د. خديجة عماري
LG
في هذا المقال سنحاول التطرق لمجموعة من المواضيع المرتبطة بنشأة الرواية المغربية واكتمال نضوجها متأثرة بالتجربتين الغربية والمشرقية، وقد تشكلت من خلال مراحل ثلاثة: التأسيس، والتأصيل ثم التجريب، بالإضافة لمح اولة عرض أبرز موضوعاتها الإنسانية والكونية التي شكلت عصب الرواية وأسهمت بشكل كبير في حفظ الذاكرة الجمعية المغربية من خلال منجزها الإبداعي الذي عرف تراكما ومواكبة هامة من طرف النقاد، وفي نفس المقال سيتم التركيز على الموضوع الأخير، أي “”النقد الروائي” كيف تشكل وطوع التنظير الغربي ليصبح حمالا للخصوصية العربية الإبداعية ليتناول هذه الأخيرة بالمواكبة والدراسة والتحليل؟ وخلال عرضنا لهذا الموضوع سنناقش العوامل الاجتماعية والسياسية الداخلية والخارجية التي كانت سببا رئيسيا لفتح أفق التلقي المعرفي ومواكبة الأعمال الأدبية الغربية والمشرقية، وتصدير التجربة المحلية من خلال النشر في المجلات ومع دور النشر العربية وأثر كل ذلك على المشهد الإبداعي والنقدي المغربي.
وستكون رواية “جنوب الروح” لمحمد الأشعري هي العمل المرشح لعكس جزء من اكتمال ونضوج وإبداعية الرواية المغربية الحديثة.
الكلمات المفتاحية: الرواية- النقد- المتلقي- البنيوية التكوينية- التأصيل-التجريب- التأسيس- الإبداع- الذاكرة.
Summary:
In this article we will try to address a group of topics related to the emergence of the Moroccan novel and the completion of its maturity affected by the Western and Eastern experiences. And it was formed through three stages: establishment, rooting and experimentation. In addition to that we will try to present its most prominent human and cosmic themes that formed the heart of the novel and contributed greatly to preserving the memory of the Moroccan association Through its creative fiction, which was known to accumulate and keep pace with important critics, and in the same article the focus will be on the aforementioned topic (Narrative Criticism).
So how the Western theorizing has formed to serve the Arabic novel and criticism study and analysis ?during our presentation of this topic We will discuss the internal and external social and political factors that were a major reason for opening the horizon of receiving knowledge and keeping pace with Western and Eastern literary works. And exporting the local experience through publication in magazines and with Arab houses of publication, and the impact of all this on the Moroccan creative and monetary scene.
The novel “South of the Spirit” by Mohamed Al-Ash’ari will be the selected work to reflect part of the completeness, maturity and creativity of the modern Moroccan novel.
Keywords: Novel – criticism – receiver – formative structuralism – rooting – experimentation – foundation – creativity – memory.
مقدمة:
ينبغي على الروائي أن يجتهد ليبدع عملا روائيا يكون أعظم من الكاتب ذاته، أما “الرواية التي انتهت ليبقى كاتبها أكثر عبقرية منها فمن الأفضل أن يترك كتابتها،”[1] فبالنسبة لميلان كونديرا Milan Kundera الرواية عمل لابد أن يتساءل الكاتب عندما ينتهي منه إذا ما كان هو كاتبها فعلا؟ أم أصوات شخصيات أخرى كتبت نفسها من خلاله عن حياتها، ورؤاها، وأفكارها، وتفاصيلها متسمة بالقدرة على إبهار وإمتاع وشد المتلقي، إذ لا بد أن تكون شخصية خالقة للغرائب، وللعجائب، وللمفاجآت، وللمعرفة، وربما يكمن ذلك في طبيعة رؤية المؤلف للأشياء والتفاصيل الدقيقة التي قد تبدو لغيره عادية لكنه استطاع أن يخلق منها الحياة، والحدث، والمفاجأة، فالروائي عادة يتمتع بقدرة عجيبة على الانتباه للتفاصيل التي قد لا تشد غيره، فيخلق منها عالما مفاجئا ومدهشا. وإن لم تكن الرواية كذلك فهي محض عبث ينبئ بموتها، “هذا الموت الذي لطالما تنبأ المستقبليون والطليعيون به، لتترك المجال لفنون أو آداب جديدة تنبثق عنها”[2] وهذا ما عبر عنه جورج لوكاش George Lucash في أكثر من موقع إذ يرى بأن تطور الأدب هو تطور أشكال، أما المواضيع فتبقى كونية إنسانية ثابتة، فنفس ما عاشته الأجيال السابقة وعانت منه تعانيه الأجيال الراهنة لكنها تسرد في قوالب مختلفة فقط، إذ يُصب الهم الإنساني الكوني في جنس يتناسب مع طبيعة الحقبة الراهنة. فتظهر أشكال أدبية جديدة وتندثر أخرى، أو عن طريقها يتولد جنس أدبي جديد، فالأجناس الإبداعية تشبه الطبيعة التي لا تستغني عن أي شيء من مكوناتها،
في هذا المقال سنحاول التطرق لمجموعة من المواضيع المرتبطة بظهور الرواية واكتمال نضوجها وأبرز موضوعاتها الإنسانية والكونية، والمتابعة النقدية التي حظيت بها من قبل المتلقين مقتصرين على التجربة المغربية تنظيرا وتفعيلا ومواكبة.
- الرواية المغربية التشكل والاكتمال:
إن تاريخ الرواية المغربية لم يتجاوز القرن، وظهورها ارتبط كما هو معروف بعوامل منها: “المثاقفة وظهور نخبة جديدة عملت على توظيف أشكال أدبية حديثة في إطار ممارستها للتجديد الثقافي، بينما يتعلق العامل الثاني بشرط أدبي يرتبط بسيرورة التحول النصي الذي يؤسسه تلاقح الأنواع الأدبية.”[3] وبدأت تتضح هذه الملامح خلال مرحلة ما بعد الاستعمار، نتيجة تأثير الآخر الغربي على المثقف المغربي، فتغيرت أساليب التعبير المعروفة ليضمحل مجد المقامة وتتقلص مساحة الشعر، والخطابة على حساب هذا الجنس الجديد الذي يتناسب مع الطروحات التي قد يحتاج الكاتب مساحة لعرضها ومناقشتها بأريحية، وبأساليب فنية تعبيرية تسهل خلق تلك العوالم التي تشبه ما يحدث حوله، ويعتبر عبد الكبير الخطيبي “واحدا من أصوات الستينات القوية في الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية، مع التزامه الفكري من خلال جمعية البحث الثقافي”[4] وباشتغاله أكاديميا على الرواية، سبق له إدخال التنظير النقدي الروائي للجامعة المغاربية وليس المغربية فقط، فموضوع أطروحته “الرواية المغاربية” التي ناقشها بفرنسا عام1968، وترجمها محمد برادة سنة 1971، ليدخلها من أبوابها الواسعة للجامعة، وتكون بذلك أول وأهم مرجع تنظيري روائي ينتمي فعلا للبلدان المغاربية.
وقد عرفت الرواية المغربية كغيرها من الأجناس الأدبية مراحل عدة، حددها عبد العالي بوطيب (1948) في ثلاثة مراحل:
-المرحلة التأسيسة: وقد حصرها زمنيا منذ تاريخ “صدور أول عمل روائي إلى منتصف الستينات(1967) مع رواية “جيل الظمأ” لمحمد عزيز الحبابي،”[5] ويرى عبد العالي بوطيب أن ثمرة الروايات الأولى سير ذاتية مستدلا برواية عبد المجيد بنجلون الصادرة سنة 1957 “في الطفولة”، ورواية عبد الكريم غلاب “سبعة أبواب” الصادرة سنة 1965.[6] علما أن هناك روايات سبقت مرحلة التأسيس، ولكنها لم تكن بعد ذات الشكل الروائي الذي يجعل النقاد يصنفونها كأول عمل روائي، إلا أن الببليوغرافية التي أعدها عبد الرحيم العلام(1963) وتشمل الروايات الصادرة ما بين سنة 1942وسنة 1999 قدم فيها رواية “الزاوية” للتهامي الوزاني كأول عمل روائي مطبوع (صدر سنة 1942)، ثم رواية “وزير غرناطة” لعبد الهادي بوطالب(1923-2014)، (صدرت روايته سنة1950) ثم روايات: “رواد المجهول” و”السلسة الذهبية” لأحمد عبد السلام البقالي(1932-2010) ثم “في الطفولة” لعبد المجيد بن جلون (الصادرة ما بين سنتي1957-1956)،[7] وقد خضعت روايات المرحلة التأسيسية لأنماط مشتركة يحددها صاحب المقال ب:”تضخم أنا الكاتب، وحضور الآخر متمثلا في صراع الهنا و الهناك –شرق/غرب، إذ اكتسبت هذه الروايات شيئا من الطابع الوطني بسبب طبيعة المرحلة التي مر منها كُتابها: الاستعمار، والمطالبة بالاستقلال، وهم القضية الوطنية، ثم الانفتاح على ثقافة الآخر.”[8]
وقد تميزت أعمال العديد من الروائيين المغتربين بصبغة الاصطدام مع الآخر في كل من روايات بهاء الدين الطود، ومحمد برادة، وليلى أبو زيد وغيرها، والتي ناقشت قضية الهجرة والانفتاح على عالم مختلف بما فيه من قيم غربية، وعادات، وأعراف مناقضة بشكل كلي لبلد النشأة، الأمر الذي يكشف الصراع الداخلي الذي تعيشه الشخصية المحورية في العمل الروائي، بين ما كانت عليه وما يجب عليها أن تكونه، وكيف يمكن أن تتصالح الحضارتان معا بداخلها منعا للاستيلاب الحضاري.
– المرحلة الواقعية: بوادرها الأولى ارتبطت بــ “حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، إلى حدود منتصف السبعينات، وتميزت بواقعيتها وهي تخضع لتيمات المرحلة المتمثلة في الصراع القائم بين الطبقات، مع الانحياز لإيديولوجية الطبقة الشعبية ضد التهميش والفقر والفساد، وقد كان من أبرز كتاب هذه المرحلة: محمد شكري، وعبد الكريم غلاب، ومبارك ربيع.”[9]
-مرحلة التجريب: التي تزامنت تاريخيا مع “المسيرة الخضراء عام1975 وهي مرحلة صار يبحث فيها الجنس الأدبي عن شكل ومقومات خاصة به حتى لا يسقط في التكرار، والمحاكاة والتقليد،”[10] شأن المرحلة السابقة، فالأدب بطبيعته لا بد أن يتميز بأدبيته، ولا يكون بذلك حقلا لفوضى غير منظمة، والتكرار الخالي من الطابع الهوياتي للفترة وللمؤلف، والملاحظ أن ما بين مرحلة التأسيس والتجريب لم يكن هناك تراكم يعتد به في هذا الجنس الأدبي قيد الدراسة، “فعدد الروايات الصادرة ما بين سنة 1957 وسنة 1980 هو32 رواية فقط.”[11]
- الرواية المغربية وسؤال التلقي:
الرواية لا ترسو دعائمها في فترة زمنية ما إلا وقد أرسى المجتمع دعائمه، واكتمل مشهده أمام المؤلف بعد تحول لم تكن أسبابه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحتى النفسية واضحة، فالروائي بحاجة لفهم ما يحدث من حوله حتى تتشكل نظرته للأشياء، فلا يمكن أن يكتب عن شيء لم يصل لاستيعابه بشكل واضح، إذ تصبح الرواية فنا عاجزا عندما يعجز المبدع عن فهم واقعه، وبالتالي الوصول إلى طريقة لتحليله ودراسته، والمعلوم هو أن الرواية هي ذلك الجنس المرن الذي يعيد بناء وتشكيل نفسه شرط أن تكون المكونات المطلوبة لهذا المشروع الذي يحمله المبدع قد أصبحت صورتها واضحة، وليست ضبابية عصية على الفهم، وبالتالي يسهل عليه تحديد نظرة مبدئية حول أفقه، إذ خلال مرحلة إعادة التشكل الاجتماعي نصبح بحاجة لنمو “وعي قادر على الإحاطة بهذه الأنماط، وبالتالي على نقلها إلى مستوى الشكل الفني الملائم لها وهو الرواية.”[12]
إن الكتابة الروائية عادة تحتاج جلاء ووضوحا يناقض الغموض الذي يضع الكاتب موضع حيرة لوضع تصورات ناتجة عن إعادة تفكيك العالم وتجديد بنائه، لعل ايدلوجية الكاتب هي التي تقود عملية إعادة التشكيل، فالكاتب بعد أن يستوعب مجريات الأحداث ما يقدمه لنا بعد تفكيكه وإعادة بنائه للأشياء، عالم يراه بعينه، وقد تختلف الرؤى بزواياها المتعددة، لتبدأ عملية الكتابة عن طريق طرح الإشكالات المؤرقة، والإجابة عنها، فالعملية الإبداعية ماهي إلا خلق عالم لن نقول عنه مواز أو مرآوي لعالمنا، ولكنه عالم يحقق فيه الكاتب ما عجز عن تحقيقه في واقعه، والإسهام به -من موقعه- كمواطن في هذا الوطن المليء بالأصوات، وفي النهاية “ما شهدته الساحة المغربية من تحولات بعد الاستقلال وحتى الآن، ومن صراعات تميزت بالحدة والعنف، كل ذلك جعل إمكانية إدراك هذا الواقع، ووضع تصور شامل له عملية صعبة التحقق،”[13] وأحسب أن هذا الوضع لن ينتج إلا أدبا روائيا، يبحث في تجديد إمكاناته لاستيعاب واقع غير مفهوم ينتج عنه نص إشكالي يبحث عن سبل لخلق عوالم موازية تعيد قلب الحقائق وقراءتها.
إن تأخر ظهور الرواية، وقلة صدور أعمال روائية، ستنتج عنه قلة الإنتاج النقدي في هذا المجال، فما لم تكن هناك حصيلة مهمة فمن البديهي ألا توجد متابعة نقدية لها، وحتى لو وجد تراكم على مستوى المتون فليس شرطا أن يقترنا معا في الظهور، فمثلا التنظير النقدي للجنس الروائي لم يبدأ مع هيجل Friedrich Heigl ولوكاش George Lucash وغولدمان Loussian Goldman وباختين Mikhail Bakhtin إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، رغم أن رواية الفروسية كانت قديمة الظهور، وما أن انتهى عهد رواية الفروسية حتى أعلن عن مولد الرواية الحديثة مع “دونكشوت ديلامانتيس” لميغيل دي ثيربانتسMiguel de Cervantes. دون مواكبة تنظيرية ونقدية آنية ومكثفة، أما في المغرب فالملاحظ أن “الإرهاصات الأولى في النقد الروائي المغربي كانت على شكل مقالات نقدية تنشر في الملاحق الثقافية،”[14] وأول كتاب نقدي -دون باللغة العربية- تناول هذا الجنس بشكل محتشم كان أطروحة أحمد المديني (والتي خصصت الفصل الأخير فقط لدراسة الرواية).
إن “توجه نقاد الرواية إلى المقالة خلال الستينيات وما بعدها لم يكن منفصلا عن التحولات التي عرفها مجال النشر، إذ أن صدور المجلات والملاحق الثقافية كان عاملا رئيسيا في هذا التوجه، وقد استأنف هؤلاء النقاد بذلك تقليدا يعود إلى الثلاثينيات من هذا القرن، حيث اختارت النخبة المثقفة شكل المقالة للتعبير عن وجهة نظرها في الصحف والمجلات المعروفة”.[15] ويضيف عبد السلام التازي سببا آخر لإقبال المغاربة على كتابة المقالة والتعبير عن آرائهم النقدية المتصلة بالرواية وغيرها نظرا “لانتشار الصحافة وتعدد المنابر الإعلامية المكتوبة التي تستمد مادتها من المقالات”[16] وقد عملت المنابر الصحفية على تخصيص صفحاتها الثقافية لنشر الروايات متسلسلة، وكذلك القصص، والدراسات النقدية حتى اعتبرت سُنةً مورست في كل البلدان العربية، من الشام حتى المغرب الأقصى، وقد أضاف عبد السلام التازي سببا ساهم في الزيادة من عدد الدراسات المنشورة المتخصصة في الأدب المغربي هو “الاهتمام المتزايد من قبل الثانويات والجامعات: أساتذة وطلبة وباحثين وكتابا هذا الاهتمام الذي عاد بالنفع على المجال الإبداعي والنقدي، ليشكل بداية لتحقيق تراكم ربما ليس كله متخصصا، لكنه انطلاقة فعلية في اتجاه أدب مغربي.”[17] وقد عمل الكثير من الكتاب المغاربة الذين أقبلوا على هذه المنابر، في البداية كبوابة لنشر أعمالهم، على تجميعها، ونشرها في كتاب فيما بعد، كما فعل إدريس الناقوري(1942)، إذ جمع مقالاته في كتاب أسماه ب”المصطلح المشترك” أصدره سنة 1980، وكذلك نجيب العوفي(1948) في كتابه “درجة الوعي في الكتابة” الصادر سنة 1980.[18]
ولابد من الإشارة إلى الأثر الكبير الذي أحدثه المشرق في الدول المغاربية عموما والمغرب بشكل خاص، على مستوى النموذج النهضوي الثقافي والفكري، وقد كان المغرب يتخذ من التجريبية الروائية النقدية المشرقية نموذجا له، لكن “ما إن عادت بلدان الشرق الأوسط للانشغال بالحروب من جديد ومنها نكبة1967، التي غيرت مسار النهضة العربية، لتنتكس من الداخل أعلام التقدم الذي بدأ يلوح في أفق العالم العربي، وبذلك أُغلقت عدد من المجلات والجرائد العربية، وعرف المثقفون العرب اعتقالات واسعة، طالت المثقف والمناضل العربي، من قبل الحكومات الحاكمة، من جهة، والمستعمر من جهة أخرى، وحتى لبنان التي كانت الوجهة الجديدة لاستقطاب الثقافة والمثقفين العرب أنهكتها الحرب الأهلية، والعراق صارت تعيش ويلات الحرب مع جارتها إيران،(1980-1988) والتي أدت فيما بعد لحرب الخليج الثانية، والثالثة، هذه الحرب التي حالت دون النهوض بالحركة الثقافية.”[19] لقد كان المشرق منهكا من الوقائع السياسية ! ولابد أن الإبداع والنقد سيتأثر بكل ذلك، وقد ينعكس على توجهات واهتمامات ممارسيه في الشرق العربي، كما في المغرب العربي مع بعض التفاوتات، لقد “كان النقد العربي في المشرق القناة التي أوصلت النقاد المغاربة إلى مفاهيم النقد الروائي التي تعود إلى النقد الأجنبي، إلا أن تأثير المصادر الأجنبية على الساحة المغربية غدا مباشرا منذ أواخر السبعينيات حيث بات الناقد المغربي يقرأ النص بلغته الأصلية في غالب الأحيان،”[20] ومع كل هذه التحولات غير المغاربة وجهتهم التعليمية من جديد ” للنهل من الثقافة الغربية بشكل مباشر بسبب الظروف السياسية التي عرفها المشرق إبان هزيمة1967 على جميع المستويات المادية والمعنوية، إذ تعرض المثقفون لشتى أنواع المضايقات، وأغلقت أغلب المجلات الثقافية التي لعبت دورا أساسيا في توجيه الحركة الفكرية في العالم العربي منذ عدة عقود.”[21] وهكذا اتجه المغاربة “صوب المدرسة الغربية بشكل مباشر، فقد عرفت المدارس الغربية ثورة في مجال الآداب، ليقبل المشهد الثقافي المغربي على منهجين معاصرين في هذه الفترة هما: المنهج البنيوي، والشكلاني في النقد الروائي.”[22] نظرا لاشتغال الرواية على الموضوعات الاجتماعية التي يهتم الروائي بطرحها والاسهام فيها برؤيته ورأيه من خلال ما يحدث ليس بشكل واقعي وليس بشكل مفرط في التخييل، فقد كان هناك دوما رابط بين واقع انتاج الرواية والعالم المتخيل الذي تدور فيه الأحداث وتولد الشخصيات، إلى “جانب محاولة الروائيين خلق حركة تجديد مستمرة بتجاربهم على مستوى الشكل/هندسة الرواية، فكان النقد البنيوي والشكلاني هو الأنسب لعرض هذه الطروحات نقدا ودراسة،”[23] نستنتج مما سبق بأن التجربة النقدية الروائية المغربية ظهرت بداياتها خلال مطلع الستينيات، “ولاشك أن الخلفية الثقافية المباشرة للكتابات النقدية حول الرواية المغربية تتمثل في الأعمال النقدية العربية الصادرة عن التوجه الواقعي.”[24]
ولعل الموقع الجغرافي الذي يتميز به المغرب جعل مبدعيه ونقاده ومفكريه يستفيدون من تجارب المشارقة والغربيين معا، فالإشعاع العلمي والمعرفي وبروز النبوغ المشرقي على مستوى مختلف الميادين الثقافية وترجمة التجارب الغربية والذي أسهم فيه بشكل كبير توفر منابر إعلامية من مجلات فكرية وثقافية، وجرائد اهتمت بهذا الشأن، والدور الذي لعبته الصحافة بخصوص الشأن الثقافي يسر للمغاربة الاطلاع على المشهد الثقافي العربي عامة ومواكبته.
إن الساحة النقدية الروائية ظلت فارغة لسنوات طويلة رغم بعض التراكم (الذي يمكن وصفه بالضعيف) الذي حققته الرواية داخل الخريطة المغاربية، فقد كان الأمر يحتاج وقتا حتى تكتمل صورة الرواية المغاربية ذات الطابع المحلي، والبناء الفني المكتمل بلغة عربية، وليست فرنكوفونية أو مترجمة، أو تقليدا، فإنتاجات ما قبل الستينات ماهي إلا محاولات للكتابة نتج عنها سير ذاتية، أو قصص طويلة، أو أدب رحلة، أو نصوص غير مكتملة. وعدم تحقيق التراكم المطلوب عطل ظهور نقد مواكب لهذا الجنس، وأما عن التجارب المبكرة فقد حدد تاريخ ظهورها الناقد شريط سنوسي بمطلع ثلاثينيات القرن الماضي حين يقول “ظهرت روايات عديدة تحاكي الواقع المغربي كـــ: “الرحلة المراكشية” لابن المؤقت المراكشي صدرت سنة1932، ورواية “الزاوية” للتهامي الوزاني صدرت سنة 1942، ورواية “وزير غرناطة” لعبد الهادي بوطالب صدرت سنة 1950، ثم رواية “في الطفولة” لعبد المجيد بن جلون، صدرت سنة1956، وقد أجمع النقاد على التأريخ لهذا الجنس برواية “دفنا الماضي” لعبد الكريم غلاب، الصادرة سنة 1971 كأول رواية مغربية. “[25] وبطبيعة الحال فالأسبقية لا تعود لسنة الظهور وإنما المقياس يرجح لإجماع النقاد المتخصصين حول فنية الرواية كخطاب وسرد حكائي متكامل البنية. وهذه القواعد –طبعا- قيست على نموذج الرواية الغربية، وقد لا يحدث إجماع تام من قبل النقاد عليها، ولنا في المقارنة بين رأي رضوى عاشور وغيرها من النقاد العرب خير مثال حول أفضلية ترشيح عمل على حساب الآخر. فقد ذهبت الكاتبة رضوى عاشور لاعتبار مؤلف “الساق على الساق فيما هو الفرياق” لأحمد فارس الشدياق نموذجا لحداثة النهضة الأدبية في المشرق والتي كان من المفترض اعتبارها البداية الفعلية لرواية بخصائص ومقومات عربية فعلية، وها هي تتساءل بشكل صريح عن سر التغاضي عن اعتبار “الشدياق الرائد الأول للنهضة وقد طرح من موقع متقدم كافة القضايا الأساسية: قضية الاستبداد المعرفي، قضية حرية المعتقد، قضية حرية التعبير في مواجهة السلطة القابضة، قضية حرية المرأة، وقضية العلاقة بالموروث الثقافي، وقضية العلاقة بالآخر الغربي، وغيرها من القضايا التي طرحت من أجل التحديث؟ لماذا لم يعترف المغرمون بالحداثة، وما بعدها، بالقيمة التجريبية المدهشة لإنجاز الشدياق وهو يضرب عرض الحائط بالقوالب الجاهزة ويخلق نصا يكاد يستعصي على أي تصنيف مسبق بل وأي تصنيف لاحق”[26] فقد استطاع أن يجمع بين فن المقامة، وخصائص الرواية، فلم يكتب رواية غربية تشبه روايات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بلغة عربية كما حدث مع رواية “زينب” لحسين هيكل، فهي رواية غربية بلغة عربية، فضاع بذلك النموذج الذي كان من المفروض أن نتمسك به كبداية لرواية عربية تحمل الهوية المحلية بدل استيراد جنس تعبيري مختلف. وهكذا توقف نسل الأعمال السابقة الذكر للمويلحي، والشدياق، ليُجمع النقاد -كما هو معروف- عليه بكون رواية “زينب” لحسين هيكل هي أول رواية عربية فعلية، وقد جاءت متأثرة بالنموذج الغربي الذي نقله لنا هذا الأخير، وسار على خطاه كل من طه حسين(1889-1973)، وإبراهيم المازني(1889-1949)، وعباس محمود العقاد (1889-1964)، وتوفيق الحكيم (1898-1987)، ثم جاء عصر نجيب محفوظ الذي عبر بتجربته الروائية بكل أنواعها: التاريخية، والاجتماعية، والواقعية،… فكان سابقا لعصره، وما يمكن أن يقال عن تجربته، هو كونه عرف انتقالات عدة على مستوى المواضيع التي عالجها، فلم يترك مجالا إلا وتطرق إليه من خلال الكتابة، طارقا أبواب الممكن، وغير الممكن، المسموح والممنوع فقد عرف إنتاجه بكونه عابرا للأنواع الروائية.
- عوامل نشأة الرواية والنقد الروائي المغربي:
فرضت الحماية على المغرب منذ تاريخ30 مارس1912 وانتهت بالتوقيع على وثيقة الاستقلال بتاريخ 18نونبر 1956 بعد أن تشكلت أول حكومة مغربية برئاسة البكاي بن مبارك الهبيل(1907-1961) ، وقد تزامنت فترة الاستعمار مع اشتعال الشرارة الأولى للحرب العالمية الأولى، ولم تنته إلا بمرور عشر سنوات على انتهاء الحرب العالمية الثانية، أي حوالي 44 سنة من استنزاف الثروات الطبيعية، والبشرية، والتدخل في الشأن الداخلي الذي مس سياسة البلاد، كما سعى لمحو الثقافة الداخلية شأن الممارسات الاستعمارية في كل المستعمرات لتظل تابعة وضعيفة، سواء على مستوى الإنتاج الفكري والعلمي، أو على المستوى الاقتصادي والسياسي، وحتى بعد الاستقلال ظلت البلدان المستعمرة منهكة من الداخل، وكان إنهاكها مقترنا بصراعات تولدت بعد الخروج الاستعماري عن أحزاب منشقة، يريد كل واحد منها أن يستفيد بشكل كبير. وقد أصبحت تلك الفصائل التي حاربت الاستعمار هي نفسها التي دخلت غمار الصراع السياسي من أجل الحكم، فحزب الاستقلال الذي وصفته فاطمة الزهراء أزريول “بقلب الهيئة الوطنية الرئيسية المغربية منذ الأربعينات، هو نفسه الحزب المتشكل منه، والمنفصل عنه في شكل حركة اليسار المغربي، بتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة1959،”[27] فكما هو معروف في تاريخ الأحزاب السياسية صراعاتها الداخلية عادة ما تكون مرتبطة باختلاف المواقف والمبادئ وعدم الوصول لحل وسط، يشق قلب الحزب ويحكم عليه بالانقسام، فيتولد عنه حزب جديد بمواقف ورؤى مختلفة.
وقد أسهمت حكومة ابراهيم عبد الله[28] المتشكلة سنة1958 في السعي لحل الأزمات التي عرفها المغرب إبان هذه الفترة عن طريق “تطوير الصناعة المغربية، وإعادة تقسيم الأراضي التي خلفها المستعمر بانتزاعها من أصحابها المعمرين وبيعها بثمن بخس مكن الملاكين الكبار من الاستحواذ عليها، عملت هذه الحكومة المنشقة عن حزب الاستقلال على تمكين العاطلين من العمل، وتمكين ساكني البوادي من نصيبهم من الأراضي الفلاحية حتى تتحسن أوضاعهم. وكانت فترة ما بعد الاستقلال تاريخا مليئا بالاغتيالات ومحاولة الانقلاب(خلال السبعينات) والاضرابات التي قادها العمال، وطلبة الجامعات والثانويات والمعاهد،”[29] والصراع بين القصر وجيش التحرير الذي كان يرى نفسه الأحق بمغرب هو الذي دافع عنه، لتُنهي كل هذه السهام الحادة جسد اليسار الذي سعى للإصلاح بعد حوالي عام ونصف فقط من تشكله(من 17دجنبر1958إلى 20ماي1960)، ورغم إقالة هذه الحكومة غير أن اشتغالها لم يتوقف، فقد عملت على توعية الطلاب، والعمال عن طريق الحركات النقابية. عبد الله ابراهيم ذاته لم يتوقف عن النضال، فقد كتب عددا من المقالات والمؤلفات يوضح فيها مشروعه الإصلاحي الثوري وقد صدرت في كتابه: “ثورة العقل”[30]
إن الحركات اليسارية المغربية كانت ذات توجه ماركسي، وقد وجدت فيه هذا التيار الأيديولوجي المنهج المصلح لمكامن الخلل فيها، هي الطبقة المهمشة المنتهكة حقوقها في بلد غني بالثروات والطاقات. والبرجوازية المغربية لم تنجح في تسيير البلاد فانقلبت الطبقة العمالية عليها، وهذا مواز لما وقع في الغرب، فالطبقة البروليتارية كانت معادية للطبقتين الأرستقراطية والبرجوازية المناصرة للرأسمالية الجشعة، ولعل ظهور الرواية هو تعبير عن هذا الرفض في المغرب أيضا، (ولو أن جورج لوكاش George Lucashاعتبرها ملحمة البرجوازية الحديثة، لكنها تبقى الفن الذي جاء ليعيد للإنسان قيمته، عندما تغيرت طبيعة الحياة الغربية، إن لم نقل العالم برمته وهو يشهد تغييرات موازية) بعد أن كان الارتكاز في العيش على البوادي التي مورست فيها الإقطاعية على يد الملاكيين الكبار، أصبحت الرأسمالية المتوحشة المتمخضة عن البورجوازية والناتجة عن التطور التقني والعلمي ونشوء المدينة بقوانينها وتشريعاتها تمارس القوانين المجحفة على الضعفاء دون الأقوياء.
بعد التهميش الذي طال القرى والبوادي شهد المغرب موجة هجرات فردية وجماعية صوب المدينة، متخليين عن حياة القبيلة، مستغنين بذلك عن نمط حياة كان يؤمن بالجماعة، والحياة التشاركية والحرة صوب المجتمع الصناعي بكل تمظهراته المادية، للحصول على عمل قار، بعد أن أنهك الفقر الفلاحين الصغار، والمستخدمين كعائلات كاملة خداما لدى الاقطاعيين(الخماسين)، فالفلاحون الذين انتزعت منهم أراضيهم خلال الاستعمار هم الذين تحولوا لمستأجرين لها، وحتى بعد خروج الاستعمار بيعت الأراض للملاكين الكبار، ولم تعد لأصحابها وهذا ما حاولت حكومة عبد الله ابراهيم أن تصححه، لكنها لم تستطع (لإقالتها مبكرا). مما دفع بالفقراء منهم للانتقال للعيش في المدن، بحثا عن لقمة العيش، ليسقطوا في يد النظام الرأسمالي الذي خلفته الدولة الاستعمارية، وحتى الحرفيون عرفت تجارتهم الكساد بسبب استيراد السوق المغربي للمنتجات الخارجية بدل نهج التدابير الاحترازية للاستفادة من الصناعات/الحرف المحلية لتوفير فرص للعمل، وتشجيع المنتجات المحلية، هؤلاء “الحرفيون انقسموا على المستوى الاجتماعي لفئة أنهكتها الظروف الاجتماعية فلم تعد تنفع الحرفة وحدها -دون أملاك- في تحسين أوضاعهم، بينما الحرفيون والتجار من الأسر الميسورة تحسنت أحوالهم، ليشكل معظمهم طبقات برجوازية صغيرة (عائلات تجارية اكتسبت ثروات محترمة) هم أنفسهم معظم مثقفي تلك الحقبة من خريجي المعاهد الدينية كالقرويين، أو الذين درسوا في مدارس الأعيان التي أسستها الحماية الفرنسية وتخرجوا من المعاهد والجامعات الفرنسية.”[31] في مقابل “المدارس المنشأة من طرف المستعمرين، كان هناك وعي من قبل المغاربة بنيتهم المبيتة باتجاه نشر الثقافة الفرنسية والديانة المسيحية، أي تنصير البرابرة عن طريق ما عرف بالمدارس الوطنية الحرة، تصديا لذلك أنشئت المدارس التي تنادي بتعليم عربي ديني (منذ بداية الأربعينات)”.[32]
وقد ارتفع عدد المدارس المغربية، وفتح أفق تلقي المعرفة، ومواكبة الأعمال الأدبية، وقد اقترن هذا التطور بالدور الذي قدمته الجامعة المغربية على مستوى الاشتغال الروائي، النقدي والمنهجي، المبني على أسس علمية أكاديمية، ولعلها البداية الفعلية لتاريخ الأدب المغربي فقد “اكتسب شرعيته منذ الستينات -أي منذ ظهور الجامعة المغربية- إذ استفاد الباحثون من دراساتهم الأكاديمية، في التعرف على النصوص المصدرية: التراث ومصادره، الظواهر والقضايا، الدراسات النقدية”[33]الشيء الذي مهد لنقد وتتبع المنجز الروائي المغربي، والذي كان في البداية عبارة عن مقالات تنشر في مجلات وجرائد مشرقية ومغربية، ثم تطورت لتصبح دراسات متعددة مجموعة في كتب، أو أطاريح جامعية مطبوعة (أطروحة المديني مثلا: “فن القصة القصيرة بالمغرب في النشأة والتطور والاتجاهات”. تحت إشراف الدكتور: محمد السرغيني، وقد تناولت في فصلها السادس موضوع الرواية بشكل محتشم من خلال موضوع البطل الإشكالي) لتتزايد فيما بعد كتب نقدية أكاديمية شبيهة.
وبخصوص نقاد المرحلة الأولى فجلهم من ذوي التعليم العالي، شغلوا مناصب في كل مستوياته الشيء الذي أكسبهم اطلاعا متواصلا على كل جديد يخص الإبداع والنقد في المغرب، أو خارجه، ثم لا ننسَ إتقان جلهم للغة الفرنسية، وبعضهم اللغة الإنجليزية ما أتاح لهم الاطلاع على الأعمال الغربية السباقة للتنظير النقدي. أمثال: محمد برادة، وحميد لحمداني، وأحمد المديني، وجيلالي كدية، وسعيد بنكراد، وغيرهم من النقاد المترجمين. ثم إن أول من أدخل النقد المغاربي للجامعة -كما سبق أن ذكرنا- كان هو عبد الكبير الخطيبي بأطروحته الفرنسية:”Le Roman Maghrébian” وترجمها محمد برادة للغة العربية.
ويمكن الوقوف هنا قليلا للحديث عن المهن التي كان المغاربة يزاولونها إبان الثلاثينات والأربعينات، فلم تكن هناك مهنة “كاتب” يتفرغ من خلالها لهذه المهمة التي تخول له مردوداتها إمكانيات مادية محترمة للعيش، فقد كانت الكتابة بالرغم من كونها أمرا مهما بالنسبة لروادها، إلا أنها ثانوية تأتي في الدرجة الثانية بعد الوظيفة التي يشغلها الكاتب، فاستنادا إلى إحصاء قدمه عبد السلام التازي في كتابه “الأدباء المغاربة المعاصرون، دراسة ببليوغرافية إحصائية” يخبرنا أن جل أدباء الفترة المذكورة بنسبة 66.90 % يشتغلون في قطاع التعليم[34] جلهم تلقى تعليما أدبيا باللغة العربية، ما مكن الكاتب المغربي من صقل موهبة الكتابة لكونهما-أي الدراسة ومهنة التدريس- مجالان متقاربان ومرتبطان بالمجال المعرفي، بالإضافة لوجود متسع من الوقت يسمح بالكتابة. وبهذا يؤكد عبد السلام التازي أن قلة الإنتاج الأدبي لا تعود لانشغال المغاربة بالعمل، فالقطاع الذي يشتغل فيه الأدباء يوفر لهم الوقت الكافي لذلك، وما تبقى من نسبة23.74 % منهم9.35 % يشتغلون في الصحافة،[35] لكن قلة المردودية يرجعها الكاتب للإكراهات المادية التي يعانون منها، إذا ما مارسوا الكتابة كمهنة، ولعدم تقديم الدولة الرعاية لهذه الفئة. ويأتي هذا الأخير بنموذج الكاتب الفرنسي أنوريه دي بلزاك Honoré de Balzac (1799-1850) ليدحض هذه الذرائع، التي في نظره لا تعوق الإنتاج الأدبي، فهذا المبدع كتب جل أعماله بدافع الحاجة للمال، وأما بخصوص الذين يسعون للتفرغ فأعطى نماذج متعددة لكتاب ناجحين كــ:”طه حسين الذي شغل منصب عميد ثم وزير، وكذلك العقاد ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم الذين اشتغلوا موظفين،”[36] وهناك أسماء عديدة أصحابها يعملون ويكتبون في وقتنا الراهن ولم تعقهم المهنة عن العطاء الإبداعي.
من جهة أخرى نتج عن مغادرة المستثمرين الأجانب للمغرب تقلص الموارد المالية الداعمة لميزانية المغرب فنسبة 75 % من المستثمرين كانوا أجانب نتيجة العروض والإغراءات، والامتيازات التي كان الاستعمار يقدمها للمستثمر الأجنبي،[37] وعندما حصل المغرب على استقلاله، أخذ الاحتلال مستثمريه معه، غير أن هذا الجانب كان متداركا إلى حد ما في الحكومات السابقة التي وفرت فرص الشغل، “لتبدأ أزمة البطالة نتيجة العجز الذي طال ميزانية المغرب المالية، وسرعان ما بدأت الأزمة السياسية تزداد بسبب عدم قدرة الحكومة على امتصاص البطالة في صفوف الشباب، بخلق فرص للعمل تستوعبهم، فكان الفكر الماركسي هو الوجهة التي اختارها الجيل العاطل الثائر الباحث عن فرص أحسن في بلده. ومثَل الفكر الماركسي بخلفيته الثقافية بشكل عام، وفي المجال الإبداعي والنقدي بصفة خاصة،”[38]ظهرت آثاره قوية الملمح، “ليسود النقد الواقعي، ولا يخفى على أحد الرابط السياسي والإبداعي الذي ربط هذين الخطين لتكون قضية المثقفين قضية سياسية بالدرجة الأولى فالخط بين الخطابين السياسي والنقدي ما عاد واضحا.”[39] وهكذا أصبحت كتابة الرواية والنقد وسيلة للتعبير عن واقع الصراع الاجتماعي الحاصل في البلدان المغاربية، وليس المغرب وحده، وقد فرض النموذج الروائي السائد خلال هذه الفترة توجيه الفكر النقدي الروائي موضوعيا بين الواقعية والاجتماعية، وقد تنبأ بشكل مبكر بهذا المنحى لوسيان غولدمان Loussian Goldman ليشتغل –تنظيرا- في مجال سوسيولوجيا الرواية، كونها الفن الذي يستوعب الصراعات والتحولات الاجتماعية، وليس أمام التنظير النقدي إلا إعادة ترتيب التلقي الروائي لفهم تاريخ المرحلة.
وقد كانت النقود الروائية محتشمة في بدايتها، فقد صدر “ما مجموعه 64 دراسة ما بين سنة 1929 وسنة 1980، مع بعض التحفظ على إطلاق اسم الدراسة أو النقد الأدبي لما فيه من التجاوز، لأن هذا النوع من التأليف لا يمثل كله دراسات منهجية، أو نقدا أدبيا بالمعنى العلمي للكلمة، ولكنه في غالب الأحيان عبارة عن مقالات تعالج مواضيع أدبية مختلفة، أو تسجل انطباعات عن بعض الأدباء أو بعض الكتب الصادرة سواء في المغرب أو خارجه.”[40]ولعل ظهور الرواية المتأخر في المغرب هو السبب الرئيسي، إذ أن أول رواية نسائية كانت للأديبة أمينة اللوه (1926) “خناثة قرينة المولى اسماعيل” صدرت سنة1954، وأول رواية رجالية كانت للكاتب محمد عزيز الحبابي(1922-1993) “جيل الظمأ” صدرت سنة 1967،وأما جل الروايات الصادرة في نفس الحقبة اعتبرت سيرا ذاتية، أو أعمالا يصعب تصنيف جنسها لعدم استيفائها المكونات الشكلية والفنية للرواية، “وقد واكبت الدراسات النقدية الانتاج الروائي، وكانت السمات الغالبة ذات طابع سياسيي واجتماعي واقتصادي، تبعا للمرحلة التي أنتجت فيها، وقد كان يُطرح سؤال تأخر كتابة الرواية المغربية مقابل ارتفاع نسبة الإنتاج القصصي الذي شهدته نفس المرحلة،”[41] ربما لأن الجنس الروائي لم يجد بعد خاصياته التي تجعل منه أدبا مغربيا خالصا، حمالا لمقومات الشكل الروائي المتعارف عليه، بخصوصياته التي تميزه عن الأجناس الأدبية الأخرى، فكما ذكرنا سابقا الإنتاج الروائي المغاربي الأول كان عبارة عن سير ذاتية البطل هو المؤلف نفسه، وأحيانا ما أنتجه الروائيون المغاربة كان أدب رحلة أكثر منه رواية تخييلية متكاملة المقومات الفنية.
- السيرة الجماعية في رواية “جنوب الروح” لمحمد الأشعري:
إن هذا العمل الروائي بمثابة سيرة جماعية لقبيلة مغربية تجسد واقع شريحة واسعة من سكان القرى والبوادي إلى عهد قريب من منطلق تخيلي، إذ يعرضه علينا السارد عبر توالي الحكايات التي يتناسل بعضها من بعض نتيجة مجموعات من الأحداث بمثابة هزات عنيفة لمسار الحكي لعله يحقق بذلك التجاوب الجمالي المرجعو من عملية التقاء النص بذهن المتلقي ومن تم تشكيل عوالمه اللانهائية.
كل شيء قد يعيشه الإنسان خلد عن طريق التدوين، وما لم يدون التاريخ الحافل بانتصارات أهله وهزائمهم فمصيره النسيان، كما هو أمر المآثر تعبر عن تاريخ أصحابها أركيولوجيا، لولا حفظ الحكاية لهذه القرية ماذا تملك قرية بومندرة ليذكرها الناس غير خندق الأسلحة، والمسجد الذي أصبح وجهة لتحفيظ القرآن للأطفال، ولصلاة التراويح والأعياد الدينية.. لا أماكن تاريخية كالزوايا التي لا يمحى تاريخ بركة أصحابها حتى لو كان أصل الحكاية أسطورة (كعبد القادر الجيلاني، وشمهروش، ومولاي ادريس، ولالة عائشة… ) في هذه القرية المنسية، فكأننا أمام عملية “تخييل تجعل التذكر الشخصي وليس التسجيل التأريخي-الموضوعي منطلقا للكتابة.”[42]
إن كل ما يزخر به النص من عادات وتقاليد ورواسب اعتقادات، وأفكار توارثها الريفيون عن بلدهم الريف(انطلاقا من الرواية موضوع الاشتغال)، ونقلوها بانتقالهم لموطنهم الجديد لتأسيس امتداد لهم لا يختلف عن جدورهم الأولى، “وقد حددها محمد أمنصور عرقيا وثقافيا ورمزيا ولغويا ودينيا تحت مسمى الهوية المحلية أو الجهوية وهو يحدد مسارات البنية الذهنية الريفية في رهبة العار/ تقديس الأصل/ الإيمان بالعنف والثأر والقتل ضمن خيارات الرجال في أخذهم الحق بأيديهم وسط عالم تسوده اللعنة، والهواء المشبع بالبارود، والدم، والقسوة، والقبائل المتناحرة/ أسطورة القوة الجنسية للريفي/المراهنة على الغرب والهجرة إلى أوروبا واستقدام سلعها وتكنولوجيتها/تكبد محن الجفاف والأوبئة والجوع والتيفوس….”[43] لقد لخص الناقد محمد أمنصور من خلال هذه المقتطفات عددا كبيرا من الأحداث التي ذكرها الكاتب على لسان سارده، في إطارها التاريخي الذي عرفه المغاربة انطلاقا من مطلع القرن19 إلى نهاية القرن 20. وتشكل تلك المظاهر العناوين الكبرى لموضوعات الرواية فهي من أهم التيمات التي أسست هذا العمل، ووثقت للتاريخ الريفي الفردي والجماعي بعيدا عن سلطة السياسة في تدوين التاريخ. إنه تاريخ من الدرجة الثانية كما صنفه هيجل Friedrich Heigl، تاريخ يدونه البشر عن طريق الأدب. ليُخلق بذلك تاريخ للأدب، ولعل ما فعله كل من ومحمد أمنصور ولحسن بورقية هو إعادة قراءة تاريخ الأدب. ونحن نعيد تجميع هذه القراءات ومقاربتها من منظور فوقاني يشمل النص وقراءاته.
يقول محمد أمنصور “ضمن هذه المسارات الكبرى، يتقدم نص “جنوب الروح” بجعل الروائي يغوص في الذاكرة الجماعية المفقودة من الريف إلى بومندرة، منبع كل حكي يؤرخ لتعاقب الأجيال، وتبادل مواقع السلط المرجعية والرمزية الآخذة بزمام النسيج الروائي.”[44] فحكاؤوها ليسوا واحدا، ولكن لهم أصل واحد، إذ كل مرة يقدمها واحد منهم حسب رؤيته الخاصة (تعدد الرواة)، ولكنك تشعر وأنت تقرأ الرواية بعدم وجود تباين على مستوى السرد، اللهم في النهاية عندما يظهر الحفيد يحمل العشرين صفحة التي تركها والده ليعيد قراءتها وتأثيثها وتجديد البحث مرفقا بأدلة من شاهد عيان عاش كل تلك الأحداث، انتقل بين الأمكنة المعروفة والمجهولة والمنازل الفارغة والعامرة، وشهد كل مراحل تاريخ الحياة في بومندرة. إننا ” أمام سرد مرآوي، يستثمر تقنية الانشطار بحيث تغدو الشخصيات في تصاديها بمثابة مرايات متماوجة، تتقعر على صفحاتها الصقيلة الحكايا ذاتها، لكن من منظور مغاير.”[45]
وظف السارد تقنية الميتانص، أو الخطاب الواصف، حيث يتخفى الكاتب وراء السارد أو يعلن عن نفسه بشكل مباشر كما في رواية أحلام مستغانمي “ذاكرة الجسد”، أو رواية “يحدث في مصر الآن” ليوسف القعيد، عاقدا اتفاقا مع قارئه للبحث عن صحة وجود المكان، أو قدومه من مخيلة صاحبه، لكنه في النهاية يجد دوار بوضريب أصل قدوم حكاية “الجد” ويجد دوار بومندرة حيث أصل “الحفيد” ليبقى القارئ ممزقا بين عالمين، عالم وُجدَ وعالم لم يوجد، حكاية تؤرخ للمكان أو تؤرخ للزمان، والزمن لا يؤرخ إلا بما حدث فعلا، والمكان لا يؤرخ إلا بما كتب، أو كان فعليا وكثر شهوده.
إن هذه الرواية تتقاطع مع رواية ابراهيم الكوني “نزيف الحجر” حيث يخلق لمكان في صحراء ليبيا حياة، وأناس وأساطير، ولا يمكن للقارئ أن يعرف نسبة التخييل الموظف فيها من نسبة الواقعية، وليس المطلوب من القارئ أن يجد الفروقات ولكن أن يتفاعل مع العمل، ويفهمه بشكل معقول، وغير مغرق في البعد عن مقصدية كاتبه، فإن كانت غاية الكاتب خلق عوالم لم توجد قط، ليختبر مدى قدرته على التأسيس لعالم مواز يساعد البشر على فهم حياتهم، واستيعاب التاريخ أو إعادة عجن الواقع وتشكيله على شاكلة مرآة يرى فيها القراء أنفسهم، فلكل ذائقته، ولابد أن يكون القارئ متجاوزا لتوقعات الكاتب ويضيف للنص مسحة الحياة والمعنى الذي تنقصه.
إن رواية “جنوب الروح” هي عبارة عن” شبكة من السلط تتفاعل في توليد المسارات الحكائية للنص، وتجعل من هذا النص محاولة عنيدة لتدوين ما تبقى من ذاكرة شفوية آيلة إلى الزوال، تدوين يعيد كتابة التاريخ المنسي لجماعات اجتماعية أفناها القدر، وقوة التاريخ، فصارت الرواية إحدى الوسائل الأخيرة لمقاومتها الاندثار، وجعل وجودها الاجتماعي العابر قابلا للتثبيت والتشخيص الأدبي.”[46]
إن هذا التوجيه لقراءة النص من محمد أمنصور ناقدا مهتما بالتاريخ الروائي وكل المراحل التي مر منها هذا الجنس في المغرب، يؤكد أن المرحلة التي كتبت فيها هذه الرواية مرحلة لتأسيس تجربة روائية جديدة إذ يقول في مطلع قراءته لها “إن التصنيف الثنائي: رواية كلاسية ورواية تجريبية، لا يقدم الشيء الكثير لمعرفة إمكانات هذا النص، ما دام الأمر يتعلق بمغامرة شاعر، وصحفي، ومناضل، حرص وهو يكتب نصه الروائي الأول على وضع مسافة بين انشغالاته المعروفة وبين التجربة الجديدة في مضمار التخييل الروائي، مسافة تحكمها جدلية الاتصال والانفصال بين المكون الروائي وما عداه من مكونات الصحفي والشعري والحزبي.”[47]
من خلال رأي الناقد محمد أمنصور نستنتج أن أغلب المهتمين بتدوين الرواية رجال تعليم، ويأتي الصحفيون في المرتبة الثانية، إذا تعلق الأمر بالإنتاجات الروائية الصادرة خلال مطلع الأربعينات حتى نهاية الستينات. لكن القرن الواحد والعشرين يشهد اتساع شريحة كتاب الرواية لتشمل الطبيب والمحامي وربة البيت، والعامل والشرطي وغيرهم، والتجربة المهنية الخاصة بكل واحد تؤثر على النصوص التي ينتجها روائيا، ف”جنوب الروح” مثلا يغلب عليها في كثير من المقاطع التقرير الصحفي إذ يسرد الأشعري الأحداث كمن يكتب التحقيق أو التقرير مقدما معطيات ومعلومات واقعية حول منطقة أو حدث (دوار بومندرة، ودوار بوضريب)، كقوله: “يقع دوار بومندرة في الهضاب لجبال زرهون، وفي المنطقة التي اصطلح على تسميتها بأهل الريف، لأن دواويرها تشكلت في أعقاب هجرات متلاحقة من الريف”[48] وهذا أمر ذكره محمد أمنصور في قراءته التحليلية والنقدية للرواية. (مقال “رواية البحث عن الأصول: بين التدوين والتخييل جنوب الروح”-موضوع التلقي). أو يقدم مجموعة أحداث بشكل تاريخي، لا تظهر فيه شاعرية الأسلوب الروائي، كمثال قول السارد: “خلال مرحلتها الذهبية عرفت المنطقة حروبا، وأحداثا طريفة، وأنتجت علماء ومقاتلين ومتصوفة لكن لم يعرف فيها أبدا أغنياء من الصنف الثقيل، ويرجع ذلك لاحتماء المهاجرين بالمناطق الوعرة، حيث لا توجد أراضي شاسعة خصبة ولا غابات زيتون، ولكن شخصين أو ثلاثة تمكنوا من امتلاك أراضي زراعية مهمة وغرسوا ضيعات الزيتون والكروم،”[49] /”ثم جاء زمن الهجرة إلى أوروبا، فبدأ الناس يستقبلون أشياء جديدة ومواد جديدة، ونسوا تاريخ العنف والقسوة والاكتشاف لينخرطوا في أحقاد طرية وهموم معاصرة،”[50]ومارس دور الأنثروبولوجي الذي ينقل لنا مظاهر العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تعيش عليها القبيلة موضوع الحكاية فـــ “الرواية تعتني بثقافة أنثروبولوجيا خصبة وعميقة، هي في الجوهر، ثقافة شعبية أصيلة وثرية، تشبع بها الكاتب واستطاع أن يوظفها كتراث شفوي، حافل بالكثير من القيم والرموز والعلامات ذات الجذور التاريخية، والجغرافية واللغوية والإثنية والدينية…”[51] وهكذا اجتمع في هذا الكاتب معرفة شملت كل مناحي تشكل تاريخ المنطقة من خلال سرد ووصف واقعي، قد يضعنا هذا الأمر أمام التساؤل المضمر: لأي مرحلة تنتمي هذه الرواية (هل هي مرحلة التأسيس أم الواقعية أم التجريب؟) ولا يمكن أن ننفي دائرية هذه المراحل وإمكانية الانتهاء من التجريب للعودة للتأسيس، متخطين المرحلة الواقعية التي تُؤكد ما ينفيه الإبداع الأدبي من اقتران النصوص السردية بتجسيد عالم مواز للواقعي، دون الاجتهاد في خلق عوالم مختلفة تفكر في إيجاد حلول لمآسي الإنسان، أو خلق عوالم تسافر به لأبعد من المدى الذي نعيشه، ولعل التجربة الغربية قد سبقتنا في هذا الاتجاه، فلدينا مثلا تجربة الرواية Uchronie التي ظهرت خلال القرن 19، في الغرب، مع Charles Renouvier، هل يمكن اعتبار هذه الرواية مشروع الاشتغال تنتمي لهذا النوع؟ حيث يتم إيقاف لحظة من الزمن سرديا ليدور حدث ممتد فتشعر وكـأن لا وجود للزمن أبدا، تنطلق الأحداث منفصلة عن الزمن وقد تحدث الحكاية برمتها في بعد يحكي عن الإنسان لكن دون خاصية توالي العد الزمني في الواقع؟
إن رواية “جنوب الروح” تعطي قارئها انطباعا بذلك وكأنها تقع خارج الزمن والمكان رغم كل الأبعاد المتواجدة (رمضان، زمن الجوع، الجفاف، حرب الريف، الاستقلال، فترة تشكل الحكومة….)الزمن يتوالى بشكل سنكروني لكن لا تشعر به، ربما لأنها قرية منعزلة ولدت لتموت.
- الواقع وأثره على الإنتاج الروائي:
لطالما انتُظر من الأدب أن يكون واحدا من أقوى وأكثر الأسلحة قدرة على التأثير لتغيير العالم نحو الأفضل، متخطين بذلك مقولة الفن للفن، والمقصود به هنا كل الأشكال الأدبية التي ولدت وانتهت (كالملحمة) وأخرى ولدت على أنقاضها (كالرواية سليلة الملحمة) وأخرى قد تموت مستقبلا لأنها لا تتناسب مع الأوضاع العامة المستقبلية، ومسألة الانتقال بين الأجناس واندثار جنس ما بالتوقف عن تداوله وخلق أجناس أخرى هو مسار عادي، فالتاريخ البشري مبني على الصراع بين القديم والحديث وبين الحديث والحديث المختلف، بدون صراع وتضارب في المواضيع والأشكال والتسميات لا يمكن أن تتطور الأشكال الإبداعية التي ينتجها البشر أو يخترعها، يعلق العشماوي في كتابه “دراسات النقد الأدبي المعاصر” حول هذه المسألة بقوله: “ألم نشهد في تاريخ الآداب الأوروبية انتقال من الكلاسيكية إلى الرومانطقية، ومن الرومانطيقية إلى الطبيعية فالواقعية؟ ثم ألم يكن كل انتقال مرتبطا ارتباطا ما بحياة الأمة الاجتماعية، وبالرغبة في تحول التيار القديم إلى تيارات أخرى جديدة أقرب إلى إحساسهم أو أكثر تماشيا مع ملابسات حياتهم؟”[52] وهو قول يؤكد ما قلناه سابقا، وهي آراء ناقشها كل من هيجل Friedrich Heigl ولوكاش George Lucash وغرامشي Antonio Gramshi من خلال ما كتبوه وما نظروا له، عن سلسلة الصراعات بين الطبقات الاجتماعية اقتصاديا، وثقافيا، وحتى سياسيا من أجل خلق نموذج جديد لشيء ما، إنه مسار الإبداع الأدبي التخييلي الذي رافق ويرافق الإنسان في مساره التاريخي.
و ينطبق القول على أي جنس أدبي تخييلي، فما يكتبه الإنسان المعاصر العارف بكل التحولات الكبرى التي نشهدها على جميع الأصعدة لن تكون نصوصه مرصعة بشاعرية مبالغ فيها فاللغة في زمننا هذا ليست ترفا وإلا لكانت رواية الباروك مستمرة التداول والتأليف إلى الآن، ولكنه زمن إعادة إنتاج الواقع، وإيجاد الحلول والنهوض بواسطة الأدب بقيمة الإنسان تصديا لموجة تشييئه واخضاعه للدول الرأسمالية الجشعة على مستوى السوق الاقتصادي والهيمنة السياسية، فكيف انعكست هذه التأثيرات بظلالها على الأفراد ومن تم على الإنتاجات الإبداعية/الأدب؟
إن إعادة هيكلة المدن وبنائها وإعادة دمج البوادي بالأحزمة الحضارية أمر عرفه المغرب، كما عرف التطور التقني والذكاء الاصطناعي (من هواتف ذكية، وحواسيب، وشبكة عنكبوتية تقرب العالم والمعرفة والأحداث) الذي غزا البيوت، في الأزمنة الحديثة، لا يمكن الحديث عن دفتر ورثه الفرسيوي الحفيد عن والده الحكاء، ولا يمكن الحديث عن عشق الفرسيوي الابن لامرأة مبهمة لا توجد إلا في خياله يكاد حبه لها يشبه أنواع الحب التي ذكرها ابن حزم في كتابه “طوق الحمام” حيث لا يمكن للإنسان أن يرى الجن وأن يقع في عشقه ويعاشره، (اللهم في المجتمعات المتخلفة والهشة التي تصنع الأساطير وتؤمن بها) أن يحب الرفسيوي امرأة تظهر وتختفي، وتتمثل له في كل النساء اللواتي يشتهي، حتى جاءت على صورته هو ليأتيها، فاحترقت للأبد، وكاد أن يحترق معها ومثل هذا لن يقود القارئ الحداثي إلا إلى الاعتقاد أن هذه الشخصية مضطربة نفسيا، أو متخيلة وغير واقعية بكل مكوناتها النفسية والعقلية من خلال أفعالها.
إن قارئ القرن 21 وهو يتابع سير الأحداث في الرواية يفرق جيدا بين ما هو قابل للحدوث وبين ما يجب أن يتم تناوله من جانب التحليل النفسي، فهذه شخصية مضطربة ربما تعاني الفصام، إذ في تصوير المؤلف لامرأة ساحرة تخاطبه وتتجسد على مختلف الهيئات البشرية، وينفد النصيحة التي أسديت له ويزور شمهروش، وهي عبارة عن زاوية يحتكم إليها البشر لتفصل بينهم وبين الجن، إيحاء بليغ لشخصية مضطربة نفسيا وسلوكيا. العقلانيون من المتلقيين قد يربطونها بالأسطورة التي ورثها الأبناء عن الأجداد فللمحكي أثره على نفسية الأفراد وعلى سلوكهم عند الكبر، من عنف وانكسار وهزيمة وخوف واضطراب، فشخصية نوميديا التاريخية –كمثال- حولها طارق البكاري لبطلة لروايته “نوميديا” ومراد الشخصية البطلة يهيم بتلك الفارسة الفاتنة التي تخترق الجبال ممتطية صهوة جوادها، خرساء لا تتكلم لكنها أحرقته بعشقها في وادِ الجن الذي كان يأوي إليه لعله يراها، لكنه لم يكن غير رجل يبحث عن الخلاص في ذلك الماضي الأسطوري الساحر. ويقف المتلقي بين التحليل النفسي والتحليل الأنثروبولوجي ليختار الأنسب لفهم خبايا وفك شفرات النص.
سنلاحظ بأن هذه الحوادث السيكولوجية يرتبط حدوثها بالقرى الهشة قرية بومندرة في رواية “جنوب الروح” وقرية إغرم في رواية “نوميديا”. بخلاف رواية “مطبخ الحب” فقصة عشق جنية لبطل الرواية وردت على لسان الحبيبة وهي تخبر حبيبها أثناء رقوده في المستشفى بأنه مملوك لجنية ولا يمكنها أن تبقى معه، وإلا لحقه الأذى، وعلى الرغم من أن وقائع الرواية تحدث في الرباط، والحوار لم يكن بين فردين هشين ثقافيا واجتماعيا بل هما من طبقة الطلاب المثقفين اليساريين، لكن كما سبق وذكرت هي رواسب التربية الاجتماعية، تثمر ثمارا سامة عند الكبر، ولا يستطيع الفرد التخلص منها، تبقى لصيقة باعتقاداته المقدسة، فليس من السهل على الناس أن يكسروا قدسية الأشياء التي كبروا على احترامها وتقديرها من أجل التفكير وطرح السؤال، لذك قضى كل من فرويد Sigmund Freud ورولان بارت Roland Barthes بموت الأب. الذي قد يشكل سلطة المجتمع التي تحافظ على قدسية المعتقدات الأنثربولوجية المتوارثة، ومنها قدسية الديني الغرائبي حتى لو كانت خاطئة. ومن تم ينشأ الحاجز المانع من الثورة ضد سلطة الأب وكسر النظام الأبوي من أجل تحليل منطقي يخدم العقل والحياة الإنسانية وبعدها امتلاك القدرة على اختيار المسار تحت وطأة الموروث بكل تمثيلاته يصبح التغير الذاتي مستحيلا فكيف بتغيير المحيط.
هوامش:
– ميلان كونديرا.فن الرواية. ترجمة: بدر الدين العروركي. دار الاهالي للطباعة و النشر و التوزيع.ط ا. 1999.ص: 20 [1]
– ميلان كونديرا.فن الرواية. ترجمة: بدر الدين العروركي. دار الاهالي للطباعة و النشر و التوزيع.ط ا. 1999.ص: 20[2]
– سنوسي شريط. استراتيجيات التجريب في الرواية المغاربية. منشورات مقاربات. فاس. المغرب.ط.1. 2016. ص: 15[3]
– أحمد المديني. تحولات النوع في الرواية العربية. بين مغرب ومشرق. منشورات أحمد المديني. دار الامان. الرباط.ط1. 2012 .ص:21[4]
-عبد العالي بوطيب. مقال: الرواية الغربية و رهاناتها.مجلة فكر ونقد.مجلة ثقافية شهرية.العدد53. 2003 .ص:40[5]
-عبد الرحيم العلام. ببليوغرافيا الرواية المغربية المكتوبة بالعربية.1942-1999 تم تحميلها عن موقع اتحاد كتاب المغرب: .[7]
www.unecma.net
– عبد العالي بوطيب. مقال: الرواية الغربية و رهاناتها.مجلة فكر ونقد.مجلة ثقافية شهرية.العدد53. 2003 . ص:24[8]
– عبد العالي بوطيب. مقال: الرواية الغربية و رهاناتها.مجلة فكر ونقد.مجلة ثقافية شهرية.العدد53. 2003 .ص:43[9]
– عبد السلام التازي. الأدباء المغاربة المعاصرون.دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة.السلسلة الببليوغرافية. 1983. ص:27 [11]
– عبد السلام التازي. الأدباء المغاربة المعاصرون.دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة.السلسلة الببليوغرافية. 1983. ص:28 [12]
– عبد السلام التازي. الأدباء المغاربة المعاصرون.دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة.السلسلة الببليغرافية. 1983. ص:28 [13]
– فاطمة الزهراء أزرويل.مفاهيم نقد الرواية بالمغرب. مصادرها العربية والاجنبية.نشر الفنك.الدارالبيضاء.ط1 .1989. ص:29 [15]
[16] – عبد السلام التازي. الأدباء المغاربة المعاصرون.دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة.السلسلة الببليغرافية. 1983. ص:29-30
[17] – عبد السام التازي. الأدباء المغاربة المعاصرون. دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة.السلسلة الببليغرافية. 1983. ص:29 (بتصرف)
[18]– جمع وتقديم :سعيد علوش.فهرسة ومراجعة: محمد أديوان.ببليوغرافيا الدراسات الأدبية الجامعية بالمغرب. ص:50/ هذا الكتاب هام لتتبع الانتاج المقالي المغربي الذي تخصصت ببليوغرافيته في الدراسات الأدبية الروائية وغيرها.
[19]– أزريول فاطمة الزهراء. مفاهيم نقد الرواية بالمغرب مصادرها العربية والأجنبية. نشر الفنك. ط.1. 1989. الدار البيضاء.ص:39- 40 (بتصرف)
– أزريول فاطمة الزهراء. مفاهيم نقد الرواية بالمغرب مصادرها العربية والأجنبية. نشر الفنك. ط.1. 1989. الدار البيضاء.ص:39.[20]
– أزريول فاطمة الزهراء. مفاهيم نقد الرواية بالمغرب مصادرها العربية والأجنبية. نشر الفنك. ط.1. 1989. الدار البيضاء..ص:39 [21]
[23]– نفسه.ص:40
– سنوسي شريط. استراتيجيات التجريب في الرواية المغاربية. منشورات مقاربات. فاس. المغرب.ط.1. 2016. ص:14[25]
[26] -رضوى عاشور. الحداثة الممكنة.الشدياق والساق على الساق. الرواية الأولى في الأدب العربي الحديث.دار الشورق.مصر.ط.1 .2009. ص:13
-فاطمة الزهراء أزريول. مفاهيم نقد الرواية بالمغرب. مصاردها العربية والأجنبية. نشر الفنك. الدار البيضاء. ط1. 1989. ص:16[27]
-عبد الله ابراهيم(1918-2005). رئيس ثالث حكومة مغربية تشكلت بعد الاستقلال.[28]
– فاطمة الزهراء أزرويل.مفاهيم نقد الرواية بالمغرب. مصادرها العربية والاجنبية.نشر الفنك.الدارالبيضاء.1989. ص:16-17 [29]
– فاطمة الزهراء أزرويل.مفاهيم نقد الرواية بالمغرب. مصادرها العربية والاجنبية.نشر الفنك.الدارالبيضاء.1989. ص:16-17 (بتصرف) [30]
– فاطمة الزهراء أزرويل.مفاهيم نقد الرواية بالمغرب. مصادرها العربية والاجنبية. نشر الفنك.الدارالبيضاء.ط1 .1989. ص:22 [31]
– فاطمة الزهراء أزرويل.مفاهيم نقد الرواية بالمغرب. مصادرها العربية والاجنبية. نشر الفنك.الدارالبيضاء.ط.1 .1989. ص:25 [32]
– جمع وتقديم: سعيد علوش. فهرسة ومراجعة: محمد أديوان. ببليوغرافيا الدراسات الأدبية الجامعية.بالمغرب.(د.ط)(د.ت) ص:55[33]
– عبد السلام التازي. الأدباء المغاربة المعاصرون. دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة.السلسلة الببليغرافية. 1983. ص:23[34]
– عبد السلام التازي. الأدباء المغاربة المعاصرون. دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة.السلسلة الببليغرافية. 1983.ص:23 [35]
– فاطمة الزهراء أزريول.مفاهيم نقد الرواية بالمغرب. مصادرها العربية والاجنبية.نشر الفنك.الدارالبيضاء.ط1 .1989. ص:18 [37]
– عبد السلام التازي. الأدباء المغاربة المعاصرون. دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة.السلسلة الببليغرافية. 1983. ص:29 [40]
[41] – الاحصايئات يقدمها عبد لسلام التازي في كتابه:الأدباء المغاربة المعاصرون. دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة.السلسلة الببليغرافية. 1983. ص: 28 –حاولت أن أناقش سؤال السبق والكم من خلال الاستشهاد برأي الكاتب
– محمد أمنصور. خرائط التجريب الروائي. مطبعة آنفو برانت. فاس.ط1. 1999. ص:151[42]
[45]– أحمد فرشوخ. تأول النص الروائي بين الثقافة والنسق Top Edition. الرباط. ط1. 2006. ص:64.
[46] – محمد أمنصور. خرائط التجريب الروائي. مطبعة آنفو برانت. فاس.ط1. 1999. ص:150
– محمد أمنصور. خرائط التجريب الروائي. مطبعة آنفو برانت. فاس.ط1. 1999. ص:149[47]
– محمد الأشعري. جنوب الروح. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء. ط2. 2012. ص:21[48]
– محمد الأشعري. جنوب الروح. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء. ط2. 2012. ص:22[50]
-محمد زكي العشماوي. مقالات في النقد الأدبي المعاصر.دار الشروق. مصر. ط1. 1994. ص:100[52]
المصادر والمراجع
- أحمد فرشوخ. تأول النص الروائي بين الثقافة والنسق. طوب إديسيون. الرباط. ط1. 2006
- أحمد المديني. تحولات النوع في الرواية العربية، بين مغرب ومشرق. منشورات أحمد المديني. دار الامان. الرباط. ط1. 2012
- رضوى عاشور. الحداثة الممكنة. الشدياق والساق على الساق. الرواية الأولى في الأدب العربي الحديث. دار الشروق .مصر.ط.1 .2009
- سنوسي شريط. استراتيجيات التجريب في الرواية المغاربية. منشورات مقاربات. فاس. المغرب.ط.1. 2016
- عبد الرحيم العلام. ببليوغرافيا الرواية المغربية المكتوبة بالعربية.1942-1999 تم تحميلها عن موقع اتحاد كتاب المغرب: www.unecma.net
- عبد السلام التازي. الأدباء المغاربة المعاصرون. دراسة ببليوغرافية إحصائية. منشورات الجامعة. السلسلة الببليوغرافية. 1983.
- عبد العالي بوطيب. مقال: الرواية الغربية و رهاناتها. مجلة فكر ونقد. مجلة ثقافية شهرية.العدد53. 2003
- فاطمة الزهراء أزرويل.مفاهيم نقد الرواية بالمغرب. مصادرها العربية والاجنبية. نشر الفنك.الدارالبيضاء.ط1 .1989.
- ميلان كونديرا. فن الرواية. ترجمة: بدر الدين العروركي. دار الاهالي للطباعة و النشر و التوزيع.ط ا. 1999
- جمع وتقديم :سعيد علوش. فهرسة ومراجعة: محمد أديوان .ببليوغرافيا الدراسات الأدبية الجامعية بالمغرب.
- محمد أمنصور. خرائط التجريب الروائي. مطبعة آنفو برانت. فاس.ط1. 1999
- محمد الأشعري. جنوب الروح. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء. ط2.
- محمد زكي العشماوي. مقالات في النقد الأدبي المعاصر.دار الشروق. مصر. ط1. 1994
List of Sources and References :
1-Ahmed Farshoukh. Ta’awil annas baina thaquafa wa nasaq. Top Edition. Rabat. Morocco. 1st Edition. 20061
2-Ahmed Al-Madini. Tahawolat al-nawaa, baina maghrib wa machriq. Manchourat dar al-aman Publications. Rabat. Morocco. 1st Edition. 2012
3-Radwa Ashour. Al-hadatha almomkina. Achidiaq wa saaq ala saq. Ariwaya aloula fi al-adabi al-arabi al-hadith. Dar Al-Shorouk. Egypt. 1st edition. 2009
4-Senouci cheriet. Istratijyat atajrib fi ariwaya al-magharibiya. Approach Publications. Morocco. 1st Edition. 2016
5-Abdul Rahim Al-Alam. Biblyoghrafiya ariwaya al-arabya almaghribiya al-maktouba bi al-arabiya. 1942-1999. It was downloaded from the website of the Moroccan Writers Union: www.unecma.net
Abdul Salam Al-Tazi. Alodabaa almoasiroun. Dirasa biblyoughrafiya ihsaiya. University Publications. Bibliographic series. 1983.
6- Abdelali Boutayeb. Article: ariwaya almaghribiya wa rihanatoha .Magazin of Thought and Criticism. Issue 53. 2003
7-Fatima Zahraa Azrouel. mafahim naqd al-riwaya bi-almaghrib. Masadiroha al-arabiya wa al-ajnabiya. Al-Finik Publication, Casablanca. Morocco. 1st Edition.1989.
8-Milan Kundera. Fan ariwaya. Translated by: Badr Al-Din Al-Arouri. Dar Al-Ahali for printing, and publishing and distribution.1st Edition. 1999
9- Collected and presented by: Saeed Alloush. Indexing and review by: Mohamed Adiwan. Bibliographya adirasat al-adabiya al-jamiya bi al-maghrib. (A.D)
10= Muhammad Amnsour. Kharait atajrib ariwai’i. Info print Press. Fez. Morocco. 1st Edition.1999
11- Muhammad Al-Ash’ari. Janoub al-rouh Novel. Arab Cultural Center. Casablanca. Morocco. 2ed Edition. 2011
12-Muhammad Zaki Al-Ashmawy. Maqualat fi anaqdi al-adabi almoaasir. Dar Al-Shorouk. Egypt. 1st Edition. 1994