د. علي محمد الثاني جنغيبي، د. عباس أبوبكر بنزا
ملخص البحث:
وهذه المقالة بعنوان: “أصوات اللغة العربية وصعوبة نطقها عند الفلانيين”. فهي محاولة عن كشف مفهوم الصوت اللغوي الذي يتواصل به الإنسان بينه وبين أفراد جنسه، لأن به تبرز الثقافة البشرية وتهيمن على نبذته التاريخية، وتهيئت المقالة عن صعوبة النطق بأصوات العربية لدى الفلانيين، وفي البحث بيان عن أسباب صعوبة النطق في تعلم اللغة الثانية والأصوات التي تشكل الصعوبة عند الفلاني المتكلم باللغة العربية كلغة الثانية والعكس.
المقدمة:
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه ما لم يعلم، وجعل اللغة وسيلة للتفاهم بين أفراد جنسه. واضع الأصوات أساسا للتخاطب، وشرف الإنسان بتعلم اللغة الأجنبية كلغة الثانية مع ما فيها من صعوبة النطق في تعلمها. وعلى هذا فإن البحث تناول النقاط التالية:
- تعريف الصوت اللغوي والاصطلاحي.
- اللغة العربية
- مصطلح فلاني
- صعوبة النطق بأصوات العربية عند الفلانيين
- أسباب صعوبة النطق في تعلم اللغة الثانية
- الأصوات التي تشكل الصعوبة
تعريف الصوت: لكلمة الصوت مدلولان، لغوي واصطلاحي، فالصوت مفرد وجمعه أصوات وهو في مدلوله اللغوي، كما عرفه علماء المعاجم، من “صات” “يصوت” على وزن “قال” يقول ويمكن أن يكون من “صات” “يصات” على وزن “خاف” “يخاف”. والمصدر فيهما صوت. فهو صائت أي صائح، والصوت بمعنى الصياح، فيستعمل بمعنى الجرس، وإلى ذلك أشار ابن السكيت اللغوي حيث قال: “الصوت الإنساني بمعنى صياحه”[1].
وصات يصوت، صوتاً، صاح أو الصات، الذكر الحسن الجميل ينتشر بين الناس[2]. وقد يأتي بمعنى “الضوضاء” ومنه قول رويشد بن كثير الطائي:-
يأيها الراكب المزجي مطيته * سائل بني أسد ما هذه الصوت.[3]
استعمل الشاعر لفظ الصوت في هذا البيت للإشارة إلى الضوضاء، إلا أن استعماله إياه بلفظ التأنيث منكر عليه عند كل من ابن منظور وابن سيدة لأن المشهور أنه مذكر[4].
للصوت مدلول ومعنى خاص في علم اللغة الحديث وهو بالضرورة: “أصغر وحدة لغوية ليس لها معنى. وهي محدودة العدد في أية لغة بشرية، إذ لا تتجاوز بضع عشرات فى أبجدية كل لغة إنسانية.[5] والأصوات تنتظم على حسب النظام الصرفي والبنيوي لتكون أصغر وحدة لغوية ذات معنى ألا وهي اللفظ أو الكلمة.[6]
وعرف الإمام ابن جني الصوت حيث قال: “اعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلاً متصلاً، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفاً”.[7]
والصوت عند علماء اللغة المحدثين، هو أصغر وحدة لغوية لا معنى لها ينتفع بها الإنسان لغرض التواصل اللغوي. والصوت في اصطلاح اللغويين يشمل الصوامت (الحروف) والصوائت (الحركات).
وذهب تمام حسان إلى أن الصوت عملية حركية يقوم بها الجهاز النطقي وتصحبها آثار سمعية تأتي من تحريك الهواء فيما بين مصدر إرسال الصوت وهو الجهاز النطقي، ومركز استقباله وهو الأذن.[8]
الصوت هو ذلك الرمز المعبر عن وحدة من وحدات الكلمة للتلازم بينهما، أو هو نشاط عضوي حركي ناشئي عن نطق الجهاز الإنساني، أو هو جزء من تحليل الكلام.[9]
وبملاحظة كل ما تقدم من تعريفات للصوت لدي علماء اللغة يتبين لنا اختلاف آراء بين علماء اللغة حول معنى الصوت اللغوي، وخذ مثلا قول ابن جني يخص الصوت بما يحدث للمخلوقات الناطقة حين يخرج من النفس ويمر للحلق ويصل إلى الفم والشفتين ويخرج إلى المسامع المجاورة لصاحبها.
