الخطاب السردي النسائي المغربي في مواجهة الثوابت الذكورية.

ملخص البحث:

يسهم السرد النسائي المغربي في رسم معالم الأنماط الثقافية التي يتميز بها المجتمع المغربي، ويعكس الصورة الحقيقية للمرأة ضمن هذا النسيج؛ بيد أن هذا السرد الذي اتُّخذ وسيلة أدبية للتعبير عما يخالج الكاتبة المغربية من آمال وتطلعات، تصبو إلى تحقيقها وانتزاعها من بين يدي الرجل. وأصبح سلاحا في يدها تسعى بواسطته إلى مقاومة الهيمنة الذكورية، التي تحدّ من حريتها، وكذلك تحقيق مشروعها الفكري المجتمعي الذي يهدف إلى تحقيق المساواة والعدل في الآن نفسه. ليتشكل أمام المتلقي تصور جديد عبر تكسير الصورة النمطية للمرأة، التي تشيِّئــها وتختزلها في الجسد والأنوثة عموما، وعبر سعيها الدائم لحيازة مكانة حقيقية وواقعية ضمن منظومة المجتمع المغربي. هذا المشروع الذي يسطر لمسارات مميزة للسرد النسوي المغربي. نحاول من خلال هذه الورقة تقديم مقاربة نقدية، تترصد بعض المفاهيم الثقافية التي تعبر عن أنماط ثقافية في المخيال الجمعي الثقافي المغربي، والتي سنتوقف عندها من خلال نماذج روائية مغربية، وكيف تتصدى هذه النماذج للتصورات الثقافية، عبر مقاربتها بالمنظار الحقوقي النسوي، المبني على الفكر النسوي المناهض للفكر الذكوري.

الكلمات المفاتيح: السرد- النسوي- النسائي- النوع- الذكورة- الأنوثة- القوالب المنمطة- الفحولة- العنف الرمزي.

مقدمة:

يمثل مصطلح “حشومة” في الثقافة المغربية التقاليد والقيم الاجتماعية المحافظة، وهو ما يشكل عقبة أمام إقبال الكاتبات من النساء على الكتابة الروائية؛ إذ يجسد نظامَ القيود المفروضة على النساء، ويؤثر في العلاقات التواصلية، مثل التحدث مع الجنس الآخر. يعزز هذا السياق الاجتماعي خطاباً ذكورياً، أجبر النساء على صياغة أدب نسائي في الثمانينات، كان الغرض منه تحدي التفاوتات المنتشرة في المجتمع المغاربي ونقدها، كما أشار إلى ذلك بيير بورديو، فالطبيعة المحمية لبعض السلوكيات والخطابات التي تم الحفاظ عليها وإن بصورة جزئية عبر سيرورة الزمن، لتتخذ شكلا طقوسيا في منظومة القيم المغربية؛ حيث تمثل هذه السلوكيات والخطابات شكلا نموذجيا لرؤية “النرجسية الذكورية” و”الكونية الذكورية”، وتؤسس لديناميات القوة النوعية (الجندرية) والمعايير الاجتماعية التي تعزز الهيمنة الذكورية، وتكرّس الأدوار الجنسية التقليدية في المجتمع المغاربي. [1]

أسهمت هذه النظرة المهينة للمجتمع تجاه النساء، في اختزالهن في الجسد فقط، تبعا لجمالهن وإغرائهن وإنجابهن، وأحالتهن من ثم على الخضوع المطلق، بعيدًا عن مجالات المعرفة والإنتاج والبحث، ووفقًا لعبد الصمد الديالمي، “ترتبط قوة المرأة بالقوة البسيطة للإغراء والجنس”[2]. وتدعم هذا الرأي الإحصاءات التي تقدمها الهيئة العليا للتخطيط، والتي تظهر أن المرأة المغربية تواجه مجموعة من التحديات، كالأمية والفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي. تنبع هذه المعيقات من التفسيرات الجنسية (التي تختزل المرأة في الجسد)، التي تتغلف بالطابع الاجتماعي الديني المحافظ، وتجد صداها في النصوص المقدسة، التي كرست الظروف الصعبة للنساء، وصيّرتها أمراً معتاداً، يعيق قدرتهن على التعبير عن آرائهن، ويحجب بالتالي التعبير عن التيمات الأنثوية ومواضيعها حصرا على الكتّاب الذكور[3]. وهو ما أدى إلى تأخير ظهور صوت أدبي نسائي في المغرب بالصورة اللائقة، وعزز من التفاوت بين الجنسين.

تعيق ضوابط المجتمع الذكوري إمكانيات تحرر النساء، وتحملهن عبئًا ثقيلاً عبر تحدي العديد من القيود الاجتماعية. وتعد الكتابة (البوح) خطوة مهمة نحو التحرر، وتزيد طموح الكاتبات النساء في أن تكن مدافعات عن حقوق نوعهن.

إذا تتبعنا سرود الكاتبات النساء، نلاحظ التزامهن بالتصريح بعلاقتهن بالعالم، لاسيما عندما تختار المرأة نفسها موضوعا للسرد. وبناءً على ذلك، تتحدد نوعية روايات النساء على أنها هيمنة ذاتية على الواقع، وانعكاس لمنظورهن الخاص ولتجاربهن. يتيح لنا هذا النهج الخاص بالكاتبات النساء إمكانية استكشاف سردياتهن الفردية والتعبير عنها، والغوص في عوالمهن التي تتحدى القواعد الاجتماعية، وتسعى إلى تطوير خطاب أدبي نسوي مميز.[4]

تجيب المقالة عن سؤال ما إذا كانت الروايات التي كتبتها النساء في المغرب قد رسمت ملامح تاريخية وثقافية متميزة، تسمح لها أن تنخرط في السيرورة الأدبية المغربية، لاسيما في شقها النسائي. كما تتساءل عما إذا كان ينبغي اعتبار هذه الروايات مجموعة من الأعمال المتنوعة، التي أُنتجت من قبل الكاتبات النساء، بدلاً من تصنيفها تحت لواء حركة أدبية محددة أو اتجاه أو نوع فرعي. تسلط المقالة الضوء على هوية الأدب النسائي ومساره في المغرب، عبر استكشاف رموزه التي تقاوم الأنماط الثابتة، والتي تسعى إلى خلق دينامية التحول في الرؤى والمعتقدات.

إن تناول وجود أو عدم وجود رواية نسائية، بوصفه فرعا من الأدب المغربي، يقودنا بالضرورة إلى المواضيع الرئيسية للرواية النسائية؛ حيث يتميز المشهد الأدبي للكاتبات المغربيات بالمواضيع التي تعكس الحياة اليومية الصعبة للمرأة المغربية، بما في ذلك القمع، والإحباط الجنسي، والظلم، وعدم المساواة، والتهميش، والهيمنة الذكورية والميز النوعي، لتتبوأ أولئك الروائيات مرتبة المتحدثات باسم جنس يتعرض للفهم الخاطئ والتهميش، مستحضرات لفكرة التضامن غير المشروط.

البعد النسوي للرواية النسائية:

تسعى الكاتبات المغربيات إلى إماطة اللثام عن التفسيرات الخاطئة والتهميش الذي تتعرضن له، وغايتهن في ذلك توفير الدعم لمطالبهن والتضامن معهن. كما توفر رواياتهن منبرا للتعبير عن صراعات المرأة المغربية وتجاربها، بهدف تحدي المعايير الاجتماعية، والدعوة إلى التغيير.

