رواية “رجل تحت الصفر” قفزة جديدة في مجال الرواية العربية.

محمد ريحان

ملخص:

مصطفى محمود مفكر، وفيلسوف، وأديب، وصحفي وباحث عظيم من رجال القرن الحادي والعشرين، كان من أعظم الشخصيات التي أنجبتها مصر على مر العصور قاطبة. أثرى المكتبات العربية بمؤلفاته الغزيرة وإنجازاته القيمة، كتب في مختلف المجال نحو الآداب، وفي مختلف فنونها، والفلسفة والتصوف والسياسة والدين وغيرها. وكتب في مجال الرواية العربية خمسة روايات، ومن هذه الرواية رواية “رجل تحت الصفر”، التي كتبها في السبعينات من القرن الماضي، رواية طريفة في نوعها، التي تخبر بالمستقبل ، الذي يحتوي على قرن. لقد استخدم الباحث المنهج التحليلي لجمع البيانات ذات الصلة بالموضوع، وقام بقراءة الرواية بنهم وعمق، وحلّل أن الرواية كانت من النوع الفريد في الأدب العربي. وراجع الباحث الرواية كلمة كلمة وجملة وفقرة ومشهدا حتى ختام الرواية،  ليكتشف أن الرواية من الطراز الفريد في الأدب العربي على مر العصور.

تناولت هذه الورقة البحثية أيضا عمق وجهات نظر الدكتور مصطفى محمود، حتى استطاع أن يخبر بما سيقع في العالم من الحوادث العظام طوال قرن كامل، لقد استنتج الباحث في هذه الورقة أن الرواية أساسا تنقسم إلى قسمين كبيرين، القسم الأول: وهو الفكرة،  تتناول بالأساس فكرة طريفة تبهت بها القارئ، ولم تخطر ببال أي أديب عربي،ويجول في وادي غير وادينا. والثاني: الفن: وصل الباحث إلى أن في الرواية بعضا من العناصر التي تقلل شأنها من حيث الفن. والرواية من حيث المجموع طريفة في معناها، وإن كانت أوسط الشأن فنا.

الكلمات المفتاحية: أدب، تكنولوجيا. شخصية، صفر، علوم، فيلسوف.

Summary:

   Mustafa Mahmoud is a great thinker, philosopher, author, journalist and great scholar of 21st century. He was one of the greatest personalities that Egypt has produced throughout all ages, He enriched the libraries abundant writings and valuable works, he wrote in various fields towards literature, and in its various parts, and philosophy, Sufism, politics, religion and others. He wrote five novels, and among these novels is the novel (a man under zero). Which he wrote in the seventies of the last century, a novel in its kind, which tells the future. The researcher used the analytical method to collect data related to the topic, and he read the novel eagerly and deeply from A to Z. he analyzed that the novel was of a unique type in the whole Arabic literature. And the researcher reviewed the novel word by word, until the very end of the novel, to discover that the novel is unique in Arabic literature throughout its history.

This research paper also dealt with the depth of DR. Mustafa Mahmood’s view, so that he was able to tell what would happen in the world in terms of huge accidents for a whole century, the researcher concluded in this paper that the novel is basically divided into two major parts, the first one is all about an idea, it mainly deals with an innovative idea that stunned the reader and did not occur to any Arab’s writer, and the reader after reading this novel wonders in a valley other than ours. And the second one is art, the researcher concluded that in the novel there are some weak elements the harming it from the art aspect. And the novel in terms of its totality is innovative in its meanings, even if it is in the middle of its art.

Keywords: Philosopher, Personality, Literature, Zero, Science and Technology.     