وقد لاحظنا في هذا التعريف أنه يخص الصوت للمخلوقات من إنسان وحيوان وطيور، ويخرج كل ما يحدث من جمادات من الأصوات أمثال الجبال والمياه والأشجار والأمطار من الصواعق وغيرها، وحينما خص المخلوقات الحيوان والطيور.
وأما قول تمام حسان: الصوت عملية حركية يقوم بها الجهاز النطقي وتصحبها آثار سمعية تأتي من تحريك الهواء فيما بين مصدر إرسال الصوت وهو الجهاز النطقي, ومركز استقباله وهو الأذن. كأنه يقوي ويركز قول ابن جني، خص الصوت للمخلوقات من إنسان وحيوان وطيور، ويخرج كل مايحدثه غيره.
أما أنا فأفضل الذي يقول: “الصوت هو نشاط عضوي حركي ناشئي عن نطق الجهاز الإنساني”.
فقد رأينا هذا التعريف خاص بالصوت الإنساني فقط دون غيره من المخلوقات.
فأما تعريف الصوت عند اللغويين المحدثين فإنه أصغر وحدة لغوية ينتفع بها الإنسان لغرض التواصل اللغوي. فإنه إيضاح لتعريف الصوت المتقدم.
والراجح أن الصوت الذي يصدر من بني آدم هو الذي نكتب وننطق به لفظاً وكتابة، وهو الذي نبحث عنه دون غيره من الحيوان والمخلوقات وإن كان لها حلق وفم وشفتان وحنجرة.
وبتتبع هذه التعريفات السابقة ودراستها بدقة سوف يتضح لنا أن الصوت هو العرض المصاحب للنفس أو أهواء الزفير على اصطلاح علماء الصوت المحدثين. إن هذا العرض لابد أن يمر بواسطة ما يسمى في الدراسات الصوتية المعاصرة محل النطق (POINT OF ARTICULATION). وندرك كذلك من التعريفات أن كل عرض بعد وصوله إلى نقطة الإنتاج يتحول إلى حروف لغوية تقتضيها نقطة إنتاج الصوت اللغوي ومنها يتكون الكلام الإنساني
اللغة العربية:
اللغة العربية لغة تتمتع بمكانة رفيعة بين اللغات الحية في العصر الحاضر، كما كانت من قبل تحتل مكانة الصادرة بين اللغات المشهورة، ينظر إليها العربي خاصة، والمسلم عامة بشيء من التقديس والاحترام، وينظر إليها الغربي بشيء من الإعجاب. واللغة العربية لغة الثقافة والحضارة والعلم والدين في الحاضر والقديم، فهي لغة الإسلام وأمته، ولغة التخاطب، ويتحدث بها نحو 89% من سكان العالم العربي في قارتي إفريقيا، وآسيا، كما يستخدمها حولي مائتي مليون مسلم من غير العرب، إلى جانب لغاتهم ولهجاتهم. واللغة العربية هي أهم الوشائج العملية التي تربط بين العرب، والوعاء الذين تتشكل فيه ثقافتهم وحضارتهم. وهي إحدى اللغات الست المعتمدة في هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها بعد أن كانت اللغات الرسمية المعتمدة فيها منذ إنشائها عام 1945م، خمسا فقط هي: الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والروسية، والصينية. ثم صدر في الثامن عشر من شهر ديسمبر سنة 1973م، قرر بضم اللغة العربية إليها.
وكانت اللغة العربية عند المسلمين تمتاز من غيرها من اللغات بكونها اللغة القرآن، دستور الدين الإسلامي، وهي لغة العبادة والآداب والعلوم الإسلامية والطبيعة وغيرها.
مصطلح فلاني (فلٻي):
كلمة الفلانية كما يقول بعض المؤرخين إن أصلها من فُلَ أو بُلَ أو ﭗلو (Pullo) وجمعها فلٻي”Fulve”، ويطلق على لغتهم أسماء مختلفة على حسب القبائل المجاورة لهم والأماكن التي يسكنون فيها، ومن هذه الأسماء فُلْفُلْدي (Fulfulde) في بعض النواحي الإفريقية أمثال نيجيريا ومورتانيا والنيجر والسودان وغيرها من بقية المناطق الشرقية كما يسميها أهلها. ويقال ﭗُلآَر (Pulaar) في بعض النواحي، كالسنغال، وغمبيا، وفي غانا وما جاورها يسمونها ﭗُلّي (Pulle), وفي الألمانية يقال فُلْ (Ful) أو ﭗُلاَتَ عَرَبْ[10] وفُلْ كلمة يستعملها الإنجليز ويريدون بها اللغة الفلانية وبينما يسميها الفرنسيون ﭗيلي (Peule)[11].
