولها وسماتها الفنية وأنواعها المختلفة واستخدامها في الأشعار العربية. وتلقي هذه الدراسة الضوء على الشعراء المهتمين بهذا الأسلوب وعلى المواضيع المختارة لهذا الأسلوب وسبب اختيارهم هذا. وتركّز هذه الدراسة على الشاعر السوري المرحوم عمر بهاء الدين الأميري وخماسيته وهيكلها وأسلوبها وشرفها ومكانتها في الأدب العربي مع الإشارة العامة إلى سائر المقطعات الشعرية. وهذه خلاصة البحث أنا بصدده وقد وصلت إليها بعد الدرس والقراءة والفحص والتحليل.

المقطعات الشعرية: تاريخها وسماتها الفنيّة

إنّ جودة الشعر وإتقان طبيعته تقاس بذات الشعر وجوهره الشعري الذي يتجلى بقيمه الشعورية والتعبيرية وبما فيه من جمالية وبيان وبأسلوب التعبير الجيد وليس بطوله ولا بكثرة عدد أبياته. وبهذا النظر نعتبر المقطعات الشعرية، ولذا بدأ تاريخ المقطعات الشعرية منذ بداية قول الشعر وهي قديمة كما كان الشعر قديما لأنها نوع من أنواع الشعر ونمط تعبيري فني. وقد أشار إليه النقاد ومؤرخو الأدب كما قال الدكتور يونس السامرائي في مقالته “ظاهرة المقطعات في الشعر العباسي”: “أن ظاهرة المقطعات الشعرية قديمة قدم الشعر، وأن هناك أسباباً كثيرة دعت إليها وإلى الإكثار منها، أو الاختصاص بها، وأن الشعراء عامة قد نظموا فيها، وكان بعضهم أكثر ميلاً إليها، وأقدر عليها من سواه”.[1]

وقد وردت المقطعات كثيرا في الشعر العباسي وهي تفوق كمّا ونوعا ما ورد في شعر سواه من العصور الأدبية. وقد شهد الشعر العربي الحديث كثيرا من المقطعات الفائقة أسلوبا والشعراء المكثرين من هذه المقطعات, منهم: إسماعيل صبري وحليم دموس وأحمد الصافي النجفي ومحمد سعيد العامودي صاحب مجموعة الرباعيات المشهورة (أي أربعة أبيات لا أربعة شطور كالخيام).

المقطعات الشعرية شكل فني أصيل في الشعر العربي الذي يضيف القيمة الأدبية إلى فن الشعر وإلى التراث الإبداعي العربي لأنها شاملة من الخصوصيات والسمات الفنية التي ليست لسواها من أنواع الشعر. والمراد بالمقطعات هو قصار الشعر التي توضع في مقابل القصائد من أجل تشكيل الأبنية التي غالبا ما يأتي عليها الشعر العربي. والاهتمام البالغ بالتأليف والإنشاء في فن الشعر يكون للقصائد والدواوين لعدم حاجتهما إلى التحديد كمّا وموضوعا ومعنى مع أن المقطعات تحتاج إلى تحديدها كما ومعنى ووحدة موضوعية. ولكن هذا الاهتمام للقصائد والدواوين لم يُقلّ أهمية المقطعات في فن الشعر لأنها أصغر بناء شعريّ مكتمل عرفه العرب واستعمله للإنشاء الأدبية.

قد تباينت نظرة اللغويين والنقاد في محاولة تحديد المقطعات. أما نظرة اللغويين في تحديدها نظرة عامّة لأنهم يركزون على جانب القصر فيها. فابن دريد يقول: “والقطع سهم قصير النصل عريض”.[2] وابن فارس يقول: “والمقطعات: الثياب القصار, وفي الحديث: أنّ رجلا أتاه وعليه مقطعات له, وكذلك مقطعات الشعر”[3] والزمخشري يقول: “وعليه مقطعات: ثياب قصار, وجاء بمقطعات من الشعر وبمقطعة وقطعة, وما عليها من الحلي إلا مقطع: شيئ يسير من شذر ونحوه”.[4]

ويقول ابن منظور: “وقالوا شعرا قصّد إذا نقح وجوّد وهذب…. وليست القطعة إلا ثلاثة أبيات أو عشرة أو خمسة عشر, فأما ما زاد على ذلك فإنما تسميه العرب قصيدة” [5]والفيروزآبادي يشير إلى أن المقطع إنما يطلق على كل قصير ويقول: “والمقطعة كمعظمة, والمقطعات القصا ر من الثياب….. ومن الشعر قصاره وأراجيزه…. ويقال للقصير مقطّع مجذر.”[6]

وأما النقاد فهم يشيرون إلى تحديد المقطعات فنيا لا لفظيا فيكون تحديدهم أولى من اللغويين. يقول الباقلاني: “سمع الفراء يقول: العرب تسمى البيت الواحد يتيما, وكذلك يقال الدرة اليتيمة لانفرادها, فإذا بلغ البيتين والثلاثة فهي نتعة, وإلى العشرة تسمى قطعة, وإذا بلغ العشرين استحق أن يسمى قصيدا, وذلك مأخوذ من المخ القصيد وهو المتراخم بعضه على بعض”[7].

