علي إسحاق نمدي ، محمد رمضان يونس
مقدمة
تتبوأ اللغة العربية مكانة مرموقة في الديار النيجيرية منذ عصر عتيق جدا، وكان دخولها فيها منذ فترةٍ تسبق ميلاد الدين الإسلامي الحنيف، وقد وطَّد الإسلام العلاقات بين بلاد نيجيريا والبلاد العربية من جهة، وبين الشعوب النيجيرية واللغة العربية من جهة أخرى، ولذلك نجد كمية هائلة من الأدباء ينشئون أعمالهم الشعرية أو النثرية بهذه اللغة في نيجيريا، وعلى الخصوص هناك عديد من الكتاب ألفوا روايات تعبر عن الإنسان النيجيري بأبعاده الاجتماعية والنفسية والسياسية والفكرية والدينية والعادية والتقليدية باللغة العربية الفصيحة الجميلة، ومن ذلك على المثال: “خادم الوطن” و”السيد الرئيس” و”مأساة الحب” لحامد محمود إبراهيم الهجري، و”راعي الغنم” و”أهل التكرور” لآدم يحيى الفلاني، و”لماذا يكرهوننا” لثالث مي أنغوا، و”في قبضة العمال” لعلي إسحاق نمدي، و”ادفع بالتي هي أحسن” لجميل عبد الله الكنوي وغيرها.
وتسعى دراستنا في هذا المقام إلى النظر في كيفية رصد الشخصيات الروائية في رواية “السيد الرئيس” لحامد الهجري، وهي إحدى الروايات النيجيرية العربية التي حظيت بالرواج والقبول لدى دارسي اللغة العربية في نيجيريا وغيرها من البلاد الإفريقية المهتمة باللغة العربية وآدابها، وتُستَكْشَف الشخصيات في هذه الروائية عن طريق النظر في كيفية بنائها ورسم أبعادها الخارجية والداخلية وأدوارها الأساسية والثانوية، وقبل ذلك تمهيدات بذكر أهمية الشخصية في الأعمال الروائية، وعرض لموجز رواية “السيد الرئيس”، ونبذة عن حياة كاتبها.
الشخصية الروائية
الشخصية مشتقة من الشخص وهو الإنسان وغيره مما له جسم، قال ابن منظور “الشَّخْص: كلُّ جِسْمٍ لَهُ ارْتِفَاعٌ وَظُهُورٌ، وكل ما رأيت جسمانه فقد رأيت شخصه”[1]، والشخصية “Character” في الأدب الحديث هي”أحد الأفراد الخياليّين أو الواقعيّين الذين تدور حولهم أحداث القصّة أو المسرحيّة”[2]. ويراد بها في علم النفس “Personality” “مجموعة الصِّفات التي تميِّز الشَّخص عن غيره”[3]. فالشخصية هنا هي الكائنات البشرية أو غيرها مما يقوم بأدوار تساعد في سير الأحداث في الرواية،، وهي إما مدورة وإما مسطحة، فالشخصية المدورة هي “المركبة المعقدة التي لا تستقر على حال، ولا تصطلي لها نار، ولا يستطيع المتلقي أن يعلم مسبقا ماذا سيؤول إليه أمرها، لأنها متغيرة الأحوال، ومتبدلة الأطوار، فهي في كل موقف على شأن”[4].
