ظاهرة التناص الأدبي في شعر الشيخ أحمد أبي الفتح اليَرْوَاوِي

د.محمد منصور جبريل

ملخص البحث

تهدف الورقة إلى كشف الغطاء عن أنماط التناص الأدبي الواردة في شعر الشيخ أحمد أبي الفتح اليرواوي, بغية إلقاء الضوء عن التفاعل بين النص المدروس والنصوص الأدبية الغائبة, وذلك لأن النص وليد التراكم الثقافي لدى الإنسان, يستفيد اللاحق من السابق; ما أدى إلى ورود التناص الأدبي بنسبة كبيرة في النص المدروس, ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كثرة اهتمام الشاعر بالشعر العربي والإسلامي, حيث نجده كثيرا في فن الرثاء يتناص مع شعر الخنساء. وفيما يمت بصلة إلى الشعر العربي الصوفي, وخاصة في المديح النبوي ومدح الشيوخ, فإن الشاعر استمد أفكاره من الإمام البوصيري في قصيدتي البردة والهمزية, كما استفاد من قصائد الوزير الفازازي الأندلسي في عشرينيته, والشيخ إبراهيم انْيَاس الكولخي في دواوينه الست.  وتتمثل أهمية البحث في إبراز ما يمتاز به الديوان من استلهام النصوص الأدبية الغائبة, امتصاصا, أو اجترارا, أو تحويرا, ما يبرز مدى أخْذ الشاعر من النصوص الأخرى. وبما أن النص المدروس يمثل تراكمية النصوص, فما أنماط التناص الواردة في الديوان؟ وكيف أسهمت النصوص الغائبة في تشكيل النص الحاضر؟ وما دوره في نقل الرسالة إلى المتلقي؟ وسيوظف الباحث المنهج الوصفي وفقا لمتطلبات الدراسة الألسنية النصية لإبراز مادة البحث.

المقدمة

يمثل النص الأدبي تراكمية النصوص الأخرى, يستفيد اللاحق من السابق عن طريق الأخذ من النصوص الأخرى, وهذا ما يدعو إليه النقد التناصي, بحيث يتكون النتاج الفني من الخبرات الطويلة التي عايشها المنتج عن طريق ممارسة التجارب الأخرى من الشعراء والكُتَّاب, يستقي من بنات أفكارهم مادة ثرية ثم يضيفها إلى نتاجه الأدبي. وهذا يدل دلالة واضحة على أن التلاقح الفكري أمر جوهري في العمل الفني, وخاصة فيما يمت بصلة إلى قرض الشعر.

وتتمثل أهمية البحث في أنه يكشف الغطاء عن أنماط التناص الأدبي الواردة في ديوان الشيخ أحمد أبي الفتح اليرواوي, بغية الوقوف عند منهجه في الأخذ من النصوص الغائبة على اختلاف أنواعها وقائيليها, ما يبرز ثقافة الشاعر وأسلوبه في التناص مع النصوص الأدبية.

هذا, وقد استفاد الشيخ أحمد أبي الفتح اليرواوي من النصوص الأدبية الأخري, حيث يُلمس منه التناصات مع غيره من الشعراء في فنون شتى. ومن الشعراء الذين أخذ عنهم مادته الشعرية على سبيل المثال لا الحصر, أنه استفاد من الخنساء في فن الرثاء, كما أخذ عن الوزير الفازازي والإمام البوصيري والشيخ إبراهيم انياس الكولخي في المديح النبوي ومدح الشيوخ, وغير ذلك من أغراض الشعر العربي الصوفي.

وقد وظف الشاعر آليات متنوعة للأخذ من النصوص الغائبة, حيث صاغ التناص بأساليب مختلفة, امتصاصا, واجترارا, وتحويرا, لنقل رسالته الفنية إلى المتلقي.

تعريف بالشاعر وديوانه

هو الشيخ أحمد بن علي اليرواوي, ويُكنَّى بأبي العباس جريا على التقاليد الصوفية المعروفة لدى أصحاب الطريقة التجانية في تكنية من سُمي أحمد إن ارتقى مراتب محمودة في التربية الصوفية تفاؤلا به وتكريما لأبي العباس الشيخ أحمد التجاني.[1]

وُلِد الشيخ بقرية شَنْدُوَ والتي عُرفت حديثا سَنْدِيَا, وهي قرية في منطقة أَوْنُو  التابعة للحكومة المحلية كُونْدُغَ بولاية بُرْنُو- نيجيريا. وكانت ولادته في شهر رجب عام1343ه, ونشأ في قريته نشأة ريفية, حيث تعلم الفروسية, والرعاية, والرماية, والسياحة, وغيرها من مستلزمات الحياة القروية.[2]

