هيئة التحرير
وكلما انسل الاستعمار إلى أراضي العرب، قاومت اللغة العربية استعمارها. ولهذا يشكل أدب المقاومة العربي جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي والأدبي للعالم العربي. وقد نشأ أدب المقاومة وتطور مع مرور العصور الاستعمارية، وقد تأثر بالأوضاع السياسية والاجتماعية التي مر بها العالم العربي، من الاستعمار والاحتلال إلى الثورات والتحرر الوطني. ثم تطور هذا النوع من الأدب عبر التاريخ في فترات مختلفة منذ فترة الاستعمار والتحرر الوطني.
وقد ظهر أدب المقاومة العربي يتطور بشكل واضح خلال فترة الاستعمار الأوروبي للعالم العربي في القرنين التاسع عشر والعشرين. وكانت الإنتاجات الأدبية خلال هذه الفترة تدعو إلى التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال الأجنبي. ومن ثم، في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث حصلت الدول العربية على استقلالها، تحول أدب المقاومة إلى معالجة الصراعات الداخلية والتحديات التي واجهتها الدول الناشئة. وركز الأدباء في هذه الفترة على قضايا الفقر والفساد والديكتاتورية.
وما زال أدب المقاومة العربي يتصف بالتيارات الحديثة والجديدة على مر العصور، حيث بدأ يتناول قضايا معاصرة بوسائل تعبيرية حديثة. من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية، وتسليط الضوء على قضايا المرأة، واستشراف المستقبل، يستمر أدب المقاومة في لعب دور حيوي في توعية الشعوب وتعزيز الصمود أمام التحديات. وتبقى المقاومة، بمختلف أشكالها، جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية للعالم العربي، تعبر عن تطلعات الشعوب للحرية والعدالة والمساواة.
وفي هذا العدد من مجلة اللغة، نقدم إليكم عشر مقالات بحثية، وأربع مقالات منها تتمحور حول موضوع “أدب المقاومة”. تتناول المقالة الأولى بعنوان “رابطة الأدب الإسلامي العالمية والقدس” شرعية المقاومة العربية المستمدة من إرادة البقاء والوجود الإنساني، مبرزة دورها في حماية الأمة من الاندثار والحفاظ على تراثها المادي والفكري. كما تستعرض الدراسة أهداف المقاومة العربية في تحقيق وحدة متناسقة ومجتمع نشيط ومتطور، وتؤكد أن الأدب الإسلامي يعد مدرسة أدبية معاصرة تسعى لتثبيت المفاهيم وزرع القيم بصدق وإخلاص. تسلط الدراسة الضوء على موقف رابطة الأدب الإسلامي العالمية من القضية الفلسطينية والقدس من خلال إصدار مجلتي “الأدب الإسلامي” و”المشكاة المغربية”. وتناقش أيضًا التجديد العروضي في شعر القدس، مما يعكس إلهام المدينة للشعراء وتجديد عروض الشعر العربي. تسلط المقالة الثانية بعنوان “دور الأدب في تنمية الفكر السياسي المغربي ومواجهة المستعمر” الضوء على أهمية الأدب في المجتمع ودوره الفعال في عكس الواقع الاجتماعي وتحليله. تتحدث عن تميز الأدب المغربي بكونه أدب كفاح ومعركة وحرية والتزام وعروبة، إذ استخدمه المفكرون كسلاح لمواجهة الاستعمار منذ بداياته. ارتبط الأدباء المغاربة بقضايا الحرية والقومية ومقاومة الاستعمار الذي سعى إلى القضاء على عروبة المغرب وعزله عن الوطن العربي. تهدف المقالة الثالثة بعنوان “مضامين المقاومة في ديوان ‘أناشيد العودة’ لجلول دكداك” إلى استكشاف مضامين المقاومة في ديوان “أناشيد العودة” للشاعر المغربي جلول دكداك. يستعرض المبحث الأول حياة الشاعر جلول دكداك وأهم أعماله وأدب المقاومة، ويتناول المبحث الثاني مضامين المقاومة في ديوان “أناشيد العودة”. باستخدام المنهج الوصفي، يخلص البحث إلى أن الشاعر خصص أعمالاً عديدة لدعم القضية الفلسطينية، وأن الديوان غني بمضامين المقاومة المشتركة بين الشعراء الفلسطينيين والعرب. تتناول المقالة الرابعة بعنوان “وهج الثورة: رؤى نقدية في شعر المقاومة والنضال لدى الشاعر أحمد مفدي” مسيرة الشاعر العربي أحمد مفدي، الذي يُعرف بثوريته ونضاله في الأدب والسياسة. اشتغل مفدي في مناصب هامة في البرلمان المغربي وإدارة الشأن المحلي، وكتب أكثر من عشرين ديواناً شعرياً منذ الستينيات، مدافعاً عن قيم المحبة والتسامح وحقوق الإنسان. تركز الدراسة على شعر المقاومة والنضال في أعمال مفدي، حيث يظهر كشاعر ثائر ضد الظلم والاستعباد، مناصراً للأحرار المدافعين عن أوطانهم وكرامتهم. نتمنى لكم قراءة ممتعة.