مقدمة:

   كان الشعر أشهر أنواع فن الأدب العربي طوال قرون على الإطلاق، وكانت القبائل بشعراءها تفتخر فيما بينها، وكان الناس يهنئون القبيلة إذا ولد فيها الشاعر، وكان الشاعر يظهر في قالب الشعر تجاربه وما يجول في خاطره من المشاعر، وعما يجري حوله من الأحداث والأيام، ولذا نستطيع أن نرى جليا في الشعر أحوال المجتمع العربي من الفكر والثقافة والسياسة وغيرها في ذلك الزمان، ومن ثمّ كان يقال “الشعر ديوان العرب”، وجاء الشعر في مختلف المواضيع من الفخر والحماسة والمدح والهجاء وغيرها، ومن أشهر شعراء ذلك العصر إمرؤ القيس الكندي، وزهير بن أبي سلمى، وقيس بن الملوح، وحسان بن الثابت، وجرير والفرزدق والمتنبي وغيرهم، لكن بمرور الزمن حلّت الرواية محل الشعر، نشأ فن الرواية في الأدب العربي من الاحتكاك بالأدب الغربي، بدأت من الترجمة والتعريب وإلى التمصير حتى الأصالة، وكتبت الروايات في مختلف المواضيع نحو الرواية الاجتماعية والعلمية والتاريخية والرومانسية والواقعية وغيرها، وأنجب الأدب العربي الروائيين الكبار حتى ترجم أعمالهم إلى اللغات العالمية العديدة، وحصل البعض منهم على جائزة نوبل، وجوائز مختلفة، ومن أهم رجال هذا الفن محمد حسين هيكل، ونجيب محفوظ، وطه حسين، ويوسف إدريس، وتوفيق الحكيم، ويحيى حقي، ويوسف زيدان، ومصطفى محمود. والآن نستطيع أن نقول إن الرواية ديوان العرب،  من حيث المجموع الرواية فنٌ نثري أدبي جميل، تُعتبر من أشهر أنواع الأدب العربي، وتقومُ على طرح قضايا أخلاقية واجتماعية مختلفة بهدف معالجتها أو محاولة البحث فيها؛ لذلك فبعض الروايات تحثُّ على الإصلاح والتغيير، ومنها ما تقوم على تقديم معلومة عن موضوع غير مألوف وفيه بعض الغرابة بالنسبة للقارئ، وبعضها الآخر يقدّم العمل الروائي بحسٍ فُكاهيّ الهدف منه الإمتاع والتسلية للقارئ. من الرواية التي حيّرت الأوساط العلمية والأدبية وكانت على موضوع مستغرب وفيها ما يدهش القارئ، وهي رواية “رجل تحت الصفر” للدكتور مصطفى محمود.

الدكتور مصطفى محمود:

 ولد مصطفى محمود آل حسين توأما في قرية ميت خاقان القديمة، بمدينة شبين الكوم، بمحافظة المنوفية، مصر، يوم 20 ديسمبر عام 1921م. ينتهي نسبه إلى زين العابدين، إلى علي بن أبي طالب، ومن هنا تعد أسرته من الأشراف[1]. الدكتور كان كاتبا متعدد المواهب، كتب في مختلف العلوم والفنون، وطبعت مؤلفاته من المطابع المختلفة المشهورة، أثرى بمؤلفاته الغزيرة  مكتبات العالم الأدبي العربي، وكسب قلوب ملايين القراء من بين أنحاء العالم، وحصل على جوائز عدة، مصطفى محمود هو الاسم الذي عرف به، وطبع على جميع أعماله الأدبية والفكرية، واشتهر به في الأوساط العلمية. لقد توفي الدكتور صباح السبت 2009م بعد رحلة علاج استمرت عدة شهور عن عمر ناهز 88 عاما، وقد تم تشييع الجنازة من مسجده بالمهندسين رحمه الله الدكتور رحمة واسعة أغدق عليه نعمه ظاهرة وباطنة.