ويقول ابن رشيق: “وقيل إذا بلغت الأبيات سبعة فهي قصيدة, ولهذا كان الإيطاء بعد سبعة غير معيب عند أحد من الناس…. ومن الناس من لا يعد القصيدة إلا ما بلغ العشرة وجاوزها ولو ببيت واحد, ويستحسنون أن تكون القصيدة وترا, وأن يتجاوز بها العقد أو توقف دونه, كل ذلك ليدلو على قلة الكلفة وإلقاء البال بالشعر.”[8]

وهذا التحديد من جانب النقاد يعتبر قيم الفن وجوهر العملية الإبداعية وتحديد المقطعة فنيا فيتمّ مع اكتمال المقطعة فنيا بحيث تتم معالجة فكرة ما معالجة موضوعية وأسلوبية وصورية وموسيقية, معالجة يشعر معها القارئ أو المستمع أن الشاعر في المقطعة قد استفرغ جهده ووضع كل ما تمليه عليه آلته الشعرية.

وللمقطعات سمات عديدة فنية ومعنوية والسمة الرئيسية التي تمتنع معها المقطعة أن تختلط بأي بناء آخر, هي القصر. ومن أهم سائر السمات: –

  • الوحدة: أي تركّز المقطعات على حصر عناصر الخاطر الواحد بخلاف القصيدة التي تجمع بين خواطر متعددة
  • الارتجال: أي المقطعة إنما ولدت ارتجالا لأنها تنبع من انفعال وقتي بفكرة معينة يحاول الشاعر معالجتها ولذا يقصر حجم المقطعات غالبا. وهذا الارتجال غالبا يكون سببا في عدم استقامة القيم الموسيقية في المقطعات.
  • الحكمة: وهذه تركّز في معالجة موضوعها التي تبني عليه الحكمة. وهي تأتي غرضا من الأغراض الشعرية التي تجد بناءها المناسب في المقطعة ويجعلها بناء متميزا من سائر الأنواع الشعرية.
  • المعنى: أي أبيات المقطعة تشتمل فكرة واحدة ومعنى واحد. إن البيت الأول يعطي الإشارة إلى المعنى الذي يدور حوله سائر أبياتها ولا يكون لها عدة أغراض بخلاف القصيدة لأن معناها لا يتضح إلا مع نهاية أبياتها لاشتمالها عدة أغراض. وبهذا الفعل يريد صاحب المقطعة أن يشعر القارئ بأهمية الموضوع المعالج منذ البداية إلى النهاية.
  • الشرط والجزاء: يبدو تركيز المقطعات في أحيان كثيرة على ذكر الشرط وجزائه. هذا أسلوب فني من أساليب النهاية في المقطعة لأن جواب الشرط لا يحتاج بعده أيّ لون من ألوان التذييل.

أنواع المقطعات الشعرية

تتنوع المقطعات الشعرية حسب اختلاف عدد الأبيات والسطور والأشطر. وهي ثنائية إن كانت مؤلفة ببيتين وثلاثية إن كانت مؤلفة بثلاثة أبيات ورباعية إن كانت مؤلفة بأربعة أبيات. والرباعية معروفة لدى العالم بالنسبة إلى إسم الشاعر الفارسي العظيم, عمر خيّام. ورباعية عمر خيّام مؤلفة من أربعة أشطر ( بيتي شعر في العروض العربي) تتميز باتحاد القافية فيها جميعا. فالرباعية من أنماط الشعر في الأدبين العربي والفارسي  تعتبر شكلا فارسيا أصيلا لأنها ظهرت أولا في الشعر الفارسي وتطلق على مجموعة من المقطعات الشعرية التي نظمها الشاعر الفارسي عمر خيّام لأنه تفوق فيها على كل من تقدّمه بأسلوبه وبعاطفته العميقة الرقيقة. وهي تسمى أيضا “الدوبيت”- مكونة من كلمتين دو بمعنى إثنين وبيت بمعنى بيت الشعر.

والخماسية والسداسية والسباعية أيضا من أنواع المقطعات التي سميت حسب عدد أبياتها. واعتبرت هذه كلّها مقطعات لأن النقاد القدامى لم يعدها قصيدة في عداد القصائد لأن القصيدة في عرفهم لا تقلّ أبياتها عن سبعة أبيات أو تسعة أبيات.

وهنا أبحث عن الخماسيات واستخدامها لدى الشاعر السوري الرحيل عمر بهاء الدين الأميري في دواوينه ومواضيعها .

عمر بهاء الدين الأميري

عمر بهاء الدين الأميري، شاعر سوري غزير الإنتاج من مدينة حلب، مفكر إسلامي فذّ، أستاذ مهتم بالحضارة الإسلاميّة، شاعر المحاريب، شاعر الإيمان، شاعر الإنسان، شاعر الحس المرهف، شاعر البديهة الحاضرة، شاعر قوة الحجة والإقناع، المعروف في العالم الأدبي بكثير من الألقاب مثل عميد الشعر الإسلامي المعاصروإقبال العرب وشاعر مؤمن ملتزم وشاعر الإنسانية المؤمنة وشاعر الأبوة الحانية والبنوة البارة.

وُلد في مدينة حلب سنة (1339هـ/1916م) في أُسرة محافظة، وكان الولد الأصغر لمحمد بهاء الدين الأميري، أستاذ الأدب التركي، وعضو في مجلس “مبعوثان” العثماني ممثلاً عن مدينته حلب. أما أمّه فهي سامية الجندلية ابنة قاضي القدس، التي نشأت في تركيا.