عرض موجز رواية “السيد الرئيس”
“السيد الرئيس” رواية نيجيرية عربية، وهي سياسية تحتوي على قصة شاب يدعى إسماعيل، تخرج من جامعة إبادن، وهي إحدى الجامعات النيجيرية العريقة تقع في جنوب البلاد، ثم أرسل إلى ولاية كنو التي تقع في الشمال ليقوم بالخدمة الوطنية، وترك خطيبته “بوكي” في الجامعة التي تخرج منها، ثم تزوج من فتاة كنوية، وأتقن لغة الهوسا، ولازم شيخا صوفيا يسمى محيي الدين. وبعد زواه رزقه الله بغلام فأسماه منصورا، وذهب به إلى الشيخ محيي الدين فبارك عليه، ودعا له بالخير والبركة، وحين بلغ منصور سن الذهاب إلى المدرسة سجله أبوه في إحدى المدارس الابتدائية في كنو، وانتقل بعد انتهائه من الابتدائية إلى الجنوب فأكمل ثانويته هنالك، ثم سافر إلى لَنْدَن (London) بالمملكة المتحدة للدارسة الجامعية فالتقى بـغِرَيْس (Grace)، فأصبحت خطيبته وهي ابنة بُوكِي (Bukky) خطيبة أبيه الأولى. وبعد الزواج والقيام ببعض الأعمال انخرط في الأعمال السياسية، فعين حاكما لمنطقته، ثم صار واليا لولايته، وأخيرا أصبح رئيس الدولة. وقد كان نموذجا للحكم العادل، غير أن الحاقدين دبروا له مكيدة كادت تودي بحياته لولا أن تداركه الله بنعمة منه، فنقل إلى المستشفى، وأشار عليه شيخه وشيخ أبيه “محيي الدين” بترك العمل بالسياسية[5].
نبذة عن حياة الكاتب:
هو السيد حامد محمود بن إبراهيم بن أحمد الهجري, ولد في قرية أيغورو (AIGORO) إحدى قرى مدينة إلورن, عاصمة ولاية كوارا, يوم الجمعة الموافق 9-5-1976م, نشأ في كنف والده بالقرية وبدأ تعليمه الأولي هنالك قبل انتقاله إلى مدينة إلورن والتحاقه بمدرسة دار العلوم لجبهة العلماء والأئمة عام 1989م, ثم انتقل إلى مدينة كنو وبدأ الدراسة عند الشيخ آدم يحي الفلاتي في دار الهجرة التي تخرج منها عام 1998م, فالتحق بكلية الدعوة الإسلامية بالجماهير العظمى عام1999م, وبها حصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية عام2003م, وواصل دراساته العليا بنفس الكلية فحصل على شهادة الدبلوم العالي في اللغة العربية وآدابها عام 2004م, وعلى درجة الماجستير عام 2007م، وقام بالخدمة الوطنية عام 2008م[6]. وحاليا هو محاضر في كلية آدم أوغ للتربية أرغنغ ولاية كبي. وهو شاعر أديب أريب له إنتاجات كثيرة منها: رواية “خادم الوطن” نشرت عام 2008م، ورواية “السيد الرئيس” نشرت عام 2010م، والديوان الشعري المسمى بــــ (الحديقة الغناء) نشر عام 2010م، وغيرها.
شخصيات رواية “السيد الرئيس”
يمكن دراسة شخصيات هذه الرواية عن طريق التطرق إلى النقاط التالية:
أولا: من حيث الكمية:
تذخر رواية “السيد الرئيس” بعدد كبير من الشخصيات تزيد على عشرين، أمثال: إسماعيل، وبُوكِي، وزملاء وزميلات إسماعيل في الجامعة، وإِيَابُو، وَكَايُودِي، وأعضاء فرقة إسماعيل في الشركة، ورئيس الشركة (كِلَارْك)، ومحامي الشركة، وشريك إِيَابُو في المكيدة، ورقية (أمي)، ومالم موسى، ورئيس القسم، والشيخ محيي الدين، ومريدو الشيخ، وصديق إسماعيل، ومقدم برنامج حفل الولادة، والذاكر، والواعظ، ومنصور، وأخو منصور، وأخت منصور، وعمال المطار، ورِيسْ (الخادمة)، والشاب البريطاني، وغِرَيْسْ، وشِينَيدُو، ورجل من أقصى المدينة وأبنائه، وغير ذلك.
ويلاحظ أن شخصيات هذه الرواية على كثرتها، فهي حاضرة وفعالة، فلا يكاد المتلقي يجد شخصية في هذه الرواية، إلا تقوم بدور أو أدوار، غير شخصية أخي وأخت منصور، فهما لم يقوما بأي دور وإن كان الراوي قد ذكرهما في الحكي.