التعريف بالرواية:

 الرواية رواية علمية خيالية بحتة، رواية فريدة في الأدب العربي، التي حيّرت القارئ، وأخذت بيده إلى دنيا غير دنيانا، دنيا محيطة بالانكشافات الهائلة، والاختراعات الجسام، والتطور المحيّر في التكنولوجيا، هي إحدى الروايات للدكتور مصطفى محمود التي كتبها في السبعينات من القرن العشرين، وبالتحديد عام 1966م. تحتوي على 98 صفحة، وتشتمل على خمسة فصول معنونة، حازت الرواية على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام 1970م. رواية تنبّأ بما سيقع وسوف يقع في العالم من الأحداث العظام والاكتشافات والتطور في التكنولوجيا طوال قرن، وخاصة تنبأ بفيروس مثل فيروس كورونا، والفكرة المحورية التي عالجها الدكتور من خلال الرواية هي أن الرواية تدفعنا للتأمل في كم نحن صغار أمام عظمة الله في خلقه وكونه، وتصف الحياة وصفا علميا خاليا من الروح والإنسانية، وتلتفت الحياة إلى الماديات والعلم فقط عند أغلب الناس، وأن كل ما جاء في الرواية يقود بنا إلى أن الإنسان مهما توصّل إلى علم ومعرفة فلا بد له من أن لا ينسى وجود الله، وأن عظمته تفوق كل شيئ، فالله أكبر وأعظم من كل تخيّلات البشرية، وكذا يبقى الحب من أسمى العواطف البدائية للإنسان الذي لا يمكن أن يتغير مفهومها أو شكلها مهما توصل الإنسان من علم ومعرفة. وفي جانب حاول الكاتب أن يوازن بين فكرة العلم وفكرة الإيمان، وأيهما أكثر تأثيرا في حياة الإنسان، وهل العلم سيجعل الإنسان في غنى عن الإيمان أم في حاجة إليه؟ ومحاولة للمقارنة بين اهتمام الإنسان بالعالم في شكل اهتمام البطل الدكتور شاهين لعلم الفلك أكثر من اهتمامه بالإنسان نفسه في شكل حبه لطالبته روزيتا أحمدولنا.

تلخيص الرواية:

 تبدأ الرواية بمحاضرة الدكتور شاهين – بطل الرواية- في إحدى جامعة لندن، يلقي الدكتور فيها درسا في التاريخ، ومن خلالها يلخّص جميع الأحداث والاكتشافات الهائلة والاختراعات العلمية من منتصف القرن العشرين حتى عام 2067م، يتنبأ كل ذلك  بشكل روائي جديد، ويوضّح حال العالم بعد قرن، عالم شديد التقدم والرفاهية، ظهر الكثير من الأحداث والاختراعات والاكتشافات، مثلا وقوع الحرب العالمية الثالثة بين أمريكا وروسيا، وتفشّي مرض أشبه بالطاعون، وولكنه ليس بالطاعون، ونزول أول سفينة فضائية على المريخ، وظهور مسكن السعادول المضاد للحزن والكآبة واليأس، وإمكان تفجير نيترون الذرة، كذلك أمكن الاستغناء عن رحم الأم في مقابل وضع الجنين في برطمان حتى موعد ولادته، وتمّ العثور على أتلانتس، القارة الأسطورة التي ابتلعها المحيط، كل هذا إلى أن جاء يوم لاحظ  الدكتور شاهين في معمله تبخر فئرانه الثلاثة، ومن هنا يحاول استعادة صورهم على جهاز التلفيزيون، ولكنه لم يتمكن من إعادتهم إلى حالتهم الجسدية، بهذه الطريقة تفكر في نفسه أن يتم تحويل بني آدم إلى موجات وإرساله لاكتشاف الفضاء الواسع الذي لم يتمكن لهم بكل اختراعاتهم وأجهزتهم الحديثة أن يكتشفوه، حينما أخبر الدكتور شاهين بهذه التجارب ميليان أوكامبا رئيس أكاديمية العلوم، سجن من قبل الحكومة، لأنها فكرة تهدد البشرية بالفناء وتهدد الأرض بالخراب، الإنسانية في خطر، هكذا بعد جهود صديقه عبد الكريم استطاع الخروج من السجن، وغيّر صورته في صورة طالب جامعي، ودخل في المعمل، وأجرى التجربة على نفسه، فتحول إلى موجة، وانطلقت الموجة بسرعة هائلة لتجوب المجموعة الشمسية جيئة ورواحا، بسرعة تقترب من سرعة الضوء، في الوقت ذاته كانت كل الكرة الأرضية تستقبل صورة شاهين على شاشة التلفاز، ثم أخبرهم بأن الله موجود، وأخبر أيضا أنه يمكن أن يزيد من سرعته ليتعدى سرعة الضوء، ليتعدى سقف المعرفة الإنسانية إلى اللازمان واللامكان، حيث الأبدية واختفت صورته من أجهزة التلفاز التي لا تستوعب هذا المقدار العظيم من السرعة. وزوجته روزيتا أحمدولنا كانت تنظر في شاشة التلفاز وتبكي وتقول: “لماذا يفكر الرجل في الكواكب والنجوم ؟ لماذا يرتحل مهاجرا ليكتشف له مسكنا على بعد ملايين وملايين الأميال، وهو لم يكتشف بعد عشه الصغير على الأرض ..”.[2]