يؤكد توحيد صوت النساء على وحدة القضية المشتركة بين النساء جميعهن وكونيتها، وليس النساء المغربيات فقط، على أمل إسماع رسالتهن، بالاعتماد على تفكيرهن المنطقي، ورؤيتهن الدقيقة للعالم وتناقضاته الفريدة. وتعكس بالتالي منظورًا نسويًا جماعيًا يسعى إلى التضامن والاعتراف بحقوق النساء وتجاربهن.[5]

الجسد والحرية الجنسية:

يحتل موضوع الجسد في الروايات النسائية حيزا مركزيا؛ حيث إن جسد المرأة هو الذي يكتب عن النساء، وينشئ اتصالًا حميمًا بين جسد الكتابة وموضوعها[6]؛ إذ يستعصي الجسد في البداية حتى عن قابلية التعبير، بله المناقشة، لاسيما داخل العائلة، الأمر الذي يترك الفتيات الصغيرات بدون أي تعليم حول أجسادهن الخاصة، ويجعل الجسد موضوعًا غامضًا ومحظورًا. ويمتد هذا النقص في المعرفة إلى تحولات سن البلوغ، مما يجعل الفتيات المراهقات مرتبكات وغير مستعدات لمرحلة التحول البيولوجية، وهي مرحلة مخاض فيزيولوجي ونفسي لديهن، كما هو موضح في رواية ” المتآمرون بيننا “؛ حيث تشعر البطلة الشابة بالحيرة تجاه الحيض بسبب عدم وجود أي تفسير.[7]

تتضمن مناقشة الجسد أيضًا، مناقشة إشباعه أو حرمانه، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بطابو آخر، وهو طابو “الجنس”. ويتخذ هذا الموضوع طابعًا مقدسًا في معظم الثقافات؛ إذ لا ينبغي انتهاكه من خلال الكتابة أو الحديث، وهو ما يقترحه فرويد في تصوره للجنس؛ إذ يؤكد أنه “يمكن للمرء أن يعتقد أن الجميع يتفقون على المعنى الذي يجب أن ترتبط به كلمة ‘جنسي’، ففوق كل شيء، أليس الجنسي هو الفاحش، وهو ما يجب ألا يتحدث عنه؟”[8]، ليجعل فرويد المجتمع يراقب -أو بالأحرى- يقف حارسا على مصدر مهم للمتعة الأساسية لسعادة الإنسان، وهو الجنس. ويقول علماء النفس إن الجسد، بوصفه مصدرًا للرغبة الجنسية والغريزة الجنسية، هو في صميم النقاش حول ثنائية “المتعة(الإشباع)/الانزعاج (الحرمان)”، وهو مفهوم يتبناه فرويد؛ حيث يهدف نشاطنا النفسي بأكمله إلى توفير المتعة لنا وتجنب الانزعاج، ويُتحكم فيه تلقائيًا بمبدإ المتعة. فهذا المفهوم الذي اقترحه فرويد، هو العامل الأساسي الذي يوجه عملياتنا النفسية، ويدفعها السعي للمتعة وتجنب الألم أو الانزعاج. فهو يؤكد على الدور الأساسي للمتعة في تشكيل أنشطتنا العقلية ودوافعنا.[9]

يؤدي الجسد دورا مهما في تجربة المتعة، التي تعد أمرًا حاسمًا في عملية تطوير الشخصية. وهو ما يؤكده علماء النفس، مثل فرويد، الذي يشدد على أن الرغبات الجسدية غير المُرضية يمكن أن تؤدي إلى انحرافات عاطفية وخيبات أمل ناجمة عن عدم الرضا والتقدير، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يعتبر علم الاجتماع إدانة المتعة ومناقشة الجسد، نتيجة للتلقين الاجتماعي المفروض من قبل المؤسسات الأبوية (الباطرياركية)[10]، مما يزيد في تهميش الجسد ضمن المجتمع، لاسيما في الأدب النسائي، حيث تهدف الكاتبات النسائيات إلى تحدي الأحكام والتقاليد الاجتماعية من خلال استعادة أهمية الجسد وربطه بالإلهي[11]، وهو ما نجد صداه عند الكاتبات الروائيات المغربيات؛ إذ يتحدين الطابوهات الاجتماعية من خلال كتاباتهن المثيرة، وتحديدًا في هذا المشهد الإباحي لبهاء الطرابلسي؛ حيث تصف البطلة فقدان عذريتها عن طواعية، ومفاجأة شريكها الجنسي:

“كان لدي شعور حاد بجسدي. عندما اخترقني، فعل ذلك في لمح البصر، بطريقة وحشية تقريبا، وكان مندهشًا لمواجهة عقبة. أحسست بألم ممزوج بالمتعة. كان يدخل ويخرج بصعوبة في البداية، ثم رويدا رويدا، أصبح الأمر أسهل”.[12]

تهدف بهاء الطرابلسي -مثلها مثل باقي الكاتبات- من خلال التطرق إلى هذه الطابوهات في كتاباتهن، إلى تحدي القوانين الاجتماعية والذهاب إلى أبعد حدود التعبير، لتطرق مواضيع مثيرة للجدل ومحظورة في سياق مجتمعي، تُفترض فيه الحشمة والتزام الضوابط الدينية. إضافة إلى ذلك، تستخدم بهاء الطرابلسي موضوع جسد المرأة والجنس، لتحدي المعايير الاجتماعية كما أشرنا سلفا، ولإلقاء الضوء على خوف الرجال من جسد المرأة المتحرر، الذي لا يخضع لسلطة المشترك الثقافي الديني، حيث تُظهر الرجل الذي يهيمن على العلاقات الجنسية، خجولًا ومرتبكًا أمام متعة المرأة النشطة، متأثرا كذلك بهذه الضوابط الاجتماعية التي يتجاوز تأثيرها الأنثى فقط إلى الذكر أيضا. وتصف الساردة موقف شريكها بأنه متردد ومحرج، وهي علامة على الضعف، وتأكيد لقوتها وسطوتها:

“كان يتلمسني بتوتر وتوجس. كنت أشعر بتردده وتوجسه، واعتبرها بمثابة علامات على ضعفه. كان تحت رحمتي. وجهه شاحب، بدا على حافة الانهيار”.[13]

إن الاعتقاد القديم القائل بأن المرأة هي كائن جنسي، موجودة فقط لتلبية احتياجات شريكها، دون الأخذ بعين الاعتبار رغباتها الخاصة، يجعل المرأة تتمرد ضد هذا الدور السلبي والصورة النمطية، ويعبر عن عدم رضاها، ويُدين كل الأشكال السلبية التي يمارسها الرجل تجاهها. وهنا يتجلى الصراع القائم بين النساء والرجال، عبر تحدي الطابوهات الاجتماعية، واستعادة زمام المبادرة في تجاربهن الجنسية الخاصة:

“كان يطلبها كثيرًا. كانت تخشى أن تجرحه برفضها له. نسيت أن تشتهيه منذ صغرها، أو لم تتعلم كيف تفعل ذلك، ولكنها كانت تعاني من الخوف من كشف نقص رغبتها، وإيذاء كبرياء زوجها..”[14]

يصف هذا المقتطف تجربة العديد من النساء اللواتي يتلقين بصورة متكررة إغراءات أزواجهن، دون التفاعل معها، وحتى الرغبة فيها؛ فهن يتجنبن رفض مطالب أزواجهن خشية إيذاء كبريائهم، مما يؤدي إلى صراع مستمر مع نقص الرغبة الخاصة بهن، والخوف من الكشف عنها. لتتكشف أمامنا الديناميات المعقدة للعلاقات الجنسية، وتوقعات المجتمع، والصراعات الداخلية التي تواجهها النساء في التعبير عن رغباتهن وتحدي الأدوار الجنسية التقليدية.

أمام هذا الوضع غير المتكافئ، العديد من النساء اللواتي يلبّين طلبات أزواجهن بطاعة، دون متعة، تطرق سهام بنشقرون، بمعية بعض الكاتبات، من خلال سرودهن الجريئة، والشجاعة، أبواب مواضيع الحياة الجنسية والحميمية، متصدرة لمواجهة الطابوهات الاجتماعية. ففي روايتها ” أن أحيا”، تستسلم البطلة لرغبات زوجها الجسدية، في حين تخشى في الوقت نفسه أن تكشف عن عدم رغبتها ورضاها، حيث تتخوف من إيذاء كبريائه، من خلال الاعتراف بأن جسده لا يثيرها، وأن العلاقة الجنسية بينهما لا تجلب لها المتعة.

في الواقع، “يجب أن تكون رغبة المرأة مخيفة، فالأمر متروك لزوجها أن يرغب”[15]. يسبب هذا الاغتصاب الزوجي المشروع عذابًا مهينًا لنادية، يشبه أعراض مرض فظيع. وبالتالي تقمع القيمُ المجتمعية المرأة، وتحرمها من التحكم في رغباتها الخاصة، وتواصل المعاملة المهينة التي تتعرض لها في العلاقات الحميمة:

“بينما كانت تحتضنه بقوة، كانت تكافح بكل قواها، عينيها مغلقتان وأصابعها متشنجة، ضد رغبتها في التقيؤ أو الانهيار في البكاء، وذلك الإذلال الذي تعانيه بالقوة من فتح فخذيها ولكنهما مفتوحتان، وتسأل نفسها بيأس من أين ستجد الشجاعة لتحمل هذا الاغتصاب القانوني السخيف طوال حياتها”.[16]

يعبّر الحقل اللغوي المستخدم في النص عن وحشية العمل الجنسي، الذي يتحول إلى تعذيب حقيقي: “عناق، صراع، عيون مغلقة، قبضة مشدودة، تقيؤ، نحيب، إهانة، ضد إرادتها، فخذين متصلبين، يأس، تحمل، اغتصاب…”، وتقدم هذه الكلمات صورة مأساوية، توضح الحياة الصعبة لامرأة محكومة بتحمل عذاب لقاء جنسي، يجب أن يمنحها -نظريا- الرضا الجنسي في ذروة العلاقة الحميمية.