ثانيا: من حيث التعريف:
تنقسم شخصيات هذه الرواية إلى قسمين من حيث التعيين والتعريف، فهناك شخصيات معينة ومعروفة بأسمائها ووظائفها، وربما وصفاتها، أمثال شخصية: إسماعيل، ومنصور، وبوكي، ورقية. ثم هناك نوع آخر من الشخصيات، وهي التي لا تعرف إلا بوظائفها وأدوارها، وأما أسماؤها وصفاتها فهي مجهولة، أمثال شخصية: رئيس القسم، ومحامي الشركة، وزملاء إسماعيل في الجامعة وفي الشركة، وغيرهم.
ثالثا: من حيث النوع:
تحتوي هذه الرواية على شخصيات مدورة ومسطحة كما يأتي:
فأما الشخصية المدورة فتتمثل في شخصيتي إسماعيل وابنه منصور، فأما إسماعيل فهو الخريج الجامعي من مدينة إبادن، أرسل إلى كنو للخدمة الوطنية، فسكن بها وتزوج من فتاة كنوية، وولدت له منصورا وأخويه، ومكث هو وأسرته هذه بكنو طويلا، ثم انتقل إلى أبوجا قبيل أن يصبح ابنه منصور رئيس الدولة.
اهتم الراوي بهذه الشخصية فبدأ حديثه عنها، واستمر في سرد أغلب ما يتعلق بها، وتغافل عما لا علاقة بهذه الشخصية. بدأ حديثه عن هذه الشخصية في مستهل الرواية “كان إسماعيل طالبا مجتهدا موهوبا، تفوق في أكثر حركاته العلمية بالجامعة …“[7]، واستمر بحديثه عنه وعما يتعلق به من مثل حبيبته “بوكي” وكيفية لقائهما، ثم كيف غرقا في بحر الحب والهيام، وتحدث عن حفلة تكريم أقيمت له في الجامعة، وغير ذلك من الأحداث.
وكان الراوي يتخلى عن الحديث عن الأماكن التي لا تسكنها هذه الشخصية، أو ليس لها علاقة مباشرة بها، فمثلا كان يتحدث عنها عندما كانت في إبادن منذ بداية الحكاية حتى الصفحة السادسة عشرة، وبعدئذ دخل في سرد حكاية رحلته إلى كنو في الصفحة السابعة عشرة “كانت الرحلة شاقة متعبة، لم تكن الطرق معبدة في شيء كما تخيلها إسماعيل، بل كانت مشققة وعرة، تهبط السيارة فيها وتصعد، يكاد الحمل فيها يجهض – كما يقولون – حفر عميقة مشتتة في الطريق، اعوجاج خطير يرمي السيارات في حيرة واضطراب …”[8]، ومنذ ذلك الوقت لم يعد السارد إلى لحديث عن إبادن، أو الجامعة، أو ما له علاقة بها، إلا في الصفحة الخامسة والأربعين، حين اتصلت بوكي هاتفيا بإسماعيل لتتأكد من حاله “جاءته من الجهة الثانية نبرات صوت بوكي:
– ألو! إسماعيل!
– ألو! ألو! ألو!
– ألو لا تصطنع انقطاع الخط، فالخط جيد وواضح، معك بوكي.
– أي! بوكي، أين كنت منذ زمن طويل؟ ضاع مني رقمك ولم أتمكن من الاتصال بك…“[9].
وبعد انتهاء هذا الحدث، عاد السارد ليواصل الحديث عن إسماعيل وتحركاته في مدينة كنو التي اتخذها مقرا بعد فراغه من الخدمة الوطنية، وبعد حصوله على الوظيفة المرموقة، وبعد زواجه من فتاة أحلامه التي اختارها لتكون شريكة له في الحياة، وبعد لقائه بالشيخ محيي الدين الذي اتخذه قدوة ومرشدا.
هكذا يستمر خط السرد في حكي ما يتعلق بإسماعيل حتى منتصف الرواية، حين تظهر شخصية أخرى فتسلب المركز الأول من شخصية إسماعيل، وتلك هي شخصية منصور، ابن إسماعيل الذي ظهر لأول مرة في الصفحة السادسة والخمسين “ها هو إسماعيل قادم في زهو وانبهار من عند شيخه الذي أخبره بأن زوجته قد أنجبت له طفلا جميلا، ما كان يتوقع أنه سيصبح أبا ذات يوم، لا يكاد يعرف لذة كون الإنسان أبا للطفل“[10].