عنوان الرواية:

 لقد استخدم الدكتور عنوانا مشوّقا يجذب القارئ إلى قراءة الرواية بعمق، لكي يعرف مفهوم العنوان للرواية “رجل تحت الصفر”، كيف يمكن لرجل أن يكون تحت الصفر؟ وما مراد الكاتب من هذا العنوان؟ وما هي علاقة العنوان من الرواية؟ هذه هي التساؤلات التي تنشأ أمام القارئ، فيضطر إلى تصفح الرواية والقراءة. نستطيع أن نقول أنه وفّق في انتخاب العنوان. وأما صلة العنوان بالرواية فهي أن الكاتب يريد إيصال الفكرة، وهي أن الرواية تثبت إن هندسة الكون أعظم من أن يفهمها العقل البشري، وأن العلم لا حدود له، وأن كل ما اكتشفتها البشرية لا حقيقة له أمام ما يجهله.

الخصائص الفنية في الرواية:

 الرواية رواية فريدة من حيث الموضوع، ونوع جديد عرفها الأدب العربي، والدكتور بكتابتها قد سبق فيما بين الروائيين العرب. ومن الخصائص لقد استخدم الكاتب تقنيات السرد العديدة، منها الاسترجاع والاستشراف بأنواعهما، والحذف والحوار والوقفة الوصفية وغيرها، واستخدم الكاتب اللغة الفصيحة، وكذا استعمل الجمل الطويلة في السرد، والجمل القصيرة في الحوار، نحو ما جاء في السرد: “وفي اليوم العاشر من فبراير في العام نفسه استطاع الطبيب الصيني ( هسيانج وي ) بتمرير الفيروس وزرعه في بيض الثعابين تحت ظروف خاصة من الحرارة والحموضة أن يستخرج منه لقاحا واقيا مثل لقاح الجدرى ( كما يحدث في زرع فيروس الجدري في البقر ) …”.[3] هذا هو النص في السرد، نلاحظ أن الجملة الواحدة تحتوي على ثلاثة أسطر تقريبا،  وأما الحوار فنرى الجملة القصيرة أو المتوسطة، نحو: ” – هذا مستحيل .. لقد تبخر تماما . قال الدكتور شاهين : – لقد تحول إلى أمواج . – أمواج ..؟ – نعم . إلى موجة من طول معين لنسمها الموجة الفأرية .. والآن أنظر إلى الفأر الثاني تحت الناقوس الثاني. … “.[4] نلاحظ الجمل القصيرة والبسيطة في الحوار.