وفي حلب تلقى علومه حتى أنهى الدراسة الثانوية، ثم توجه إلى فرنسا، حيث درس الأدب وفقه اللغة بجامعة (السربون) بباريس، ثم درس الحقوق في الجامعة السوريا بدمشق، وعمل بعد تخرجه مديرًا للمعهد العربي الإسلامي بدمشق، ومارس المحاماة فكان مثال المحامي النزيه والقاضي العدل، لا يترافع إلاّ مع الحق ولا يقضي إلاّ بما يقرّه الشرع، واشترك في مؤتمرات المحامين فكان فيها نجمًا لامعًا. وفي سنة 1386هـ دُعي إلى المغرب لتدريس الحضارة الإسلامية بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس في مدينة فاس، ثم أستاذًا لكرسي الإسلام والتيارات المعاصرة في دار الحديث الحسينية بالرباط، ثم في قسم الدراسات الإسلامية والدكتوراه في جامعة القرويين.

وهو شاعر فحل من فحول الشعراء المعاصرين، توهّجت مشاعره الوجدانيّة وتأجّجت وهو طفل في مرابع الشهباء الجميلة بشكل عفوي طفولي، فانبثق عن ذلك ما كان يحسبه شعراً. بدأ قول الشعر وهو في التاسعة من عمره وجمع ديوانه الأول وهو في الثامنة عشرة. نظم الشعر بعفويّة وتلقائيّة، متأثّراً بمدرسة القرآن الكريم، وإشعاع الرسول الأمين (ص)، وعظماء الأمّة، ومن أحبّ من الشعراء.

امتاز شعره بالجرأة والصراحة، ونقد الأوضاع الشاذّة، وحمل على طغاة الأمّة ومستبديها، وحمّلهم مسؤوليّة الانتكاسات والهزائم التي أصيبت بها الأمّة، كما امتاز بالحس الوجداني المرهف، واتسم بالعمق والأصالة، والسموّ الروحي، واهتم بقضايا أمّته ومشكلاتها، وكان يرى أن الإسلام وحده طريق الخلاص بعد سقوط كل الشعارات والأيديولوجيات والوجوه المستعارة.

تناول الأميري في أشعاره المواضيع المشتملة للقيم الروحية والأهمية الإنسانية والشؤون الإلهية بلغة جذّابة. وكانت المواضيع التي ذكرها في كثير من أشعاره عن الصلة بالله والجمال والحرّية والمحبّة والسعادة والإخلاص واليقين والسموّ الديني وصفاء القلب والإرادة والوطنية والإنسانية. ورأى الناقد مصطفى تاج الدين أن شعر الأميري يمتاز بارتفاع لغته الشعريّة وتفوّقها دون تقعر، وبتعدد المضامين الشعريّة وتنوّعها، وبذاتيّة الوعي، وذاتيّة الانتماء، والرويّة والارتجال.

الخماسية في شعر الأميري

 كان عمر بهاء الدين الأميري صاحب شعر مملوءة بأفكار وتأملات. قد زيّن شعرَه كثير من المادات الفنية، وكان يحب قول الشعر أثناء عاداته اليومية، ومواضيع أشعاره تكون لائقة حسب الأحوال والأماكن والأوقات التي يقضي الأميري فيها. وكانت طبيعته النفسية مزدهرة بالإبداع الفني والعاطفة الوجدانية ومايلة إلى طابع ديني وإنساني وثقافي ومملوئة بالأساليب اللغوية والأدبية، يمكن له أن يتناول كل دقيقات في المعيار الأدبي ويوازنها في ميزان الشعر. ولذا، اختار الأميري الأسلوب الفائق اللائق لإبداعه الفني. وقد أشار الأميري في مقدمة ديوانه المشهور “ألوان طيف” إلى ديوان له من عشرين ديوانا باسم “الخماسيات”. ولكن هذا الديوان لم ينشر حتى الآن  لأن معظم أبياته قد نشرت في دواوينه المنشورة الأخرى ولم يشر إلى هذا الديوان في كتبه المخطوطة والمنشورة بعد ذلك. قد أشار الأميري في ديوانه “صفحات ونفحات” إلى طبيعة إبداعه الشعري وميل النفس إلى الخماسيات في أشعاره وكثرة وقوعها في دواوينه وأثر ماحوله وأحواله في قوله الشعر وكتابته مع الإشارة  إلى أثر الخماسيات في أشعاره ويقول عن سيرته في الصوم: “من طريقتي في الصوم: أن أقلل من الطعام، وأن أستعمل العسل بدلاً من السكر، وأن يمتد سحوري إلى دقيقة الإمساك، وأن لا أنام بعد صلاة الفجر، حتى يزداد توهج الشمس، أقضي الوقت متمشياً متأملاً، ما وجدت إلى ذلك سبيلاً، وكثيراً ما تنساب من نفسي خلال ذلك، مقطوعات من الشعر، بعضها قصائد طويلة، وأغلبها خماسيات، لعلها شكّلت جلّ ديواني المطبوع “مع الله”. ومنها في ديوانيّ الإلهيين غير المطبوعين: “إشراق” و”قلب.. ورب” عدد كبير”.[9]

عدد خماسيات الأميري المنشورة (94) أربع وتسعون خماسية، وهذه كلها لم تدوّن في كتاب واحد ولكن توزعت في دواوينه المختلفة ومجموعاته الشعرية على الشكل التالي:[10]

تاريخ نشرت الديوانالمجموعغيرالخماسياتعدد الخماسياتاسم الديوان
 1971م661452مع الله
1965م50491ألوان طيف
19761071+2 نشرتا في غيرهأب
198034303+1 نشرت في غيرهأمي
198440253+12 نشرت في غيرهصفحات ونفحات
198537314+1 نشرت في غيرهأذان القرآن
198850463+1 نشرت في غيرهنجاوى محمدية
1990543024قلب.. ورب
199225241رياحين الجنة
 17161سبحات ونفحات
1953 101(مجلة المسلمون)

وثمانين أبيات متواليتين. و لديه أيضاً مقطوعات شعرية دون الخماسية وفوقها، مثل “مغزى” ثنائيتين في ديوان: “مع الله”، ومثل “الحب والطب” و”المشيئة” ثنائيتين في ديوان “قلب ورب” ومثل “نلوذ بالله” و “دروب وخطوب” سداسيتين في ديوان “قلب ورب” ، ومثل “عزة التذلل” سباعية في ديوان “قلب ورب”. ولكن، أن نسبة هذه المقطعات قليلة جداً.