ويمكن اعتبار منصور شخصية مدورة ثانية، لأنه بعد ظهوره بدأ ظهور أبيه يقل شيئا فشيئا إلى أن اختفى نهائيا قبل نهاية الرواية، فكأن الابن جاء ليسلب من أبيه مكانته.
ومنذ ظهور منصور أخذ السارد يكثر من الاهتمام به، ومن جانب آخر يقلل من الاهتمام بأبيه، وكاد خط السرد يتحول لحكي ما يتعلق بمنصور منذ الصفحة الخامسة والستين “بدأ منصور حياته الدراسية بمدرسة روضة الأطفال الخاصة بالأغنياء في حي ينكبا، بعد أن أخذ قسطا وافرا من آداب المنزل والتربية الإسلامية الخالصة عند أمه الرؤوم، وقد لقن منذ أن بدأت شفتاه تتحركان آيات كثيرة من القرآن الحكيم …“[11].
وهكذا صار السارد لا يهتم بأحد كما يهتم بمنصور، فلا يحكي إلا ما يفعله منصور، أو ما له علاقة به، وكذلك لا يتحدث عن مكان لا يوجد فيه، أو ليس له علاقة مباشرة به.
ويبرز أهمية شخصية منصور في هذه الرواية أنه لما انتقل إلى بريطانيا، تبعه السارد، فأصبح لا يحكي إلا عما يجري هنالك، وكان ذلك منذ الصفحة الثالثة والسبعين حين “دخل منصور الطائرة بعد ما استوقفه حملة الرقابة في بوابتها لتفتيش الجواز، والتأكد من وجود التأشيرة لدخول لندن، ثم قادته إحدى مرافقات الطائرة إلى مقعده، ولما وجد نفسه في داخلها كان كالحلم، يفرك عينيه ويغمضهما مرات…[12].
لم يعد السارد للحديث عما يجري في نيجيريا حتى عاد إليها منصور، وذلك بعد انتهائه من الدراسة في جامعة لندن، ولقائه بحبيبته غريس، واتفاقه معها وذلك أنهما “اتفقا على أن يختار منصور مدينة “إينوغو” للخدمة الوطنية حين كانت له الخيرة في أمره ما دام طالبا متخرجا من الخارج، فاختار هذه المدينة كما طلبت، ورحب به أبو غريس وأمها كل الترحيب…”[13]. وهكذا كان الاهتمام بشخصية منصور حتى نهاية الرواية، مما يجعلها شخصية مدورة ورئيسية.
تبرز سمة الشخصية المدورة في إسماعيل حين ترك حبيبته في حزن شديد، ليذهب حيث بعث للخدمة الوطنية، فلما كان ميعاد الفراق بينه وبينها لسنة كاملة، جاءته لتودعه “فكان منظرا مأساويا بين الحبيبين يفترقان، جفت كلمات التوديع، وافتقدا ما ينبغي لهما القيام به في مثل هذا الموقف الحرج، فاكتفى إسماعيل بنظرته الحائرة العاطفية، ولم يملك أن دمعت عيناه حبا وهياما، فاكتفت بوكي برفع حقيبتها ماسحة وجهها بمنديلها صامتة كالجماد، وقد أحست دموعا مفاجئة تلسع جفنيها ولم تنبس ببنت شفة…”[14]. هكذا فارق تلك الحبيبة ضرورة، وليس اختيارا.