تتناقض هذه الحالة مع التعريف الذي يعطيه المحللون النفسيون لصفة “جنسي”؛ إذ تؤكد على الاختلاف بين التحقق المتوقع وواقع التجسيد، حيث تُحرم المرأة من الرغبة، وتصير أداة مجردة تُستعمل لمتعة الآخرين:» يمكنك أن تقول إن كل ما يتعلق بالنية للاستمتاع بالجسد، وبشكل أكثر تحديداً بالأعضاء التناسلية، من الجنس الآخر، هو جنسي«[17]،  بناءً على هذا التعريف، فإن أي تجسيد للمرأة يحرمها من التجربة المشتركة للرغبة؛ حيث يتم وصف العلاقة الجنسية في رواية “أن أحيا”، بوصفها واجبا زواجيا آليا (ميكانيكيا) بدون متعة، فيصير غياب المتعة وتقليص العمل الجنسي مجرد “التزام”، مما يؤكد عدم الوفاء والرضا في اللقاء:» كانت تأمر ساقيها الممدودتين -بصورة آلية- بتقلصهما. تدفق السائل البارد من داخلها، وألقى بها فجأة في واقع سريرها [18]«. يستحضر مصطلح “آلي” صورة عمال المصانع الذين يقومون، بشكل متكرر، بإنجاز مهامهم بلا اهتمام وبكثير من الإهمال. إن اختيار هذه الكلمة ليس اعتباطيا؛ فهو يسلط الضوء على الطبيعة الميكانيكية والمنفصلة للتجربة الجنسية الموصوفة في النص، حيث تفتقر أفعال البطلة إلى العاطفة أو الاهتمام الحقيقي، ويزيد التأكيد على غياب المتعة والارتباط العاطفي في العلاقة الجنسية المصورة. كما تبرز عبارة “السائل البارد” -التي تشير إلى السائل المنوي- التناقض بين درجة حرارته الفعلية والبرودة العاطفية التي يشعر بها الشخص خلال هذا اللقاء الجنسي. وتشير إلى أن غياب الدفء والارتباط العاطفي في هذه العلاقة الشهوانية يلغي أي شعور بالحميمية أو العاطفة.

كما تسلط بعض الروائيات الضوء على شخصيات نسائية من التاريخ، وهو ما تقدمه زكية داوود لنموذج “زينب النفزاوية”، ملكة مراكش أو زوجة يوسف بن تاشفين أمير الدولة المرابطية، التي حظيت بالتقدير لقوتها وجرأتها وحكمتها وأنوثتها المشعة. ورغم أن زينب النفزاوية مرت بثلاث زيجات، إلا أنها تصل إلى ذروة جمالها وروعتها في سن ال ـ32، عندما تدخل في زواجها الرابع مع يوسف بن تاشفين، مما يجعلها أكثر جاذبية وتمكينًا:» عندما تزوجت للمرة الرابعة في مايو 1071 مع يوسف ابن تاشفين، كان عمر زينب 32 عامًا. إنها في ذروة جمالها وقوتها« [19].

إدانة الاستسلام في مجتمع ذو نظام أبوي:

يجسد الأب غالبًا في مجتمع ذي طابع ذكوري، السلطة والهيمنة الذكورية؛ فهو لا يقبل الاستجواب أو السؤال، ولا يخطئ، ولا يتأثر بالضعف العاطفي. في الوقت نفسه، يعتبر الأب، إلى جانب الأخ والابن، شخصية تسعى الكاتبات النسائيات للإطاحة بها؛ حيث يكون لدى البطلات رغبة في التمرد على القيم المناهضة للمرأة، وهو ما يُؤشَّر عليه في رواية “ببساطة امرأة”:» نعم، كان هناك الكثير من الثورة في داخلي، كنت أتمرد على كل شيء، (…) ضد الرجال في حياتي، والدي وأخي « [20]. يتم التركيز، ضمن سياق الرواية النسائية المغربية، على الدور السائد للأب ضمن تراتبية العائلة المغربية؛ فهو يمتلك سلطة وسيطرة كبيرتين، تتجلى في ملكيته للحريم، حيث يتواجد مجموعة من النساء لتلبية احتياجاته ولضمان راحته. ويعكس هذه التصور الطابع الأبوي للمجتمع، ومقاومة البطلات النسائية للقيم المنحازة ضد النساء التي تمثلها الشخصية الأبوية:

“يطالب الأب بضوابط محددة من الاحترام، ويحافظ على مسافة لا يمكن انتهاكها. يتم تقبيل اليدين للتحية، ويُلتزم الصمت في وقت أكله التي يتناولها بمفرده، أو أثناء صلواته التي يصرخ فيها بصوت عالٍ (…) تسهر مجموعة من النساء، من جميع الأعمار والظروف باستمرار لخدمته «. [21]

يصف هذا المقطع صورة الأب في المجتمع الأبوي، مصورًا إياه باعتباره شخصية محترمة، وذات امتيازات، يتمتع بها حصرا لجنسه الذكوري. فهو يمثل السلطة والرقابة، ويتخذ القرارات في كل ما يتعلق بحياة أبنائه. ويحافظ على وجوده من خلال القواعد والتوقعات الاجتماعية حتى لو كان بعيدًا، ويفرضها بشكل خاص على بناته، ويمنع العلاقات الودية والسرية. تتأكد لنا هذه الصفات في رواية “ببساطة امرأة”، عندما تتحدث الساردة عن والدها قائلة:

» كان أكثر خبثًا، لأنه كان أكثر يقظة فيما يتعلق بطريقتي في الوقوف، واللباس، والتحدث، والعيش عموما. كان وجوده طاغيا «.[22] 

نرصد من خلال النص إدانة للرجال، عبر التقسيم النوعي (الجندري) للمساحة إلى عوالم متضادة: الفضاء العام الذكوري والعوالم الخاصة الأنثوية[23].  وهو ما يتطابق مع أفكار بيير بورديو من خلال دراسته لمجتمع القبائل الجزائري، مع المقولات الأدبية التي تنتقد هذا التقسيم. ووفقًا لبورديو، تشمل المساحات المرتبطة بالنساء -كما هو الشأن في الرواية النسائية-، المنزل الزوجي، والحمام التقليدي، والبيت العائلي، والقيساريات، بينما تكون أماكن الترفيه والتسلية حكرًا على الذكور فقط، ويحمل كذلك الأثاث والألوان في عوالم الجنسين دلالة مميزة، تعكس تمثيل كل جنس في المخيال العام؛ حيث تتميز الفضاءات المخصصة للرجال والنساء بالتناقض، لاسيما الحانات والنوادي المرتبطة بالذكورة والقوة، التي تتميز بالجلد والأثاث الثقيل والكبير والألوان الداكنة، بينما يتم تصوير الفضاءات المعتبرة “أنثوية” بألوانها الرقيقة والأشياء الصغيرة و”الدانتيل” والشرائط، مستحضرة مفاهيم الرقة والترف. ويعكس هذا التصوير الصور النمطية للجنسين في المجتمع، وتقسيم الفضاءات بناءً على الأدوار والتوقعات الجنسية (الجندرية) التقليدية.[24]

تُوظَّف الشخصية الأبوية في الرواية النسائية بوصفها رمزا للثبات ومقاومة التغيير، وهو ما يخلق، حسب هؤلاء الكاتبات، حاجزًا بين التقدم والاستقرار، بين العالم الغربي بحرياته والعالم الشرقي بقوانينه القديمة، عبر استخدام ضوابط أخلاقية، ودينية يُشار إليها بـ “الحدود”. وتعمل تلك الحدود على الحفاظ على الفصل بين مجالات ثقافية مختلفة، وتحافظ كذلك على القيم التقليدية.  تصور الكاتبة فاطمة المرنيسي في محكيها الذاتي “أحلام النساء الحريم”، الحدود الثقافية التي بناها والدها، وتمثل هذه الحدود، الحدود الأخلاقية والدينية التي تفصل بين التقدم والاستقرار، وبين الغرب وحرياته، والشرق وقوانينه القديمة؛ إذ يَعتبر الأب، بوصفه مدافعًا عن الأخلاق، انتهاك هذه الحدود هو السبب الجذري لجميع المشاكل، بينما تتحدى النساء هذا الواقع، في سعيهن للتحرر من وضعيتهن المؤسفة، وغالبًا ما يتحدين المقدس ويتنازعن معه. تقول الكاتبة:» لم يحب والدي السيدة بنيس، على وجه الخصوص. كان يقول إنها تمر بسهولة بين الثقافات دون أي احترام للحدود «.[25]

