التعالق السردي بين السرد الروائي والسرد التاريخي : ليون الإفريقي وربيع قرطبة نموذجا

عزيز المحساني

ملخص:

 إن الرواية نمط أدبي سردي وليد الحداثة، وفن إبداعي نتج من تعقيدات ومخاض الحياة المعاصرة الغربية، والإشكالات التي طرحتها النهضة الأوربية وما تبعها من محطات تاريخية كبرى؛ قلبت كيان الإنسان المعاصر وألقت به في دوامة من الاحتمالات اللا نهائية، دفعته إلى الشك والقلق، والبحث عن اليقين، بعيدا عن العقائد والأفكار التي حكمت الإنسان الوسيطي. وقد مثلت الرواية لدى الإنسان الغربي الجنس الأدبي الأقدر على التعبير عن حياته المعاصرة، ونقل الاحتمالات اللانهائية التي ألقته فيها الحداثة.

هذا السياق الذي ولدت فيه الرواية، جعلها تفرض نفسها في الساحة الأدبية: إبداعا ونقدا وتلقيا، فأصبح لها عشاقها ومريدوها. إلا أن هذا الجنس الأدبي الفريد من نوعه يميزه عن باقي الأجناس الأدبية قدرته الكبيرة على التجديد، واستيعاب ما يحيط به من أشكال تعبيرية ومعرفية، وصياغتها في قالب سردي. خلق أثرا بالغا في الرواية العربية من خلال أعمال وصلت إلى العالمية، وأنتجت تراكما يساير الأنماط والأساليب السردية التي أنتجتها الرواية العالمية، والغربية بالخصوص. تهدف هذه الدراسة إلى البحث في مستويات التعالق السردي بين النصين التاريخي والروائي، من خلال عملين روائيين لكاتبين عربيين، لهما صيتهما  الأدبي والفكري في الوطن العربي، وخارجه، هما: الكاتب المغربي حسن أوريد من خلال روايته: ربيع قرطبة، والكاتب اللبناني نبيل معلوف من خلال روايته: ليون الإفريقي، في محاولة للبحث في الكيفية التي تعاملت بها الرواية العربية مع التاريخ.

الكلمات المفتاحية: التعالق السردي ـ الرواية ـ التاريخ ـ التناص

Summary:                            

The novel is a narrative literary style that sprung with modernity; it is a creative art that resulted not only from the complexities and pains of contemporary Western life, but also from the problems posed by the European Renaissance and the major historical events that followed. It overturned the entity of the contemporary human beings and threw them into a whirlpool of endless possibilities, which pushed them to doubt and anxiety, then to search for certainty away from the beliefs and ideas that ruled medieval people. For Westerners, the novel represented the literary genre best able to express one’s contemporary life, and convey the endless possibilities resulting from modernity.

The emergence of the novel in this context, made it impose itself in the literary arena, either through creativity, criticism or reception. However, this unique literary genre is distinguished from other literary genres by its great ability to renew, absorb the expressive and cognitive forms that surround it, and also to formulate them in a narrative form. It created a great impact in the Arabic novel through widely spread works in the world, and produced a heritage that goes hand in hand with the Western novel in particular.

This study aims at investigating the levels of narrative interdependence between historical texts and narratives, through two novels by Arab writers, who have a literary and intellectual reputation in the Arab world and abroad, namely: Moroccan writer Hassan Ored through his novel: Rabi’a Cordoba) The Spring of Gordoba), and Lebanese writer Nabil Maalouf with his novel: The African Lyon, in an attempt to research how the Arabic novel dealt with history

مقدمة:

    إن الرواية جنس أدبي نثري سردي حديث عهد في الثقافتين العربية والغربية. ولعل الإجماع الحاصل بين مؤرخي الأدب والنقد الروائي يرجع أقدم النصوص الروائية المعترف بها، والمستقلة عن باقي الأجناس الأدبية خصوصا تلك الأجناس الكبرى التي خلدت المآثر والأعمال العظيمة للإنسان، والتي امتازت بقوالبها الفنية، ولغتها الخاصة وموضوعاتها المتنوعة،  إلى القرن السابع عشر في الأدب الغربي[1]، وبداية القرن العشرين  في الأدب العربي.

    وهي جنس من أرقى الأجناس الأدبية وأكثرها قدرة على التعبير من غيرها عن الحياة المعاصرة، والقلق والمعاناة الوجوديين اللذين بات يعيشهما الإنسان الحديث. فإن كانت الأزمنة القديمة قد اختصت بأجناس أدبية فرضت سطلتها وأغرت عشاقها، وألهمت كتابها. فإن لسان العصر الحديث بدون منازع هو الرواية، جنس تخيلي غير مكتمل ودائم التطور، يمتاز بقدرة فائقة على التقاط لحظته الزمنية وتوطينها في تناسق كلي بين الشكل والمضمون، وببنيته المعقدة. اللغة هي مادته الأولى، والخيال عنصر حياة هذه اللغة وأساس نموها وترعرعها، والتقنيات هي أداة تشكيل هذه اللغة المشبعة بالخيال[2]. ولا ينفي هذه الحظوة القول بأن الرواية تسير نحو أجلها المحتوم، وأن زمن ريادتها قد انتهى، وقد جاء وقت إعلان موتها؛ وإنما الأمر في حقيقته يرجع إلى المضايق والمنعرجات التي سلكها كبار رواد الرواية والتي حشرتها في أنماط محدودة، زاد من فرط هذا الإحساس بالانتهاء اعتبار هذه الأنماط هي منتهى ما يمكن إنتاجه.

  إن هذا الجنس الأدبي الفريد والمتميز أضحى جنسا أدبيا كليا رحميا يستوعب باقي الأجناس الأدبية وغير الأدبية، ويتسم بخصائص مشتركة مع أجناس أدبية بالقدر الذي يتفرد بسماته الخاصة الحميمة، وبطرائقه المائزة، وهو الأمر الذي يجعل من العسير على القارئ تعريفه تعريفا نهائيا. ولعل هذا الطابع العام الذي يميزه جعل منه “جنسا تعبيريا “غير منته” في تكوينه، مفتوحا على بقية الأجناس الأدبية الأخرى ومستمدا منها بعض عناصرها، مما جعله خطابا “خليطا” متصلا بسيرورات تعدد اللغات والأصوات، وتفاعل الكلام والخطابات والنصوص، ضمن سياق المجتمعات الحديثة”[3]. فالرواية لا تلفي غضاضة في أن تغني نصها السردي بالمأثورات الشعبية والمظاهر الأسطورية والملحمية[4]، والأبيات الشعرية، والرؤى الفلسفية والحقائق العلمية، والوقائع التاريخية…بالقدر الذي لا يجعل منها جنسا غير الرواية، ويحقق لها الوظيفة الفنية والدلالية المتوخاة؛ إنها نقطة تقاطع وتداخل الأجناس الأدبية، وغير الأدبية.

    لذلك ستسعى هذه الدراسة إلى البحث في وجه من وجوه هذا التداخل والتقاطع للنص الروائي مع جنس غير أدبي، ربطتها به صلة حميمة ذهبت بأصحاب النزعة التاريخية إلى القول بأنه والرواية مترابطان ترابطا عضويا، وتلك هي الصورة التي كانت عليها الرواية لدى بلزاك[5]، ودفعت بلزاك نفسه إلى اعتبار الرواية حليفا للتاريخ، ولعلها كانت مجرد مرحلة كانت الرواية فيها لم تفرض سلطانها الأدبي بعد[6]. بحث في مستويات التعالق السردي بين النصين التاريخي والروائي، والتحويرات الحادثة على النص التاريخي في البناء السردي الروائي، أو تهجين النص الروائي بامتصاصه للنص التاريخي، وتحويله من نص سردي غير أدبي إلى نص أدبي من خلال أشكال سردية مختلفة من سيرة ويوميات وأدب رحلة ومقامات… و لكن بطرائق تختلف جذريا عن الرواية التاريخية التي تكتب التاريخ كما ترويه كتب التاريخ والروايات الرسمية للمؤرخين، ولكن كتابة مغايرة أي بالطريقة التي لم يكتب بها أو التي كان من المفترض أن يكتب بها.

     كما تسعى للكشف عن بعض التقنيات السردية التي تستعملها الرواية الجديدة، وتحول بها النص التاريخي من نص حقيقي إلى نص متخيل؛ يفتح مجالات جديدة لتعدد الأصوات للرواية التاريخية التي تصبح ناقلة لأحداث ووقائع تاريخية من وجهات نظر متعددة، وتخلق عوالم تخييلية جديدة تغري القارئ وتشده، وتقدم رسائل مشفرة عن إمكانات وأوضاع حياتية مطلوبة ومرغوبة، أو نقدا لأوضاع ومسالك غير صحيحة من وجهة نظر الروائي.

     وللكشف عن مستويات التعالق الحادثة بين النصين التاريخي والروائي في الرواية العربية، والتحويرات التي أحدثت عليه، اخترت نصين لكاتبين روائيين بخلفية ثقافية متنوعة تجمع بين الثقافة العربية والثقافة الأجنبية، ولهما أعمال روائية شدت قراءها بتنوع أسئلتها وتعدد رؤاها. نصان يمتحان من تاريخ واحد هو التاريخ الأندلسي، ويخلقان عوالم تخييلية جديدة بتقنيات سردية متنوعة، هما: ” ليون الإفريقي” للكاتب والصحفي اللبناني أمين معلوف، و”ربيع قرطبة” للكاتب والسياسي المغربي حسن أوريد.

     منطلقة من إشكالية رئيسة، وهي: إلى أي حد يمكن القول بأن العملين الروائيين يعكسان التفاعل والتعالق الحاصل بين السرد التاريخي والسرد الروائي، وقدرة الرواية العربية على الاستفادة من الإمكانيات السردية للنص التاريخي في بناء نصوصها التخييلية، وما هي مستويات هذا التعالق؟ 

  1. مدخل مفاهيمي:
  2. التعالق السردي: النشأة والمفهوم.

    لعل التفاعل بين النصوص، والأصداء التي تتركها نصوص سابقة في أخرى لاحقة؛ قد شكل نقطة اهتمام لمجموعة من النقاد والباحثين في مجال الدراسات اللغوية والأدبية، وأعطيت لها أهمية خاصة من خلال البحث في مجموع الأشكال والتمظهرات والأساليب التي تتفاعل به النصوص فيما بينها، إما بطريقة واعية من المبدع، أو بغير وعي. وقد اختص ثلاثة من الباحثين الأوربيين بدراسة هذه الظاهرة، ووضع مجموعة من المصطلحات لتعريفها وتحديدها، وهم: ميخائيل باختين، وجوليا كريستيفا، وجيرار جينيت.

    أما باختين فقد تنبه من خلال اشتغاله على أعمال دوستوفسكي، وفرنسوا رابلي إلى وجود آثار لنصوص سابقة من التاريخ والفولكلور والأدب الشعبي، وأطلق على هذه الظاهرة الحوارية. ومن منطلق أنه “لا يوجد تعبير لا تربطه علاقة بتعبيرات أخرى، وهذه العلاقة جوهرية تماما، ولذا فإن النظرية العامة للتعبير هي ،في منظور باختين، انعطافة لا يمكن تفاديها كي نصل إلى دراسة هذا المظهر من مظاهر المسألة. والمصطلح الذي استخدمه للدلالة على العلاقة بين أي تعبير وتعبيرات أخرى هو مصطلح الحوارية”.[7]

   إن باختين قد مهد الطريق أمام جوليا كريستيفا لتضع مصطلح التناص الذي يعني تشكيل نص جديد من مجموعة من النصوص السابقة، من خلال امتصاصها وتحويلها، ليصبح النص”عبارة عن فسيفساء من الاقتباسات، وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى”[8].

    أما جيرار جينت فقد تحدث عن المتعاليات النصية، وعنى بها نوعا من المعرفة التي ترصد العلاقات الخفية والواضحة لنص معين مع غيره من النصوص، سواء كان ذلك بقصد أو دون قصد. وقد حاول من خلال هذا المفهوم رصد مختلف أوجه التفاعل النصي وأنماطه، وإن كان همه الأساس يتركز على ما يسمى بالتعالق النصي. وقد حدد له خمسة أنماط، هي: معمارية النص، والتناص، والميتانص،  والمناصة، والتعلق النصي.[9]

     لقد شكل هذا المنجز الذي راكمه هؤلاء الباحثون وغيرهم في مجال الدراسات السردية قيمة مضافة؛ سمحت بالكشف عن كل التفاعلات والتقاطعات النصية، وآثارها في بناء نصوص سردية جديدة.

   من هذا المدخل يسعى مفهوم التعالق السردي إلى البحث في الآثار الظاهرة والخفية الحادثة بين النصين التاريخي والروائي، من منطلق كونهما نصين سرديين، وهي أخص سمة تميزهما عن غيرهما من النصوص المتنوعة التي تتقاطع مع النص الروائي، وينفتح لها. وهو الأمر الذي استحسن فيه استعمال التعالق السردي عن مثيله التعلق النصي، الذي يعني تحويل نص سابق إلى نص لاحق بشكل كبير وبطريقة مباشرة[10].مما يجعله يصف نمط واحدا من مختلف  التفاعلات الحادثة بين النصين التاريخي والروائي.

  • التاريخ والرواية: الحدود والتقاطعات.

     لعل الفروق بين التاريخ والرواية لا تكاد تحصى: مادة وبناء ومقصدا، وإن كانا نصين سرديين، فالتاريخ يجعل من الواقع مصدرا لمادته وموضوعا له، على عكس الرواية التي تجعل مادتها وواقعها مستمدا من الخيال، أما بناء مادته فهو يخضع لنمط واحد يتخذ شكلا خطيا من الماضي نحو الحاضر، الأمر الذي تجاوزته الرواية بابتكارها لمجموعة من الأنماط والطرائق في عرض مادتها؛ وصلت إلى درجة التعقيد، خصوصا مع الرواية الجديدة. أما المقصد الذي يراهن التاريخ على تحقيقه هو العبرة والمعرفة بوقائع صادقة وموضوعية، في حين أن الرواية تحقق مجموعة من الوظائف الجمالية والإقناعية والإمتاعية بوقائع متخيلة، تأخذ صدقيتها من تماسك عناصرها وترابطها، وقابليتها للفهم والتأويل.

     أما الحديث عن علاقة الرواية بالتاريخ، فهي علاقة تعود في الزمن إلى نشأة الرواية، الذي تزامن مع صعود علم التاريخ في الغرب. فقد “تزامن صعود الرواية الأوربية في القرن التاسع عشر، مع صعود “علم التاريخ” اتكأ الطرفان على مقولة الإنسان الباحث عن أصوله، بعد أن رأى في ذاته أصلا لما عداه: تعاملت الرواية مع إنسان دنيوي متعدد الطبقات، ورحل “علم التاريخ” إلى غرفة الماضي المظلمة، منقبا عن آثار الإنسان في ماض تحرر من التأويل الأسطوري”[11]. ساهمت في هذا الوضع مجموعة من العوامل الموضوعية المتصلة بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي عرفتها المجتمعات الغربية التي عززت من مكانة الإنسان والمعرفة العلمية، والطبقة البرجوازية وتنامي الشعور القومي.

    أما الرواية العربية فقد كانت بدايتها مع أوائل القرن العشرين، لكن ميلادها لم يتزامن مع صعود علم التاريخ، أو غيره من العلوم[12]، في شروط غير تلك التي ولدت فيها مثيلتها الأوربية. ولعل الدافع الذي وجه الروائيين العرب إلى التاريخ هو تنامي الشعور القومي والوطني، في فترة شهدت فيها الأمة العربية معارك ضارية ضد الاستعمار، وكانت بحاجة إلى استدعاء التاريخ لاستلهام النماذج البطولية، والإعلاء من الشعور القومي والوطني في وجه المحتل، إلى حد إضفاء أبعاد أسطورية على أبطالها. وكذلك للتدهور الذي مس المجتمعات العربية فجعلها بحاجة ماسة لمنقذ. “لذا فإن هذا التوجه نحو التاريخ، الذي استمر في السيطرة على الخطاب التخيلي، طوال النصف الأول من القرن، تحت الظروف السوسيوسياسية، خصوصا في البلدان التي طالت مرحلة استعمارها، سرعان ما بدأ في الخفوت شيئا فشيئا، إلى أن أصبح مستبعدا من طرف الروائيين الجدد الذين فضلوا أن يضلوا واقعيين إلى حد كبير، بالتخلي عن التاريخ.”[13]

  إن الروائي الحديث لم يقطع علاقته بالكلية مع التاريخ، لكنه غير من طرق تعامله معه. فأصبح التاريخ  مظانا يستلهم منه جزئيات مادته من أحداث وشخوص ومعان وعناصر بنائه السردي، من خلال وسائل أسلوبية تتصل بالتفاعل النصي بين التاريخ والرواية، والتعالق السردي بينهما، ليبني عوالمه التخيلية، ويقدم رؤيته للعالم والكون. 

  1. مستويات التعالق السردي في روايتي “ليون الإفريقي”، و”ربيع قرطبة”:

     رواية “ليون الإفريقي” هي أول عمل روائي للكاتب اللبناني الأصل الفرنسي الجنسية أمين معلوف. نشرها بالفرنسية عام 1986 ،نشرت ترجمتها للعربية دار الفاربي، من مجموع أعماله الروائية، ومنها رواية “سمرقند” (1968)، و”حدائق النور” (1991)، و”القرن الأول بعد بياتريس” (1992)، و”صخرة طانيوس” (1993)، و”سلالم الشرق” (1996)، و”رحلة الداسار” (2000)، و”التائهون” (2012)، بطلها الرحالة والعالم والسفير الأندلسي الحسن بن محمد الوزان، المعروف بعد أسره وتعميده في البلاط البابوي ب”ليون الإفريقي”.

    أما الرواية الثانية فهي “ربيع قرطبة” للكاتب المغربي حسن أوريد صدرت سنة 2018 بعد روايته “رواء مكة” (2017) و”رباط المتنبي” (2018)، وهي حلقة من مجموعة من الأعمال الروائية التي أصدرها، والتي ابتدأها بالـ”موريسكي”(2011)، و”الأجمة” (2014)، و”سيرة حمار” (2014)، وختمها برواية “الحديث والشجن” (2020). تستوحي الرواية بطلها من شخصية تاريخية عاشت في الفترة الذهبية للمسلمين بالأندلس، شخصية الخليفة الثاني الحكم المستنصر بالله، ثاني خلفاء بني أمية بالأندلس بعد والده عبد الرحمن الناصر لدين الله الذي أعلن الخلافة سنة 922م.

   لعل ما يجمع العملين أكثر مما يفرقهما، لا من جهة مؤلفيهما اللذين يشتركان في مجموعة من السمات المعرفية والخلفيات الثقافية، والظروف السياسية التي مرا بها، فدفعت الأول إلى أن يرحل عن وطنه مهاجرا، وفرضت على الثاني أن ينأى بنفسه عن مضمار السياسة إلى محراب الكتابة، ويملكان رؤى متقاربة، ووجدا في الكتابة الإبداعية فسحة للتعبير عنها وإيصالها. ولا من جهة استدعائهما لشخصيتين تاريخيتين أندلسيتين، لينقلا من خلالهما رؤاهما للعالم والواقع. مع وجود فارق نوعي يخص زمن الاستدعاء، فأمين معلوف اختار لحظة سقوط غرناطة ليصحب بطله في رحلته الاستكشافية الطويلة، وحسن أوريد اختار فترة الازدهار ومن قلب قرطبة ليسترجع مع بطله سيرة حياته في السلطة والحكم من منظور الإنسان الخالص، لا الحاكم الخليفة، في اعتراف ناقد للسلطة وأدواتها من الداخل.

    هذان العملان أقيما بعناصر سردية مستوحاة من خطابين سرديين، تعالقا فخلقا نصين أدبين متميزين توفرت لهما كل مقومات العمل الروائي الناجح. وللكشف عن أوجه هذا التعالق السردي ومستوياته والأبعاد الفنية والدلالية التي حققها للنصين. سنحاول رصد مواطن هذا التعالق وتأولها من أجل القدرة على فهم الخلفيات والرؤى الكامنة، والوظائف التواصلية والتداولية والإيديولوجية المراد تحقيقها.

  1. العتبة العنوان:

     يعد العنوان عنصرا مهما، وسمة لسانية مميزة لأي عمل أدبي. أيقونة تزين الوجه الأمامي لأي منتج، وبؤرة دلالية وجمالية تؤدي مجموعة من الوظائف في العملية التواصلية والتداولية. فاختيار العنوان المناسب وصياغته اللغوية، وصبه في قالبه الجمالي ينم عن قدرة ومعرفة وتدبير ومكر في كثير من الأحيان، وهو المفتاح للنفاذ لعالم النص. عمل غير اعتباطي يحمل في ذاته آثار نصية سابقة عليه. ومن هذا المدخل يكون السؤال عملا مشروعا عن التعالق السردي الحاصل في اختيار كل من أمين معلوف وحسن أوريدلعنواني روايتيهما.

   اختار معلوف “ليون الإفريقي” عنوانا لروايته، اسم ذو حمولة تاريخية، لشخصية تاريخية حقيقة عربية إسلامية، هي الحسن بن محمد الوزان الفاسي، عرفت في المصادر الأجنبية بليون الإفريقي. ولكن هذا الاختيار من معلوف لاسم يحدد مرحلة تاريخية من حياة هذه الشخصية كان فيها أسيرا لدى بابا الفاتيكان دون الاسم الحقيقي الذي سمي به وهو ينعم بحريته، يكون اختيارا محط سؤال.

   أما أوريد فقد اختار لروايته “ربيع قرطبة”، اسما مركبا يحمل جزؤه الأول دلالة زمنية “ربيع” فصل من فصول السنة، وذروة عطائها، والثاني”قرطبة” أحد حواضر الأندلس الفردوس المفقود، ولقد جعله تركيبا إضافيا للدلالة على حمولة تاريخية تحيل على لحظة منيرة من تاريخ الأندلس. لكن الروائي استدعى دلالتها الضدية في متن الرواية “خريف قرطبة” على لسان الراوي:”هو الربيع، ربيع قرطبة، ولكنني لا أشعر بشيء. ما أخشاه أن يكون الشعور المتستر في وجداني هو خريف الأندلس[14]، وهو الأمر الذي قد يجعل العنوان يخرج من دلالته على الثناء إلى التعريض والتبكيت. وهو في حقيقته يجعل من العنوان إذا وضع في السياق العام للرؤيا التي تؤطر الرواية يقع في انزياحين؛ انزياح من وظيفته التواصلية إلى التداولية، ومنها إلى الوظيفة الإديولوجية.

   من هذا كله يتضح وجود تعالق دلالي بين التاريخ وعنواني الروايتين، وهو ما تفرضه طبيعة العمل القائم على استدعاء لحظتين زمنيتين من التاريخ، لا لذاتهما ولكن للعبور للحاضر، بشرعية الماضي وقداسته. واختيار الروائي الذي يسعى إلى خلق عمل فني حديث بتوظيف عناصر تاريخية سابقة.    

  • البناء المعماري:

إن لكل خطاب أدبي مبناه الخاص، وقالبه الذي يقدم فيه، ويعرف به، ويجعله مميزا عن غيره من الأعمال، ويحمل جزءا من معناه، بل يكون في الرؤى الجمالية الخالصة هو المعنى نفسه. ولا يغير من حقيقة هذا الأمر ما قد يطرأ عليه من تجديد وتغيير، فهو لا ينتزع الأصل وإنما يحسنه ويجمله. لكن هذه المرونة في المبنى قد لا تكون بدرجة متساوية بين كل الأجناس الأدبية، ولعل الجنس الأقدر على تشكيل مبناه وتغييره بدرجة أكبر من غيره، قد يكون الرواية دون منازع. ولعل تفاعلها مع النصوص الأخرى، وامتصاصها لعناصرها، ومبانيها، جعلها تتبدى في حلل مختلفة، والنص التاريخي واحد من هذه النصوص.  وهذا ما يجعل البناء المعماري للنصين الروائيين محط سؤال عن التعالق الحادث بين مبناهما السردي ومبنى السرد التاريخي.

   في نص معلوف يتضح التعالق شبه الكامل بين السردين التاريخي والروائي. فمعمارية نص الرواية شيدت على خطية زمنية مرتبة بحسب السنين والأحداث تبدأ مع ولادة الحسن الوزان سنة 894 ه ( 5 كانون الأول “ديسمبر” 1488م ـ 24 تشرين الثاني ” نوفمبر” 1489م)، وتنتهي مع نزوله على سواحل تونس هاربا من أسره سنة 933ه (8 تشرين الأول “أكتوبر” 1526م ـ 26 أيلول “سبتمبر” 1527م) تماثل التأريخ الحولي في التاريخ، والذي يورد الأحداث والوقائع مرتبة على حسب سنين وقوعها، وهو ما يترك الأحداث منقطعة عن سياقها، الأمر الذي تجنبه الروائي من خلال توظيفه للقالب الفني للرحلة، راويا على لسان الحسن الوزان ما جرى معه من أحداث وما صادفه من صعاب من منفاه غرناطة مرورا بفاس والقاهرة وروما إلى أن حطت به عصا الترحال في تونس هاربا من الأسر، ومحدثا تعلقا نصيا مع كتاب أبي الحسن الوزان “وصف إفريقيا” مقسما روايته إلى أربعة كتب:

  • كتاب غرناطة: ( من 894ه إلى 899ه).
  • كتاب فــــــــــــاس: (من 955ه إلى 918ه).
  • كتاب القاهرة: (من 919ه إلى 924ه).
  • كتاب رومــــــــــا: (من 925ه إلى 933ه).

   مشاكلا في ذلك ما قام به الحسن الوزان في مؤلفه وصف إفريقيا والذي قسمه على أقسام، جاعلا كل قسم خاصا بمكان بعينه (مملكة مراكش ـ مملكة فاس ـ مملكة تلمسان ـ مملكة تونس ـ نوميديا ـ بلاد السودان ـ مصر).

     هذا التقسيم الذي أحدثه الروائي لنصه لم يتركه منقطع الأوصال، وإن كان السرد يربط بين مجموع أحداث الرواية من بدايتها إلى نهايتها، بل قدم لكل قسم (كتاب) بعتبات نصية تمهيدية تفظي بالقارئ في سلاسة ويسر إلى بؤرة الأحداث اللاحقة، وتوهمه بواقعية الأحداث، وتجعله يشارك فيها، ويقتنع بوجهة نظر الراوي الذي يقدمها باعتباره مشاركا فيها ويعيشها، لا هو غائب عنها غير مكترث بها. هذه العتبات النصية هي مقاطع يتجه فيها الراوي/البطل إلى ابنه ،المخاطب المفترض، بالخطاب.

  في العتبة التمهيدية الأولى من كتاب غرناطة، يقول:”ختنت، أنا حسن بن محمد الوزان، يوحنا ـ ليون دومدتشي، بيد مزين وعمدت بيد أحد البابوات، وأدعى اليوم “الإفريقي… وستبقى بعدي يا ولدي، وستحمل ذكراي…”[15]، وفي العتبة الثانية من كتاب فاس، يقول:” كنت في مثل سنك با بني، ولم أر غرناطة قط بعد ذلك. فلم يشأ الله أن يكتب قدري برمته في كتاب واحد…[16]، وفي عتبة كتاب القاهرة، يقول:”كانت القاهرة عندما وصلت إليها يا بني قد أصبحت منذ قرون عاصمة مهيبة لإمبراطورية…[17]، وفي عتبة كتاب روما، يقول:”…وهكذا كنت عبدا يا بني، وقد سرى العار في دمي…”[18]. ونفس صيغة الخطاب يختم بها الروائي نصه، إمعانا في الإيهام على لسان راويه/البطل:”مرة جديدة يا بني يحملني هذا البحر الشاهد على جميع أحوال التيه التي قاسيت منها…”.[19]

     على خلاف ما درج عليه أمين معلوف في روايته، وهو الحفاظ على التسلسل الزمني لأحداث روايته على نفس النسق الذي جرت عليه في الواقع التاريخي، وإن حاول كسر تلك الخطية من خلال تقنيات سردية ونصية، فإن حسن أوريد حاول في الفصول السبعة عشر الانفلات من قبضة السرد التاريخي، وسلطة جريان الأحدث، فجعل مرض موت الخليفة الحكم بن عبد الرحمن الذي هو حدث سابق على وفاته في بداية روايته في الفصل الأول منها. وجعل من الفصل الثاني البداية الفعلية لتسلسل الأحداث والوقائع كما وردت في التاريخ، من طفولة الحكم إلى شبابه ثم توليه الحكم إلى وفاته. وما تخللها من حروب وفتن وخيانات وانتصارات وهزائم وحب وكراهية…لكن تسلسل هذه الأحداث لم يترك على انسيابيته، بل لجـأ الروائي إلى تقنيتي الاسترجاع والاستشراف لوقف تدفق الأحداث من جهة، ومن جهة ثانية لسد الفراغات المتروكة في السرد التي تتعلق بالأحداث والشخصيات والتي لا يمكن في بعض الحالات فهم الوقائع اللاحقة دونها، ولتوسيع أفق انتظار القارئ، وتشويق لما سيأتي من أحداث.

     من الاسترجاعات التي نجدها في الرواية وهي الأطول، وقد استغرقت تقريبا فصلين من الرواية ،من الفصل الخامس إلى نهاية الفصل السادس، استرجاع أخبار أمراء وخلفاء بين أمية بالأندلس من جدهم عبد الرحمن الداخل الملقب بصقر قريش إلى عبد الرحمن الناصر. أما الاستشراف فأغلبها من نوع الاستشراف الإعلان، الذي يقوم بإخبارنا بصراحة عن سلسلة الأحداث التي سيشهدها السرد في وقت لاحق[20]. ونجده في مواضع كثيرة يتجه فيه الراوي/ الشخصية الرئيسة إلى مخاطبه زيري معلنا أحداث لاحقة سيحكيها له، ومن ذلك مثلا،  قوله:“ينبغي أن أحدثك عن عبد الرحمن الناصر، بل ينبغي أن أحدثك عن عبد الرحمن الداخل…ينبغي أن أحدثك عنهما، ولكن دعني أكمل الحديث عن مراسم إقامة الحد”[21]، و“وتخلف أخي عبد المالك لأمر، لسوف أحدثك عنه”[22]. إن هذه الإعلانات عن أحداث لاحقة، هي عملية استباقية لما سيأتي من الأحداث التي سيحكيها الراوي/ البطل إلى كاتبه الخاص، وقد تكون هذه الأحداث سابقة زمنا في السرد التاريخي متأخرة في السرد الروائي. مع العلم أن فصول الرواية السبعة عشر لم ترقم ولم تعنون، وتركت مفصولة عن بعضها ببياض، قد يكون هذا البياض مؤشرا على التوقفات الحاصلة من الراوي في سرده لقصته لكاتبه زيري، وهي فترات سكوته عن الحكي، نشدانا للراحة من المرض أو حاجات أخرى، ويصدق هذا الافتراض ما نجده بين نهايات بعض الفصول وبدايات فصول جديدة، مثلا في نهاية الفصل الخامس يقول:” ينبغي أن أستريح يا زيري. أستأذنك لبعض الوقت. يمكن أن تنتظرني بجناح المنية. سأخلو مع خادمي جوذر[23]، ويبدأ الفصل الموالي بقوله:” أين كنا من حديث؟ توقفنا عند عبد الرحمن الناصر”[24] ونهاية الفصل السابع وبداية الثامن  ونهاية الفصل الثامن وبداية التاسع، ونهاية الفصل السادس عشر وبداية السابع عشر.

   مما سبق يتضح جليا وجود تعالق سردي بين السرد التاريخي والروائي في معمارية العملين، وأن كلا من أمين معلوف وحسن أوريد استعملا تقنيات سردية متنوعة، ليحدا من المطابقة الكلية بين أحداث الرواية وأحداث التاريخ، وهو ما أضفى على العملين جمالية، وقدرة على التأثير في المتلقي. هذا دون إغفال القدرة على ملء الفراغات التي تركتها الرواية التاريخية، بعناصر من خيال الروائيين؛  وهو ما فتح الباب أمامهما لتأثيث عالميهما الروائيين بعناصر مستحدثة متخيلة.

  • التناص:

     إن الروائي في إقامته للتعالق بين السردين الروائي والتاريخي، لا يقف عند هذا الحد، بل يسعى لاستدعاء نصوص أخرى من مجالات متنوعة، من أجل تأسيس شرعية لنصه، وصياغة مرجعيات ثقافية ومعرفية وأخلاقية لشخصياته، وإقناع قارئه بآرائه وأفكاره وبرؤيته للحياة والعالم. وهو الأمر الذي نجده حاصلا في أغلب الأعمال الروائية التي تستدعي نصوصا تاريخية. فطبيعة الشخصية الروائية، وخلفيتها الثقافية، ومكانتها الاجتماعية، وأبعادها الدينية والتاريخية؛ ألزمت الروائيين حشد مجموعة من النصوص، منها ما هو أدبي ومنها ما هو غير أدبي.

   فأمين معلوف فرضت عليه شخصية الحسن الوزان متعددة المشارب، ومتنوعة الانتماءات، وكثيرة الترحال، والتقلبات إرفاقها بكثير من النصوص، والبغية تقديم شخصية متعددة متسامحة. نموذج للإنسان الذي يجب أن يكون في عالم تتقاتل فيه الهويات، والانتماءات. إنسان يرى فيه كل إنسان ـ مهما كانت هويته ـ نفسه، وهو ما عبر عنه بالنص الذي صدر به نصه الروائي، للشاعر الإيرلندي و.ب. ييتس:”لا ترتب مع ذلك بأن ليون الإفريقي، ليون الرحالة، كان أيضا أنا[25]. إنسان كوني متعدد لا يتخندق إلا في خندق الإنسان، بعيد عن القبائل والعشائر الكوكبية. ولقد عبر عن هذا المعنى على لسان شخصيته الرئيسية، بقوله:”ختنت، أنا حسن بن محمد الوزان، يوحنا ـ ليون دومديتشي، بيد مزين وعمدت بيد أحد البابوات، وأدعى اليوم “الإفريقي”، ولكنني لست من إفريقيا ولا من أوروبة ولا من بلاد العرب. وأعرف أيضا بالغرناطي والفاسي والزياتي، ولكنني لم أصدر عن أي بلد، ولا عن أي مدينة، ولا عن أي قبيلة. فأنا ابن السبيل، وطني هو القافلة وحياتي هي أقل الرحلات توقعا[26].

   ومن النصوص التي أثرت الخطاب الروائي في “ليون الافريقي” نجد آيات قرآنية[27]، أحاديث نبوية[28]، أشعارا[29]، خطبا[30]، مواعظ[31]، أقوالا مأثورة[32]، رسائل[33]، قصصا وأساطير[34]. ولأن أحداث الرواية تمت من خلال أمكنة متعددة وبين ثقافات متنوعة تمتد في البحر الأبيض المتوسط والصحراء الكبرى، فهذا جعل الروائي يحشد عددا مهما من أسماء الأعلام والأمكنة ( أبو الحسن علي بن سعد النصري ـ أبو عبد الله النصري ـ فرديناند ـ ايزابيلا ـ محمد البرتغالي ـ محمد الأعرج ـ ابن بطوطة ـ بايزيد السلطان سليم ـ عروج ـ السلطان قانصوه ـ طومان باي ـ السلطان سليمان ـ شرلمان…ـ قصر الحمراء قشتالة ـ غرناطة ـ أرغون ـ لوشة ـ مالقة ـ سجلماسة ـ ألمرية ـ فاس ـ وهران ـ الريف ـ تمبكتو ـ القاهرة القسطنطينية ـ روما…). 

   أما حسن أوريد فباختياره لشخصية الخليفة الحكم المستنصر ثاني خلفاء بني أمية، فقد كان ملزما بحشد مجموعة من النصوص التي تؤثث عالم شخصيته، خصوصا إذا كنا أمام شخصية عرفت بشغفها بالعلم والمعرفة، والحفاظ على الموروث الثقافي العربي والإسلامي الذي يخدم دولتها، ويعطيها الشرعية في الحكم في فضاء غير عربي.

       وقبل المرور إلى تحديد نوعية هذه النصوص، والوظيفة التي أدتها في بناء الخطاب الروائي، وتقديم نماذج لها، نقف عند النصين اللذين صدر بهما الروائي نصه، ومن المعلوم أن التصدير اقتباس يتموضع عامة على رأس الكتاب أو في جزء منه، وقد يكون فكرة أو حكمة تتموضع في أعلى الكتاب، أو أكثر دقة على رأس الكتاب أو الفصل. والمكان الأصلي للتصدير هو المكان القريب من النص، في أول الصفحة بعد الإهداء، وقبل الاستهلال[35]. وهما نصين شعريين، الأول لأحمد شوقي:

         بالأمس قمت على الزهراء أندبهم واليوم دمعي على الفيحاء هتان[36]

والنص الثاني لأمل دنقل:

بينما “السادة” في بوابة الصمت المملح يتلقون الرياحا ليلُفوها بأطراف العباءاتِ.. يدقوا في ذراعيها المساميرا…     وتبقى أنت      ما بين خيوط الوشي     زرا ذهبيا يتأرجحْ وقف “الأغراب” في بوابة الصمت المملحْ يشهرون الصلف الأسود في الوجه سلاحا ينقلون الأرض: أكياسا من الرمل      وأكداسا من الظل على ظهر الجواد العربي المترنح..    أمل دنقل، “بكائية لصقر قريش” [37]  

     لعل السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن ونحن نقرأ هذين النصين الشعريين، هو: ما الداعي لهذا الاختيار في التصدير؟ وما علاقته بالعنوان؟ خصوصا إذا علمنا أن من وظيفة النصوص التصديرية في علاقتها بالعنوان أنها تؤدي وظيفة تعليقية، فهي لا تبرر النص، ولكن تبرر عنوانه[38]. طبعا إذا علمنا السياقات التداولية للنصين، النص الأول من نونية أحمد شوقي في نكبة دمشق، والتي مطلعها:

مشَتْ على الرَّسم أّحداثٌ وأَزمان قم ناج جِلَّق، وانْشُدْ رسمَ مَن بانوا

والنص الثاني من ديوان أمل من ديوانه” أوراق الغرفة 8″ وهو آخر الأعمال الشعرية له، استحضر فيه محموعة من الرموز التاريخية منها صقر قريش، ولكنه استدعاه ليبكي واقع الهزيمة، في زمن البطولة المفقودة. سنؤكد ما قلناه سابقا في عتبة العنوان من أن ربيع قرطبة خرج به صاحبه إلى دلالة عكسية، تتجه إلى الذم والتعريض والتبكيت.

    أما النصوص التي أثث بها الروائي فضاءه السردي، وشكلت خطابه الروائي فهي نصوص تنوعت بين الآيات القرآنية[39] التي تأتي على رأسها عددا، ثم الأبيات والقصائد الشعرية التي تنوعت بين شعراء عاصروا فترة الحكم المستنصر بالله وقيلت في مناسبات خاصة وعامة، وأخرى لشعراء سابقين وردت لغايات مخصوصة مرتبطة بسياق الأحداث،[40] ثم الخطب وقد وردت بنصها أو بمضمونها[41]، ثم الرسائل[42]، ثم أقوال مأثورة منسوبة لأصحابها الحقيقين، أو وظفت دون نسبة حقيقية، والأمثال[43]، وهناك كذلك حضور للمسامرات[44]. ينضاف إلى هذه النصوص أسماء بعض المصنفات في الفقه ( موطأ الإمام مالك ـ متن ابن زيد القيرواني) والتاريخ (المقتبس في أخبار الأندلس) والأدب (الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني) واللغة (الأمالي لأبي علي القالي)، بل نجد خطبة كتاب أبي علي القالي والتي قدم بها لكتابه الأمالي حاضرة نصا. كما تتواتر في نص الرواية مجموعة من أسماء الأعلام والأماكن التي تحيل على دلالة تاريخية تحين النص الروائي ( عبد الرحمن الداخل ـ يحيى بن كنون ـ عثمان بن نصر ـ طارق بن زياد ـ ابن حفصون ـ محمد بن عبد البر ـ أبو علي القالي ـ أبو بكر بن قوطية ـ المنذر بن سعيد البلوطي ـ مسلمة بن عبد الله ـ ابن حمديس ـ الملك سانشو ـ جعفر الأندلسي زيري بن مناد الصنهاجي ـ الفاطميين ـ البورغواطيين ـ قرطبة ـ الزهراء ـ سجلماسة…) 

  • الشخصية القناع:

    لقد شكلت الشخصية محور الرواية التقليدية، وأساس قيامها، ونظر لها على أنها كائن حي له وجود فيزيائي؛ فوصفت ملامحها، وقامتها، وصوتها، وملابسها، وسحنتها، وأهواؤها، وهواجسها، وآلامها، وسعادتها، وشقاوتها… ذلك بأن الشخصية كانت تلعب الدور الأكبر في أي عمل روائي يكتبه كاتب رواية تقليدية،[45]إلا أن هذا الحضور تضاءل مع الرواية الحديثة؛ حتى عدت الشخصية مجرد كائن ورقي، ولم يتردد بعض نقاد الرواية وكتابها الإعلان عن موت الشخصية الروائية.

   إن النص الروائي يصبح مسرحا مفتوحا لتعدد الشخصيات الروائية التي تتعدد أهواؤها ورغباتها وتطلعاتها وطباعها وأفكارها وثقافاتها…فيصبح مجتمعا موازيا للمجتمع الحقيقي. ولكن الشخصية في حقيقة الأمر ليست إلا عنصرا في المبنى السردي إلى جانب الحبكة واللغة والفضاء والحدث…وأن الروائي  وحده من يمنحنا هذا الوهم بوجودها، ويجعلنا نصدق واقعيتها، وتصبح قناعا في بعض الأحيان يطل به على القارئ ليوصل إليه صوته وأفكار وقناعاته الحميمة.

    بقراءتنا للنصين الروائيين نجدهما يحفلان بعدد مهم من الشخصيات، من مشارب اجتماعية وثقافية وسياسية ودينية مختلفة. منها من له حضور حقيقي مرتبط بتاريخ الأحداث والوقائع، وبعضها الآخر هو من نسيج الخيال السردي للروائيين. خلقت لترميم الفراغات التي تركها التاريخ فيما يتعلق بالأفراد الأقل أهمية في صناعته للأحداث، أو لتكون ذات وظائف جمالية أو إيديولوجية، ويختلف حضورها بحسب الأدوار التي تؤديها. لكن بؤرة الأحداث ومحورها هي: شخصية الحسن الوزان، والحكم المستنصر. هاتان الشخصيتان اللتان هيمنتا على أحداث الروايتين، وكانتا الموجهتين لها، والصوت المعبر عن حقيقتها، ما هي في حقيقة الأمر إلا قناعا، يختفي خلفه المؤلف ليوجه أحداث روايته، ويعبر عن وجهة نظره. القناع يمثل شخصية تاريخية في الغالب، يختبئ خلفها المبدع ليعبر عن موقف يريده، أو ليحاكم نقائص عصره من خلالها. ويشترك في استخدام هذه التقنية الشعر والمسرح والقصة والرواية، ويمثل القناع خلق تاريخ جديد لا التاريخ الحقيقي[46] الذي كتبه المؤرخ بصوت الغالب والمتحكم. وهذا القلق من كتابة التاريخ نجد له حضورا في رواية “ربيع قرطبة”، حينما يحاكم التاريخ عن مشاركته للسلطة السياسية.

     إن اختيار أمين معلوف لشخصية الحسن الوزان ليس اختيارا اعتباطيا، فقد عودنا في أعماله على أن اختياره لأبطال رواياته يقوم على مواصفات خاصة تعبر عن رؤيته الفكرية التي عبر عنها في مختلف كتاباته النقدية وغير النقدية. فالرجل حذر أيما حذر في انتقاء كلماته، فما بالك في اختيار شخصيته، خصوصا إذا كانت لها حمولة ممتدة. يقول في هذا السياق في كتابه “الهويات القاتلة”: “علمتني حياة الكتابة أن أحذر الكلمات، فتلك التي تبدو أكثرها شفافية، هي في أغلب الأحيان أكثرها خيانة”[47]. فقد اختار عمر الخيام لروايته “سمرقند” شخصية تبحث عن قيم نبيلة في واقع منحط، تمثل باختياراتها المعرفية شخصية متسامحة، وفي روايته “حدائق النور” يقدم لنا شخصية مسالمة تكره الحرب وتنبذها، شخصية الفارس ماني العاشق للفن والثقافة والذي يدفع حياته ثمنا لقناعاته، وفي روايته “موانئ الشرق” نجد شخصية عصيان كتبدرا، المسلم متعدد الأصول، نموذجا للتسامح.

    لقد اختار أمين معلوف ضمير المتكلم صيغة لسرده، خصوصا وأن هذه الصيغة لها ارتباط حميم مع السيرة الذاتية، وتأتي في المرتبة الثانية بعد صيغة الغائب، ولهذا الضمير قدرة مدهشة على إذابة الفروق الزمنية والسردية بين السارد والشخصية والزمن، وكثيرا ما يتحول السارد نفسه في هذه الحالة إلى شخصية مركزية، ولهذا الضمير مجموعة من الوظائف الجمالية[48]. لكن هذا الضمير لم ينفرد بالسرد، وإن كان هو المهيمن فقد شاركته صيغتا الغائب والمخاطب. فاستعمل صيغة الغائب في نقل الأحداث الكبرى التي عاشها نقلا من الخارج ومعلنا حياده لما فيها من فتن وهرج ومرج، أما ضمير المخاطب فنجده حاضرا بقوة في مخاطباته لابنه جوسب (يوسف) في النصوص التي تصدرت الأقسام الأربعة للرواية وفي نهايتها.

     إن اختياره للحديث على لسان شخصيته الرئيسية لم يمنعه من كسر هيمنتها من خلال فتح الباب لشخصيات عمله لنقل الأحداث من وجهة نظرها الشخصي، وهو ما قد يوهم بتعدد الأصوات ووجهات النظر للأحداث التاريخية التي يرويها البطل. هذا الأمر نجده في القسم الأول من الرواية وبداية القسم الثاني، ففي خبر ولادته وما سبقها وما لحقها، وكذلك أخبار العرض الكبير تولت الأم نقل أحداثه[49]، أما أخبار سقوط غرناطة وما سبق ذلك من مفاوضات لتسليمها وما رافق ذلك من أحداث وصعاب فقد شارك في نقلها كل من الأم والأب والخال[50].

    أما اختيار حسن أوريد للحكم المستنصر بالله شخصية مركزية لروايته فقد جاء لقصد انفاذ رؤيته حول فلسفة السلطة وحدودها وأدواتها، وتسليط الضوء على الحدود بين فعل الإنسان باعتباره حيوانا أخلاقيا، والإنسان باعتباره حيوانا سياسيا. فالرواية التي اتخذت قالب الاعتراف، اعتراف الحكم في لحظاته الأخيرة بأفعاله، وهو في أصفى لحظاته، وبعيدا عن بريق السلطة، انتقدت نمط الحكم الذي ساد لقرون العالم الإسلامي، وحاولت رد الاعتبار للمظلومين؛ وبذلك فقد أصبحت شخصية الحكم قناعا للروائي يتحدث على لسانها ويوجه نقده للسلطة باعتبارها مؤسسة لا فردا. والشواهد في الرواية كثيرة جدا ننقل منها نماذج، يقول الراوي على لسان البطل:”عرفت سؤدد الملك وصولة السلطان وسباقهم من أجل الجاه واسترخاصهم من أجل ذلك كل القيم[51]، ويقول:” قواعد البيت الأموي ألا يكون في خدمتنا إلا من اقتلعنا لسانه ومحقنا ذكورته[52]، و” هي الدولة يا جوذر. أنا من لا يقوى على قتل ذبابة، أمرت بحز رؤوس،  وألقيت بأقوام في أتون الهلاك[53]، و”أننا نعيش بحد السيف، وقد ننتهي بحد السيف[54]، و” كل أسرة حاكمة تحتاج إلى جند يحميها وأصحاب قلم يدافعون عنها، ولكنها محتاجة إلى هذا وذاك، إلى بطانة تحفظ قواعدها وتصون أسرارها[55]. وهذا التوظيف إنما القصد منه نقد فعل السلطة الحالية القائمة، وطرق تدبيرها، وحدود التماس بين ما هو موجود وما يجب أن يوجد.

     أمر آخر يجب التنبيه إليه في عمل حسن أوريد هو أن محاكمته للسلطة السياسية، لم تقف عند الفاعلين، وأساليب الفعل، بل امتدت إلى التاريخ الذي نظر إليه بأنه حليف لهذه السلطة، والصانع لوجودها، والضامن لاستمرارها، والمصنوع تحت عينها، وبأمرها. ويتضح هذا الأمر في محاورات الحكم مع كاتبه البربري زيري، وهو يحثه على كتابة سيرة حكمه من وجهة نظره الشخصية لا كما يرويها مؤرخو الخلافة، ومن تصحيحاته وتعديلاته للرواية التاريخية، ومنها: نسبة الخطبة التي ألقيت في تنصيب عبد الرحمن الناصر إلى أبي علي القالي[56]، وقضية خطبة طارق بن زياد التي ألقاها في عبوره إلى الأندلس، هل بالعربية أم باللسان الأمازيغي؟[57]، وتسمية مدينة الزهراء[58].

   أما بالنسبة لأمين معلوف فطريقة إدراكه للعلاقة بين الرواية والتاريخ؛ توقع القارئ في نوع من التضليل المتعمد، فمن جانب يجعل ما أصاب المسلمين في الأندلس عقابا إلاهيا على ما كسبت أيديهم، ويجعل هذه النبرة تتردد على لسان شخصياته، خصوصا في تعليقهم على العرض الكبير في القسم الأول، وأن الاضطهاد أصابهم من إخوتهم المغاربة على السواحل وفي فاس بالضبط، وأن ندمهم كان كبيرا لتركهم الأندلس، فهي تحت حكم القشتاليين أرحم من المقام في ديار المغرب، وهذا ما عبر به على لسان الحسن الوزان:”والحق أننا منذ وصلنا إلى أرض إفريقيا والمصائب وخيبات الأمل لم تفتأ تنصب علينا[59]. ومن جانب ثان يجعله في حق يهود الأندلس ظلما وجورا، ويتتبع تفاصيل جرائم محاكم التفتيش في حقهم بالأندلس، وروما (معاناة مادالينا)[60]، والمغرب ( حادثة ذبح اليهود في واحتي “توات” و”غرارة”)[61].                       

خاتمة:

       إن الرؤية التي انطلق منها العملان السرديان تقوم على توظيف كل الإمكانيات السردية والنصية من أجل خلق عمل مكتمل الأركان، يصدر عن رؤية جمالية مكتملة العناصر، تعبر عن وجهة نظر الروائي للحياة وللعالم، من أجل واقع أفضل وعالم أحسن، تتحقق فيه كرامة الإنسان وإنسانيته، بعيدا عن كل أشكال الإلغاء والكراهية، أملا في عالم أفضل. ولقد حققت تقنية التعالق السردي بين المحكي التاريخي والروائي وظيفتها الجمالية والدلالية، بحيث إن الواقع التاريخي أصبح مادة للمتخيل الروائي، برؤية مغايرة، أضحى فيها ما يجب أن يكون كائنا، وما كان كائنا كأنه لم يكن.

     كما أن العملين الروائيين عكسا مستوى من مستويات توظيف الرواية العربية للنصوص المغايرة، وتوظيفها للإمكانيات الجمالية والدلالية للنص التاريخ بالأساس، دون السقوط في النقل التاريخي، الذي فرض نفسه على مجموعة من الأعمال الروائية التي وقعت تحت سلطة السرد التاريخ، فبعد أن كانت تراهن على كتابة نصوص روائية تستغل التاريخ في بناء فضائها التخييلي، وجدت نفسها تعيد كتابة التاريخ، فأصبح الروائي فيها مؤرخا. إنهما نموذجان لأعمال روائية كثيرة انفتحت على نصوص أدبية وغير أدبية، واستفادت من إمكانياتها الموضوعية والجمالية، ومنها تلك التي تعالقت مع نصوص تاريخية، وهذا يدل على قدرة الرواية العربية ومرونتها في توظيف نصوص أخرى، ومنها النص التاريخي.

المصادر والمراجع:

  • إحسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة، العدد2، فبراير1978.
  • أمين معلوف، الهويات القاتلة”، ترجمة نبيل محسن، ط1، دمشق، سوريا، ورد للطباعة والنشر والتوزيع، 1999.
  • أمين معلوف، ليون الإفريقي، ترجمة عفيف دمشقية، ط3، بيروت لبنان، دار الفاربي، 1997.
  • تزفيتان تودوروف، ميخائيل باختين: المبدأ الحواري، ترجمة: فخري صالح، ط2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1996.
  • حسن أوريد، ربيع قرطبة، ط4، الدار البيضاء، المغرب، المركز الثقافي العربي، 2019.
  • حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي: الفضاء ـ الزمن ـ الشخصية”، ط2، الدار البيضاء، المغرب، المركز الثقافي العربي، 2009، ص132ـ
  • سعيد يقطين،”الرواية والتراث السردي، من أجل وعي جديد بالتراث، ط1، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1992.
  • عبد الحق بلعيد، عتبات: جيرار جينيت من النص إلى المناص، ط1، الجزائر العاصمة، دار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف، 2008،
  • عبد الرحمن بوعلي، الرواية العربية الجديدة، (د.ط)، وجدة، المغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الأول، رقم: 37، سلسلة بحوث ودراسات، رقم:13، 2001.
  • عبد الملك مرتاض: “في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد”، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ع240، ديسمبر 1998
  • فيصل دراج، الرواية وتأويل التاريخ ـ نظرية الرواية والرواية العربيةـ، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 2004.
  • محمد عزام، النص الغائب: تجليات التناص في الشعر العربي، (د.ط)، دمشق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2001.
  • ميخائيل باختين: الخطاب الروائي، ت: محمد برادة، ط1، القاهرة، ـ باريس، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، 1987.

List of Sources and References:

1-Abd al-Malik Murtada: “Fi Nadariyat Arriwaya: Bahth fi tikniyat assard,” Silsilat Ouloum Maarifa, Kuwait, p. 240, December 1998

2-Abdel-Haq Belaid, Atabat: Gerard Genet mina annass to Manas, 1st Edition, Algiers, Dar Al-Arabiya li ouloum nachiroun wa nachourat Al-Ikhtif, 2008,

3-Abd al-Rahman Bu Ali, Arriwaya Alarabiya Aljadida,, Oujda, Morocco, Mancourat koliat Ada bwa Ouloum insaniya, Mohammed I University, No. 37, Silsilat bouhouth wa dirassat, No. 13, 2001.

4-Amin Maalouf, “Al-Howiyat al katilah”, translated by Nabil Mohsen, 1st edition, Damascus, Syria, Ward for printing, publishing and distribution, 1999.

5-Amin Maalouf, Leyoun Alifriki, translated by Afif Damascene, 3rd edition, Beirut, Lebanon, Dar Al-Farbi, 1997.

6-Faisal Darraj, Arriwaya wa ta’weel Attareekh: Nadariyat Arriwaya wa arriwaya al-arabia, 1st edition, Casablanca, Morocco, 2004.

7-Hassan Aourid, Rabie Cordoba, 4th edition, Casablanca, Morocco, Al-markaz Athakafi Al-arabi, 2019.

8-Hassan Bahrawy, Benyat chakl riwa’i: alfada’, azaman, achakhseya, 2nd edition, Casablanca, Morocco, Al-markaz athakafi Al-arabi, 2009, p. 132.

9-Ihsan Abbas, Itijahat chiaar Al arabi Moasser, Alam Almaarifa, Issue 2, February 1978.

10-Mikhail Bakhtin: Al-khitab arriwa’i, Translated: Muhammad Barrada, 1st Edition, Cairo, Paris, Dar Al-Fikr li dira ssat wa nachr wa tawzi’e, 1987.

11-Muhammad Azzam, Annass al-gha’eb: Tajaliyat attannass fi chi’r al-arabi, Damascus, Manchourat Itihad alkoutab al-arab, 2001.

12-Said Yaqtin, “Arriwaya wa tourath asserdi, min ajli wa’I jaded bi tourath,” 1st Edition, Beirut, Al-markaz Athakafi Al-arabi, 1992.

13-Tzvetan Todorov, Mikhail Bakhtin: Al-mabdae Al-hiwari, translated by: Fakhri Saleh, 2nd edition, Al-moassassa Al-arabia lidirasah wa nachr, 1996

هوامش:


[1] ـ ميخائيل باختين: “الخطاب الروائي”، ت: محمد برادة، ط1، القاهرة، ـ باريس، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، 1987، ص8.

[2] ـ عبد الملك مرتاض: “في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد”، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ع240، ديسمبر 1998، ص29.

[3]  ـ الخطاب الروائي، ص 7.

[4]  ـ في نظرية الرواية، ص11.

[5]  ــ المرجع نفسه، ص11.

[6]  ـ المرجع السابق نفسه، ص11.

[7]  ـ تزفيتان تودوروف، ميخائيل باختين: المبدأ الحواري، ترجمة: فخري صالح، ط2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1996، ص121.

[8]  ـ محمد عزام، النص الغائب: تجليات التناص في الشعر العربي، (د.ط)، دمشق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2001، ص30.

[9]  ـ سعيد يقطين،”الرواية والتراث السردي، من أجل وعي جديد بالتراث، ط1، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1992، صص 22 ـ 23.

[10]  ـ المرجع نفسه”، ص24.

[11]  ـ فيصل دراج، الرواية وتأويل التاريخ ـ نظرية الرواية والرواية العربيةـ، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 2004، ص5.

[12]  ـ المرجع نفسه، ص5.

[13]  ـ عبد الرحمن بوعلي، الرواية العربية الجديدة، (د.ط)، وجدة، المغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الأول، رقم: 37، سلسلة بحوث ودراسات، رقم:13، 2001، صص 13 ـ 32.

[14]  ـ حسن أوريد، ربيع قرطبة، ط4، الدار البيضاء، المغرب، المركز الثقافي العربي، 2019، ص9.

[15]  ـ أمين معلوف، ليون الإفريقي، ترجمة عفيف دمشقية، ط3، بيروت لبنان، دار الفاربي، 1997، ص9.

[16]  ـ المصدر نفسه، صص 89 ـ 90.

[17]  ـ المصدر نفسه، صص239 ـ 240.

[18]  ـ المصدر نفسه، صص309ـ 310.

[19]  ـ المصدر نفسه، صص389.

[20]  ـ حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي: الفضاء ـ الزمن ـ الشخصية”، ط2، الدار البيضاء، المغرب، المركز الثقافي العربي، 2009، ص132 ـ 137.

[21]  ـ “ربيع قرطبة”، ص26

[22]  ـ المصدر نفسه، ص68.

[23]  ـ المصدر نفسه، ص61.

[24]  ـ المصدر نفسه، ص63.

[25]  ـ ليون الإفريقي، ص8.

[26]  ـ المصدر نفسه، ص9.

[27]  ـ المصدر نفسه، صص 25، 41،78، 81، 97، 106، 146، 301.

[28]  ـ المصدر نفسه، صص19، 44، 14، 116، 124، 318، 354.

[29]  ـ المصدر نفسه، صص 18، 37، 43، 52، 56، 210.

[30]  ـ المصدر نفسه، صص41ـ42، 154.

[31]  ـ المصدر نفسه، صص111.

[32]  ـ المصدر نفسه، صص65، 282.

[33]  ـ المصدر نفسه، صص184 ـ 185.

[34]  ـ المصدر نفسه، صص24، 299.

[35]  ـ عبد الحق بلعيد، عتبات: جيرار جينيت من النص إلى المناص، ط1، الجزائر العاصمة، دار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف، 2008، صص107 ـ 108.

[36]  ـ ربيع قرطبة، ص5.

[37]  ـ المصدر نفسه، ص:7.

[38]  ـ عتبات: جيرار جينيت من النص إلى المناص، ص111.

[39]  ـ ربيع قرطبة،  ص11، 15، 24، 77، 87، 119، 133، 165.

[40]  ـ المصدر نفسه، ص24، 42، 57، 60، 77، 81، 82، 125، 138، 139، 140، 148.

[41]  ـ المصدر نفسه، ص24، 69، 77، 109.

[42]  ـ المصدر نفسه، ص91.

[43]  ـ المصدر نفسه، ص89.

[44]  ـ المصدر نفسه، ص82.

[45]  ـ في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد، ص86.

[46] ـ إحسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة، العدد2، فبراير1978، صص121 ـ 122.

[47]  ـ أمين معلوف، الهويات القاتلة”، ترجمة نبيل محسن، ط1، دمشق، سوريا، ورد للطباعة والنشر والتوزيع، 1999،  ص16.

[48]  ـ نظرية الرواية، ص184.

[49]  ـ ليون الإفريقي، ص13، 14، 21، 24، 26، 27.

[50]  ـ المصدر نفسه، ص13 ـ 36، 40 ـ 48، 49 ـ 50، 51 ـ 57، 64.

[51]  ـ ربيع قرطبة، ص 10.

[52]  ـ المصدر نفسه، ص11.

[53]  ـ المصدر نفسه، ص11.

[54]  المصدر نفسه، ص18.

[55]  ـ المصدر نفسه، ص 19 ـ 20.

[56]  ـ المصدر نفسه، ص68.

[57]  ـ المصدر نفسه، ص69.

[58]  ـ المصدر نفسه، ص76.

[59]  ـ ليون الإفريقي، ص94.

[60]  ـ المصدر نفسه، ص330.

[61]  ـ المصدر نفسه، ص178.