ومن الواضح على هذه التسمية دلالتها على كثرة التنقل من مكان إلى مكان, الذي هو صفة رعاة الأبقار ومزاولة تربية الحيوان عموماW التي انطبعت عليها حياة الشعب الفلاني وعاداته. ويرجع هذا الاختلاف في تسميتهم إلى اتساع تواجدهم في القارة الأفريقية وإلى تمازجهم مع كثير من القبائل, [12] ويتكلم بهذه اللغة جم غفير في العالم.
يعيش الفلانيون في القارة الأفريقية من غربها إلى شرقها إلا أن لهجتهم تختلف من مكان إلى مكان، وأشهر هذه اللهجات تنقسم إلى ثلاثة أقسام في نيجيريا وهي: لهجة صكتو, ولهجة آدماوا, ولهجة متوسطة, يتحدث بها في وسط شمال نيجيريا وتشمل ولايات متعددة منها: كنو وبوتش و ﭗلاتو وبعض نواحي بُورنُو وأما لهجة صكتو فيتكلم بها عدد غفير في ولاية صكتو وكب وزمفرا وكشنة وإلورن (كورا) وغيرها من الولايات المجاورة لها.[13]
فهذه اللغة الفلانية لغة تخاطب بين أبناء الأمة الفلانية وفي بعض القبائل المجاورة الممتزجة بهم بالزواج في كثير من الدول الأفريقية. وكانت اللغة الفلانية قبل الاستعمار لغة الإدارة في بعض الممالك مثل الدولة الإمامية في غرب أفريقيا في القرن السابع عشر الميلادي.[14]
تعتبر اللغة الفلانية من أكثر اللغات الإفريقية انتشاراً، وساعد على انتشارها دور زعماء الدين الفلانيين في نشر الإسلام من غرب إفريقية إلى شرقها أمثال الشيخ عمر فوتى تال, والشيخ عثمان بن فودي وغيرهما، ثم أبناؤهم وأحفادهم فيما بعد، وإن كثرة انتقالهم وهجراتهم من مكان إلى مكان آخر قد ساعدت كذلك في سرعة انتشارها.[15]
إن اللغة الفلانية من اللغات الأفريقية الحية, وقد بدأت كتابتها منذ عدة قرون, وازدادت أهمية كتابتها في النصف الأخير من القرن العشرين, حيث اهتمت بها المؤسسات التعليمية والأكاديمية الأفريقية والأجنبية, فاكتسبت رصيداً أكاديمياً متنامياً في شتى المجالات اللغوية كالنحو والتصريف والترجمة والمعاجم والدراسات الصوتية والأدبية فهي إذا لغة ثقافة وحضارة ودين واجتماع[16]
ولقد ذكر المؤرخون أن الفلانيين هم أبناء عقبة بن عامر المكنى بالمجاهد القرشي، أبا عبيدة بن الجراح بن قتادة بن سعد بن معمر بن جعفر المكني بأبي الفضل ابن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن مالك بن فهر بن النصر بن كنانة بن خذيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ويلتقي مع أبي بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في تميم بن مرة، ويتصل نسبه هو وأبوبكر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ثم ترتفع الأجداد إلى سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام.
وعقبة هذا هو الذي فتح بلاد غرب أفريقية زمن ولاية عمرو بن العاص في مصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه, الخليفة الثاني من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عقبة من قواد عمرو بن العاص رضي الله عنه حين فتح أفريقيا،[17] و في فتوحاته نزل بماسن واتصل بقبيلة من قبائل الروم، فوجد ملك روميا المسمى: بمظهر بن مراسيل، وهو على دين اليهود أو النصارى, وذلك عام 33هـ فاعتنق الملك الإسلام طوعا بغير قتال على يد عقبة المجاهد وحسن إسلامه، ثم تزوّج ابنته بج منغ توكيداً لإسلامه وتقوية لإيمانه، وهذه السيدة هي التي أنجبت لعقبة بن عامر الصحابي, أبناءه الخمسة مع سادستهم وهم محمد الفلاني وأبوبكر الفلاتي وعمر دردي وعلي غردي وعثمان توردي ثم أختهم فاطمة شفو.