تلقى مبادئ القراءة عند والده, فقرأ عليه السور القصار, وكيفية ما يصلح به فرض عينه من فقه العبادات قبل الخامسة من عمره, ثم التحق بالكتاتيب في صحبة مَالَمْ علي بأمر من والده. وبعد ذلك بسنة توفي والده عام 1349ه. ثم هاجر إلى مَيْدُغُرِي والتحق بغُنِي غَرْبَ, والد الشيخ أُبَا غوني, ثم سافر إلى قرية غُونِيرِي غَارُووَه وختم هناك القرآن الكريم. ومن ثم ارتحل إلى بُنْكُورى إحدى قرى إمارة كَنُو حيث ختم تفسير القرآن الكريم على يد الشيخ أبي بكر الدَّوَاكِي. وفي بنكورى قرأ مبادئ العلوم على يد جماعة من علمائها كما مارس التجارة مع تجارها برهة من الزمن. ثم انصرف عن التجارة وعكف في طلب العلم أخذا وأداء. فأخذ عن أماجد علماء مدينة زَارِيَا, أمثال الشيخ الفقيه مالم نَائِيَا, والأستاذ الجليل إمام أحمد بن إبراهيم, والشيخ إسحاق نَمَعَجِي. ومن علماء كنو, أخذ عن الشيخ أبي بكر عتيق فقه الشريعة والحقيقة, ولازمه أعواما حتى نال منه التقديم في الطريقة التجانية قبل وصول الفيضة التجانية الإبراهيمية إلى مدينة كنو.

وقد استفاد من الشيخ جمع غفير من طلبة العلم والمعرفة رجالا ونساء, كبارا وصغارا, في شتى فنون المعرفة, من فقه وتوحيد ونحو وصرف وحديث ومصطلح وتفسير وتصوف وغيرها. وله معهد لتعليم الكبار يُجري فيه التدريس على نظام الحلقات, كما له معهد آخر للصغار يُجري التدريس فيه على النمط النظامي الحديث, وهو أول معهد من هذا النوع في بُرْنُو.[3]

توفي الشيخ أحمد أبو الفتح يوم الأربعاء الحادي والعشرين من صفر, عام 1424ه= 2003م, في حادثة سيارة في طريقه من كنو إلى ميدغري, راجعا من زيارته للتعزية, وزيارة قبر شيخه أبي بكر عتيق رحمهما الله تعالى.[4] 

تعريف بالديوان

أما الديوان “ومضة من درر الشيخ أبي الفتح” فهو عبارة عن مجموعة قصائد محتوية على 2815 بيتا, صيغت قوافيها على عدد حروف الهجاء, ابتداء بالألف وانتهاء بالياء. وكانت هذه القصائد منسوجة على النمط التراثي وفقا لمتطلبات الشعر العربي العمودي, وقد نظم الشاعر قصائده في موضوعات مختلفة تعود معظمها إلى أغراض الشعر الصوفي بما فيها من المديح النبوي, ومدح الشيوخ, والحب الإلهي, والتوسل, والاستعطاف, كما تناول الشاعر الفخر, والهجاء, والرثاء, والرحلة, وغير ذلك من موضوعات الشعر العربي التقليدي.

ومن الناحية الفنية, فقد احتوت هذه القصائد على صياغة فنية رائعة, من براعة الاستهلال, وحسن التخلص والاختتام, كما وظف الشاعر أنماطا من الصور البيانية, من أساليب التشبيه والمجاز والكناية; أضف إلى ذلك ما تتمتع به القصائد من المحسنات البديعية من تكرار وجناس, وتصريع, وطباق, وغير ذلك مما يمت بصلة إلى تحسين فن القول.

مفهوم التناص:

تجدر الإشارة إلى أن “التناص” مصطلح نقدي حديث له صلة وثيقة بالتراث العربي القديم, فالكلمة مشتقة من مادة (نصص), ومنها تعددت المدلولات الكثيرة تتشابه مبناها ومعناها. وقد أورد ابن منظور في لسان العرب: نص الحديث ينصه نصا: إذا رفعه, وكل ما أظهر فقد نص, وقال عمرو بن دينار: ما رأيت رجلا أنص للحديث من الزهري: أي أرفع له وأسند, ويقال: نصت الظبية جيدها, بمعنى: رفعته.[5]

واصطلاحا: فقد ورد مدلول “التناص” في النقد العربي التراثي  تحت مسميات عدة, منها: “الأخذ والسرقة, والاقتباس, والنسخ, والتضمين”, وغير ذلك  مما يمت بصلة إلى التفاعل بين النصوص وتداخل بعضها في بعض. وهذا يدل دلالة واضحة على أن التناص في الاصطلاح النقدي التراثي يتمثل في: “أخذ شاعر كلاما شعريا أو نثريا من شاعر آخر“. ويتم هذا الأخذ بطرق شتى: فإذا أخذ الكلام معنى ولفظا من القرآن, سمي (اقتباسا), وإن أخذ بطريقة منه سمي (توليدا), وإن أخذ نصا سمي (نسخا).[6]

