عبد المتين
ملخص البحث: لا يتناطح الكبشان على أهمية الإعراب وأثره في إبراز معاني آيات الذكر الحكيم، وبيان ما توحي إليه من دلالات متعددة، فتعددت المصنفات في ذلك قديماً وحديثاً تحقيقا لهذا الهدف. وانطلاقا من هذا جاء البحث بعنوان: “دور الإعراب في فهم النص القرآني” ليضفي ضوءا على أثر الإعراب ودوره في فهم نصوص القرآن الكريم.
وتتمثل أهمية البحث في أنه يتناول أشرف الكتاب الذي أنزل الله على نبيّه صلى الله عليه وسلم بالبحث، كما يركز على جانب مهم من جوانب فهم النص القرآني، وهو الإعراب، للارتباط الوثيق القائم بين اللفظ وإعرابه بحيث يتلوّن المعنى بتلوّن الإعراب.
الكلمات الدالة: دور الإعراب، النص القرآني، دراسة القرآن، التطبيق الإعرابي.
Abstract: this research paper entitled “The role of Parsing on the Understanding of the Quranic Text” contributed to a series of applied research on some of the Quranic text and the role of the Parsing on their understanding. One of the manifestations of the Quranic text to distortion of change is the knowledge of the Parsing of the tongue of melody and clarification of the Error in the meaning of the Quran and the meaning of what it means.
The importance of the research is that, it deals with the most honorable book Al-Quran that God revealed to his Prophet (PBUH), with the research. It also focuses on the important aspect of understanding the Qur’anic text, which is the parsing, due to the close connection between the word and its parsing, so that the meaning is decorated by the color of the Syntax.
التمهيد: لا يزال القرآن الكريم مثابة اجتهاد المفسرين في تباين معانيه وأحكامه، ووجود قراءته، وغيرها من الموضوعات. ومن المباحث الأساسية في هذا المجال إعراب القرآن. يتجسد البحث في أنه يجيب عن التساؤلات التالية:-
- ما هي العلاقة بين الإعراب والمعنى في النصوص القرآنية؟
- ما دور الإعراب في فهم النص القرآني؟
- ما هي جهود العلماء عن بيان النص القرآني ؟
يأمل البحث إلى تحقيق هذه الأسئلة وغيرها خلال الجولة، كما يتجه إلى استعمال منهج الاستقراء، وذلك بالوقوف على المادة العلمية في مصنفات النحوية وييان قيمتها العلمية. والمنهج الوصفي القائم على وصف آراء العلماء في كتاب إعراب القرآن، مع بيان أوجه الاتفاق والاختلاف في طرح المسألة الإعرابية القرآنية.
تعريف الإعراب:
لفظ “الإعراب” مأخوذ من فعل أعرب يعرب إعراباً، فهو معرب، ويأتي في اللغة بمعان عذة، منها التبيين والإفصاح، والإيضاح[1]. يقال: “أعرب عنه لسانه، وعرّب: أبان وأفصح”[2]. الإيضاح[3]، يقال ويقال: فلان أعرب عن الشيء، إذا أوضح عنه، وفلان معرب عما في نفسه أي مبين له وموضح عنه، ومنه عربت الفرس تعريبًا إذا بزغته، وتلك أن تنسف أسفل حافره. “وأعرب كلامه” إذا لم يلحن فيه[4]. قال الأزهري: “الإعراب والتعريب معناهما واحد وهو الإبانة”[5]. كما يأتي بمعنى التهذيب يقال: “عرب منطقه” أي هذبه[6]، ويطلق فيراد به إظهار ما في الداخل من الحب يقال: إمرأة عربة وعروبة: أي هي المتحببة إلى زوجها المظهرة له ذلك ومن هنا يقال للرجل المتزوج مثل هذه المرأة: أعرب الرجل[7].
يمكن القول بناء على أقوال العلماء اللغويين في معنى الإعراب لغة، بأنه مصدر فعل رباعي من أعرب، يعني: البيان والإيضاح والإفصاح الإجادة والتغيير، والإبانة عما في النفس وغيرها من المعاني الواردة في كتب اللغة.