ولقد سميت هذه اللغة باللغة الفلانية أو اللغة الفلاتية, وتسمية أبناء هذه اللغة بالفلان أو الفلاة إطلاقاً إلى ابني عقبة الأولين هما محمد الفلاني وأبوبكر الفلاتي لسبقهما وشهرتهما وظهورهما على إخوتهما أو لكونهما أول من تكلم باللغة الفلانية قبل إخوتهما.[18]
فليس هؤلاء أبناء عقبة من جهة زوجته بج منغ فقط بآباء الفلانيين كلهم, بل هناك بعض آباء الفلانيين الآخرين الذين أنجبتهم زوجته الأولى صفية العربية القرشية أو النصرانية أو الهندية. والقول الراجح أنها عربية قرشية فولدت له العرب الساكنين “بتمبكت” وبعض العرب الساكنين بتونس وغالب عرب المغرب الأقصى. ثم أنجبت له بعض الفلان الأربعة, فهم يزيد وفلو وغرغاوا أو غرغاجو وخيدرو. وهؤلاء الفلانيون الأربعة من صفية العربية والستة من بج منغ الرومية تناسل منهم جميع قبائل الفلانية في العالم كله.[19]
ومما نلاحظه أن قبائل الفلانيين عشرة هم: فلانيون[20] وفلاتيون,[21] ودرديون, وغرديون, وتورديون وشفليون أو سسلب، هم أبناء أختهم فاطمة شفو بنت عقبة بن عامر الصحابي، أو أبناء أخت عقبة المجاهد الصحابي وهي صفية بنت عامر المكنى بأبي عبيدة أحد المبشرين بالجنة, وزيديون وفلويون وغرغاويون أو غرغاجويون وخيدرويون. وصار عقبة بن عامر الصحابي بذلك أب الفلانيين والعرب والشفليين.
وعلى هذا فإن أصل الفلانيين كما ذهب إليه بعض المؤرخين من الهند, أن صفية زوجته الأولى التي جاء بها عقبة بن عامر من مصر هندية, ومع كونهم أصحاب البقر والسيف كالبقر الهندي والسيف الهندي.
وفي قول آخر إن الفلانيين من قبيلة قريش لكون عقبة بن عامر جد الفلانيين قرشياً، وقيل إن قبيلة التورٻي ليست من اليهود ولا النصارى ولا العرب ولا من الروم, بل إنها كانت قبيلة سودانية حامية ومكثت مع القبائل السودانية إلى أن وجدهم العرب في السودان فتناكحوا وتناسلوا إلى أن اتصل بهم عقبة بن عامر المجاهد رضي الله عنه مع بعض المجاهدين بالجهاد.[22]
وقيل إن سيدنا إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام ولد اثني عشر رجلاً وامرأة واحدة, فمنهم نشر الله العرب كلها, فلما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام أن يزوج ابنته (نسمة) بولده عيص فزوجه إياها فولدت الروم, وكان الروم صفر وسميت ببني الأصفر, وتورٻي الذين جاءوا من (فوت) هم أخوال جميع الفلانيين ولغتهم لغة الفلانية.[23]
وفي ذلك يقول الشيخ عبد الله بن فودي:
يــــــــا لائمـــــــي أقصــــر فــــإني مولع * بيـــــــان أنســــابي وحفــــظ ذمـــــــــاري
فلــــنا لإسماعيـــــل نسبــــــــــة عقــــــــبة * ولــــــنا لإســــــرائيــــــل أصــــل جــــاري
أعمامــــنا عــــــرب كـــــما أخـــوالنا *أبــــــــناء إســــــرائيـــــــل أصــــــل جـاري
مـــن طور سيــــنا أصلنا وجهادنا * أفضــــى لفــــوت بـــــنا بثار الداري
ثــم الحـــوادث سيّـــرت أجــدادنا * لبلاد حوسا موالـــدي ووجــــــاري
حـــــتى رجعـــــنا للجـــــهاد ســراتنا * مع شيخنا عثمان صنوى جاري
فتمهـــد الدين القويم وأخرجت * أحكــامــــنا فمضــــى إلى الغفــاري[24]
وليس في بلاد هوسا فلاني قبل القرن الثامن الهجري, إلا بعض الشفليين في زمفرا وكشن وزكزك وكنو وبوتش[25]