ولكنه تحول في حبه، فبدل حبيبة جديدة (رقية) ببوكي التي فارقها باكيا، وراوغ في جوابها لما استفسرت عن حاله وأرادت التأكد من خبر سمعته عنه وهو أنه تغير في حبه، بل انتهى الأمر باتهامه لها بأنها على علاقة مع رئيس القسم، وكان ذلك لما اتصلت به:
- “- بوكي، أتسمعينني؟
- نعم أسمعك
- ماذا كنت قائلة قبل انقطاع الخط؟
- سائلة عن أمر الزواج الذي عزمت عليه
- وماذا يفيدك من هذا؟ أتعتقدين أن الغباوة تسلبني لدرجة التغافل عن أخبارك في الجامعة؟
- أي! أي! ما هي أخباري يا…
- أتظنين أن علاقتك مع رئيس القسم كانت خافية عن الأنظار؟
- يا لخبث ما سمعته اليوم، رئيس القسم، ماذا أفعل به؟ … إنه .. إنه … بكاء“[15]. هكذا تحولت هذه الشخصية مما كانت عليه.
ومما يبرز سمة الشخصية المدورة في إسماعيل، انتقاله من الحي الذي كان يسكن فيه أولا بعد وصوله إلى مدينة كنو، وهو حي بعيد قليلا من حي سابون غري الذي تقع فيه الشركة التي يعمل فيها إسماعيل، فحصل “على غرفة زهيدة الأجرة مريحة الفسحة لم تبعد كثيرا عن هذا الحي الذي وقع فيه مقر الشركة”[16]، فانتقل إلى حي جاكر وهو “من بطون أحياء مدينة كنو العريقة، والتي تعد من أقدم الأحياء وأعرقها لدى الجميع“[17]. فهذا يدل على أن شخصية إسماعيل شخصية لا تستقر على حال، بل هي في تحول دائم.
وأما شخصية منصور فتبرز سمة الشخصية المدورة في كونها تنتقل من حال إلى حال، فتلك الشخصية عاشت سني صباها في مدينة كنو الواقعة في شمال نيجيريا، ثم انتقلت إلى جنوبها لتكملة الدراسة الثانوية، ثم انتقلت إلى لندن للدراسة الجامعية، ثم رجعت إلى نيجيريا وسكنت في مدينة إينوغو، ثم انتقلت إلى ولاية كوارا وانخرطت في السلك السياسي، واحتلت مناصب سياسية من رئيس الإقليم، إلى حاكم الولاية، إلى رئيس الدولة.
فهذه الشخصية تتطور تطورا سريعا، وتستدير استدارة عجيبة غريبة، وتتحرك حركة خفيفة وسريعة، ومما يوضح كون منصور شخصية مدورة أنه لما كان في لندن شاهد اصطدام سيارتين، فترك حاجته وتبرع بدمه لإنقاذ حياة الفتاة التي وقعت بها الحادثة، ولم يعد لحاجته إلا بعد إفاقتها من الإغماء الذي أحل بها، وتحسن جسمها بعض الشيء، وعلمت بما قدم لها من تضحيات لإنقاذ حياتها فـ”تبادلا ابتسامة رقيقة عند مغادرة منصور للمستشفى، بعد تبادل الأرقام الهاتفية، وولى منصور تلقاء حاجته التي باعد الله بينه وبينها منذ الفجر“[18].
وهكذا تدخل هذه الشخصية في تحركات مختلفة، وفي شؤون متباينة، مما جعل المتلقي لا يقدر على تخمين ما يمكن أن تقوم به، فالشخصية التي تنتهي من الدراسة الجامعية، تذهب إلى إينوغو للخدمة الوطنية، وبعد الخدمة الوطنية تفاجئ المتلقي بالمكوث في إينوغو، ثم تدخل في الأمور السياسية بجدية فائقة، ثم تنتقل هذه الشخصية إلى ولاية أخرى هي ولاية كوارا، وهكذا.
وأما الشخصيات المسطحة فهي الغالبة في هذه الرواية، لأن أكثرها لا تتطور ولا تتغير عما عهدها عليه المتلقي. فهؤلاء الشخصيات مثلا “بوكي، وزملاء وزميلات إسماعيل في الجامعة، وإيابو، وكايودي، وأعضاء فرقة إسماعيل في الشركة، ورئيس الشركة، ومحامي الشركة، ورقية (أمي)، ومالم موسى” كلها شخصيات مسطحة، فلم تقم بأدوار كثيرة حتى تبرز استدارتها، بل أغلبها باق على ما كان عليه، فبوكي حبيبة لإسماعيل إلى أن تركها، ولم يعد لها ذكر في الرواية حتى جاء موعد زفاف ابنتها غريس، ومحامي الشركة لم يقم بدور غير ما يقوم به سائر المحامين من التحقيق ومحاولة الدفاع عن المظلوم، ومالم بقي صاحب الدكان الذي يجلس عنده إسماعيل بعد فراغه من العمل، وهكذا.