وبالرجوع إلى التراث الأدبي والنقدي يُستنتج أن هناك مصطلحات قريبة من التناص مثل التضمين, والاقتباس, والتلميح, والسرقة, والمعارضات, والمناقضات وغيرذلك من المصطلحات التي تدل على الأخذ والاستفادة من تجارب الآخرين. ففي الكتب النقدية مثلا يُلمس أشكال التناص عند الآمدي في كتابه الموازنة, حيث أورد الحديث عن السرقات الشعرية في موازنته بين الطائيين أبي تمام والبحتري, وكذلك يُلمس هذه السمات في الوساطة بين المتنبي وخصومه لعلي بن عبد العزيز الجرجاني, والإبانة عن سرقات المتنبي للعميدي, وغير ها من الكتب النقدية القديمة التي عالجت أشكال التناص, على الرغم من أن هذه المعالجة وردت تحت مسميات مختلفة.[7]

وقد أورده ابن رشيق في العمدة تحت مصطلح السرقة الأدبية, وهي: أن يعمد شاعر لاحق فيأخذ من شعر شاعر سابق بيتا شعريا, أو شطر بيت, أو صورة فنية, أوحتى معنى ما. وتكون في البديع المخترع الذي يختص به شاعر دون آخر, لا في المعاني المشتركة..واتكال الشاعر على السرق بلادة وعجز, وتركه معنى سبق إليه جهل, والمختار أوسط الحالات.

“وهذا باب  متسع جدا, لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه, وفيه أشياء غامضة إلا عن البصير الحاذق بالصناعة, وأخر فاضحة لا تخفى على الجاهل المغفل..وقال الجرجاني وهو أصح مذهبا, وأكثر تحقيقا من كثير ممن نظر في هذا الشأن: ولست تعد من جهابذة الكلام, ولا من نقاد الشعر, حتى تميز بين أصنافه وأقسامه, وتحيط علما برتبه ومنازله, فتفرق بين السرق والغصب, وبين الإغارة والاختلاس, وتعرف الإلمام من الملاحظة, وتفرق بين المشترك الذي لا يجوز ادعاء السرقة فيه, والمبتذل الذي ليس واحد أحق به من الآخر, وبين المختص الذي حازه المبتدي فملكه واجتباه السابق فاقتطعه”.[8]

أما أبو هلال العسكري, فقد تناول التناص بالدراسة تحت ما سماه ب “الأخذ” مبينا أن المصطلح من حيث المدلول ينقسم إلى الحسن والقبيح. أما الحسن, فقد فصل عنه الحديث بقوله:-

“ليس أحد من أصناف القائلين في غِنًى عن تناول المعاني ممن تقدمهم, والصياغة على قوالب من سبقهم, ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظا من عندهم, ويبرزوها في معارض من تأليفهم, ويوردوها في غير حليتها الأولى, ويزيدوها في حسن تأليفها وجودة تركيبها, وكمال حليتها ومعرضها, فإذا فعلوا ذلك فهم أحق بها ممن سبق إليها, ولولا أن  القائل يؤدي ما سمع لما كان في طاقته أن يقول, وإنما ينطق الطفل بعد سماعه من البالغين.”[9]

واستمر يقول في  “الأخذ” القبيح ما نصه:-

“وقبح الأخذ أن تعمد إلى المعنى فتتناوله بلفظه كله أو أكثره, أو تخرجه في معرض مستهجن, والمعنى إنما يحسن بالكسوة: أخبرنا بعض أصحابنا قال: قيل للشعبي: إنا إذا سمعنا الحديث منك نسمعه بخلاف ما نسمعه من غيرك, فقال: إني أجده عاريا فأكسوه من غير أن أزيد فيه حرفا.”[10]

اهتم النقاد بالسرقات الأدبية ليسهل التتبع في أعمال الشعراء من جدة وابتكار, أو اتباع وتقليد, حتى يتمكنوا من ربط المتقدم بالمتأخر, ومعرفة السابق بالمعنى واللفظ, وعندئذ يمكن الحكم عليه بالتقليد أو التجديد.وقد جعلوا للسرقات مسميات مختلفة وتسميات عديدة تبلغ مائة وخمسة وأربعين مصطلحا, وكلها انبثقت عن المصطلح الأم (السرقة) فهي تشابهها في خصائص جوهرية (الأخذ من الغير), وتنفرد بخصائص تبعا لطريقة الأخذ والتحوير الفني في اللفظ والمعنى والأسلوب, ولهذا عٌدت السرقة مصطلحا فضفاضا ينقسم إلى سرقة محضة وسرقة فنية.[11]