فأول من وصل إلى القطر من الفلانيين هو موسى جكلّو مع وفد من أتباعه الثلاثة: آدم, وجغاو وأيوب. فكان في طريقه إلى الحرمين الشريفين فقيده القدر, وأمر آدم بالمكث بروضة “بنوي” وَجَغُّو بروضة “كلو” قريباً من نهر كوارا وترك أيوب معه لخدمته, وكان ذلك فى القرن الثامن الهجري ثم تواترت الهجرة الفلانية إلى القطر فيما بعد, وموسى جكلو من سلالة عقبة بن عامر المجاهد الصحابي. وجكلو من التورٻ, وقيل بينه وبين عقبة ستة وعشرون جداً (26) وبينه وبين إبراهيم عليهم السلام تسعة وسبعون جداً (79)[26]
والصحيح هو أن جميع قبائل الفلانيين تورٻ وغيرهم كانوا من نسل عقبة بن عامر القرشي الصحابي المجاهد، ولكن تناكحوا مع اليهود وبني الأصفر (الروم) والنصارى وتناسلوا باختلاطهم مع هؤلاء القبائل.[27]
وأما ما يقال من أن أولاد عقبة بن عامر هم أول من تكلم بتلك اللغة فبعيد لأن اللغات كلها ثابتة من لدن آدم عليه السلام، ولأن ذلك خارق للعادة والأقرب أنهم تكلموا بلغة أمهم.[28]
صعوبة نطق أصوات العربية عند الفلانيين
إن الإنسان يواجه صعوبة نطقية عند نطقه بلغة غير لغته الأصلية أو لغة أجنبية. وأن تعلم اللغة الأجنبية عند الناطق لغير لغته الأم، أو النطق بأصوات تلك اللغة نطقاً صحيحاً سليماً ليس سهلاً ميسوراً في تعلّم اللغة الثانية، بل يعتبر أصعب تعلماً من اللغة الأخرى، من التصريف والنحو والبلاغة وغيرها من فنون علم اللغة.
إن الصعوبة النطقية التي يواجهها المتعلم غير لغته من المشاكل العضوية. فالإنسان منذ صغره قد وهبه الله معرفة أصوات لغة أمه، وينطق بأصوات تلك اللغة نطقاً سليماً. فيشكل جهاز النطق عنده بالكيفية التي تخرج بها هذه الأصوات، نفس ما يحدث على جهاز السمع. ولذلك حين يتعلم الإنسان اللغة الأجنبية كاللغة الثانية، فإنه يستمع إلى الصوت الذي لم يكن في لغته الأصلية حاملاً القيم الصوتية لأقرب الأصوات إلى هذا الصوت في لغة أمه. فالفلاني مثلاً، لا تعرف لغته “الضاد”، ينطقه “لاماً” لقرابة الضاد العربي من اللام الفلاني، ولذلك تصل كل كلمة عربية حاملة صوت الضاد إلى الفلاني بقيم صوت اللام أو الدال وينطقها كما وصلت إليه. وذلك في مثل:”ضرب” ويقول:”لرب” أو “درب”. و”ضل” يقول:”دل”. وفي “الأرض” يقول:”أرل أو أرد”.
وأما صوت الذال والظاء والزاي تصل إلى الفلاني حاملة قيم صوت الجيم وينطق بها جيماً لعدم وجود هذه الأصوات الثلاثة في لغته الأم، ولذلك إذا نطق بكل كلمة فيها هذه الأصوات المذكورة تصل إلى سمعه حاملة قيم صوت الجيم، وينطقها كما وصلت إليه، وذلك في مثل: ذكر، يقول: جكر. وفي: ذكي، يقول: جكي، وفي الظاء: مثل الظالم، يقول: “جالم” وفي ظهر يقول:”جهر” فإنه يسمع صوت “الظاء” في الكلمات السابقة كصوت الجيم. وفي “الزاي” مثل: الزيارة أو الزهرة، فإنه يسمع صوت “الزاي” في الكلمات السابقة كصوت الجيم. ويقول:”الجيارة والجحرة” وأما العين فيصل إلى الفلاني حاملاً قيمة صوت الهمزة، وينطقه همزة كما تصل إليه، وذلك لعدم وجود صوت العين في لغته الأصلية، بقرابة العين العربي بالهمزة الفلاني، في مثل:”جامع” يقول: “جامأ” وفي كلمة “صعب” يقول: سئب. والخاء العربي يصل إلى الفلاني حاملاً قيم صوت الكاف وينطقه “كافاً” كما يصل إليه لقرابة الخاء العربي بالكاف الفلاني، وعلى ذلك أنه ينطق كلمة “خلق” كلق، وفي “خرج” يقول: كرج، وفي كلمة “مخ” يقول: مك.