رابعا: من حيث التقديم:
يبدو أن الروائي مهتم بتقديم الشخصيات، وخاصة الشخصيات ذوات الأدوار الأساسية، فهو يقدم الشخصية بشكل مسهب قبل الخوض في سرد الأحداث التي كانت تقوم بها، ويتمثل ذلك في تقديم الراوي لشخصيات إسماعيل، وبوكي، وإيابو، ومالم موسى، والشيخ محيي الدين، وغيرهم.
لما أراد الراوي أن يبدأ حكي القصة، استهل بتقديم شخصية إسماعيل، تلك الشخصية التي تحتل منزلة الشخصية الرئيسية، فقال :”كان إسماعيل طالبا مجتهدا موهوبا، تفوق في أكثر حركاته العلمية بالجامعة، وقد شاع صيته بين الطلاب بمواهبه النادرة، وضرب الرقم القياسي بمثوله دائما في الطليعة الأولى كل عام في النتيجة، فأصبح الطلاب يلتفون حوله متهالكين عليه، ليس لنجابته وتفوقه فحسب بل لتواضعه ودماثة خلقه بين الزملاء“[19]. فيتضح أمام المتلقي من خلال هذا التقديم من هو إسماعيل الذي بنيت حوله قصة الرواية، وإن كان الراوي لم يقدم هذه الشخصية تقديما كافيا، لأنه لم يبين عمر هذه الشخصية ولا صفاتها الخلقية، وما شابه ذلك.
ولعل شخصية بوكي حظيت بتقديم أوضح وأكمل، فقال عنها الراوي :”لم تزل بوكي في الواحد والعشرين من عمرها، يسيل الجمال على وجهها المقمر، وتجري الشيبوبة في بشرتها المرنة اللطيفة، والتي تكاد الأصابع تنغمس فيها لفرط طراوتها، وهي طويلة دون إسراف، تتراوح بين النحافة والسمانة، إذا نظرت إلى هندامها يعكس لك زجاج كوكاكولا شكلا وإيجادا، وكان شعرها ناعما لماعا مرسلا تتدلى فوق منكبيها مسدلة على ظهرها، كانت في السنة الثانية بقسم الاقتصاد في الجامعة التي يتخرج اليوم فيها حبيبها“[20]، فالراوي ذكر سنواتها، ووصفها وصفا خَلقيا رائعا، ثم ذكر وظيفتها أنها طالبة جامعية في المستوى الثاني، وكذلك ذكر العلاقة بينها وبين إسماعيل الذي يقوم بدور أساسي في الحكاية.
خامسا: من حيث الطبقة:
تحتوي هذه الرواية على شخصيات مختلفة ومتباينة طبقيا، فبعضها ينتمي إلى الطبقة العليا أمثال منصور، وغريس، وشينيدو والسيد كلارك ويبدو من خلال هذه الرواية أن أصحاب الطبقة العليا يتمتعون برغد العيش والتعليم المتميز في نيجيريا أو في غيرها، فقد سافر منصور إلى إنغلترا للحصول على التعليم الجامعي والتقى هنالك بغريس البنت المدَلَّلَة، وتوجد كذلك شخصيات تنتمي إلى الطبقة الدنيا في الرواية، مثل رقية (أمي)، وإيابو، ومالم موسى، وغيرهم ممن كانوا يكابدون المشقات ويمتطون الصعاب من أجل الوصول إلى لقمة العيش، وليوفروا لأنفسهم قسطا يسيرا من أسباب الراحة في الحياة، واستخدم الكاتب العلاقة بين أبناء الطبقتين العليا والدنيا ليوضح ما بنبغي أن يكون من احترام متبادل، وعيشة بالمعروف، ويبرز ذلك فيما كان بين إسماعيل وبين رقية من تبادل احترام أدى بهما أخيرا إلى عقد علاقة متينة جعلتهما زوجين مثاليين.