وكذلك من مقطعاته الشعرية، قصيدته “في العشر الأواخر” في ديوان “مع الله” مؤلفة من خمسة عشر بيتاً، مقسمة إلى ثلاثة مقاطع، كل مقطع خمسة أبيات يبدأ كل منها بشطر مكرر:   “حَذارِ يا شيطانَ جسمي حَذارْ”. وفي هذه القصيدة يمكن أن تعد كل مقطع خماسية، لما يتمتع به من استقلالية مع أن كلا منها يبدأ بشطر مكرر ويختم ببيت خاتمة مختلفة.

سبب اختيار الأميري للخماسيات

هناك إشارات كثيرة في تاريخ حياة الشاعر الأميري لاختياره نظام الخماسيات أو المقطعات. والأهمّ منها طبيعته لأنها كانت ذات طاقة وقوة تتوهج لحظات أو وثبات روحية أو شعرية، وكانت الوثبة أو الموجة الواحدة تشتمل فكرة واحدة أو تجربة واحدة. والرجال بمثل هذه الطبائع يختار هذا الأسلوب ويستريح بذلك. وكذلك هو امرؤ يترك النفس على سجيتها ولا يريد تبديلها، ومن الإشارات أن الأميري كان رجلا ذا مشاغل وأسفار متصلة يتداخل في أمور كثيرة في الوقت نفسه، ولذا لا يتسع وقته للتكثير والتطويل.

يقول محمد الحسناوي عن سبب اختيار الشاعر عمر بهاء الدين الأميري أسلوب الخماسية أو المقطعات لكتابة قصائده: “ترجح لدينا أن هناك في الأقل سببين نفيسين لاختيار الأميري نظام الخماسيات أو المقطعات، أحدهما ذو طابع  ديني، والآخر ذو طابع فني. أما السبب الأول، فهو البعد الروحي لتجربته الشعرية، التي تمتح من معين (الموضوع الإلهي) أي التوجه إلى الله تعالى، والتماس رحمته والقرب منه، وطلب الصلة الروحية بمصدر الروح البشرية، بالتسامي والتأمل والمجاهدة وما شاكل ذلك من رياضات روحية. هذا النزوع البشري العلوي لا يتحقق باستمرار، إنما يتأتى موجات موجات، ولحظات التجلي أو الإشراق، تكاد تكون خاطفة عابرة أو نادرة.” [11] ومن خماسياته من هذا الجنس خماسية “رحمن…. وإنسان”، المكتوب من شاطئ الهرهورة في 20 من رجب،1393ه (20/8/1973م) من ديوان “قلب وربّ”[12].

أهواك….. وأغفل عن مثل              عليا لهواك….. وأهواك

لا نكصا في الدرب, ونقصا              في الحب, ونقضا لرضاك

لكن شردات العين وقد                    أعشاها إشراق سناكا

ويقيني أنك رحمن                         بالرأفة عم الأفلاكا

وشعوري أني إنسان                      هل أذنب لو كنت ملاكا؟

ويستمر الحسناوي قائلا: “السبب الثاني لاختياره الخماسيات هو طبيعة الإبداع الشعري القائمة على وثبة نفسية أو مجموعة وثبات، تُفرغ شحنة التوتر النفسي لدى الشاعر نتيجة التقاء التجربة الجديدة المثيرة بتجربة الشاعر القديمة المختزنة، وتنتظمان شيئاً فشيئاً، فيكون من انتظامهما القصيدة التي نتلقاها، مما يجعل الحركة كلها متجهة إلى إعادة تنظيم المجال.”[13] يقول الأميري في ديوان “قلب ورب” خماسية “كنه فذّ”, المكتوب من جدة في 2 من رمضان ,1409ه(7/4/1990م)[14]

لستُ بالهـمِّ أحترقْ    بـل أُجلِّي وأنْبثِقْ

مُصعِداً في معارجٍ    كلُّ من أمَّها عَشِقْ

أنا كُــنهٌ مميَّزٌ..    للجَدا والنَّدى خُلِقْ

أنـا فـذٌّ، فطِينَتيْ    بِـسنا الرُّوح تَأْتلِقْ

إنـه رُوحُ خـالقٍ    وأنـا مِنه أنطلِقْ

شرف خماسيات الأميري و خصائصها

إن لشعر عمر بهاء الدين الأميري خصائص عديدة حسب العواطف والمواضيع والأساليب الفني والبلاغة. وكذا لخماسياته أيضا خصائص مهمة عديدة. وهذه الخصائص تختلف حسب أحوال تقديمه للخماسيات والأزمنة والأماكن والمواضيع. ولهذه الخصائص, ارتفع شرف خماسياته بين سائر المقطعات. اختلف معيار التقويم الفني عند النقاد, وبعضهم يعتبرون موضوع الشعر وغرضه في دائرة التقويم الفني وبعضهم لا يعتبرونه بل يعتبرون حسن الألفاظ ودقة المعنى . ولكن شرف الخماسيات يزداد عند هذين الطائفتين لأن معيار الطائفتين أي الموضوع والغرض والتعبير والألفاظ ودقة المعنى, موجود في خماسياته.  ولذلك تحصل خماسيات الأميري درجة عليا بين الأشعار عند تقويمها الفني أيضا.