والفلاني الذي لا تعرف لغته صوت “الهاء”، ولذلك ينطق “الهاء” حاء، لعدم وجود صوت “الهاء” في لغته الأصلية، وإذا قيل “هدى” بالعربية إنها تصل إليه صوت الهاء في الكلمة حاملة قيمة صوت الحاء وينطقها “حدى” لقرابة الهاء العربي بالحاء الفلاني.
فالفلاني الذي لا تعرف لغته صوت “القاف” إذا ينطقه، ينطقه “كافاً” لعدم وجود “القاف” في لغته ولذلك إذا كان ينطق أية كلمة فيها حرف القاف ينطق القاف في الكلمة “كافاً” لعدم وجود “القاف” في لغته ويقول في :”القرآن” كرءان، وفي كلمة “قبر” يقول: كبر، وما شابه ذلك. وأما الصاد والثاء والشين اللاتي لا تعرفها اللغة الفلانية تصل إلى الفلاني حاملة قيم صوت السين لقرابة هذه الأصوات الثلاثة بصوت السين في اللغة الفلانية، وذلك في مثل:”صبح” وينطقه سبح، وفي الصلح ، يقول: سلح. وفي الثاء يقول: في مثل كلمة “ثواب” سواب، وثلاثة، يقول: سلاسة. وفي الشين مثل: “الشجرة” السجرة، وفي “الشيخ” يقول: السيح.
وأما الطاء والغين فموجودان في اللغتين “العربية والفلانية” إلا أن الصوتين مرققتان في اللغة الفلانية ولذلك ينطقها الفلاني مرققتين حين ينطق باللغة العربية، كما ينطق بهما في لغته الفلانية، ولذلك إن الفلاتي ينطق بالكلمات التي فيها هذان الحرفان مرققان، وذلك في مثل الغير أو الطالب أو القط، أو الغسل أو الغالب وغيرها من أمثال هذه الكلمات.
ومما كنا نفهمه في هذه الدراسة أن الفلاني الذي يتعلم اللغة العربية كلغة ثانية لا يستطيع أن ينطق بالأصوات المذكورة نطقاً صحيحاً سليماً حين يتعلم العربية إلا بعد تدريبات عن كيفية نطقه بهذه الأصوات في القراءة العربية.
أسباب صعوبة النطق في تعلم اللغة الثانية:
إن المتعلم للغة غير لغته يواجه صعوبات نطقية في خلال تعليمه لأصوات تلك اللغة (الثانية) أو حين ينطق ببعض ألفاظ اللغة التي يتعلمها كلغة ثانية، وهناك أسباب هذه الصعوبة النطقية التي يواجهها متعلم اللغة كلغة ثانية، عن النطق ببعض الأصوات التي لا توجد في لغته الأصلية. من الأسباب ما يلي:
- عدم وجود الصوت في لغة المتعلم.
- وجود الصوت في اللغتين ولكن يختلفان في المخرج.
- وجود الصوت في اللغتين ولكن يختلفان في صفة من صفات الصوت.
- اختلاف قاعدة الوقف في قراءة نص اللغة.
وهذا شائع عن الفلاني الذي يتعلم اللغة العربية كلغة ثانية، يواجه الصعوبات التي قدمنا ذكرها. وكذلك الذي يتعلم اللغة الفلانية أو لغة ما من اللغة البشرية يواجه هذه الصعوبة في خلال تعليمه لتلك اللغة لعدم وجود بعض أصوات اللغة الأجنبية التي يريد تعليمها.
أصوات العربية التي يجد الفلاني صعوبة نطق بها من خلال تدريسه لها, تتبينت الأصوات التي تجد صعوبة نطقها على متعلمي اللغة الأجنبية، وذلك شائع بين جميع اللغات البشرية.
وعلى ذلك لا توجد لغتان من اللغات البشرية اتفقتا على أصوات واحدة، بل إنما تجتمعان في بعض وتختلفان في البعض الآخر، الأمر الذي يؤدي إلى وجود الأصوات التي تشكل الصعوبة النطقية على متعلمي لغة قوم كلغة ثانية.