تنصب الأبوية (البطريركية) نفسها بوصفها مدافعا عن الأخلاق، وتعتبر أن تجاهل حدود “الحدود” (الحدود المعنوية) هو السبب الجذري لجميع المشاكل، وهو ما يتجلى في ذكريات بطلة رواية فاطمة المرنيسي، التي تلقت تعليمها داخل الحريم، وسعيها للتحرر من ظروفهم المؤلمة، ومقاومتها لهذه الحدود، واستمرار علاقتها المتوترة مع كل ما هو مقدس؛ إذ تقول الكاتبة:

»يقول أبي: تبدأ مشاكلنا مع المسيحيين عندما لا يتم احترام الحدود المقدسة، وهو الحال كذلك مع النساء. وُلدت في فوضى تامة، حيث كان المسيحيون والنساء يتنازعون الحدود المقدسة باستمرار، وينتهكونها بلا توقف«.[26]

يرتبط مفهوم “الحدود” بالإطار الديني الإسلامي، وهو مفهوم يقيد المرأة والرجل على حد سواء، لكونه نابع من تعاليم الدين الإسلامي، لكنه بالنسبة إلى المرأة يجعلها تعيش حياة مملة تمر معظم أطوارها في الخفاء.  مما يجعل هذه الحدود محط انتقاد بالنسبة إلى الروائيات النسويات؛ إذ يكرس خضوعهن وسطوة المجتمع عليهن، مرجعات ذلك إلى التفسير الناقص، وغير المنفتح للنصوص المقدسة، التي تعزز التسلسل الاجتماعي الظالم، حيث تعتبر ثوريا أولهري أن التطرف الإسلامي يمثل شكلاً قويًا من أشكال الاستبداد، لاسيما تجاه النساء، مما يفرض عليهن قالبًا موحدًا.[27]

بالإضافة إلى الدين، يتم تغذية استمرارية الحدود من خلال الاستدلال بالماضي، والتقليدي (تقليد الأجداد)، والتقاليد الأصيلة، مع الابتعاد عن الحداثة، التي تعتبر خطيئة وتجرؤًا. وهو ما يكشف الصراع بين القيم التقليدية ورفض الابتكار والإبداع، مع إصباغ الماضي بصبغة النقاء والطهارة، مما يحجب المرأة في أدوار تابعة، خوفًا من العالم الخارجي، وتفضيلًا للعزلة:

» الزمان هو جرح العرب.

يشعرون بالراحة في الماضي.

الماضي هو العودة إلى خيمة أجدادنا المفقودين.

التقليدي هو أرض الموتى.

المستقبل هو الرعب والخطيئة.

الابتكار هو بدعة، جنائية! «[28]

ينتقد المقطع التقاليد والعادات المغربية المتجذرة بعمق، التي ترى الماضي نقيا وطاهرا؛ حيث الدور المحدد سلفا للنساء هو الاهتمام والالتزام بالشؤون المنزلية، ورعاية أطفالهن وطاعة أزواجهن، وتعكس هذه التوقعات المجتمعية عقلية محافظة، تفرض أدوارًا صارمة ونوعية على النساء بناءً على القيم التقليدية: «أريد أن أعيش في الحاضر. هل هذا جريمة؟».[29]

إن الانقسام الحاصل بين الحاضر والماضي، وكذلك التضاد بين التقاليد والحداثة، يدفع الكاتبات المغربيات إلى انتقاد الوضع الراهن؛ إذ توفر التقاليد والماضي للرجال الراحة، في حين يُخصص دور المرأة لتكون خادمة وجارية. ولكن الخوف من العالم الخارجي، بما في ذلك الشارع وأوروبا والمجهول، يؤدي إلى تفضيل العزلة وفضاء الحريم:

«أنتن في الحريم عندما لا يحتاجكن العالم.

أنتن في الحريم عندما تُعتبر مشاركتكن تافهة لدرجة أنه لا أحد يطلبها منكن.

أنتن في الحريم عندما يكون ما تفعلنه غير مجد. «[30]

واستمرارًا لديناميات الأبوية (الجنس والسلطة) داخل العائلة المغربية، تصف الرواية النسائية المغربية كيفية تنازل الأب عن السلطة للأخ، كتسليم للسلطة في إطار تراتبي ضمن العائلة أو منهج “الإنابة”، الذي يديم نظام القمع والعقاب في غياب دور الأب المركزي والمسيطر؛ حيث “يصحح” الأخ سلوك أخته، بالممارسات العنيفة المستحقة في نظره، مثل اختيارها صديقات أكبر سنًا. وهو ما نلمسه في خطاب أب البطلة لأخيها في رواية ” رجالي مفخرتي”، قائلا: «اسمع يا كريم! إذا رأيت أختك في المدرسة تتعامل مع فتيات أكبر سنًا منها، فاضربها. هل سمعت؟ -حسنًا يا أبي. يجيب كريم».[31]

يتعرض سلوك المرأة للضغوط الاجتماعية وللمراقبة الشديدتين؛ حيث يقابل أي شكل من أشكال التمرد أو الانحراف عن المعايير الاجتماعية ب “كْلامْ النَّاس” (أحاديث الناس). تؤدي هذه المراقبة إلى خلق بيئة “حصارية”، تحاصر حرية المرأة واستقلاليتها، وتقيدها، مما يعزز الأدوار النوعية (الجنسية) التقليدية والسلوكيات:

«– إيوا (ثم)، ماذا سيقول الناس؟ – ليقولوا ما يشاؤون، إنها حياتي وليس حياتهم ».[32]

يصف المقطع الضغوط الاجتماعية والتوقعات المفروضة على الأزواج، لاسيما ضمن العائلة، فيما يتعلق بالإعلان عن الحنان والحب بين الزوجين. لتفرض بذلك العائلة ضبط النفس، وهو ما يؤدي إلى شعور بالغربة بين الزوجين، حيث يتجاهلان بعضهما البعض ويوجهان انتباههما نحو أفراد العائلة الآخرين. ويتم شجب تعبيرات الحنان والمودة لأنها تعتبر انتهاكًا لضوابط العائلة. ففي رواية ” رجالي مفخرتي “، تُصدم البطلة بتحول سلوك خطيبها عند زيارته لعائلتها، حيث يصبح بعيدًا ومتحفظًا، والتجاوب مع أقربائه فقط:

«كانت هذه المرة الأولى التي رأيته ينشط داخل عائلته. أصبح بعيداً عني ولم يعد يتحدث معي تقريباً، محتفظاً بكلامه لأقربائه الذين يتحدث معهم بسهولة. (…) أين ذهب الشاب المليء بالحماس والثقة بالنفس والحريص…؟ ».[33]

المرأة حارسة النظام الأبوي:

من المفارقات الغريبة، أن تكون النساء أيضًا عقبة أمام حرية نساء أخريات، وتمثلن في بعض الأحيان خطرًا حقيقيًا عندما يفعلن ذلك. ففي ظل منظومة المجتمع الأبوي (الذكوري)، وتحت تأثير القيم والأعراف الاجتماعية، تنخرط النساء في نظم قمعية وتقيدن حركة النساء الأخريات، من خلال أفعال وسلوكيات يمكن أن تكون لها عواقب تحررية وقمعية، مما يؤكد التداخل المعقد بين السلطة وديناميات الجندر في الهياكل الاجتماعية. ونمثل لذلك عبر تصوير شخصية “الحاجّة” في الأدب المغربي للتقاليد القديمة، والمعايير المجتمعية الخاطئة؛ إذ تُعتبر “الحَاجَّة”* بمثابة رمز للتخلف والعادات المستبدة والخوف والاستصغار، وقوة موجهة لأبنائها وزوجها، وتمثل نموذجا للنقص والضعف في الأنوثة والرأفة:

«هناك نساء يدمرن بجدارة سمات جنسهن. كانت الحاجة تتجنب الظهور، بدلاً من ذلك كانت ترتدي حجابًا قبيحًا بألوان مظلمة مليئة بخطوط بنفسجية غامضة. كأنها نموذجا للقبح والتحفظ».[34]

تبرز الحاجّة بوصفها أمًّا “استبدادية” (ضد الأنثى)، لكنها تسمو إلى منزلة عليا بفضل أبنائها الذكور، الذين يعتبرونها امرأة ضحت بكل شيء من أجل عائلتها، وامرأة بألف رجل. وتعتبر مثالا للصمود والصبر، تصوَّر بوصفها نموذجا ومقياسا للمقارنة مع “الفتيات الحديثات”، اللاتي يعتبرن ضعيفات وغير كفؤات في مهمة ربات البيوت. وتسبب هذه النظرة التنقيصية الضيق لدى النساء الشابات (العروسات)، اللواتي يعتبرن حماتهن (الحاجات)عاملا آخر يساهم في القمع داخل المنزل: «كانت تجد في هوس الأبناء بتمجيدهم لأمهاتهم عادة مزعجة».[35]

تسليع المرأة بمنطق البيع والشراء:

يتعزز خضوع المرأة كذلك، من خلال الصور النمطية التي تحصرها في حبها المفرط للمجوهرات والفساتين والأثاث. تنتقد الكاتبات النسويات النظرة التقليدية للمرأة بوصفها كائنا يُشترى من عائلتها، ويُزين به في بيت عريسها، ويرفضن تصويرهن بالتالي كـ “أنثى غبية”. ويؤكد هذا النقد اللاذع للقواعد الاجتماعية ضرورة المعاملة المتساوية، ويزكي الاعتراف بالمرأة بعيدًا عن الصفات السطحية:

«ولكن يا أبي، أنا لا أحلم! أعتقد أنني لست للبيع، هذا كل شيء. وليس لدي أي نية لوقف دراستي! أبدًا! أريد علاقات متساوية مع زوجي المستقبلي بكل بساطة. وأتساءل كيف يمكنني المطالبة بها، إذا تصرفت مثل أنثى غبية مهووسة بالخواتم أو الأرائك أو الثلاجات!».[36]

إن سلطة الزواج القصري التي تُفرض على النساء بالزواج في وقت مبكر، تمثل خطرا محدقا يهدد حياتهن اليومية. ويعتبر عدم الاقتران بزوج فشلاً لا يُغتفر، ويؤدي إلى الإهانة والعيش تحت ضغوط المجتمع، ونظرته القاسية. كما أنه عامل مهم في تحديد قيمتهن ومكانتهن الاجتماعية، وبناء عليه تتحدد مجموعة من السلوكات والمعاملات التي توجه نحو المرأة. تشير عبارة “الْبَايْرَة” (العانس)، ضمن الأدب النسائي المغربي، إلى القدح والسخرية من النساء، والتهكم عليهن، وهي صفة لصيقة ببطلات الروايات النسائية، وحتى بكاتبات هاته الروايات. ففي رواية “رجالي مفخرتي”، يتهكم الأخ على أخواته قائلا: «سوف تبقين عانسات طوال حياتكن».[37] وهو ما يكشف وجه الظلم في المجتمع تجاه النساء، وحجم التحامل الذي تتعرضن له، وكمّ العنف الرمزي المسلط عليهن.

إن عبارة “عانس” تمثل نموذجا للعنف الرمزي، وتلخص المعاملة المهينة التي تواجهها البطلات النسائيات، والتي تبرزها الروايات النسائية. ولا يقف العنف الرمزي المهين لكرامة المرأة وحريتها عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى داخل إطار الزواج، عبر نماذج متنوعة للنساء اللواتي يتعرضن للتحيز، وهو ما يكشف الطبيعة الظالمة والقاسية للمجتمع. فمثلا، عندما يتعلق الأمر بزوجين لا يملكان أطفالا، تتحمل المرأة دومًا المسؤولية، وتتعرض للتحرش والسخرية بعبارات مثل: “عاقر” (عاگرة) و”عقيمة” و”غير خصبة”. وبالتالي يتضح النمط الاجتماعي المبني على القمع، الذي يقيد حرية المرأة ومكانتها. وفي هذا الصدد تقول فتيحة الگلاي:

«لا توجد مشكلة في معرفة من المسؤول عن ذلك. لا شك في فحولة الرجل. كان من واجب المرأة أن تبذل قصارى جهدها لإثبات قدرتها على الإنجاب للجميع».[38]

تلخيص الضوابط والحدود في عبارة “حشومة”:

تجمع كلمة “حشومة”، بين جميع القيود الاجتماعية وتستقطب الانتقادات الشديدة ضمن الروايات النسائية. فهي تُخضع النساء، لاسيما المتزوجات منهن لتدابير قمعية، تحت مسمى “اللياقة والكياسة والتهذيب”.  فكلمة “حشومة” تمثل النظام الكامل للقيود التي يفرضها المجتمع لتقييد حرية المرأة، ومعناها المتعدد الجوانب ما زال يتم استكشافه من قبل علماء النفس وعلماء الاجتماع.

«كان يبدو في الواقع أن وضعها الجديد كزوجة شابة يجب أن يجعلها تخضع بالضرورة لتعقيدات اجتماعية لا يمكن فكها. كان حشومة (من المحرج) أن تبقى متأخرة في الليل مع خطيبها، و”حشومة” أن تظهر بملابس مهملة أمام والديها، و”حشومة” أن ترقص في العلن».[39]

تجسد هذه العبارة بالملموس النظام الكامل للقيود الاجتماعية المفروضة لتقييد حرية المرأة؛ حيث يعمل علماء النفس وعلماء الاجتماع على استكشاف معاني هذه الكلمة المتعددة، وقدرتها على التكيف. وتسلط سمية نعمان-جسوس الضوء على صعوبة تحديد معناها بدقة، حيث يمكن أن تمثل الشعور بالعار لارتكاب بعض الأفعال، والحياء الذي يقيد سلوكيات محددة:

“عبارة (حشومة) صعبة الترجمة: هي العار في بعض الأحيان؛ العار في ارتكاب هذا الفعل أو ذاك، وفي بعض الأحيان هي الحياء والحشمة، التي تمنع من التصرف بهذه الطريقة أو تلك. ولكن الحشمة في الواقع ليست هذا ولا ذاك. فبالإضافة إلى العار، وبالإضافة إلى الحياء، فهي موجودة باستمرار، في كل مكان، في كل ظرف. لا تحتاج الكلمة إلى أن تُنطق، الحشمة تُحكم وتُسيطر وتُحظر، وهي تتجاوز العديد من الأفعال.”[40]

أدائية الكتابة السردية النسائية:

ليست الكتابة الرومانسية هي السمة التي يمكن أن نميز بها الأدب النسائي، بل تتخذ الكاتبات النسائيات من الرواية والسرد عموما أداة فعالة، للتأكيد على الذات المطالبة بالحقوق الأساسية، صار معها السرد منصة لإطلاق الدعوات المتكررة لمحاربة الوضع المختل الذي تواجهه النساء وتغييره. تؤكد فاطمة المرنيسي أن النساء يجب أن يستمررن في النضال من أجل حريتهن، رغم القيود المجتمعية؛ حيث إن الاستسلام للضعف يعزز السكون والخضوع: «إذا لم تتمكن من مغادرة المكان الذي تتواجد فيه، فأنت من جانب الضعفاء»[41]. وتؤكد بذلك الكاتبة على أهمية تحمل النساء لهمِّهن شخصيا، وضرورة أن يقاتلن من أجل حريتهن وحقوقهن، فالاستمرار في وضع غياب إرادة التغيير يعني الضعف، وبالتالي وجب اتخاذ موقف حاسم، والعمل بنشاط والتزام نحو التغيير.  كما تؤكد بهاء الطرابلسي على مسؤولية الجيل بأكمله من النساء، في المشاركة بنشاط في إحداث التغيير، وتأمين الحقوق التي تعتبر أساسية، وأهمية الجهد الجماعي الذي يتطلبه التعامل مع القضايا الاجتماعية والدعوة إلى الحقوق الأساسية. تتوافق وجهة نظر الطرابلسي مع المنظور العام لدور الرواية النسائية في تحدي القوانين الاجتماعية وتحويل النظرة الثقافية؛ إذ تقول: «لكن من واجبنا، أن يغير جيلنا الأمور، ونعطي المرأة مكانها الحقيقي في المجتمع».[42]نضيف أيضا أن الكتابة النسائية المغربية تعيش تحت مسمى “دوامة الصمت”، هذا المفهوم الذي نحثته الباحثة إليزابيت نويل-نيومان، والذي يقر بأن الاتجاه العام أو رأي الأغلبية يوجه سلوكاتنا، وهو الأمر الذي يجعلنا نتظاهر بالتوافق مع الآخرين، مخافة التهميش والاقصاء، مما يدفع، في حالتنا هذه، الكاتبات إلى التخفي في التعبير عبر لغة أخرى[43]؛ إذ نجد أغلب النصوص الروائية التي تطرح قضايا المرأة في بعدها النسوي، مكتوبة باللغة الفرنسية. ويستهدف هذا الاختيار المتعمد التواصل مع متلق نوعي، يتميز بمستوى فكري أكثر تقدمية وتسامحا مع قضايا المرأة، التي تتجرأ على الطابوهات والمواضيع الحساسة في المجتمع.

تتجذر المعتقدات والقواعد السائدة في تقاليد قديمة تمتد لقرون ضمن سياق تراثي اجتماعي، وهو ما يدفع الأدب النسائي إلى تحديها، وإظهار أن الثقافة قد حوّلت مفهوم المساواة إلى حالة طبيعية. كما يشير بيير بورديو، عندما يؤكد على؛ استعادة الرأي العام السائد ذو الطبيعة المتناقضة، عبر تفكيك العمليات المسؤولة عن تحويل التاريخ إلى نظام طبيعي، وتحويل التحكم الثقافي إلى حالة طبيعية.[44]

التباس التعبير في الرواية النسائية:

يثير تعبير “الرواية النسائية” جدلا واسعا، لأنه ينبني على الاختلاف النوعي (الجنسي)، الذي لا يعني بالضرورة اختلافات في تصور الواقع والعالم؛ إذ تتجاوز القيم الكونية الاختلافات النوعية، ومن غير المبرر أن تؤدي مثل هذه الاختلافات إلى التهميش، حين يكون التمييز مطلوبا. ويؤكد عبد الله المدغري العلوي على أن العديد من الأكاديميين لا يستسيغون كل إنتاج أدبي يدخل في مفهوم “الأدب النسائي”، على اعتبار أن التمييز القائم على معيار النوع (الجنس) هو إشكال في حد ذاته، فيقول:

“ينكر العديد من الأكاديميين الإنتاجات الأدبية التي تدخل في خانة “الأدب النسائي”، معتبرين أن التمييز بناءً على معيار نوعي ليس سليما. وبعض الكتاب، لاسيما النساء منهم، يترددون في تصنيف كتاباتهم ضمن هذا الصنف الأدبي، مخافة حصرها في زاوية معينة”.[45]

كما يمكننا أن نرجع أسباب هذا الجدل القائم، إلى النقص الملحوظ في الإنتاج الأدبي النسائي مقارنة بنظيره، سنسميه تجاوزا، الأدب الرجالي، واستقلاليته بآلياته وقواعده عبر مراحل التاريخ سواء كمًا أم كيفُا، وبالتالي يصعب تبرير هذه التسمية.  وهو ما يتطلب الوقت حتى يؤكد، ويتطور، وينوع، ويتميز على الصعيد الكمي والكيفي عن غيره من الإنتاجات الأدبية، ليؤسس لنفسه نوعا مستقلا، يسمح للرواية النسائية أن تكون قائمة بذاتها. وهو الأمر الذي يؤكده خالد زكري أيضًا، بخصوص ضرورة الاستمرار الزمني لهذه الانتاجات ضمن سيرورة زمنية ممتدة لسنوات وقرون، حتى تنبني لهذه الانتاجات قواعد وشروط تحقق لها الاستقلالية، التي تفتح لها آفاقا واعدة، وأرضية صلبة، تلقى اعترافا من المؤسسات التي تعترف بقيمتهن واستقلاليتهن عن الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. [46]

يعتبر خالد زكري أن الرواية “النسائية”، سردٌ يكشف مسارات تحدٍ للمرأة، باعتبارها عنصرًا فاعلا في المجتمع. كما يصور هذا السرد نضال المرأة في سبيل الاندماج في المجتمع والاعتراف بها، وهو يعطي نظرة إيجابية عن النساء وتجاربهن من خلال هذا التمثيل الأدبي.[47]

يساهم تصنيف الكتابة الأدبية بناءً على النوع، في التشكيك في الأصالة المفترضة للكتابة النسائية. ويؤكد باحثون أمثال خالد زكري، وعبد الله المدغري العلوي، وبلقاسم بلوشي، وعبد الله حموتي، على أن أولوية الكتابة النسائية تسليط الضوء على حقوق المرأة، والترويج لها، بدلاً من الابداع الأدبي وإبراز السمات الفنية، والتركيز على مواجهة النظام الذكوري، باعتباره المسؤول عن وأد أحلام النساء وتطلعاتهن، وتكريس الهيمنة الاجتماعية، مما يؤدي إلى قولبة التيمات والأصوات، التي تحصر الكتابة النسائية ضمن مجال النضال وكسر القيود[48]. وتتميز العلاقة بين النسائية والأدب في المغرب بنوع من التعقيد، بسبب التحديات التي تواجهها الكاتبات في التميز والبروز في مجال الابداع الأدبي بسبب نشاطهن النسوي. وغالبا ما يؤدي وجود مواضيع نسوية في الكتابات النسائية إلى الارتباك في تلقي هذه الانتاجات، حيث يصبح استقبال الأدب النسائي مرادفا للمشاركة النسوية، مما يعيق التعرف على هذا الأدب وتطويره. هذا التداخل للحدود بين الأدب والسياسة يشكل تحديا للاعتراف بالأدب النسائي وتطويره.[49]

يقع الأدب النسائي المغربي في فخ التكرار، وهو ما يمثل عائقًا أمام تطور هذا الأدب والاعتراف به؛ إذ يلاحظ تكرار بعض المواضيع واجترارها مثل موضوع الرجل المستبد (الأب والزوج والأخ)، والنساء المطيعات في الروايات النسائية، التي تتبنى، في الغالب، نغمة المقاومة، وتفرض روح النزاع والمواجهة. ويستمر هذا التكرار في تثبيت صورة ثابتة للرجال والعائلات المغربية، على الرغم من التغيرات الملحوظة في المجتمع، ويعطي الأولوية للنضال، باعتباره مطلبا ذا أولوية، على حساب الجوانب الأدبية[50]. فمثلا مقولة إيمان الناصيري: «إنه يسيء لي (…). فأنا مطيعة، أنا مجرد شيء بالنسبة له، ليس لدي رأي أقدمه له”[51] ؛ نلاحظ التكرار المستمر لصورة ثابتة للرجال المغاربة والعائلات في الأدب النسائي، بالرغم من التغيرات الاجتماعية الكبيرة في المغرب، منذ ظهور النصوص النسوية في الثمانينيات. لا يخدم هذا التكرار المستمر التطور الضروري لهذا الأدب والاعتراف به، بسبب التوظيف الدوري والمستمر لعبارات وكلمات مختلفة تحيل على نفس التيمات والمواضيع. وهو ما يعكس الصراع المستمر بين الأدب والنشاط النسوي؛ حيث تغلب على العمل الأدبي سمة الدعوة المتكررة للنضال والمقاومة. يوجه عبد الله حموتي في كتاباته الأنظار إلى موضوع الرجل المستبد، الذي يلعب دور السيد في أحايين كثيرة، ويتعامل بصورة غير طبيعية مع أبنائه، سواء أكان باستخدام الرعب الذي يثيره عند عودته إلى المنزل (في رواية “الماضي البسيط” للكاتب إدريس الشرايبي)، أم بالازدراء تجاه ذريته، وهو ما يولد الكراهية تجاه الأب (في رواية “نعي الكلاب” للكاتب عبد الحق سرحان). نلمس من خلال هذه الصور الديناميات المعقدة داخل المجتمع المغربي، والتحديات التي تواجهها الكاتبات النسائيات في سبيل انتزاع موقع مميز ضمن المجال الأدبي.[52]

يتسم استخدام الرواية بوصفها منصة لنقل الأصوات الاجتماعية، بطابعها الاستعجالي للتحفيز على النضال، وهو ما يأتي على حساب الجوانب الأدبية، ويزكي فكرة التركيز على نقل رسائل حول المجتمع، بدلاً من منح الأولوية للجوانب الفنية والأدبية للعمل؛ حيث يصبح النوع الروائي، عند المرأة، منبرًا لنقل رسائل معينة، ووسيلة للتأثير في المجتمع ومقاومته، بغض النظر عن كونت “صورة” للواقع.[53]

يصور الأدب النسائي المغربي الرجل بطريقة سلبية للغاية؛ حيث تتم إهانته، وإدانته، وتحطيمه دون هوادة. ففي أعمال مثل “حياتي، صرختي” لرشيدة اليعقوبي، يُصنف جميع الرجال، بدون استثناء، باعتبارهم خونة ووحوش جنسية، وينعتون ب “أبناء الكلاب”، ليعكس ذلك اعتقادا راسخا، وقاسيا لدى الكاتبة بأن الرجال هم السبب الرئيسي في مصائب البطلة والشخصيات النسائية الأخرى، مما يظهر مشاعر قوية من التعاطف تجاه النساء والملل من الرجال. تقول الكاتبة: «أنت لا تعرفين الرجال يا رشيدة، جميعهم أبناء كلاب! من أجل الدرهم، يخنعون»[54]، لتصور في هذا المقتطف الرجال في الرواية النسائية المغربية، ومدى القسوة التي توجهها إليهم، دون أي مشاعر إيجابية تجاه الرجال، باعتبارهم السبب الرئيسي للشقاء الذي تعانيه البطلة الأنثوية والشخصيات الأنثوية الأخرى في الرواية. تقوم الكاتب كذلك بتوضيح هذا الشعور، من خلال اقتباس عبارة تلخص التعاطف مع النساء والمقاومة ضد الرجال، وتبرز الديناميات المعقدة والمنظورات الجنسانية التي نكتشفها في الأدب النسائي المغربي؛ حيث تقول: «المسكينة! هؤلاء الرجال! كلهم أبناء الزنا…».[55]

بمقارنة صراع بطلة رواية “سقوط الحجاب” وبطلة رواية “أن أحيا”، نجد نفس المواضيع تتكرر، وهو مؤشر على عدم تغير تجارب النساء على مدى الثلاثين سنة الماضية. وساهمت الوتيرة السريعة للتحولات الاجتماعية في عكس مثير للانتباه للقيم في المجتمع المغربي المعاصر، ويرسم صورة مقرّبة لطبيعة التغيرات المجتمعية الديناميكية، والأنماط الفكرية التي صارت تميز المجتمع.

يؤكد عبد الله المدغري العلوي أن العديد من النقاد يُجمعون على ضعف جودة النصوص المذكورة، معزيا ذلك إلى عدم وجود جودة أدبية كافية فيها. وهذا المعطى هو ما يجعل الكاتبات النساء يتحدين باستمرار هذه الآراء، أملا في انتزاع اعتراف حقيقي بأعمالهن الأدبية وبجودتها، حيث تضع هذه المواقف موهبتهن وقدراتهن موضع تساؤل وشك، وهو الأمر الذي يقلل من قيمة أعمالهن.[56]

واجهت النساء تحديات وقيود مستمرة، في سعيهن ليصبحن كاتبات روائيات على مر التاريخ. وتعرضن للاستبعاد الاجتماعي، وللحرمان من فرص المشاركة في الأنشطة، التي تتطلب مهارات خاصة في العلوم والفنون والأدب. وفي الغالب يتم تجاهل المساهمات الأدبية للنساء؛ إذ تعتبر مجرد تسلية وترفيه، ولا تُقيّم تقييما حقيقيا، بسبب الأحكام المسبقة حول وضعيتهن ككاتبات حقيقيات[57]. ونتيجة لذلك، يُربط الابداع الأدبي النسائي بالأحكام الجاهزة، والقوالب المنمطة حول صورة المرأة. ومما يزيد هذا الاعتقاد حول أهمية الكتابة النسائية في الأدب المغربي هو انتشار براديغم “الشهادة” (le testimony) في أعمالهن. ويسهم التركيز على الكتابة الشهادية، المتأثرة ب “الباتوس” الأنثوي، وبتوقعات النوع الاجتماعي، في تشكيل اعتقاد راسخ بأن الكاتبات النسائيات هن مجرد “شخصيات ثانوية” في المشهد الأدبي المغربي.[58]

ينبع البعد النسوي (feminist) في الرواية النسائية المغربية، من دور كاتباتها البديهي في المجتمع؛ حيث يعتبرن أنفسهن مسؤولات ومدافعات عن النساء المضطهدات، وتشعرن بمسؤوليتهن الاجتماعية (الحقوقية) تجاههن[59]. لكن هذا البعد النسوي في الرواية، يجعلها تحت رحمة تأثير الأيديولوجيا والخطاب الاجتماعي، ويؤثر بالتالي على استقلاليتها الفنية.

على الرغم من نقص الدراسات الجادة حول استقبال الأدب النسائي، يؤكد عبد الله المدغري العلوي أن الأعمال النسائية تتعرض أيضًا للانتقاد، بسبب تقديمها لانتقاداتها بصورة جدية ومستمرة، دون التعمق في فن الكتابة. وهو ما يشير إلى وجود ميل ونية مسبقة نحو تجاهل القيمة الأدبية لهذه الأعمال، والتركيز فقط على محتواها الموضوعاتي، مما قد يقوض التقييم الحقيقي لهذه الأعمال، والتقدير المناسب للكاتبات النساء.[60]

يقِّيم بعض النقاد جودة الكتابة لدى بعض الروائيات النسائيات، اللواتي يعتبرن رائدات في هذ الأدب، ويشككون في وضعهن ككاتبات؛ ونسوق مثالا للباحث بلقاسم بلوشي، حيث يتساءل حول وضع فاطمة المرنيسي ككاتبة، مشككًا في أسلوبها، ومعتبرًا وضعها ككاتبة مشكوكًا فيه، بسبب ما يعتبره لغتها الجافة في الكتابة والمرهقة، الخالية من أي أسلوب.[61]

خاتمة:

توصف الروايات النسائية بالمغرب بأنها أدب من الدرجة الثانية، وهو تحيز لا يستند على ضوابط ومقاييس موضوعية في مجملها، لكن هذا الحكم ليس اعتباطيا، فهو مبني على تصور عام لدى الجمهور، المتأثر بأفكار مسبقة، وأحكام متوارثة، دون تكبد عناء الانخراط في قراءة متأنية، وموضوعية لهذه الأعمال الأدبية، واتباع منهج أكثر شمولية وعقلانية لتقييم روايات النساء. وهو الأمر الذي تؤكده ثوريا أولهري، حول عدم تخوفها من أسئلة الجمهور المحرجة، لأن الجمهور المغربي، غالبًا، ما لا يقرأ الأعمال المقدمة، وهو ما يسمح لها بمناقشة المواضيع الصعبة، دون تردد أمام هذا الجمهور.[62]

يدافع عبد الله المدغري العلوي عن استخدام مصطلح “الرواية الأنثوية”، لتوجيه الاهتمام إليها ضمن المشهد الأوسع للأدب المغربي؛ حيث يمكن المرور عليها دون أن يلاحظها أحد، ومن شأن دمجها في الأدب المغربي العام أن يؤدي إلى تجاهلها، بسبب العدد المحدود من الكاتبات الحاليات. لكن تطور الانتاج الأدبي كمًا وكيفًا لهؤلاء الكاتبات، يمكن أن يُعرِّف المتلقي بأسماء هؤلاء الكاتبات “المؤلفات”، وسيقصى أي سبب لتمييز هذا الأدب عن باقي الأشكال الابداعية الأخرى.[63]

محمد حيحاوي  (باحث، مركزدراسات الدكتوراه- جامعة شعيب الدكالي) الأستاذ المشرف: د. عبد العزيز بنار

هوامش:


[1] Pierre BOURDIEU, La domination masculine, Paris, Seuil,2001 , p:18.

[2] Abdessamad DIALMY, Le féminisme au Maroc, Casablanca, Ed Toubkal, 2008, p: 17.

[3] La domination masculine, op. cit, p:11.

[4] Khalid ZEKRI, Fictions du réel, Paris, L’Harmattan, 2006, pp: 151-152.

[5] Anissa Benzakour-Chami, Images de femmes, regards d’hommes, Casablanca, Wallada, 1992, p: 9.

[6] Fictions du réel, op. ci, p: 151.

[7] ثوريا أولهري، المتآمرون بيننا، دار المرسم، الرباط، 2006، ص: 136.

[8] Sigmund FREUD, Introduction à la psychanalyse, Paris, Payot et Rivages, 2001, p:365.

[9] Ibid, pp:431-432.

[10] La domination masculine, op. cit. p.8.

[11] ثوريا أولهري، المتآمرون بيننا، دار المرسم (Marsam)، الرباط، 2006، ص: 94.

[12] بهاء الطرابلسي، ببساطة امرأة، دار إديف (Eddif)، الدار البيضاء، 2002، ص: 112.

[13]  نفس المرجع، ص:36-37.

[14] سهام بنشقرون، أن أحيا، دار بصمات (Empreintes)، الدار البيضاء، ط2، 2008، ص: 134.

[15] ببساطة امرأة، ص:. 131

[16] أن أحيا، ص:  135-136.

[17] Sigmund Freud, Introduction à la psychanalyse, op. cit, pp:365-366.

[18]  أن أحيا، ص: 136.

[19] زكية داوود، زينب ملكة مراكش، دار الفنق (Le Fennec)، الدار البيضاء، 2011، ص: 105.

[20]  ببساطة امرأة، ص: 41.

[21] أن أحيا، ص: 48.

[22] ببساطة امرأة، ص: 25.

[23] La domination masculine, op. cit, p:82.

[24] Ibid, pp:82-83.  

[25] فاطمة المرنيسي، أحلام النساء الحريم، حكايات طفولة في الحريم، ورد للطباعة والنشر، 1997، ص: 174.

[26] نفس المرجع، ص: 5.

[27] المتآمرون بيننا، ص: 152.

[28] أحلام النساء الحريم، حكايات طفولة في الحريم، ص: 208.

[29] المرجع نفسه، ص: 209.

[30] المرجع نفسه، ص: 206.

[31] بنداني دنيا، رجالي مفخرتي، الرباط، 2010، ص: 26.

[32] رجالي مفخرتي، ص: 128.

[33] رجالي مفخرتي، ص: 124-125.

*  الحاجة هي السيدة التي حجت إلى الأراضي المقدسة بالحجاز، لكنها في المفهوم الشعبي هي الأم الكبرى زوجة رب البيت، تكون لها مكانة مميزة في العائلة، لاسيما إذا كانت أما لأطفال ذكور، وهي الميزة التي تبوؤها مكانة محترمة وسط نساء العائلة، ونساء محيطها الاجتماعي. وتعتبر حارسة لمنظومة القيم والأعراف التقليدية.

[34]  أن أحيا، ص: 48.

[35]  المرجع نفسه، ص:49.

[36] المرجع نفسه، ص:26.

[37] رجالي مفخرتي، ص: 178.

[38]  فتيحة الگلاي، أطفال القدر، دار المرسم، الرباط، 2007، ص: 34.

[39]  أن أحيا، ص: 42.

[40] Soumaya Naamane-Guessous, Au-delà de toute pudeur, Casablanca, EDDIF, douzième édition, 2007, p: 5.

[41]  أحلام النساء الحريم، حكايات طفولة في الحريم، ص: 232.

[42]  ببساطة امرأة، ص: 68.

[43] Elisabeth Noélle-Neumann, La spirale du silence une théorie de l’opinion publique, HERMES, La Revue 1989/1(NO4), Editions CNRS EDITIONS, p :181-189. www.cairn.info/revue-hermes-la-revue-1989-1-page-181.htm

[44] La domination masculine, op. cit. p:12.

[45] عبد الله المدغري العلوي، التفكير في الرواية المغربية: مقاربة تاريخية، موضوعاتية، جمالية، ترجمة إبراهيم أولحيان، منشورات دار دال، اللاذقية، سوريا، 2013، ص: 84.

[46] Fictions du réel, op. cit, p : 146.

[47] Ibid, p: 154.

[48] Ibid, p: 161.

[49] Ibid, p: 160.

[50] Ibid, p: 155.

[51]  إيمان الناصيري، لاتحكموا علي! دار ملتقى المسارات، الدار البيضاء، 2012، ص:7

[52]  النص الأدبي المغربي: التمثل، التمثل الذاتي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الأول، وجدة، رقم 80، سلسلة دراسات وندوات، العدد 25، 2003، ص: 100-101.

[53]  نفس المرجع، ص:11.

[54] رشيدة اليعقوبي، حياتي صرختي، منشورات إيديف، 2002، ص:21.

[55] نفس المرجع، ص:21.

[56] عبد الله المدغري العلوي، التفكير في الرواية المغربية: مقاربة تاريخية، موضوعاتية، جمالية، ص:.84

[57] Fictions du réel, op. cit, p: 159.

[58] Ibid, p: 160.

[59] Ibid, p: 163.

[60] عبد الله المدغري العلوي، التفكير في الرواية المغربية: مقاربة تاريخية، موضوعاتية، جمالية، ص:86.

[61]Belkassem Belouchi, Portraits d’écrivains Marocains de langue française, Casablanca, Afrique-Orient, 2011, p: 196.

[62] ثوريا أولهري، المتآمرون بيننا، ص: 133.

[63] عبد الله العلوي المدغري، التفكير في الرواية المغربية: مقاربة تاريخية، موضوعاتية، جمالية، ص:85.

مصادر  ومراجع:

  • إيمان الناصيري، لاتحكموا علي!، دار ملتقى المسارات، الدار البيضاء، 2012.
  • بهاء الطرابلسي، ببساطة امرأة، منشورات إيديف (Eddif)، الدار البيضاء، 2002.
  • ثوريا أولهري، المتآمرون بيننا، دار المرسم (Marsam)، الرباط، 2006.
  • دنيا بنداني، رجالي مفخرتي، الرباط، 2010.
  • رشيدة اليعقوبي، حياتي صرختي، منشورات إيديف، الدار البيضاء، 2002.
  • زكية داوود، زينب ملكة مراكش، دار الفنق (Le Fennec)، الدار البيضاء، 2011.
  • سهام بنشقرون، أن أحيا، دار بصمات (Empreintes)، الدار البيضاء، ط2، 2008.
  • عبد الله المدغري العلوي، التفكير في الرواية المغربية: مقاربة تاريخية، موضوعاتية، جمالية، ترجمة إبراهيم أولحيان، منشورات دار دال، اللاذقية، سوريا، 2013.
  • فاطمة المرنيسي، أحلام النساء الحريم، حكايات طفولة في الحريم، ورد للطباعة والنشر، دمشق، سوريا، 1997.
  • ف الگلاي، أطفال القدر، دار المرسم، الرباط، 2007.
  • عبد الله حموتي، النص الأدبي المغربي: التمثل، التمثل الذاتي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الأول، وجدة، رقم 80، سلسلة دراسات وندوات، العدد 25، 2003.
  • Abdessamad DIALMY, Le féminisme au Maroc, Casablanca, Ed Toubkal, 2008.
  • Anissa Benzakour-Chami, Images de femmes, regards d’hommes, Casablanca, Wallada, 1992.
  • Belkassem Belouchi, Portraits d’écrivains Marocains de langue française, Casablanca, Afrique-Orient, 2011.
  • Khalid ZEKRI, Fictions du réel, Paris, L’Harmattan, 2006.
  • Pierre BOURDIEU, La domination masculine, Paris, Seuil, 2002.
  • Sigmund FREUD, Introduction à la psychanalyse, Paris, Payot et Rivages, 2001.
  • Soumaya Naamane-Guessous, Au-delà de toute pudeur, Casablanca, EDDIF, douzième édition, 2007.
  • Elisabeth Noélle-Neumann, La spirale du silence une théorie de l’opinion publique, HERMES, La Revue 1989/1(NO4), Editions CNRS EDITIONS

List of sources and references:

  • Imane NACIRI, la tahkomo alaya!, ed. moltaka elmassarat, Casablanca, 2012.
  • Bahaa TRABELSI, bibasata imraa, ed. EDIF, Casablanca, 2002.
  • Touria OULEHRI, elmoutaamirouna baynana, ed. Marsam, Rabat, 2006.
  • Dounia BENDANY, Rijali mafkharati, Rabat, as an author, 2010.
  • Rachida YACOUBI, hayati sarkhati, ed. EDIF, Casablanca, 2002.
  • Zakia DAOUD, Zayneb malikat morrakosh, ed. Fennec, Casablanca, 2011.
  • Siham BENCHEKROUN, An ahya,ed. bassamat (Empreintes), Casablanca, Deuxième édition, 2008.
  • Abdallah AlAOUI MDARHRI, Tafkir fi erriwaya el maghribiya: mokaraba tarikhiya, maoudouaatiya, jamaliya. Dar Dal, elladhikiya, Syria, 2013.
  • Fatima MERNISSI, Ahlam nissa el harem, hikayat tofola fi el harem, Dar ward linnachr wa tawzii, Damascus, Syria, 1997.
  • Fatiha EL GALAI, Atfal el kadar, ed. Marsam, 2007.
  • Abdellah HAMMOUTI, ennas eladabi elmaghribi : ettamatolat wa ettamatolat edhatiya, Manchourat kouliyat eladab wa eloloum elinsaniya, jamiat Mohammed elawal, n.80, silsilat dirassat wa nadawat, serial: 25, 2003.
  • Abdessamad DIALMY, Feminism in Morocco, Casablanca, Ed Toubkal, 2008.
  • Anissa Benzakour-Chami, Images of women, men’s eyes, Casablanca, * Belkassem Belouchi, Portraits of Moroccan French-language writers, Casablanca, Africa-East, 2011.Wallada, 1992.
  • Khalid ZEKRI, Fictions of reality, Paris, L’Harmattan, 2006.
  • Pierre BOURDIEU, Male domination, Paris, Seuil, 2002.
  • Sigmund FREUD, Introduction to Psychoanalysis, Paris, Payot and Rivages, 2001.
  • Soumaya Naamane-Guessous, Beyond all modesty, Casablanca, EDDIF, twelfth edition, 2007.
  • Elisabeth Noélle-Neumann, The spiral of silence a theory of public opinion, HERMES, La Revue 1989/1(NO4), Editions CNRS EDITIONS