والطائفة الأولى من نقاد الأدب أخرج موضوع الشعر و غرضه من دائرة التقويم الفني لنصوص الأدب والشعر، لأنهم اعترفوه من باب احترام حرية الأديب أو الشاعر وعدم الحجر عليه، مع أن حرية الأديب لا تتعارض مع تقدير الموضوعات التي يتناولها ومدى التفاوت بينها في تعبيرها عن حاجات البشر أو مدى صلاحيتها لفن من الفنون كالشعر. وكثير من الأشعار في الآداب الجاهلية والحديثة ليس مواضيعها لائقة لثقافة صحيحة ولا هي من الأشعار الإلهية, مع ذلك بات تمجيدها لما فيها من أسلوب فني فائق ولاشتمالها كثيرا من سمات البلاغة والفصاحة. والمستشرق الألماني ألبرت ديتريش, ناقد من هذه الطائفة, يقول عن ديوان “مع الله” مع عدم اعتباره الموضوع والغرض: “وتعجبت مما فيه من حسن الألفاظ ولطف المعاني، ودقة التفهم للإنسانية ومطالبها، وهمومها، وشدائدها، وسلواها.. “[15]

ولكن عباس محمود العقاد، الناقد من الطائفة الثانية، بحسّه الفني الرفيع وكعادته يخالف العرف النقدي الدارج، و يقول في رسالة كتبها عن ديوان الأميري “مع الله” الذي هو أول دواوينه الإلهية: ” ديوانكم مع الله آيات من التنزيل والصلاة، يطالعها القارئ، فيسعد بسحر البيان، كما يسعد بصدق الإيمان. وقد قرأت طائفة صالحة من قصائده، وسأقرأ بقيتها، وأعيد قراءة ما قرأته، لأنه دعاء يتكرر ويتجدد ولا يتغير, يطالعه القارئ فيسعد بسحر البيان كما يسعد بصدق الإيمان…”[16]. أما المستشرق الإيطالي “مورينو” فيقول بعد أن تعمق في الدراسة: “مع الله” ملحمة إلهية.”.[17]

ونقاد هذه الطائفة يقولون تفسيرا لمعيارهم أنه ‘إذا رأى الشاعر المرهف منظراً طبيعياً جميلاً انفعل به، ولا يستقر انفعاله حتى يعبر عن تجربته، وإذا أحسن إليه صديق أو حبيب لم يجد بداً من شكره على جميله وإحسانه، فكيف يكون شأنه مع الله الذي خلق له جمال الطبيعة، وخلق الإنسان الذي أحسن إليه، كما خلق العواطف والمشاعر المرهفة التي تذوقت هذه الأفاويق؟ أليس جديراً به أن ينفعل بهذا الإحسان الذي لا حدود لأنواعه وأبعاده وأعماقه وأطايبه؟ وإذا عبر عن هذه المشاعر السامية أجمل تعبير وأبدعه، ألا يكون تعبيره أو شعره هذا من أعظم أنواع الشعر والتعبير؟!.[18]

من مثل هذه الانفعالات من عمر بهاء الدين خماسية “حتى ترضى” المكتوب من شاطئ هرهورة في 27 من ربيع الثاني 1409ه, شكرا لخالقه وحمدا لمنعمه”.[19]

لكَ الحمدُ طوعاً.. لك الحمدُ فَرضاً       وثيقاً عميقـاً.. سماءً وأرضـا

لكَ الحمدُ صَمتاً.. لكَ الحمدُ ذِكراً         لكَ الحمدُ خَفْقاً حثيثاً.. ونبضـا

لكَ الحمدُ مـلءَ خلايـا جَنانـيْ             وكلّ كيانـيْ.. رُنوُّاً وغَمضـاً

إلهـي وجـاهيْ، إليـكَ اتجاهيْ              وطيداً مـديداً.. لترضى فأرضى

فأنتَ قِوامي.. وأنتَ انسجامـي            مع الكونِ، والأمرُ لولاكَ فوضى

فهنا أشير إلى بعض الخصائص التي شاعت وقوعها في خماسيات الأميري:

1.  الإلهيات والشعر الإلهي

إذا سمعنا كلمة الإلهيات والشعر الإلهي، أولا يخطر على بالنا عن شعر الزهد أو التصوف، وفي الحقيقة هي شعر يماثل شعر الزهد والتصوف ولكن ليس من مفرداتهما قطّ. الإلهيات وهو أقرب ما يكون لمصطلح ذكر الله تعالى من تحميد وتسبيح واستغفار، كما أن الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم نوع من أنواع الذكر أيضاً. 

الإلهيات وشعرها شائعة في شعر الشاعر عمر بهاء الدين الأميري لأنه أحب الله ورسوله حبا لا نظير له جعل كيانه كله ولها وذكر الله أشد ذكرا من ذكر الناس أحبابهم لأن ذكر الله عند الأميري هيام وعشق ووله. عندما نبحث عن أشعاره، نفهم أن معظم أشعاره إلهيات ومتعلق بأمور الدين وبالأخلاق الرزينة ومرجوّ صلاحية الأمة والمجتمع والإسلام خاصة والإنسانية عامة لذا عرف بلقب شاعر الإنسانية المؤمنة.