الأصوات التي تشكل الصعوبة
وكانت اللغة العربية واللغة الفلانية قد تشابهتا في بعض أصواتهما واختلفتا في البعض الآخر، وذلك الشيء الذي سبب وجود الأصوات التي تمثل صعوبة في النطق بها على متعلمي اللغة العربية كلغة الثانية من أبناء الفلانيين. والأصوات العربية التي تشكل صعوبة عند الفلاني المتعلم اللغة العربية كلغة ثانية، إما لعدم وجودها في اللغة الفلانية، أو بوجودها في اللغة ولكن هناك اختلاف في الصفة أو في مخرج الصوت وغيرها مما يسبب وجود الصعوبة النطقية عند متعلمي اللغة الأجنبية.
والأصوات التي تشكل صعوبة نطقية لدى الفلاني المتعلم اللغة العربية كلغة ثانية لانفرادها بها أحد عشر حرفاً، وهي: الهاء والعين والخاء والقاف والشين و الضاد والزاي والصاد والظاء و الذال والثاء.
وأما الأصوات التي يجد الفلاني صعوبة النطق بها لاختلاف صفتها بين اللغتين فاثنين وهي: الطاء والغين، المفخمتان في اللغة العربية، والمرققتان في الفلانية. وذلك أن الفلاني حين يتحدث بالعربية ينطق بهذين الحرفين بالترقيق، لكونهما مرققين في لغته الفلانية, إلاّ بكثرة التدريبات عن كيفية النطق بأصوات اللغة العربية.
ونفس ما يحدث عند العربي الذي يتعلم اللغة الفلانية كلغة ثانية، يواجه صعوبة نطقية في بعض الأصوات التي لم توجد في لغته العربية بسبب انفراد اللغة الفلانية بتلك الأصوات أو باختلاف صفة الأصوات في اللغتين.
والأصوات التي يواجه العربي صعوبة النطق بها حين يتعلم اللغة الفلانية لعدم وجودها في لغته العربية عشرة أصوات، وهي:
- ٻV
- تشC
- مبMB
- ݝ: Ŋ
- ندND
- نجNJ
- ﭗ p
- ﭺ‘y
- نيNY
أما الأصوات التي يواجه العربي صعوبة النطق بها حين يتحدث بالفلانية لسبب اختلاف صفة الصوت بين اللغتين فاثنين أيضاً، وهما: الطاء والغين. وأما غير هذه الأصوات المذكورة فإنه لا يواجه صعوبة نطق بها حين يتعلم اللغة الفلانية لوجودها في لغته الأم.
الخاتمة:
الحمد لله، وقد تم البحث في “أصوات اللغة العربية وصعوبة نطقها عند الفلانيين”. وألقى المقالة الضوء على مفهوم الصوت اللغوي الذي يتواصل به الإنسان بينه وبين أفراد جنسه، وتطرقت المقالة على اللغة العربية وثقافتها ونبذة تاريخية عن الفلانية. وتكلمت المقالة كذلك عن صعوبة النطق بأصوات العربية لدى الفلانيين، وحاول البحث على ذكر أسباب صعوبة النطق في تعلم اللغة الثانية والأصوات التي تشكل الصعوبة عند الفلاني المتكلم باللغة العربية كلغة الثانية والعكس. فأدرك الباحث أن الفلاني الناطق باللغة العربية يتوجه صعوبة النطق ببعض الأصوات العربية التي لا توجد في لغته الأمّ أو باختلاف صفة بين أصوات اللغتين.
وبالله التوفيق.
المصادر والمراجع:
1- ابن جني، عثمان. سر صناعة الإعراب، ج/1 مكتبة التوفيقية، بدون سنة الطبع، ص، 19
2- ابن جني، عثمان. الخصائص، مكتبة التوفيقية، بدون سنة الطبع، ص، 19
3- ابن فودي عبد الله. كتاب النسب. على نفقة الحاج سيد الطاهر مقير صكتو ص 1 – 2, بدون سنة الطبع.