وكذا استخدم بعض التشبيه الطريف في الجمل، نحو: “… إنك تبدو كأسير حرب يخفى بين جنبيه سرا هائلا .”.[5] و”وهو يتألق كأنه ألف قمر .”.[6] و”هناك رجل يختفي تدريجيا كالشبح .. ويذوب ..”.[7] و”إنه بارد كالثلج دائما .. يفكر في حياد وموضوعية وكأنه عقل بحت بلا أهواء و بلا ميول .”.[8]

أما من ناحية الفكرة، فإنها تحتوي على فكرة دينية، لأنها تعبرفكرة آية القرآن وهي: “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” بأن العلم مهما تطور فسيظل شاهدا على عظمة الله، ووفي جانب تعبر فكرة إيجابية، بأنها تعبر فكرة العالم المتحد، ليس فيه حدود، والإنسان كلهم إخوة، وكذا استخدام المواد المدمرة الآن في سبيل الخير نحو الطاقة الذرية تستخدم لتقلب المياه المالحة إلى مياه عذبة، وتروي الصحارى وتحفظ الغذاء بدون تثليج ، وتقدم للإنسانية وقودا سهلا أنظف من البترول وأقوى منه آلاف المرات، نحو: “حولت الطاقة الذرية إلى قنبلة خيّرة تنشر النعمة في كل مكان . تقلب مياه البحر المالحة إلى مياه عذبة ، وتروي الصحارى وتحفظ الغذاء بدون تثليج ، …”.[9]

وأما من حيث تسمية أسماء الأشخاص، فإنه نجح فيه نحاحا، نحو سمى الصيني بـ ( هسيانج وي )، والهندي بـ ( راجا منون)، والتركي بـ ( عصمت آغا ) والعراقية بـ ( فيروزه ).

وأما من ناحية التقنية، فاختار تقنية الاستباق، من بداية القصة إلى نهايتها، أعني أن الرواية تنبأ بكل ما سيقع وسوف يقع في العالم من التطور العلمي والتكنولوجيا والاكتشافات، وهذه نوع طريف من الرواية، لا نجد لها نظيرا في الأدب العربي إلا أقل قليل.

واما من ناحية الدرامية فنرى أن الرواية تبدأ بمحاضرة تلخص كل ما وقع على الأرض من التطور العلمي طوال قرن واحد، ثم يتحول إلى الطابع القصصي، ومن هنا نلاحظ أن القارئ يتحير بكل ما يجد في الرواية من التحول.

وكذا نرى أن الكاتب كان أوتي من العلم والوصف والتخيل حظا كثيرا، بأنه تنبأ ما سيقع في العالم من التطور العلمي الحائل طوال قرن، ووصفها وصفا، بحيث يحيّر القارئ، ويطرح أمامه التساؤلات حول المستقبل، ويوسع في أفكار القراء.

ونجد بعض الجمل الفكرية الفلسفية ما يسحر بها القارئ، نحو: “لماذا يفكر الرجل في الكواكب والنجوم ؟ لماذا يرتحل مهاجرا ليكتشف له مسكنا على بعد ملايين وملايين الأميال، وهو لم يكتشف بعد عشه الصغير على الأرض ..”.[10] و”وتقول لهم ، إنه من الداخل يخرج كل شيئ .. من الداخل خرجت أنا .. وربما خرج أيضا خرج ذلك الكون العظيم الذي أفقدكم العقل ..”.[11]

المآخذ:

 إذا تعمقنا في الرواية فنجد أنها لا تخلو من المآخذ، ومن المآخذ نرى أن الكاتب حاول أن يهتم بالسرد العلمي أكثر من اهتمامه بالبناء الدرامي للرواية، وهي تتمثل في غلبة عنصر المحاضرة التاريخية في الفصل الأول، وخلوّه من عنصر الدرامية، حتى يرى أنها كتاب تاريخي نقرأ ما حدث في العالم من الاكتشافات التاريخية وتطور العلم والتكنولوجيا طوال قرن. وكذا تؤخذ على الرواية من ناحية الحبكة، لأننا نجد فيها التركيز الأكثر على تعداد الاكتشافات دون التركيز على أحداثها.

         وأما من الناحية اللغة فنجد أنه استخدم اللغة المعقدة والاصطلاحات العلمية في النصف الأول من الرواية، أما عند حد الاصطلاحات العلمية فله عذر، لأنها الرواية العلمية البحتة، لكن نجد في السرد بعض الكلمات الصعبة متتالية، نحو: “يبدو من حركته حول نفسه أنه سائل . فهو يتفلطح وينبعج من وسطه ..”.[12]  نلاحظ كلمة “يتفلطح وينبعج” أنها صعبة من حيث المعنى والنطق بها.

ومن المآخذ نجد أن الكاتب استخدم عنصر القفز كثيرا، ومن ثم يفقد القارئ من التعمق والتلذذ بالرواية، وكذا يرى أن الكاتب في عجلة للوصول إلى نهاية الرواية بدون التركيز على عنصر الدرامية والتركيز على الأحداث، وهذا لأن الفكرة المحورية كانت في آخر الرواية. ومن هنا يظهر أنه لا يريد إلا إيصال الفكرة، بطريقة تخفف قيمة الرواية من ناحية الفن.

النتائج:

الرواية نوع جديد عرفها الأدب العربي، رواية محيرة العقول، تنبأ ما يقع في العالم من الوقائع الجسام، والحوادث، والاختراعات العظمية والتطور الباهر في التكنولوجيا، ومن تنبؤات الدكتور في الرواية منها ما حدث، مثلا انتشار فيروس كورونا في العالم، لقد تنبأ بها الدكتور في هذه الرواية، ومنها ما يقع في المستقبل القريب أو البعيد، لأن العلماء ما زالوا يحاولون لكشف الستار عن خلق الله. الرواية تدل على سعة اطلاع الدكتور وسعة تخيلاته، حتى استطاع أن يكتب رواية تشتمل على المواد العلمية تسع قرنا كاملا، كان الدكتور طبيبا، وكان قد يقضي أياما وشهورا في البحث عن جسم الميت، للعثور على حقيقة الموت والحياة،  ولقب بذلك ” المشرحجي” من قبل أحد أستاذه.

لقد حاول الدكتور أن يقدم أمام العالم صورا إيجابية من خلال هذه المساهمة، مثلا أنه حاول أن يقدم كيف تستخدم الذرة النووية في إسعاد الناس، نحو تغيير المياه من الكالحة إلى الحلوة بالذرة، وكذا اجتماع العالم في كتلة واحدة كأنهم أعضاء أسرة واحدة، وأشقاء فيما بينهم، وفي جانب نبّه العالم العربي بأنكم لا تغتروا بنهور نفطكم وبينزينكم، لأنه حينما اكتشف العالم المواد غير النفط والبنزين، فماذا سيحدث بكم، وكذا ألقى الضوء على أهمية العلماء والكيمياويين والفلكيين، لأنهم هم الذين يحافظون على الناس إذا تفشت فيهم الأوباء مثل وباء كورونا الآن، فعلى العالم العربي أن يحاول في تجهيز جيوش من علماء مختلف العلوم والفنون، وإلا ستكونون عالة ومحتاجين إلى غيركم، وتفوت بكم الفرصة لخدمة خلق الله.

لا شك أن الدكتور له إسهام في الأدب العربي، والدكتور من الأوائل الذين كتبوا الرواية العلمية في الأدب العربي، وخاصة كتب هذه الرواية التي تشتمل على موضوعات تنبإية تتوسع على قرن واحد تقريبا، ونظرا إلى إسهاماته في الرواية العربية نقول إن رواياته أقل شأنا من حيث الفن، وأما من الناحية الفكرية، فإنه أكثر شأنا، والدكتور أقرب من أن يكون مفكرا من أن يكون روائيا. ليقرأ هذه الرواية كل من له إلمام بالأدب العربي.