والخماسية أيضا قد اشتملت جما وافرا من الإلهيات. ولكن خماسيات الأميري الإلهية تختلف عن الزهد الذي هو بغض الدنيا والإعراض عنها والاعتزال عن الناس والخلاص الفردي وعن التصوف الذي هو ترك الاختيار أو التفرغ عن الدنيا، مع أن الأميري لم يتباعد عما في الكتاب والسنة من تصور لله تعالى وأسمائه الحسنى وجماله ورحمته وعظمته وصفاته ونعمته على خلقه وعلاقة خلقه به، ولا من تأمل مخلوقاته وحكمه في خلقه.

أشار المرحوم الأميري إلى أربعة من دواوينه (الإلهية):”مع الله” و”قلب ورب”, وهما قد طبعا، و”إشراق” و”في هوى النور”, وهما لم يصدرا بعد. وكذلك أشار إلى أن ديوانه النبوي “نجاوى محمدية” هو أيضاً إلهي، حيث قال الأميري عن هذا الديوان: “فهو وإن كان ديواناً نبوياً فهو إلهي في الوقت ذاته”.[20]وقد ورد كثير منها في ديوانيه الإلهيين اللذين لم يصدرا بعد، مع العلم أن الشاعر صرح بأن في ديوانه “في هوى النور” حجماً ليس بالقليل منها، حيث قال وهي “قصائد من شعري في هذا الباب”.[21]

أما عدد الخماسيات التي وصلتنا حتى الآن أربع وتسعون (94) كما ذكرنا قبل. ومعظم هذه الخماسيات جاء في ديوانه “مع الله” و”قلب ورب” وبعضها في “نجاوى محمدية” و “أذان القرآن”.  فإذا فتشنا عن المواضيع التي ألفت هذه الخماسيات، نجد أن ثلاثا منها في الأمومة وواحدة منها في الأبوة وأخرى ذاتية واثنتان في الهم والغم, وما تبقي أي تسع وثمانون (89) كلها في الشعر الإلهي.

وإذا حاولنا تصنيف هذه الإلهيات في مفردات ومواضيعها وجدنا معظمها في التجليات من إشراق وسمو (13 خماسية) أوفي أدعية (20)، وبعضها الآخر تأملات (8)، أو إيمان بالقضاء والقدر وتسليم وتوكل (7)، أو وعظ (6)، أو تربية وصقل للنفس (7)، أو تسبيح لله وتحميد (4)، أو استغراق في حب الله عز وجل(2)، أو حبٍّ فيه (1)، ومتفرقات أخرى في إعجاز النبوة والاستفتاح باسم الله  أو الدعوة إلى الإسلام أو البذل في سبيل الله أو وسواس الشيطان وراحة القلب.[22]

2.  الإشارة إلى الزمان والمكان ودلالتهما

من خصوصيات خماسيات الأميري الإشارة إلى الزمان والمكان. وهو قد أشار الزمان والمكان قبيل أو بعيد خماسياته مع كتابة التاريخ والشهر والسنة العربية القمرية. وهذا يدل على أن الشاعر كان معنيا بتأريخها والحديث عن مناسبات أشعاره على وجه العموم.  وعندما نعتبر الزمان في خماسياته نمكن أن يشرحه بزمانين:

1. تاريخ كتابة الخماسية في الزمن العام. وهو قد اعتبر في التوقيت الهجري أي فيما يسمى الأشهر العربية القمرية

2. تاريخ نظم الخماسية في حياة الشاعر نفسه.

عندما نراجع تاريخ كتابة الخماسيات في التوقيت الهجري نفهم أن لموقع الخماسيات من التاريخ الهجري شهريا دلالة واضحة واعتبار قيم. لأن الأميري كتب معظم خماسياته في أشهر مباركة ميمونة مشرفة في تاريخ الإسلام والمسلمين أي كُتبت تقريبا من السبعين في شهر رمضان ورجب والمحرم. فشهر رمضان عند المسلم موسم الصيام والقيام والدعاء والغفران، وأيام ذكرى نزول القرآن والتماس ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وأما رجب والمحرم هما من الأشهر الحرم التي حرم فيه القتال.  ففي أيام رمضان نظم الشاعر مالا يقل عن اثنين وستين (62) خماسية، وفي رجب والمحرم نظم سبعاً.

وعندما نراجع تواريخ نظم الخماسيات نلحظ أن القسم الأكبر منها نظمت في مرحلتين من حياته. المرحلة الأولى مطلع حياته الأدبية والثانية أواخر حياته. ففي سنة 1369 الهجرية، المناسب ل1951 الميلادية, نظم خمس عشرة خماسية، وفي سنة 1371 الهجرية، المناسب ل1952 الميلادية, نظم إحدى وعشرين خماسية، وفي سنة 1373 الهجرية، المناسب ل1954 الميلادية نظم سبع خماسيات، وهذه كلها حينما كان الشاعر في الثلاثينيات أي في مطلع حياته الأدبية، ثم تتوارى الخماسيات أو تأتي على ندرة واحدة واحدة طوال ست وثلاثين سنة، حتى تستعيد عافيتها سنة 1409 الهجرية, المناسب ل1988 الميلادية فظهر في هذه السنة نفسها خمس وعشرون خماسية.

ففي هذين المرحلتين من حياته للخماسية، قد اختلف أسلوبه وموضوعه وأفكاره وتأمله وعاطفته في المرحلة الأولى من المرحلة الثانية. ففي المرحلة الأولى، كان الأميري في ميعة الصبا والتوهج العاطفي، فنظم الشعر الذي يصور مجاهدته للعواطف المشبوبة، ولأحابيل الجنس والغريزة، ومفاتن المرأة والشيطان. وأما في المرحلة الثانية كان الشاعر في السبعينيات من عمره حيث بلغه نضجه العقلي. فكانت خماسياته في هذه المرحلة ذات الطابع التأملي والعقلي حيث يغلب فيها جانب العقل على العاطفة.