4- تمام حسان. اللغة العربية، معناها ومبناها، عالم الكتب، القاهرة، 2009م، ص، 66.. P: 2009م
5- ثمب كلو محمد الفلاتي الجغودي: كتاب كنز الأولاد والذراري فى تاريخ الأجداد والديار من قبائل الفلان الأحرار. غير مطبوع، ص 100
6- الزبيدي، السيد محمد مرتضى. تاج العروس، دار صادر، بيروت، لبنان سنة (130هـ، ج/1 563
7- شهاب الدين أبو عمرو. القاموس المنجد، دار الفكر، بيروت – لبنان، 2009، ص، 676
8- عبد با سنغال وشريكه. مبادئ اللغة الفلاتية. القاهرة،2003م. ص I
9- عند با سنغال ومشاركه: مبادئ لغة الفلاتية. القهرة، 2003م. ص II
10- فيرروز أبادي. القاموس المحيط، بطبعة مصطفى مصر البائي ج3، 2002م. ص، 131.
11- محمد صالح جمال السلماني. محاضرات في علم الأصوات Apani publication,Kaduna, Nigeria 2009. P:16
12- مصطفى عبد الماجد. الدراسات اللغوية الحديثة، الخرطوم، معهد الخرطوم الدولي للغة العربية، 1987، ص، خ.
13- Arabs of Adair, Studies of Fulfulde Language, Literature and culture. P. 298.
14- Elizabeth Dustan, Twelve Nigerian Languages: A handbook on their sound Systems for .
الهوامش:
[1] الزبيدي، السيد محمد مرتضى. تاج العروس، دار صادر، بيروت، لبنان سنة (130هـ، ج/1 563
[2] شهاب الدين أبو عمرو. القاموس المنجد، دار الفكر، بيروت – لبنان، 2009، ص، 676
[3] فيرروز أبادي. القاموس المحيط، بطبعة مصطفى مصر البائي ج3، 2002م. ص، 131.
[4] الفيروز أبادي. المرجع السبق، ص 131.
[5] مصطفى عبد الماجد. الدراسات اللغوية الحديثة، الخرطوم، معهد الخرطوم الدولي للغة العربية، 1987، ص، خ.
[6] ابن جني، عثمان. سر صناعة الإعراب، ج/1 مكتبة التوفيقية، بدون سنة الطبع، ص، 19
[7] إبن جني أبو الفتح عثمان. سر صناعة الاعراب، ج/1 مكتبة التوقيفية بدون تاريخ, ص, 19
[8] تمام حسان. اللغة العربية، معناها ومبناها، عالم الكتب، القاهرة، 2009م، ص، 66.
[9] محمد صالح جمال السلماني. محاضرات في علم الأصوات، Apani publication,Kaduna, Nigeria 2009. P:16-18
[10] John E. Levers. A Late Eighteenth century Description of the phellata Arabs of Adair, Studies of Fulfulde Language, Literature and culture. P. 298.
[11] Elizabeth Dustan, Twelve Nigerian Languages: A handbook on their sound Systems for teachers of English P. 58
[12] عند با ستغال ومشاركه: مبادئ لغة الفلاتية. القهرة، 2003م. ص II
[13] Elizabeth Dustan: Twelve Nigerian Languages: A handbook on their sound systems for teacher of English 59
[14] عبد با سنغال وشريكه. مبادئ اللغة الفلاتية. القاهرة،2003م. ص I
[15] عبد باسنغال وشريكة. مبادئ اللغة الفلاتية. القاهرة، 2003م. ص I
[16] المرجع نفسه، ص II
[17] ثمب كلو محمد الفلاتي الجغودي: كتاب كنز الأولاد والذراري فى تاريخ الأجداد والديار من قبائل الفلان الأحرار. غير مطبوع، ص 100
[18] ثمب كلو محمد الجغودى: كتاب كنز الأولاد والذرارى فى تاريخ الأجداد والديار من قبائل الفلان الأحرار. غير مطبوع، ص 189
[19] ثمب كلو. المرجع نفسه 189
[20] فلانيون: هم ابناء محمد بن عقبة.
[21] فلاتيون: هم ابناء أبوبكر بن عقبة.
[22] ثمب كلو. المرجع نفسه ص 191
[23] ابن فودي عبد الله. كتاب النسب. على نفقة الحاج سيد الطاهر مقير صكتو ص 1 – 2, بدون سنة الطبع.
[24] ابن فودي عبد الله. المرجع نفسه, ص 3
[25] ثمب كلو محمد الجغودي. كتاب كنز الأولاد والذراري في تاريخ الأجداد والديار من قبائل الفلان الأحرار. ص 189
[26] ثمب كلو. المرجع نفسه 189
[27] ثمب كلو محمد الجغودي . المرجع السابق, ص 212
[28] إبن فودي عبد الله بن محمد. كتاب تزين الورقات بدون مطبعة وبلا تاريخ، ص 31