ومن المنظور الحداثي, فقد عرفت جوليا كريستيفيا “التناص” بأنه: “فضاء متداخل نصيا, وأنه مجال لتقاطع عدة شفرات تجد نفسه في علاقة متبادلة, وامتصاص لنصوص متعددة, ومن ثم هدمها”.[12]

أما مارك أنجينو فهو يرى التناص بأنه يتمثل في “كل نص يتعايش بطريقة من الطرق مع نصوص أخرى, وبذا يصبح نصا في نص تناصا”.[13]

ومن النقاد المحدثين العرب, فقد عرف أحمد الزعبي التناص بقوله: “أن يتضمن نص أدبي ما, نصوصا وأفكارا أخرى سابقة عليه عن طريق الاقتباس أو التضمين, أو التلميح, أوالإشارة, أو ما شابه ذلك من المقروء الثقافي لدى الأديب, بحيث تندمج هذه النصوص والأفكار مع النص الأصلي وتندغم فيه ليشكل نصا جديدا واحدا متكاملا.”[14]

هذا, وعلى الرغم من كثرة تداول المصطلح على ألسن النقاد بصيغ شتى, فإن مدلولاته تكاد تتفق على إيصال معنى واحد, وهو: وجود تفاعل أو تشارك بين نصين باستفادة أحدهما من الآخر. وقد ورد التناص في ثوبه الحديث ويراد به التواجد اللغوي لنص في نص آخر, ويعني ذلك كل ما يجعل النص في علاقة ظاهرة أو خفية مع نصوص أخرى.[15]

وظيفة التناص

إن التناص تقنية حديثة تهدف إلى أخذ النصوص الغائبة والاستفادة منها, سواء كانت قديمة أم حديثة, لِبَثِّ رؤية جديدة في مضامينها. وتتمثل عملية الناقد  في تفكيك النص والكشف عن لقاحاته الفكرية الواردة من نصوص أخرى عبر استحضار المرجعيات المتناصة. وهذا يعني إمكانية قراءة عدة نصوص من خلال نص واحد.

وعليه, فإنه يمكن  تعداد وظيفة التناص فيما يأتي:-

1.الوظيفة التعبيرية: ويقصد بها انفتاح النص على فنون قولية أو تشكيلية أخرى لتوسيع مجالات التعبير, وهو ما اصطُلِح عليه بالتناص البنائي, كما يُلمَس ذلك في النصوص الشعرية والفنون السردية.

2.الوظيفة الجمالية: تتمثل الوظيفة الجمالية في تحويل المعنى القديم إلى معنى أجمل وأوسع. فلو وقفنا عند قول الجواهري:

أتعلم أن جراح الشهيد * تظل عن الثأر تستفهم

أتعلم أن جراح الشهيد * من الجوع تهضم ما تلهم

تمص دما ثم تبغي دما * وتبقى تلح وتستطعم[16]

فالجواهري هنا يتناص مع خرافة جاهلية تزعم أن للقتيل طيرا يُسمَّى “الهامة” يبقى ينادي بثأره حتى يُقتَل القاتل. إلا أن الشاعر ابتعد عن النقل المباشر فصاغ التعبير بنسيج جديد حتى كاد يخفي الصورة القديمة ما يغلق الذهن عن البحث في جذور المعنى, مما أضفى للتناص أثرا جماليا.[17]

3.الوظيفة الفكرية: أما الوظيفة الفكرية, فتتمثل في التناص مع نص ذي أثر فكري متوقع على المتلقي, وغالبا ما يُلمس ذلك في التناص مع النصوص المقدسة أو مع الشعراء الكبار.

أنماط التناص الأدبي الواردة في الديوان

استفاد الشاعر من تجارب شعراء آخرين, وخاصة فيما يمت بصلة إلى الشعر العربي الصوفي حيث نسج الشاعر قصائده على منوال الشعراء الصوفيين أمثال الشيخ أبي عبد الله محمد البوصيري في قصيدتَيْه “بردة المديح” و “الهمزية”, والشيخ الوزير أبي زيد عبد الرحمن بن أبي سعيد الفازازي الأندلسي في القصيدة  “الوسائل المتقبلة” (العشرينية), والشيخ إبراهيم بن عبد الله انياس الكولخي في “الدواوين الست”, وغيرهم من الشعراء كثيرون.