خاتمة:
من خلال السطور السابقة تبين أن من الروايات النيجيرية المكتوبة باللغة العربية رواية “السيد الرئيس”، وهي رواية متميزة من حيث احتوائها على حكاية مفيدة، يبرز من خلالها ما تحتاج إليه نيجيريا من وجود سياسيين حاذقين ومخلصين للبلاد، كما أن الرواية تتميز بلغة فصيحة رفيعة، وأجاد الكاتب في رسم شخصياته في هذه الرواية حيث قام بتقديم ما يحتاج إلى التقديم منها وعرَّف أغلبها، ووضَّح ما تنتمي إليه من الطبقات الاجتماعية عن طريق حكي جذاب ووصف جميل، وبصفة عامة تُعطي شخصيات هذه الرواية صورة حية للمجتمع النيجيري الحاضر.
قائمة المصادر والمراجع:
- أحمد، مختار عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، 1429 هـ – 2008 م.
- زينب كبير أحمد (السيدة)، الرواية العربية في نيجيريا، خادم الوطن والسيد الرئيس، دراسة تحليلية، رسالة مقدمة إلى قسم اللغة العربية، جامعة أحمد بللو، زاريا، للحصول على درجة الماجستير، عام 2013م.
- مرتاض، عبد الملك، في نظرية الرواية – بحث في تقنيات السرد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد:240، 1998م.
- ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي الإفريقي، لسان العرب، ط3، دار – صادر، بيروت، 1414هـ.
- نمدي، علي إسحاق، مكونات الخطاب السردي بين روايتي “ادفع بالتي هي أحسن” لجميل عبد الله الكنوي و”السيد الرئيس” لحامد محمود الهجري دراسة موازنة، رسالة مقدمة إلى قسم اللغة العربية، بجامعة عمر موسى يرأدوا، كشنه، نيجيريا، عام 2016م، ص:70
- الهجري، حامد محمود إبراهيم ، “السيد الرئيس”، مطبعةكيوو داميلولا، إلورن – نيجيريا، 2010م.
[1] ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي الإفريقي، لسان العرب، ط3، دار – صادر، بيروت، 1414هـ، ج7، ص:45
[2] أحمد، مختار عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، 1429 هـ – 2008 م، ج2، ص:1174
[3] المرجع السابق نفسه والصفحة
[4] مرتاض، عبد الملك، في نظرية الرواية – بحث في تقنيات السرد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد:240، 1998م ، ص:101
[5] نمدي، علي إسحاق، مكونات الخطاب السردي بين روايتي “ادفع بالتي هي أحسن” لجميل عبد الله الكنوي و”السيد الرئيس” لحامد محمود الهجري دراسة موازنة، رسالة مقدمة إلى قسم اللغة العربية، بجامعة عمر موسى يرأدوا، كشنه، نيجيريا، عام 2016م، ص:70
[6] ينظر، زينب كبير أحمد (السيدة)، الرواية العربية في نيجيريا، خادم الوطن والسيد الرئيس، دراسة تحليلية، رسالة مقدمة إلى قسم اللغة العربية، جامعة أحمد بللو، زاريا، للحصول على درجة الماجستير، عام 2013م، ص:29-33
[7] الهجري، حامد محمود إبراهيم ، “السيد الرئيس”، مطبعةكيوو داميلولا، إلورن – نيجيريا، 2010م، ص:5
[8] المصدر السابق، ص:17
[9] المصدر نفسه، ص:45
[10] المصدر نفسه، ص:56
[11] المصدر نفسه، ص: 65
[12] المصدر نفسه، ص:73
[13] المصدر نفسه، ص:84
[14] المصدر نفسه، ص: 16
[15] المصدر نفسه، ص: 46-47
[16] المصدر نفسه، ص:20
[17] المصدر نفسه، ص: 31
[18] المصدر نفسه، ص:82
[19] المصدر نفسه، ص:5
[20] المصدر نفسه، ص:6