و أما في الاصطلاح فهو تلك العلامة التي تدخل على الحرف الأخير من الكلمات، وتتغير تبعًا لاختلاف حركة الإعراب رفعًا أو نصبًا أو جرًا على حسب اختلاف موقع الكلمة في الجملة والمعنى المرتب عليها، الذي يجلبه العامل اللفظي أو المعنوي كما نقول: ذهب التلميذُ إلى المدرسة، يكون التلميذ في هذه الجملة فاعلا مرفوعا وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. ورأيت التلميذَ في المسجد، يكون التلميذ مفعولا به منصوبا وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. ومررت بالتلميذِ، يكون التلميذ اسما مجرورا مكسورا وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. ويلاحظ من الأمثلة على أن معنى لفظ “التلميذ” في كل جملة يختلف لاختلاف موقفه وإعرابه في الجملة. ومن ذلك ما جاء في كتاب الإعراب والمدخل النحوي لتحليل النصوص بـ”أن الإعراب هو ضد البناء”، أي هو قابلية الكلمة لأن آخرها يتغير بحسب العوامل الداخلة عليها لفظاً أو تقديراً[8]. فكلمة “الولد” بهذا المعنى معربة؛ لأنها تبدو مرفوعة مرة، ومنصوبة مرة أخرى، ومجرورة مرة ثالثة، يقال: قام ولدٌ، علمت ولدًا، ونظرت إلى ولدٍ.
فالإعراب هو تغيير حركة آخر الكلمة من رفع إلى نصب وإلى جر وفق تغيير موقعها من الإعراب[9]. وهو تغيير أحوال أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا وتقديرًا.
والعامل هو الحرف أو الفعل وما يشتقّ منه، والتغيير اللفظي هو اختلاف الحركات الظاهرة في أواخر الكلم نحو جلس خالدٌ، أمر المدرس خالدًا، ومررت بخالدٍ. كما أن التغيير التقديري هو تقدير الحركات فيما لا تظهر فيه لغرض أو لمانع، نحو؛ قام موسى، أو كان في آخره ألف كجاء الفتى، ورأيت الفتى ومررت بالفتى، بتقدير الضمة والفتحة والكسرة على ألف الفتى.
علاقة الإعراب بالمعنى والفهم:
إن علاقة الإعراب بالمعنى والفهم هي علاقة راسخة في العربية، والعرب حرص على مراعاتها في كلامهم، وقد استخدمها القرآن الكريم ووظّفها توظيفًا يساعد القارئ والسامع في الوصول إلى الفهم الصحيح للنص القرآني، ويمكن النظر لهذه العلاقة بين الإعراب، والمعنى وتوظيفها لفهم النص القرآني على جانبين:
الأول: الإعراب والسامع: الإعراب لدى السامع يدلّه على المعاني المختلفة، ويوصله إلى الفهم الصحيح للنص، ومقاصد آيات القرآن، إذ الإعراب من أوائل أدوات المفسر التي يجب أن يلمّ بها إلى دقائق معانيه. واستخدم القرآن الكريم دلالة الإعراب على المعاني، فكان لها الأثر الكبير في فهم القارئ النص القرآني، ويتضح ذلك الآيات القرآنية منها: قوله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَه رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوْفِ[10]. جيء فيه بالجار والمجرور، “له” الوارد في الآية، نيابة عن الفاعل لاسم المفعول، “المولود” لإفادة أن الولد تكون للأب لأنه ينسب إليه ولذلك لم يقل عنه الوالد لإفادة هذه المعنى[11].
الثاني: الإعراب والمتكلم: الإعراب عند المتكلم فرع المعنى؛ إذ يختار للتعبير عن المعنى الذي يريده الكلمات المناسبة، فالإعراب المناسب الذي ينتظم الكلمات في سياق يوصّل المعنى المقصود للسامع، والذي يحدد الإعراب المناسب لدى المتكلم هو المعنى الذي يقصده، ولذلك يجب على معرب القرآن أن يكون على علم بالتفسير، وأسباب النزول ليقف على الإعراب الصحيح إن أشكل عليه الأمر[12].