وعندما نعتبر دلالة المكان في خماسيات الأميري، نفهم أن للشاعر فيها مذهب يُعلي من شأن المشاعر والمعاني والأزمنة. إن الشاعر الأميري كان يشير إلى المكان الذي كُتبت الخماسيات فيه في أواخرها أحيانا وفي أوائلها أحيانا مع الإشارة إلى الزمان. وكتب كثيرا من خماسياته من الأمكنة المقدسة مثل مكة المكرمة وبغداد ومدينة المنورة وبين الصفا والمروة والملتزم، ركن من أركان المكة. ومن الأمكان التي كتب الأميري الخماسيات بلودان وبيورت وكراتشي وجدة وإسكندرية وحلب وشاطئ الهرهورة في المغرب. كتب الأميري نحو أربع وثلاثين خماسيات من كراتشي ونحو أربع عشر من شاطئ الهرهورة وجدة ونحو أحد عشر من مكة المكرمة. 

وفي بعض الخماسيات صرح الأميري باسم المكان الخاص مثل الخماسية “دعاء” التي نظمت في “الملتزم: ركن من الكعبة”، والخماسية “عُمرة” نظمها في “بين الصفا والمروة”. وهذه الخماسيات تضمن معني الدعاء الحار فائر العواطف والإيقاع. وهذا التصريح باسم المكان الخاص بسبب اجتماع عظمة ذلك المكان والمشاعر المرهفة المنبثقة في القلوب عند حضور ذلك المكان. وإلى هذا يشير الأميري بقوله: “أجل، ولكنني اليوم في هذا الحضور الطهور تتأكد لي حقيقة أدركتها منذ سنوات، بصدق وعمق، وهي : أن للمكّتين: طيبة وأم القرى من الخصائص والمزايا -مكانة ومكاناً- ما ليس لسواهما من بقاع الأرض.. فمن كان فيهما، ثم أكرمه الله، فكان سبحانه ملء قلبه، إيماناً.. وإحساناً.. فنور على نور.. وإنها ولا شك ذروة السعد والمجد”[23].

3.  هيكل خماسيات الأميري

من أهم عناصر القصيدة هيكلها لأن القصائد كلها اعتُبرت جزء فنيا عاطفيا بسبب الهيكل الذي يشمل موضوع القصيدة وتناسقها وبناءها. والهيكل يكون جيدا إذا كانت القصيدة كائنا فنيا ذا موضوع واحد قوي البناء متماسك الأجزاء من البداية إلى النهاية.

تناول الأميري هذا السر في خماسياته وجاءت وحدات فنية متماسكة الأجزاء ومتقنة السبك الهندسي وقوية البناء. فلذا كانت الخماسيات أيضا كائنا فنيا لا يقل أهمية وشأنا عن القصائد الطوال. وإذا فتشنا هيكل خماسيات الأميري, نجد خصوصيات كثيرة التي تتركز على هيكلها. ومنها: وحدة العاطفة وتطورها في اتجاه واحد, تماسك أجزائه من البداية إلى النهاية,  التركيز على البيت الأخير أو الخاتمة وأهميتها.

وحدة العاطفة وتطورها في اتجاه واحد: هما السمتان المميزتان للبنية الداخلية للقصائد. اتبع الشاعر الأميري في أكثر خماسياته هذين السمتين حيث يعبر عن تجربته متدارجا ويبدأ من نقطة انفعالية ثم يتطور خطوة بعد خطوة مثل صاعد في سلّم حتى يصل إلى القمة وينتهي إلى خاتمة عاطفية.

تماسك أجزائه من البداية إلى النهاية: يشير بهذا التناسق الكامل بين الأبيات حيث لكل بيت علاقة معنوية وعاطفية بسائر الأبيات ويشتد بعضها بعضا بالمعاني والتراكيب. ويشتمل البيت الأول النقطة الأولى من مضمون موضوع الشعر والبيت الأخير الخاتمة أي النتيجة من أربعة أبيات سابقة وأجزاء الخماسيات من البداية إلى النهاية كلها جزء لا يتجزء عن جسد الخماسية.

التركيز على البيت الأخير أو الخاتمة وأهميتها: الجزء المهم في خماسيات الأميري هو البيت الأخير لأنه يشتمل العنصر المهم من مضمون الخماسية. وهذه الخاتمة تأتي حلا لمشكلة أو تتويجا لصعود متدرج أو تفسيرا لمحمول الأبيات الأربعة الأولى أو جوابا على سؤال أو مجموعة أسئلة أو تأتي على شكل حكمة أو خلاصة أو الإثنين معا. وفي كلها يتم مضمون الخماسية بالبيت الأخير.

4.  الموسيقي

كان عمر بهاء الدين الأميري شاعر ملتزم بعروض الخليل بن أحمد الفراهيدي مع أنه عاصر ظهور شعر الحر والتفعيلة وكتب مقدمات لكثير من قصائده ودواوينه بنثر فني يكاد يكون من شعر التفعيلة. والاتزام أشعاره البحور الشعرية والقوافي تمتعت قصائده لا سيما خماسياته بالموسيقي وسيرورة طاغية لأن بحور الخليل أغنى موسيقي لتعدد أو تنوع بالتفعيلات مثل فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ ومُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ.

نظم الأميري خماسياته على عشرة بحور وهي:[24]

  1. الرمل- فيه 18 خماسية
  2. الطويل- فيه 12 خماسية
  3. الخفيف- فيه 15 خماسية
  4. المتقارب- فيه 14 خماسية
  5. السريع- فيه 13 خماسية
  6. الكامل- فيه 10 خماسية
  7. البسيط- فيه 6 خماسية
  8. 8.  الرجز- فيه 5 خماسية
  9. المتدارك- فيه خماسية واحدة
  10. المنسرح- فيه أيضا خماسية واحدة

رغم التزام الأميري بالبحور والقوافي، هنا “عوامل متعددة التي أسهمت موسيقي لخماسياته مثل التصريع في المطالع والتصريع في الشطور وبعض الترصيع وألوان من الجناس والطباق وبالتكرار في بدايات الأبيات أو بعض التراكيب والكلمات”.[25] وقد ترنم كثير من المغنين المشهورين بعدد من خماسيات الأميري لموسيقيته وأذيع في عدد من الإذاعات العربية منها خماسيات صلة، عمرة، صلاة، دعاء.

   (الكاتب باحث في الجامعة كالكوت تحت المشرف الأستاذ الدكتور ك أم محمد)


[1] الدكتور. يونس السامرائي- ظاهرة المقطعات في الشعر العباسي- مجلة آداب المستنصرية- العدد:8-ص:337, 1984م.

[2] ابن دريد, أبو بكر محمد بن الحسن الأزدي: جمهرة اللغة, تحقيق رمزي البعلبكي, دار العلم للملايين, 2/915

[3] ابن فارس, أبو الحسين أحمد: مقاييس اللغة, تحقق عبد السلام محمد هارون, دار الجيل, 5/102.

[4] الزمخشري, أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد: أساس البلاغة, الهيئة العامة لقصور الثقافة, 2/263.

[5] ابن منظور, محمد بن مكرم: لسان العرب, دار صادر, بيروت, 2/353

[6] الفيروزآبادي, محمد بن يعقوب: القاموس المحيط, دار الحديث, 3/71

[7] الباقلاني,أبو بكر بن محمد بن طيب : إعجاز القرآن, تحقيق السيد أحمد صقر, دار المعارف-القاهرة, 1/257                                             

[8] ابن رشيق القيرواني: العمدة, تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد, دار الجيل, 1981, 1/188-189.

[9] عمر بهاء الدين الأميري- ديوان صفحات ونفحات, مؤسسة الزمن للعلاقات والنشر والترجمة- عمان, 1405ه (1985م) ص: 25

[10]  مأخوذ من سلسلة مقالات محمد الحسناوي, خماسيات الأميري: هدية الأدب الإسلامي للأدب العالمي, مجلة الأدب الإسلامي تصدر عن الرابطة الأدب الإسلامي العالمية, المجلد:15, العدد:60, ص:18

[11] محمد الحسناوي, مقالة “خماسية الأميري: هدية الأدب الإسلامي للأدب العالمي”, , مجلة الأدب الإسلامي تصدر عن الرابطة الأدب الإسلامي العالمية, المجلد:15, العدد:60, ص:17

[12] عمر بهاء الدين الأميري, ديوان “قلب…ورب”, دار القلم- الدار الشامية-  ط 1-ص/17

[13] محمد الحسناوي, مقالة “خماسية الأميري: هدية الأدب الإسلامي للأدب العالمي”, , مجلة الأدب الإسلامي تصدر عن الرابطة الأدب الإسلامي العالمية, المجلد:15, العدد:60, ص:17,18

[14] عمر بهاء الدين الأميري, ديوان “قلب… ورب”. دار القلم- الدار الشامية- ط 1-ص/53

[15] عمر بهاء الدين الأميري- ديوان “مع الله”- ط 1-مطبعة الأصيل- حلب- 1379ه (1559م)- ص-351

[16] عمر بهاء الدين الأميري- ديوان “مع الله”, ط 1-مطبعة الأصيل- حلب- 1379ه (1559م) – ص-241

[17] عمر بهاء الدين الأميري- ديوان “مع الله”, ط 1-مطبعة الأصيل- حلب- 1379ه (1559م) – ص-355

[18] مأخوذ من سلسلة مقالات محمد الحسناوي, “خماسيات الأميري: هدية الأدب الإسلامي للأدب العالمي”, , مجلة الأدب الإسلامي تصدر عن الرابطة الأدب الإسلامي العالمية, المجلد:15, العدد:60, ص:22

[19] عمر بهاء الدين الأميري، ديوان “قلب ورب”. دار القلم- الدار الشامية- ط 1- ص- 197

[20] عمر بهاء الدين الأميري، ديوان “قلب…. ورب”. دار القلم- الدار الشامية- ط 1-ص-23

[21] عمر بهاء الدين الأميري, ديوان “قلب…ورب”. دار القلم- الدار الشامية- ط 1-ص-14,15

[22] محمد الحسناوي, مأخوذ من سلسلة مقالات “خماسيات الأميري: هدية الأدب الإسلامي للأدب العالمي”, , مجلة الأدب الإسلامي تصدر عن الرابطة الأدب الإسلامي العالمية, المجلد:15, العدد:60, ص:18

[23] عمر بهاء الدين الأميري, ديوان “قلب…ورب”, دار القلم- الدار الشامية-ط 1-  ص-19

[24] محمد الحسناوي, مأخوذ من سلسلة مقالات “خماسيات الأميري: هدية الأدب الإسلامي للأدب العالمي”, مجلة الأدب الإسلامي تصدر عن الرابطة الأدب الإسلامي العالمية, المجلد:15, العدد:60, ص:21

[25] المصدر السابق: ص:21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *