حلفاوي محمد. الجزائر
ملخص:
تسعى هذه الدراسة إلى رصد بعض دلالات المكان التي وظفها “أبو راس الناصري” في سيرته الذاتية” فتح الإله ومنته في التحدث عن فضل ربي ونعمته”، وعلاقة هذه الأخيرة بالذاكرة الساردة، كما تهدف إلى الإبانة عن هذه الإيماءات والإيحاءات الخفية، التي تظهر إلى العلن مقصدية الكاتب وتصوير ما لم يبح به من معاناة و أخاليج نفسية خلال استجلاء قرينة المكان التي تربطها عروة وثيقة بعملية التذكر، وقد تتشابك خطوط هذه الأخيرة و لا يكون استرجاعها ناضجا؛ بل لن يكون لها وهج، دون الاتكاء على هذا العنصر الهام، ومن هنا فهذه الورقة البحثية، تعتمد على المنهج السيميائي الذي يركز عامل تأويل هذه العلامة المكانية، وتحديد معانيها، والوقوف على تيمتها، وقد رأينا أن نسهم في إضاءة نص صوفي يعنى بالسيرة الذاتية.
كلمات مفتاحية: سيرة ذاتية، السيميائية، المكان، ذاكرة.
Semiotics of the Spatial Memory in Sufi Autobiography: Abu Rass al-Nasiri as a Case Study.
Abstract:
This study seeks to explore some of the spatial indications, that Abu RasAlnasiri employed in his autobiography « Fath Al-Ilah and His strength in speaking about the grace of my Lord », and their relationship with the narrative memory. It also aims to reveal the hidden signs and suggestions that show the reader the purpose of the writer and depict his suffering and feelings. This is through elucidating the presumption of the place that is strongly linked to the process of remembrance. This latter may be scrambled and may not be retrieved easily. It will be of no value without relying on this important element. Therefore, this research depends on the semiotic approach that tackles the interpretation of the spatial sign, the determination of its meaning, and the explanation of its theme. Thus, the study’s contribution lies on illuminating an autobiographical Sufi text .
Keywords: autobiography, semiotics, place, memory.
1. مقدمة :
تولي الدراسات السيميائية المكان اهتماما فائقا، حيث يعتبر أرضية خصبة للكشف عن العلامات والدلالات التي أولاها هذا النقد مكانة مرموقة، إذ تساهم وفق جمالية معينة في الكشف عن قدرة الكاتب على إنتاج خطاب سردي، منفتح على فضاءات تأويلية واسعة؛ وعليه لم يكن المكان في السيرة الذاتية “لأبي راس الناصري” مجرد أيقونة تتحرك في وسطها تقنيات السرد، إنما كان غاية ووسيلة للكشف عن ملابسات نفسية، واجتماعية، أحاطت بالشخصية الساردة جعلتها محل غموض و إبهام لعصور عدة؛ فالسيرة الذاتية حقل أدبي زئبقي يتماس مع أجناس أدبية أخرى؛ الأمر الذي يصعب مهمة وضع حدود أو قيود ملمة به، ومن هنا يكون للمكان دور هام في تطور أحداث هذه الشخصية التي تسرد محطات حياتها « لذلك نجد أن اختيار أمكنة المحكي، لايقوم بصفة اعتباطية، أوجزافية، أو محض مصادفة، إنما هو تحديد دقيق(…)إنه مكون رئيسي في الآلة السردية ولا يمكن في أي حال من الأحوال إهمال أهميته ودوره»[i]. ونظرا لهذه الأهمية كان لابد من إعادة دراسة المكان وفق رؤى جديدة، تتخذ من المناهج النقدية المعاصرة سندا لها، فالمكان هو لغة ثانية ومنظور نقدي جديد يستند عليه الباحث للولوج إلى عالم النص فيكتشف مكنونات هذه الشخصية المنتجة للعمل الأدبي ولم يعد أرضية أو حيزا لسير الأحداث بل أصبح معادلا معبرا عن واقع الشخصية وتطوراتها.
إن الخطاب سواء كان شعري ، أو سردي، يعتمد على المكان كفاعل أساسي في تطور أحداثه، وفق ما تقدمه تأويلات نصوصه من معنى؛ كمايعد عنصر الذاكرة من أهم الأشياء التي علقت بالمكان السيرذاتي، فهذه المزاوجة ليست غالبة على هذا الجنس بالذات، بل امتدت الى أجناس أخرى كالرواية مثلا، ولايمكن بناء سيرة ذاتية دون التعويل على الذاكرة.
فكيف سيؤسس الكاتب للعلاقة بين الذاكرة، والفضاء المكاني الذي تحركت فيه شخوصه، حينما اعتمد على المكان في إيقاظ ذاكرة سيرته الذاتية؟ هل ننظر لهذا المكان وفق ما نفهمه نحن ؟ أم له دلالات وتأويلات أخرى ؟ هل كانت هذه الذاكرة صريحة وباحت بكل شيء؟ أم أنها ركزت فقط على ما يخدم ذاتها، هذا ما ستوضحه لنا عملية التحقيق مع العلامات المكانية التي استرجعتها الذاكرة السير ذاتية في المدونة محل الدراسة.
2.قراءة مفاهيمية مركزة للجملة العنوانية:
- مفاهيم: السيرة الذاتية، السيميائية، المكان، الذاكرة:
تعرف السيرة الذاتية على أنها « حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته، وبصفة خاصة»[ii]، ولعل هذا أقرب تعريف يرقى إلى ما تقتضيه أعراف هذا الجنس الأدبي.
هذه السيرة ستعود إلى الماضي لجلب أحداث ووقائع عاشتها الشخصية ، معتمدة على الذاكرة في سرد تلك المحطات الحيايتة، وتعرف الذاكرة على أنها: « قدرة عقلية مجردة غير قابلة للتغيير؛ وذاكرة إنتقائية عشوائية، ومجموعة من الافتراضات والتصورات المسبقة المتعددة للغاية»[iii]، هذه القدرة ليست دقيقة تماما في إسترجاعاتها لهذا الماضي، بل تشوبها بعض المعوقات ، لذلك هناك مساعدات ومعينات لهذه الذاكرة لاستعادة هذا الماضي .
كما أن الذاكرة المكانية تكتسي أهمية بالغة في الدراسات النفسية، وهي المسؤولة عن تسجيل بيئة الفرد، وكذا معلومات عن محطاته الحياتية في هذا الحيز الجغرافي، وتنقسم إلى: ذاكرة مكانية طويلة الأمد وقصيرة الأمد، وذاكرة مكانية عاملة ولكل مفهومه وماهيته، وبموازاة ذلك فكلمة مكان لها الكثير من المعاني والدلالات، تخضع للحقول المعرفية التي وجدت بها، فمن الناحية اللغوية تكاد تتقارب كلها على أن المكان هو «الموضع والمكانة يقال فلان يعمل على مكينة أي على اتقاده والمكانة المنزلة عند الملك والجمع مكانات»[iv]، وحين نقلب في التعاريف الاصطلاحية للمكان نقف على أنه الفضاء الجغرافي الذي تتحرك في أرجائه الشخصيات ، وهو«الكيان الإجتماعي الذي يحتوي على خلاصة التفاعل بين الانسان ومجتمعه»[v]، وقد تباينت مفاهيم المكان، واختلفت وتعددت تعريفاته، رغم أنه لم ينل المكانة التي نالتها المكونات السردية الأخرى مثل: الزمان، والشخصية في حقل الدراسات النقدية المعاصرة، ولكن الأهمية تضل قائمة وتعكس شدة إرتباطه بكيان الفرد وبوجوده، يتحكم في أحاسيسه وتصرفاته، وكل المفاهيم الإنسانية لا تفسر إلا تفسيرا مكانيا.
إن توظيف المكان في الخطاب السردي ، لا يقع اعتباطيا، إنه عنصر جمالي ينفتح على دلالات، وعلامات، وتأويلات أخرى قد تتضمن خبايا وأسرار لم يبح بها الكاتب، بل نكتشفها نحن وفق منهج يحل أحجيتها، ويضعها على الطريق، وتظهر السيميائيات في مقدمة تلك المناهج التي تشتغل على هذه العلامات والرموز، فهي «منهج نقدي من مناهج تحليل الخطاب (…) لا يكتفي بالكشف عن بنى النصوص وثنائياتها الضدية، وانما يعمل على استخراج الدلالات المهيمنة وملاحقة حضورها في الثقافة والتاريخ»[vi]، ويهتم بالكشف عن العلامات الموجودة في النصوص، واستخراج دلالاتها وتتبع حضورها في الميادين المختلفة، فهي المنهج الأكثر استيعابا للنصوص.
2.2 على سبيل التركيب:
المكان لغة ثانية يتربع على عرش الحقل السردي،يساهم بطريقة أو أخرى في تشكل المتن الداخلي للنص السير ذاتي، ويؤكد وجوده في صناعة المعنى وفك قيوده وفق أفق تأويلي واسع كما يؤدي«دورا بالغ الأهمية في تشكيل السيرة الذاتية بوصفها فنا سرديا ينهض على استيلاد مكان معين ومحدد له مرجعية واقعية ومعروفة »[vii]، وللمكان علاقة وطيدة بالسيميائيات فهو علامة دلالية، تحيل القارئ على معاني أخرى ، ثم إن اشتغال الآلة السردية وجلبها لهذه العلامات المكانية، لا يقوى إلا بعد الإتكاء على عامل الذاكرة التي تقوم على آليتي: الاسترجاع، ومساءلة هذا الفضاء بتجاربه وأحداثه وحيزه الجغرافي ونافلة القول أن الذاكرة تعود إلى هذا الماضي عن طريق استحضار صور ودلالات، واستنطاق علامات سيميائية تكون أساسا وشاهدا على عمليات استرجاع الاحداث، هذه العلامات هي المكان المثقل بالتأويلات إذ أن :
«المكان يحظى بأهمية استثنائية ونوعية شديدة الخصوصية والحضور في التجربة النقدية والثقافية والفكرية الحديثة، التي راحت تحاكي المكان،وتفحص تشكيله،وتفكك طبقاته ، وتغور في جوفه»[viii]،باستعمال الآليات التطبيقة التي أوجدها النقد السيميائي ، واشتغل عليها في مقاربته للنص السردي ، فاستقراء العلامة أو الدلالة من المهام الكبرى التي يقوم عليها هذا الأخير، إذ أن الكاتب في النص السير ذاتي لن يتجرد من عامل المكان الذي يمثل هويته ورفيقه الذي واكب جل أحداث حياته، وحياة شخوصه كمايمكن في سياق هذه العملية النقدية فحص كل الدلالات التي « تدلي بخفايا نفسياتهم، فثمة استرجاعات وإسقاطات ورؤية ظاهراتية تشكل المكان بحسب الحالة النفسية وهذا ما سجلته الدراسات النقدية في قراءتها للنصوص السير ذاتية»[ix]، وعليه يوجد هناك تمسك وارتباط بين المكان والذاكرة قوامه إعانة الأخر على الإشتغال ، والأخذ بزمام تطور أحداث الألة السردية ، المرتبطة بالمكان الذي تصنعه الذاكرة بناء على المخيلة وتعطيه صورة حقيقية، والمكان الذاكراتي هو المكان المخزون في الذاكرة متعلق بنفسية معينة، وهو مكان مميز للشخصية ذو طابع خاص عندها ، خزنته وتحتفظ به مدة من الزمن ، يحركه الحنين والشوق إليه،حيث يقوم الكاتب باستدعاء« الذكريات بما فيها من صور ماضية لسعادة مفتقدة ومواقف أصبحت ضمن الماضي الذي لا يعود»[x] فيقولون الذاكرة مكان و المكان ذاكرة وكل الأماكن تحييها الذاكرة، واستحضار الأماكن لن يقوم دون ذاكرة ،وقد يحضر البيت وجدرانه في مقدمة هذا الاستحضار، لذا فالمكان الذاكراتي يحرك نفسية الكاتب لما يقف على أرجائه.
3.الأمكنة، دلالات الاشتغال وعلاقتها بالذاكرة:
حضي المكان بتصنيفات كثيرة، وباختلافات في وجهات النظر والرؤى، لدى النقاد ، أدت إلى التنويع في أشكاله وأنماطه، داخل النص الأدبي، منها ما صنف على أساس الإقامة والانتقال، ومنها ما صنف على أساس صفات معينة: عادي وأليف، موضوعي ومجازي ..الخ، ولعل أهمها، أوالشائع منها،
أو بالأحرى كان الركيزة الأساسية التي اتكئت عليها المقاربات السيميائية للمكان هو معالجته على أساس التقاطب المكاني : مغلق/مفتوح ، وهنا سنقوم بدراسة المكان سيميائيا في ظل التقاطبات الثنائية مفتوح مغلق، وآلية الاشتغال هذه تعين على فهم المكان وكشف دلالاته، وقد كان للتقاطبات المكانية الدور الكبير في انتاج الدلالة، وتشريحها والكشف عن معانيها وفق إجراءات تتكئ على المكان باعتباره حاملًا للقيم والرؤى، وكذلك لفهم وظيفة اشتغاله، سيتم التركيز على هذه المحاور ورصدها دلاليًا وعلاماتيا في النص.
وعليه ستخضع الخطاطة السيميائية في هذه الدراسة إلى الخطاطة الموسومة ب: دلالة الأماكن المفتوحة والمغلقة.
1.3قراءة في المدونة الصوفية:
المدونة “فتح الإله ومنته في التحدث عن فضل ربي ونعمته” للشيخ أبي راس الناصري، قام بتحقيقيها محمد بن عبد الكريم الجزائري ، إذ تعتبر من الكتب الهامة التي تقدم لنا حياة “أبي راس” نفسه فهو نوع من أنواع السيرة الذاتية، لكنها لاترقي إلى أعراف هذا الجنس التي أقرها “فيليب لوجون”، وقد تحدث فيه المؤلف عن أهله وبيئته وشيوخه وعلومه وأسفاره، كما تناول مباراته العلمية مع مختلف العلماء الذين لقيهم وكذا المسائل التي سئل عنها وقد ألفه الكاتب في أواخر أيامه أي بعد ثمانين سنة عاشها أي سنة 1233ه، وتوفي سنة 1238 ه وكان قد ولد1165 ه،« وما من شك أن التنوع المكاني الذي تحرك في أرجائه أبو راس قد أثرى شخصيته الدينية والعلمية، وجعلها تتحرر من قيود البيئة المحلية لتنفتح على الأراء والثقافات الأخرى»[xi]، إذ صال وجال في مختلف الأقطار وذاع صيته بالحافظ، ولما كان عليه أن يسرد سيرته الذاتية وجب عليه أن يعود إلى هذه الفضاءات معتمداعلى ذاكرته في إيقاظ ذلك المكان الذاكراتي.
2.3 دلالة الأمكنة المغلقة وعلاقتها بالذاكرة:
الأماكن المغلقة هي أماكن تخضع لأبعاد هندسية ووظيفية مثل البيت، المسجد، وغيره، لذلك فإن الميزة الأساسية فيها هي كونها محدودة ، وتمارس على الشخصية الكبت والعجز، وهي توحي إلى القهر والحرمان في نفسية الانسان، و« ترمز للنفي والعزلة والكبت ، إذ الانغلاق في مكان واحد تعبير عن العجز وعدم القدرة على الفعل أو التفاعل مع العالم الخارجي »[xii]. إن المدونة محل النظر تعج بالأماكن المغلقة، التي تربطها علاقة وطيدة بالذاكرة فاستحضار الأماكن واسترجاع الأحداث التي وقعت فيها، يرافقه مشاعر جياشة للكاتب بمجرد الوقوف على أبعاد هذا المكان، فكل ركن فيها يمثل ذكرى في نفسية الكاتب ، ولعل أبرز مكان” يرتبط بذاكرة الماضي لكل فرد منا هو:
أ/البيت:
في بعض الأحيان حين نقف بعد مدة طويلة على بيت الطفولة، ونتصفح أرجائه نستحضر حتى الأصوات التي كانت فيه، وينتابنا شعور بوجود تحركات، أو إعادة تمثيل لتحركات كانت هذه الجدران مسرح أحداث لها، ومع ذلك فهذه الجدران تحد من حركة هذا الفرد فهي دلالة على الانغلاق الذي يمثل العجز عن فعل الأشياء والكبت، فالمكان المغلق هو حيز ضيق، يكبل حرية الشخصية وتصرفاتها، وقد يمثل العزلة التي تمارسها جدرانه وحدوده.
يرى غاستون باشلار :«أننا حين ندرس صور البيت مع عدم تحطيم التضامن القائم بين الذاكرة والخيال، فاننا نأمل أن نجعل الآخرين يشعرون بالمرونة النفسية التي تحركنا من أعماق لايمكن تصورمداها»[xiii]، وللبيت علاقة وطيدة بالذاكرة، اذ ترتبط هذه الأخيرة بالطفولة، والمكان الأول لتنشئة الفرد، واسترجاعها وتذكرها يدخل البيت معينا في ذلك.
وفي المدونة نلاحظ أن الكاتب، ذكر لفظة”بيت” وربطها بالبوح المؤلم مسترجعا ذكريات الغبن والمأساة، والسؤال الذي يختفي وراء ستار، وتطرحه عملية إستنطاق العلامات الخفية للأمكنة، هل فعلا : كان الكاتب ساخطا على والده ؟ أم هو فقط تكهن؟ خدعتنا به عبقريته الفذة. إن هذا السؤال هو استنتاج مسبق، سنغوص في أسبابه التي بينتها عملية فك الرموز المكانية .
فمن ذلك قوله : « ثم إني بقيت بعد أمي في بيت أبي ، أنا وأخي ، العارف، الحكيم، الباهر السيد عبد القادر»[xiv]؛ وعليه فالبيت هنا دلالة على الشئم، وذكرى حزينة؛ إذ تعلق الكاتب بموت والدته التي أثنى عليها بقوله: «الكاملة، التقية، العاملة، أطول النساء يدا …»[xv]، يضرب بها المثل في السخاء والصلاح كرابعة العدوية، وبالمقابل لم يعكف بالثناء والمدح على والده، كما فعل مع أمه، ثم يردف قائلا: «وبعد موتها –عفا الله عنها – إنقلب الوالد إلى (حوز مجاجة)،واعتكف القرأن، وتعليمه للكبار والصغار، وتزوج هناك عدة نسوة،إلى أن مات رحمه الله»”[xvi].
هنا تتضح مكانة أمه في قلبه حيث هزه زواج والده، وهل يقبل هذا الصغير وجود امرأة أخرى في مكان والدته، لذلك يتضح أن الذاكرة النفسية تعلقت بموت الأم وسخطت في نفس الوقت على زواج الأب، إذ نلاحظ في الصفحات الموالية أنه تحدث عن جده أكثر من أبيه، ورغم أنه عايشه إلا أنه لم يذكر يوم ومكان ميلاده، من والده وإنما نقلا عن أخته حيث قال: كما خبرتني الحرة، التقية، الصالحة، النقية، أمة الله أختي حليمة، ثم يمدحه مدحا أقل حظا من مدحه أجداده، وحينما يتحدث عنه يبين أن والدته كانت أكثر صلاحا منه، وذلك من خلال قوله: «وأما تقاه وصلاحه فمشهور، وأمي مثله في الصلاح وأكثر كما مر»[xvii].
إن احتمال السخط على الوالد ، الذي تقدمه عملية استنطاق العلامات المكانية ، تعززه الذاكرة المخاتلة التي تدل على قوة إستذكار وحفظ صاحبها، التي تبين بعض المحطات الحياتية ، بطريقة ذكية وعبقرية، لا يقف عندها قارئ عادي؛ وإذا كان البيت في المجال السيميائي يمثل الإنغلاق ، فإنه في ذاكرة الكاتب أيضا يمثل الانغلاق والإنكسار، حتى في مكان ميلاده لم يذكر مكان منغلق، إنما ذكر الجبل الذي يدل على العلو والشموخ،
ثم هذا الصغير يذكر جملة من القهر والغبن والحرمان النفسي، الذي تعلق بالذاكرة البيتية، فحين مات أبوه، أخذه أخوه لحفظ القرآن مع الطلبة، الذين كانوا يرسلونه للتسول في البيوت، وإذا عاد خالي الوفاض ضربوه، حيث صرح بذلك:« وأسأل لهم من البيوت يأكلون، وإن عجزت عن السؤال في بعض الأيام ضربوني، وقد استمررت سنين عريانا: لا لباس لي، إلا خرق كالعدم، وما لبست نعلا إلا أن قرب صومي»[xviii].
وقد نذهب إلى أن هذه العلامة السيمائية التي تدل على الغبن، والفقر، كانت بذور للتفوق والسمو كما يرى “بشير بويجرة” إذ أن المسألة ترجع «أساسا إلى انعدام الاستقرار النفسي، أو انعدام الحماية والشعور باللا أمن –بعد موت الأم وإعادة زواج الأب من امرأة أخرى، وذلك ما يزرع في الطفل الاعتماد على نفسه في توفير ما يمكن-يفترض-أن توفره الأم، وهي عناصر كلها قد تتجسد في شكل بذور للتفوق والسمو»[xix].
وهذا ما يؤكده قوله : «صرت أطلب من البيوت ثم أبيع وأكسي»[xx]، على أن عملية السؤال في البيوت، علمت الكاتب الاعتماد على نفسه، إذ لو ظل ملازما لها لأصبح تاجر يبيع ويكسي، غير أنه اعتمد طريق أخر هو طريق العلم.
ومن ذلك نخلص إلى أن البيت مصدر ذكريات الإنسان ولا يمكن نسيانه بسهولة، إذ يرتبط بالشخصية وبكل أبعادها النفسية والاجتماعية، ومع مرور الوقت سيشتاق إلى الرجوع إليه بل سيظل حاضرا في ذاكرته مدى الحياة.
ب/الجامع:
من الأماكن المغلقة التي وظفها الكاتب “الجامع”، فقد ذكره مرة بهذا الإسم ومرة باسم “المسجد” وليس هناك في المدونة فرق بينهما، إذ أخذ دلالات التعلم، والسمو واللقاء بالعلماء، فكلما قصد مدينة، إلا ودخل جامعها ،الذي يحيي فيه دلالات التفوق، والسمو، والتجاوز من خلال المباريات العلمية بينه وبين الشيوخ وكان ينتصر فيها عليهم، ومن الشواهد التي وردت بها كلمة”جامع” الأتي ذكرها من خلال قوله :
«السيد محمد بن مالك، فأمرني من الغد بالذهاب معه للجامع فشرع في المسألة كسيل منهمر وبحر يمده-من بعده-بسبعة أبحر»[xxi]، ثم قوله: «واجتمعت بالعلماء بجامعها الأعظم فتذاكرنا وتناظرنا وترافعنا»[xxii].
«وحظر الجمعة بالجامع الأعظم بتونس»[xxiii].
«واجتمعت مع علماء مصر بالجامع الأعظم وتناظرنا وتذاكرنا في مسائل جمة ،ثم قالوا لي من لقب(بالحافظ) لابد أن يختص بشيء دون غيره»[xxiv] .
«وسئلت بمجلس علماء الجزائر(الجامع الاعظم)المعتاد»[xxv] .
«ووقفت باب الجامع »[xxvi] ، «مسجد مكة المشرفة»[xxvii].
«إلى أن أعلمه الله أن خير البقاع المساجد ، وشرها الأسواق»[xxviii] .
نجد بعد عملية حسابية لهذه الألفاظ ، أن الكاتب كان يميل إلى إستخدام كلمة “جامع” بدل “مسجد” وذلك أن هذه الكلمة أقوى دلالة من الأخرى فليست مكان للعبادة فقط بل “جامع” للناس وللعلوم، للأراء ، للعلماء …الخ ، ليبين بذلك جمعه للعلم وتفوقه في ذلك، حتى في أكثر الدلالات يصف الجامع بكلمة الأعظم، فكلمة أعظم استمدت دلالتها من خلال تفوق هذا المنبر الذي يقصده الناس دينيا وعلميا.
هذه بعض دلالات الأماكن المغلقة، التي حاولنا الوقوف عليها، وإن كانت هناك بعض الأماكن المغلقة لكن توظيفها لم يكن كثيفا، أو جاء محروما من الأهمية عند الكاتب.
2.3 دلالة الأمكنة المفتوحة وعلاقتها بالذاكرة:
الأماكن المفتوحة في عمومها هي أماكن تتصل بفضاءات منفتحة على الطبيعة، تكون واسعة ولاتخضع لحدود مما يفتح للكاتب أفق التفكير، والتخييل وهي: «أماكن تتجاوز كل محدد أو مقيد نحو التحرر والاتساع، أي عكس الانغلاق، حيث يمكن أن تلتقي فيها أعداد مختلفة من البشر، وهي تزخر بالحركة والحياة، وفي مثل هذه الأماكن يتحقق التواصل مع الأخرين ، ويقضي على الشعور بالعزلة والوحدة “[xxix].
وبذلك فإن دراسة هذه الأخيرة سيميائيا يساعد على الكشف عن الدلالات والعلاقات التي تربط الذاكرة بالمكان .
أ/الجبل :
يستهل الكاتب إبتداء أمره ، كما أشار «إني ولدت بين جبل كرسوط وهونت »[xxx]، ثم شرق به والده إلى متيجة أين ماتت أمه كما أشرنا سابقا .ثم يستعمل لفظ “جبل “حين يذكر جده من أمه:
«وهي أمة الله زولة بنت السيد الفرج إبن الشيخ القطب السيد اعمر بن عبد القادر التوجاني دفين جبل التوميات»[xxxi]، وهنا نلاحظ :
هو = ولد بين جبل كرسوط وهونت. جده = دفين جبل التوميات.
وهنا نستنتج أن الذاكرة المكانية عززت فكرة، الإفتخار بنسبه ونسب والدته،ف«الجبل فضاء مكاني يحمل دلالات العلو والشموخ والثبات والإستقرار والإرتقاء، والجبل لعلوه يمكن أن يكون دالا لوضوح الرؤية لمن هم أسفل منك ويرمز إلى التمكن والقوة بفكر وروية»[xxxii]، بالإضافة إلى أن هذا الجبل فضاء للحماية عند القدماء، فقد يجد هذا اليتيم الحماية هناك.
تبقى الذاكرة النفسية مصاحبة لسيمياء المكان الذي هو الجبل، فهذا العلو صاحبا علاماتيا يقصد به حتى شيوخ الصوفية الذين يفخر بهم مثلا في قوله : «وسئلت بمكة المشرفة عن أبي طالب أخر رجال الطريقة الصوفية لما يقال له :(المكي) فأجبت بأنه لم يكن من أهل مكة إنما هو من أهل الجبل»[xxxiii]. وهو طابع أهل هذه الأماكن أن تتم تسمية الأبناء بهذا الاسم-المكي- ولا علاقة للأمر باستوطانه مكة المكرمة، وهو لم ينعت مكة ، بأي نعت أخر غير المشرفة ، فهل مكة شرف العرب ؟ أم أنه اللقب الذي كانت تنعت به هذه البقاع.
ب/المدينة :
لقد كان ارتباط الكاتب بالفضاء المديني، ارتباطا توتريا تشوبه الكثير من المشاعر الخاصة لاعتباره الأرضية المريحة التي يصب فيها الكاتب مثقلات همومه النفسية، لكن توظيف الكاتب للمدينة كان عكس التوقعات والاحتمالات، فقد كان هذا المكان رغبة ملحة، تعكس ذات الكاتب وطموحاتها في الانتصار والتفوق، وقد وظف الكاتب في سيرته الذاتية العديد من الأماكن، أبرزها المدن ، وقدعادت به الذاكرة إلى المدن التي إنتقل إليها وسئل فيها وهنا تظهر فكرة التجاوز، وحب السمو التي اشرنا إليها سابقا، والتي احتلت حيزا واسعا في هذه المدونة السير ذاتية .
أولا: مكان الانتماء.
“أم عسكر” هي مكان الانتماء بالنسبة للكاتب ،فهي وطنه الذي يعتزبه، فمن خلال عملية حسابية نجد أن، أم عسكر : ذكرت8مرات في المدونة، مازونة 4مرات، غريس ، وهران قسمطينة 4مرات ،ثم وزغت 3مرات ، بينما البليدة فمرة واحدة، ثم إن تفوق ذكرأم عسكر” على باقي المدن ، ليس له دلالة إلا تلك الأهمية، والمعزة التي تمثلها في نفسيةالكاتب فهي « تمثل مكانا يتخذه الناس ، لتوفي الأمن والألفة( …) وأخذ هذا المكان معنى الاستقرار والرفاهية ، التي تجلب الاستقرار والألفة»”[xxxiv].
فنلاحظ أن هيمنة استعمال “أم عسكر” الوطن الأم هو فرضية الصراع النفسي بين الغربة والاستقرار، وكيف استعادت هذه الذاكرة المدينة التي درس ومارس القضاء، وذاع صيته فيها، بعدما انتقل إليها، فقد وجد أن البادية تضعف معلوماته، وليست مركزا لجمع العلم، وقد كانت “أم عسكر” نعمة عليه بعدما اشتهر فيها بالتدريس لمدة ستة وثلاثين سنة، وأصبح قاض فيها ورافق الباي أوالحاكم الذي اعترف بعلميته وجعله يلقي الدروس في حاضرتها .
ومن هنا يكون هذا المكان بالنسبة للذاكرة والذات معا، هو مكان الإنتماء، الذي تخرجت منه عالمية هذا الرجل، إنه مكان الإنتماء، ومنه الانطلاق سواء الى الحج، أو رحلاته العلمية المختلفة، فالرحلات تمثل الهجرة، وتمثل الإنفصال عن مكان الألفة، وبذلك سيعيش الغربة أو اللإنتماء، لكن الكاتب لم يفصح عن ذلك؛ بل مارس على الغير انتصارات علمية حتى في أماكن إنتمائهم، وهذا ما سنراه لاحقا، وهذا ما لاحظناه في استعماله للتقاطبات المكانية شرق /غرب فالغرب يقصد به غرب الجزائر، والشرق المشرق وما جاورها، لكن الكاتب يعود في النهاية إلى مكان إنتماءه ، من خلال ذاكرته الأصيلة أصالة نفسه لأن الدافع الحقيقي الذي يكمن وراء استرجاع المكان، هو الحنين والشوق غليه، والحنين في نهاية المطاف يرسم مكانه في نفسية الانسان، وذلك يعود لكثرة الترحال التي جعلته يفارق مكان الانتماء.
ثانيا مكان اللاإنتماء:أو نسميها أماكن الانتقال:
المدينة وذاكرةالانتصار الثقافي:
وهو المكان الذي لابد أن تعود إليه الذاكرة لتقوي شوكة صاحبها، من حبه للترحال والانتقال، واكتشاف الاماكن، والفضاءات الجديدة؛ ثم أيضا فضاء لإظهار قوة الشخصية العلمية، ومبارياتها مع الشيوخ والعلماء. والجدول التالي يبين المدن المزارة والمسائل التي سئل فيها:
المدينة | المسألة | الصفحة |
الشام | سئلت عن أصعب مسالة تتعلق بالتوحيد | 134 |
مكة المشرفة | سئلت عن أصل كل علم، وماسبب تدويته | 135 |
مصر | سئلت بمصر عن التكوين | 136 |
أورين إحدى حزر البحر | عما جرى للإمامين الشيخ السنوسي والشيخ احمد بن زكريا. | 141 |
المدينة المنورة | عن العقائد | 142 |
مكة المشرفة | عن أبي طالب أحد رجال الصوفية لما يقال له: المكي | 144 |
غزة احدى مدن الشام | عمن تكلم فيه العلماء من المفكر إلى القبطانية من مناهج الصوفية | 147 |
تونس | سئلت عمن انتقل من مذهب إلى مذهب | 155 |
الجزائر | سئلت عن القهوة | 159 |
تيطوان إحدى بلاد المغرب | سئلت عن قوله تعالى:﴿وقال الذين كفروا للذين أمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه﴾ | 162 |
تلمسان | عن رشد أ تنفتح شينه أم تكسر | 164 |
يبدو أن ذكر فضاء المدينة في هذه المسائلات يحمل دلالة سيميائية وهي :الانفتاح على العالم الأخر والسمو والتفوق، إذن توظيف هذه المدن الكبرى ، لم يكن إلا دلالة، ربطتها الذاكرة بغريزة التفوق والسمو في العالم الاسلامي ليس في الجزائر فقط بل في العالم الاسلامي كله.
نلاحظ من الوهلة الأولى أن الكاتب يحاول أن يبرز تفوقه في مسائل سئل عنها في كبريات المدن، لكنه بالمقابل يرسم خريطة .
في المشرق العربي:
الشام مكة المشرفة مصر أورين ثم يعود إلى مكة المشرفة ثم إلــــى الشام
أما في شمال إفريقيا أو المغرب العربي فينطلق من :
تونس الجزائر المغرب ثم يعود إلى تلمسان.
وكأنه يخفي دلالات الحرية، ومقصديته في ذك أن المشرق العربي لابد أن يحكمه الشام ، والمغرب العربي لا بد أن تحكمه الجزائر، بدل الأتراك الذين فرضوا حمايتهم على هذه الأقطار، لقد كان الرجل تواق للحرية، ضد من فرضوا حمايتهم على العرب فالمكان رمز للحرية أيضا، وهذا الفضاء المديني، الذي يعبر أقطار جغرافية مختلفة، يشير إلى أهمية بالغة في الدرس التاريخي، وكذا رسم معالم خريطة جغرافية واضحة الحدود للعالم العربي في ذلك العهد، أي زمن الكاتب، وفي نفس الوقت ومع استنطاق العلامات السيميائية لهذه المدن الكبرى يمكن الإفصاح، عن علاقة هذه الأخيرة بالوطن الأم، إنها دلالات عن الشتات الذي كانت تعيشه الأمة العربية، إنه رسم لمعالم خريطة سياسية للدول العربية .
أما من ناحية أن الذاكرة أعادت إليه كل المسائل التي سئل عنها مع إجاباته ومبارياته العلمية، فإن ذلك ما يعزز فكرة أبي راس الحافظ، وفرضية الحفظ التي كونت حياته كلها، ويدفع بنا إلى «عرض مكون فاعل واحد فيها هو الحفظ، الذي تميز به الرجل »[xxxv]. إذ رغم أنه كتب سيرته في أخر مراحل حياته أي في الثمانين من عمره، إلا أنه كان شديد التذكر خصوصا في هذه المسائل التي سئل عنها، وأقوى دليل على ذلك كونه تذكر حتى التواريخ التي سئل فيها.
4.حصاد البحث:
من المسلمات أن الذاكرة مكان، والمكان ذاكرة فهي الوعاء الأساسي، الذي تجتمع فيه أحداث المتن الحكائي وبالتالي تساهم في اشتغال الآلة السردية وتطورها، ولابد أن ترافق السيميائيات بآلياتها هذا المصطلح الذاكراتي لتبيان معاني التوظيف الكثيف لعلاماته المكانية.
قد تكون الذاكرة معين آخر من معينات الكشف عن الدلالة خصوصا إذا ارتبط المكان برمزية معينة في نفسية الكاتب، والكشف العلاماتي المكاني يبرر استرجاع المكان الذاكراتي ومايمثله للمتذكر.
تعج المدونة بأسماء الأماكن ، التي اشتغل عليها الكاتب وأولاها العناية الكاملة في استعادة الذاكرة، فالجزم منا أنا درسنا جميع الأماكن الموجودة في المدونة لامحل له من اليقين في هذه الدراسة، نكون قد تناولنا أغلبها لكن يظل بعضها محل إبهام بحاجة إلى دراسة أخرى ربما تقف على دلالات أعمق من ذلك، فالكاتب أكبر من أن يعرف من خلال الدلالات المكانية أو الزمانية.
إن ذكريات المكان الذي عاشه الانسان، ترتبط ارتباطا وثيقا بالذاكرة في استدعائها لهذا الماضي، الذي حاولنا ملامسته سيميائيا فوجدنا أن عبقرية أبي راس الناصري السردية، لا يمكن التفوق عليها بالسهولة أو بالنظرة الأولى لنصوصه، ما لم يكن هناك زاد منهجي و مقاربات فاحصة، تستقصي أبعد الدلالات الموظفة في نصوصه.
إن استعمال المنهج السيميائي في تحليل المدونة يحيل على ذلك التعالق والتماس بين الذاكرة الساردة والمكان السير ذاتي، وقد بينت لنا مقاربة الدلالات وتفكيك الرموز من خلال انغلاق الأماكن وانفتاحها أن هذه الذاكرة الحافظة كانت تنتقي أبعادها المكانية بعناية فائقة خاصة منها الفضاء المديني، الذي يعتبر عنصر هام في تمويل غريزة السمو و التفوق .
وعليه كان المكان رمزا ومحفزا للذاكرة في استعادة الماضي الذي يبرز الغبن من جهة ومن جهة أخرى غريزة التفوق والسمو لدى الكاتب،ومن خلال مقاربة هذه الرموز المكانية سيميائيا توصلنا إلى معرفة قوة الذاكرة عند أبي راس الحافظ، والطريقة العبقرية التي وظف بها هذه العلامات المكانية خدمة لمكون السمو والعلو لديه.
تلعب الذاكرة دورا هاما في سردية النص السير ذاتي الذي يقوم على استدعاء ماضي السارد، مستضيفا معه تيمة المكان التي تعد من أهم الأسس التي يبنى عليها النص السير ذاتي، فتضفي عليه قيمة جمالية ومعنوية؛ فذاكرة أبي راس الناصري ذاكرة تاريخية، أيقظت الأمكنة المختئبة فيها وفق رؤى علمية وتاريخية، إذ يمكن استخلاص الحياة الإجتماعية ورسم خريطة جغرافية للحياة السياسية في ذلك العهد، وهذا ما جعل بعض النقاد والدارسين يصنفون الكتاب ضمن فن الرحلات أمثال : بلقاسم سعد الله، ومحمد الحفناوي.
(حلفاوي محمد. الجزائرجامعة مصطفى اسطمبولي، معسكر، الجزائر.)
5. الهوامش :
[i] نادية بوشفرة: مباحث السيميائية، ط1، السردية للأمل والطباعة والتوزيع، تيزي وزو، 2008، ص221.
[ii]محمد بوعزة: تحليل الخطاب السردي، ط1، الدار العربية للعلوم بيروت، 2010، ص34.
[iii] جوناثان كيه فوستر: الذاكرة، مقدمة قصيرة جدا، ترجمة مروة عبد السلام، ط1، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014، ص11.
[iv] ابن منظور: لسان العرب، م ط1، مجموعة 6، دار صادر، بيروت، لبنان، 1979، ص82.
[v] ياسين النصير: الرواية والمكان، د ط، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986، ص18.
[vi]هيثم سرحان: الأنظمة السيميائية، دراسة في السرد العربي القديم، ط1، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2008، ص45.
[vii]محمد صابر عبيد: التشكيل السير ذاتي، التجربة والكتابة، دط، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، 2012 ص97.
[viii] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[ix] إسراء سالم موسى الخزاعي: مذكرة دكتوراه، السيرة الذاتية في جهود الدارسين العرب، جامعة القادسية كلية التربية 2018، ص66.
[x] تركي زعيتر: جماليات المكان في الشعر العباسي، ط1، دار الرضوان للنشر والتوزيع، عمان الأردن، ط1 ،2013 ص269.
[xi] يوسف ولد النبيه: معسكر المجتمع والتاريخ، منشورات مخبر العلوم الاجتماعية والتاريخية، دط، مكتبة الرشاد للطباعة والنشر، الجزائر2014، ص126.
[xii] عبد الحميد بورايو: منطق السرد، دراسة في القصة الجزائرية الحديثة، دط، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، 1994ص146-147.
[xiii]غاستون باشلار: جمالية المكان، ترجمة غالب هلسا، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1984، ص37.
[xiv]محمد أبو راس الجزائري: فتح الإله ومنته، في التحدث عن فضل ربي ونعمته تحقيق محمد بن عبد الكريم الجزائري، دط، طبع المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986، ص19.
[xv]المصدر نفسه، ص 18.
[xvi]المصدر نفسه، ص 19.
[xvii]المصدر نفسه، ص 25.
[xviii]المصدر نفسه، ص 19.
[xix]محمد بشير بويجرة: الأنا والآخر، ورهانات الهوية في المنظومة الأدبية الجزائرية، د ط، دار تيفيتيلت الجزائر، 2013، ص30.
[xx] محمد أبو راس الجزائري: فتح الإله ومنته في التحدث عن فضل ربي ونعمته، ص19.
[xxi]المصدر نفسه، ص96.
[xxii]المصدر نفسه، ص 115.
[xxiii]المصدر نفسه، ص 165.
[xxiv]المصدر نفسه، ص 116.
[xxv]المصدر نفسه، ص 159.
[xxvi]المصدر نفسه، ص 43.
[xxvii]المصدر نفسه، ص 118.
[xxviii]المصدر نفسه، ص 18.
[xxix] عبد الحميد بورايو: منطق السرد، صص146-148.
[xxx]المصدر نفسه، ص18.
[xxxi]المصدر نفسه، ص18.
[xxxii] مريم بنت عبد العزيز العيد: سيميائية المكان في قصص عبد العزيز البطران القصيرة جدا، مجلة الآداب للدراسات اللغوية والأدبية، عدد 7 سبتمبر2020، ص 566.
[xxxiii] محمد أبو راس الجزائري: فتح الإله ومنته في التحدث عن فضل ربي ونعمته، ص145.
[xxxiv] تركي زعيتر: جماليات المكان في الشعر العباسي، ص200.
[xxxv] حبار مختار: محمد أبوراس الحافظ، قراءة في سيرته الذاتية مجلة دراسات جزائرية عدد 4/5 سنة،2007، ص34.
قائمة المصادر والمراجع:
المؤلفات:
- ابن منظور : لسان العرب، م ط1،مجموعة 6، دار صادر ، بيروت، لبنان، 1979.
- جوناثان كيه فوستر:الذاكرة، مقدمة قصيرة جدا ، ترجمة مروة عبد السلام ، ط1،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة ، 2014.
- هيثم سرحان : الأنظمة السيميائية ، دراسة في السرد العربي القديم، ط1 ،دار الكتاب الجديد المتحدة ، 2008.
- محمد أبو راس الجزائري: فتح الإله ومنته، في التحدث عن فضل ربي ونعمته تحقيق محمد بن عبد الكريم الجزائري، دط، طبع المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986.
- محمد بشير بويجرة: الأنا والآخر، ورهانات الهوية في المنظومة الأدبية الجزائرية، دط، دار تيفيتيلت الجزائر، 2013.
- محمد بوعزة : تحليل الخطاب السردي ، ط1، الدار العربية للعلوم بيروت ، 2010 .
- محمد صابر عبيد: التشكيل السير ذاتي، التجربة والكتابة، دط، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، 2012.
- نادية بوشفرة: مباحث السيميائية، ط1،السردية للأمل والطباعة والتوزيع ، تيزي وزو ،الجزائر ، 2008.
- تركي زعيتر : جماليات المكان في الشعر العباسي ، ط1 ، دار الرضوان للنشر والتوزيع ،عمان الأردن ،ط1 ،2013 .
- عبد الحميد بورايو :منطق السرد ، دراسة في القصة الجزائرية الحديثة ، دط،ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ، 1994.
- غاستون باشلار :جمالية المكان ، ترجمة غالب هلسا، ط1 ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1984.
- يوسف ولد النبية :معسكرالمجتمع والتاريخ،منشورات مخبر العلوم الاجتماعية والتاريخية، دط، مكتبة الرشاد للطباعة والنشر،الجزائر2014.
- ياسين النصير: الرواية والمكان، د ط، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986.
المقالات والمذكرات:
- إسراء سالم موسى الخزاعي :مذكرة دكتوراه،السيرة الذاتية في جهود الدارسين العرب ، جامعة القادسية كلية التربية 2018.
- حبار مختار: محمد أبوراس الحافظ، قراءة في سيرته الذاتية، مجلة دراسات جزائرية عدد 4/5 سنة، 2007.
- مريم بنت عبد العزيز العيد :سيميائية المكان في قصص عبد العزيز البطران القصيرة جدا،مجلة الأداب للدراسات اللغوية والأدبية ،عدد 7 سبتمبر2020.
List of Source and Reference :
Almualafati
- ibnmandoor: lisaanularab, daarusaadirm, beirut, lebanon, 1979.
- junathankihfustar: aldhaakirat , muqadimatqasiratjidana , tarjamatmarwateabdalsalam , t 1 , muasasathindawiunliltaelim , alqahirat , 2014.
- haythamsarhan: jureatalsard , dirasat fi alsardalearabiialqadim , t 1 , daralkitabaljadidalmutahidat , 2008.
- muhamad ‘aburasaljazayiriu: fathal’iilahwamuntahi, fi altahadutheanfadlrabiywaniematihtahqiqmuhamad bin eabdalkarimaljazayiriu, data, tabealmuasasatalwataniatlilkitabi, 1986.
- muhamadbashirbuijrati: al’anawalakhar, warihanatalhuiat fi almanzumatal’adabiataljazayiriati, d t, dartifitilitaljazayar, 2013.
- Mohamed Bouazza: Narrative Discourse Analysis, 1st Edition, Arab House for Science, Beirut, 2010.
- Muhammad Saber Obeid: Autobiographical Formation, Experience and Writing, ed., Dar Nineveh for Studies, Publishing and Distribution, 2012.
- nadiatbiwshfarati: mabahithalsiymyayiyati, ta1,alsardiat lil’amalwaltibaeatwaltawzie , tiziwuzu ,aljazayir , 2008.
- turkizieitar : jamaliaatalmakan fi alshieraleabaasii , tu1 ,daralridwanlilnashrwaltawzie ,eamanal’urduni ,t1 ,2013
- eabdalhamidburayu :mantiqalsard , dirasat fi alqisataljazayiriatalhadithat , dita,diwanalmatbueataljamieiataljazayir , 1994.
- ghastunbashlar :jamaliatalmakan , tarjamatghalibhilsa, ta1 , almuasasataljamieiatlildirasatwalnashrwaltawzie , bayrut , 1984.
- yusifwulidalnabiat :mueaskaralmujtamaewaltaarikhi, manshuratmukhbiraleulumaliajtimaeiatwaltaarikhiati, dut, maktabatalrushadliltibaeatwalnashri, aljazayir2014.
almaqalatwalmudhakirati:
- iisra’ salimmusaaalkhizaei :mudhakiratdukturah, alsiyrataldhaatiat fi juhudaldaarisinalearab , jamieatalqadisiatkuliyataltarbiat 2018.
- hbarmukhtar : muhamad ‘aburasalhafiz , qira’at fi siratihaldhaatiati, majalatdirasatjazayiriateadad 4/5 sanat , 2007.
- marimbinteabdaleazizaleid :simiayiyatalmakan fi qisaseabdaleazizalbatranalqasiratjida,majalatal’adablildirasatallughawiatwal’adabiat ,eadad 7 sibtambar2020.