دور الإعراب في فهم النص القرآني:
حدد بعض العلماء دور الإعراب في فهم نصوص القرآن الكريم، ومنهم الدكتور يوسف بن خلف حيث قال: “الإعراب الذي تُعرف به معاني أي الكتاب، ويدفع عنها كل ارتياب، هو عدة لأهل التفسير وللمعربين التحرير؛ لبيان كلام العلى القدير[13]“. ومنهم مكي بن أبي طالب القيسي حيث قال: “بأنه من أعظم ما يجب على طالب علوم القرآن- الراغب في تجويد ألفاظه وفهم معانيه ومعرفة قراءاته ولغاته، وأفضل ما القارئ يحتاج إليه – معرفة إعرابه والوقوف على تصرف حركاته وسواكنه، ليكون بذلك سالمًا من اللحن فيه، مستعينًا على إحكام اللفظ به، مطلعًا على المعاني التي قد تختلف لاختلاف الحركات، متفهّمًا لما أراد الله به من عباده؛ إذ بمعرفة حقائق الإعراب تعرف أكثر المعاني وينجلي الإشكال وتظهر الفوائد ويفهم الخطاب وتصحّ معرفة حقيقة المراد”[14].
ومنهم ابن قتيبة حيث قال: “بأن الإعراب الذي جعله الله وشيا لكلامه، وحلية لنظامها وفارقًا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين والمعنيين المختلفين كالفاعل والمفعول لا يفاق بينهما إذ تساوت حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكل واحد منهما إلّا بالإعراب، ولو أن قارئً قرأ: فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُم، إنّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ[15]، وطرق طريق الابتداء بإنّا، وأعملَ القول فيها بالنصب على مذهب من يَنْصِبُ ((أَنَّ)) بالقول كما ينصبها بالظن – لقلبَ المعنى عن جبهته، وأزاله عن طريقه، وجعل النبيَّ عليه السلام محزوناً لقولهم: إنَّ الله يعلم ما يسرون وما يعلنون وهذا كفرٌ ممن تعمده، وضربٌ من اللحن لا تجوز الصلابة به، ولا يجوز للمأمومين أن يتجوزوا فيه”[16]. ومنهم أحمد بن محمد الخراط، الذي قال في مقدمة كتابه (كتاب المجتبي من مشكلة إعراب القرآن الكريم): “بأنه لا يخفى على أحد أهمية علم الإعراب في توضيح المعنى الذي تنشده الآيات القرآنية، وبيان ما تقصده من دلالات، وقد نشأ هذا العلم وازدهرت مباحثه في كنف الحاجة إلى تفسير القرآن وتوضشخ معانيه وغريبه، ومن هنا تعددت المصنفات قديمًا وحديثًا لتحقيق هذا الغرض، وبعضها يكمل بعض الآخر، فلكل مصنف مذاقه ووجهته التي هو موليها، ولا غني لأحد عن أحد؛ لأن كلًا منها يُعني بجانب أو يحلّ مشكلًا، أو يثيرا مسائل علمية قد لا يثيره غيره، بيد أنه اتفقت على العناية بإجلاء معاني كتاب الله”[17].
وانطلاقا من هذا يمكن القون بأنّ علم الإعراب صان القرآن من الخطأ واللحن فهو حرس النص القرآني من التحريف والتغيير على مر الأزمنة، وهو وسيلة من وسائل فهم القرآن وسبيل إلى تحليل تراكيبه؛ لإصابة المعنى الصحيح وعدم الزيغ في تفسيره؛ ولهذا وغيره استعان به المفسرون لتوضيح مقاصد القرآن. أو أن نقول إن للحركة الإعرابية شأنا عظيما لدى اللغويين، له قيمة وأثر في الإفصاح والإبانة عما في النفس من المعاني وبتغييرها يحقق المتكلم عما يريد إبرازها للسامعين، وكان الإعراب مصدر بيان المعاني التركيبية للكلمة.
أثر الإعراب في الدراسة القرآنية:
يعد الإعراب مفتاح فهم النصوص القرآنية، بل هو روحها وجوهرها، إذ لا يمكن لأحد أن يتصدى لبيان النصوص القرآنية وفهمها بدون علم الإعراب ودلالاته وأحكامه وعلاماته، ولاختلاف الإعراب تأثير كبير في اختلاف المعاني القرآنية وبيان ما يتوخى منها. وعن أثر الإعراب في فهم النص القرآني ما ورد في الكتاب المعاني والإعراب عند النحويين بأن البحث في الصلة بين المعنى والإعراب يحتاج إلى قدر كبير من الفهم والرؤية، لأنه بحث يقوم على تلمّس المعنى الخصب الذي يعنيه النحوي من غير أن يصرح به بل يلفت إليه بالإعراب.
وقال العلامة زكريا الأنصاري في أطروحته (إعراب القرآن العظيم) بـ”أن العلوم على مختلف مجالاتها قامت دراسة هذا الكتاب من جوانبه المتعددة؛ لتكشف عن ذخائره، وتبيّن للناس عن إعجازه وفوائده، ومن هذه العلوم: علم الإعراب الذي خصَّ الله به أمَّتنا”[18]، كما روي “بأن الله عز وجل خصَّ هذه الأمة بثلاثة أشياء، لم يعطها من قبلها، الإسناد والأنساب والإعراب”[19].
الإعراب ومعنى النص القرآني:
الإعراب هو من أهم الوسائل لبيان معاني النص القرآني وإظهاره، وقد يفهم بأنه مظهر من مظاهر الدقة في البيان؛ تكون معرفة تركيب الألفاظ وإعرابها مصدرًا من مصادر فهم النص القرآني، ويتضح ما أشكل على الباحث أو القارئ ، إذ لا يخفى على أحد مهمته الإعراب في توضيح المعنى الذي تنشده الآيات القرآنية وبيان ما تقصده من دلالات، مما أدّى إلى تصنيف المصنفات قديمًا وحديثًا.
ومن أقوال العلماء عن الإعراب ومعنى النص القرآني قول أبو البقاء العكبري مؤلف كتاب إعراب القراءات الشواذ: “بأن الروايات التاريخية تؤكد بأن المحاولات الأولى للنحاة الأوائل إنما وضعت لخدمة القرآن الكريم ولحفظ اللسان من الخطأ عند تلاوته، بالإضافة إلى أن تقدير معاني الآية الشريفة وإعرابها يتوقف أحدهما على الآخر، لأن الخطأ في تقدير الإعراب قد يؤدي إلى الخطأ إلى تقدير المعنى، وهذا ما حدث عند ما سمع الأعرابي من يقرأ “أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ وَرَسُوْلُهُ[20]” بكسر اللام في (رسوله) فقال الأعرابي: إن يكن الله بريء من رسوله، فأنا أبرأ منه”[21].
ومنهم الأستاذ الدكتور محمد حسين عثمان الذي قال في كتابه (الإعراب والمعنى في القرآن وبيان معانيه): بـ”أن التي ألفت في إعراب القرآن ومعانيه، منذ بداية المراحل الأولى للتأليف النحوي ضاع أكثرها، واختلفت طرق تأليف هذه الكتب باختلاف المؤلفين، لكنها ربما اتفقت فيما بينها في شيء واحد هو اهتمامها بالإعراب والمعنى معاً”[22]. ومن ذلك ما قال أ.د. أحمد سليمان ياقوت في كتابه (ظاهرة الإعراب في النحو العربي وتطبيقها في القرآن الكريم)، “بأن العلاقة بين القرآن والإعراب علاقة وثيقة متينة تتضح في كثير من مسائل المظاهر فلقد كان معظم القراء من النحاة، وكان كل منهم يعقد لقراءته، وكانت نقط القرآن على يد أبي الأسود الدويلي إعرابًا، وليس ببعيدعن الكتب التي ألفت خالصة في إعراب القرآن، بل إن اللحن في قراءة القرآن إعرابًا هو الذي دعا إلى نشأة النحو”[23].
ويرى الباحث بناء على أقوال العلماء والنحاة عن الإعراب وأثره في معنى النص القرآني وجود صلة متينة بين الإعراب ومعنى النص القرآني لوجود الآيات القرآنية والروايات عن النبي والآثار عن الصحابة الدالة على ذلك ومنها:
- قال الله عز وجل: “نَزَلَ بِهِ الرُّوْحُ الأَمِيْنُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُوْنَ مِنَ الْمُنْذِرِيْنَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْنٍ”[24].
- قوله تعالى: ” وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِيْ يُلْحِدُوْنَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِيْنٌ”[25].
- ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أعربوا القرآن، واتبعوا غرائبه، فإن غرائبه فرائضه وحدودهن فإن الله تعالى أنزله على خمس وجوه؛ حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأعلموا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال[26].
- ما رواه عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أعربوا القرآن، فإنه عربي وتفقهوا في السنة، وأحسنوا عبارة الرؤيا، وإذا قص أحدكم على أخيه فليقل: اللهم إن كان خيرًا فلنا، وإن كان شرًا فعلى عدونا”[27].
- ما روي أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات، وأعربوه فإنه عربي، وإن الله يحب أن يعرب به”[28].
وإذا تأملنا هذه الروايات لنجد بأن فهم نصوص القرآن الكريم مبنيا على معرفة الإعراب، لخضوع الإعراب للمعنى القرآني مطلقًا، فيكشف الفاعل عن المفعول، ويفرق الاستفهام عن التعجب، ويبيّن اسم الزمان عن اسم المكان، ويحدد المبتدأ عن الخبر وغيرها.
التطبيق الإعرابي للنص القرآني:
إن إعراب النص القرآني من الدراسات الأساسية التي اكتبسها بيان القرآن، لأن القرآن نص عربي معجز، ومصدر لعديد من الدراسات اللغوية والإسلامية مع أنه مصدر لتشريع الأول، وكان النص القرآني مجالًا للتطبيق الإعرابي، لما في الإعراب من الوسيلة لفهم المعنى القرآني وتحديده، وكشف الغموض عنهن وإعطاء الكلمات القرآنية حرية الحركات التي تتنوع بتنوع التراكيب والمواقف والمقامات.
إضمار الجمل من النص القرآني
- قوله تعالى: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرّحِيْمِ” وقد قدر “أبدأ” في أبدأ باسم الله، أو “بدأت بسم الله، أو “ابتداء” في ابتدائي باسم الله، وأضمر قوم فيها اسما مفردا على تقدير: ابتدائى باسم الله، فيكون الظرف[29] خبراً للمبتدأ، وإذا قدر “أبدأ” و “بدأت” في “بسم الله” يكون في موضع النصب مفعولاً به، وإذا قدر “ابتدائي” في “باسم الله” يكون الضمير قد انتقل إليه من الفاعل المحذوف الذي هو الخبر الحقيقة[30].
- قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ)[31]، وقد قدر “فأكل” أي: فمن اضطر فأكل، وهو في الصلة “من” و “عير” حال من قوله “اضطر” ومن الضمير في “أكل” يأتي الضمير المحذوف. ومن ذلك ما ورد في كتاب إعراب القرأن الميسر “باغ” مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الياء للثقل وحذفت الياء لإلتقلء ساكنين[32].
- قوله تعالى: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [33]، وقد قدر “يقولون” في “سلام عليكم” ويكون “يقولون” في موضع الحال، و”سلام عليكم” في موضع الخبر[34].
ومن ذلك ما ورد في كتاب الإعراب القرآني بأنه يجوز أن يكون “من” في موضع رفع ويكون التقدير أولئك ومن صلح من آبائهم وأزواجهم لهم عقبى الدار، و”الملائكة” ابتدأ “يدخلون” في موضع الخبر والتقدير يقولون “سلام عليكم”.
حذف المضاف من النص القرآني:
قوله تعالى: (خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ)[35]، والتقدير هو على مواضع سمعهم، فحذف لأنه استغني عن جمعه لإضافته إلى الجمع[36]. ومن ذلك ما ورد في كتاب إعراب القرآن وبيانه، “ختم” فعل ماض مبني على الفتحة، “الله” فاعل مرفوع وعلامته رفعه الضمة، “على قلوبهم” الجار والمجرور متعلقان بختم، “وعلى سمعهم” عطف على قلوبهم وعلى أبصارهم” والواو استئنافية والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم[37].
قوله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّيْنِ)[38]، والتقدير هو مالك أحكام يوم الدين. ومن ذلك ما ورد في كتاب الإعراب المفصل لكتاب الله بأن جملة “مالك يوم الدين” صفة ثالثة للفظ الجلالة مجرور بالكسرة، ويوم: مضاف إليه مجرور وعلامة جر الكسرة وهو مضاف، الدين: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة، وهو من إضافة اسم الفاعل “مالك” إلى مفعوله “يوم”[39].
جواز تقديم خبر المبتدأ من النص القرآني:
قال الله تعالى: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوْقِنُونَ)[40]، أي هم يوقنون بالآخرة. “بالآخرة” جار ومجرور وهو خبر مقدم على المبتدأ “هم” ضمير منفصل في محل مبتدأ مرفوع، “يوقنون” جملة فعلية في محل خبر المبتدأ[41].
وقوله تعالى: (وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ)[42]، أي هم خالدون في النار[43]. “في النار” جار مجرور في محل رفع خبر مبتدأ مقدم.
حذف الجر والمجرور في النص القرآني:
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا سَوَاءٌ)[44]، والتقدير هو إن الذين كفروا بالله. إذ حذف الجار والمجرور الذي وقع موضع خبر المبتدأ[45].
وقوله تعالى: (وَالَّذِيْنَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَّتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ)[46]، والتقدير هو يتربصن بعدهم، ومن ذلك ما ورد في كتاب إعراب القرآن بأن التقدير: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن بعدهم أو بعد موتهم، ثم حذف “بعدهم”[47].
الخاتمة:
وفي الاختمام يمكننا أن نقول قد توصلنا في هذا البحث إلى النتائج التالية:
الأول: أكد البحث أن موضوع أثر الإعراب في فهم النص القرآني في حاجة ماسة إلى دراسات مستفيضة، لقلة الأبحاث والدراسات التي تناول هذا الموضوع عبر العصور المختلفة.
الثاني: اوضح البحث أن الإعراب قام بمساعدتنا في الوقوف على على التقديم والتأخير أو الحذف في الآيات القرآنية مما جعلنا نفهم معنى النص القرآني بصورة مفهومها أقرب إلى المعنى المراد من هذا النص.
الثالث: أظهر البحث الفائدة الكامنة في معرفة إعراب النصوص القرآنية، لما في ذلك من المحاولة للوصول إلى مراد الله عز وجل بقدر الطاقة البشرية.
المراجع والمصادر:
- إبن جني، أبو الفتح عثمان، الخصائص، تحقيق: محمد على النجار، بيروت، لبنان، دار الهدى، 2001م.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس، الصحابي في فقه اللغة، ومسائلها وسنن العرب في كلامها، تحقيق د. عمر الطباع، بيروت، مكتبة المعارف، 1993م.
- إبن خالوية والحسين بن أحمد، إعراب القراءات السبع، القاهرة، مصر، مكتبة الخانجي، 1413ه.
- ابن الجوزي، أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي، تقريب العشر في القراءات العشر، ومراجعة على الضباع، القاهرة، مصر، دار الفكرية، 2014م.
- الإبراهيم، محمد الطيب، إعراب القرآن الميسر، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1422ه.
- أنيس د. أبراهيم، دلالة الألفاظ، القاهرة، مصر، الإنجلو المصرية، 1991م.
- الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، بيروت، لبنان، دار المعرفة، 1972م.
- الفرأء، أبو زكريا يحي بن زياد، معاني القرآني، القاهرة، مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980م.
- القيس، مكي بن أبي طالب، مشكل إعراب القرآن، تحقيق: ياسين محمد السواس، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، سورية، 1974م.
- النحاس، أبو جعفر، إعراب القرآن، تحقيق: زهير غازي. بيروت، لبنان، دار الكتب، 2005م.
- النمس، د. فضل محمد، الإعراب والمعنى، رسالة ماجستر، إشراف د.محمود فهمي حجازي، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، 1991م.
- يعقوب، إميل بديع، فقه اللغة العربية وخصائصها، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1982م.
Bibliography:
- Ibn- Jinni, Abul Fatah Uthman: The Characteristics, Review, Muhammad Ali al-Najjar, Beirut, Dar al-huda, 2001.
- Ibn Faris, Abul Hussain Ahmad ibn Faris: The Companion in the jurisprudence of the language, and its issues and the Sunnahs of the Arab in their speech, Review, Dr. Umar al-tabaa, Beirut, al-maarif library, 1993.
- Ibn Khalawayh and al-hussain ibn Ahmad: Parsing of the seven readings, Cairo, The Khanji Library, 1413h.
- Ibn al-Jawzi, Abu al-Khayer Muhammad ibn Muhammad al-Dimashki: Taqrib al-Ashr fi al-Qera’at al-Ashr, Review, Ali al-Diba’a, Dar al-Fikriah, Cairo, 2014.
- Ibrahim Muhammad al-Tayyeb: Easy Parsing of the Qur’an, Dar al-Nafais, Beirut, 1422h.
- Anis Dr. Ibrahim: The meaning of the Words, Cairo, Egypt, al-injalu al-misriah, 1991.
- Al-Zarkashi Badruddin ibn Muhammad ibn Abdullah: Evidance in the Science of the Qur’an. Beirut, Darul Marifa, 1972.
- Al-Farra Abu Zakaria Yahya ibn Ziad: The meaning of the Qur’an, Cairo, Egyptian General Authority for the Writers, 1980.
- Al-Qais Makki ibn Abi Ta’lib: The Problem of the Parsing of the Qur’an, Review: Yasin Muhammad al-Suas, Arabic Language Academy Publication, Damascus, 1974.
- Al-Nuhas Abu Jafar: the Parsing of the Qur’an, Review: Zuhair Gazi, Beirut, the House of the books, 2005.
- Al-Nams Dr. Fajl Muhammad: The Parsing and the Meaning, Dissertation of Master Degree, Under the Supervision of Dr. Mahmud Fahmi al-Hijazi, Cairo, Institute of Arabic Research and Studies, 1991.
- Yaqub Imyal Bad’i: the jurisprudence of the Arabic Language and its Characteristics, Dar al-Ilm lilmalaiin, Beirut, 1982.
الهوامش والإحالات:
[1] الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، 1/179، دار العلم للملايينن بيروت، 1984م.
[2] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، عرب1/588، دار صادر، بيروت، 1992م.
[3] د. محمود حسين مغالسة، النحو الشافي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1997م، ص 27.
[4] الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، 1/179، دار العلم للملايينن بيروت، 1984م.
[5] الأزهري، محمد بن أحمدن تهذيب اللغة، دار المصرية للتأليف والترجمة، الطباعة الرابعة، المجلد الأول، ص 19.
[6] الزبيدي، محمد مرتضي الحسيني، تاج العروس، عرب2/217، تحقيق: على شيري، دار الفكرة، بيروت، 1994م.
[7] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، عرب1/591، دار صادر، بيروت، 1992م.
[8] د. محمود عبد الرحمان الرمالي، الإعراب والمدخل النحوي لتحليل النصوص، ص 9.
[9] ابن عصفور، المقرب، 1/74.
[10] السورة البقرة، الآية 233،
[11] محيي الدين الدرويش، إعراب القرأن الكريم وبيانه، المجلد الأول، دار بن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ص 189.
[12] د. فضل محمد النمس، الإعراب وأثره في الفهم القرآني، مجلة البحوث والدراسات، العدد 14، السنة 9، صيف 2012م.
[13] د. يوسف بن خلف بن محل العيساوي، رد البهتان عن إعراب آيات القرآن الكريم، ص6، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية، 1431هـ.
[14] أ.د. أحمد بن محمد الخراط، المجتبي من مشكل إعراب القرأن الكريم، الجزء الأول، ص13. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريق، المدينة المنورة، 1426هــ.
[15] سورة يس، الآية 76.
[16] أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، ص14-15. مكتبة دار التراث، القاهرة، 256هــ.
[17] أ.د. أحمد بن محمد الخراط، المجتبي من مشكل إعراب القرأن الكريم، الجزء الأول، ص1 (المقدمة). مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريق، المدينة المنورة، 1426هــ.
[18] زكريا الأنصاري، إعراب القرآن عظيم، رسالة ماجستر، دراسة وتحقيق، إعداد موسي على موسي مسعود، إشراف الأستاذ الدكتور محمد على حسنين صبرة، جامعة القاهرة، كلية دار العلوم، قسم النحو والصرف والعروض، 1421هــ – 2001م.
[19] تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي، 2/605، دار الكلم الطيب، دمشق، 1417هــ.
[20] سورة التوبة، الآية 3.
[21] أبو البقاء العكبري، المتوفى سنة 1619م، إعراب القراءات الشواذ، المجلد الأول، ص9 (المقدمة)، عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1996م.
[22] الأستاذ الدكتور محمد حسين عثمان، إعراب القرآن الكريم وبيان معانيه، المجلد الأول، المقدمة، دار الرسالة، القاهرة، 2002م.
[23] أ.د. أحمد سليمان ياقوت، ظاهرة الإعراب في النحو العربي وتطبيقها في القرآن الكريم، ص187، دار المعرفة الجامعية، إسكندرية، 1994م.
[24] سورة الشعراء، الآية 193-195.
[25] سورة النحل، الآية 103.
[26] الجامع الصحيح للبخاري، فيصل ببليكيشنز، ديوبند، ص354.
[27] مراسل أبي داؤد، دار القلم، بيروت لبنان، 1994م.
[28] أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن الزكي، الجزء الأول، ص 42، 671هـ، مطبعة رسالة، بيروت، لبنان.
[29] جلال الدين السيوطي، إعراب القرآن، دار الفكر، دمشق، السوريا، ص 5.
[30] أعراب القرآن الميسر، محمد الطيب الإبراهيم، دار النفائس، بيروت، لبنان، 2009م، ص 17.
[31] سورة الأنعام، الآية145.
[32] أعراب القرآن الميسر، محمد الطيب الإبراهيم، دار النفائس، بيروت، لبنان، 2009م، ص 148.
[33] سورة الرعد، الآية23.
[34] أعراب القرآن الميسر، محمد الطيب الإبراهيم، دار النفائس، بيروت، لبنان، 2009م، ص 252.
[35] سورة البقرة، الآية7.
[36] جلال الدين السيوطي، إعراب القرآن، دار الفكر، دمشق، السوريا، ص 14.
[37] محيي الدين الدرويش، إعراب القرأن الكريم وبيانه، المجلد الأول، دار بن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ص 28.
[38] سورة الفتحة، الآية4،
[39] بهجت عبد الواحد صالح، الإعداد المفصل لكتاب الله المرتل، المجلد الأول، دار الفكر للنشر والتوزيع، ص 9.
[40] سورة البقرة، الآية4.
[41] جلال الدين السيوطي، إعراب القرآن، دار الفكر، دمشق، السوريا، ص 149.
[42] سورة التوبة، الآية 17.
[43] جلال الدين السيوطي، إعراب القرآن، دار الفكر، دمشق، السوريا، ص 149.
[44] سورة البقرة، الآية6.
[45] جلال الدين السيوطي، إعراب القرآن، دار الفكر، دمشق، السوريا، ص 135.
[46] سورة البقرة، الآية 234.
[46] جلال الدين السيوطي، إعراب القرآن، دار الفكر، دمشق، السوريا، ص 136.