المصادر والمراجع:

  1. الحراني، السيد، مذكرات د. مصطفى محمود، ط7، دار الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014م.
  2. غريب، مأمون، مصطفى محمود مفكرا إسلاميا، دار الفيصل للتأليف والترجمة والنشر، 1988م.
  3. فوزي، محمد، اعترافات مصطفى محمود، دار النشر هاتييه، 1994.
  4. محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم، ج1، ط4، دار الشواف للنشر والتوزيع، القاهرة، 1992م.
  5. محمد الهواري، أعلام الأدب العربي المعاصر، دار الكتب العلمية، لبنان، 2017م.
  6. محمود، د. مصطفى، الله والإنسان، دار الجمهورية، مصر.
  7. محمود، د. مصطفى، رجل تحت الصفر، ط6، دار المعارف، القاهرة، مصر،
  8. محمود، د. مصطفى، رحلتي من الشك إلى الإيمان، ط9، دار الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة.
  9. محمود، د. مصطفى، الطريق إلى المدينة، ط1، دار العودة، بيروت.
  10. ميخائيل، د، القس لبيب، قراءة في التوراة، ط1، دار النور، أميريكا، 1997م.

List of Sources and References:

  1. Al Hurrani, Al Sayyid, Mozakkerat Al Duktur Mustafa Mahmoud, Edition07, Darul Kootub Lil Nashr Wal Taozee, Cairo, Egypt, 2014 AD.
  2. Ghareeb, Mamoon, Mustafa Mahmoud Mufakkiran Islamiyyan, Darul Faisal Lil Taleef Wal Tarjama Wal Nashr, 1988 AD.
  3. Fauzee, Eaterafaatu Mustafa Mahmoud, Darul Nashr Hatiyah, 1994 AD.
  4. Al Majzoob, Mumammad, Ulamau Wa Mufakkiroon Araftuhum, Part 1, Edition 04, Dar Al Shuwwaf Lil Nashr Wal Taozee, Cairo, Egypt, 1992 AD.
  5. Al Huaree, Muhammad, Aalamul Adab Al Arabi Al Muasir, Darul Kutoob Al Ilmiyah, Lebanon.
  6. Mahmoud, Doctor Mustafa, Allah Wal Insan, Darul Jamhuriya, Egypt.
  7. Mahmoud, Doctor Mustafa, Rajulun Tahtas Sifar, Edition 06, Darul Maarif, Cairom Egypt.
  8. Mahmoud, Doctor Mustafa, Rehlati Minal Shakki Elal Eman, Edition 09, Darul Kutoob Lil Nashr Wal Tauzee, Cairo, Egypt.
  9. Mahmoud, Doctor Mustafa, Al Taiqu Elal Madinah, Edition 01, Daul Aaudah, Beirut, Lebanon.
  10.  Mahmoud, Doctor Mustafa, Qra.Atun Fil Taurat, Edition 01, Darul Noor, America, 1997 AD.

هوامش:


[1] السيد الحراني، مذكرات د، مصطفى محمود، ط7، دار الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014م، ص: 18.

[2]  د، مصطفى محمود، رجل تحت الصفر، ط6، دار المعارف، القاهرة، مصر، ص: 96.

[3]  المصدر نفسه، ص: 13.

[4]  المصدر نفسه، ص: 50.

[5]  المصدر نفسه، ص: 48.

[6]  المصدر نفسه، ص: 74.

[7]  المصدر نفسه، ص: 72.

[8]  المصدر نفسه، ص: 65.

[9]  المصدر نفسه، ص: 14.

[10]  المصدر نفسه، ص: 96.

[11]  المصدر السابق، ص: 97-98.

[12]  المصدر نفسه، ص: 74.