وفيما يلي توضيح لأساليب التناص الأدبي الواردة في قصائد الشيخ أحمد أبي الفتح اليرواوي:

يقول الشيخ في التوسل:

أناديك يا خير الأنام محمد* أيا صاحب المعراج والتاج واللوا

هداية أولادي وأولاد صحبنا* ونرجوا ضمانا في الممات وفي المحيا[18]

يتوسل الشاعر بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم, والذي وصفه بصاحب التاج والمعراج واللواء, بأن يُرزَق أولاده وأولاد صحبه من الله الهداية, كما توسل بمحبته للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يُرزق أمنا في حية الدارين (ونرجوا ضمانا في الممات وفي المحيا).

امتص الشاعر من قول الوزير عبد الرحمن بن أبي سعيد الفازازي الأندلسي:

دعانا لمولانا وحسن ثوابه* وذكرنا بالخير وهو لما به

فما زال في الدنيا وعند مآبه*ينيخ أولوا الحاجات طرا ببابه

فيلقون أمنا في الممات وفي المحيا[19]

وتتمثل ظاهرة التناص الأدبي بين النصَّيْنِ فيما تحته خط, حيث تدل العبارتين على رجاء الحصول على الأمن والسلام في الدنيا والآخرة, امتص الشاعر معانيه من الوزير الفازازي في قصيدته الوسائل المتقبلة المعروفة بالعشرينية, حيث يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رسول كريم, يدعو الناس إلى طاعة الله تعالى, وكل من لجأ إليه بالطاعة والانقياد, فسيلقى أمنا بسعادة الدارين. والجدير بالاعتبار في هذا الصدد: استفادة النص الحاضر من النص الغائب, على نسق التناص الأدبي, آليته الامتصاص.

ومنه قول الشاعر اليرواوي في المديح النبوي:

حبيبي حبيب الله طه محمد* وما زال عن قلبي وما زال ما وما[20]

يعبر الشاعر عن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم, وعن مدى حبه له عليه السلام (حبيبي حبيب الله), فالتكرار لكلمة (حبيب) يفيد الإغراق في المحبة والاهتمام بالممدوح, حيث يعبر الشاعر بأن الذي أحبه فهو محبوب عند الله سبحانه وتعالى, وما دام أن الخالق يحبه, فلا يزال قلبي في هواه. وقد تكررتْ كلمة (ما) أربع مرات لإفادة تأكيد النفي بأن حب المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يزل عن قلبه قط, بل هو ثابت مدى الحياة.

يُلمس من الشاعر أنه أخذ هذه الصورة عن الشيخ إبراهيم إِنْيَاسْ الكولخي في قوله في المديح النبوي:

فإن تسألوني عن حبيبي وسيدي* فطه حبيب الله ما الغير ما وما[21]

يُستنتَج التوافق بين النصَّيْن في تكرار توظيف لفظة (حبيبي) و (حبيب الله), و(طه), وتكرار لفظة (ما), حيث ورد التكرار في النص الحاضر أربع مرات, كما ورد في النص الغائب ثلاث مرات. وقد وظف الشاعر آلية الامتصاص في صياغة تناصه الأدبي.

ومن التناص الأدبي قول الشاعر:

وإنك بحر ومأوى اللآلي* كثير الرماد وسيع الفناء

وإنك ياقوت قوت القلوب* ومختار رب البرا لا مرا[22]

لجأ الشاعر إلى توظيف التشبيه البليغ في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم “وإنك بحر”, للدلالة على كثرة جوده وكرمه; كما لجأ إلى توظيف الكنايات لتأكيد ما هو عليه بقوله: “مأوى اللآلي”, و “كثير الرماد”, و “وسيع الفِناء”, كما شبه الممدوح بالياقوت للدلالة على قدر رسالته وقيمتها (وإنك ياقوت), فيُلمس التأكيد في تكرار عبارة (وإنك) مرتين, كما يُلمس الجناس بين (ياقوت) و (قوت), ما يدل على براعة الشاعر التصويرية.

ففي قول الشاعر “كثير الرماد” تناص مع قول الخنساء في رثاء أخيها صخر:

طويل النجاد رفيع العماد* كثير الرماد إذا ما شتا

ففي قول الشاعر في النص المدروس “كثير الرماد” كناية عن جود الممدوح وكرمه, إذ يلزم من كثرة الرماد كثرة الطبخ والإطعام, صاغه الشاعر على نسق التناص الأدبي, آليته الاجترار.

ومنه قول الشاعر:

وإذا سخر الإله سعيدا* لأناس فإنهم سعداء

نشكر الله بات فينا سعيد* ثم إنا بجاهه سعداء[23]

يعبر الشاعر عن هداية الله سبحانه وتعالى لخلقه, حيث منَّ عليهم إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم فصاروا به سعداء, لما ظفروا به من هديه لهم عليه السلام.

يُلمس من البيت الأول تناص مع قول الشيخ أبي عبد الله محمد البوصيري:

وإذا سخر الإله أناسا* لسعيد فإنهم سعداء[24]

لقد استفاد الشاعر من البوصيري في صياغة البيت السابق شكلا ومضمونا, والفارق البسيط بين النصين هو التقديم والتأخير, حيث قدم اليرواوي كلمة (سعيدا) في صدر بيته, بينما قدم البوصيري لفظة (أناسا) في صدر البيت. وتتمثل الخاصية الدلالية في الاهتمام بالمقدم في الكلمة الأولى, وفي الكلمة الثانية ورد التقديم للدلالة على الطاعة والانقياد. وقد صاغ الشاعر البيت الحاضر على نسق التناص الأدبي آليته الاجترار.

ومن التناص الأدبي قول الشاعر:

الله أكرمه في يوم مولده* ووقت نشأته والقلب مشراح[25]

يعبر الشاعر في المديح النبوي عن حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن الله أكرمه بإرهاصات حميدة في يوم ولادته, كما أكرمه المولى سبحانه وتعالى في نشأته بمكارم الأخلاق حيث طهر الله قلبه وشرح صدره:

يُلمس من البيت السابق إجترار من قول الشيخ إبراهيم إنياس الكولخي:

والله أكرمه في يوم مولده* ووقت نشأته وليل مسراه[26]

ومنه قول الشاعر:

رضينا بخير الخلق يس مرتضى* محمد المحمود طه ممجد[27]

امتدح الشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم منقادا إلى الإيمان برسالته, وهو الذي وصفه بيس, وطه, ومرتضى, وهو محمد المحمود الممجد في السماء والأرض. ففي قول الشاعر “رضينا بخير الخلق يس مرتضى” إمتصاص من قول الوزير الفازازي:

رضينا بخير العالمين محمد* رسولا وعند الله نرغب في الأجر[28]

وتتمثل ظاهرة التناص في امتصاص النص الحاضر بعض المعاني من النص الغائب, وهي (رضينا+ بخير الخلق+ يس+ مرتضى), حيث وردت في النص الغائب بعبارة (رضينا+ بخير العالمين+ محمد), صاغه الشاعر على نسق التناص, آليته الامتصاص.

ومن ذلك قول الشاعر:

ألا ليت شعري هل أراني لديكم* أراني أمينا للأمانة والعهد[29]

قال الشاعر هذا البيت يمدح به الشيخ إبراهيم انياس الكولخي, حيث تمنى أن يرى نفسه بحضرة الممدوح, فزيارة الشيخ عنده بمنزلة الوفاء بالأمانة والعهد الذي بينهما من حسن الطاعة والانقياد. ومن الجدير بالاعتبار أن الشاعر في هذا الصدد أخذ شيئا من معانيه عن الوزير أبي زيد  عبد الرحمن الفازازي في قوله:

ألا ليت شعري هل أسيرن منجدا* لطيبة حيث النور يسطع مصعدا[30]

فالشاعر هنا يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم, متمنيا أن لو كان حيا في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم فيسير من وطنه إلى المدينة المنورة لنصرة دين الله وإعلاء كلمته, لأن في المدينة نور الرسالة يتصاعد إلى السماء ليعم الأفق.

يُستنتج ظاهرة التناص من البيتين في توظيف النص الحاضر سياقه لتشكيل المعاني التالية ( ألا+ ليت شعري+ هل أراني+ لديكم) حيث وردت هذه المعاني في النص الغائب بهذه الصيغة (ألا+ ليت شعري+ هل أسيرن+ منجدا), وتتصل الغاية بين النصين في غرض الوصول إلى الممدوح, حيث تمنى اليرواوي أن لو أتته فرصة الوصول إلى الشيخ إبراهيم انياس الكولخي على طبق من ذهب, فلايضيع هذه الفرصة حتى يستغلها لزيارة الممدوح, فتلك غايته وأمنيته; في حين تمنى الفازازي أن لو أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم حيا لمضى إلى يثرب لنصرته. وقد استفاد النص الأول من الثاني على نسق التناص الأدبي, آليته الامتصاص.

ومنه قول اليرواوي:

جزى الله خير الناس خير جزائه* أتانا بعلم مع كتاب يصدر[31]

صاغ الشاعر عبارته على أسلوب الأمر يريد به الدعاء, حيث يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ويدعو له بالخير على الإبلاغ, عن طريق الدعوة والإرشاد بالكتاب والحكمة (أتانا بعلم مع كتاب يصدر). فيُلمَس من الشاعر أنه أخذ معانيه من الوزير الفازازي, حيث يقول:

جزى الله خير الناس خير جزائه* فآثاره أنوارها تتبلج

وتتمثل ظاهرة التناص في استفادة النص الأول من معاني النص الثاني, حيث اتفقا في صدر البيت (جزى الله خير الناس خير جزائه) شكلا ومضمونا, على نسق التناص الأدبي, آليته الاجترار.

وقد لاحظ الباحث ورود التناص الأدبي في في النص المدروس بنسبة  كبيرة, ما يدل على مدى استفادة الشاعر من نصوص أخرى, وخاصة فيما يمت بصلة إلى الشعر العربي الصوفي.

ويُوضح الجدول التالي كمية ورود التناص الأدبي في ديوان الشخ أحمد أبي الفتح اليرواوي; كما يُظهر آليات التناص الموظفة للأخذ من النصوص الغائبة:

المجموع الكليالنسبة المائويةعدد الورودآليات التناص
 51 60.78% 311 الامتصاص
 –  17.65% 092 الاجترار
 – 21.57% 113 التحوير

يُستنتج مما سبق أن الشاعر وظف آلية الامتصاص بنسبة كبيرة تعادل 60.78%, من مجموعة التناص الأدبي الواردة في الشعر; وكذلك يُلمَس ورود التحوير بنسبة متوسطة تبلغ  21.57%, في حين اجترَّ الشاعر النصوص الغائبة بنسبة ضئيلة تبلغ  17.65%, ما يدل على رسوخ ملكة الشاعر الأدبية, وأنه شاعر مبتكر يُبعد نفسَه عن كثرة الاجترار والتقليد.

خاتمة  البحث

تجدر الإشارة إلى أن النص الأدبي يُمثل تراكمية النصوص الأخرى, يستفيد اللاحق من السابق عبر التناص المتمثل في الأخذ من تجارب الآخرين, بحيث يتكون النتاج الفني من الخبرات الطويلة التي عايشها الأديب عن طريق الاحتكاك بتجارب غيره من الشعراء يستقي من بنات أفكارهم مادة ثرية ثم يضيفها إلى نتاجه الأدبي. وهذا يدل على أن التلاقح الفكري أمر ضروري في العمل الفني, وخاصة فيما يمت بصلة إلى المجال الشعري.

هذا, وقد استفاد الشيخ أحمد أبي الفتح اليرواوي من النصوص الأدبية الأخري, حيث يُلمس منه التناصات مع غيره من الشعراء في فنون شتى. ومن الشعراء الذين تأثر بهم على سبيل المثال لا الحصر, أنه استفاد من الخنساء في فن الرثاء, كما أخذ عن الوزير الفازازي والبوصيري والشيخ إبراهيم انياس الكولخي في المديح النبوي ومدح الشيوخ, وغير ذلك من أغراض الشعر العربي الصوفي.

وقد وظف الشاعر آليات شتى للأخذ من النصوص الغائبة, حيث صاغ التناص بأساليب مختلفة امتصاصا, واجترارا, وتحويرا, لنقل رسالته إلى المتلقي.

وقد توصل البحث إلى تنائج, منها:

1. أن الشيخ أحمد أبا الفتح اليرواوي ابن بار للشعر العربي العمودي

2. نسج الشاعر منواله على نمط الشعر العربي الصوفي من حيث توظيف الأفكار والأساليب

3. استفاد الشاعر من الخنساء في فن الرثاء, كما أخذ معانيه من بعض الشعراء الصوفيين

4. وظف الشاعر آلية الامتصاص بنسبة كبيرة, يليها التحوير ثم الاجترار من حيث نسبة الشيوع

وأخيرا, يوصي الباحث إخوته الدارسين بأن يشمروا عن سواعد الجد, في البحث والتنقيب عن إنتاجات علماء هذه البلاد, لنفض غبارها, ونزح غموضها, بغية تقريب فهمها إلى المتلقي. وهذا مما يبرز مجهودات أدبائنا, ويُظهر تراثنا العربي والإسلامي.

الهوامش والمراجع:

  1. ابن منظور, لسان العرب, ط3, دار صادر, بيروت, 1414ه: 7\97
  2. اليرواويي, أحمد أبو الفتح (الشيخ) ومضة من درر الشيخ أبي الفتح, ط1, د.م, 2016م
  3. الحداد, ملكة علي كاظم, سرقات المتنبي في النقد العربي القديم, بحث مقدم إلى مجلس كلية القائد للتربية للبنات في جامعة الكوفة, تكملة لمتطلبات الحصول على الماجستير في النقد الأدبي, 2002م: 3
  4. الداغري, محمد غِبْرِيمَ بن محمد (الشيخ), النوافح العطرية, شركة القدس, القاهرة, 2007م: 398
  5. الشواوره, صفوان مقبل, ظاهرة التناص في روايات مؤنس الرزاز, بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في الأدب والنقد, قسم اللغة العربية وآدابها,جامعة مؤتة, الأردن, 2008: 7
  6. العسكري, أبو هلال, كتاب الصناعتين, المكتبة الشاملة الإصدار الثالث: 61
  7. القيرواني, ابن رشيق, العمدة في محاسن الشعر وآدابه, المكتبة الشاملة, الإصدار الثالث: 206
  8. جبريل, محمد منصور (الدكتور), ظاهرة التناص في الرواية النيجيرية العربية “ادفع بالتي هي أحسن” لجميل عبد الله أنموذجا, مجلة الأقلام, العدد 28, قسم الدراسات العربية, جامعة ميدغري-نيجيريا, ديسمبر 2017م, : 87
  9. علي, متعب جاسم (الدكتور), التناص أنماطه ووظائفه في شعر محمد رضا الشيبي, مجلة واسط للعلوم الإنسانية, العدد 10, (د.ت):
  10. كاك, عبد الفتاح داود (الدكتور), التناص دراسة نقدية في التأصيل لنشأة المصطلح ومقاربته ببعض القضايا النقدية القديمة: دراسة وصفية تحليلية, د.م. 2015م:
  11. ولد أحمد عبد الله, محمد الأمين (الدكتور), التناص مفهومه وأنواعه, (د.ت) : 1

[1] اليرواويي, أحمد أبو الفتح (الشيخ) ومضة من درر الشيخ أبي الفتح, ط1, د.م, 2016م: 6

[2] المصدر نفسه: 7

[3] المصدر نفسه: 8

[4] المصدر نفسه: 13

[5] ابن منظور, لسان العرب, ط3, دار صادر, بيروت, 1414ه: 7\97

[6] جبريل, محمد منصور (الدكتور), ظاهرة التناص في الرواية النيجيرية العربية “ادفع بالتي هي أحسن” لجميل عبد الله أنموذجا, مجلة الأقلام, العدد 28, قسم الدراسات العربية, جامعة ميدغري-نيجيريا, ديسمبر 2017م, : 87

[7] كاك, عبد الفتاح داود (الدكتور), التناص دراسة نقدية في التأصيل لنشأة المصطلح ومقاربته ببعض القضايا النقدية القديمة: دراسة وصفية تحليلية, د.م. 2015م: 3

[8] القيرواني, ابن رشيق, العمدة في محاسن الشعر وآدابه, المكتبة الشاملة, الإصدار الثالث: 206

 [9] العسكري, أبو هلال, كتاب الصناعتين, المكتبة الشاملة الإصدار الثالث: 61

[10] المرجع نفسه:70

[11] الحداد, ملكة علي كاظم, سرقات المتنبي في النقد العربي القديم, بحث مقدم إلى مجلس كلية القائد للتربية للبنات في جامعة الكوفة, تكملة لمتطلبات الحصول على الماجستير في النقد الأدبي, 2002م: 3-4

[12] الشواوره, صفوان مقبل, ظاهرة التناص في روايات مؤنس الرزاز, بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في الأدب والنقد, قسم اللغة العربية وآدابها,جامعة مؤتة, الأردن, 2008: 7

[13] المرجع نفسه: 7

[14] المرجع نفسه: 8

[15] ولد أحمد عبد الله, محمد الأمين (الدكتور), التناص مفهومه وأنواعه, (د.ت) : 1

[16] علي, متعب جاسم (الدكتور), التناص أنماطه ووظائفه في شعر محمد رضا الشيبي, مجلة واسط للعلوم الإنسانية, العدد 10, (د.ت): 37

[17] المرجع والصفحة نفسها

[18] اليرواوي, المصدر السابق: 14

[19] الداغري, محمد غِبْرِيمَ بن محمد (الشيخ), النوافح العطرية, شركة القدس, القاهرة, 2007م: 398

[20] اليرواوي, المصدر السابق: 17

[21] الكولخي, إبراهيم إنياس (الشيخ), الدواوين الست, (د.ت.), : 8

[22] اليرواوي, المصدر السابق: 19

[23] المصدر نفسه: 22

[24] البوصيري, أبو عبد الله محمد (الشيخ), قصيدة الهمزية, (د.ت.):3

[25] اليرواوي, المصدر السابق: 49

[26] الكولخي, الشيخ إبراهيم إنياس, مجموع قصائد المولد النبوي, (د.ت.): 18

[27] اليرواوي, المصدر السابق: 53

[28] الداغري, المرجع السابق: 141

[29] اليرواوي, المصدر السابق: 64

[30] الداغري, المرجع السابق: 164

[31] اليرواوي,المصدر نفسه: 82

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *